14: معركة اليرموك وكانت في رجب سنة 15هـ:
واليرموك موضع بالأردن شمال إربد اليوم، وجنوب بحيرة طبريا، وفيه كانت معركة اليرموك، وهي من أشهر المعارك الفاصلة في فتوح الشام، وكانت في رجب من السنة الخامسة عشرة للهجرة؛ حيث حشد هرقل جيوشه من الروم ونصارى العرب والأرمن وأقبلوا إلى اليرموك.
وكان الأمير العامّ على المسلمين في الشام أبو عبيدة بن الجراح، وتحته أمراء، كلّ أمير على جيش، منهم: يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض الفهري.
وكان أمير كلّ جيش قد قسّم جيشه إلى كراديس، كلّ كردوس فيه نحو ألف مقاتل، وعليهم قائد.
واختلف في عدد المسلمين والروم لكن أرجح الروايات أنّ المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً، والروم كانوا مائة ألف أو يزيدون.
ولمّا بلغ أبا عبيدة تألّب الروم وأحلافها كتب إلى عمر يستمدّه؛ فكتب إليه عمر يعظه ويثبّته، فأجابه أبو عبيدة بآية من كتاب الله؛ فقرأ عمر كتاب أبي عبيدة على المسلمين؛ وقال: لهم إنّ أبا عبيدة يعرّض بكم؛ وروي أن عمر أمدّه بجيش قوامه ألف رجل، وأمّر عليهم سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي؛ فقدموا على أبي عبيدة وسُرّ بهم.
فالتقى المسلمون والروم في اليرموك، ودارت رحى الحرب الطحون، واقتتلوا اقتتالاً شديداً، وثبت المسلمون حتى أنزل الله نصره، واندقّ الروم بعضهم على بعض لمّا حمي الوطيس حتى اضطرّهم الفرار إلى مضيق من الأرض أُخذوا فيه وقُتّلوا تقتيلاً، وفرّ منهم جيش تبعه خالد بن الوليد فقتل منهم وأكثر حتى قتل قائدهم، وتفرّقت فلول الروم في المدائن والقرى.
- قال يعقوب بن سفيان: حدثني سلمة، عن أحمد بن حنبل، عن إسحاق بن عيسى، عن أبي معشر قال: (كانت اليرموك في رجب سنة خمس عشرة). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو مسهر الغساني: سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول: (كان فتح دمشق سنة أربع عشرة، وكانت اليرموك سنة خمس عشرة، وعلى المسلمين أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه). رواه ابن عساكر.
- وقال محمد بن عائذ عن أبي مسهر الغساني عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي (أن المسلمين كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة، والروم كانوا عشرين ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب، يوم اليرموك). رواه ابن عساكر.
- وقال يعقوب بن سفيان: حدثني عمار، عن سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: (لما ضاقت الروم سار هرقل في الروم حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة: لخم وجذام وبلقين وبلي وعاملة وتلك القبائل من قضاعة وغسان بشر كثير، ومعه من أهل أرمينية مثل ذلك بشر كثير.
فلما نزلها أقام بها وبعث الصقلاب- خصياً له-، فسار في مائة ألف مقاتل معه من أهل أرمينية اثنا عشر ألفاً، عليهم جرجة، ومعهم من المستعربة من غسان وتلك القبائل اثنا عشر ألفاً عليهم جبلة بن الأيهم الغساني، وسائرهم من الروم، وعلى جملة الناس الصقلاب خصيّ هرقل.
وسار إليهم المسلمون وهم أربعة وعشرون ألفاً، عليهم أبو عبيدة ابن الجراح؛ فالتقوا باليرموك في رجب سنة خمس عشرة؛ فاقتتل الناس قتالاً شديداً حتى دُخل عسكر المسلمين، وقاتل نساء من قريش بالسيوف حين دخل العسكر، منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام حتى سابقن الرجال). رواه ابن عساكر.
- وقال أبو نعيم: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول:(ما أستطيع أن أصلي).
قال: (فلما حُصر أبو عبيدة وتألَّب عليه العدو؛ فكتب إليه عمر: "أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد شدة إلا جعل الله له بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين؛ فإن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}). رواه ابن عساكر.
- وقال وكيع بن الجراح: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: (لما أتى أبو عبيدة الشامَ حُصر هو وأصحابه وأصابهم جهدٌ شديد؛ فكتب إليه عمر: "سلام عليكم أما بعد فإنه لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها فرجاً، ولن يغلب عسر يسرين" وكتب إليه: "{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}".
قال: وكتب إليه أبو عبيدة: "سلام عليكم أما بعد فإنَّ الله قال: {أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} إلى آخر الآية").
قال: (فخرج عمر بكتاب أبي عبيدة؛ فقرأ على الناس فقال: يا أهل المدينة! إنما كتب أبو عبيدة يعرّض بكم، ويحثّكم على الجهاد".
قال زيد: قال أبي: "إني لقائم في السوق إذ أقبل قوم مبيضين قد هبطوا من الثنية، فيهم حذيفة بن اليمان يبشرون).
قال: (فخرجت أشتدّ حتى دخلتُ على عمر؛ فقلت: يا أمير المؤمنين! أبشر بنصر الله والفتح).
فقال عمر: (الله أكبر! رُبَّ قائل: لو كان خالد بن الوليد) رواه ابن أبي شيبة، ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام بن سعد به.
وقد شهد اليرموكَ من كبار الصحابة: الزبير بن العوّام، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وأبو الدرداء، وعمرو بن العاص، وابنه عبد الله وأصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والمغيرة بن شعبة، وأبو واقد الليثي، وأبو سفيان بن حرب، ودحية الكلبي، والمقداد بن عمرو، وعمرو بن معدي كرب، وصفوان بن أميّة، والمسيّب بن حزن والد سعيد بن المسيّب، ومعاوية بن حديج، وأبو جهم بن حذيفة العدوي صاحب الأنبجانية، وغيرهم كثير، وقد روي أنه شهد اليرموك ألف من الصحابة.
واستشهد يوم اليرموك جماعة من الصحابة منهم: هشام بن العاص بن وائل السهمي أخو عمرو بن العاص، وطليب بن عمير بن وهب القرشي أمّه أروى بنت عبد المطلب عمّة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من المهاجرين الأولين وممن شهد بدراً، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي وكان من السابقين الأولين إلى الإسلام، وعمرو بن الطفيل الدوسي، والنضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة، وغيرهم.
تنبيه:
- قال معمر، عن الزهري قال: (لما استخلف عمر نزع خالد بن الوليد، فأمر أبا عبيدة بن الجراح، وبعث إليه بعهده وهو بالشام يوم اليرموك، فمكث العهد مع أبي عبيدة شهرين لا يعرفه إلى خالد حياء منه، فقال خالد: «أخرج أيّها الرجلُ عهدك نسمع لك ونطيع » رواه عبد الرزاق.
قلت: بين اليرموك واستخلاف عمر نحو سنتين؛ فهذا الخبر مختصر، وقد كان عزل خالد عن الإمارة العامة للجيوش في أوّل خلافة عمر، لكنّه لم يعزل عن الجهاد وقيادة الجيوش تحت إمرة أبي عبيدة؛ فقد كان أبو عبيدة أمير الجيوش كافة، وكان خالد بن الوليد يوم اليرموك أميراً على الفرسان، وكان الأمراء يأتمرون ويتشارون في شؤون الحرب.
- وقال محمد بن جعفر غندر: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضاً الأشعري قال: (شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وابن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض، - وليس عياض صاحب سماك - :
قال: قال عمر: "إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة" فقتلناهم أربعة فراسخ وأصبنا أموالاً). رواه البخاري في التاريخ الأوسط وابن أبي شيبة.
- وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا للزبير يوم اليرموك: "ألا تشدّ فنشدّ معك؟
فقال: "إني إن شددت كذبتم"
فقالوا: لا نفعل.
فحمل عليهم حتى شقَّ صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلاً، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر.
قال عروة: «كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير».
قال عروة: «وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرسٍ ووكَّل به رجلاً». رواه البخاري في صحيحه.