التَّشَابُهُ في الألفاظِ المتواطئةِ
قولُه: (وبهذا يَتَبَيَّنُ أنَّ التَّشَابُهَ يكونُ في الألفاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ، كما يكونُ في الألفاظِ المشترَكةِ التي ليست بِمُتَوَاطِئَةٍ، وإن زالَ الاشتباهُ بما يُمَيِّزُ أَحَدَ النوعينِ من إضافةٍ أو تعريفٍ، كما إذا قيلَ: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ } فهناك قد خُصَّ هذا الماءُ بالجَنَّةِ فظَهَرَ الفرْقُ بينَه وبينَ ماءِ الدنيا. لكنَّ حقيقةَ ما امْتَازَ به ذلك الماءُ غيرُ معلومةٍ لنا ، وهو ما أَعَدَّهُ اللهُ تعالى لعِبادِه الصالحينَ مِمَّا لا عينٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ: من التأويلِ الذي لا يَعْلَمُه إلا اللهُ، وكذلك مدلولُ أسمائِه وصِفاتِه الذي يَخْتَصُّ بها التي هي حقيقتُه لا يَعْلَمُها إلا هو) .
التوضيحُ
ومِما سَبَقَ بيانُه من صُوَرِ الاشتباهِ وأَمْثِلَةٍ لطوائفَ ضَلَّتْ في هذا البابِ يَتَبَيَّنُ أنَّ التَّشَابُهَ قد يَقَعُ في الألفاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ التي لا يَتَعَدَّدُ معناها, مِثْلَ ألفاظِ نعيمِ الجَنَّةِ وغيرِها، وليس التَّشَابُهُ مَقْصُورًا على الألفاظِ الْمُجْمَلَةِ أو المشترَكةِ التي يَتَعَدَّدُ معناها.
ولكن يَزولُ هذا الاشتباهُ بينَ هذه الألفاظِ عندَ الإضافةِ, فإذا قالَ تعالى : {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ } اخْتَصَّت الأنهارُ والماءُ بالجَنَّةِ, فكانت حقيقةُ تلك الأنهارِ مِمَّا لا يَعْلَمُها إلا اللهُ ، وهكذا سائرُ الْغَيْبِيَّاتِ ، وكلُّ ما ذَكَرَه شيخُ الإسلامِ هنا فيه تَكرارٌ لِمَا سَبَقَ لزيادةِ التأكيدِ, كما هي طريقةُ شيخِ الإسلامِ في مُصَنَّفَاتِه.