النوع العاشر: أسباب النزول
ذكر في الإتقان فوائد لهذا النوع، منها معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، ومنها أن اللفظ قد يكون عاماً ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فإن دخول صورة السبب قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع، ومنها الوقف على المعنى وإزالة الإشكال، قال الواحدي: لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن، قال الناظم (وصنف الأئمة) جمع إمام (الأسفارا) جمع سفر وهو الكتاب (فيه) أي في سبب النزول، أشهرها للواحدي (فيمم) بصيغة الأمر: اقصد (نحوها) أي جهة الأسفار (استفساراً) أي حال كونك مستفسراً، (ما) أي وسبب النزول الذي (فيه يروى عن صحابي) بسند متصل فحكمه (رفع) أي حكمه حكم الحديث المرفوع، لا الموقوف، إذ قول الصحابي فيما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه مرفوع (و) السبب الذي روي عنهم (إن) روي (بغير سند) أي متصل (فـ) حكمه (منقطع) لا يلتفت إليه (أو تابعي) بتسكين ياء النسبة للوزن، وهو معطوف على صحابي، أي والسبب الذي روي بسند متصل عن تابعي (فـ) حكمه أنه (مرسل) لأنه ما سقط فيه الصحابي، فإن كان بلا سند فمردود، قال في شرح النقاية: كذا قال البلقيني فتبعناه، ولا أدري لم فرق بين الذي عن الصحابي والذي عن التابعي، فقال في الأول منقطع، وفي الثاني رد، مع أن الحكم فيهما الانقطاع والرد؟ (وصحت) بكسر التاء للروي (أشيا) بالقصر للوزن، وذلك (كما) ثبت (لإفكهم) أي المنافقين (من قصة) بيان لما، وهي مشهورة في الصحيحين وغيرهما (والسعي): بالجر عطفاً على إفكهم، أي وكما ثبت للسعي من القصة والسبب، ففي الصحيحين عن عائشة: كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله ...} إلى قوله: {فلا جناح عليه أن يطوف بهما} وفي البخاري عن عاصم بن سليمان، قال: سألت أنساً عن الصفا والمروة؟ قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} (والحجاب) بالجر أيضاً لما مر، أي كما ثبت لآيات الحجاب من السبب كما قال الناظم (من آيات) وهو بيان للحجاب (خلف المقام) متعلق بالصلاة (الأمر) بالجر أيضاً لما مر (بالصلاة) متعلق بالأمر، أي وكما ثبت للأمر بالصلاة خلف المقام من السبب، وذلك كما في البخاري عن أنس قال، قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله، لو اتخذنا مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت كذلك، اهـ. والله أعلم.