16: حماد بن سلمة بن دينار البصري(ت:167هـ)
من العلماء الأعلام، كان قارئاً محدّثاً فقيهاً نحوياً عابداً، قائماً بالسنة شديداً على أهل الأهواء والبدع، ولد سنة 92هـ تقريباً، وهو ابن أخت حميد الطويل
اختلف في ولائه؛ فقال أبو حاتم الرازي: (مولى ربيعة بن مالك).
وقال ابن حبان: (مولى حمير بن كنانة من تميم، ويقال: مولى قريش).
روى عن: خاله حميد الطويل، وثابت البناني، وقتادة، وهشام بن عروة، وأيوب السختياني، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وسليمان التيمي، وابن أبي مليكة، وعبيد الله بن عمر، وعمرو بن دينار، وابن جريج، وغيرهم.
وكان من أثبت الرواة في حُميد وثابت.
وروى عنه: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وروح بن عبادة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وأبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، ويزيد بن هارون، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، وبهز بن سعد، والنضر بن شميل، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وغيرهم.
- قال موسى بن إسماعيل: سمعت وهيباً يقول: (كان حماد بن سلمة سيدنا وكان حماد أعلمنا). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال محمد بن يزيد المبرّد: (كان سيبويه، وحماد بن سلمة أكثر في النحو من النضر بن شميل والأخفش، وكان النضر أعلم الأربعة باللغة والحديث). رواه الخطيب البغدادي.
- وفيه يقول الشاعر فيما أنشده أبو سعيد السيرافي في أخبار النحويين:
يا طالبَ النحو ألا فابْكِهِ ... بعد أبي عمروٍ وحماد
- وقال علي بن المديني: (نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، الزهري وعمرو بن دينار وقتادة ويحيى بن أبي كثير وأبي إسحاق والأعمش، ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف من صنّف؛ فمن أهل البصرة: شعبة بن الحجاج وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة ومعمر وأبو عوانة). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال موسى بن إسماعيل: سمعت حماد بن زيد يقول: (ما كنا نرى أحداً يتعلّم بنية غير حماد بن سلمة، وما نرى اليوم أحداً يعلّم بنية غيره). رواه ابن عدي وأبو نعيم في الحلية.
- وقال إسحاق بن عيسى الطباع: سمعت حماد بن سلمة يقول: (من طلب الحديث لغير الله مكر به). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: (دخلت البصرةَ فما رأيت أحداً أشبهَ بمسالك الأُوَل من حماد بن سلمة). رواه ابن عدي في الكامل.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: نظر سفيان الثوري إلى حماد بن سلمة فقال له: يا أبا سلمة ما أشبهك إلا برجل صالح!
قال: من هو؟
قال: (عمرو بن قيس الملائي).رواه ابن عدي.
- وقال حاتم بن الليث الجوهري، عن عفان بن مسلم قال: (قد رأيتُ من هو أَعْبَدُ من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشدَّ مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله من حماد بن سلمة). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال حاتم بن الليث الجوهري: (حدثنا موسى بن إسماعيل قال: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قطّ صدقتكم، كان مشغولاً بنفسه، إمّا أن يحدّث وإمّا أن يصلّي، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبّح، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال). رواه أبو نعيم في الحلية.
وقال عبد الرحمن بن عمرو رسته، عن عبد الرحمن بن مهدي: (لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً؛ ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً). رواه أبو نعيم في الحلية.
- قال ابن حبان: (كان من العبّاد المجابين الدعوة).
- وقال ابن حبان أيضاً: (لم يكن من أقران حمّاد مثله بالبصرة في الفضل والدين، والعلم والنسك، والجمع والكتابة، والصلابة في السنة والقمع لأهل البدعة، ولم يكن يثلبه في أيّامه إلا قدري أو مبتدع جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة).
- وقال صالح جزرة: سمعت علي بن المديني يقول: (من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه). رواه ابن عدي في الكامل.
وحماد بن سلمة إمام جليل، متفق على عدالته وإمامته، وقد وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وجماعة من أهل العلم، ومقصودهم من تكلم فيه بسوء ليتوصل بذلك إلى القدح في السنة أو ما وافق فيه الثقات من المرويات، وأما مرويّات حماد بن سلمة فقد تُكلّم فيها، وهي ليست على مرتبة واحدة، فمنها ما هو فيه مقدم قبل أن يتغيّر حفظه، ومنها ما دخل عليه الخطأ فيها بسبب ضياع بعض كتبه، أو نقلها من النُّسخ إلى الأصناف، ومنها ما كان بسبب تغيّر حفظه.
- قال أبو بكر البيهقي في الخلافيات: (أمّا حماد بن سلمة رحمه الله؛ فإنه أحد أئمة المسلمين، حتى قال أحمد بن حنبل رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه"؛ فإنه كان شديداً على أهل البدع، إلا أنه لما طعن في السنّ ساء حفظه، فلذلك ترك البخاري الاحتجاج بحديثه، وأما مسلم رحمه الله فإنه اجتهد في أمره، وأخرج من أحاديثه عن ثابت ما سُمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ أكثر من اثني عشر حديثاً، أخرجها في الشواهد دون الاحتجاج به، وإذا كان الأمر على هذا فالاحتياط لمن راقب الله تعالى أن لا يحتج بما يجد في أحاديثه مما يخالف الثقات).
- وقال الإمام مسلم في التمييز: (قد يكون من ثقات المحدثين من يُضعَّف روايتُه عن بعض رجاله الذي حمل عنهم...)
إلى أن قال: (والدليل على ما بيّنا من هذا اجتماع أهل الحديث وعلمائهم على أن أثبت الناس في ثابت البناني حمادُ بن سلمة، وكذلك قال يحيى القطان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم من أهل المعرفة، وحماد يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت كحديثه عن قتادة وأيوب ويونس وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وأشباههم؛ فإنه يخطئ في حديثهم كثيراً، وغير حماد في هؤلاء أثبت عندهم كحماد بن زيد وعبد الوارث ويزيد بن زريع وابن علية).
- وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: (ضاع كتاب حماد بن سلمة عن قيس بن سعد؛ فكان يحدثهم من حفظه فهذه قصته). رواه ابن عديّ.
- وقال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين: (من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع من حماد بن سلمة نسخاً فهو صحيح).
النُّسَخ هي ما كتبه من كلّ شيخ على حدة في أصل كتابه، والأصناف ما نقله بعد ذلك وصنّفه من أصوله، وكان حماد بن سلمة من أوائل المصنفين.