قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب ذكر مناظرة هذا الشّيخ بحضرة الواثق نقلتها من كتب بعض شيوخ بلدتنا، وكتبتها من أصل كتابه، وهي أتمّ من هذه وأشبع في حجاجها، فأعدتها لموضع الزّيادة[الإبانة الكبرى: 6/275]
قال الشّيخ أبو عبد اللّه: رأيت في كتب بعض شيوخنا بخطّه:
453 - حدّثنا أبو موسى محمّد بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن منصورٍ، قال: أخبرنا صالح بن عليّ بن يعقوب بن المنصور، قال: " كنت يومًا بين يدي أمير المؤمنين المهتدي باللّه رحمة اللّه عليه، وقد جلس للنّظر في المظالم للعامّة، فجعلت أنظر إليه، فذكر نحو القصّة الأولى أو شبيهًا بها حتّى بلغ منها إلى قوله: يا أحمد أخبرني عن اللّه عزّ وجلّ حين نزّل على رسوله في القرآن {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3]، وقلت أنت: الدّين لا يكون كاملًا حتّى يقال بمقالتك، أكان اللّه الصّادق في إكماله أم أنت الصّادق في نقصانه؟ فسكت أحمد، فقال الشّيخ: يا أمير المؤمنين هذه ثنتان. ثمّ قال الشّيخ: «يا أحمد الكلمة الّتي يكوّن اللّه تعالى بها الأشياء من أيّ شيءٍ خلقها؟» فسكت أحمد، فقال الشّيخ: «ثلاثٌ يا أمير المؤمنين» ثمّ قال الشّيخ: «يا أحمد أخبرني حيث كان اللّه في وحدانيّته قبل أن يخلق الخلق كان تامًّا أو ناقصًا؟» قال: بل تامًّا. قال: «فكيف يكون تامًّا من لا كلام له»، فسكت أحمد. فقال: أربعٌ يا أمير المؤمنين.
[الإبانة الكبرى: 6/275]
قال الشّيخ: «يا أحمد أكان اللّه عالمًا تامّ العلم، أم كان جاهلًا؟» فسكت أحمد: فقال: خمسٌ يا أمير المؤمنين. ثمّ قال الشّيخ: " يا أحمد، قوله {ولكن حقّ القول منّي} [السجدة: 13] الكلمة منه أم خلقها من غيره؟ " فأمسك أحمد، فقال: ستٌّ يا أمير المؤمنين " وذكر من القصّة في القيد وغيرها شبيهًا بما مضى في الخبر الأوّل وزاد فيه: " قال الواثق: يا شيخ زد أحمد من هذه الحجج لعلّه يرجع عن هذه المقالة. قال يا أمير المؤمنين عليكم نزل العلم، ومنكم اقتبسناه. ثمّ قال الشّيخ: يا أحمد قد علمنا وعلمت أنّ اللّه عزّ وجلّ قال {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]، أليس ما أنزل اللّه على رسوله؟ قال: نعم. قال: فهل تقدر أن تقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلّغنا هذا الّذي تدعونا إليه؟ أم هذه المقالة في كتاب اللّه أو سنّة نبيّه حتّى نتابعك عليها، وإن قلت: إنّه لم يبلّغنا، فقد نسبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى التّقصير في أمر اللّه، وأنّه كتم أمرًا أمره اللّه إبلاغنا إيّاه، فسكت أحمد فلم يجبه بشيءٍ. قال الشّيخ: يا أحمد قول اللّه عزّ وجلّ: يا موسى {إنّني أنا اللّه لا إله إلّا أنا فاعبدني} [طه: 14]، أفيجوز أن يكون هذا مخلوقًا؟ فسكت أحمد.
[الإبانة الكبرى: 6/276]
قال الواثق: يا شيخ سلني حاجةً. قال: حاجتي أن تردّني السّاعة إلى منزلي الّذي أخرجت عنه، فأمر بردّه مكرمًا. قال صالحٌ: فقال أمير المؤمنين المهتدي باللّه: فرجعت في ذلك اليوم عن تلك المقالة، ورجع أمير المؤمنين الواثق، ولم نسمعه يناظر في شيءٍ من ذلك القول حتّى مات "
[الإبانة الكبرى: 6/277]