مَتَى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الحديثِ أو يُسْتَحَبُّ
متى يَصِحُّ تَحَمُّلُ الحديثِ، أو أي, ومتى يُسْتَحَبُّ.
وقَبِلُوا مِن مُسْلِمٍ تَحَمُّلاَ في كُفْرِه كذا صَبِيٌّ حَملاَ
ثم رَوَى بعدَ البُلوغِ ومَنَعْ قَوْمٌ هُنَا وَرُدَّ كالسِّبْطَيْنِ معْ
إحضارِ أهْلِ العِلْمِ للصِّبيانِ ثُمّْ قَبولُهم ما حَدَّثُوا بعدَ الْحُلُمْ
(وقَبِلُوا) أي: الْمُحَدِّثُونَ الروايةَ مِن (مسلِمٍ) مستكْمِلِ الشروطِ (تَحَمُّلاَ)، الحديثِ (في) حالِ (كُفْرِهِ)، وأداءَه بعدَ إسلامِه؛ لأنَّ جُبيرَ بنَ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَدِمَ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في فِداءِ أُسارَى بَدْرٍ قَبلَ أنْ يُسلِمَ، فسَمِعَه حينئذٍ يَقرأُ في المغرِبِ بـ(الطُّورِ)، قالَ: (وذلك أوَّلُ ما وَقَرَ الإيمانُ في قَلْبِي).
ثم أَدَّى ذلك بعدَ إسلامِه وحُمِلَ عنه.
و(كذا) يُقْبَلُ عندَهم (صَبِيٌّ حَمَلاَ) الحديثَ (ثم روى بعدَ البُلوغِ) ما تَحَمَّلَه في حالِ صِباهُ، (وَمَنَعْ قَوْمٌ) القَبولَ (هنا) أيْ: في مَسألةِ الصَّبِيِّ؛ لأنَّ الصبِيَّ مَظِنَّةُ عدَمِ الضبْطِ.
(ورُدَّ) عليهم بإجماعِ الأئمَّةِ على قَبولِ حديثِ جَماعةٍ مِن صِغارِ الصحابةِ تَحَمَّلُوهُ في صِغَرِهم (كالسِّبْطَيْنِ) الحسَنِ والْحُسَيْنِ ابْنَيْ بِنْتِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فاطمةَ، وكعبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ، والنعمانِ بنِ بَشيرٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ.
(معْ إحضارِ أهْلِ العلْمِ) مِن الْمُحَدِّثِينَ وغيرِهم (للصِّبيانِ) مجالِسَ التحديثِ (ثمّْ قَبُولُهم) مِنهم (ما حَدَّثوا) به مِن ذلك (بعدَ الحُلُمْ) أي: البلوغِ.
كما وَقَعَ للقاضي أبي عمرَ الهاشميِّ، فإنه سَمِعَ (السُّنَنَ لأبي داوُدَ) مِن اللُّؤْلويِّ وله خمسُ سِنينَ، واعتمَدَ الناسُ بسماعِه وحَمَلُوه عنه.
وقالَ يَعقوبُ الدَّوْرَقِيُّ: (حدَّثنا أبو عاصمٍ قالَ: ذهبْتُ بابْنِي إلى ابنِ جُريجٍ وسِنُّهُ أقَلُّ مِن ثلاثِ سنينَ، فحَدَّثَهُ).
وهذا بالنظَرِ إلى صِحَّةِ السماعِ مع قَطْعِ النظَرِ عن كونِ السامعِ طلَبَ الحديثَ بنفسِه أمْ بغيرِه.
وطَلَبُ الحديثِ في العشرينِ عندَ الزُّبَيْرِيِّ أحَبُّ حِينِ
وهْو الَّذي عليه أهْلُ الكُوفَهْ والعَشْرُ في البصرةِ كالمألُوفَهْ
وفي الثلاثينَ لأَهْلِ الشَّأمِ ويَنْبَغِي تَقييدُه بالفَهْمِ
فكُتْبُه بالضبْطِ والسَّماعُ حيثُ يَصِحُّ وبه نِزاعُ
فالْخَمْسُ للجُمهورِ ثم الْحُجَّهْ قِصَّةُ محمودٍ وعَقْلُ الْمَجَّهْ
وهْو ابنُ خَمْسَةٍ وقيلَ أَرْبَعَهْ وليس فيه سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ
بلِ الصوابُ فَهْمُهُ الْخِطَابَا مُمَيِّزاً وَرَدُّهُ الجوابَا
(و) أمَّا (طَلَبُ الحديثِ) بنَفْسِه وكِتابتِه، فهو (في العِشرينِ) بكسْرِ النونِ - مِن السِّنينَ (عندَ) الإمامِ أبي عبدِ اللهِ الزبيرِ بنِ أحمدَ (الزُّبيريِّ) بضمِّ الزايِ، (أَحَبُّ حِينِ) مما قَبْلَه، فهي وقتُ استحبابِ طلَبِ الحديثِ وكتابتِه، لأنها مُجْتَمَعُ العقْلِ.
(وهو) أي: استحبابُ طَلَبِه فيها (الذي عليه أهْلُ الكوفهْ) فقد كانوا لا يُخْرِجونَ أولادَهم في طَلَبِه إلا عندَ استكمالِ عِشرينَ سنةً.
(و) طَلَبُه في (العشْرِ) مِن السنينَ (في) أهْلِ البصرةِ (كـ) الطريقةِ (المألوفهْ) لهم حيث قَيَّدُوا بها.
ويَجوزُ رَفْعُ العشْرِ بالابتداءِ وخبرُه كالمألوفةِ.
(و) طَلَبُه (في الثلاثينَ) مِن السنينَ طريقةٌ مألوفةٌ (لأهلِ الشامِ).
(و) الحقُّ عدَمُ تقييدِه بسِنٍّ مخصوصٍ، بل (يَنبغِي تَقييدُه بالفهْمِ) لحصولِ الغرَضِ به.
(فكُتْبُهُ) أيْ: ثم يَنْبَغِي أنْ تُقَيَّدَ كُتبُ الحديثِ (بالضبْطِ) أيْ: بالتأَهُّلِ له.
ففي الوقتِ المستحَبِّ لابتداءِ الطلَبِ أربعةُ أقوالٍ.
(و) يَنبغِي أنْ يُقَيَّدَ (السماعُ) أيْ: سماعُ الصبيِّ للحديثِ، (حيث)، أيْ: بحيث، بمعنى: حينَ، (يَصِحُّ) سماعُه فيه، وذلك يَختلِفُ باختلافِ الأشخاصِ، ولا يَنحصِرُ في زَمَنٍ مخصوصٍ كما قاله ابنُ الصلاحِ.
قالَ: (ويَنبغِي بعدَ أنْ صارَ الملحوظُ إبقاءَ سِلسلةِ الإسنادِ أنْ يُبَكِّرَ بإسماعِ الصغيرِ في أوَّلِ زمانٍ يَصِحُّ فيه سماعُه).
(وبه) أيْ: وفي وَقْتِ صِحَّةِ سماعِه (نِزاعٌ) بينَ العُلماءِ، جُملتُه فيما ذَكَرَه أربعةُ أقوالٍ أيضًا.
(فالخمْسُ) مِن السنينَ التقييدُ بها (للجُمهورِ).
قالَ ابنُ الصلاحِ: (وعليه استَقَرَّ عمَلُ أهْلِ الحديثِ المتَأَخِّرِينَ، فيَكتبونَ لابنِ خمسٍ فأكثرَ: سَمِعَ. ولِمَن لم يَبْلُغْها: حَضَرَ. أو أُحْضِرَ).
(ثم الْحُجَّهْ) لهم في التقييدِ بها (قِصةُ مَحمودٍ) هو ابنُ الربيعِ (و) هي (عَقْلُ الْمَجَّهْ) أيْ: عَقْلُه لها، هي إرسالُ الماءِ مِن الفَمِ، (وهْو) أيْ: ومحمودٌ (ابنُ خَمسةٍ) مِن الأعوامِ فقالَ كما في (البخاريِّ) وغيرِه: (عَقَلْتُ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا في وَجْهِي عن دَلْوٍ وأنا ابنُ خَمْسِ سِنينَ).
وفَعَلَ ذلك معه مُداعبةً أو تَبْرِيكًا.
(وقيلَ): يَعنِي وقالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ: إنَّ محمودًا عَقَلَ ذلك وهو ابنُ (أَرْبَعَهْ) مِن الأعوامِ.
(وليسَ فيه) أيْ: في تَعيينِ وقْتِ صِحَّةِ سماعِه (سُنَّةٌ مُتَّبَعَهْ)، إذ لا يَلْزَمُ مِن تمييزِ محمودٍ أنْ يُمَيِّزَ غيرُه تَمييزَه، بل قد يَنْقُصُ عنه وقد يَزيدُ.
ولا يَلْزَمُ ألا يَعْقِلَ مِثلَ ذلك وسِنُّه أقَلُّ مِن ذلك، كما أنه لا يَلْزَمُ مَن عَقَِلَ الْمَجَّةَ أنْ يَعْقِلَ غيرَها مما سَمِعَه.
(بل الصوابُ) المعتبَرُ في صِحَّةِ سماعِه (فَهْمُه الْخِطَابَا) حالةَ كونِه (مُمَيِّزًا ورَدُّه الْجَوابَا) وإنْ كانَ ابنَ أقَلَّ مِن أربعِ سِنينَ.
فإنْ لم يَكُنْ كذلك لم يَصِحَّ سماعُه وإنْ زادَ على الخمْسِ.
وقيلَ لابنِ حَنْبَلٍ فرَجُلُ قالَ لِخَمْسَ عشْرةَ التَّحَمُّلُ
يَجوزُ لا في دُونِها فغَلَّطَهْ قالَ إذا عَلَقَه وضَبَطَهْ
وقيلَ مَن بينَ الْحِمارِ والْبَقَرْ فرَّقَ سامعٌ ومَن لا فحَضَرْ
قالَ به الْحَمَّالُ وابنُ الْمُقْرِي سَمَّعَ لابنِ أرْبَعٍ ذي ذُكْرِ
(و) مما يَدُلُّ على اعتبارِ الفَهْمِ والتمييزِ دُونَ التقييدِ بسِنٍّ أنه (قِيلَ لابنِ حَنْبَلٍ فرَجُلُ) أيْ، أنَّ رَجلاً، وهو ابنُ مَعِينٍ (قالَ: لخمْسَ عَشْرةَ سنةً (التحمُّلُ يَجوزُ لا في دُونِها) مُحْتَجًّا بأنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ رَدَّ الْبَرَاءَ وابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما يومَ بَدْرٍ لصِغَرِهما عن هذا السنِّ.
(فغَلَّطَهْ) ابنُ حنبلٍ، و (قالَ): بئسَ القولُ، (بل إذا عَقَلَه) أي: الحديثَ، (وضَبَطَهْ) صَحَّ تَحَمُّلُه وسَماعُه ولو كان صَبِيًّا.
قالَ: (وإنما التقييدُ بذلك في القِتالِ، وإلا فكيفَ يَعْمَلُ بوَكِيعٍ وابنِ عُيَيْنَةَ وغيرِهما ممن سَمِعَ قبلَ هذا السنِّ؟).
(وقيلَ: مِن بينِ الحمارِ والبقرِ فَرَّقْ) فهو (سامِعٌ، ومَن لا) يُفَرِّقُ بينَهما فـ(يُقالُ) له: (حَضَرْ)، ولا يُقالُ له: سَمِعَ.
(قالَ به) موسى بنُ هارونَ (الْحَمَّالُ) بالمهمَلَةِ - جَوابًا لِمَن سَأَلَه: (متى يُسْمَعُ للصبيِّ؟ فقالَ: إذا فَرَّقَ بينَ البقرةِ والحمارِ). وفي روايةٍ: (بينَ البقرةِ والدابَّةِ).
(و) الحافظُ أبو بكرٍ (ابنُ الْمُقْرِي) لاعتبارِه الفهْمَ والتمييزَ (سَمَّعَ) أيْ: قالَ بصِحَّةِ السماعِ (لابنِ أربَعٍ) مِن السِّنينَ (ذِي ذُكْرِ) بضَمِّ المعجَمَةِ - أيْ: صاحِبِ حِفْظٍ وفَهْمٍ.
فقد قالَ الخطيبُ: (سمِعتُ القاضيَ أبا محمَّدٍ عبدَ اللهِ بنَ محمَّدِ بنِ عبدِ الرحمنِ الأصبهانيَّ يقولُ: حَفِظْتُ القرآنَ وَلِي خَمْسُ سِنينَ، وأُحْضِرْتُ عندَ أبي بكرِ ابنِ الْمُقْرِئِ لأسمعَ منه وَلِي أربعُ سِنينَ، فأَرَادُوا أنْ يُسَمِّعُوا لي فيما حَضَرْتُ قِراءتَه، فقالَ بعضُهم: إنه يَصْغُرُ مِن السماعِ.
فقالَ ابنُ الْمُقْرِئِ: اقرأْ سُورةَ (الكافرونَ) فقَرَأْتُها، فقالَ: اقْرَأْ سورةَ (التكويرِ) فقرأتُها، فقالَ غيرُه: اقْرَأْ سورةَ (والْمُرْسلاتِ) فقرأتُها ولم أَغْلَطْ فيها.
فقالَ ابنُ الْمُقْرِئِ: (أسْمِعُوا له والعُهْدَةُ عَلَيَّ).