الكتاب الثالث: في الإجماع
وَهُوَ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي الأُمَّةِ بَعْدَ وَفَاةِ (مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَصْرٍ عَلَى أَيِّ أَمْرٍ كَانَ، فَعُلِمَ اخْتِصَاصُهُ بِالمُجْتَهِدِينَ وَهُوَ اتِّفَاقٌ وَاعْتَبَرَ قَوْمٌ وِفَاقَ العَوَامِّ مُطْلَقًا، وَقَوْمٌ فِي المَشْهُورِ بِمَعْنَى إطْلَاقِ أَنَّ الأُمَّةَ أَجْمَعَتْ لَا افْتِقَارِ الحُجَّةِ إلَيْهِمْ خِلَافًا للآمدي وَآخَرُونَ الأُصُولِيَّ فِي الفُرُوعِ وَبِالمُسْلِمِينَ، فَخَرَجَ مَنْ نَكْفرهُ، وَبِالعُدُولِ إنْ كَانَتْ العَدَالَةُ رُكْنًا وَعَدَمِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ، وَثَالِثُهَا فِي الفَاسِقِ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَرَابِعُهَا إنْ بَيَّنَ مَأْخَذَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الكُلِّ وَعَلَيْهِ الجُمْهُورُ وَثَانِيهَا يَضُرُّ الِاثْنَانِ وَثَالِثُهَا الثَّلَاثَةُ وَرَابِعُهَا بَالِغُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَخَامِسُهَا إنْ سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي مَذْهَبِهِ، وَسَادِسُهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَسَابِعُهَا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا بَلْ حُجَّةً أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ وَخَالَفَ الظَّاهِرِيَّةُ، وَعَدَمُ انْعِقَادِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ التَّابِعِيَّ المُجْتَهِدَ مُعْتَبَرٌ مَعَهُمْ، فَإِنْ نَشَأَ بَعْدُ فَعَلَى الخِلَافِ فِي انْقِرَاضِ العَصْرِ، وَأن إجْمَاعُ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَأَهْلِ البَيْتِ، وَالخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ، وَالشَّيْخَيْنِ، وَأَهْلِ الحَرَمَيْنِ وَأَهْلِ المِصْرَيْنِ الكُوفَةِ وَالبَصْرَةِ غَيْرُ حُجَّةٍ، وَأنَّ المَنْقُولَ بِالآحَادِ حُجَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الكُلِّ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَخَالَفَ إمَامُ الحَرَمَيْنِ وَأَنَّهُ لو لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ وَهُوَ المُخْتَارُ، وَأَنَّ انْقِرَاضَ العَصْرِ لَا يُشْتَرَطُ وَخَالَفَ أَحْمَدُ وَابْنُ فَوْرَكٍ وَسُلَيْمٌ فَشَرَطُوا انْقِرَاضَ كُلِّهِمْ أَوْ غَالِبِهِمْ أَوْ عُلَمَائِهِمْ أَقْوَالُ اعْتِبَارِ العَامِّيِّ وَالنَّادِرِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي السُّكُوتِيِّ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِيهِ مَهْلَةٌ، وَقِيلَ إنْ بَقِيَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَادِي الزَّمَنِ وَشَرَطَهُ إمَامُ الحَرَمَيْنِ فِي الظَّنِّيِّ، وَأَنَّ إجْمَاعَ السَّابِقِينَ غَيْرُ حُجَّةٍ وَهُوَ الأَصَحُّ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ قِيَاسٍ خِلَافًا لِمَانِعِ جَوَازِ ذَلِكَ أَوْ وُقُوعِهِ مُطْلَقًا أَوْ الخَفِيِّ وَأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَحَدِ القَوْلَيْنِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الخِلَافِ جَائِزٌ، وَلَوْ مِنْ الحَادِثِ بَعْدَهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَهُ مِنْهُمْ فَمَنَعَهُ الإِمَامُ وَجَوَّزَه الآمِدِيُّ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ قَاطِعًا، وموت المخالف قيل كالاتفاق، وقيل لا، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَالأَصَحُّ مُمْتَنِعٌ إنْ طَالَ الزَّمَانُ، أو أن وَالتَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ حَقٌّ، أَمَّا السُّكُوتِيُّ فَثَالِثُهُا حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ. وَرَابِعُهَا بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ إنْ كَانَ فُتْيَا وَأَبُو إسْحَاقَ المَرْوَزِيِّ عَكْسَهُ، وَقَوْمٌ إنْ وَقَعَ فِيمَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ، وَقَوْمٌ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْمٌ إنْ كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ، وَالصَّحِيحُ حُجَّةٌ، وَفِي تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا خلف لَفْظِيٌّ، وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا حقيقة تَرَدُّدٌ مَثَارُهُ أَنَّ السُّكُوتَ المُجَرَّدَ عَنْ أَمَارَةِ رِضًى وَسُخْطٍ مَعَ بُلُوغِ الكُلِّ وَمُضِيِّ مُهْلَةِ النَّظَرِ عَادَةً عَنْ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ وهو صورة السكوتي، هَلْ يَغْلِبُ ظَنُّ المُوَافَقَةِ، وَكَذَا الخِلَافُ فِيمَا لَمْ يَنْتَشِرْ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي دُنْيَوِيٍّ وَدِينِيٍّ وَعَقْلِيٍّ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إمَامٌ مَعْصُومٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَيْدِ الِاجْتِهَادِ مَعْنًى، وَهُوَ الصَّحِيحُ في الكل.