دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 محرم 1442هـ/31-08-2020م, 07:52 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

أمثلة على دراسة مسائل الشرط في التفسير
المثال الأول: جواب الشرط في قول الله تعالى: {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه}
اختلف المفسّرون في تعيين جواب الشرط في قول الله تعالى: {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه} على أقوال:
القول الأول: جواب الشرط متقدّم، والتقدير لولا أن رأى برهان ربّه لهمَّ بها، وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنى وقطرب، وعليه ذهبا إلى أنّ يوسف عليه السلام لم يقع منه همٌّ أصلاً.
وهذا القول ردَّه ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج وابن عطية وغيرهم، وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة: لا يجيزه النحاة.
- قال أبو إسحاق الزجاج: ("لولا" تُجاب "باللام"، فلو كان: "ولقد همّت به ولهمّ بها لولا أن رأى أي برهان ربّه" لكان يجوز على بعد).

القول الثاني: جواب الشرط محذوف وقوله تعالى: {وهمّ بها} دليل الجواب، والتقدير: "لولا" أن رأى برهان ربّه لهمّ بها، وهو يؤول إلى معنى القول الأول لكن باختلاف التخريج النحوي.
وهذا القول ضعيف لما يلزم منه من التفريق بين المتعاطفين في دليل جواب واحد.
- قال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث": (ليس يجوز في اللغة أن تقول: "هممت بفلان، وهم بي" وأنت تريد اختلاف الهمين)ا.هـ.
فإذا اختلف الهمّان وجب التصريح بهما ما لم يتقدّم لهما ذكرٌ يفسّرهما.
وجملة {ولقد همت به وهمّ بها} بتمامها دليل الجواب، ولا خلاف في أنّ همّها به كان محرّكاً إلى فعل الفاحشة.
وكذلك همّه عليه السلام، غير أنّ همّها قد تحوّل إلى عزيمة وقولٍ وفعل للأسباب، وأمّا همّه فلم يعد خطرات النفس الدالة على سلامة الآلة وصحة الغريزة وإمكان التأثّر؛ وبهذا تتحقق الفتنة.
فجيء باللفظ المشترك وهو الهمّ، ولم ينتقل يوسف عليه السلام إلى عزم بقولٍ ولا فعل، بل بقي مستعصماً بالله حتى فرّج الله عنه بما أراه من البرهان الذي أيقن منه بمعيّة الله له.
وليس في هذا نقيصة على يوسف عليه السلام، بل هو أدلّ على كماله البشري، وأنه ملك نفسه، وبذل الأسباب للنجاة من الفتنة، واستعصم ولم يطاوع، وملك شهوته ولم تملكه.
- وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه عن الإمام أحمد أنه قال: (الهمّ همان: همّ خطرات، وهمّ إصرار).
يريد بهمّ الخطرات ما لم يبلغ العزيمة ولم ينتج عنه قول أو عمل يُؤاخذ به.
وهمّ الإصرار ما ينتج القول أو العمل إلا لمانع.
فهمّ يوسف عليه السلام منع من إنفاذه وتحوّله إلى عزيمة إيمانه بالله ويقينه بمعيّته وهو ما رأى من برهان ربّه.
وهمّ امرأة العزيز تحوّل إلى عزيمة وقول وفعل للسبب لكن لم تقع الفاحشة لاستعصام يوسف عليه السلام كما دلّ على ذلك قولها فيما حكاه الله تعالى عنها: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}.
- وقال أبو منصور الأزهري: أخبرني المنذري عن أبي العباس ثعلب أنه سُئلَ عن قول الله جلَّ وعزَّ: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} فقال: (همَّت زليخا بالمعصية مصرَّةً على ذلك، وهمَّ يوسفُ بالمعصية ولم يأتها ولم يصرَّ عليها، فبين الهَمَّتَينِ فرقٌ).

والقول الثالث: جواب الشرط محذوف، وهو الصواب إن شاء الله.
وقد ذهب إلى مؤداه جماعة من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
والبرهان من الله هو ما فرّج الله به عنه، مما اعتاد من لطفه به وعرَف، وهو ما يفسّره قول الله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء}؛ فهو بُرهان صرف الله عنه به السوء والفحشاء، ودلَّ يوسف على معيّة الله له، وحفظه إيّاه، وأنّه لا يُسلمه لعدوّه، فألهمه الفرارَ بدينه وعفّته، وقدَّر قدّ القميص من دبر، وقدّر قدوم سيّدها على خلاف تقدير المرأة وظنّها، وهو دليل على أنه قدوم في غير وقت عادةٍ له، ففرَّج الله عن يوسف، وأُسقط في يد المرأة؛ فلجأت إلى الحيلة لتبرئة نفسها باتّهامه.
وحَذْفُ جواب الشرط في قوله تعالى: {لولا أن رأى برهان ربّه} أعظم وقعاً في النفس، وأشدّ تأثيراً، وأوسع دلالةً من ذكر جواب واحد ينحصر فيه الذهن.
فتفكّرْ في جواب الشرط تجدْه محتملاً لمعانٍ متعددة متظاهرة؛ تقود إلى معنى عظيمٍ حذفُه أبلغُ من ذكره، ليبقى الذهن متنقلاً بين حقائقه وآثاره متفكّراً ومتعجّباً؛ لا ينقضي عجبه، ولا يبلغ التفكّر منتهاه.
فلولا أن رأى برهان ربّه لتسلّطت عليه المرأة تسلّطاً لا يطيقه.
ولولا أن رأى برهان ربّه لوقع فيما لا تُحمد عاقبته.
ولولا أن رأى برهان ربّه لكان موقف العزيز منه مختلفاً.
ولولا أن رأى برهان ربّه لكان على خطر من أمرٍ يغيّر مسار حياته التي كان ملؤها الطهر والنقاء، وما يجرّ عليه هذا التغيّر مما لا يُستقصى وصفه.
فهذا حدث فارق في سيرة يوسف عليه السلام، لم يكن أثره محصوراً عليه؛ بل كان حدثاً يشترك فيها أطراف حاضرون وغائبون يؤثّر فيهم ما يكون من يوسف عليه السلام، وما ينتهي به هذا الموقف الخطير، فلولا أن رأى برهان ربّه فكانت نجاته وعصمته؛ فلك أن تتخيّل أثر الموقف على يوسف نفسه هل كان سيصل إلى ما وصل إليه؟!
وعلى المرأة إلى أيّ مدى ستوغل؟!
وعلى سيّدها ماذا سيصنع؟!
وعلى أبيه يعقوب كيف يكون أثر ذلك عليه؟!
وعلى من كان يعرف يوسف قبل هذه الحادثة.
كلّ هذه الآثار داخلة في جواب الشرط لتأثرها بما يكون لولا أن رأى برهان ربّه.
فكان الأبلغ في البيان، والأوقع في التأثير حذف الجواب ليعمّ كلَّ تقدير صحيحٍ يحتمله السياق، ويبلغه التفكّر.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir