دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1430هـ/15-01-2009م, 08:56 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي شرح البردة(3/7): أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل


13- أَمْسَتْ سُعادُ بأَرْضٍ لا يُبَلِّغُها = إلا العِتاقُ النَّجيباتُ الْمَراسِيلُ
14- ولن يُبَلِّغَها إلا عُذَافِرَةٌ = فيها على الأَيْنِ إِرقالٌ وتَبْغِيلُ
15- مِن كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ = عُرْضَتُها طامِسُ الأعلامِ مَجهولُ
16- تَرْمِي الغُيوبَ بعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهَِقٍ = إذا تَوَقْدتِ الحزَّازُ والْمِيلُ
17- ضَخْمٌ مُقَلَّدُها عَبْلٌ مُقَيَّدُها = في خَلْقِها عن بَناتِ الفَحْلِ تَفضيلُ
18- غَلْبَاءُ وَجناءُ عُلكومٌ مُذَكَّرَةٌ = في دَفِّها سَعَةٌ قُدَّامُها مِيلُ
19- وجِلْدُها من أُطُومٍ ما يُؤَيِّسُهُ = طِلْحٌ بضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهزولُ
20- حَرْفٌ أخوها أبوها مِن مُهَجَّنَةٍ = وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ


  #2  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 08:37 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح الخطيب يحيى بن علي التبريزي

13- أمْسَتْ سعادٌ بأرضٍ لا تُبَلِّغُهَا إلاَّ العِتَاقُ النَّجِيبَاتُ المَرَاسِيلُ

( العِتَاقُ ) جمعُ عتيقٍ، و( نَجِيبَاتٌ ) جمعُ نجيبَةٍ، ( والعتيقُ ): الكريمةُ من الإبلِ أو الخيلِ وغيرِهما، ويُقَالُ: وجهٌ عَتِيقٌ. أيْ:كريمٌ حسنٌ كأنَّهُ عُتِقَ من العيوبِ؛ أيْ:نَجَا منها، وبهَذَا سُمِّيَ عِتْقُ العبدِ والأَمَةِ؛ أيْ:نَجَوْا من الرِّقِّ، وقَوْلُهُم: أعْتِقْني من النارِ؛ أيْ: نَجِّنِي منها، وقيلَ للبِكْرِ: العَاتِقُ؛ أيْ:نَجَتْ منْ أنْ تُقْنَصَ، وقالَ ( ابنُ كيسانَ ): سُمِّيَتْ عاتقاً؛ لأنَّها عُتِقَتْ عنْ خِدْمَةِ أبَوَيْهَا، ولمْ يَمْلِكْهَا زوجٌ.
وقالَ ( ابنُ السِّكِّيتِ ): هيَ التي بَيْنَ أنْ تُدْرِكَ وإلى أنْ تَعْنَسَ عُنُوساً ما لمْ تزَوَّجْ، و( المراسيلُ ) جَمْعُ مِرْسَالٍ، وهوَ مِفْعَالٌ منْ قولِهِم: ناقةٌ رَسْلَةٌ، إذا كانتْ سريعةَ وضعِ اليدَيْنِ في السيرِ، ومعناهُ أنَّ هذهِ الموصوفةَ صَارَتْ بأرضٍ بعيدةٍ لا يَبْلُغُها إلاَّ الإبِلُ التي هذهِ صِفَتُها، و( تُبَلِّغُهَا ) بمعنى تَبْلُغُهَا، كما يُقالُ: مَشَى ومَشَّى، قالَ الشاعرُ:

تَمَشَّى بها الدَّرْمَاءُ تَسْحَبُ قُصْبَهَا كأنْ بَطْنُ حُبْلَى ذَاتِ أَوْنَيْنِ مُتْئِمِ

( الدَّرْمَاءُ ): الأرنبُ، و( القُصْبُ ): المِعَا، وجمْعُهُ أَقْصَابٌ، يَصِفُ روضةً كثيرةَ البناتِ ويقولُ: تَمْشِي بها الأرنبُ وتَسْحَبُ بطنَها كأنَّهُ بَطْنُ حُبْلَى ذاتِ أَوْنَيْنِ؛ أَيْ: ثِقْلَيْنِ.مُتْئِمِ: في بطْنِها وَلَدَانِ.

14- ولَنْ يُبَلِّغَهَا إلاَّ عُذَافِرَةٌ فيها على الأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ

عُذَافِرَةٌ: ناقةٌ صُلْبَةٌ. والأَيْنُ: الإعياءُ والتعبُ.
والإِرْقَالُ والتَّبْغِيلُ: ضَرْبَانِ من السيرِ السريعِ.
وهذا البيتُ تأكيدٌ لما قبلَهُ في أنَّ هذهِ الأرضَ لا تَبْلُغُهَا إلاَّ ناقةٌ صُلْبَةٌ، إذا أَعْيَتْ وكَلَّتْ منْ كثرةِ السيرِ جاءَ منها على التعبِ هذانِ النوعانِ من السيرِ، والتبغيلُ كأنَّهُ مُشَبَّهٌ بسيرِ البغالِ لشدَّتِهِ.

15- منْ كلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ

الذِّفْرَيَانِ: ما تحتَ الأُذُنَيْنِ مِنْ عَنْ يمينِ الرقبةِ وشمالِها.
والنَّضْخُ: أثْخَنُ من النَّضْحِ، والنَّضْحُ مثلُ الرَّشْحِ، والنَّضْخُ أغلظُ منهُ،وعُرْضَتُهَا: منْ قَوْلِهِمْ: بعيرٌ عُرْضَةٌ للسفرِ؛ أيْ:قَوِيٌّ عليهِ، وكذلكَ: فلانٌ عُرْضَةٌ للسيرِ؛ أيْ:قَوِيٌّ عليهِ، وجعَلْتُهُ عُرْضَةً لكذا؛ أيْ: نَصَبْتُ لهُ.
وقولُهُ: (طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ)؛ أيْ: دارسُ الأعلامِ، يُقَالُ: طَمَسَ الشيءُ طُمُوساً، وطَمَسَهُ غَيْرُهُ طَمْساً.
والأَعْلامُ: جمعُ عَلَمٍ، وأعلامُ الطريقِ ما يُسْتَدَلُّ بها عليهِ، ومعناهُ أنَّ عُرْضَةَ هذهِ الناقةِ مكانَ طمسِ الأعلامِ مجهولٌ، والعُرْضَةُ ها هنا ما يُعْرَضُ ويُمْنَعُ، ومنهُ قولُهُ تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ}؛ أيْ: لا تَجْعَلُوا الحَلِفَ باللَّهِ مُعْتَرِضاً مانعاً لكُمْ أنْ تبَرُّوا.
ويُرْوَى: (عَارِضُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ).

16- تَرْمِي الغُيُوبَ بعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ إذا توَقَّدَتِ الحُزَّانُ والمِيلُ

الغُيُوبُ: جمعُ غَيْبٍ، وكلُّ ما غابَ منْ عينَيْكَ فهوَ غيبٌ.
والمُفْرَدُ: ثورُ الوحشِ، شَبَّهَ الناقةَ بهِ.
واللَّهِقُ: ( بفَتْحِ الهاءِ وكسْرِها ) الأبيضُ.
والحُزَّانُ: جمعُ حَزِينٍ، وهوَ الغلظُ من الأرضِ.
والمِيلُ من الأرضِ معروفٌ، ومعناهُ أنَّ هذهِ الناقةَ قَوِيَّةٌ على السيرِ في الحوزانِ، إذا توَقَّدَتْ هذهِ المواضعُ منْ شدَّةِ الحرِّ يَسْهُلُ عليها السيرُ فيها.

17- ضخمٌ مُقَلَّدُها فَعْمٌ مُقَيَّدُهَا في خَلْقِهَا عنْ بَنَاتِ الفحلِ تَفْضِيلُ

المُقَلَّدُ: موضعُ القلادةِ، وإنَّما المرادُ أنَّها غليظةُ الرقبةِ.
والفَعْمُ: المُمْتَلِئُ.
والمُقَيَّدُ: موضعُ القيدِ، يعْنِي أنَّ أطرافَها غليظةٌ، فهيَ أقْوَى لها على السيرِ. وقولُهُ: في خَلْقِها عنْ بناتِ الفحلِ تفضيلُ؛ أيْ: هذهِ الناقةُ تَفْضُلُ على النُّوقِ وبناتِ الفحلِ من النُّوقِ التي هيَ تُشْبِهُ الذكورَ، وإذا وَصَفُوا الناقةَ بالشدَّةِ والصلابةِ قالُوا: مُذَكَّرَةٌ، أيْ تُشْبِهُ الذكورَ، وعَيْرَانَةٌ: أيْ تُشْبِهُ عيرَ الوحشِ لصلابَتِها وقُوَّتِها، أيْ: هيَ كاملةُ الخَلْقِ تَفْضُلُ أخواتِها من الإبلِ.

18- غَلْبَاءُ وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ فِي دَفِّهَا سَعَةٌ قُدَّامُهَا مِيلُ

عَنَى بالغَلْبَاءِ: الغليظةِ الرقبةِ.
والوَجْنَاءِ: العظيمةِ الوَجْنَتَيْنِ.
وقولُهُ: قُدَّامُهَا ميلُ: يَصِفُها بطولِ العنقِ.

19- وجِلْدُهَا منْ أُطُومٍ لا يُؤَيِّسُهُ طَلْحٌ بِضَاحِيَةِ المَتْنَيْنِ مَهْزُولُ

قيلَ: إنَّ الأُطُومَ الزَّرَافَةُ،يَصِفُ جلدَها بالمَلاسَةِ.
والتَّأْيِيسُ: التذْلِيلُ.
والطَّلْحُ: القُرَادُ.
وضاحيَةُ المَتْنَيْنِ: ما بَرَزَ للشمسِ منهُ، وهوَ منْ قولِهِم: ضَحَى يَضْحَى إذا برزَ للشمْسِ، أوْ لمَلاسَةِ جلدِها لا يثْبُتُ عليهِ قُرَادٌ.

20- حَرْفٌ أخُوهَا أبُوها منْ مُهَجَّنَةٍ وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ

الحَرْفُ: الناقةُ الضامرةُ شَبَّهُوهَا بالحرفِ منْ حُرُوفِ الكتابةِ لرِقَّتِهَا وضُمْرِها، وقدْ فعَلُوا ذلكَ كثيراً، قالَ أحمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ:
حتَّى سَطَرْنَا بها البَيْدَاءَ عنْ عُرُضٍ وكُلُّ وَجْنَاءَ مِثْلُ النُّونِ في السَّطْرِ

أيْ:جَعَلْنَا الإِبلَ التي تسيرُ عليها سَطْراً في البيداءِ جَعْلَ الوَجْنَاءِ من النُّوقِ نُوناً من الحروفِ في السَّطْرِ.
والوَجْنَاءُ: الناقةُ الغليظةُ الوجْنَتَيْنِ، وقيلَ بلْ هيَ التي تُشْبِهُ الوَجِينَ من الأرضِ، وهوَ الغليظُ منها.
قالَ أحمدُ أيضاً:

إذا مَا أنَخْنَا حُرَّةً فوقَ حَرَّةٍ بَكَى رحمةَ الوَجْنَاءِ مِنْهَا وَجِينُهَا

أتَى التجنيسُ في موضعَيْنِ من البيتِ وهُما الحُرَّةُ والحَرَّةُ، والوَجْنَاءُ والوَجِينُ. والحُرَّةُ: الكريمةُ من النوقِ وغيرِها، والحَرَّةُ: كُلُّ أرضٍ تَرَكَها ذاتِ حجارةٍ سُودٍ.والوَجْنَاءُ والوَجِينُ قدْ مرَّ ذِكْرُهما؛أيْ: إذا مَا أنَخْنَا ناقةً حُرَّةً فوقَ هذهِ الحَرَّةِ من الأرضِ بَكَتْ هذهِ الحَرَّةُ رحمةً لهذهِ الحُرَّةِ، والحَرَّةُ هيَ الوَجِينُ من الأرضِ، والحَرَّةُ هيَ الوَجْنَاءُ في المعنَى. والواوُ منْ قولِهِ: ( وَكُلُّ وَجْنَاءَ مثلُ النُّونِ في السطرِ )، واوُ الحالِ، والجُمْلَةُ في موضعِ نصبٍ، وقدْ شَبَّهَ أيضاً الناقةَ بالنُّونِ من الحروفِ في قولِهِ:

وحرفٌ كنونٍ تحتَ راءٍ ولمْ يسْكُنْ بدَالٍ يَؤُمُّ الرَّسْمَ غَيَّرَهُ النَّقْطُ

أيْ: ورُبَّ ناقةٍ حرفٍ كنُونٍ؛ لدقَّتِها وضُمْرِهَا تحتَ راءٍ؛ أيْ: تحتَ رَجُلٍ يَضْرِبُرِئَتَيْهَا، يُقَالُ رَأَيْتُهُ إذا ضَرَبْتُ رِئَتَهُ، وكَبَدْتُهُ: إذا ضرَبْتُ كَبِدَهُ، وكَلَيْتُهُ: إذا ضَرَبْتُ كُلْيَتَهُ، ولمْ يَسْكُنْ بدالٍ: أيْ مُرَافِقٍ، يُقَالُ: دَلا في سَيْرِهِ يدْلُوهُ: إذا رَفِقَ، قالَ الشاعرُ يُخَاطِبُ الحَادِيَيْنِ:

لا تَقْلُوَاهَا وَادْلُوَاهَا دَلْواً إنَّ معَ اليومِ أَخَاهُ غَدْواً

أيْ: غَداً.
وتَقْلُوَاهَا: منْ قَوْلِهِمْ: قَلا العِيرُ أُتْنَهُ يَقْلُوهَا إذا طَرَدَها طَرْداً حَثِيثاً.وقولُهُ: يَؤُمُّ الرَّسْمَ؛أيْ: رَسْمَ الدارِ. غَيَّرَهُ النَّقْطُ: يعني غَيَّرَهُ المطرُ. وقيلَ: الحرفُ من النُّوقِ: التي تُشْبِهُ حرفَ الجَبَلِ، وإنَّما شَبَّهُوهَا بحرفِ الجبلِ لشدَّتِها وصَلابَتِها، وكِلاهُما وَجْهٌ. والقَوْدَاءُ: الطويلةُ. ومُهَجَّنَةٌ: [كَأَنَّها منْ قَوْلِهِم: أَهْجَنْتُ الشاةَ والناقةَ إذا حُمِلَ عليْهِما في صِغَرِهِما، وكذلكَ الصَّبِيَّةُ الحَدَثَةُ إذا زُوِّجَتْ قبلَ بُلُوغِها، ورُبَّما سُمِّيَت النخلةُ إذا حُمِلَتْ وهيَ صغيرةٌ : مُهَجَّنَةً، وأَصْلُ الهُجْنَةِ غِلَظُ الخلقِ في الخيلِ كغِلَظِ البَرَاذِينِ، الذكرُ والأنثى فيهِ سواءٌ، يُقَالُ: بِرْذَوْنَةٌ هَجِينٌ، وهكذا قالَ أبو عُبيدةَ.
وشِمْلِيلٌ: فِعْلِيلٌ منْ قَوْلِهِمْ: ناقةٌ شِمِلَّةٌ ؛ إذا كانَتْ سريعةً خفيفةً.
وقولُهُ: أَخُوها أَبُوها وعَمُّها خالُها، مثالُ هذا أنَّ فحْلاً ضربَ أُمَّهُ فوضَعَتْ ذكراً وأنثى، ثمَّ ضربَ الفحلُ الأنثى فوضَعَتْ ذكراً، ثمَّ ضربَ الذكرُ أُمَّهُ فوضَعَتْ أنثى، فهذهِ الأنثى هيَ الحرفُ التي أبُوها أخُوها منْ أُمِّهِ، وعمُّها الذكرُ الأوَّلُ وهوَ خالُها؛ لأنَّهُما تَوْأَمَانِ، أعْنِي الذكرَ الأوَّلَ، والأُنْثَى التي هيَ أُمُّ هذهِ الحَرْفِ. وأقربُ مِنْ هذا أنْ يُقَالَ: إنَّهُ حَمَلَ بعيرٌ على بنتِهِ فجاءَتْ بحملَيْنِ، فحملَ أحدُ الحملَيْنِ على أُمِّهِ فجاءَتْ بناقةٍ، فهذهِ الناقةُ الثانيَةُ هيَ الموصوفةُ، فصارَ أحدُهما أخَاها وأبَاها لأنَّهُ منْ أُمِّها، وصارَ الآخرُ عمَّها وخالَها؛ لأنَّهُ أخو أبِيها وأخُو أُمِّها، وإنَّما يفعلونَ هذا لكَرَمِها ونَجَائِهَا عندَهُم.

  #3  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:00 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد الأنباري

أَمْسَـتْ سُــعَادُ بِأَرْضٍ لاَ يُـبَـلِّـغُهَا إِلاَّ الْعِتـَاقُ النَّجِيــبَاتُ المَرَاسِــيــلُ
يُبَلِّغُها: بمعنى يَبْلُغُها، كما يُقالُ: مَشَّى ومَشَى بمعنًى. و "العِتَاقُ": جَمْعُ عَتِيقٍ، وهي الكريمةُ مِن الإِبِلِ ومِن كلِّ شَيْءٍ. و"النَّجِيبَاتُ": جَمْعُ نَجِيبَةٍ، و "الْمَرَاسِيلُ": جَمْعُ مِرْسَالٍ، وهي الناقةُ السرِيعَةُ.

المعنى: أنَّ هذه المرأةَ صَارَتْ بأرضٍ لاَ يَبْلُغُها إِلاَّ الإِبِلُ التي هذه صِفَتُها.
وَلَـنْ يُـبَـلِّغَـهَا إِلاَّ عُـــذَافِــــرَةٌ فِيــهَا عَلَى الأَيْــنِ إِرْقَـالٌ وَتَبْــغِيــلُ
عُذَافِرَةٌ: ناقَةٌ صَلْبَةٌ. والأَيْنُ هَهُنا: الإِعْيَاءُ. الأينُ أيضاً: الحَيَّةُ. والإِرْقَالُ: ضَرْبَانِ مِن السَّيْرِ.

مِنْ كُلِّ نَــضَّــاخَــةِ الذِّفْـرَى إِذَا عَـرِقَتْ عُـرْضَتُهَا طـَامِـسُ الأَعْــلامِ مَجْـهُــولُ
"نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى": تَنْضَخُ بالعَرَقِ. والنَّضْخُ – بالخاءِ المُعْجَمَةِ – أَغْلَظُ مِن النَّضْحِ بالحاءِ غيرِ مُعْجَمَةٍ.

والذِّفْرَى: ما تَحْتَ الأُذُنِ مِن يَمِينِ الرَّقَبَةِ وشِمَالِهَا، وهي أوَّلُ ما يَعْرَقُ مِنَ البَعِيرِ.
وعُرْضَتُهَا: مِن قَوْلِهِم: نَاقَةٌ عُرْضَةٌ للسَّفَرِ، أي: قَوِيَّةٌ عليه.
وطَامِسُ الأَعْلاَمِ: يعنِي: طَرِيقاً قَدْ طُمِسَتْ أَعْلاَمُه.
والمعنى: أنَّ عُرْضَةَ هذه الناقَةِ مكانٌ هذه صِفَتُه.
تَرْمِي الغُيُــوبَ بِعَــيْـنَيْ مُـفْرَدٍ لَـهِقٍ إِذَا تَـوَقَّـدَتِ الْحُـزَّانُ وَالْمِيـــلُ
"الغُيُوبَ": جَمْعُ غَيْبٍ, وهو ما غابَ عنها. والمُفْرَدُ: ثَوْرُ الوَحْشِ. واللَّهِقُ: الأبيضُ. والحُـزَّانُ: جَمْعُ حِزِّينٍ وهو المكانُ الغليظُ. والمِيلُ مِنَ الأرضِ مَعْرُوفٌ.

والمعنى: أنَّ هذه النَّاقَةَ حَادَّةٌ تَطِيرُ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ, وسُوِّدَتْ؟= أَعْيُنُ الإِبِلِ بمنـزِلَةِ ثَوْرِ الوَحْشِ.
ضـَخْمٌ مُـقَـلَّدُهَا فَعْــمٌ مُقَـيَّـدُهَا فِي خَـلْقِـهَا عَنْ بَـنَاتِ الْفَـحْلِ تَفْضِـيــلُ
"ضَخْمٌ": غَلِيظٌ. و"مُقَلَّدُهَا": مَوْضِعُ القِلاَدَةِ. و"فَعْمٌ": مُمْتَلِئٌ. و"مُقَيَّدُها": مَوْضِعُ القَيْدِ.

وقَوْلُه:
* فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِيلُ *
أي: أَنَّهَا تَفْضُلُ فِي خَلْقِهَا عَنْ أَخَوَاتِهَا مِنَ الإِبِلِ.
والمعنى: أنها غَلِيظَةُ الرَّقَبَةِ والأطرافِ, كَامِلَةُ الخَلْقِ، وذلك أقْوَى لَهَا على السَّيْرِ.
حـَرْفٌ أَخُــوهَا أَبُـوهَا مِنْ مُـهَجَّــنَةٍ وَعَــمُّهَا خَـالُـهَا قَــوْدَاءُ شِــمْلِيــلُ
"حَرْفٌ": نَاقَةٌ صَلْبَةٌ, شُبِّهَتْ بحَرْفِ الجَبَلِ. وقِيلَ: حَرْفٌ: نَاقَةٌ ضَامِرٌ, شُبِّهَتْ بحَرْفٍ مِن حُرُوفِ الكِتابَةِ. وقِيلَ: شُبِّهَتْ بحَرْفِ السَّيْفِ.

و"مُهَجَّنَةٍ": مِن قَوْلِهِم: أُهْجِنَتِ النَّاقَةُ: إذا حُمِلَ عَلَيْها في صِغَرِها.
"قَوْدَاءُ": طَوِيلَةُ العُنُقِ.
"شِمْلِيلُ": سَريعَةٌ.
وقَوْلُه: " أَخُوهَا أَبُوهَا، وعَمُّهَا خَالُهَا " " يعني: أنَّ أَخَاهَا مِثْلُ أبيها, وعَمَّها مثلُ خَالِها في الكَرَمِ، يعني: أنها مِن إِبِلٍ كِرَامٍ، وإنْ حُمِلَ الكلامُ على ظاهِرِه. فمثالُه: أنه حَمَلَ جَمَلٌ على بِنْتِه فأَتَتْ بِجَمَلَيْنِ، فحَمَلَ أَحَدُهُما على أُمِّهِ فأَتَتْ بنَاقَةٍ، فصَارَ أَحَدُهُما أَخا هذه النَّاقَةِ وأَبَاهَا؛ لأنه مِنْ أُمِّهَا، وصارَ الآخَرُ عَمَّهَا وخالَها؛ لأنَّه أخو أَبِيهَا وأَخُو أُمِّها.

  #4  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 09:22 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

أَمْسَـتْ سُـعَادُ بأَرْضٍ لا يُبـَلِّغُهَا إِلاَّ العِــتـَاقُ النَّجِيـبَاتُ الـمَرَاسِيــلُ
يُرِيدُ أَنَّهَا ظَعَنَتْ غُدْوَةً، وأَمْسَتْ بأَرْضٍ بَعِيدَةٍ لا يُبَلِّغُها إِلاَّ نَاقَةٌ قَوِيَّةٌ سَرِيعَةٌ. و"العِتَاقُ": خِيَارُ الإِبِلِ. وَوَجْهٌ عَتِيقٌ: كَرِيمٌ حَسَنٌ كأَنَّهُ عُتِقَ مِن العُيُوبِ ونَجَا مِنْهَا. وعَتَقَ العَبْدَ: نَجَّاهُ مِن الرِّقِّ. والنَّجَائِبُ: خِيَارُ الإِبِلِ، وَاحِدُهَا نَجِيبَةٌ. والمَرَاسِيلُ: المُسْرِعَاتُ المُتَقَدِّمَاتُ كأَنَّهَا تُرْسِلُ الشَّيْءَ إِرْسَالاً فَلا تُوقَفُ، وَاحِدُهَا مِرْسَالٌ.

وَلَـنْ يُبَلِّغَـهَا إِلاَّ عـُـذَافِـرَةٌ فِـيهَا عَـلَى الأَيْـنِ إِرْقـَـالٌ وتَبْغِــيلُ
العُذَافِرَةُ: [النَّاقَةُ] الصَّلْبَةُ القَوِيَّةُ عَلَى السَّيْرِ. والأَيْنُ: الفُتُورُ والتَّعَبُ. والإِرْقَالُ: العَدْوُ. والتَّبْغِيلُ: السَّيْرُ الحَادُّ المُتَتَابِعُ، وقِيلَ: التَّبْغِيلُ سَيْرٌ فِيهِ اخْتِلافٌ بَيْنَ العَنَقِ والهَمْلَجَةِ, يُشْبِهُ سَيْرَ البِغَالِ. ويُقَالُ: سُمِّيَ البَغْلُ بَغْلاً؛ لقُوَّةِ خَلْقِه. ويَعْنِي فِيمَا سَيَأْتِي: لَنْ يُبَلِّغَهَا إِلاَّ نَاقَةٌ شَدِيدَةٌ، إِذَا تَعِبَتِ الإِبِلُ كَانَ فِيهَا سُرْعَةٌ وقُوَّةٌ، يُؤَكِّدُ بذَلِكَ بُعْدَ المَسَافَةِ.


مِـنْ كُلِّ نَضَّـاخَةِ الذِّفْرَى إِذَا عَـرِقَتْ عَارِضُها طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْـهُولُ
الذِّفْرَى: الثَّانِيَةُ فِي أَصْلِ الأُذُنِ، وهَذَا المَكَانُ أَوَّلُ مَا يَعْرَقُ مِن البَعِيرِ والنَّاقَةِ. يُرِيدُ أَنَّ هَذَا المَوْضِعَ نَضَخَ بالعَرَقِ، والنَّضْخُ أَكْثَرُ مِن النَّضْحِ. و"طَامِسُ الأَعْلامِ": أي: دَارِسُ العَلامَاتِ التي يَسْتَعْلِمُ بِهَا الدَّلِيلُ؛ وذَلِكَ لقِلَّةِ سَالِكِهَا لبُعْدِهَا ووَعْرَةِ مَسَالِكِهَا. والأَعْلامُ: جَمْعُ عَلَمٍ, وهِيَ الأَعْلامُ الَّتِي تُعْرَفُ مِنْهَا الجوادُ=. وعَارِضُها: أي مَطْلُوبُها الذي يَعْرِضُ لَهَا, أي ( ) ويُرْوَى: عُرْضَتُهَا أي: هِمَّتُهَا ( ) دَارِسُ الآثَارِ. "ومِن كُلِّ " هي "مِن" التي للتَّبْعِيضِ، ويَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لبيانِ الجِنْسِ، أي: التي هِيَ كُلُّ نَاقَةٍ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى, [ونَضَّاخَةُ] الذِّفْرَى في مَوْضِعِ الرَّفْعِ [صِفَةً لمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ, أي: نَاقَةٌ نَضَّاخَةُ الذَّفْرَى].

" وعَارِضُها طَامِسُ الأَعْلامِ " جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ, وَهِيَ جَوَابُ "إِذَا"، أي: إِذَا عَرِقَتْ بعَارِضِهَا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ " عَارِضُهَا طَامِسُ " جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الخَفْضِ صِفَةً لـ "نَضَّاخَةِ", و"الأَعْلامُ" فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ؛ لأنَّهُ فَاعِلٌ لـ "طَامِسُ".
و"مَجْهُولُ" صِفَةٌ لـ "طَامِسُ"، والجَمِيعُ صِفَةٌ لـ "نَضَّاخَةِ". ونَضَّاخَةٌ مِن أَبْنِيَةِ التَّكْثِيرِ، أي: ذَلِكَ سَجِيَّتُهَا.
والمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ النَّاقَةَ تَقْطَعُ مَكَاناً طُمِسَتْ مَعَالِمُهُ ودَرَسَتْ رُسُومُهُ.
تَرْمِـي الغُيـوبَ بِعَـيْنَيْ مُـفْرَدٍ لَــهَِقٍ إِذَا تَوقَّدَتِ الحُـزَّانُ والمِيـلُ
أَخَذَ يَبْسُطَ عَجُزَ البَيْتِ المَاضِي. تَرْمِي هَذِهِ النَّاقَةُ مَا غَابَ عَنْ عَيْنِهَا، و"الغُيُوبَ": جَمْعُ غَيْبٍ وهو مَا غَابَ عَنْ عَيْنِكَ. يَقُولُ: هِيَ هِمَّتُها وبُعْدُ غَايَتِهَا, كُلَّمَا بَدَا لَهَا عَلَمٌ طَمَحَتْ إِلَى أَبْعَدَ مِنْهُ. يُقَالُ: رَمَيْتُه ببَصَرِي وحَدَجْتُه بعَيْنِي علَى الاسْتِعَارَةِ إِذَا ( ) إليه البَصَر.

وقَوْلُه: بعَيْنَيْ مُفْرَدٍ [لَهِقٍ]. أي: بعَيْنَيْ ثَوْرٍ وَحْشِيٍّ أَبْيَضَ، وأَصْلُه أَنَّه أُفْرِدَ عنِ الأَثَرِ، فهو وَحْدَه مَذْعُورٌ يتَوَجَّسُ كُلَّ نَبْأَةٍ، وإِذَا كَانَ مُفْرَداً كَانَ أَحَدَّ لقَلْبِهِ وأَشَدَّ لنَشَاطِهِ. واللَّهَقُ: الأَبْيَضُ، وكَذَلِكَ اللَّهَاقُ واللَّهَقُ مِنْهُ. يُقَالُ: لَهَقَ الشَّيْءُ لَهَقاً إِذَا ابْيَضَّ، ولَهِقَ أيضاً بالكَسْرِ لَهَقاً فهو لَهِقٌ ولَهَقٌ, إِذَا كَانَ شَدِيدَ البَيَاضِ، شَبَّهَ نَاقَتَهُ بثَوْرٍ أَبْيَضَ فِي نَشَاطِهِ وقُوَّتِه ولَوْنِه في أخلقِ الأَوْقَاتِ بإِعْيَاءِ الإِبِلِ وكَلالِهَا وفُتُورِهَا وذَلِكَ وَقْتَ الهَاجِرَةِ.
"إِذَا تَوَقَّدَتِ الحُزَّانُ والمِيلُ". والحُزَّانُ: جَمْعُ حَزْنٍ, وهو المَكَانُ الصَّلْبُ الغَلِيظُ ذُو الحِجَارَةِ.
والمِيلُ: جَمْعُ أَمْيَلَ أَوْ مَيْلاءَ، يُرِيدُ أَمَاكِنُه تَتَوَقَّدُ بِحَرِّ الظَّهِيرَةِ، وأنَّ نَاقَتَهُ قَوِيَّةٌ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، حَادَّةُ النَّظَرِ عِنْدَما تَسْدُرُ عُيُونُ الإِبِلِ.
ضـَخْمٌ مُقَـلَّدُهَا عَـبْلٌ مُقَيَّــدُهَا في خـَلْقِـهَا عَنْ بـَنَاتِ الفَـحْلِ تَفْضِيلُ
"ضَخْمٌ": صِفَةُ "عُذَافِرَةٌ". ومُقَلَّدُهَا رُفِعَ بـ "ضَخْمٌ" عَلَى الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ، كمَا يُقَالُ: رَجُلٌ كَرِيمٌ أَبُوه. و"مُقَلَّدُهَا": مَوْضِعُ القِلادَةِ مِن العُنُقِ، وهو أَعْلاهَا. يُرِيدُ أَنَّها غَلِيظَةُ العُنُقِ. يَقُولُ: أَدَقُّ مَوْضِعٍ فِي عُنُقِهَا غَلِيظٌ. ويُرْوَى: " فَعمٌ مُقَيَّدُها " أي: مُمْتَلِئٌ، والمَعْنَى وَاحِدٌ.

وقَوْلُه: "في خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الفَحْلِ تَفْضِيلُ". جُمْلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وهِيَ صِفَةٌ لـ "عُذَافِرَةٌ"، يُرِيدُ أَنَّها تَامَّةُ الخَلْقِ كَامِلَةٌ, تَفْضُلُ أَخَواتِهَا مِنَ الإِبِلِ.
غَـلْبَـاءُ وَجْـنـَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ في قَـدِّهَا سَـعَةٌ قـُدَّامَها مـِيـلُ
غَلْبَاءُ: غَلِيظَةُ الرَّقَبَةِ، والمُذَكَّرُ: أَغْلَبُ, والجَمْعُ غُلْبٌ. والوَجْنَاءُ: الصَّلْبَةُ مِن الوَجْهَيْنِ, وهو مِمَّا صَلُبَ مِن الأَرْضِ، وقِيلَ الوَجْنَاءُ: العَظِيمُ الوَجْنَةِ، وهو أَلْيَقُ بالمَوْضِعِ.

والعُلْكُومُ: الشَّدِيدَةُ مِن الإِبِلِ، الذَّكَرُ والأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. والمُذَكَّرَةُ التي في خَلْقِ الذَّكَرِ, يَعْنِي فِي عِظَمِ السَّيْرِ.
و" قُدَّامَهَا مِيلُ" أي: تَنْظُرُه نَظَراً بهِ مِيلاً. والمِيلُ: قَدْرُ مَدِّ البَصَرِ، والمِيلُ في المِسَاحَةِ قَدْرُ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ وهو أَرْبَعَةُ آلافِ ذِرَاعٍ.
و"غَلْبَاءُ وَجْنَاءُ عُلْكُومٌ مُذَكَّرَةٌ " كُلُّهَا صِفَةٌ لـ "عُذَافِرَةٌ".
وقَوْلُه: " فِي قَدِّهَا سَعَةٌ " جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ صِفَةٌ أَيْضاً، وكذَلِكَ أَيْضاً " قُدَّامَهَا مِيلُ ".ويَجُوزُ رَفْعُ "قُدَّامُهَا" عَلَى السَّعَةِ بأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ, ومِيلُ خَبَرٌ. والمَعْنَى: " أَنَّ شَحْوَتَهَا مِيلُ، وقِيلَ: إِنَّما يَصِفُهَا بطُولِ العُنُقِ, أي: عُنُقُهَا طُولُ مِيلٍ عَلَى المُبَالَغَةِ, وعُنُقُهَا قُدَّامَهَا.
وَجِلْـدُهَا مِن أُطُومٍ مَا يـُؤَيـِّـسُـهُ طِـلْحٌ بضَـاحِيـَةِ المَتْنَيْنِ مـَهْـزُولُ
يَصِفُ جِلْدَها بالقُوَّةِ والمَلاسَةِ. والأُطُومُ: الحُصُونُ، شَبَّهَ جِلْدَها لقُوَّتِه بِهَا. ورُوِيَ الأَطُومُ بفَتْحِ الهَمْزَةِ كَانَ مُحْتَمِلاً؛ لأَنَّ الأَطُومَ: السُّلَحْفَاةُ، وجِلْدُها أَصْلَبُ جِلْدٍ.

وقَوْلُه: مَا يُؤَيِّسُهُ, أي: لا يُؤَثِّرُ فِيهِ، والتَّأْيِيسُ: التَّذْلِيلُ. والطِّلْحُ: القُرَادُ. يَقُولُ: جِلْدُها لقُوَّتِه لا يُؤَثِّرُ فِيهِ القُرَادُ. وأصْلُ الطِّلْحِ: البَعِيرُ المُعْيَى. والمُتَأيِّسُ: المُتَغَيِّرُ. قَالَ المُتَلَمِّسُ:
"تَطِيفُ بِهِ الأَيَّامُ مَا يَتَأَيَّسُ ".
و"مِن أُطُومٍ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ. و" لا يُؤَيِّسُهُ " خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. و"طِلْحٌ": فَاعِلٌ. و"بضَاحِيَةِ " ظَرْفُ طِلْحٍ. و"مَهْزُولُ" لِعَوْقُ غِذَائِه, وعَجَزَ أَنْ يَمُصَّ دَمَها لصَلابَةِ جِلْدِهَا. وقِيلَ: لصَلابَةِ جِلْدِهَا يَزْلَقُ القُرَادُ عَنْهُ، فيَقِلُّ غِذَاؤُهُ. كذَلِكَ طِلْحٌ أي: مـُعْيًى.والتَّأْيِيسُ: التَّذْلِيلُ.
ويَجُوزُ أَنْ تَكُونَ "بضَاحِيَةِ" في مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةَ "طِلْحٌ". وضَاحِيَةُ المَتْنَيْنِ: مَا بَرَزَ مِنْهَا للشَّمْسِ، يُقَالُ: ضَحَى يَضْحَى إِذَا بَرَزَ للشَّمْسِ.
حَـرْفٌ أَخُـوهَا أَبُوها مِن مُـهَجَّنـَةٍ وعَـمُّها خـالُها قــَوْدَاءُ شـِمْلِيلُ
حَرْفٌ: صِفَةُ "عُذَافِرَةٌ"، ويَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أي: هِيَ حَرْفٌ. والحَرْفُ: النَّاقَةُ الصَّلْبَةُ الشَّدِيدَةُ، وشُبِّهَتْ بِحَرْفِ الجَبَلِ، وهو القِطْعَةُ الخَارِجَةُ مِنْهُ.ويُقَالُ: بَلِ الحَرْفُ النَّاقَةُ الضَّامِرَةُ؛ لأَنَّهَا يَصْغُرُها جِسْمُهَا ويَعْظُمُ فِعْلُهَا، ولذَلِكَ سُمِّيَ الحَرْفُ؛ لأنَّه قَسِيمُ الاسْمِ والفِعْلِ.

"وأَخُوهَا أَبُوهَا": مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، أي: أَخُوهَا هُوَ أَبُوهَا, ومِثْلُه "وعَمُّهَا خَالُهَا".
و"قَوْدَاءُ شِمْلِيلُ": صِفَتَانِ, وقَوْلُه: " أَخُوهَا أَبُوها وعَمُّهَا خَالُهَا. " يُرِيدُ أَنَّها مِن إِبِلٍ كِرَامٍ فِي الخَؤُولَةِ والعُمُومَةِ, يَضْرِبُ بَعْضُها في بَعْضٍ. ويُقَالُ: ذَلِكَ بَعِيرٌ ضَرَبَ نَاقَةً هِيَ بِنْتُه فجَاءَتْ مِنْهُ ببَعِيرَيْنِ، فضَرَبَهَا أَحَدُهُمَا فجَاءَتْ بنَاقَةٍ هِيَ هَذِهِ المَوْصُوفَةُ، والبَعِيرُ الضَّارِبُ لأُمِّهَا هو أَخُوها مِن أُمِّهَا، وهو أيضاً أبوها؛ لأنَّهُ ضَرَبَ أُمَّهَا, والبَعِيرُ الآخَرُ هو عَمُّهَا؛ لأَنَّهُ أخو أَبِيهَا، وهو أيضاً خَالُهَا؛ لأنَّه أخو أُمِّهَا؛ لأَنَّهُ مِن أَبِيهَا، وإِنَّمَا يَفْعَلُونَ هَذَا في النُّوقِ الكِرَامِ حِفْظاً للنَّوْعِ.
وقِيلَ: إِنَّمَا يُرِيدُ أَنَّ أَخَاهَا مِثْلُ أَبِيها، وعَمَّهَا مِثْلُ خَالِهَا في الكَرَمِ لا في النَّسَبِ. ولهذا النَّسَبِ ثَلاثُ صُوَرٍ أَخْرَى أيضاً.
والمُهَجَّنَةُ: الكَرِيمَةُ. والهِجَانُ مِن كِرَامِ الإِبِلِ. وأَصْلُ الهجنةِ: غِلَظُ الخَلْقِ في الخَيْلِ كغِلَظِ البَرَاذِينِ.و"مِن مُهَجَّنَةٍ" نَصْبٌ علَى التَّمْيِيزِ أي: مُهَجَّنَةً، أو يَكُونُ " مِن مَهَجَّنَةٍ " مَعْنَاهُ مِن أَجْلِ مُهَجَّنَةٍ.والقَوْدَاءُ: الطَّوِيلَةُ الظَّهْرِ والعُنُقِ، والذَّكَرُ أَقْوَدُ، والجَمْعُ فِيهِمَا قُودٌ. والشِّمْلِيلُ: الخَفِيفَةُ السَّرِيعَةُ. يُقَالُ: نَاقَةٌ شِمِلَّةٌ وشِمْلالٌ وشِمْلِيلٌ، وقَدْ شَمِلَ شملةً: إِذَا أَسْرَعَ.

  #5  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 05:23 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
13- أَمْسَتْ سُعادُ بأرْضٍ لا يُبَلِّغُهَا = إلا العِتاقُ النَّجيباتُ الْمَرَاسِيلُ
قولُه: " أَمْسَتْ " يَحْتَمِلُ " أَمْسَى " وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ التقييدُ ثُبوتَ الخبرِ للاسمِ بزَمَنِ المساءِ، وذلك على تفسيرِ "غَداةَ الْبَيْنِ" بالغَدْوَةِ، والمعنى أنها ارْتَحَلَتْ غَدْوَةً وأَمْسَتْ بأَرْضٍ بَعيدةٍ.
الثاني: أن يكونَ بمعنى " صارتْ " كقولِه: ( البحر البسيط ):
أَمْسَتْ خَلاءً وأَمْسَى أهلُها احْتَمَلُوا = أَخَنَى عليها الذي أَخْنَى على لُبَدِ
ومعنى: أَخْنَى: " أَفْسَدَ "؛ لأنَّ الْخَنَا : الفسادُ والقُبحُ والنُّقصانُ، و"لُبَدِ": آخِرُ أَنْسُرِ لُقمانَ بنِ عادٍ؛ لأنَّه أُعْطِي عُمُرَ سَبعةِ أَنْسُرٍ؛ لأنَّ النَّسْرَ يُعَمِّرُ طَوِيلًا.
وقولُه: " سُعادُ " ظاهِرٌ أُقيمَ مُقامَ الْمُضْمَرِ، وذِكْرُه في هذا البيتِ بعدَ ذِكْرِ ضَميرِه في البيتِ قَبْلَه أَحْسَنُ منه في قولِه في أَوَّلِ القَصيدةِ: " مُتَيَّمٌ إِثْرَها" ثم قالَ: وما سعادُ؛ وذلك لأنه هنا قَصَدَ استئنافَ نوعٍ آخَرَ مِن الكلامِ، وهو وَصْفُ أرضِ سُعادَ بالْبُعْدِ، وذَكَرَ ما يَتَّصِلُ بذلك مِن وَصْفِ الناقةِ.
قولُه: " بأَرْضٍ " الباءُ ظَرْفِيَّةٌ، مِثْلُها في: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ }.
وقولُه: " يُبَلِّغُهَا " , يَحْتَمِلُ وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ مَنقولًا بالتضعيفِ مِن " بَلَّغَ " فيَتَعَدَّى حينئذٍ إلى مَفعولينِ، كعَرَّفْتُه الْمَسألةَ، والأصلُ: ما يُبَلِّغُنِيهَا، ثم حُذِفَ المفعولُ الأَوَّلُ.
والوجهُ الثاني: أن يكونَ بمعنى " يَبْلُغُهَا " فيكونَ مُتَعَدِّيًا إلى واحدٍ، وقد جاءَ فَعَلَ وفَعَّلَ بمعنًى في القاصِرِ والْمُتَعَدِّي، فالأَوَّلُ: كمَشَى ومَشَّى قالَ: ( البحر الطويل )

ودُويةٍ قَفْرٍ تُمَشِّي نَعَامَها = كمَشْيِ النَّصَارَى في خِفافِ الْأَرَنْدَجِ
الأَرَنْدَجِ، واليَرَنْدَجِ: جِلْدٌ أَسودُ، وهو مُعَرَّبٌ، والثاني: كقولِك: زِلْتُه وزَيَّلْتُه، بمعنى: فَرَّقْتَه، ومنه: { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أي: فَرَّقْنَا بينَهم ، وقَطَّعْنَا الوُصُلَ التي كانت بينَهم في الدنيا. فإن قلتَ : لم جَزَمْتَ أنه فَعَّلَ مع أنه مُحْتَمِلٌ لـ فَيْعَلَ، كـ بَيْطَرَ، وقد أَجازَ أبو البقاءِ وغيرُه الوَجهينِ؟
قلتُ: الصوابُ ما ذَكَرْتُ لقولِهم في مَصْدَرِه: التزييلُ، ولو كان فَيْعَلٌ، لقالوا: زَيَّلَةً كبَيْطَرَةٍ.
والضميرُ الْمُتَّصِلُ بـ يَبْلُغُ عائدٌ إلى الأرضِ؛ لأنَّها مُؤَنَّثَةٌ، بدليلِ: { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ } وقولِهم في تَصغيرِها: " أُرَيْضَةٌ " ولا يكونُ عائدًا إلى سُعادَ؛ لأنَّ الجملةَ صِفَةٌ لأرضٍ، فلا بُدَّ لها من ضَميرٍ يَرْبِطُها بها، ولا تُكونُ مُسْتَأْنَفَةً؛ لأنَّ الجارَّ والمجرورَ حينئذٍ لا يَصْلُحُ للخَبَرِيَّةِ؛ إذ جميعُ الناسِ كائنون بأَرْضٍ، ومِن هنا امْتَنَعَ الإخبارُ بالزمَنِ عن الْجُثَّةِ في نحوِ قولِك: زَيدٌ في يومٍ، وصَحَّ إذا وَصَفْتَ الزمانَ بصِفَةٍ مُقَيَّدَةٍ كقولِك: زيدٌ في يَومٍ طَيِّبٍ.
والعِتَاقُ: فاعلٌ لفظًا، وبَدَلٌ مِن الفاعلِ تَقديرًا؛ إذ لا بُدَّ مِن تَقديرِ الْمُسْتَثْنَى منه، أي: ما يُبَلِّغُها شيءٌ وكذا كلُّ استثناءٍ مُفَرَّغٍ، والأكْثَرُ مُراعاةُ المحذوفِ، ولهذا كَثُرَ: ما جاءَنِي إلا هِنْدُ، ونَدَرَ: ما جَاءَتْنِي إلا هِنْدُ.
والنَّجيباتُ: جَمْعُ " نَجيبةٍ " وهي الكَريمةُ، ويُرْوَى " النَّجيَّاتُ " بالياءِ الْمُشَدَّدَةِ، أي: السريعاتُ.
والعَتيقُ مِن الإِبِلِ والخيْلِ وغيرِها: الكريمُ الأصْلِ، وعلى هذا فالعَتيقُ والعِتاقُ كالكريمِ والكِرامِ وَزْنًا ومعنًى. وفي الصِّحاحِ: فَرَسٌ عَتيقٌ, أي: رائعٌ . انتهى . وعلى هذا فهو مِن قولِهم : وَجهٌ عَتيقٌ، أي: حَسَنٌ، كأنه عَتَقَ مِن العُيوبِ، قيلَ: ولهذا لُقِّبَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه عَتيقًا؛ لِحُسْنِ وَجهِه، وقيلَ: لقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( أَبُو بَكْرٍ عَتيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ )) رواه التِّرْمِذِيُّ، وفيه : فمِن يَومئذٍ سُمِّيَ عَتيقًا. وقيلَ: لأنه لم يكنْ في نَسَبِه شيءٌ يُعابُ به، قالَ مُصْعَبُ بنُ الزُّبيرِ، وهذا هو المعنى الأَوَّلُ الذي قَدَّمْنَاه في تَفسيرِ العَتيقِ مِن الإِبِلِ والخيلِ وغيرِها، واسمُ أبي بكرٍ عبدُ اللهِ بنُ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
والْمَراسيلُ: جَمْعُ مِرسالٍ " مِفعالٍ" ، من قولِهم: ناقةٌ رَسْلَةٌ: إذا كانت سريعةَ رَجْعِ اليدينِ في السَّيْرِ، ونَظيرُه جَمْعُ مِطعانٍ، ومِطعامٍ، ومِجزاعٍ، على " مَفاعيل "، قالَ:
مَطاعينُ في الْهَيْجَا مَطاعيمُ في الْقِرَى
وقالَ كعبٌ في هذه القَصيدةِ:
لا يَفرحونَ إذا نالَتْ رِماحُهمُ = قومًا وليسوا مَجازيعًا إذا نِيلُوا
وإنما تَمْتَنِعُ الصفةُ الْمَبدوءةُ بالْمِيمِ مِن التكسيرِ في مَسألتينِ:
أحدُهما: أن يكونَ على وَزْنِ مَفعولٍ، كمَضروبٍ، وشَذَّ نحوُ: مَلاعينُ، ومَشَائِيمُ.
والثانيةُ: أن تكونَ الميمُ مَضمومةً، كمُكْرَمٍ ومُنطلِقٍ، ويُسْتَثْنَى من هذه مُفْعِلٌ الْمُخْتَصَّيْنِ بالمؤَنَّثِ، كمُرْضِعٍ، ومُكْعِبٍ، فيَجوزُ تَكسيرُهما، قالَ اللهُ تعالى: { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ }، وقالَ أبو ذُؤيبٍ: ( البحر الطويل ).

وإنَّ حَديثًا مِنكِ لو تَبذُلِينَها = جَنَى النحلِ في ألبانِ عَوْذٍ مَطَافِلِ
مَطافيلَ أبكارٍ حديثٌ نِتَاجُها = يُشابُ بماءٍ مِثلِ ماءِ الْمَفاصِلِ
العَوْذُ، بذالٍ مُعجَمَةٍ: جَمْعُ " عائِذٍ " كحائِلٍ وحَوْلٍ، والعائذُ: القريبةُ العَهدِ بالنِّتاجِ مِن الظِّباءِ والإِبِلِ والخيلِ، والْجَمْعُ أيضًا على عُوذانٍ، مِثلُ: راعٍ ورُعْيَانٍ، وحائِرٌ وَحُورانٍ، فإذا تَجاوَزَتْ عشرةَ أيَّامٍ مِن يومِ نِتاجِها، أو خَمسةَ عشرَ، فهي مُطْفِلٌ، وسُمِّيَتْ بذلك ؛ لأنَّ معَها طِفْلَها، وجَمْعُها: " مَطافِلُ " والْمَطافيلُ بالياءِ إشباعٌ، كقولِه:
نفيُ الدراهيمِ تَنْقَادُ الصياريفُ
الشاهدُ: في " الصَّياريفِ " ؛ فإنه جَمْعُ " صَيْرَفٍ ": وأمَّا " الدراهيمُ " فإنه جَمْعُ " دِرهامٍ" لغةً في " دِرهمٍ " . قالَ : ( البحر السريع ).
لو كانَ عِندي مِائتَا دِرْهَامٍ = لابْتَعْتُ دَارًا في بَنِي حُزامِ
والْمَفاصِلُ: قالَ الأَصمَعِيُّ: مُنْفَصِلُ الْجَبَلِ مِن الرَّمْلَةِ يكونُ بينَهما رَضراضٌ وحَصًى صِغارٌ؛ فإنَّ ماءَ ذلك يكونُ صافيًا ذا بَريقٍ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:
14- ولن يُبَلِّغَها إلا عُذَافِرَةٌ = فيها على الأَينِ إرقالٌ وتَبغيلُ
لك في " يُبَلِّغَها " الوجهانِ السابقانِ، وضَميرُها كضميرِها في رُجوعِه إلى الأرضِ، لا إلى سُعادَ؛ لأنَّ " يُبَلِّغَها " هذه مَعطوفةٌ على تلك، فهي مِثْلُها في أنها صِفةٌ للأرضِ، فلا بُدَّ مِن تَحَمُّلِها ضَميرَها. فإن قلتَ: قَدَّرَ الواوَ للاستئنافِ، وقد صَحَّ رُجوعُ الضميرِ لسُعادَ.
قلتُ: في هذا التقديرِ خُروجٌ عن أَصلينِ: نَحْوِيٍّ، وبيانيٍّ:
أمَّا النَّحْوِيُّ: فلأنَّ الأصْلَ في الواوِ العَطْفُ , لا الاستئنافُ.
وأمَّا البَيانيُّ: فلأنَّ تَناسُبَ الضمائرِ أَوْلَى مِن تَنَافُرِها، ولهذا قالَ الزَّمخشريُّ في قولِه تعالى: { أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ } الضمائرُ كلُّها لِمُوسى ؛ لِمَا يُؤَدِّي إليه رُجوعُ بعضِها إليه، وبعضِها إلى التابوتِ مِن تَنافُرِ النَّظْمِ.
فإن قلتَ: الْمَقذوفُ في البحرِ والْمُلْقَى إلى الساحلِ هو التابوتُ.
قلتُ: ما ضَرَّكَ لو قُلتَ: هو موسى في جَوفِ التابوتِ؛ حتى لا يَتنافَرَ النظْمُ . انتهى.
فإن قلتَ: هلَّا اكْتَفَى مِن الجملتينِ بضَميرٍ واحدٍ لتَوَسُّطِ الواوِ بينَهما، ومِن شأنِها أن تَجْمَعَ بينَ الشيئينِ، وتُصَيِّرَهما كالشيءِ الواحدِ.
قلتُ: إنما يَفعلُ ذلك الواوُ بينَ الْمُفْرَدَاتِ، لا بينَ الْجُمَلِ، ألا ترى أنه يَجوزُ أن يُقالَ: هذان ضارِبُ زيدٍ وتَارِكُه، ويَمتنِعُ: هذانِ يَضْرِبُ زيدًا، ويَتْرُكُهُ.
فإن قلتَ: فَلِمَ قالَ هشامُ بنُ مُعاذٍ النَّحْوِيُّ الكوفيُّ، وهو مِن أَئِمَّتِهِم: إنَّ الْمُسَوِّغَ للنَّصْبِ في نحوِ: زيدٌ قامَ وعَمْرًا أَكْرَمْتُه، أنَّ الواوَ للجَمْعِ معَ أنها بينَ جُملتينِ كما تَرَى؟
قلتُ: هي مَقالةٌ تَفَرَّدَ بها، وقد رُدَّتْ عليه بما ذَكَرْنَا .
فإن قلتَ: فَلِمَ ساغَ للجميعِ تقديرُ الجملتينِ كالجملةِ الواحدةِ معَ الفاءِ، حتى أَجازُوا: الذي يَطيرُ فيَغْضَبُ زيدٌ الذبابُ؟
قلتُ: لأنها للسبَبِيَّةِ، فما بعدَها وما قَبْلَها بِمَنْزِلَةِ جُمْلَتَي الشرْطِ والجزاءِ، وهما في حُكْمِ الجملةِ الواحدةِ، ألا تَرَى أنه يَجوزُ زيدٌ إن قامَ غَضِبَ عمرٌو، ونحوَ: زيدٌ إن سافَرَ عمرٌو أَقامَ.
وقولُه: " عُذَافِرَةٌ " مُهْمَلُ الأوَّلِ مَضمومُه، مُعْجَمُ الثاني، وهي: الناقةُ الصلبةُ العظيمةُ، ويُقالُ للجَمَلِ إذا كان كذلك: عُذَافِرُ، وجَمْعُها: " عَذَافِرُ " بفَتْحِ أَوَّلِه، وأَلِفُه كألِفِ " مَساجدَ " وليستْ هي التي كانتْ في الْمُفْرَدِ، بل تلك مَحذوفةٌ، وقد اجْتَمَعَ في هذا التكسيرِ ما افْتَرَقَ في نحوِ: كُتُبٍ وفُلْكٍ مِن التغييرينِ: اللفظيِّ، والتقديريِّ.
قولُه: " على " : هي ومَجرورُها حالٌ، فتَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ، وهي بمعنى " معَ " مثلَها في قولِه تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } , { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ }.
قولُه: " الأينُ " هو الإعياءُ والتَّعَبُ، قال أبو زيدٍ: ولا يُبْنَى منه فِعْلٌ. وكذا قالَ ابنُ فارسٍ، وقد خُولِفَا.
قولُه: " إِرقالٌ " مُبتدأٌ، أو فاعلٌ بالظرْفِ؛ لأنَّه قد اعْتَمَدَ على مَوصوفٍ، وهو مَصدَرُ " أَرْقَلَ " البعيرُ، وأَرْقَلَت الناقةُ، والإرقالُ : نوعٌ مِن الْخَبَبِ، ويُقالُ: ناقةٌ مُرْقِلٌ بغيرِ تاءٍ فإذا كَثُرُوا، قالوا: مِرقالٌ، ومِفعالٌ مِن أَفْعَلَ قَليلٌ، مثلُ: مِعطاءٌ ومِهداءٌ.
قولُه: " وتَبغيلُ " هو مَشْيٌ فيه اختلافٌ بينَ العَنَقِ والْهَمْلَجَةِ، وكأنه مُشَبَّهٌ بسَيْرِ البِغالِ لشِدَّتِه.
وهذا البيتُ تأكيدٌ لِمَا قَبْلَه في إِفادةِ بُعْدِ الْمَسافةِ، ومَعناه: أنَّ هذه الأرضَ لا يُبَلِّغُها إلا ناقةٌ عَظيمةٌ صَلبةٌ، سريعةُ العَدْوِ، مِن صِفَتِها أنها إذا أَعْيَتْ وَكَلَّتْ مِن السيرِ سارتْ معَ ذلك التَّعَبِ هذينِ النوعينِ مِن السَّيْرِ، فما ظَنُّكَ بها إذا لم تَكِلَّ!.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى:

15- مِن كلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إذا عَرِقَتْ = عُرْضَتُها طامِسُ الأعلامِ مَجهولُ
قولُه: " مِن كلِّ ": قالَ عبدُ اللطيفِ بنُ يُوسُفَ: " مِن " تَبعيضيَّةٌ، أو مُبَيِّنَةٌ للجِنْسِ، أي: التي هي كلُّ ناقةٍ نَضَّاخَةٍ . انتهى. والأَوَّلُ وَاضحٌ، وأمَّا الثاني: فقد يَظْهَرُ أنه أَحْسَنُ ؛ لأنه أَبْلَغُ؛ لأنَّه جَعَلَها جميعَ هذا الْجِنْسِ، كما قالوا: أَطْعَمْنا شاةً كلَّ شاةٍ، وقالَ: ( البحر الطويل )
وإنَّ الذي حانَتْ بفَلْجٍ دِماؤُهمْ = همُ القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
ولكنَّ التحقيقَ أنه لا يَجوزُ؛ لأنَّه لا بُدَّ أن يَتَقَدَّمَ الْمُبَيِّنَةَ شيءٌ لا يُدْرَسُ جِنْسُه، فتكونَ مِن ومَجرورُها بَيانًا له كما في قولِه تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } والذي تَقَدَّمَ هنا مَعلومُ الْجِنْسِ، وهو الناقةُ العُذَافِرَةُ، ثم قولُه في تفسيرِها، أي: التي هي كلُّ نَضَّاخَةٍ مُشْكِلٌ؛ لأنَّ الْمُفَسَّرَ عُذَافِرَةٌ، وهي نَكِرَةٌ، والنَّكِرَةُ لا تُفَسَّرُ بالْمَعْرِفَةِ، وإنما كان الصوابُ أن يُقالَ: هي نَضَّاخَةٌ؛ ليكونَ الْمُفَسِّرُ جُملةً، كما قالوا في { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ }: إنَّ المعنى " مِن أساورَ " هي ذَهَبٌ، وثيابًا خضرًا هي سُندسٌ، والذي غَرَّهُ أنهم يُمَثِّلونُ لِمِن الْجِنسيَّةِ غالبًا بقولِه: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } ويقولون: التقديرُ: الذي هو الأوثانُ. وإنما قَدَّرُوه كذلك ؛ لأنَّ الْمُفَسَّرَ مَعرِفَةٌ، فقَدَّرُوا تَفسيرَه مَعرِفَةً، لا أنَّ الْمُبَيِّنَةَ دائمًا تُقَدَّرُ كذلك.
وتَحْتَمِلُ " مِن " وَجهًا ثالثًا أَظْهَرَ مِمَّا ذُكِرَ، هو أن تكونَ لابتداءِ الغايةِ، أي: عُذافِرَةٌ ابتداءُ خَلْقِها وإيجادِها مِن كلِّ ناقةٍ نَضَّاخَةٍ، يَصِفُها بكَرَمِ الأصولِ، وابتداءُ الغايةِ هو المعنى الغالِبُ على " مِن " حتى زَعَمَ الْمُبَرَّدُ وابنُ السَّرَّاجِ والأخفَشُ الصغيرُ والسُّهَيْلِيُّ أن سائِرَ ما ذُكِرَ لها مِن الْمَعاني يَرْجِعُ إليه.
وعلى الأَوْجُهِ الثلاثةِ فيَحتَمِلُ الظرْفُ ثلاثةَ أَوْجُهٍ:
أَحَدُها: أن يكونَ رَفعًا بالتبَعِيَّةِ على أنها صِفةٌ لعُذافِرَةٍ.
والثاني: أن يكونَ رَفْعًا بِمُباشَرَةِ العاملِ على أنها خَبَرٌ لهي مَحذوفةٍ.
والثالثُ: أن يكونَ نَصْبًا على الحالِ مِن عُذَافِرَةٍ؛ لأنَّها قد اخْتُصَّتْ بالوَصْفِ . قولُه: " نَضَّاخَة" صِفةٌ لمحذوفٍ، أي: مِن كلِّ ناقةٍ نَضَّاخَةٍ، وفيه مُبالَغتانِ مِن جِهَتَي الزِّنَةِ والْمَادَّةِ؛ أَمَّا الزِّنَةُ: فلأنها مُحَوَّلَةٌ مِن " فاعلٍ " إلى " فَعَّالٍ " ؛ للتكثيرِ والْمُبالَغَةِ، وأمَّا الْمَادَّةُ: فلأنَّ النَّضْخَ بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ أَكثرُ مِن النَّضْخِ بالْمُهْمَلَةِ، ولهذا قالوا: النَّضْحُ بالْمُهمَلَةِ: الرَّشُّ. وقالوا في قولِه تعالى: { نَضَّاخَتَانِ }: معناه: فَوَّارَتانِ بالماءِ، هذا هو المعروفُ، وعليه قولُ حُذَّاقِ أهلِ الاشتقاقِ، وأنَّ الواضِعَ يَضَعُ الحرفَ القويَّ للمَعْنَى القويِّ والضعيفَ للضعيفِ، وذلك كوَضْعِه " القَصْمُ " بالقافِ الذي هو حَرْفٌ شديدٌ لكَسْرِ الشيءِ حتى يَبِينَ، والفَصْمُ بالفاءِ الذي هو حَرْفٌ رِخْوٌ لكَسْرِ الشيءِ مِن غيرِ أن يَبِينَ , وعلى هذا تأَوَّلَ الإمامُ أبو يعقوبَ السَّكَّاكيُّ قولَ عَبَّادِ بنِ سُليمانَ: إنَّ بينَ الحروفِ والمعاني تَنَاسُبًا طَبِيعِيًّا، لَمَّا رأى أنَّ حَمْلَه على ظَاهِرِه مُوقِعٌ في فَسادٍ ظاهِرٍ، وذلك بأَدِلَّةٍ منها: أنَّ اللفظَ يُوضَعُ للمُتَضَادَّيْنِ كالجَوْنِ للأبيضِ والأسودِ، ومِن الْمُحالِ مُناسَبَةُ شيءٍ بطَيبعتِه للشيءِ وضِدِّهِ.
وبَنَوْا مِن " النَّضْخِ " بالْمُعجَمَةِ فِعْلًا على فَعَلَ يَفْعَلُ كسَلَخَ يَسْلَخُ، وذلك لأَجْلِ حرفِ الْحَلْقِ، هذا هو المعروفُ، وهو قولُ أبي زيدٍ، وقالَ الأصمعيُّ: لم يُبْنَ مِن هذه الْمَادَّةِ فِعْلٌ.
وأمَّا النَّضْحُ بالْمُهْمَلَةِ، فخَلا خِلافَ في بِناءِ الفِعْلِ منه، وهو فَعَلَ بالفتْحِ يَفْعِلُ بالكسْرِ على القياسِ، وفي حديثِ الْمِقدادِ، (( تَوَضَّأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ)) وهذا في الْحَلْقِيِّ نظيرُ: نَحَتَ يَنْحِتُ؛ لأنَّ حَرْفَ الْحَلْقِ يُبيحُ تَوَافُقَ الماضي والْمُضارِعِ في الفَتْحِ، ولا يُوجِبُه.
وقولُه: " الذِّفْرَى " بالذالِ الْمُعْجَمَةِ، وهي النُّقرَةُ التي خَلْفَ أُذُنِ الناقةِ والبعيرِ، وهو أَوَّلُ ما يَعْرَقُ منها، واشتقاقُها مِن " الذَّفَرِ " بفَتحتينِ، وهو الرائحةُ الظاهِرَةُ طَيَّبَةً كانتْ أو غيرَها، ومِن الأَوَّلِ قولُهم: مِسْكٌ أَذْفَرُ، ومِن الثاني: رَجُلٌ ذَفِرٌ، أي: له خَبَثُ الريحِ.
وأمَّا الدَّفْرُ بإهمالِ الدالِ وإسكانِ الفاءِ، فهو النَّتَنُ خاصَّةً، ومنه قولُهم: دَفْرًا له , أي: نَتَنًا، وللمرأةِ إذا سُبَّتْ به: يا دَفَارِ، وقولُ عمرَ: وَادَفْرَاهُ. وقولُهم في كُنْيَةِ الدنيا، وكُنيةِ الداهيةِ: أمُّ دَفْرٍ.
وأَكْثَرُ العربِ يُقَدِّرُ أَلِفَ " الذِّفْرَى " للتأنيثِ، كألِفِ الذِّكْرَى، فيقولُ: هذه ذِفْرَى أَسِيلَةٌ غيرُ مُنَوَّنَةٍ، وبعضُهم (يقدرا للإلحاقِ)· بدِرْهَمٍ، فيُنَوِّنُها إلا إنْ سُمِّيَ بها، ونَظيرُ الذِّفْرَى: الدِّفْلَى بدالٍ مُهمَلَةٍ اسمٌ لنَبْتٍ مُرٍّ يُنَوَّنُ ولا يُنَوَّنُ، وجَمْعُها: ذِفرِيَاتٌ كعِلْقَيَاتٍ، وذِفارٌ، كجِوارٍ وصَحارٍ، وذَفَارَى، كصَحَارَى، وعَذَارَى، وليستْ ألِفُ الجمْعِ بأَلِفِ الْمُفْرَدِ، تلك للتأنيثِ أو للإلحاقِ، وهذه مُنقلِبَةٌ عن ياءٍ.
ومَحَلُّ " الذِّفْرَى " في البيتِ نَصْبٌ على التشبيهِ بالمفعولِ به، وهذا النصْبُ ناشئٌ عن رَفْعٍ على الفاعليَّةِ، والأصلُ: نَضَّاخَةٌ ذِفْرَاهَا. ثم حُوِّلَ الإسنادُ عن " الذِّفْرَى " إلى ضميرِ الناقةِ، وانْتَصَبَت " الذِّفْرَى " على التشبيهِ بالمفعولِ به؛ لأنَّها سَببيَّةٌ للمَوصوفِ وأُنِيبَتْ " أل " عن الضميرِ، ولو كانت الإضافةُ عن رَفْعٍ كما زَعَمَ عبدُ اللطيفِ، لَزِمَ إضافةُ الشيءِ إلى نفسِه، وكذا البَحْثُ في نحوِ حَسَنُ الوَجْهِ ونَظائِرِه ، ومما يَدُلُّكَ على ذلك قَطْعًا أنك تَقولُ: مَرَرْتُ بامرأةٍ حَسَنٌ وَجْهُها، وحَسَنَةُ الوَجْهِ. فتُذَكِّرُ الصفةَ إذا رُفِعَتْ، وتُؤَنِّثُها إذا خُفِضَتْ , فَدَلَّ على أنها حالةُ الخفْضِ مُتَحَمِّلَةٌ لضميرِ الموصوفِ، كما أنها كذلك إذا نَصَبْتَ فقُلتَ: حَسَنَةٌ وَجْهًا. وأَمَّا تأنيثُ الصفةِ هنا، فلا دليلَ فيه؛ لِجَوازِ أن يُقالَ: إنه لأَجْلِ تأنيثِ الذِّفْرَى، لا لتأنيثِ الموصولِ.
وقولُه: " الذِّفْرَى " مُفْرَدٌ قائمٌ مَقامَ التثنيةِ؛ إذ الناقةُ لها ذِفريانِ لا ذِفْرَى واحدةٌ، ونَظيرُه قولُه: ( البحر الطويل ).

ألا إنَّ عَيْنًا لم تَجُدْ يومَ واسِطٍ = عليك بِجَارِي دَمْعَها لَجَمُودُ
وقولُ الآخَرِ: ( البحر الطويل ).
أظُنُّ انْهِمَالَ الدمعِ ليس بِمُنْتَهٍ = عن العينِ حتى يَضْمَحِلَّ سَوادُها.
وفي كلامِهم عَكْسُ هذا، وهو إنابةُ الاثنينِ عن الواحدِ، كقولِ بِشْرٍ: ( البحر المتقارِب ):
على كلِّ في مَيْعَةٍ سابِحٌ = يُقَطَّعُ ذو أَبْهَرَيْهِ الْحِزَامَا
وإنما له أَبْهَرٌ واحٌد، وقولُه: ( البحر الكامل )
فجَعَلْنَ مِدْفَعَ عاقَلينِ أَمامَنَا = وجَعَلْنَ أَمْعَزَ رامَتَيْنَ شِمَالَا
أرادَ: عَاقَلًا، وهو جَبَلٌ، وأجازَ الْفَرَّاءُ أن يكونَ مِن هذا:
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } وَأَمَّا قَولُه: ( البحر الطويل )
إذا ما الغُلامُ الأَحْمَقُ الأمِّ سَافَنِي = بأطرافِ أَنْفَيْهِ اسْتَمَرَّ فَأَسْرَعَا
فيَحْتَمِلُ أن يكونَ مِن ذلك، ويَحْتَمِلُ أنه سَمَّى الْمَنْخِرَيْنِ أَنفينِ تَسميةً للجُزءِ باسمِ الكلِّ، ويُقالُ: سُفْتُه أَسوفُه، إذا شَمَمْتَه، وفي " النهايةِ " لابنِ الْخَبَّازِ: أنهم قالوا: ماتَ حَتْفَ أَنْفَيْهِ، وأنَّ مِن ذلك قولَ الشاعِرِ
يا حَبَّذَا عَيْنَا سُلَيْمَى وَالْفَمَا
وإنَّ أَصْلَه: الْفَمَانِ، فأَسْقَطَ النونَ للضَّرورةِ. انتهى.
وكما اسْتَعْمَلُوا الفَرْدَ في مَوْضِعِ التثنيةِ، كذلك اسْتَعْمَلُوا الجمْعَ في مَوْضِعِها، فقالوا: رجُلٌ عظيمُ الْمَنَاكِبِ، وغليظُ الحواجِبِ، وقد اجْتَمَعَت إنابةُ الواحدِ والجَمْعِ عن الاثنينِ في قولِ الُهُذَلِيِّ: ( البحر الكامل )
فالعينُ بعدَهم كأنَّ حِدَاقَها = سُمِلَتْ بشَوْكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ

وإضافةُ " نَضَّاخَةٍ " إلى " الذِّفْرَى " إضافةٌ لَفْظِيَّةٌ، ولولا ذلك لم يَجُزْ إضافةُ " كلٍّ " إليها ؛ إذ لا تُضافُ " كلٌّ " " وأيٌّ " واسمُ التفضيلِ إلى مُفرَدٍ مَعْرِفَةٍ، ونَظيرُ هذا البيتِ بيتُ الكِتابِ: ( البحر الكامل )
سَلِّ الْهُمومَ بكلِّ مُعْطِي رَأْسِهُ = ناجٍ مُخَالِطِ صَهْبَةٍ مُتَعَبَّسُ
فأضافَ " كلَّ " إلى " مُعْطِي رأسِه " لَمَّا كان نَكِرَةً؛ لأنَّه في نِيَّةِ التنوينِ والنصْبِ، ومعناه: سَلِّ هُمومَكَ بكُلِّ بَعيرٍ تَرْكَبُه ذَلولٍ مُنقادٍ سريعٍ يَضْرِبُ بَياضُه إلى الْحُمْرَةِ.
قولُه: " إذا " ظَرْفٌ لنَضَّاخَةٍ , وإن قُدِّرَ فيها معنى الشرْطِ فعامِلُها شَرْطُها، أو جوابٌ محذوفٌ، أي: إذا عَرِقَتْ نَضَخَتْ ذِفْرَيَاهَا، أو جَوابٌ مَذكورٌ، وهو الْجُملةُ الاسْمِيَّةُ بعدَها، على أنَّ الفاءَ حُذِفَتْ للضَّرورةِ كما في قولِه:
مَن يَفعلُ الْحَسناتِ اللهُ يَشكرُها = والشرُّ بالشرِّ عندَ اللهِ مِثلانِ
وقد حَمَلَ عليه أبو الْحَسَنِ قولَه تعالى: { إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ }، والمختارُ قولُ غيرِه: إنَّ الجوابَ محذوفٌ، أي: فلْيُوصِ، والدالُّ على ذلك الوَصِيَّةُ؛ إذ هي في نِيَّةِ التقديمِ؛ لأنَّها على هذا التقديرِ مَرفوعةٌ " بكُتِب " لا بالابتداءِ.
وإذا لم تُقَدَّر الجملةُ الاسمِيَّةُ في البيتِ جَوابًا. فهي صِفةٌ ثانيةٌ للناقةِ المحذوفةِ، أو مُستأنَفَةٌ.
قولُه: " عُرْضَتُها " أي: هِمَّتُها، ومنه قولُ حَسَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه ( البحر الوافر ):
وقالَ اللهُ قد أَعْدَدْتُ جُنْدًا = همُ الأنصارُ عُرْضَتُها اللقاءُ
وذَكَرَ التِّبريزيُّ في تَفسيرِ عُرْضَتُها في البيتِ وَجهينِ:
أحدُهما: أنه مِن قولِهم : بَعيرٌ عُرْضَةٌ للسفَرِ أي: قَوِيَ عليه، وفُلانٌ عُرضَةٌ للشَّرِّ، أي: قَوِيَ عليه، وجَعلتُه عُرْضَةً لكذا، إذا نَصَبْتُه له.
والثاني: ما يَعْرِضُ ويَمْنَعُ، ومنه قولُه تعالى: { وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لَأَيْمَانِكُمْ } أي: لا تَجْعَلوا الْحَلِفَ باللهِ مُعْتَرِضًا مانعًا لكم أن تَبَرُّوا، ولا مَساغَ لواحدٍ مِن هذين الْمَعْنَيَيْنِ هنا، وإنما المعنى ما ذَكَرْتُ، ولا بُدَّ مِن تقديرِ مُضافٍ، أي: مَعقودٌ هِمَّتُها، أو ذو هِمَّتِها، ولولا هذا التقديرُ لم يَصِحَّ الإخبارُ؛ لأنَّ المبتدأَ على هذا التقديرِ غيرُ الْخَبَرِ، ونَظيرُه: { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ } أي: هم ذَوُو دَرجاتٍ.
وقولُه: " طامِسُ " . اسمُ فاعلٍ، مِن طَمَسَ الطريقُ بفَتْحِ الميمِ، ورَفْعِ الطريقِ، يَطْمُسُ ويَطْمِسُ طَمْسًا وطُمُوسًا، إذا دَرَسَ وانْمَحَتْ أَعلامُه، وهو صِفةٌ لمحذوفٍ، أي: هِمَّتُها طريقٌ طامِسُ الأعلامِ.
فإن قلتَ: أَمَا يَجوزُ أن يكونَ " طامسُ " فاعلًا بمعنى مَفعولٍ، كما قِيلَ في مَاءٍ دَافِقٍ، وسِرٍّ كاتِمٍ، وعِيشةٍ راضيةٍ؟
قلتُ: لا؛ لوَجهينِ:
أحدُهما: أنَّ الصحيحَ أنَّ " فاعلًا " لا يأتي بمعنى " مَفعولٍ "، وأمَّا ما أَوْرَدْتُ فمُؤَوَّلٌ عندَ البَصرِيِّينَ والبَيَانِيِّينَ، أمَّا البَصريُّونَ فأَوَّلُوهُ على النِّسبةِ إلى الْمَصَادِرِ التي هي الدَّفْقُ، والكَتْمُ والرِّضَى، كما أنَّ اللابِنَ والتامِرَ والدارِعَ والنابِلَ نِسبةٌ إلى اللَّبَنِ والتمْرِ والدَّرْعِ والنَّبْلِ، وأمَّا البَيانِيُّونَ فتَأَوَّلُوه على الإسنادِ الْمَجازِيِّ، وحقيقتُه: دافِقٌ صاحبُه، وكاتِمٌ صاحبُه، وراضٍ صاحبُها.
والثاني: أنَّ ذلك لم تَدْعُ ضَرورةٌ إليه؛ فإنَّ " طَمَسَ " يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، قالوا: طَمَسَ الطريقُ بالرَّفْعِ كما قَدَّمْنَا، وطَمَسَت الريحُ الطريقَ.
قولُه: " الأعلامُ " جَمْعُ عَلَمٍ وهو العَلَامَةُ، وقُرِئَ: ( وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ ) أي: وإنَّ عِيسَى عليه السلامُ لعَلامَةٌ على الساعةِ، وأمَّا قِراءةُ الجماعةِ فوَجْهُهَا تَسميةُ ما يُعْلَمُ به الشيءُ عِلْمًا، والكلامُ في إضافةِ " طَامِس " إلى الأعلامِ كالكلامِ في إضافةِ نَضَّاخَةٍ إلى الذِّفْرَى.
وقولُه: " مَجهولُ" صِفةٌ لطامِسٍ مُؤَكِّدَةٌ ؛ لأنَّ كلَّ طامِسٍ مَجهولٌ، ولهذا لم أُقَدِّرْهُ خَبَرًا؛ لأنْ لا يكونَ مُؤَكِّدًا، ولهذا قيلَ في قولِه: ( البحر الطويل )
إذا ما بَكَى مِن خَلْفِها انْحَرَفَتْ لَهُ = بشِقٍّ وشِقٌّ عِندَنا لم يُحَوَّلِ
إنَّ الظرْفَ خَبَرٌ، " ولم يُحَوَّلِ " جُملةٌ حاليَّةٌ مَؤَكِّدَةٌ، وابْتُدِئَ بالنَّكِرَةِ لوُقوعِها تَفصيلًا، ومِثلُه: الناسُ رَجُلانِ؛ رَجُلٌ أَكْرَمْتُه، ورَجُلٌ أَهَنْتُه، ولا تكونُ عندَنا صفةٌ، " ولم يُحَوَّلِ " الخبَرُ؛ لأنَّ الشِّقَّ إذا كان عندَه كان غيرَ مُحَوَّلِ، والخبَرُ لا يكونُ مُؤَكِّدًا، بخِلافِ الحالِ.
قالَ:
16- تَرْمِي الْغُيوبَ بعَيْنَيْ مُفْرِدٍ لَهِقِ = إذا تَوَقَّدَت الْحَزَّازُ والْمِيلُ

قولُه: " الغُيوبَ " إمَّا جَمْعُ " غائِبٍ " كشاهِدٍ وشُهودٍ، أو " غَيْبٍ "، والأوَّلُ أَوْلَى، ولم أَرَهُم ذَكَرُوا إلا الثانيَ معَ أنه مَجازٌ؛ إذ الغَيْبُ في الأَصْلِ " غابَ " ثم أُطْلِقَ على الغائبِ إطلاقَ الغَوْرِ على الغَائِرِ في قولِه تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا } وفَعْلٌ يُجْمَعُ على فُعولٍ إن صَحَّتْ عَيْنُه، كفَلْسٍ وفَرْخٍ، أو اعْتَلَّتْ بالياءِ كَبَيْتٍ، وشَيْخٍ، وضَيْفٍ، وسَيْفٍ، فإن اعْتَلَّتْ بالواوِ فجَمْعُه عليه شَاذٌّ، كفَوْجٍ وقَوْسٍ؛ استثقالًا لضَمَّتَيْنِ في صَدْرِ جَمْعٍ وبعدَهما واوٌ، ويَجوزُ كَسْرُ أَوَّلِه؛ ليَخِفَّ ويَقْرُبَ مِن الياءِ، وقد قُرِئَ به في السَّبْعَةِ، في نحوِ بيتٍ وعُيونٍ وعُيوبٍ، وذَكَرَ الزَّجَّاجُ أنَّ أكثَرَ النَّحْوِيِّينَ لا يَعرفونَه، وأنه عندَ البَصْرِيِّينَ رَدِيءٌ جِدًّا؛ لأنَّه ليس في العَربيَّةِ فِعولٌ بالكَسْرِ، واسْتَدَلَّ الفارسيُّ على جَوازِه بأنه يَجوزُ في تَحقيرِ عَيْنٍ وبيتٍ ونحوِهما كَسْرُ الأَوَّلِ، ومِمَّنْ حَكَى ذلك سِيبويهِ مع أنه فَعيلًا بالكَسْرِ ليس مِن أَبْنِيَةِ التحقيرِ.
وقولُه: " بعَيْنَيْ مُفْرِدٍ " أي: بعَيْنَيْنِ، مِثلُ عَيْنَيْ ثَوْرٍ مُفْرِدٍ، فحَذَفَ الصفةَ والْمُتَضَايِفَيْنِ بعدَها، وأضافَ الموصوفَ إلى صِفةِ الْمُضافِ إليه الثاني المحذوفِ , ونَظيرُه قولُ الآخَرِ: ( البحر المتقارِب).

أَبَيْتُنَّ إلا اصطيادَ القُلوبِ = بأَعْيُنِ وَجْرَةَ حِينًا فَحِينَا
أي: بأَعْيُنٍ مِثلِ أَعْيُنِ ظِباءٍ وَجْرَةٍ بفَتْحِ الواوِ وإسكانِ الْجِيمِ، مَوْضِعٌ، وإنما شَبَّهَ عَيْنَيْهَا بعَيْنَيِ الثَّوْرِ الوَحْشِيِّ الذي أُفْرِدَ عن أُنثاهُ؛ لأنَّه حِينئذٍ يَكْثُرُ تَحديقُه، ويَقْوَى نَشاطُه وخِفَّتُه، وهذا تَشبيهٌ بَليغٌ لتَرْكِ أَداةِ التشبيهِ، وليس باستعارةٍ ؛ لاشتمالِه على ذِكْرِ طَرَفَي التشبيهِ، ويُقالُ: ثَوْرٌ مُفْرِدٌ وفَرْدٌ بالإسكانِ، وفَرَدٌ بالفتْحِ وفَرِدٌ بالكَسْرِ، وفَارِدٌ وفَريدٌ، وفَردانِ.
وقولُه: " لَهِقٍ " بفَتْحِ الهاءِ وكَسْرِها، فإن فُتِحَت احْتَمَلَ وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ مَقصورًا مِن اللِّهاقِ وهو الثَّوْرُ الأبيضُ , قالَ:
لِهَاقٌ تَلَأْلُؤُهُ كالهلالِ.
وقالَ أسامةُ الْهُذَلِيُّ: ( البحر المتقارِب )

وإلا النَّعَامَ وحَفَّانَةً = وطَغْيًا مع اللَّهَقِ الناشطِ
الْحَفَّانِ بفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ: فَراخُ النَّعامِ، وَطَغْيًا: الصغيرُ مِن بقرِ الوَحْشِ مُعْجَمُ الغينِ، مُهْمَلُ الطاءِ، مَضمومُها عندَ الأَصْمَعِيِّ، مَفتوحُها عندَ ثَعْلَبٍ.
وعلى هذا فهو بَدَلٌ مِن قولِه: " مُفْرِدٍ " بَدَلَ كلٍّ مِن كلٍّ، بَدَلَ نَكِرَةٍ مِن نَكِرَةٍ.
والثاني: أن يكونَ صِفَةً مِن قولِهم: لَهِقٍ بالكَسْرِ لَهَقًا بالفَتْحِ، فهو لَهَقٌ ولَهِقٌ بالفتْحِ والكسْرِ، مثلُ: يَقَقٍ ويَقِقٍ، إذا كان شديدَ البَياضِ، وإن كَسَرْتَ كان وَصْفًا مِن " لَهِقٍ " بالكَسْرِ كما ذَكَرْنا , وعلى هذين الوَجهين فهو نَعْتٌ.
وأَجودُ الأَوْجُهِ الأَوَّلُ؛ لأنه لا مَدْخَلَ للَّوْنِ في تَشبيهِ الناقةِ بالثَّوْرِ الْمُفْرِدِ في حِدَّةِ النظَرِ، فإذا قُدِّرَ مَقصورًا مِن اللِّهاقِ كان اسْمًا، وكانت إفادتُه اللونَ ضِمْنًا، وإذا كان نَعْتًا كانتْ إفادتُه اللونَ قَصْدًا.
قولُه: " الْحَزَّازُ " بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وزَايٍ مُعجَمَةٍ مَشدَّدَةٍ، وهو جَمْعُ " حَزيزٍ" بزَايَيْنِ: المكانُ الغليظُ الصَّلْبُ. كظِلْمَانَ في جَمْعِ ظَليمٍ، وهو ذَكَرُ النَّعامِ، ويُجْمَعُ في القِلَّةِ على " أَحِزَّةٍ "
والْمِيلُ جَمْعُ مَيلاءَ: وهي العُقدةُ الضَّخْمَةُ مِن الرَّمْلِ. وقيلَ: المرادُ الْمِيلُ الذي هو مَدُّ البَصَرِ. وليس بشيءٍ ، وقالَ الخطيبُ التِّبريزيُّ وعبدُ اللطيفِ البَغداديُّ: والْمِيلُ جَمْعُ أَميلَ ومَيلاءَ . زادَ التِّبريزيُّ: والْمِيلُ مِن الأرضِ مَعروفٌ. وليس في كلامِهما ما يُبَيِّنُ الْمُرادَ، ولا ضَرورةَ لتَكَلُّفِهما جَعْلَه جَمْعًا للمُذَكَّرِ والْمُؤَنَّثِ معًا.
تَنبيهٌ: إذا قِيلَ بأنه جَمْعٌ فَوَزْنُه فُعُلٌ بالضمِّ، ولكن أُبْدِلَتْ ضَمَّتُه كَسرةً لتَسْلَمَ يَاؤُه مِن الانقلابِ واوًا، كما في بِيضٍ وعِيسٍ، وإذا قيلَ بِأنه مُفْرَدٌ احْتَمَلَ عندَ سِيبويهِ وَجهينِ:
أحدُهما: أن يكونَ كذلك.
والثاني: أن يكونَ فِعْلًا بالكَسْرِ على الظاهِرِ، كذلك تَجوزُ عندَه في نحوِ: " قِيلٍ " و " دِيكٍ " ونَظيرُه أن يكونَ فِعْلًا أو فُعْلًا، وفي " مَعيشةٍ " أن يكونَ مَفْعِلَةً أو مَفْعُلَةً؛ وذلك لأنه لا يُوجِبُ إعلالَ الضمَّةِ بِقَلْبِها كَسرةً حيثُ وَقَعَتْ قبلَ ياءٍ هي عينٌ؛ لئلا تَنْقَلِبَ تلك الياءُ أَلِفًا , ويَقولُ في قولِ الشاعرِ: ( البحر الطويل )

وكنتُ إذا جَارِيَ دَعَا لِمَضُوفَةٍ = أُشَمِّرُ حتى يُنْصِفَ الساقُ مِئْزَرِي
إنه شاذٌّ، وكان قياسُه مَضِيفَةً، والْمَضوفةُ: الأمْرُ الذي يَشُقُّ، وأبو الحسَنِ يُخَالِفُه في ذلك، ويَقولُ: إذا بُنِي مِن العَيْشِ مَفْعُلَةٌ بالضَّمِّ قيلَ: مَعُوشَةٌ، ويَجْعَلُ الْمَضُوفَةَ قِياسًا، ويُوجِبُ في نحوِ: دِيكٍ وقِيلٍ ومَعِيشةٍ , أن يكونَ وَزْنُها على الظاهِرِ، ويَقولُ: إنما تُعَلُّ الضَّمَّةُ في هذا النحوِ في بابِ الجمْعِ كبِيضٍ وعِيسٍ، وفي الصفةِ التي على فُعْلَى بالضَّمِّ كمِشْيَةٍ حِيكَى، وقِسمةٍ ضِيزَي.
ومعنى البيتِ: أنَّ هذه الناقةَ تُشْبِهُ في وقتِ تَوَقُّدِ الأرضِ وسَدَلِ العيونِ الثورَ الوحشيَّ الفاقِدَ لابنِه في حِدَّةِ النَّظَرِ، وخِفَّةِ الْجِسْمِ والنشاطِ، فما ظَنُّكَ بها في غيرِ هذا الوقتِ.
قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى وعَفَا عنه , آمينَ:
17- ضَخْمٌ مُقَلَّدُها عَبْلٌ مُقَيَّدُها = في خَلْقِها عن بناتِ الفَحْلِ تَفضيلُ
قولُه: " ضَخْمٌ " فيه ثلاثُ مَسائلَ:
الأُولَى: لُغَوِيَّةٌ، وهي أنَّ ضَخُمٌ بضَمِّ الخاءِ الْمُعْجَمَةِ , ضِخَمًا بفَتْحِها وكَسْرِ الضادِ، مِثلُ غَلِظَ وَزْنًا ومَعْنًى، ويُقالُ أيضًا: ضَخامةٌ كشَهامةٍ، والوَصْفُ منه ضَخْمٌ، كشَهْمٍ، وضِخَمٌّ بكسْرٍ ففَتْحٍ فتشديدٍ على وَزْنِ مُرادِفِه، وهو خِدَبٌّ، وأَضْخَمُ بوَزْنِ أحمرَ وإِضْخَم بوَزْنِ إِرْزَب وهو القصيرُ , وضُخامٌ بوَزْنِ شُجاعٍ، وأَنْشَدَ سِيبويهِ لرُؤبةَ بنِ العَجَّاجِ:
ضَخْمٌ يُحِبُّ الْخَلْقَ الأَضْخَمَّا
بهمزةٍ مَفتوحةٍ معَ التشديدِ، وليس في الأَبْنِيَةِ أَفْعَلَّ ولكنه شُدِّدَ للوقْفِ، ثم أُلْحِقَ أَلِفَ الإطلاقِ، ووُصِلَ بنِيَّةِ الوَقْفِ، ويُرْوَى الإضْخَمَّا بكسْرِ الهمزةِ والضَّخمَّا بلا همزةٍ، فلا ضَرورةَ، وجَمْعُ الضَّخْمِ والضَّخْمَةِ ضِخامٌ , وجَمْعُ الضَّخْمَةِ أيضًا ضَخْمَاتٌ بالإسكانِ؛ لأنَّه صِفةٌ , والضَّخامَةُ في بيتِ رُؤبةَ مَعنوِيَّةٌ، وهي عُلُوُّ الْهِمَّةِ، وفي بيتِ كعبٍ جِسميَّةٌ وهي غِلَظُ الرَّقَبَةِ.
المسألةُ الثانيةُ: إعرابيَّةٌ: يَجوزُ في " ضَخْمٌ " الرفْعُ والنصْبُ والْجَرُّ.
فأمَّا الرفْعُ فعلى أربعةِ أَوْجُهٍ: أن تكونَ خَبَرًا عَن " مُقَلَّدُها "، أو عن " هي " مُضْمَرَةً، أو صفةً لعُذَافِرَةٍ، وعليهما فإنها لم تُؤَنَّثْ لإسنادِه لِمُذَكَّرٍ وهو مُقَلَّدُها، نحوَ: { مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}.
والرابعُ: أن تكونُ مُبتدأً وفاعلُه سادٌّ مَسَدَّ الخبَرِ، وذلك على رأيِ أبي الْحَسَنِ، والكُوفِيِّينَ في إجازةِ: " قائمٌ الزيدانِ " مِن غيرِ اعتمادٍ، وعلى غيرِ الوَجْهِ الثالثِ مِن هذه الأَوْجُهِ فقولُه: " ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا " جُملةٌ إِمَّا في مَوْضِعِ رَفْعِ صِفةٌ لعُذافِرَةٍ، أو نَصْبٍ على الحالِ، أو خَفْضِ صِفةٍ لنَضَّاخَةٍ، أو لا مَوْضِعَ لها على أنها مُستأنَفَةٌ، وأمَّا النصْبُ فإمَّا بإضمارِ أَمْدَحُ، أو على أنه حالٌ مِن عُذَافِرَةٍ.
وأمَّا الجَرُّ فإمَّا على أنه صِفةٌ لنَضَّاخَةٍ على لَفْظِها أو لعُذَافِرَةٍ، على معناها ؛ إذ المعنى: ولن يُبَلَّغَها غيرُ عُذَافِرَةٍ، كما تقولُ: ما جاءني إلا زيدٌ وعمرٍو بخَفْضِ عمرٍو، أَجازَه ابنُ خَروفٍ وجماعةٌ ؛ منهم ابنُ مالِكٍ تَمَسُّكًا بأمرينِ:
أحدُهما: القِياسُ على ما جاءَ في غيرِ زيدٍ وعمرٍو بالرَّفْعِ حَمْلًا لغيرِ على " إلا " ، قالَ: ( البحر البسيط ).

لم يَبْقَ غيرُ طَريدٍ غيرِ مُنْفَلِتٍ = ومُوثَقٍ في حِبالِ القِدِّ مَجنوبُ
" غيرُ " الأُولى مَرفوعةٌ على الفاعليَّةِ، والثانيةُ مَخفوضةٌ صِفةٌ لطَريدٍ، ورُوِيَ رَفْعُها بالحَمْلِ على معنى: إلا طَريدٌ، مُوثَقٍ: مَخفوضٌ عَطْفًا على " طَريدٍ "، ورُوِيَ رَفْعُه عَطْفًا على المعنى المذكورِ، لا عَطْفًا على غيرِ ؛ لفَسادِ المعنى.
والثاني: ما وَرَدَ مِن قولِه : ( البحر الطويل )
وما هاجَ هذا الشوْقَ إلا حَمامةٌ = تَغَنَّتْ على خَضراءَ سُمْرٍ قُيُودُهَا
فيمَن خَفَضَ " سُمْرٌ " صِفةٌ لحمامةٍ، والمرادُ بقُيودِها رِجْلاها؛ لأنَّها مَوْضِعُ القُيودِ، ولهذا يَقولُ كَعْبٌ: فَعْمٌ مُقَيَّدُها. وأَجابَ الْمَانعونَ بأنه لا يَلْزَمُ مِن جَوازِ حَمْلِ غيرِ على " إلا " جوازُ العَكْسِ؛ لأنَّ " إلا " أصلٌ، وبأنَّ " سُمْرٍ " صِفةٌ لِخَضراءَ، على أنَّ المرادَ بقُيودِها عُروقُها النابتةُ في الأرضِ، أو صِفةٌ لِحَمامةٍ، ولكنه خُفِضَ لِمُجاوَرَةِ المخفوضِ، وهذا الوَجْهُ غَلَطٌ؛ لأنَّ الْمُرادَ بِخَفْضِ الجِوارِ التناسُبُ اللفظيُّ، ولا تَنَاسُبَ بينَ مَفتوحٍ ومكسورٍ، والوَجْهُ الأَوَّلُ بَعيدٌ ؛ لأنَّ العُروقَ الْمَسْتُورَةَ بالأرضِ غيرُ مُشاهَدَةٍ، فلا يَحْصُلُ بها تَهييجٌ للْحُبِّ.
المسألةُ الثالثةُ أَدَبِيَّةٌ: وهي أنَّ الْمُقَلَّدَ مَوْضِعُ القِلادةِ مِن العُنُقِ، والمرادُ وَصفُ الناقةِ بغِلَظِ الرقبةِ، وقد عِيبَ ذلك، فقالَ الأصمعيُّ: هذا خَطأٌ في الوَصْفِ، وإنما خَيْرُ النجائبِ مَا يَدِقُّ مَذْبَحُهُ، وقالَ أبو هِلالٍ العسكريُّ في كِتابِ " الصِّناعتينِ ": مِن خَطأِ الوَصْفِ قولُ كعبِ بنِ زُهيرٍ: " ضَخْمٌ مُقَلَّدُها " ؛ لأن النجائِبَ تُوصَفُ بدِقَّةِ الْمَذْبَحِ . انتهى، وقد كَرَّرَ هذا الوَصْفَ ؛ إذ قالَ في البيتِ بعدَه: غَلْبَاءُ. على ما سيأتي.
وقولُه: " عَبْلٌ مُقَيَّدُها " إعرابُه كإعرابِ ضَخْمٌ مُقَلَّدُها، والعَبْلُ: كالضخْمِ وَزْنًا ومَعْنًى، وفرَسٌ عَبْلُ الشِّوَى أي: غَليظُ القوائمِ، وقد عَبُلَ بالضمِّ عَبالةً، كضَخُمَ ضَخامَةً، والأنثى عَبْلَةٌ، وجَمْعُها عِبالٌ، وجَمْعُ العَبْلَةِ أيضًا عُبْلانُ بالإسكانِ، ويُرْوَى: " فَعْمٌ " وهو كالضَّخْمِ والعَبْلِ وَزنًا ومعنى وفِعْلُه بالضَّمِّ كفِعْلِهما، ومَصدَرُه الفَعامةُ والفُعومةُ، وأَفْعَمْتُه، مَلَأْتُه، وقالوا: سَيْلٌ مُفْعَمٌ بفَتْحِ العينِ على الْمَجازِ، وهو عكسُ عِيشةٍ رَاضيةٍ، وحقيقتُهما: سَيْلٌ مُفْعَمٌ بالكسْرِ؛ لأنه مالئٌ لا مَملوءٌ، وعِيشةٌ مَرْضِيَّةٌ.
وقولُه: " مُقَيَّدُهَا " أي: مَوْضِعُ القَيْدِ منها؛ وذلك أنها إذا كانتْ أَطْرَافُها غَليظةً، كان ذلك أَقْوَى لها على السَّيْرِ، وههنا مَسائلُ:
المسألةُ الأُولى: أنَّ صِيغةَ المفعولِ مِمَّا زادَ على الثلاثةِ يأتي مَصدرًا، نحوَ { مَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي: كلَّ تَمزيقٍ، وزَمانًا كقولِه: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ مُمْسَانَا ومُصْبَحَنَا ) أي: وقتَ إمسائِنا وإصباحِنا، ومَكانًا نحوَ: { رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ }... الآيةَ. جاءَ في التفسيرِ: أنَّ مُدْخَلَ صِدْقٍ: المدينةُ، ومُخْرَجَ صِدقٍ: مَكَّةُ. والسلطانََ: النَّصيرُ، ومنه قولُ كعبٍ: مُقَلَّدُها، ومُقَيَّدُها. وزَعَمَ أبو الحسَنِ أنَّ اسمَ مفعولِ الثلاثيِّ يأتي أيضًا مَصدَرًا، ولكنه مَسموعٌ كقولِهم: ما لَه مَعقولٌ ولا مَجلودٌ، أي: عَقلٌ ولا جَلَدٌ.
المسألةُ الثانيةُ: اشْتَمَلَ هذا الشَّطْرُ على أنواعٍ مِن البَديعِ:
أحدُها: الْجِنَاسُ وذلك في مُقَلَّدِها ومُقَيَّدِها، وهو جِناسٌ غيرُ مُستَوْفًى ؛ إذ تَخَالَفَت الكَلِمَتانِ في الياءِ واللامِ، ويُسَمَّى مِثلُ ذلك إذا تَقارَبَ الْحَرفانِ جِناسًا مُضارِعًا نحوَ: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } . وفي الحديثِ: ((الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ)). وإِذا لَم يَتَقَارَبَا جِناسًا لَاحِقًا نحوَ: { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } ومِمَّا مَثَّلَ به صاحِبُ الإيضاحِ لذلك: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ }. وهو سهوٌ ؛ إذ الراءُ والنونُ إمَا مِن مَخرَجٍ واحدٍ، أو مِن مَخرَجَينِ مُتقارِبَيْنِ.
النوعُ الثاني: التسجيعُ، وهو اتِّفاقُ القرينتينِ في الْحَرْفِ الخاتَمِ لها.
والثالثُ: الترصيعُ: وهو تَوَازُنُ كَلِمَاتِ السجْعِ، ومِن بَديعِ ما جَاءَ منه قولُ الحريريِّ، فهو يَطْبَعُ الأسجاعَ بجَواهِرِ لَفْظِه، ويَقْرَعُ الأسماعَ بزَواجِرِ وَعْظِه.
قولُه: " في خَلْقِها ... البيتَ: الْخَلْقُ: بمعنى الْخِلقَةِ، " وعن " بمعنى: " على " وهي مُتَعَلِّقَةٌ بـ"تفضيلُ "، وإن كان مَصْدَرًا؛ لأنَّه ليس مُنْحَلًّا لأنْ والفعلِ، ومَن ظَنَّ أنَّ الْمَصدَرَ لا يَتَقَدَّمُه مَعمولُه مُطْلَقًا فهو وَاهِمٌ، وعلى هذا فاللامُ مِن قولِ الحماسيِّ: ( الرَّجَز )

وبعضُ الْحِلْمِ عندَ الْجَهْـ = ـلِ للذِّلَّةِ إِذعانُ
مُتَعَلِّقَةٌ بـ "إذعانُ " المذكورِ، لا بإذعانٍ آخَرَ مُقَدَّرٍ.



· لعلها : يقدر الإلحاق أو يقدرها للإلحاق

  #6  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 05:36 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَهُ اللهُ:
18- غَلباءُ وَجناءُ عُلكومٌ مُذَكَّرَةٌ = في دَفِّهَا سَعَةٌ قُدَّامُها مِيلُ
قولُه: " غَلباءُ " أي: غَليظةُ الرَّقَبَةِ، والمذَكَّرُ: أَغْلَبُ، وجَمْعُها: غُلُبٌ , ويكونُ في الآدَمِيِّ أيضًا، وقالَ أبو حاتمٍ: الغُلْبُ قِصَرُ العُنُقِ معَ غِلَظِه، وقيلَ: قِصَرٌ ومَيْلٌ، والذي يَظهَرُ لي أنه مُشترَكٌ بينَ الغليظِ والمائِلِ , فالأَوَّلُ كما في بيتِ كَعْبٍ، ولا يَجوزُ أن يُريدَ به القِصَرَ وَحْدَه، ولا معَ وَصْفٍ آخَرَ؛ لئلا يَتناقَضَ مع قولِه: " قُدَّامُها مِيلُ " ؛ فإنه كِنايةٌ عن طُولِ عُنُقِها، كما سيأتي، والثاني كقولِه: ( بحر الرجَز ):
ما زِلتُ يَومَ البَيْنِ أَلْوِي صَالِبِي = والرأسَ حتى صِرْتُ مِثلَ الأَغْلَبِ
ولا مَدْخَلَ لمعنى الغِلَظِ هنا، وقد يُستعارُ الغُلْبُ لغِلَظِ غيرِ العُنُقِ , قالَ اللهُ تعالى: { وَحَدَائِقَ غُلْبًا } أي: أنها غُلْبُ الأشجارِ، وفِعْلُ الأَغْلَبِ: غَلِبَ بالكسْرِ، يَغْلَبُ بالفتْحِ غُلْبًا، وفِعْلُ الغالِبِ غَلَبَ بالفتْحِ، يَغْلِبُ بالكسْرِ غَلَبَةً وَغَلَبًا أيضًا، ومنه: { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }. وأَمَّا قولُ الفَرَّاءِ وابنِ مالِكٍ: إنَّ الأصلَ: غَلَبَتِهِمْ، ثم حُذِفَت التاءُ للإضافةِ كما في قولِه تعالى: { وَإِقَامِ الصَّلَاةِ } وقولِه: ( البحر البسيط ).
إنَّ الْخَلِيطَ أَجَدُّوا الْبَيْنَ فانْجَرَدُوا = وأَخْلَفُوك عِدَا الأمرِ الذي وَعَدُوا
فمُسْتَغْنًى عنه.
وقولُه: " وَجْنَاءُ ": أي: عظيمةُ الوَجْنَتَيْنِ، أي: طَرَفَيِ الوَجْهِ، أو أنها صَلْبَةٌ مِن الوَجِينِ، وهو ما صَلُبَ مِن الأرضِ.
قولُه: " عُلْكُومٌ " أي: شديدةٌ، وتَخْتَصُّ بالإبِلِ، ويَستوِي فيه الذكَرُ والأُنْثَى، ومِثلُه العُلْجُومُ.
وقولُه: " مُذَكَّرَةٌ " أي: أنها في عظيمِ خَلْقِها كالذكَرِ من الأباعِرِ , والكلماتُ الأربعُ صِفاتٌ لعُذَافِرَةٍ، أو أخبارٌ عن " هي " محذوفةٍ، , ويَجوزُ نَصْبُها وجَرُّها، على ما مَرَّ.
وقولُه: " دَفِّهَا " بفَتْحِ الدالِ الْمُهْمَلَةِ، أي: جَنْبِها، وفيه إنابةُ الْمُفرَدِ عن الاثنينِ كما مَرَّ في الذِّفْرَى.
وقولُه: " سَعَةٌ " هو بفَتْحِ السينِ، وكانَ القِياسُ الكسْرَ كالعِدَةِ والزِّنَةِ والْهِبَةِ، ولكنهم ربما فَتَحوا عَينَ هذا الْمَصدَرَ لفَتْحِها في المضارِعِ كالسَّعَةِ والضَّعَةِ، وهو مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، أو فاعلٌ بالظرْفِ؛ لاعتمادِه على ما سَبَقَ مِن مُخْبَرٍ عنه، أو مَوصوفٍ.
قولُه: " قُدَّامُها مِيلُ " يَصِفُها بِطُولِ العُنُقِ، ويَجوزُ في " قُدَّامُها " النَّصْبُ، وهو الأَصْلُ، والرفْعُ على حَدِّ ارتفاعِه في قولِ لَبيدِ بنِ رَبيعةَ رَضِيَ اللهُ عنه في مُعَلَّقَتِه التي أَوَّلُها: ( البحر الكامل ).

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّهَا فمُقَامُها = بِمِنًى تَأَبَّدَ غُولُها فَرِجَامُها
فغَدَتْ كِلَا الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أنَّهُ = مَوْلَى الْمَخافَةِ خَلْفَها وأَمَامُها
الفَرْجُ: مَوْضِعُ الْخَوْفِ، والْمَوْلَى هنا الوَلِيُّ، ومِثْلُه: { فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ } والمرادُ بِمَوْلَى الْمَخافَةِ: الْمَوْضِعُ الذي يُخافُ فيه، و " كِلا " : إِمَّا ظَرْفٌ لغَدَتْ، وهو الأَرْجَحُ، وإمَّا مُبتدأٌ خَبَرُه ما بعدَه، والجملةُ حالٌ، و "خَلْفَها": إمَّا بَدَلٌ مِن " مَوْلَى"، وإمَّا خَبَرٌ عنه، والجملةُ خَبَرٌ لأنَّ، وإمَّا خَبَرٌ لمحذوفٍ تقديرُه هما. وقالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللهُ عنه: ( البحر الطويل )
نُصِرْنَا فما نَلْقَى لنا مِن كَتيبةٍ = مَدَى الدهْرِ إلا أَمامُها
والقوافِي مَرفوعةٌ، وإنما اسْتَشْهَدْتُ على جَوازِ رَفْعِ الأمامِ؛ لأنَّ بعضَ الْمُعْرِبِينَ وَهِمَ فيه وَزَعَمَ أنه لا يَنصرِفُ.
قالَ:
19- وجِلْدُها مِن أُطُومٍ مَا يُؤَيِّسُهُ = طَلْحٌ بضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهزولُ
أي: أنَّ جِلْدَها قَوِيٌّ شديدُ الْمَلاسةِ ؛ لسِمَنِها وضَخَامَتِها، فالقِرادُ المهزولُ مِن الجوعِ لا يَثْبُتُ عليها، ولا يَلْتَزِقُ بها.
وقولُه: " مِن أُطُومٍ " جَزَمَ التِّبريزيُّ بأن الأُطُومَ الزرافةُ، وأنَّ الجامِعَ بينَهما الْمَلاسَةُ، وعلى هذا فهو بفَتْحِ الهمزةِ ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَه، بل يَجوزُ أن يُريدَ به السُّلَحْفَاةَ البَحرِيَّةَ، وهذا أَوْلَى لوَجْهينِ :
أحدُهما: أنَّ استعمالَ الأُطومِ بهذا المعنى كثيرٌ، بخِلافِ استعمالِه بمعنى الزرافةِ؛ فإنه قليلٌ، حتى إنَّ الجوهريَّ وصاحبَ " الْمُحْكَمِ " وكثيرًا مِن أهلِ اللغةِ لم يَذْكُرُوهُ.
والثاني: أنَّ مُلامَسَةَ لَحْمِ السُّلَحْفَاةِ أكثرُ، فالتشبيهُ بها أَبْلَغُ، ولو أنه قالَ: مُشَبَّهَةٌ بجِلدِ الزرافةِ لقُوَّتِه ومَلاسَتِه كان التخصيصُ بالزرافةِ مُتَّجِهًا.
وفي " الْمُحْكَمِ " الأُطومُ: سُلَحْفَاةٌ بَحَرِيَّةٌ غَليظةُ الْجِلْدِ. وقيلَ: سَمَكَةٌ غَليظةُ الْجِلْدِ في البَحْرِ، يُشَبَّهُ بها جِلْدُ البَعيرِ الأَمْلَسُ، ويُتَّخَذُ مِنها الْخِفافُ للجَمَّالِينِ، ويُخْصَفُ بها النِّعالُ، وقِيلَ: الأُطومُ: القُنْفُذُ والبقرةُ، وقيلَ: إنما سُمِّيَتْ بذلك على التشبيهِ بالسمكةِ ؛ لغِلَظِ جِلْدِها . انتهى.
والتقديرُ: وجِلْدُها مِن جِلْدٍ كجِلْدِ أُطُومٍ.
وجَزَمَ عبدُ اللطيفِ بأنَّ الأُطومَ في البيتِ بضَمَّتَيْنِ، وقالَ: شَبَّهَ جِلْدَها بالْحُصونِ لقُوَّتِه. انتهى، ولا خَفاءَ بما في تَشبيهِ الْجِلْدِ بالْحُصونِ مِن البُعْدِ، ومما يَزيدُه بُعْدًا أنه قالَ: مِن أُطومٍ. ولم يَقُلْ: شَبَهُ أُطُومٍ، ولا يَحْسُنُ أن يُقالَ: جِلْدُها مِن حِصْنٍ، أو قَصْرٍ، ومُفرَدُ الأُطومِ " أُطُمٌ " بضَمَّتَيْنِ، وهو الحِصْنُ الْمَبْنِيُّ بالحجارةِ، وقيلَ: كلُّ بيتٍ مُرَبَّعٍ مُسَطَّحٍ، وجَمْعُه في القِلَّةِ آطَامٌ، قالَ الأَعْشَى: ( البحر الطويل )

فلَمَّا أَتَتْ آطَامَ جَوٍّ وأَهْلِهِ = أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ رَحْلَها بفَنَائِهَا
والكثيرُ: الأُطومُ، وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: الأُطومُ: القُصورُ.
وقولُه: " يُؤَيِّسُه": أي : يُذَلِّلُهُ، ويُؤَثِّرُ فيه، يُقالُ: آسَ أَيْسًا، مِثلُ: سَارَ سَيْرًا بمعنى: لَانَ، وذَلَّ. وأَيَّسَه تَأْيِيسًا، أي: لَيَّنَه وذَلَّلَهُ، قالَ الْمُتَلَمِّسُ:
تُطِيفُ به الأَيَّامُ ما يَتَأَيَّسُ
أي: ما يَتَأَثَّرُ ولا يَتَغَيَّرُ
وقولُه: " طِلْحٌ " فاعلُ " يُؤَيِّسُهُ " وهو بكسْرِ الطاءِ: القُرادُ، ويُقالُ أيضًا: طَليحٌ، وأَصْلُ الطِّلْحِ والطليحِ: الْمُعْيِي مِن الإبِلِ وغيرِها، قالت العَرَبُ: راكبُ الناقةِ طَلِيحانَ. أي: أحَدُ طَليحينِ، أو راكبُ الناقةِ والناقةُ طَليحانِ، وقالَ الْحُطَيْئَةُ يَذْكُرُ إِبِلًا ورَاعِيَها: ( البحر الطويل )
إذا نامَ طِلْحٌ أَشعثُ الرٌأسِ خَلْفَها = هَداهُ لها أَنفاسُها وزَفيرُها

وجملةُ " ما يُؤَيِّسُهُ طِلحٌ " إمَّا خَبَرٌ ثانٍ لِجِلْدِها، أو حالٌ مِن ضميرِ الظرْفِ، أو مُستأنَفَةٌ لبيانِ جِهةِ التشبيهِ، على تقديرِ سؤالٍ.
قولُه: " بضَاحيةٍ " اسمُ فاعلٍ مِن ضَحِيَتْ بالكسْرِ تَضْحَى بالفتْحِ: إذا بَرَزَت للشمْسِ، قالَ عُمرُ بنُ أبي رَبيعةَ: ( البحر الطويل )

رأتْ رجُلًا أَمَّا إذا الشمْسُ عارَضَتْ = فيَضْحَى وأمَّا بالعَشِيِّ فيُخْصِرُ
وقالَ اللهُ تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى }.
قولُه: " الْمَتْنَيْنِ " يُريدُ به مَتْنَيْ ظَهْرِها، أي: ما اكْتَنَفَ صُلْبَها عن يمينٍ وشِمالٍ مِن عَصَبٍ ولَحْمٍ، والْمَتْنُ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، و " أل " في الْمَتْنِ خَلَفٌ عن الضميرِ، وضاحيةُ الْمَتْنَيْنِ مثلُ حَسَنَةِ الوَجْهِ، والْمُرادُ: ما بَرَزَ مِن مَتْنَيْهَا للشَّمْسِ.
وقولُه: " مَهزولُ " صفةٌ لطِلحٍ، وهذا البيتُ وَقَعَ في شِعرِ الشَّمَّاخِ بنِ ضِرارِ بنِ حَرملةَ, واسْمُه: مَعْقِلُ بنُ ضِرارِ بنِ حَرملةَ، وهو صَحابِيٌّ مِثلُ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، إلا أنه قالَ:
طِلحٌ بضاحيةِ الصيداءِ مَهزولُ
ونَظيرُ ذلك أنَّ امرأَ القَيْسِ قالَ: ( البحر الطويل )

وُقوفًا بها صَحْبِي على مَطِيِّهِمْ = يقولون لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وقالَ طَرْفَةُ كذلك إلا أنه قالَ: " وتَجَلَّدِ " ؛ لأنَّ قَوافِيَ مُعَلَّقَتِه دَاليَّةٌ، ودونَ هذا قولُ أبي نُوَاسٍ , وهو بنونٍ مَضمومَةٍ بعدَها واوٌ لا هَمزةٌ كما يَقولُ بعضُ مَن لا مَعرِفَةَ له؛ لأنَّه مِن ناسَ يَنُوسُ: إذا تَحَرَّكَ، لُقِّبَ بذلك ؛ لأنه كان ذا ذُؤابةٍ تَنُوسُ على ظَهْرِه: ( البحر الطويل ).

فَتًى يَشْتَرِي حُسْنَ الثناءِ بِمَالِهِ = ويَعلمُ أنَّ الدائراتِ تَدورُ
وقالَ الأسودُ الْيَرْبوعيُّ قَبلَه: ( البحر الطويل )
فَتًى يَشْتَرِي حُسْنَ الثناءِ بِمَالِهِ = إذا السَّنَةُ الشَّهْبَاءُ أَعْوَزَهَا القَطْرُ
وهذا ونحوُه مُحْتَمِلٌ للأَخْذِ، ولتَوارُدِ الْخَواطِرِ.
قالَ:
20- حَرْفٌ أَخوهَا أَبُوهَا مِن مُهَجَّنَةٍ = وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمليلُ
قولُه: " حَرْفٌ " مُحتَمِلٌ لإعرابينِ: كونُه خبرًا لمحذوفٍ، أي: هي حَرْفٌ، وكونُه صِفةً لعُذافِرَةٍ، ومُحْتَمِلٌ لِمَعنيينِ: إرادةُ حَرْفِ الْجَبَلِ، وهو القِطعةُ الخارجةُ منه، أي: أنها مِثْلُه في الْقُوَّةِ والصلابةِ، وإرادةُ حَرْفِ الخطِّ، أي: أنها مِثْلُه في الضُّمورِ والرِّقَّةِ، ومُحْتَمِلٌ لثلاثةِ تَقاديرَ:
أَحَدُها: إضمارُ الكافِ للمُبالَغَةِ في معنى التشبيهِ.
والثاني: أن يكونَ جَعْلُها نفْسَ الحرْفِ مُبالَغَةً، وعليهما فلا ضَميرَ فيها.
والثالثُ: أن يُؤَوَّلَ الْحَرْفُ بصُلْبَةٍ على المعنى الأَوَّلِ، وبِمَهزولةٍ على المعنى الثاني، وعلى ذلك ففيه ضميرٌ؛ لأنَّه قد أُوِّلَ بالْمُشْتَقِّ فأُعْطِيَ حُكْمَه، والأَوْجُهُ الثلاثةُ في نحوِ قولِك: زيدٌ أَسَدٌ.
وقولُه: " أَخُوها أَبُوها، وَعَمُّها خالُها": مُحْتَمِلٌ لِمَعنيينِ:
أحدُهما: التشبيهُ، أي: أنَّ أَخَاها يُشْبِهُ أباها في الكَرَمِ، وعَمَّها يُشْبِهُ خالَها في ذلك.
والثاني: التحقيقُ، وأنها مِن إِبِلٍ كِرامٍ، فبعضُها يُحْمَلُ على بعضٍ؛ حِفْظًا للنوعِ، ولهذا النسَبِ صُوَرٌ:
منها: أنَّ فَحْلًا ضَرَبِ بِنْتَهُ، فأَتَتْ ببَعيرينِ، فضَرَبَها أحدُهما، فأَتَتْ بهذه الناقةِ.
وقالَ الفارسيُّ في " تَذْكِرَتِه ": صورةُ قولِه: أخوها أبوها: أنَّ أمَّها أَتَتْ بفَحْلٍ فأُلْقِيَ عليها، فأَتَتْ بهذه الناقةِ , وأمَّا عمُّها خالُها: فيَتَّجِهُ على النِّكاحِ الشرعيِّ، تَزَوَّجَ أبو أبيكَ بأمِّ أمِّكَ، فوُلِدَ لهما غلامٌ، فهو عَمُّك وخالُك، إلا أنه عمٌّ لأبٍ، وخالٌ لأمٍّ. صورةٌ أخرى: تَزَوَّجَتْ أُختُك مِن أمِّكَ أَخاكَ مِن أبيكَ، فوُلِدَ لهما، فأَنْتَ عمُّ هذا الولدِ أخو أبيه، وخالُه ؛ لأنك أخو أمِّه من أمِّها. انتهَى.
ولا يَنطبِقُ تفسيرُ أبي عليٍّ رَحِمَهُ اللهُ على ما ذُكِرَ في البيتِ؛ لأنَّ الشاعرَ لم يَصِف الناقةَ بأحدِ النَّسَبَيْنِ، بل بهما معًا.
وقولُه: " مِن مُهَجَّنَةٍ " الْمُهَجَّنَةُ: الكريمةُ، أي: مِن ناقةٍ مُهَجَّنَةٍ، أو مِن نِياقٍ مُهَجَّنَةٍ، والْهَجائنُ: كِرامُ الإِبِلِ، وأَصْلُ الْمُهَجَّنَةِ غِلَظُ الْخَلْقِ، كغِلَظِ الْبَرَاذِينِ.
وهنا تَنبيهٌ على أَمرينِ:
أحدُهما: أنَّ التهجينَ مَدْحٌ في الإِبِلِ، وذَمٌّ في الآدَمِيِّينَ؛ لأنَّ معناه في الإبِلِ: كِرامُ الأبوينِ، وفي الآدَمِيِّينَ: أن يكونَ الأبُ عَرَبِيًّا والأمُّ أَمَةً. يُقالُ منه: رَجلٌ هَجينٌ , وإن كان الأمْرُ بالعَكْسِ، قيلَ: رَجلٌ مُقْرِفٌ، وفَلَنْقَسٌ بوزْنِ سَفَرْجَلٍ، أوَّلُه فاءٌ ورابعُه قافٌ، قالَ: ( بحر الرجَز ).

العبدُ والْهَجينُ والفَلَنْقَسُ = ثلاثةٌ فأيَّهُمُ تَلَمَّسُ
وقالَ: ( البحر الرَّمَل )
كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نالَ العُلَى = وكريمٍ بُخْلُه قد وَضَعَهُ
يَجوزُ في " مُقْرِفٍ " الْجَرُّ بإضافةِ كَمْ، والنصْبُ على التمييزِ حَمْلًا للخَبَرِيَّةِ على الاستفهاميَّةِ ؛ كَراهيةً للفَصْلِ بينَ الْمُتَضَايِفَيْنِ.
ومِن الْمُلَحِ: أنَّ أعرابيًّا جاءَ إلى ابنِ شُبْرُمَةَ القاضي، فقالَ: مسألةٌ. فقالَ: هاتِ. فقالَ: أبي ماتَ، وخَلَّفَنِي وشَقيقًا لي. وخَطَّ بأُصْبُعِهِ في الأرضِ خَطَّيْنِ مُتجاورَيْنِ، ثم قالَ: وخَلَّفَ هَجِينًا. وخطَّ خَطًّا آخَرَ بعيدًا، ثم قالَ: ولم يُخَلِّفْ غَيْرَنا. فاقْسِم المالَ بينَنا. قالَ: هو بينَكم أَثلاثًا. فقالَ: سُبحانَ اللهِ، كأنك لم تَفهَم المسألةَ. فقالَ: أَعِدْهَا. فأَجابَه كالأَوَّلِ. فقالَ: أَيَرِثُ الهجينُ كما أَرِثُ؟ قالَ: نعمْ. فقالَ: لقد عَلِمْتُ واللهِ أنَّ خالاتِك بالدَّهناءِ قَليلةٌ. فقالَ: لا يَضُرُّنِي ذلك عندَ اللهِ شيئًا.
الثاني: أنَّ تَقَارُبَ مَدْحٌ في الإِبِلِ؛ لأنَّه إنما يكونُ في الكَرائِمِ يُحْمَلُ بعضُها على بعضٍ؛ حِفْظًا لنوعِها، كما قَدَّمْنا، وهو ذَمٌّ في الناسِ.
لأنه فيهم سَببٌ للضَّعْفِ، وفي الحديثِ: ((اغْتَرِبُوا لَا تَضْوُوا)) أي: أنَّ تَزَوُّجَ القرائبِ يُوقِعُ الضَّوَى في الوَلَدِ، والضَّوَى بالضادِ الْمُعْجَمَةِ بوَزْنِ الْهَوَى: مَصدرُ ضَوِيَ بالكسْرِ يَضْوَى بالفتْحِ، بمعنى الضَّعْفِ والْهُزالِ، ولذلك يَمدحونَ بضِدِّ ذلك كقولِ راجِزٍ:

إنَّ بِلالًا لم تَشِنْهُ أُمُّهُ = لم يَتَنَاسَبْ خَالُه وعَمُّهُ
وقولِ الشاعرِ: ( البحر الطويل )
فَتًى لم تَلِدْهُ بنتُ عمٍّ قريبةٌ = فيَضْوَى وقد يَضْوَى رَديدُ الأقارِبِ
والجارُّ والمجرورُ خَبَرٌ عن الناقةِ عن " أخوها " ؛ لأنَّ الكلامَ ليس مَسوقًا له.
قولُه: " قَوداءُ ": هي الطويلةُ الظهْرِ أو الْعُنُقِ، والذكَرُ أَقْوَدُ، وجَمْعُهُما قِوَدٌ.
قولُه: " شِمليلُ " الشِّمليلُ، والشِّملالُ بكَسْرِ أوَّلِهما وسكونِ ثانيهما، والشِّمِلَّةُ بكَسْرِهما وتشديدِ الثالثِ: الخفيفةُ السريعةُ. يُقالُ: شَملَلَ: أي: أَسْرَعَ، واللامُ زائدةٌ للإلحاقِ بدَحْرَجَ، ولهذا لم يُدْغَمْ؛ لئَلَّا يَفوتَ مُوازنَتُه للمُلْحَقِ به

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة3 or 7, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir