(الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين , أما بعد
فإن من العلوم اللغوية المهمة علم البلاغة , وهو العلم الذي يُعرف به إعجاز القرآن، فإن الله سبحانه وتعالى ما أرسل رسولا إلى البشرية إلا بعثه بمعجزة يمكن أن يؤمن عليها البشر جميعا لو شاهدوها , أو نقلت إليهم تواترا، ولذلك أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما من نبي بعثه الله قبلي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر , وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)).
وقد حقق الله رجاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل الرسل السابقين كانت معجزاتهم مادية , لا تقوم بها الحجة إلا على من رآها أو نقلت إليه تواترا؛ لأن الله سبحانه وتعالى علم أن ما جاؤوا به من الدين مرحلي , يصلح لمرحلة من الزمن , فإذا تجاوزتها البشرية لم يعد ذلك الدين صالحاً ؛ فينسخ بشريعة جديدة، فلما انتهت شرائع الله، وخاضت البشرية كل التجارب، بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالشريعة الحقة , التي لا يمكن أن يتعداها البشر مهما تطوروا، فتصلح لكل الظروف ولكل الأزمنة والأمكنة، فكانت معجزتها هذا القرآن الذي تقوم به الحجة على كل من بلغه إلى أن تقوم الساعة، إلى أن يرفعه الله، فليس مثل المعجزات الأخرى كناقة صالح، أو عصا موسى أو نحو ذلك، وتلك إنما تقوم بها الحجة على عدد محدود من البشر الذين شاهدوها , أو الذين نقلت إليهم تواترا، أما هذا القرآن فإن الله تحدى به الثقلين؛ الإنس والجن , أن يأتوا بسورة من مثله، وأقصر سورة فيه هي سورة الكوثر، وتحدى الله بها البشر أن يأتوا بسورة مثلها، فلم يستطع البشر ولا الجن حتى ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيرا أن يأتوا بمثل هذه السورة، ولن يستطيعوا ذلك أبدا، لكن ما وجه الإعجاز هنا في هذا القرآن؟
هذا الذي سندرسه في علم البلاغة، فإعجاز القرآن منه ما هو لفظي يتعلق بنظمه، ومنه ما يتعلق كذلك بمعانيه , فقد تضمن المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة، ومنه ما يتعلق بتشريعه؛ فقد شرع الله فيه أفضل الشرائع، ومنه ما يتعلق بما تضمنه من العلوم التي لا يعرفها الناس وقت نزوله، والذي يسمى بالإعجاز العلمي، ومن إعجازه كذلك ما فيه من الإخبار عن المغيَّبات والأمور التي ستأتي، كل ذلك من أوجه إعجاز هذا القرآن المتحدى به، والإعجاز اللفظي إنما يعرف بهذا العلم الذي هو علم البلاغة، فلذلك أصبح هذا العلم ذا ارتباط بالعقيدة؛ لأن العقيدة هي التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله، وهذا التصديق لا ينفع فيه مجرد التقليد , أن يقول الرجل: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، بل لابد أن يكون قناعة راسخة في نفس المؤمن.
ومن وسائل رسوخ هذه القناعة في نفس المؤمن أن يطَّلع على المعجزة , وأن يعرف إعجازها، فالاطلاع على المعجزة حاصل؛ لأن هذا القرآن قامت به الحجة على الناس، لكن إدراك وجه الإعجاز هو الذي يتفاوت الناس فيه، فلابد لطالب العلم أن يدرك وجه الإعجاز، فالناس جميعا يعلمون أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن، لكن ما وجه إعجازه؟ هذا الذي يحتاج طالب العلم إلى تدبره وتفهمه , ولا يمكن أن يعرف إلا من خلال البلاغة.
لذلك أصبح هذا العلم من العلوم المهمة , التي اعتنى بها الناس قديما وحديثا، فقد كان الناس قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم يميزون من كان من أهل البلاغة والفصاحة , ويجعلون البيان من صفات المدح , وكان النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ الناس , وكان كذلك يقدم من كان من أهل البلاغة في المواقف، فقد اختار ثابت بن قيس بن شماس خطيبا يجيب عنه وفود العرب، وكان بليغا خطيبا، وكان يولِّي الأمراء كذلك فيعلمهم الخطابة، فقد ولّى عتاب بن أسيد على مكة بعد أن فتحها الله عليه، وولى علي بن أبي طالب على اليمن , ثم ولى بعده معاذاً وأبا موسى الأشعري، وولى الضحاك بن سفيان على المشرق، وولى عدداً من الولاة على الجهات الأخرى، وكل ولاة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا من الخطباء المشهورين المؤثرين.
ونوه كذلك بمستوى هذه الخطابة والبلاغة في يوم الحديبية عندما قال له عمر: يا رسول الله دعني أنزع ثنيتي سهيل لا يقم عليك خطيبا بعد اليوم، وسهيل بن عمرو كان من خطباء قريش في الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعه فعسى أن يقوم لك مقاماً تحمده))، فلما ارتدت العرب عند موت النبي صلى الله عليه وسلم قام سهيل خطيبا في أهل مكة، فكان من ضمن خطبته أن قال: يا أهل مكة لا تكونوا آخر العرب إسلاماً وأوله ردة. فقال كلاماً بليغاً ثبت الله به أهل مكة , فلم يرتد أحد منهم عن الإسلام، فهذا هو المقام الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة سهيل بن عمرو.
وكان خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم الراشدون من أبلغ الخطباء، فقد اشتهر أبو بكر رضي الله عنه حتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ببلاغته وفصاحته، وكان العرب يعرفونه بذلك , ولهذا قال كعب بن زهير في أبياته التي يخاطب بها أخاه بجيراً:
سقاك أبو بكر بكأس روية ......... فأنهلَك المأمون منها وعلَّك
فكان أبو بكر من مشاهير الخطباء، وكان عبد الله بن الزبير بن العوام وأمه أسماء بنت أبي بكر يشبَّه بأبي بكر في خطابته وفصاحته، وحين فتح الله إفريقية على المسلمين جاء عبد الله بن الزبير بشيراً إلى عثمان أمير المؤمنين يخبره بذلك , فأمره عثمان أن يصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبشر الناس بالفتح العظيم الذي فتحه الله عليهم، فوقف عبد الله وحمد الله وأثنى عليه، فبكى الناس حين تذكروا خطبة أبي بكر , فكأنما بُعث أبو بكر، وكذلك فإن عثمان رضي الله عنه أول ما وقف على المنبر خطيبا عندما تولى الخلافة، تذكر أنه يقف في المكان الذي كان يقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله وأثنى عليه , وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم , ارتج عليه , فلم يستطع أن يتكلم لهول المقام؛ لأن المنبر كان ثلاث درجات، فالدرجة العليا هي التي كان يخطب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما تولى أبو بكر الخلافة نزل عنها فخطب على الدرجة التي تليها، فلما تولى عمر الخلافة نزل عنها، فكان يخطب على أدنى الدرجات، فلما جاء عثمان رأى أنه لابد من الرجوع إلى الدرجة الأولى التي كان يخطب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يبقى الخلفاء ينزل كل واحد درجة فينتهي المنبر فلما وقف فاستوت رجلاه في المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيه ارتج عليه , فسكت طويلا ثم قال: (وأنتم إلى أمير فعَّال أحوج منكم إلى أمير قوَّال، ولئن بقيتُ لتأتينكم الخطب على وجهها، وسيجعل الله بعد عسرٍ يسرا). واستغفر ونزل. فما سمعت خطبة أقصر منها ولا أبلغ، (أنتم إلى أمير فعَّال أحوج منكم إلى أمير قوَّال، ولئن بقيتُ لتأتينكم الخطب على وجهها، وسيجعل الله بعد عسرٍ يسرا).
وكذلك كان أئمة الإسلام في كل الأزمنة الماضية يؤثرون في الناس؛ لحسن بلاغتهم وتأثيرهم اللفظي، فكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه من أخطب الناس، وكان إذا خطب لم يستطع الصبيان البكاء لتأثرهم بصوته، الصبيان الذين لا يفهمون لا يبكون وقت خطبته لتأثرهم بصوته، وقد وقف ذات يوم على المنبر خطيبا فقال: (الحمد لله الذي يجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعي - فقال له رجل: يا أمير المؤمنين هالك عن زوجة وأبوين وابنتين؟ - فقال: صار ثمنها تسعا). واستمر في خطبته، فهذه التركة التي عرضت عليه مسألتها أصلها من أربعة وعشرين لاجتماع الثلثين والثمن فيها، ولكنها عالت من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين، فللبنتين الثلثان ستة عشرة، وللأبوين الثلث لكل واحد منهما السدس ثمانية , فتمت أربعة وعشرون , وللزوجة ثلاثة وهي الثمن من أربعة وعشرين، فتضاف الثلاثة إلى أربعة وعشرين فتصير سبعة وعشرين، فنصيب الزوجة ثلاثة , كانت ثمناً من أربعة وعشرين وصارت تسعاً من سبعة وعشرين؛ لأن مقام الثلاثة من سبعة وعشرين هو التسع وليس الثمن، فالسبعة وعشرين فيها ثلاثة كم مرة؟ تسع مرات، وأربعة وعشرين فيها الثلاثة ثمان مرات، فالثمن الذي هو ثلاثة نصيب الزوجة كان ثمناً، الثلاثة التي هي نصيب الزوجة كانت ثمنا لما كانت من أربعة وعشرين، وقد صارت تسعا لما صارت من سبعة وعشرين، وقد استشهد هذا وهو في سرد خطبته لم يقطع الخطبة , ولم يحتج إلى تغيير الأسلوب ولا تغيير قافية الخطبة.
وكذلك كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خطيباً مؤثرا، وكان ربما خطب جالسا فيؤثر في الناس، مع العلم أن الخطيب أبلغ ما يكون تأثيرا إذا كان قائماً، ومع ذلك فأول من جلس في خطبة معاوية رضي الله عنه، كان ربما خطب جالسا ويؤثر تأثيرا بالغاً في جلوسه، وكذلك كان عبد الملك بن مروان وابن أخيه عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – فكان هؤلاء من مشاهير الخطباء المؤثرين.
وكذلك قادة الجيوش الذين فتحوا الأمصار في أغلبهم , إنما كان تأثيرهم في تحميس جيوشهم بالخطابة والبلاغة، فقد اشتهر مسلمة بن عبد الملك بقوة خطابته، واشتهر كذلك محمد بن القاسم الثقفي، والحجاج بن يوسف، والمهلب بن أبي صفرة، وقتيبة بن مسلم، اشتهر كل واحد من هؤلاء بقوة تأثيره في الخطابة، وكذلك موسى بن نصير، وطارق بن زياد، اشتهر هؤلاء بتأثيرهم في الجيوش، عندما يخطب أحدهم يتحمس الجيش ويقدم إقداما عجيباً، ولهذا قال طارق بن زياد لجيشه حين عبر بهم البحر إلى أوروبا للجهاد في سبيل الله قال لهم: (البحر وراءكم والعدو أمامكم , فاختاروا إحدى الميتتين) فكان هذا ذا أثر بالغ في نفوس الناس , وفي شجاعتهم في الجهاد في سبيل الله.
سنتكلم إن شاء الله عن المقدمات العشر في علم البلاغة , وأولها: الحد، وهو التعريف فنقول فيه:
إن البلاغة في اللغة: فعالة من بلُغ إذا بُولغ في بلوغه للغاية، فيقال: هذا بالغ إذا وصل، إذا أردت المبالغة في ذلك قلت: هذا بليغ، فبَلَغ بمعنى وصل، وبَلُغ مبالغة في البلوغ. وهي في الاصطلاح: ملكة يقتدر بها الفصيح على مخاطبة كل الناس على مستوى حالهم، ملكة يقتدر بها الفصيح على مخاطبة كل الناس على مستوى حالهم، فالناس فيهم الأذكياء والأغبياء والمتوسطون، وفيهم الكبار والصغار، وفيهم من يلزم معه الأدب وفيهم من لا يلزم معه الأدب، فالقدرة اللغوية والملكة العقلية التي تجعل الإنسان يعبر عن الغرض الواحد الذي لديه باختلاف المواقف، فلكل مقام مقال، إذا خاطب الكبير خاطبه بألفاظ مؤدبة، وإذا خاطب الصغير خاطبه بألفاظ فيها رحمة، وإذا خاطب النظير خاطبه كذلك بألفاظ فيها التماس واعتدال، وإذا خاطب العدو خاطبه بالشدة والفظاظة والغلظة، وإذا خاطب الصديق خاطبه بالرحمة واللين. هذه الملكة هي التي تسمى بالبلاغة في عرف اللغويين.
وتعريف هذا العلم، أي إضافة إلى ما ذكر، العلم بوسائل الملكة التي يقتدر به الفصيح على مخاطبة كل الناس على مستوى حالهم، فيقال: العلم بالوسائل التي يقتدر بها الفصيح.
أما المقدمة الثانية: فهي واضع هذا العلم، والواقع أن وسائل هذا العلم هي من إلهام الله تعالى وتعليمه لآدم عليه السلام {وعلم آدم الأسماء كلها} لكن اكتشاف نوامسها وقوانينها ووضع قواعدها للناس، هو الذي كان من وضع البشر، وقد كانت العناية بالبلاغة قديمة , فأساليب البلغاء من قديم الزمان يتناقلها الناس، فخطباء أهل الجاهلية مشاهير كـقس بن ساعدة الإيادي , وأكثم بن صيفي التميمي , وكعب بن لؤي جد النبي صلى الله عليه وسلم , هؤلاء خطباء الجاهلية المشاهير في العصور القديمة، وفي كل زمان يشتهر المؤثرون من الخطباء، لكن هذه الوسائل إنما كانت ملكات يتناقلونها , ولكل فرد منهم أسلوبه في التأثير، فمنهم من يركز على الألفاظ فيأتي بالسجع المؤثر , كما كان قس بن ساعدة يعتمد في خطبه على ذلك، وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم خطبته بسوق عكاظ فقال: (أيها الناس اسمعوا وعوا , وإذا وعيتم فانتفعوا , من عاش مات , ومن مات فات , وكل ما هو آتٍ آت، أقسم قسُّ قسماً لا كاذبا فيه ولا مخلِفا , إن لله لدينا هو خير من دينكم الذي أنتم عليه ) إلى آخر خطبته.
فهذا كان اعتمادا على السجع في الألفاظ، وهذا السجع يؤتى به , وقد اشتهر في الجاهلية الذين يخالطون الجن بملكة السجع وهم الكهان، لكن سجع الكهان فيه تكلف واضح؛ لأنه ليس على الطبيعة , وإنما هو من إيحاء الجن، ولهذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج مسلم في الصحيح أن امرأتين اقتتلتا فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فألقت جنينها، فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فحكم فيه بغرة عبد أو أمة , فقال: الذي حُكم عليه: كيف أدي من لا شرب ولا أكل , ولا نطق ولا استهل , فمثل هذا بطل، أو فمثل هذا يطل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسجعا كسجع الكهان)).
وهذا تحذير منه صلى الله عليه وسلم من هذا السجع المتكلف، وسجع الكهان هو نظير ما قال سطيح كاهن اليمن عندما أتاه عبد المسيح يسأله عن الرؤيا التي أزعجت كسرى الفرس , فيذل الأموال لمن يحل له تلك الرؤيا بعد أن نسيها صاحبها، فصاحب الرؤيا هو المربذان الفارسي وقد نسي رؤياه التي أزعجته , وبعد أن استيقظ وجد أن إيوان كسرى قد تصدع , وأن نار الفرس قد خمدت، فعرف أن لذلك تعلقا برؤياه , لكنه لم يتذكر شيئا من الرؤيا , فبذل كسرى الأموال لمن يأتيه بتلك الرؤيا، فخرج عبد المسيح إلى سطيح فأتاه فوجده مريضاً فقال:
أصمُّ أم يسمع غطريف اليمن...... أم فاز لمَّ به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن........ أتاك شيخ الحي من آل قطن
وأمه من أل ذيب بن حجن ....... أبيض فضفاض الرداء والبدن
تحملني وجن وتهوي بي وجن ....... رسول قيل الفرس في أرض اليمن
فنظر إليه وقال:
(عبد المسيح على جمل مشيح جاء إلى سطيح , وقد أهوى على الضريح، أرسلك ملك بني ساسان لخمود النياران , وتصدع الإيوان , ورؤيا الموبذان، رأى خيلا عرابا , تقود إبلا صعابا , قد قطعت دجلة وتفرقت فيما ورءها , يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة , وظهر صاحب الهرواة , فليست شاما لسطيح الشام، يملك منهم ملوك وملكات بعدد الشرفات , وكل ما هو آتٍ آت).
مات (كلام غير مسموع) فرجع عبد المسيح إلى كسرى , فكانت الرؤيا كما أخبره فالموبذان رأى فعلا خيلاً تقود إبلاً قد قطعت دجلة وملكت العراق وسواده، فهو بين له أنه سيملك منهم , أي الفرس , ملوك وملكات , بعدد الشرفات التي تساقطت من الإيوان , وكانت أربع عشرة شرفة، ففي هذه الفترة اليسيرة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم إلى فتح فارس ملك من ملوك الفرس أربعة عشر ملكاً وملكة , كان بعضهم يقتل بعضاً , ولم تستقر أمورهم، فعندما كثرت التلاوة , تلاوة القرآن، وظهر صاحب الهراوة.
والهراوة العصا الصغيرة، والمقصود به عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وقد كان في يده درة، والدرة العصا القصيرة يؤدب بها الناس، وهذا معنى ظهر صاحب الهراوة. فيزول ملك الفرس حينئذ.
كذلك منهم من كان يعتمد على الإيجاز؛ بأن يكون اللفظ اليسير يتضمن المعنى الخطير، فيجتمع كثير من المعاني تحت ألفاظ يسيرة قليلة، ومن هؤلاء أكثم بن صيفي , فكان يقول الكلمة الواحدة البليغة فتحوي معاني كثيرة , قال: القتل أنفى للقتل، القتل أنفى للقتل. معناه أنه إذا كان القاتل يعلم أنه سيقتل فإنه سيتوقف عن قتله ولن يقتل، فإذا أقيمت الحدود وأقيم القصاص فسيتوقف القتل وتتوقف موجبات الحدود أصلا؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إن قتل سيقتل فلن يقدم على القتل، فلذلك يكون القتل أنفى للقتل، وهكذا. فكلماته من هذا النوع تكون مختصرة بليغة مؤثرة.
فلما اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكُتَّاب كانت كتبه تتضمن هذا النوع من الكلام الجامع، وقد أوتي جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا، فمن كلماته صلى الله عليه وسلم الجامعة: ((إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى)). ومنها كذلك: ((البينة على المدعي , واليمين على من أنكر)).
ومنها كذلك كتبه إلى الملوك , فهي جامعة لكثير من المعاني , في كتابه إلى هرقل الذي قال فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم , من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم , ويؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
وكذلك كتابه إلى المنذر بن ساوا , وكتابه إلى كسرى , وكتابه إلى النجاشي، وكتابه إلى (كلام غير مسموع) وغيرها من كتبه صلى الله عليه وسلم , فكانت غاية في البلاغة واختصار المعاني الكثيرة، وكذلك كتابه لعمرو بن حزم الأنصاري في القضاء الذي تضمن الحدود والقصاص وغير ذلك.
وكذلك كتاب أبي بكر رضي الله عنه الذي كتب لأنس بن مالك في الزكاة , وفصل له نُصبها ومقاديرها، فهو من أبلغ الكتب، وكذلك كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كتب به إلى أبي موسى الأشعري في القضاء، وهو من أشهر الكتب أيضا وأبلغها، وكذلك خطب علي رضي الله عنه التي كتبت، كخطبته بعد صفين عندما قام في الناس خطيبا فقال: (يا أهل العراق , لقد عصيتموني حتى قال الناس: ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب , ووالله إني لجذيلها المحكك وعذيقها المرجب ولكن لا رأي لمن لا يطاع، فأبدلني الله خيراً منكم , وأبدلكم شرا مني).
فهذه من أبلغ الخطب وأشهرها. لكن لم توضع قواعد لذلك؛ وإنما كان الناس يتناقلونه فيما بينهم، وكانوا يحفظون الخطب، فقد كان الناس يحفظون خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالخطبة كما في حديث جابر:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب كأنه منذر جيش يقول: ((صبحكم مساكم)) , وكان إذا خطب علا صوته واحمرت عيناه، فكأنه منذر جيش، ولذلك كانت خطبته تسمع من البلاط، والبلاط خمسمائة متر من المسجد، نصف كيلو، فكان الناس يحفظون خطبته من نصف كيلو من دون مكبر.
وكذلك كانت خطب الخلفاء الراشدين تسمع من بعيد، فكان الناس من خارج المسجد يسمعون خطبة عمر فيحفظونها، واشتهرت خطب بعد هذا كخطبة زياد المشهورة بالبتراء، وخطبة الحجاج كذلك التي خطب بها على منبر الكوفة أول ما ولي على العراق، عندما دخل المسجد وقد تعمم عمامة غطى بها أكثر وجهه , وتقلد سيفا وتنكب قوساً واستلم رمحا بيده، فجلس على المنبر وسكت سكوتا طويلا والناس ينتظرون كلامه , حتى قال لهم: عمير بن (كلام غير مسموع) قبح الله بني أمية؛ يولون مثل هذا على العراقين , دعوني أحصبه لكم. أحصبه أي أرميه بالحصباء. عندئذ قام الحجاج خطيباً فألقى خطبته المشهورة المؤثرة، ثم قال في آخرها: يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ الغلام كتاب عبد الملك فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان إلى أهل الكوفة , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فلم يرد عليه أحد! واستمر الغلام في القراءة , فقال الحجاج: اسكت. ثم قال: هذا أدب ابن نهية والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب , ألا تردون السلام على أمير المؤمنين. ثم قال: يا غلام اقرأ الكتاب، فقرأ الغلام من أول الكتاب، فلما قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته. فذلك من تأثير كلام الحجاج.
أول من اعتنى بجمع قواعد في البلاغة هو عبد الحميد الكاتب، وكان من كتاب دولة بني أمية، وقد اصطفاه مروان ابن محمد بن عبد الملك بالكتابة، وقد قتل معه , مع مروان , في يوم الهاشمية، وهو اليوم الذي زالت فيه دولة بني أمية, وقتل فيه مروان بن محمد، هو آخر أمرائهم، ثم بعده اشتهر عبد الله بن المقفع , وكان في الأصل شابا نصرانيا , لكنه كان من أبلغ الناس، فاشتهر بالخطابة والبلاغة وبالكتابة للملوك والأمراء، ثم كان بعد هذا الخلفاء والأمراء يتخذون كتاباً من البلغاء والمؤثرين يكتبون لهم رسائلهم وتوقيعاتهم، وكان لهم أساليب في ذلك تدرس في الكتاتيب.
وبعد هذا اعتنى بعض الخلفاء بجمع بعض الأساليب المؤثرة، فأمر المأمون بجمع بعض أمثال العرب , فجمعت في زمانه، وأمر كذلك بجمع أبيات المعاني من الأبيات المؤثرة فجمعت، ثم بدأ الناس في جمع الأبيات المؤثرة، فألف أبو تمام الحماسة، وألف البحتري بعدها الحماسة كذلك , ورتبها على الأبواب، على أبواب الشعر بحسب التأثير , ثم جاء أمير المؤمنين عبد الله بن المعتز فألف كتاب طبقات الشعراء المحدَثين، وجاء بعده ابن سلام فألَّف طبقات فحول الشعراء، وألَّف ابن المعتز كذلك كتاباً في غرائب التشبيهات، اسمه غرائب التنبيهات على عجائب التشبيهات، في التشبيه العجيب في شعر العرب ونثرهم.
فبعد هذا جاء عبد القاهر الجرجاني , فكان أول من وضع كتاباً جامعاً في البلاغة، فكتب إعجاز القرآن، وكتب كتابه الآخر أسرار البلاغة , ومن عهد عبد القاهر الجرجاني تطور هذا العلم , وكثرت المؤلفات فيه، وحاول السكاكي جمع شتات هذا العلم في الجزء الثالث من كتابه المفتاح، وقد جمع فيه ثلاثة علوم، فخصص جزءاً منه لجمع شتات البلاغة من الكتب المؤلفة قبله، ثم جاء القزويني فألف كتاب الإيضاح في البلاغة، ثم اختصره ولخصه في كتاب التلخيص، فأصبح التلخيص أهم كتب البلاغة , واعتنى به الناس عناية بالغة، فوضع عليه كثير من الشروح والاختصارات، ونظمه السيوطي في ألفيته عقود الجمان, وألَّف العباسي معاني التنصيص في شرح شواهد التلخيص في شرح شواهده، ثم أصبح الناس بعد هذا يقتطعون منه ويختصرون.
وهذا المؤلف الذي لدينا هو دروس من البلاغة اختصرها بعض الأساتذة المصريين بناء على طلب بعض أمراء البيان في زمانه، وهو في الواقع اختيار لبعض أبواب التلخيص بأسلوب معاصر سهل، فلهذا اختارت الوزارة أن تكون الكتاب المقرر في هذه الدورة.
فأما المقدمة الأخرى فهي: مستمد علم البلاغة.. أقصد موضوع علم البلاغة، فموضوع علم البلاغة الأساليب العربية، قد عرفناه بالأمس أن موضوع علم النحو المفردات , الألفاظ المفردة عندما تركب، أما البلاغة فهي: الأساليب , وموضوعها أساليب العربية، فأنت تعرف في النحو أن الجملة تنقسم إلى قسمين: جملة إسمية وجملة فعلية، وتعرف أن الاسم قد يكون اسما ظاهرا وقد يكون ضميرا , وتعرف أن الفعل يكون ماضياً ويكون مضارعاً ويكون أمراً، لكن لا تعرف لماذا هذا التنويع؛ إنما تعرف ذلك بالبلاغة , فتعرف المقام الذي ينبغي أن يؤتى فيه بالضمير , والمقام الذي ينبغي أن يؤتى فيه بالاسم ظاهر، والمقام الذي يؤتى فيه بالجملة الإسمية، والمقام الذي يؤتى فيه بالجملة الفعلية، والمقام الذي يحذف فيه المفعول، والمقام الذي يثبت فيه المفعول، والمقام الذي يقع فيه التقديم، والمقام الذي يقع فيه التأخير، تعرف هذا بالبلاغة ولا تعرفه بالنحو، النحو إنما هو حصر لشتات اللغة العربية، والبلاغة تصنيف لذلك الشتات , وتوزيع له؛ لتعرف موضع كل أسلوب، المكان الذي ينبغي أن تظهر فيه، والمكان الذي ينبغي أن تختصر فيه , المكان الذي ينبغي أن تطول فيه، هذا هو الذي يعرف بالبلاغة.
أما مستمد علم البلاغة فهو من الكتاب والسنة , وآثار الخلفاء الراشدين , والخطباء المشهورين، وأشعار العرب وآدابهم، وربما دخلها بعض الأمور المترجمة؛ فإن المسلمين قد بدأت عنايتهم بالتدوين في أيام المأمون , وفي أيامه نشطت الترجمة، فترجموا علوم الأمم الأخرى , وللأمم الأخرى بعض العناية بالبلاغة، فقد كان للرومان والإغريق بعض العناية بالبلاغة , فلذلك ربما أُخذ بعض الأساليب مما لم يكن عند العرب , وإنما هو مستورد منقول، وهذا النوع لا شك فيه صناعة وتكلف لا بالظاهر مثل (كلام غير مسموع) في الشعر , ومثل أن تكون القصيدة الواحدة تقرأ في عدة أبحر من الشعر، ونحو هذا لا شك فيه تكلف، مثل القصائد التي تكون من الحروف غير الموصولة، مثل:
(أرى زوره دواء (كلام غير مسموع) جود من سار (كلام غير مسموع)) هذه القصيدة كلها من الحروف غير الموصولة التي لا يكتب منها حرفان متصلان، وكذلك القصائد التي تكون من الحروف غير المنقوطة، الحروف المهملة أو الحروف المنقوطة كلها، هذا النوع لا شك فيه تكلف وصعوبة، فليس هو من آداب العرب في العادة وإنما يأتي به المحدثون، وكذلك ما كان فيه بعض التكرار الذي تكرر فيه الكلمة الواحدة بمعانٍ متعددة , والحريري في مقاماته , وبديع الزمان الهمذاني كذلك بالغا في هذا النوع , فمثلا الحريري يقول:
سمسمة تحمد آثارها واشكر....... لمن أعطى ولو سمسمة
والمكرمة ما استطعت لا تأتيه...... لتقتفي السؤدد والمكرمة
والمهر مهر الحور وهو التقى....... لازمه قبل الشيب والمهرمة
(كلام غير مسموع))
وهكذا، فهذا النوع فيه تكلف , ونظيره في أشعار المتأخرين وآدابهم كثير كما كتب أحدهما:
(للحسنين أحساء ولأحساء الحسنيين حسان، ولحسان أحساء الحسنيين إحسان، ولإحسان حسان أحساء الحسنيين أحسن من إحسان حسان أحساء المحسنين)
ونظير هذا لا شك فيه تكلف خارج عن عادة العرب في كلامها , لكنه مع هذا من مستمد البلاغة.
أما فضل هذا العلم، فهو أنه يوصلك إلى هذه النتيجة المحمودة , وهي إدراك إعجاز كتاب الله تعالى، بالإضافة إلى تقويم لسانك أنت؛ حتى يمكن أن تؤثر في الآخرين، فلا شك أن كل إنسان لديه عقل , له أفكار يحب أن يوصلها إلى الآخرين، وله آراء يحب أن يتقبلها الآخرون، والأساليب المؤثرة هي التي تجعل الآراء يتقبلها الناس، فذلك مما يدل على فضل هذا العلم وأثره.
أما حكمه؛ فإن حكم تعلم هذا العلم فرض كفاية على الأمة، إذ هو من العلوم النافعة وكلها فرض كفاية، وإنما لم يتعلمه الصحابة والتابعون في لغناهم عنه بسليقتهم وأصل فطرتهم، وإنما أرسيت قواعده من كلامهم , فكما لم يتعلموا علوم التكنولوجيا الحديثة؛ إذ لم يحتاجوا إليها , فكذلك لم يتعلموا مثل هذه العلوم لعدم حاجتهم إليها، أما نحن فمحتاجون إلى ذلك غاية الاحتياج , فلهذا كان فريضة كفائية في حقنا.
أما اسمه فهو علم البلاغة , وقد يسمى بعلم البيان؛ تسمية للشيء باسم جزئه , كتسمية الإنسان بالرقبة، تحرير رقبة معناه تحرير إنسان , لكن سمي الإنسان بالرقبة تسمية له باسم جزئه، فكذلك يسمى هذا العلم في بعض الأحيان علم البيان؛ تسمية له بأحد أقسامه، فهو ثلاثة أقسام: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع , فيسمى باسم بعضه في بعض الأحيان.
أما فائدته: فقد وصفت مما سبق في فضله، فإدراك تفاوت الأساليب , وأن يقتدر الإنسان على أداء المعاني المختلفة من ألفاظ متفاوتة، فيعرف المكان الذي ينبغي فيه التصريح، والمكان الذي تنبغي فيه الكناية، والمكان الذي ينبغي فيه التشبيه، والمكان الذي تنبغي فيه الاستعارة , فيعرف المكان الذي ينبغي فيه الإضمار، والمكان الذي ينبغي فيه الإظهار، والمكان الذي ينبغي فيه الإيجاز، والمكان الذي ينبغي فيه الإطناب، والمكان الذي تطلب فيه المحسنات، كالابتداء والنهاية والتخلص، والمكان الذي لا تطلب فيه المحسنات , وإنما ينساق فيه الإنسان وراء فطرته وسجيته , كل هذا من فائدة علم البلاغة.
كذلك فإن من فائدة علم البلاغة، ما ينجم عنه من تحسين الذوق، فالإنسان محتاج إلى التأديب, وتأديبه منه تأديب لسانه، ومنه تهذيب جنانه , فتأديب لسانه هو بتحسين ذوقه في اللغة؛ حتى يعرف الكلمات التي ينبغي أن يتحاشاها , والأساليب التي لا ينبغي أن يقولها، ويعرف أيضا مستوى من يخاطبه؛ فإن بشار بن برد خاطب جارية له بأبيات يمدحها بها فيقول فيها:
رباب ربة البيت ...... تخلط السمن بالزيت
لها سبع دجاجات....... وديك حسن الصوت
فحضره أحد الشعراء فلامه قال: كيف تقول مثل هذا الشعر الرديء , وأنت أشعر الشعراء؟! فقال: إن هذا أجود عندها من (كلام غير مسموع) أحسن عندها هي من (كلام غير مسموع) هذا مستواها , وهذا الذي تفهمه.
ولذلك يقول المازني يرحمه الله: دخلت على المتوكل الخليفة في ليلة قد سهر فيها , فقال: يا بكر روح عني ببعض ما تحفظه من الشعر. وبكر هو أبو عثمان المازني، قلت: في أي معنى يرغب أمير المؤمنين؟ فقال: اختر لي. فبدأت بالرثاء فأنشدته مرثية أبي لؤيد لأولاده:
(يا (كلام غير مسموع) المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتم من يجزع) فلم يطرب لها، فأنشدته مرثية الأعشى التي مطلعها: (إني أتتني (كلام غير مسموع) لا أسر بها (كلام غير مسموع)) فلم يعجب بها، فأنشدته مرثية الخنساء التي مطلعها:
فلم يعجب بها، فأنشدته مرثية ابن مناذر لعبد المجيد التي مطلعها:
قذى بعينك أم بالعين عوَّار وأم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
(كل حي لاقي الحمى من ما لحي مؤمل من خلود لا تهاب المنون شيئا ولا ترعى على والد ولا مولود) فلم يعجب بها، فأنشدته مرثية مروان بن أبي حفصة لمعن بن زائدة التي مطلعها:
مضى لسبيله معن وأبقى....... مكارم لن تبيد ولن تنال
كأن الشمس يوم أصيب معن....... من الإظلام ملبسة جلال
فلم يعجب بها، فعرفت أن الخليفة ليس لديه ذوق في الشعر , فأنشدته قول عبد الملك بن المعذل:
ألا يا قضية البصرة ....... قومي فارقصي قطرة
فضحك حتى استلقى وأعجب بذلك.
فكل إنسان بحسب ما يناسب ثقافته ومستواه يخاطب.
أما مسائل هذا العلم فهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: علم المعاني
فيختلف تعريفها باختلاف هذه الثلاثة.