فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ طُرُقِ العِلْمِ وَأَدِلَّتِهِ وَطُرُقِ الصَّوابِ . وَنَحنُ نَعْلَمُ أَنَّ القرآنَ قَرَأَهُ الصَّحابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ ، وَأنَّهُم كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، كَمَا أَنَّهُم أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُم وَفَسَّرَ القُرآنَ بِخِلاَفِ تَفْسِيرِهِم فَقَدْ أَخْطَأَ فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ جَمِيعًا .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلُّ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُمْ لَهُ شُبْهَةٌ يَذْكُرُهَا : إِمَّا عَقْلِيَّةٌ ، وَإِمَّا سَمْعِيَّةٌ ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنا التَّنبيهُ عَلَى مَثَارِ الاخْتِلافِ فِي التَّفسيرِ ، وَأَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِهِ البِدَعَ البَاطِلَةَ الَّتِي دَعَتْ أَهْلَهَا إِلَى أَنْ حَرَّفُوا الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَفَسَّرُوا كَلامَ اللهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ مَا أُرِيدَ بِهِ ، وَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ .
فَمِنْ أُصُولِ العِلْمِ بِذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ الإِنْسَانُ القَوْلَ الَّذِي خَالَفُوه وَأنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنْ يَعْرِفَ أنَّ تَفْسِيرَ السَّلفِ يُخَالِفُ تَفْسِيرَهُم ، وَأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ تَفْسيرَهُمْ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ ، ثُمَّ أَنْ يَعْرِفَ بِالطُّرُقِ الْمُفَصَّلَةِ فَسَادَ تَفْسِيرِهِمْ بِمَا نَصَبَهُ اللهُ مِن الأَدِلَّةِ عَلَى بَيَانِ الْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ وَقَعَ مِن الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَتَفْسِيرِهِ مِن الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ شَرْحِ القُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ .