تَنْبِيهٌ
يَنْبغي للمعلِّمِ أنْ يُناقِشَ تلامذتَهُ في مسائلَ كلِّ مَبحثٍ شَرَحَهُ لهم منْ هذا الكتابِ؛ ليِتَمَكَّنوا منْ فَهْمِه جيِّدًا. فإذا رأى منهم ذلكَ سألَهم مسائلَ أُخرى يُمكِنُهُم إدراكُها ممَّا فَهِمُوه.
أ- كأنْ يَسألَهم بعدَ شرْحِ الفصاحةِ والبلاغةِ وفَهْمِهما عنْ أسبابِ خروجِ العباراتِ الآتيةِ عنهما أوْ عنْ إحداهما:
ربَّ جَفْنَةٍ مُثْعِنْجِرَهْ
توطَعْنَةٍ مُسْحَنْفِرهْ
تَبْقَى غَدًا بأَنْقَرَهْ
أيْ: جَفنةٍ مَلْأى، وطَعنةٍ متَّسِعَةٍ، تَبْقَى ببلَدِ أنْقَرَةَ.
2- الحمدُ للَّهِ العليِّ الأجَلِّ.
3- أكلتُ العَرينَ، وشَرِبْتُ الصُّمادِحَ. تريدُ اللحمَ والماءَ الخالصَ.
4- وازْوَرَّ مَنْ كانَ لهُ زائـرًا وعـافَ عافِي العُرْفِ عِرْفَانَهُ
5- ألا ليتَ شِعْري هلْ يَلُومَنَّ قومُه زهيرًا على ما جَرَّ منْ كلِّ جانبِ
6- مَنْ يَهتدي في الفعْلِ ما لا يَهْتَدي في القولِ حتَّى يَفعَلَ الشعراءُ
أيْ: يَهتَدِي في الفعْلِ ما لا يَهتَدِيه الشعراءُ في القوْلِ حتَّى يَفعَلَ.
7- قرُبَ مِنَّا فرأيناهُ أَسَدًا، تريدُ أبْخَرَ.
8- يَجِبُ عليكَ أنْ تَفعلَ كذا. تقولُه بشدَّةٍ مخاطِبًا لمَنْ إذا فَعَلَ عُدَّ فِعْلُه كَرَمًا وفَضْلًا.
ب- وكأنْ يَسألَهم بعدَ بابِ الخبَرِ والإنشاءِ أنْ يُجيبوا عمَّا يأتي:
1- أمِن الخبَرِ أَم الإنشاءِ قولُك: (الكلُّ أعظَمُ من الجزءِ)، وقولُه تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى}؟
2- ما وجْهُ الإتيانِ بالخبَرِ جملةً في قولِكَ: (الحقُّ ظَهَرَ، والغضَبُ آخِرُه نَدَمٌ)؟
3- ما الذي يَستفيدُه السامعُ منْ قولِك: (أنا معترِفٌ بفضلِك)- (وأنتَ تقومُ في السحَرِ)- (ربِّ إنِّي لا أسْتَطِيعُ اصْطِبارًا)؟
4- منْ أيِّ الأضْرُبِ قولُه تعالى حكايةً عنْ رُسُلِ عيسى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}، {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}؟
5- هلْ للمُهْتَدِي أنْ يقولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؟
6- منْ أيِّ أنواعِ الإنشاءِ هذه الأمثلةُ، وما معانيها المستفادَةُ من القرائنِ:
أولئكَ آبائي فجِئْنِي بمِثْلِهمْ
إذا جَمَعَتْنَا يا جريرُ الْمَجَامِعُ
(اعمَلْ ما بَدَا لكَ) - (لا تَرْجِعْ عنْ غِيِّكَ)- (لا أُبالِي أقَعَدَ أمْ قامَ)- {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}- {هَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ}- {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا}.
ليتَ هِندًا أَنْجَزَتْنا ما تَعِدْ
وشَفَتْ أنفُسَنا مِمَّا نَجِدْ
(لوْ يأتينا فيحدِّثَنا) - (أَسُكَّانَ العَقيقِ كَفَى فِراقًا).
ج- وكأنْ يسألَهم بعدَ (الذكْرِ والحذْفِ) عنْ دواعي (الذكْرِ) في هذه الأمثلةِ: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}- الرئيسُ كلَّمَني في أمْرِكَ، والرئيسُ أمَرَني بمقابلتِكَ،(تُخاطِبُ غَبِيًّا)- الأميرُ نَشَرَ المعارفَ، وأمَّنَ المخاوفَ، (جوابًا لمَنْ سألَ: ما فعلَ الأميرُ؟)- حضرَ السارقُ، جوابًا لقائلٍ: (هلْ حَضَرَ السارقُ؟)- (الجدارُ مُشْرِفٌ على السقوطِ)- (تقولُه بعدَ سَبْقِ ذِكْرِه تَنبيهًا لصاحبِه)-
فعبَّاسٌ يَصُدُّ الخَطْبَ عَنَّا * وعبَّاسٌ يُجيرُ مَن اسْتَجارَا
(تقولُه في مَقامِ الْمَدْحِ).
وعنْ دواعي (الحذفِ) في هذه الأمثلةِ: {وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ}- {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}- {خلَقَ فَسَوَّى}- {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}- {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}- مُنْضِجَةُ الزروعِ، ومُصلِحَةُ الهواءِ- مُحتالٌ مُراوِغٌ، (بعدَ ذِكْرِ إنسانٍ).
أمْ كيفَ يَنْطِقُ بالقبيحِ مجاهرًا
والْهِرُّ يُحدِثُ ما يَشاءُ فيَدْفِنُ
د- وكأنْ يسألَهُم عنْ دواعي (التقديمِ والتأخيرِ) في هذه الأمثلةِ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}- (ما كلُّ ما يَتَمَنَّى المرءُ يُدْرِكُه)- (السفَّاحُ في دارِكَ)- (إذا أَقْبلَ عليكَ الزمانُ نَقترِحُ عليكَ ما نَشاءُ)- (الإنسانُ جسمٌ نامٍ حسَّاسٌ ناطقٌ)- (اللَّهَ أسأَلَ أنْ يُصلِحَ الأمرَ)- (الدهرُ مَلاَ فَوْدَيَّ شَيْبًا)- {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
ثلاثةٌ تُشرِقُ الدنيا ببَهْجَتِها
شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاقَ والقمَرُ
وما أنا أَسْقَمْتُ جِسْمِي به
وما أنا أَضْرَمْتُ في القلبِ نارَا
هـ - وكأَنْ يسألَهم عنْ أغراضِ التعريفِ والتنكيرِ في هذه الأمثلةِ:
إذا أنْتَ أكرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ * وإنْ أنْتَ أكْرَمْتَ اللئيمَ تَمَرَّدَا
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}- {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}- {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}-
عبَّاسٌ عبَّاسٌ إذا احْتَدَمَ الوَغَى * والفَضْلُ فضْلٌ والربيعُ ربيعُ
قَرَأْنَا شِعْرَ أبي الطَّيِّبِ وحبيبٍ، ولم نَقْرَأْ شعْرَ الوليدِ- {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}-
هذا أبو الصقْرِ فرْدًا في محاسِنِه * من نَسْلِ شَيْبَانَ بينَ الضالِّ والسُّمُرِ
{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِه مَا أَوْحَى}- {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ}- الذي خاطَ ملابسَ الأميرِ خاطَ هذا الثوبَ- أخذَ ما أَعْطَيتُه وسارَ- الرجلُ خيرٌ من المرأةِ- {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}- اليومَ يَستقبلُ الآمالَ راجِيهَا- لَبِثَ القومُ ساعةً وَقَضَوا الساعةَ في الْجِدالِ- {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَسُولَ}- ادْخُل السوقَ واشْتَر اللحمَ- زيدٌ الشجاعُ- علماءُ الدينِ أَجْمَعُوا على كَذِبٍ- رَكِبَ وُزراءُ السلطانِ- هذا قريبُ اللصِّ- أخو الوزيرِ أرْسَلَ لي- وإنَّ شِفائيَ عَبرةٌ مُهراقةٌ- يا بوَّابُ افتتِح البابَ، ويا حارسُ لا تَبْرَحْ- {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ}- {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}- إنَّ لهُ لاَبَلًا، وإنَّ لهُ لَغَنَمًا- ما قَدِمَ منْ أَحَدٍ-
وللَّهِ عندي جانبٌ لا أُضِيعُه وللَّهْوِ عِندي والْخَلاعةِ جانبُ
فيومًا بِخَيْلٍ تَطْرُدُ الرومَ عنهمُو ويومًا بجُودٍ يَطْرُدُ الفقْرَ والجدْبَا
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}- {أَئِنَّ لَنَا لاَجْرًا}.
و- وكأنْ يسألَهم بعدَ التشبيهِ عن التشبيهاتِ الآتيةِ:
1-وقدْ لاحَ في الصبْحِ الثريَّا لِمَنْ رأى
كعنقودِ مُلاَّحِيَّةٍ حينَ نوَّرا
2-كأنَّما النارُ في تَلَهُّبِها
والفحمُ منْ فوقِها يُغَطِّيها
زِنجيَّةٌ شَبَكَتْ أناملَها
من فوقِ نَارِنْجَةٍ لتُخْفِيها
3-وكأنَّ أجرامَ النجومِ لوامِعًا
دُرَرٌ نُثِرْنَ على بساطٍ أزْرَقِ
4-عَزَمَاتُه مثلُ النجومِ ثَواقبًا
لوْ لمْ يكُنْ للثاقباتِ أُفُولُ
5-ابْذُلْ فإنَّ المالَ شَعْرٌ كلَّما
أوْسَعْتَه حَلْقًا يَزيدُ نباتَا
6-ولما بَدَا لي منك مَيْلٌ معَ الْعِدا
عليَّ ولم يَحدُثْ سواكَ بديلُ
صدَدْتُ كما صدَّ الرمِيُّ تطاوَلَتْ
بهِ مدَّةُ الأيَّامِ وهْوَ قتيلُ
7-رُبَّ حيٍّ كميِّتٍ ليسَ فيه
أمَلٌ يُرْتَجى لنفْعٍ وضَرِّ
وعظامٍ تحتَ الترابِ وفوقَ الـ
أرضِ منها آثارُ حَمْدٍ وشكْرِ
8-كأنَّ انتضاءَ البدْرِ منْ تحتِ غَيْمِه
نجاةٌ من البأساءِ بعدَ وُقوعِ
ز- وكأنْ يسألَهم عن الْمُحَسِّناتِ البديعيَّةِ فيما يأتي:
1-كانَ ما كانَ وزَالاَ
فاطَّرِحْ قِيلًا وقالاَ
أيُّها الْمُعْرِضُ عنَّا
حسْبُك اللَّهُ تعالى
2-ليْتَ المنيَّةَ حالَتْ دونَ نُصْحِكَ لِي
فيَستريحُ كِلانا منْ أَذَى التُّهَمِ
3- {يُحْيِي وَيُمِيتُ}- {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}.
خُلِقوا وما خُلِقوا لِمَكْرُمَةٍ
فكأنَّهم خُلِقوا وما خُلِقُوا
4-على رأسِ حرٍّ تاجُ عزٍّ يَزينُهُ
وفي رِجْلِ عَبْدٍ قَيْدُ ذُلٍّ يَشينُه
5-نَهَبْتُ من الأعمارِ ما لوْ حَـوَيْتُه
لهَنِئَت الدنيـــا بأنَّــكَ خــالدُ
6-واسْتَوْطَنوا السِّرَّ منِّي وهوَ منزلُهم
ولا أَفُــوهُ بهِ يـومًا لغَــــيرِهمُ
7-منْ قاسَ جَدْوَاكَ يومًا
بالسُّحْبِ أخطأَ مَدْحَكْ
السحْبُ تُعْطِي وتَبْكِي
وأنت تُعطِي وتَضْحَكْ
8-آراؤُكم ووجوهُكم وسيوفُكم
في الحادثاتِ إذا دَجَوْنَ نُجُومُ
منها معــالِمُ للَّهُـدى ومصَــابِحُ
تَجْلُـو الدُّجَى والأُخْـرياتُ رُجــومُ
9-إنَّما هذهِ الحياةُ مَتاعٌ
والسفيهُ الغبيُّ مَنْ يَصْطَفِيها
ما مَضَى فاتَ والمُؤَمَّلُ غيبٌ
ولكَ الساعةُ التي أنْتَ فيها
10-وسـابقٌ أيَّـــانَ وَجَّهْتَــهُ
رأيتَـهُ يا صـــاحِ طـوعَ اليدِ
في السبْـقِ لَمَّا لم يَجِــدْ مُشْبِهًــا
سـابَقَ أفكــارِي إلى الْمَقْصِــدِ
11-لا عيبَ فيهم سوى أنَّ النَّزِيلَ بهم
يَسْلُو عن الأهلِ والأوطانِ والحشَمِ
12-عاشِر الناسَ بالجميـ
ـل وخَلِّ المُزَاحَمَهْ
وتَيَقَّظْ وقلْ لمَنْ
يَتعاطَى الْمِزاحَ مَهْ
13-فلم تُضِع الأعادي قَدْرَ شانِي
ولا قالوا: فلانٌ قَدْ رَشَانِي
14- أيُّ شيءٍ أطْيَبُ من ابتسامِ الثغورِ، ودوامِ السرورِ، وبكاءِ الغمامِ، ونَوْحِ الحمامِ.
15- كمالُكَ تحْتَ كلامِكَ.
16- {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}.
17- يا خاطِبَ الدُّنْيَا الدنيَّةَ إنَّها
شِرْكُ الرَّدَى وقَرارةُ الأكْدَارِ
دارٌ متى ما أَضْحَكَتْ في يومِها
أبْكَتْ غدًا تبًّا لهَا منْ دارِ
18- مدَحْتُ مَجْدَكَ والإخلاصُ مُلْتَزَمِي
فيهِ وحُسْنُ رجائي فيك مُخْتَتَمِي
ولا يَصْعُبُ على المعلِّمِ اقتفاءُ هذا المنْهَجِ، واللَّهُ الهادي إلى طريقِ النجاحِ.
تَمَّتْ