وَأَمَّا مَنْ زَاغَ عَنْ سَبِيلِهِمْ مِنَ الكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، وَمَنْ دَخَلَ فِي هَؤُلاَءِ مِنَ الصَّابِئَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ، وَلاَ يُثْبِتُونَ إِلاَّ وُجُودًا مُطْلَقًا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَ التَّحْصِيلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى وُجُودٍ فِي الْأَذْهَانِ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَعْيَانِ، فَقَوْلُهمْ يَسْتَلْزِمُ غَايَةَ التَّعْطِيلِ وَغَايَةَ التَّمْثِيلِ، فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ بِالْمُمْتَنِعَاتِ، والْمَعدُومَاتِ، وَالْجَمَادَاتِ، وَيُعَطِّلُونَ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ تَعْطِيلًا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الذَّاتِ.
فَغالِيَتُهُم يَسْلُبُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ، فَيَقُولُونَ: لاَ مَوْجُودٌ وَلاَ مَعْدُومٌ، وَلاَ حَيٌّ وَلاَ مَيِّتٌ، وَلاَ عَالِمٌ وَلاَ جَاهِلٌ؛ لِأَنَّهُمْ – بِزَعْمِهِمْ – إِذَا وَصَفُوهُ بِالْإِثْبَاتِ شَبَّهُوهُ بِالْمَوْجُودَاتِ، وَإِذَا وَصَفُوهُ بِالنَّفْيِ شَبَّهُوهُ بالمَعدُوماتِ، فَسَلَبُوا النَّقِيضَيْنِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي بَدَائِهِ الْعُقُولِ، وَحَرَّفُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الكِتَابِ، وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَقَعُوا فِي شَرٍّ مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالْمُمْتَنِعَاتِ، إِذْ سَلْبُ النَّقِيضَيْنِ كَجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ، كِلاَهُمَا مِنَ المُمْتَنِعَاتِ.
وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْوُجُودَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ، وَاجِبٍ بِذَاتِهِ، غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ، قَدِيمٍ، أَزَلِيٍّ، لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحُدُوثُ وَلاَ الْعَدَمُ. فَوَصَفُوهُ بِمَا يَمْتَنِعُ وَجُودُهُ، فَضْلًا عَنِ الوُجُوبِ، أَوِ الْوُجُودِ، أَوِ الْقِدَمِ.