1079 - وَعَنْ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ فِي شارِبِ الخمْرِ: ((إِذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الثَّالِثَةَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا شَرِبَ الرَّابِعَةَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ)).
أَخْرَجَهُ أحمدُ - وَهَذَا لَفْظُهُ - والأربعةُ، وذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وأَخْرَجَ ذَلِكَ أَبُو داودَ صَرِيحاً عَنِ الزُّهْرِيِّ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ حَسَنٌ.
حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ والدَّارِمِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ حِبَّانَ.
وأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وأَخْرَجَهُ أيضاً الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، وَعَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ، وأَخْرَجَهُ الخَطِيبُ عَن ابْنِ إِسْحَاقَ، عَن الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبِيصَةَ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَ الزُّهْرِيُّ بِهَذَا.قَالَ الْبُخَارِيُّ: هَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ.
أَمَّا المُصَنِّفُ فَيَقُولُ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ صَرِيحاً عَنِ الزُّهْرِيِّ.
والحديثُ صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي (المُحَلَّى)، وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي (المُحَرَّرِ)، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- الْخَمْرُ: هِيَ المعروفةُ، تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، فَيُقَالُ: هُوَ الْخَمْرُ، وَهِيَ الْخَمْرُ، وَأَمَّا إِلْحَاقُ التاءِ بِهَا فَعَلَى أَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْخَمْرِ، وَتُجْمَعُ عَلَى: خُمُورٍ، مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ. خَامَرَ الْعَقْلَ؛ أَيْ: غَطَّاهُ، فَأَصْلُهَا مِن: الْمُخَامَرَةِ، وَهِيَ المُخَالَطَةُ، سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِمُخَالَطَتِهَا الْعَقْلَ، وَتَغْطِيَتِهَا إِيَّاهُ، وَأَصْلُ مَادَّةِ (خَمَرَ) تَدُورُ عَلَى التَّغْطِيَةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شاربَ الْخَمْرِ يُقَامُ عَلَيْهِ الحدُّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَإِذَا شَرِبَهَا الرابعةَ وَلَمْ يَرْدَعْهُ الْجَلْدُ المُكَرَّرُ عَلَيْهِ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِي المَرَّةِ الرابعةِ.
2- هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الظاهريَّةِ، وَنَصَرَ ابْنُ حَزْمٍ هَذَا الْقَوْلَ، وَدَافَعَ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ.
3- أَمَّا الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ: قَدْ يُرَادُ الأَمْرُ بالوَعِيدِ، وَلا يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ.
4- أَمَّا جمهورُ الْعُلَمَاءِ – وَمِنْهُم الأَئِمَّةُ الأربعةُ – فَيَرَوْنَ أَنَّ القتلَ فِي الرابعةِ مَنْسُوخٌ، وَحُكِيَ الإجماعُ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ لا يُعْلَمُ فِي عَدَمِ القتلِ اخْتِلافاً بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي القديمِ والحديثِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: والقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ)). فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ، وَرُفِعَ القَتْلُ، وَكَانَتْ رُخْصَةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ.
ونَقَلَ المُنْذِرِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَجْمَعَ المسلمونَ عَلَى وُجُوبِ الحدِّ فِي الْخَمْرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلاَّ طَائِفَةً شَاذَّةً قَالَتْ: يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ للحديثِ، وَهُوَ عِنْدَ الكَافَّةِ مَنْسُوخٌ.
وَقَالَ شيخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: قَدْ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَهَا فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِنْ شَرِبَهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ)).
فَأَمَرَ بِقَتْلِ الشاربِ فِي الثالثةِ أَو الرابعةِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لا يُوجِبُونَ القتلَ، بَلْ يَجْعَلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخاً، وَهُوَ المشهورُ مِنْ مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ.
قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا كَانَ الأَمْرُ بالقَتْلِ أَوَّلَ الأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُدْعَى حِمَاراً، وَهُوَ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، فَكَانَ كُلَّمَا شَرِبَ جَلَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَعَنَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: ((لا تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)).
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ جُلِدَ مَعَ كَثْرَةِ شُرْبِهِ.
قَالَ صديقٌ فِي (الرَّوْضَةِ): قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بالقَتْلِ فِي الثالثةِ فِي بَعْضِ الرواياتِ، وَفِي الرابعةِ فِي بَعْضٍ، وَفِي الْخَامِسَةِ فِي بَعْضٍ، وَوَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى النسخِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ رُفِعَ القتلُ عَن الشاربِ، وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ.