دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطلاق

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 جمادى الأولى 1431هـ/8-05-2010م, 03:03 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي طلاق السنة وطلاق البدعة

( فصلٌ ) إذا طَلَّقَها مَرَّةً في طُهْرٍ لم يُجَامِعْ فيه وتَرَكَها حتى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها فهو سُنَّةٌ، فتَحْرُمُ الثلاثُ إِذَنْ، وإن طَلَّقَ مَن دَخَلَ بها في حَيْضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه فبِدْعَةٌ يَقَعُ وتُسَنُّ رَجْعَتُها، ولا سُنَّةَ ولا بِدعةَ لصغيرةٍ وآيِسَةٍ وغيرِ مدخولٍ بها ومَن بانَ حَمْلُها .


  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 02:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.............................

  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 02:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فصلٌ

(إذا طَلَّقَهَا مَرَّةً)؛ أي: طَلْقةً واحدةً (في طُهْرٍ لم يُجَامِعْ فيه، وتَرَكَها حتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها، فهو سُنَّةٌ)؛ أي: فهذا الطلاقُ مُوَافِقٌ للسُّنَّةِ؛ لقولِهِ تعالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. قالَ ابنُ مَسْعُودٍ: (طَاهِرَاتٍ مِن غيرِ جِماعٍ)، لكِن يُسْتَثْنَى من ذلكَ لو طَلَّقَهَا في طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ للرَّجْعةِ من طَلاقٍ في حيضٍ, فبدعةٌ، (فتَحْرُمُ الثلاثُ إذنْ)؛ أي: يَحْرُمُ إيقاعُ الثلاثِ، ولو بِكَلِمَاتٍ في طُهْرٍ لم يُصِبْهَا فيه، لا بعدَ رَجْعَةٍ أو عَقْدٍ، رُوِيَ ذلكَ عن عمرَ وعليٍّ وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عَبَّاسٍ وابنِ عمرَ، فمَن طَلَّقَ زَوْجَتَه ثلاثاً بكَلِمَةٍ واحدةٍ, وَقَعَ الثلاثُ، وحَرُمَتْ عليهِ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غيرَه, قبلَ الدخولِ كانَ ذلك أو بعدَه، (وإنْ طَلَّقَ مَن دَخَلَ بِهَا في حَيْضٍ أو طُهْرٍ وَطِئَ فيه), ولم يَسْتَبِنْ حَمْلُها، وكذا لو عَلَّقَ طَلاقَها على نحوِ أَكْلِها مِمَّا يَتَحَقَّقُ وُقُوعُه حَالَتَهُما, (فبِدْعَةٌ)؛ أي: فذلكَ طلاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، و (يَقَعُ)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ: أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ، فأَمَرَه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُرَاجَعَتِها. رَوَاهُ الجماعةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ.
(وتُسَنُّ رَجْعَتُها) إذا طَلَقَتْ زَمَنَ البِدْعَةِ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ، (ولا سُنَّةَ ولا بِدْعَةَ) في زمنٍ أو عَدَدٍ (لصغيرةٍ وآيِسَةٍ وغيرِ مدخولٍ بها ومَن بانَ)؛ أي: ظَهَرَ (حَمْلُها)، فإذا قالَ لإِحْدَاهُنَّ: أَنْتِ طالقٌ. للسُّنَّةِ طَلْقةٌ, وللبدعةِ طلقةٌ. وَقَعَتَا في الحالِ، إلاَّ أنْ يُرِيدَ في غيرِ الآيسةِ إذا صَارَتْ من أهلِ ذلكَ، وإنْ قالَه لِمَن لها سُنَّةٌ وبِدْعةٌ, فواحدةٌ في الحالِ والأُخْرَى في ضدِّ حالِها إذن.


  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1431هـ/11-05-2010م, 02:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل([1])


(إذا طلقها مرة) أي طلقة واحدة (في طهر لم يجامع فيه([2]) وتركها حتى تنقضي عدتها([3]) فهو سنة) أي فهذا الطلاق موافق للسنة([4]).
لقوله تعالى{إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قال ابن مسعود: طاهرات من غير جماع([5]) لكن يستثنى من ذلك: لو طلقها في طهر متعقب لرجعة من طلاق في حيض فبدعة([6]) (فتحرم الثلاث إذًا) أي يحرم إيقاع الثلاث، ولو بكلمات، في طهر لم يصبها فيه([7]) لا بعد رجعة أو عقد([8]) روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر([9]).فمن طلق زوجته ثلاثا بكلمة واحدة، وقع الثلاث([10])
وحرمت عليه، حتى تنكح زوجا غيره([11]) قبل الدخول كان ذلك، أو بعده([12]) (وإن طلق من دخل بها في حيض، أو طهر وطئ فيه) ولم يستبن حملها([13]) وكذا لو علق طلاقها على نحو أكلها مما يتحقق وقوعه حالتيهما([14]) (فبدعة) أي فذلك الطلاق بدعة محرم، و(يقع)([15]).

لحديث ابن عمر: أَنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها. رواه الجماعة إلا الترمذي([16]) (وتسن رجعتها) إذا طلقت زمن البدعة لحديث ابن عمر([17]) (ولا سنة ولا بدعة) في زمن، أَو عدد (لصغيرة، وآيسة([18]) وغير مدخول بها، ومن بان) أي ظهر (حملها) ([19]).

فإذا قال لإحداهن: أَنت طالق للسنة طلقة، وللبدعة طلقة، وقعتا في الحال([20]) إلا أن يريد في غير الآيسة إذا صارت من أهل ذلك([21]) وإن قاله لمن لها سنة وبدعة، فواحدة في الحال([22]) والأُخرى في ضد حالها إذًا([23])



([1])أي في سنة الطلاق وبدعته، وسنته: إيقاعه على الوجه المشروع، وبدعته: إيقاعه على الوجه المحرم المنهي عنه، وقال علي رضي الله عنه: لو أن الناس أخذوا بما أمر الله به من الطلاق، ما أتبع رجل نفسه امرأة أبدًا، يطلقها تطليقة، ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا، فمتى شاء راجعها.

([2])أي في الطهر، فهو سنة.

([3])أي وتركها، بأن لا يطلقها حتى تنقضي عدتها من الأولى، إذ المقصود فراقها، وقد حصل بالأولى.

([4])وهو ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقال أحمد: طلاق السنة واحدة، ثم تركها حتى تحيض ثلاث حيض، وقال ابن رشد: أجمع العلماء على أن المطلق للسنة في المدخول بها هو الذي يطلق امرأته في طهر لم يسمها فيه، طلقة واحدة، وأن المطلق في الحيض، أو الطهر الذي مسها فيه غير مطلق للسنة.
فصارت السنة في حقها من وجهين، من جهة العدد، وهو أن يطلقها واحدة، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها، وأن يطلقها في طهر لم يصبها فيه، وذكره ابن المنذر، وابن عبد البر إجماع العلماء.

([5])ونحوه عن ابن عباس، ولما يأتي من حديث ابن عمر.

([6])لحديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فتغيظ، وفيه: وقال ((ليراجعها)) الخ.

([7])لقوله ((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)) وكان عمر إذا أتى برجل طلق ثلاثا، أوجعه ضربا، وفي الإنصاف: لو طلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار، كان حكم ذلك حكم الثلاث في طهر واحد. اهـ. ويتجه أنه ليس بحرام، لقوله ((أمسكها حتى تطهر ثم تحيض))وإلا لكان يمسكها وجوبا، لئلا يقع في الحرام.

([8])أي لا يحرم الطلاق بعد رجعة، إذا راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، أو بعد عقد، بأن طلقها، ثم عقد عليها، ثم طلقها، ثم عقد عليها، قال في الإنصاف: فلو طلق ثانية، أو ثالثة، في طهر واحد بعدهما، لم يكن بدعة، على الصحيح من المذهب، وقدم في الانتصار تحريمه حتى تفرغ العدة. وجزم في الروضة فيما إذا رجع قال: لأنه طول العدة وأنه معنى نهيه {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا}.

([9])وهو قول مالك، وأبي حنيفة، قال علي: لا يطلق أحد للسنة فيندم.

([10])أو بكلمات، في طهر لم يصبها فيه، أو في أطهار قبل رجعة، وقعت الثلاث، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وجماهير العلماء، على أن الثلاث تقع ثلاثا وحكى ابن رشد: إجماع علماء الأمصار على أن الطلاق بلفظ الثلاث، حكمه حكم الطلقة الثالثة، وثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس، أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة.
ولأحمد وغيره عن ابن عباس: طلق ركانة امرأته ثلاثا، فقال صلى الله عليه وسلم ((راجع امرأتك)) فقال، إني طلقتها ثلاثا. قال ((قد علمت، راجعها)) وهو مروي عن علي، وابن مسعود، وغيرهما، وأصحاب ابن عباس، وبعض أصحاب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، واختاره الشيخ وغيره، قال ابن عباس رضي الله عنه: فقال عمر – بعد ما مضى صدر من خلافته -: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناءة، فلو أمضيناه عليهم. أي ألزمناهم الثلاث، إذا صار الغالب عليهم قصدها، فأمضاه عليهم، أي ألزمهم الثلاث.
قال ابن القيم: وعمر رضي الله عنه لم يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ما كان في عصر الخليفة الراشد، ولا ما في صدر في أول عصره، بل رأى رضي الله عنه إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم، وتابعه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيدوا رأيه، لما علموا أن إرسال الثلاث حرام، وتتابعوا فيه؛ قال: ولا ريب أن هذا سائغ للأئمة أن يلزموا الناس ما ضيقوا به على أنفسهم، ولم يقبلوا فيه رخصة الله عز وجل، وتسهيله، بل اختاروا الشدة والعسر، فكيف بأمير المؤمنين، وكمال نظره للأمة، وتأديبه لهم.
ولكن العقوبة تختلف باختلاف الأزمنة، والأشخاص، والتمكن من العلم بتحريم الفعل المعاقب عليه وخفائه، وعمر لم يقل: إن هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما هو رأي رآه مصلحة للأمة، يكفهم بها عن التسارع إلى إيقاع الثلاث؛ قال: وهذا موافق لقواعد الشريعة، بل هو موافق لحكمة الله في خلقه قدرا وشرعا؛ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: يكفيك ما أفتى به المحدث الملهم، ثاني الخلفاء الراشدين.

([11])لقوله تعالى{فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني الثالثة {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}.

([12])قال الموفق: في قول أكثر أهل العلم من التابعين، والأئمة بعدهم.

([13])فبدعة محرم ويقع، غير رجعية، أما فيها فلا بدعة، لعدم تأثيره في تطويل العدة، لأنها تبنى على ما مضى، وفي المبدع: ونفاس كحيض.

([14])أي الحيض، والطهر الذي وطئ فيه.

([15])أي طلاق البدعة، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن الطلاق في الحيض بمدخول بها، وفي الطهر المجامع فيه، محرم إلا أنه يقع، وقال ابن المنذر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال، ولأنه عليه الصلاة والسلام أمر عبد الله بن عمر بالمراجعة، وهي لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. اهـ. ويباح الطلاق والخلع بسؤالها، زمن البدعة، لأن المنع لحقها.

([16])ولفظ الصحيحين وغيرهما: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال((مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيط، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)) ولمسلم وقرأ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وله ((ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا)).
وللنسائي ((فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى، فلا يمسها حتى يطلقها، وإن شاء أن يمسكها فليمسكها)) فدل الحديث على أن الطلاق في حيض لمدخول بها، أو طهر وطئ فيه، ولم يستبن حملها، بدعة ويقع.

([17])لأمره بمراجعتها، وعنه: أنها واجبة، وإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر، فإذا طهرت سن أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر، ثم إن شاء طلقها قبل أن يصيبها، فإذا فعل ذلك فهو طلاق السنة.

([18])أي ولا سنة ولا بدعة لطلاق صغيرة، لأنها لا تعتد بالأقراء، فلا تختلف عدتها، وآيسة كذلك، فلا تحصل الريبة.

([19])أي ولا سنة ولا بدعة في طلاق زوجة غير مدخول بها، لأنها لا عدة لها،
فتضر بتطويلها، ولا سنة ولا بدعة في طلاق من بان حملها، لأن عدتها بوضع الحمل، وقيل: طلاق الحامل طلاق سنة. وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه قال: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه، وفيه ((فليطلقها طاهرا أو حاملا)) وتقدم.

([20])لأن الطلاق لا يتصف بذلك، فتلغو الصفة، ويبقى الطلاق، ما لم تكن الأولى على عوض، أو لغير مدخول بها، فتبين بالأولى.

([21])كأن حاضت الصغيرة مثلا، وكذا غيرها ممن ذكر، ويدين قائل ذلك، فيما بينه وبين الله، إذا ادعى أنه أراد إذا صارت من أهل ذلك الوصف، لأن ادعاءه محتمل، ويقبل منه حكما، لأنه فسر كلامه بما يحتمله، وهو أعلم بينته، وأما الآيسة فلا يمكن فيها غير ذلك.

([22])لأن حالها لا تخلو، إما أن تكون في زمن السنة، فتقع طلقة على السنة، أو زمن البدعة، فتقع على البدعة.

([23])فتقع الطلقة الأخرى إذا وجدت الحالة الأخرى، وإن قال: أنت طالق للسنة. وهي في طهر لم يصبها فيه، طلقت في الحال، وإن كانت حائضًا فإذا طهرت.



  #5  
قديم 24 ربيع الثاني 1432هـ/29-03-2011م, 03:33 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَصْلٌ


إِذَا طَلَّقَهَا مَرَّةً، فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ، وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَهُوَ سُنَّةٌ،...........................
هذا الفصل ذكر فيه المؤلف أحكاماً مهمة وهي الطلاق البدعي، والطلاق الشرعي، فقال:
«إذا طلقها» ضمير المفعول يعود على الزوجة، وضمير الفاعل يعود على الزوج.
قوله: «مرة» يعني طلقة واحدة، بأن قال: أنت طالق طلقة واحدة، أو قال: أنت طالق وسكت، فإنه يكون مرة واحدة؛ لأنه إذا لم يقيد بعدد فإن المُطْلَق يصدق بمرة واحدة، فإذا قلت مثلاً: أكرم زيداً، فأكرمه مرة امتثل، ولا يحتاج أن يكرر، فقوله: «مرة» هذا قيد.
قوله: «في طهر» هذا قيد ثانٍ.
قوله: «لم يجامع فيه» هذا قيد ثالث.
قوله: «وتركها حتى تنقضي عدتها» هذا هو القيد الرابع، يعني لم يلحقها بطلاق آخر.
قوله: «فهو سنة» يعني هذا الطلاق هو طلاق السنة، وهو ما جمع أربعة قيود: أن يكون مرة، وفي طهر، ولم يجامعها فيه، ولم يلحقها بطلقة أخرى.
فخرج بقوله: «مرة» ما لو طلقها مرتين، بأن قال: أنت طالق طلقتين، أو أنت طالق ثنتين، أو أنت طالق مرتين، أو أنت طالق أنت طالق، فهذا ليس بسنة؛ لأنه ما طلقها مرة بل طلق ثنتين.
وخرج بقوله: «في طهر» ما لو طلقها في حيض، أو في نفاس فإنه ليس بطلاق سنة، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان ذلك.
وقوله: «في طهر لم يجامع فيه» خرج به ما إذا طلقها في طهر جامع فيه فإنه يكون طلاق بدعة، حتى ولو طال زمن الطهر، فلو فرض أن هذا الرجل طهرت امرأته من النفاس وجامعها وهي ترضع، والعادة أن التي ترضع لا تحيض إلا إذا فطمت الصبي، يعني بعد سنتين تقريباً، فلو طلق خلال مدة السنتين لصار طلاق بدعة؛ لأنه في طهر جامعها فيه، إذاً ينتظر حتى يأتيها الحيض وتطهر.
وقوله: «وتركها حتى تنقضي عدتها» فإن ألحقها بطلقة أخرى فهو بدعة، فمثلاً إذا قال: أنت طالق، وشرعت في العدة، ثم بعد يومين أو ثلاثة أو عشرة أيام، قال: أنت طالق، نقول: هذا الطلاق بدعة وليس طلاق سنة، والدليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}} [الطلاق: 1] ، ففسر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ العدة بأن يطلقها في طهر لم يصبها فيه[(1)].
وقوله: «في طهر» يدل على أن هذه المرأة من ذوات الحيض، أما من ليست من ذوات الحيض فإنه يجوز أن يطلقها حتى في طهر جامعها فيه؛ لأنه ليس هناك طهرٌ وحيضٌ؛ لأن التي لا تحيض من حين يطلقها تبدأ في العدة؛ حيث إن عدتها بالأشهر.
ويستثنى من قولنا: «في طهر لم يجامعها فيه» إذا كانت حاملاً وجامعها وطلقها بعد الجماع، فالطلاق طلاق سنة، وليس طلاق بدعة، ولهذا لو أضاف المؤلف ـ رحمه الله ـ قيداً خامساً لكان أولى، فيقول: «في طهر لم يجامعها فيه ولم يتبين حملها» لأنه إذا تبين حملها جاز طلاقها، ولو كان قد جامعها؛ لأنه يكون مطلقاً للعدة، حيث إن عدة الحامل بوضع الحمل.
فصارت القيود خمسة: الأول: يطلقها مرة، في طهر لم يجامع فيه، ولم يتبين حملها، وتركها حتى تنقضي عدتها فهذا هو السنة، فإذا طلقها مرتين فأكثر فبدعة، أو في حيض، أو نفاس فبدعة، أو في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها فبدعة، أو ألحقها بطلقة أخرى فبدعة.

فَتَحْرُمُ الثَّلاَثُ إِذاً، ..................................
قوله: «فتحرم الثلاث إذاً» يعني في طهر لم يجامع فيه؛ لأن رجلاً طلق امرأته في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً، فقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال:((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!)) حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله[(2)]؟! فدل هذا على أنه محرم، ولأنه نوع من الاستهزاء بآيات الله؛ لأن الله ـ تعالى ـ جعل في الطلاق فسحة للإنسان، وإذا طلق ثلاثاً فكأنه تعجل ما جعل الله فيه فسحة فيكون مضاداً لحكم الله، ولأن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ألزمهم بهذه الثلاث عقوبة لهم[(3)]، والعقوبة لا تكون على فعل شيء مباح، ولقول ابن عمر رضي الله عنهما حين سئل عمن طلق زوجته ثلاثاً، قال: ((لو اتقى الله لجعل له مخرجاً)) [(4)]، فدل هذا على التحريم، وهذا هو القول الصحيح، أن إيقاع الثلاث جملة واحدة محرم.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الطلاق الثلاث ليس محرماً، وأنه جائز، وهذا مذهب الشافعي، وقال: إن الدليل على عدم التحريم أن عمر ـ رضي الله عنه ـ أمضاه، ولو كان حراماً لم يمضه؛ لأن الحرام لا يجوز إمضاؤه، إذ إن إمضاء الحرام من المضادة لله؛ لأن الله إذا حرم شيئاً فإنه يريد من عباده اجتنابه، فإذا نفذناه وقعنا فيه.
وأجاب عن حديث: ((أيُلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!)) [(5)] بأنه ضعيف، ولكن لعل الشافعي ـ رحمه الله ـ ما بلغه الحديث على وجه يصح، والصواب: أن الحديث أقل أحواله أن يكون حسناً، وقد صححه جماعة من أهل العلم، ثم إن الأدلة التي ذكرناها واضحة.
وأما قوله: إنه لو كان حراماً ما أمضاه عمر، فنقول: ما أمضاه رضاً به، ولكن عقوبة لفاعله، ولهذا قال ـ رضي الله عنه ـ حين إمضائه: إن الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم.
فإن قال قائل: إن الله قد أجاز الطلاق الثلاث في القرآن فقال: {{اَلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}} ، ثم قال: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا}} [البقرة: 229، 230] ، والطلقة الثالثة تبين بها، فما الجواب؟
الجواب: أن الطلاق الذي ذكره الله طلاق متعاقب، ولو قلنا بأن الطلقة الثالثة لا تقع لم يصح، فالطلاق مرتان، يطلق ويراجع، ويطلق ويراجع، ويطلق الثالثة، وحينئذٍ لا تحل له إلا بعد زوج، وهذه الصورةُ الطلقةُ الثالثةُ فيها مباحة بالاتفاق، ولم يقل أحد من العلماء: إنها حرام، بل كلهم مجمعون على أنها مباحة وليست حراماً.
وقوله: «وتحرم الثلاث إذاً» ترك المؤلف مرحلة بين مرحلتين وهما الثنتان، فبيَّن أن الواحدة من السنة، وأن الثلاث حرام، فما حكم الثنتين؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنها حرام، وقال الفقهاء: إنها مكروهة وليست حراماً، فالكل يقول: إنها منهي عنها، إما نهي كراهة، وإما نهي تحريم، والأقرب أنها للتحريم؛ لأن فيها تعجلاً للبينونة، وقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً، وما دمنا اتفقنا على أن هذا طلاق بدعة، فلماذا لا تكون بدعة محرمة؟! فالصواب: ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطلقتين حرام لا تنفذان، وما تنفذ إلا واحدة فقط، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولو طلق ثلاثاً فهل يقع، أو يقع واحدة، أو لا يقع إطلاقاً؟ في هذا ثلاثة أقوال: قولان لأهل السنة، وقول للرافضة، فالرافضة قالوا: لا يقع الطلاق؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(6)]، وطلاق الثلاث ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون مردوداً لاغياً، ولا شك أن قولهم واستدلالهم بهذا الحديث قوي، لولا أنه يعارضه حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان الطلاق الثلاث على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، فيقال: إن قوله: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) ، يستثنى منه الطلاق، فالطلاق ثبتت السنة بأن الثلاث يقع واحدة.
وأما قولا أهل السنة:
فالأول: أن الثلاث تقع ثلاثاً، وتبين به المرأة، وهذا هو الذي عليه جمهور الأمة والأئمة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاً بانت منه، وإذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بانت منه، فتقع الثلاث ثلاثاً سواء بكلمة واحدة، أو بأكثر.
الثاني: وقال به بعض العلماء، وهم قليلون، لكن قولهم حق: إنه يقع واحدة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ودليل ذلك القرآن والسنة، أما القرآن فإن الله ـ تعالى ـ قال: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}} [الطلاق: 1] ، والطلاق الثاني يقع لغير العدة؛ لأن العدة تبدأ من الطلاق الأول، والطلاق الثاني لا يغير العدة، فيكون طلاقاً لغير عدة، فيكون مردوداً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
أما دلالة السنة: فحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي أخرجه مسلم في صحيحه قال: «كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، فلما أكثر الناس ذلك قال عمر رضي الله عنه: أرى الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم[(7)]، وهذا يدل على أن إمضاء الثلاث من اجتهادات عمر، وأنه ـ رضي الله عنه ـ إنما صنع ذلك سياسة، لا أن هذا مقتضى الأدلة؛ لأنه إذا ألزم الناس بالطلاق الثلاث كفّوا عنه؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فهي واحدة، يهون عليه أن يقولها مرة أخرى، لكن إذا علم أنه إذا قالها حيل بينه وبين زوجته فإنه لا يقولها، بل يتريث، فلهذا كان من سياسة عمر رضي الله عنه أن ألزم الناس بمقتضى قولهم.
واختار هذا القول شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وقال: إن شيخ الإسلام ساق على هذا أدلة لا يسوغ لمن تأملها أن يقول بخلافه، وهذا القول هو الصواب.
وقد صرَّح شيخ الإسلام بأنه لا فرق بين أن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وما ذكره ـ رحمه الله ـ هو مقتضى قول الفقهاء في هذه المسألة؛ لأن الذين قالوا: إنه يقع ثلاثاً قالوا: إنه في عهد الرسول كان الواحد منهم يكرر أنت طالق توكيداً، لا تأسيساً؛ لأنهم يرون أن الثلاث حرام، فلا يمكن أن يقولوها، لكن بعد ذلك قلَّ خوف الناس فصاروا يقولونها تأسيساً لا توكيداً، وقولهم هذا يدل على أن الخلاف شامل لقوله: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.

وَإِنْ طَلَّقَ مَنْ دَخَلَ بِهَا فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ فَبِدْعَةٌ .......
قوله: «وإن طلق» يعني الزوج.
قوله: «من دخل بها» لو قال المؤلف: من لزمتها عدة، لكان أعم؛ لأن المرأة تلزمها العدة إذا دخل بها، يعني جامعها أو خلا بها، أو مسَّها بشهوة، أو قبّلها، على حسب ما سبق في باب الصداق.
قوله: «في حيض أو طهر وطئ فيه» أي: إذا طلق من لها عدة بدخول أو خلوة ولم يستبن حملها في حيض أو طهر وطئ فيه.
قوله: «فبدعة» أي: فهو طلاق بدعة، وهل هو محرم أو غير محرم؟ الجواب: محرم، والدليل على تحريمه قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}} [الطلاق: 1] {{فَطَلِّقُوهُنَّ}} فعل أمر و{{لِعِدَّتِهِنَّ}} يحتمل أن تكون اللام للتوقيت، ويحتمل أن تكون للتعليل، ولكن كونها للتوقيت أظهر؛ لأن العدة فرعٌ عن الطلاق وليست سبباً له، كقوله: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}} [الإسراء: 78] مع أن هذه أوضح في كونها للتعليل؛ لأن الوقت في الصلاة وقت وسبب، أما هذه فإنه وقت مجرد، ويؤيد ذلك القراءة الأخرى، لكنها ليست سبعية: ((فطلقوهن في قُبُلِ عدتهن)) [(8)]، أي: في استقبالها، فدل هذا على أن اللام للتوقيت يعني للظرفية.
وقوله تعالى: {{لِعِدَّتِهِنَّ}} أي: المتيقنة، التي تعرف أنها في عدة حمل، أو حيض، وأنها ابتدأت بها من حين الطلاق، وأن عدتها بالحمل أو بالأقراء.
فإذا طلقها أثناء الحيض لم يطلقها للعدة؛ لأن الحيضة التي يقع فيها الطلاق ما تحسب، فحينئذٍ ما تبتدئ العدة بالطلاق في هذه الحال، فما يكون مُطَلِّقاً للعدة.
وإذا طلقها في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها، فإنها لا تدري، هل تكون عدتها بالأقراء أو بالحمل؟ فتبقى متحيرة فلا يكون مطلِّقاً لعدة متيقنة؛ لأنه إذا طلقها في طهر جامعها فيه، فإن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل، وإن كانت حائلاً فعدتها ثلاثة قروء، لكن هل تعلم أو لا تعلم؟ الجواب: إذا كان جامعها بعد الحيض فلا تعلم؛ لأنه ربما أنها حملت بهذا الجماع، بخلاف ما إذا طلقها في طهر لم يجامعها فيه فإنها تتيقن أن عدتها بالأقراء لا بالحمل، وإذا تيقنا أن عدتها بالأقراء فيكون مطلقاً للعدة.
فوجه الدلالة على أن الطلاق يحرم مع الحيض، أو الطهر الذي جامعها فيه الأمر في قوله: {{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}}، والأمر للوجوب لا سيما أنه أعقبه بقوله: {{وَأَحْصَوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}}، وقال: {{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}} كل هذا مما يؤكد أن الأمر للوجوب.
والدليل من السنة أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ طلق زوجته وهي حائض، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فتغيظ، أي: لحقه الغيظ بسبب ما حصل من ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، وقال لعمر:((مُرْهُ فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)) [(8)].
ووجه التحريم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم تغيظ وأمر عمر رضي الله عنه أن يأمر ابنه بمراجعتها.
إذاً إذا أراد أحد أن يطلق فيجب أن نسأله فنقول: هل امرأتك حامل؟ فإن قال: نعم، قلنا: طلق ولا حرج، فإن قال: إنها غير حامل، سألناه: هل هي حائض أو طاهر؟ فإن قال: حائض، نقول: لا تطلق وانتظر حتى تطهر، ولا تأتِها، ثم طلق، وإن قال: طاهر، نسأله هل جامعها أو لم يجامعها؟ فإن قال: إنه جامعها، قلنا: لا تطلق وانتظر حتى يتبين حملها، أو تحيض، وبعد الحيض طلق، وإن قال: إنه لم يجامعها، قلنا: لا بأس أن تطلق، فيجب التفصيل فيه.
فإن قال قائل: لماذا نستفسر؟ ولا نحمل الأمر على الوجه الصحيح الجائز؟ نقول: لأن الناس يجهلون الأحكام فلهذا لا بد من التفصيل، مثل ما لو قال لك قائل: مات شخص عن بنت وأخ وعم شقيق فهنا يجب أن تستفصل عن الأخ، فإذا قال: هو أخ من أم فالباقي بعد فرض البنت للعم، وإن قال: إنه أخ شقيق أو لأب فالباقي بعد فرض البنت للأخ، فالشيء الذي فيه احتمال كبير يستفصل عنه، حتى لا يبقى الإنسان في حرج.
فإذا قال قائل: ما الحكمة في تحريم الطلاق في الحيض؟ قلنا: الحكمة في ذلك أمران:
الأول : أنه جرت العادة أن الإنسان إذا حاضت امرأته ومنع منها، فإنه لا يكون في قلبه المحبة والميل لها، لا سيما إن كانت من النساء التي تكره المباشرة في حال الحيض؛ لأن بعض النساء يأتيها ضيق إذا حاضت فتكره الزوج وتكره قربانه، فإذا طلق في هذه الحال يكون قد طلق عن كراهة، وربما لو كانت طاهراً يستمتع بها لأحبها ولم يطلقها، فلهذا كان من المناسب أن يتركها حتى تطهر.
الثاني : إذا طلقها في هذه الحيضة فإنها لا تحسب، فلا بد من ثلاث حيض كاملة غير الحيضة التي طلق فيها، وحينئذٍ يضرها بتطويل العدة عليها.
وقوله: «فبدعة» يعني أنه مخالف للسنة، وهنا ننبه أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ لا يطلقون البدعة على مثل هذا، فالبدعة تطلق على عبادة لم تشرع، أو على وصف زائد عما جاءت به الشريعة أو في أمور عقدية، هذا هو الذي يطلق عليه البدعة غالباً، وأما في غير ذلك فإنه لا يسمى بدعة، فتجدهم يقولون: هذا حرام، هذا مكروه، أما أن يقولوا: إنه بدعة فهذا نادر، لكن في هذه المسألة وصفوها بالبدعة والسنة، فإذا طلقها في حيض فهو بدعة، وإن شئت فقل: إنه محرم، وهذا أليق في اصطلاح الفقهاء.

يَقَعُ ..................................
قوله: «يقع» يعني أن الطلاق يقع حتى في الحال التي يحرم فيها، والدليل:
أولاً: حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما بلغه الخبر قال: «مره فليراجعها» والمراجعة ما تكون إلا فرعاً عن وقوع الطلاق؛ لأنه لا مراجعة مع غير الطلاق، وحينئذٍ يكون واقعاً.
ثانياً: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «مره فليراجعها» ، ولو كانت الطلقة غير واقعة لقال: إنه لم يقع، وهذا أحسن من أن يقول له: «مره فليراجعها» لأنه إذا لم يقع، سواء راجع أم لم يراجع فالطلاق غير تام، فكونه يلزمه ويقول: راجع، لا داعي له، بل يقول: أخبره بأن طلاقه لم يقع.
ثالثاً : أنه ورد في بعض ألفاظ الحديث في صحيح البخاري: ((أنها حسبت من طلاقها)) [(9)]، وهذا نص صريح في أنه وقع الطلاق؛ ووجه ذلك أنه لو لم يقع ما حسب من الطلاق، فحسبانه من الطلاق دليل على الوقوع.
رابعاً : عموم قوله تعالى: {{اَلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ}} [البقرة: 229] ، ولم يفصِّل الله ـ عزّ وجل ـ هل وقع في حيض، أو في طهر جامعها فيه، أو لا، فأثبت الله ـ تعالى ـ وقوع الطلاق، وأن العدد الذي يمكن أن يراجعها فيه مرتان، فإن طلقها الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره.
وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة، أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله، وعليه جمهور الأمة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقع واستدلوا بالتالي:
أولاً: حديث رواه أبو داود بسند صحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ردها على ابن عمر ولم يرها شيئاً [(10)]، فقالوا: يعني ما اعتبرت شيئاً.
ثانياً : قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(11)]، والطلاق لغير العدة عمل ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فيكون مردوداً، ولو أمضينا ما لم يكن عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم لكنا مضادين لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم في الحكم، فالله يقول: لا تفعل، ونحن نقول: نفعل ونُمضي!!
فأوردوا عليهم أن الظهار منكر من القول وزور، وهو حرام بلا شك، ومع ذلك يمضي وتترتب عليه أحكامه، ويقال للمظاهر: لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به، فالطلاق في الحيض مثله منكر وزور، فتترتب عليه أحكامه، ونقول للرجل: حسبت عليك.
أجابوا على ذلك بأن الظهار لا يقع إلا منكراً، كالزنا تترتب عليه أحكامه مع أنه منكر، بخلاف الطلاق فإنه يكون منكراً ويكون مباحاً، فإذا فعل على وجه الإباحة فقد فعل على أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وإذا فعل على غير وجه الإباحة فقد فعل على غير أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فينطبق عليه الحديث، ويكون له حالان؛ حال موافقة للشرع وحال مخالفة، فإن فعل على الوجه الموافق فهو نافذ، وإن فعل على الوجه المخالف فهو غير نافذ، أما ما لا يوافق الشرع إطلاقاً فإنه يرتب عليه ما رتبه الشرع عليه بمجرد وجوده، فانفكوا عن هذا الإيراد.
ثالثاً : أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر ابن عمر رضي الله عنهما بردها، وإذا قلنا بوقوع الطلاق في الحيض وحسبت عليه طلقة، فإن المراجعة لا ترفع مفسدته، بل تزيد وتكون المراجعة أمراً بتكثير الطلاق؛ لأنه إذا راجعها ولم يكن له رغبة فيها، فأراد أن يطلقها صار عليه طلقتان، فلم ترتفع مفسدة الوقوع في المحرم، بل زادت عليه، والشرع يحب أن ينقص الطلاق لا أن يزيد؛ ولهذا حرم ما زاد على الواحدة.
رابعاً : أن أكثر الروايات الواردة في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ليس فيها أنه لم يطلقها إلا واحدة، بل أكثر الروايات على أنه مُطْلَق؛ فإن كان مُطْلَقاً ولم يقيد بواحدة، فظاهر أنه لم يقع؛ لأنه لو كان واقعاً لاحتاج الأمر بالمراجعة إلى تفصيل حتى يعرف، هل هذه آخر واحدة أو هي التي قبلها؟ لأنه إذا كانت آخر واحدة وقد وقعت فلا تمكن المراجعة.
فإن اعترض معترض على قولنا، فقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مرهُ فليراجعها» ، والمراجعة لا تكون إلا بعد عدة.
فجوابنا على هذا أن نقول: المراجعة اصطلاحاً لا تكون إلا بعد عدة، والمراجعة لغة تكون لهذا المعنى ولغيره، ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى في المرأة تطلق الطلقة الثالثة: {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}} {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}} أي: على الزوج الأول، والزوجة {{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}} أي: يرجع كل واحد منهما إلى الآخر، وهذه ابتداء عقد وليست مراجعة من طلاق، فدل هذا على أن المراجعة في الكتاب والسنة لا تعني فقط المراجعة في الاصطلاح، وهي رد الرجعية إلى النكاح، بل هي أعم من ذلك، فيكون حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ليس المراد به المراجعة الاصطلاحية، بل المراد المراجعة اللغوية، وهي أن ترجع إلى زوجها.
والحاصل: أن هذه المسألة التي فيها هذا الخلاف تحتاج إلى عناية تامة من طالب العلم؛ لأن سبيل الاحتياط فيها متعذر، إن قلت: أنا أريد الاحتياط؟ فأي سبيل تسلك؟ إن قلت: الاحتياط بتنفيذ الطلاق وقعت في حرج؛ لأنك سوف تحلها لرجل آخر لا تحل له، وإن قلت: الاحتياط أن لا أمضيه فهذا مشكل ثانٍ؛ لأنك ستحلُّها لزوجها، وهي حرام عليه، فهذه المسألة من المسائل التي لا يمكن فيها سلوك الاحتياط، فالذي يجب على الإنسان بقدر ما يستطيع أن يحقق فيها، إما هذا القول وإما هذا القول، وليس فيها خيار.
ونظيرها في العبادات اختلاف العلماء متى يدخل وقت العصر؟ فقال بعض العلماء: لا يدخل وقت العصر إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقال الجمهور: يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، ويحرم أن تؤخر الصلاة حتى يصير ظل كل شيء مثليه، فكيف تحتاط؟ إن صليت قبل أن يصير ظل كل شيء مثليه، قال لك أولئك: حرام عليك، وصلاتك ما تصح، وإن صليت عقب ما يصير ظل كل شيء مثليه، قال لك الآخرون: تأخيرك الصلاة إلى هذا الوقت حرام، فأنت في مشكلة، فما ترجح؟ فمثل هذه المسائل جانب الاحتياط فيها يكون متعذراً، فلا يبقى أمام طالب العلم إلا أن يسلك طريقاً واحداً، ويجتهد بقدر ما يستطيع في معرفة الصواب من القولين، ويستخير الله ويمشي عليه، وإذا مشى على هذا برهة من الزمن بناء على أن هذا القول هو الصواب، ثم تبين له أن الصواب في خلافه فلا مانع أن يرجع، بل يجب أن يرجع إذا تبين له الحق.
ثم إذا أفتى بخلاف ما كان يقوله من قبل، فهل تعتبر الفتوى الأخيرة رجوعاً أو لا؟ الجواب: لا تعتبر رجوعاً، ويكون له في المسألة قولان، إلا إذا صرح بالرجوع، أو صرح بحصر قوله في هذا الأخير مثلاً، فإنه يعتبر رجوعاً، فإذا أفتى المجتهد بفتوى ثم أفتى بخلافها أخيراً، نقول: هذه لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يفتي بالأخير ويسكت عن الأول.
الثانية: أن يفتي بالأخير ويصرح بأنه رجع عن الأول.
الثالثة: أن يفتي بالأخير، ويأتي بما يدل على انحصار قوله فيه.
ففي الحال الأولى : يكون له في المسألة قولان، ولا نقول: إنه رجع؛ لأن المجتهد كما هو معلوم يرى في وقت من الأوقات أن الصواب في هذا، ثم ـ مثلاً ـ ترد عليه أدلة ما بانت له من قبل، أو يأتي في المسألة مناقشة، ثم مع المناقشة تحصل أشياء وتتبين فيختلف اجتهاده، ولكن كما قال العلماء: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ولهذا فالإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يكون عنه في كثير من مسائل الفقه روايتان كما يتبين من مراجعة «المقنع» مثلاً.
وفي الحال الثانية : إذا صرح بالرجوع فالأمر واضح، ومثلنا من قبل بمثال للإمام أحمد في مسألة طلاق السكران، أنه كان يقول في الأول بطلاق السكران، ثم قال: تبينته فوجدت أني إذا أوقعته أتيت خصلتين، وإذا لم أوقعه أتيت خصلة واحدة.
أما الحال الثالثة: التي يحصر قوله فيه، فيمكن أن نضرب بذلك مثلاً بحال أبي الحسن الأشعري، فإنه كان في أول أمره على مذهب المعتزلة، ينصره ويدافع عنه وبقي على هذا نحو أربعين سنة، لكن من شاء الله أن يهديه هداه، ثم اتصل بعبد الله بن سعيد بن كَلاَّب، وهو أحسن من المعتزلة بكثير، فأخذ منه وتأثر به، وترك مذهب المعتزلة، ثم إنه أخيراً ذكر في كتابه «الإبانة» وهو آخر ما صنف أن قوله ينحصر في مذهب الإمام أحمد بن حنبل؛ لأنه قال: فإن قال قائل: بماذا تقولون، قال: نقول بقول الإمام أحمد بن حنبل، وهذا معناه أنه رجع عما سبق، لكن ما قال: وأرجع، إلا أنه لما رجع عن مذهب المعتزلة، صرح بالرجوع عنهم، وصار يذمهم ويبين معايبهم رحمه الله.
ونحن أتينا بهذه المسألة؛ لأنها في الحقيقة مفيدة لطالب العلم، وأنه يجب على طالب العلم إذا بان له الحق أن يرجع إليه، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أحياناً يفتي ثم يأتيه الوحي فيرجع عما أفتى به، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولما جاءه رجل وسأله عن الشهادة ماذا تكفّر؟ قال: تكفّر كل شيء، ثم انصرف الرجل، ثم دعاه فقال: «إلا الدَّيْنَ، أخبرني بذلك جبريل آنفاً» [(12)]، كذلك ـ أيضاً ـ عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ روي عنه في مسألة الحِمارية روايتان، رواية أنه منع الإخوة الأشقاء من الاشتراك مع الإخوة من الأم، والثانية شركهم، وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي[(13)]، وكذلك الأئمة كلهم يكون لهم في المسألة رأيان، حتى قال أبو حنيفة لرجل: لا تأخذ بقولي، إني أقول القول اليوم، وأقول غيره غداً، ولكن عليك بالكتاب والسنة.
فالحاصل أننا نقول: مسألة الطلاق في الحيض من أكبر مهمات هذا الباب، ويجب على الإنسان أن يحققها بقدر ما يستطيع، حتى يصل فيها إلى ما يراه صواباً؛ لأن المسألة ما فيها احتياط، بل المسألة خطيرة، فافرض أن هذا الرجل طلق في الحيض امرأة آخر تطليقة فإما أن نحلها له، وإما أن نحرمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره، فعلى كل حال نحن فتحنا لك الأبواب وبإمكانك أن ترجع، ومن أحسن من رأيت كتب في الموضوع ابن القيم ـ رحمه الله ـ في «زاد المعاد» فإذا رجعت إليه يتبين لك إن شاء الله، أما شيخ الإسلام رحمه الله فكلامه غالباً يكون مجملاً، مع أنه في مسائل الطلاق لما ابتلي بها ـ رحمه الله ـ صار يحققها ويكثر من ذكر الأدلة، ولكن ابن القيم يوضح كلام شيخه وأحياناً يخالفه، لكنه ـ رحمه الله ـ تأثر به بلا شك وبآرائه، والغالب حسب علمي مع قصوري أن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ دائماً موفق للصواب، فغالب ما يختار هو الصواب.
وكان الشوكاني ـ رحمه الله ـ يتردد في هذه المسألة، فمرة يقول: كذا، ومرة يقول: كذا، كما أشار إلى هذا في «نيل الأوطار»، فيجب على طالب العلم الذي يريد أن يكون نافعاً لنفسه، ولأمته أن يحقق هذه المسألة تحقيقاً بيناً، ويقرأ كلام أهل العلم فيها، وألا يكون عنده اتجاه إلى قول معين من الأقوال، بل إذا راجع خلاف أهل العلم يكون متجرداً، ويقف بين أقوال أهل العلم موقف الحَكَم، الذي لا يفضل أحداً على أحد؛ لأننا رأينا مشكلة فيمن اعتقد ثم استدل بناءً على اعتقاده، فتجده يميل إلى ما يعتقد، ثم يتمحل في إثبات ما يريد أن يثبته، ويتعسف في رد ما يريد أن يرده، وهذه مشكلة وقلَّ من يَسْلَم منها إلا من شاء الله، حتى إن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ ذكر عن البيهقي الإمام الحافظ المعروف في الحديث، أنه في الأدلة التي يستدل بها يحابي نفسه، وفي أدلة خصومه ما يأتي بها، وإن أتى بها أتى بها على وجه ضعيف، لكنه أحسن من الطحاوي في «شرح معاني الآثار».

وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا، ...................................
قوله: «وتسن رجعتها» يعني إذا طلقها في حيض أو طهر وطئ فيه وقع الطلاق، لكن يسن أن يراجعها؛ من أجل أن يطلقها في طهر لم يجامع فيه، وقد ذكر شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هنا معنى دقيقاً، قال: إنه لو حسبت الطلقة في الحيضة لكان أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بالمراجعة أمراً بتكثير الطلاق؛ لأنه إذا راجعها وحسبنا الطلقة الأولى واحدة، فسيطلق طلقة ثانية فيزيد العدد، والشرع يحب أن ينقص عدد الطلاق لا أن يزيد، ولهذا حرم ما زاد على الواحدة، وهذا معنى لطيف جداً، فكأنه يقول: إذا كان الطلاق الأول واقعاً، فكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم يأمره أن يراجعها؛ ثم يطلق فيزداد عليه عدد الطلاق، والشرع لا يحب من المرء أن يتكرر طلاقه، وعلى القول بأن الطلاق لا يقع هل نقول: تسن رجعتها؟ لا، نقول: هي زوجة لم تنفك عن زوجها حتى نقول: راجعها.

وَلاَ سُنَّةَ وَلاَ بِدْعَةَ لِصَغِيرَةٍ، وَآيِسَةٍ، وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَمَنْ بَانَ حَمْلُهَا،...........................
قوله: «ولا سنة ولا بدعة لصغيرة وآيسة، غير مدخول بها ومن بان حملها» هذه أربع نساء ليس لطلاقهن سنة ولا بدعة، أي: لا يوصف طلاقهن بسنة ولا بدعة، فالصغيرة وهي من لم يأتها الحيض، حتى لو بلغت عشرين سنة لقول الله تبارك وتعالى: {{وَاللاََّّئِي لَمْ يَحِضْنَ}} [الطلاق: 4] وهذا مطلق.
والآيسة هي التي لا ترجو الحيض، يعني انقطع عنها ولا ترجو رجوعه، وسِنُّها على كلام المؤلف الذي مضى في باب الحيض خمسون سنة؛ لأن الحيض بعد الخمسين ليس بشيء؛ لأن هذا هو الغالب المعتاد، والنادر لا حكم له، فنرد عليهم بأن الله يقول: {{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ قُلْ هُوَ أَذىً}} [البقرة: 222] ، فمتى وجد هذا الأذى فهو حيض، أما كون هذا نادراً أو غير نادر فلا يهم، فما دام وجد فإنه يعتبر حيضاً، فالصواب أنها لا تتقيد بسن.
وإذا كانت الآيسة ليس لها سنة ولا بدعة، فمن باب أولى من تيقنت عدم حصول الحيض، مثل أن يُجرى لها عملية في الرحم ويقطع الرحم، فهذه نعلم أنها لم تحض، وعلى هذا فلا سنة ولا بدعة في طلاقها، فيجوز لزوجها أن يطلقها ولو كان قد جامعها؛ لأنها لا حيض لها حتى تعتد به، أما المرأة التي امتنع حيضها لرضاع فإن لها سنة وبدعة؛ لأنها غير آيسة، وكذلك من ارتفع حيضها لمرض فإنها غير آيسة، فلها سنة وبدعة.
وقوله: «وغير مدخول بها» أي: ولا سنة ولا بدعة لغير مدخول بها، لو زاد المؤلف: أو مخلو بها، أو قال بدلاً من هذا: لمن لا عِدة عليها، لكان أولى وأعم؛ يعني لا سنة ولا بدعة لمن لا عدة عليها، وهي التي طلقت قبل الدخول والخلوة والمَسِّ وما أشبه ذلك مما تقدم في الصداق، يعني إذا كانت المرأة لا تلزمها العدة في الطلاق فلا سنة ولا بدعة في طلاقها؛ لأن الله تعالى يقول: {{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}} [الطلاق: 1] ، وهذه لا عدة لها، فإذا لم يكن لها عدة فطلقها متى شئت، فلو أن رجلاً تزوج امرأة وعقد عليها ولم يدخل بها، وبعد مضي شهر طلقها وهي حائض، فالطلاق ليس بحرام بل هو جائز ولا شيء عليه؛ لأن هذه المرأة لا عدة لها، والله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}}.
وقوله: «ومن بان حملها» أيضاً فإن طلاقها ليس فيه سنة ولا بدعة؛ لأن الإنسان إذا طلقها فقد طلقها لعدتها؛ لأن عدتها وضع الحمل حتى ولو كانت تحيض؛ لأن بعض النساء يستمر الحيض معها على طبيعته فيعتبر هذا حيضاً، كما تقدم لنا أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن إذا انقطع عنها الدم وصار فيها الحمل، ثم جاءها دم فهذا الدم ليس بحيض؛ لأنه ليس الدم العادي الطبيعي.
فإذا طلق الإنسان امرأته وهي حامل فلا نقول: طلاقه هذا سنة، ولا نقول: إنه بدعة؛ لأنه قد طلق للعدة، إذ إن عدتها من حين ما يطلقها تبتدئ بها، ومن ثم قال بعض أهل العلم: إنَّ النفساء يجوز طلاقها؛ لقوله تعالى: {{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}}، ومطلِّق النفساء قد طلقها للعدة؛ لأن النفساء من يوم تُطلق تبدأ بالعدة ثلاث حيض، ولا فرق بين أن يطلقها والدم عليها في النفاس، أو بعده؛ لأنها تشرع بالعدة من حين أن يطلقها؛ لأن النفاس لا يعتبر في العدة.
ولما لم يكن معتبراً في العدة صار المطلِّق فيه مُطلقاً للعدة، بخلاف الذي يطلق في الحيض فإن نصف الحيضة الباقي مثلاً ليس من العدة في الواقع؛ لأنها إنما تعتد بثلاث حيض، والآن نقول: إنها تعتد بثلاث حيض ونصف، وهذا لا يستقيم.
وأكثر أهل العلم يقولون: لا يجوز طلاق النفساء لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم:((مره فليراجعها ثم يطلقها طاهراً أو حاملاً)) [(14)]، والنفساء ليست بطاهر.
وأجاب الذين يقولون بجواز طلاق النفساء عن ذلك بأنه يخاطب ابن عمر رضي الله عنهما، وابن عمر إنما طلقها وهي حائض، فمعنى ((فليطلقها طاهراً)) أي: من حيضها، فإن قيل: أليست العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟
نقول: العبرة بعموم اللفظ، بمعنى أنه لا يختص بابن عمر نفسه، لكنه يعم من كان مثله، مثل ما مر علينا في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((ليس من البر الصيام في السفر)) [(15)]، فهذا عام لكنه يعم من كان في مثل حال ذلك الرجل، الذي كان متكلفاً، أما غيره فقد يكون من البر الصيام في سفره، فالعموم من حيث المعنى دون الشخص، وليس المراد عموم الأحوال، فلا نقصر الحكم على ابن عمر رضي الله عنهما، ولكن نقول: هو عام في كل من شابه حال ابن عمر، وأما من خالفها فلا.
إذاً أربع من النساء لا يوصف طلاقهن بسنة ولا ببدعة، لا في زمن ولا في عدد على المذهب، والصواب أنه في العدد بدعة.
فعلى المذهب يجوز أن يطلق الإنسان زوجته ثلاثاً وهي حامل، ولا حرج عليه، وعندهم ـ أيضاً ـ أن الآيسة والصغيرة لو طلقهما ثلاثاً فهو جائز، وكذلك غير المدخول بها؛ لأنه لا بدعة عندهم في العدد في هؤلاء.
ولكن هذا القول ضعيف؛ لأننا نقول: إنما انتفت السنة والبدعة باعتبار الزمن لِمَا ذكر من التعليلات والأدلة، لكن في العدد فما الذي يبيح له أن يطلقها ثلاثاً؟! هل هناك مسوغ؟! لا مسوغ إذ لا فرق بين الحامل والحائل في أن الإنسان إذا طلق ثلاثاً سد على نفسه باب المراجعة، وضيق على نفسه؛ ولهذا فالصواب بلا شك أن البدعة العددية في طلاق هؤلاء الأربعة ثابتة.
قال في الروض[(16)]: «إذا قال لإحداهن: أنت طالق للسنة طلقة، وللبدعة طلقة، وقعتا في الحال، إلا أن يريد في غير الآيسة إذا صارت من أهل ذلك، وإن قاله لمن لها سنة وبدعة فواحدة في الحال، والأخرى في ضد حالها إذاً» إذا قال: أنت طالق للسنة طلقة وللبدعة طلقة تطلق في الحال طلقتين؛ والسبب أنه ليس لها سنة ولا بدعة فكأنه قال: أنت طالق أنت طالق.
حتى ولو أراد التوكيد؛ لأنه في هذه الحال لا يصح، فالتوكيد إنما يكون في الجملتين المتطابقتين، أما هنا فالجملتان مختلفتان: الأولى طالق للسنة، والثانية طالق للبدعة، فلا يصح التوكيد خلافاً لمن قال: إلا إذا أراد التوكيد.
وإذا قال لمن لها سنة وبدعة: أنت طالق للسنة وهي حائض فإنها لا تطلق؛ لأن الطلاق الآن بدعة، فتنتظر حتى تطهر وحينئذٍ يقع عليها الطلاق.
وإذا قال: أنت طالق للسنة وللبدعة، تقع واحدة في الحال، على كل حال؛ لأنها إما على سنة وإما على بدعة، والثانية تقع إذا كانت على ضد هذه الحال؛ فإن كانت على السنة يتأجل طلاق البدعة، وإن كانت على البدعة يتأجل طلاق السنة.
فتبين أنه إذا قال: أنت طالق للسنة فإنها تقع في الحال إن كانت طاهراً لم يجامعها فيه، وإن كانت حائضاً أو في طهر جامعها فيه انتظرت إلى أن تكون على وصف السنة، وهذا في غير هؤلاء الأربع، أما في هؤلاء الأربع فكما سبق.
والخلاصة: أنه على المذهب يجوز أن يطلق هؤلاء النساء بدون انتظار، فالتي لم يدخل بها يطلقها ولو كانت حائضاً؛ لأنه لا عدة عليها.
والصغيرة والآيسة يطلقهما في الحال ولو كان قد أصابهما، والدليل قوله تعالى: {{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}}، وعدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر تبدأ من الطلاق، فيكون قد طلقهما للعدة، والحامل الدليل على وقوع طلاقها وأنها ليس لها لا سنة ولا بدعة قوله تعالى: {{وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}} [الطلاق: 4] فمن حين يطلقها تبتدئ في العدة.


[1] أخرجه البخاري في الطلاق/ باب {{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}} في العدة، وكيف يراجع... (5332)، ومسلم في الطلاق/ باب تحريم طلاق الحائض... (1471) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[2] أخرجه النسائي في الطلاق/ باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ (6/142) عن محمود بن لبيد رضي الله عنه، وصححه الألباني كما في غاية المرام (164).
[3] سبق تخريجه ص(20).
[4] أخرجه مسلم بلفظ: «وأما أنت فقد طلقتها ثلاثاً فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك»، كتاب الطلاق/ باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها/ (1471).
[5] سبق تخريجه ص(38).
[6] سبق تخريجه ص(13).
[7] سبق تخريجه ص(20).
[8] أخرجه مسلم في الطلاق/ باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها... (1471) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقرأ بها ابن عباس ومجاهد، انظر: تفسير الطبري (28/129).
[9] سبق تخريجه ص(37).
[10] أخرجه البخاري في الطلاق/ باب إذا طلقت الحائض... (5253)، ومسلم في الطلاق/ باب تحريم طلاق الحائض... (1471) (4) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[11] أخرجها أحمد (2/81)، وأبو داود في الطلاق/ باب في طلاق السنة (2185) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[12] سبق تخريجه ص(13).
[13] أخرجه مسلم في الجهاد/ باب من قتل في سبيل الله... (1885) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
[14] أخرجه الحاكم في المستدرك (4/374)، وعن البيهقي في السنن الكبرى (6/256)، والحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وانظر: الإرواء (6/133).
[15] أخرجه مسلم في الطلاق/ باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها... (1471) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[16] أخرجه البخاري في الصوم/ باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم... (1946)، ومسلم في الصيام/ باب جواز الصوم والفطر... (1115) عن جابر رضي الله عنه.
[17] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (6/498).


التوقيع :

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
السنة, طلاق

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir