1. اذكر الموضوعات الرئيسة في سورة النبأ، ثم اذكر ثلاث فوائد سلوكية استفدتها من تدبّرك لهذه السورة.
جواب: اشتملت هذه السورة على بيان قدرة الله وعظمته ونعمه على عباده، واشتملت أيضا على بيان ما يقع في يوم القيامة، وبيان أحوال أصحاب النار، وما أعد لأصحاب الجنة. يعني تشتمل على الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد.
وعند التدبر ظهرت لي عدة فوائد:
الأولى: الحث على التفكر في خلق الله ونعمه، والذم على ترك التفكر بدليل أن السؤال في قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض مهادا} يتضمن هذا وهذا ما يدل على بلاغة القرآن، فإن كل من يسمعه يأخذ حظه، وبالإيمان أو الكفر بما في القرآن يختلف الناس: فمنهم من يكون مؤمنا، ومنهم من يكون كافرا.
الثانية: مجيء اسمه "الرحمن" بعد قوله {رب السماوات والأرض وما بينهما} فيه إشارة على أن رحمته سبحانه وسعت كل شيء، وهذا يزيد الإنسان نشاطا في العبادة والتوبة ورجاءً.
الثالثة: كل إنسان سيجازى وفق عمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ولهذا قال الله تعالى بعد ما ذكر أحوال أصحاب النار {جزاء وفاقا}؛ وقال بعد ما ذكر أحوال أصحاب الجنة {جزاء من ربك عطاء حسابا}.
المجموعة الرابعة:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26)}.
يخبر الله تعالى أن جهنم تكون ذات رصد للناس عامة -حيث "أنّه لا يدخل أحدٌ الجنّة حتّى يجتاز بالنّار، فإن كان معه جوازٌ نجا، وإلاّ احتبس" على ما قاله الحسن وقتادة كما ذكره عنهما ابن كثير- ومرجعا ومصيرا للطاغين الذين عصوا الله ورسله والذين يمكثون بها أحقابا "وهو ما لا انقطاع له، وكلّما مضى حقبٌ جاء حقبٌ بعده، وذكر لنا أنّ الحقب ثمانون سنةً" ذكره ابن كثير عن قتادة. وهم لا يذوقون فيها ما يبردهم إلا الحميم الذي يشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم؛ ولا يشربون فيها إلا الغساق الذي هو صديد أهل النار. وكل هذا في مقابلة أعمالهم، إذ الجزاء من جنس العمل.
2: حرّر القول في: المراد بالمعصرات في قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجّاجا}.
جواب: جاء في المراد بالمعصرات ثلاثة أقوال:
الأول: المعصرات: الرّيح، ومعنى هذا القول: أنّها تستدرّ المطر من السّحاب. قاله ابن كثير وذكر أن هذا القول رواه العوفيّ عن ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وأنزلنا من المعصرات} قال: الرّياح، ونسب ابن كثير هذا القول إلى عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبيّ وزيد بن أسلم وابنه عبد الرّحمن.
الثاني: أنها السحاب، ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر. وذكر ابن كثير أن هذا مروي عن ابن عباس وذكر أيضا أنه قول عكرمة وأبي العالية والضّحّاك والحسن والرّبيع بن أنسٍ والثّوريّ، ونقل عن الفراء قوله: "هي السّحاب التي تتحلّب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال: مرأةٌ معصرٌ إذا دنا حيضها ولم تحض". وذكر نحوه الأشقر قائلا: "هِيَ السَّحابُ الَّتِي تَنْعَصِرُ بالماءِ وَلَمْ تُمْطِرْ بَعْدُ". ورجح ابن كثير هذا القول حيث قال: "والأظهر أنّ المراد بالمعصرات السّحاب كما قال تعالى: {اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحاباً فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله}. أي: من بينه"، ووافق بهذا ابن جرير.
الثالث: أنها السّماوات، ذكره ابن كثير وعقبه بقوله: "وهذا قولٌ غريبٌ".
3. بيّن ما يلي:
أ: معنى الاختلاف في قوله تعالى: {الذي هم فيه مختلفون}.
جواب: يحتمل أن معنى الاختلاف هنا اختلاف مؤمن وكافر، يعني أن الناس تفرقوا فرقتين: فمنهم من صدّق ومنهم من كذّب؛ ويحتمل أن يعنى به اختلاف الكافرين في القرآن حيث جعله بعضهم سحرا، وبعضهم شعرا، وبعضهم كهانة، وبعضهم قال: هو أساطير الأولين.
ب: الدليل على كتابة الأعمال.
جواب: في قوله تعالى: {وكلّ شيءٍ أحصيناه كتاباً} دليل على كتابة الأعمال، وذلك لأن {كتابا} مصدر معنوي نصب على أنه مفعول مطلق، فكأنه قيل: "وكُلَّ شَيْءٍ كَتَبْنَاهُ كِتَاباً".
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي: وقد علمنا أعمال العباد كلّهم وكتبناها عليهم، وسنجزيهم على ذلك إن خيراً فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ". وأورد السعدي قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} مستدلا على معنى الكتابة.
وقالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً}: كَتَبْنَاهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؛ لِتَعْرِفَهُ الْمَلائِكَةُ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَا كَتَبَهُ الْحَفَظَةُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ) مشيرا على احتمال موضع الكتابة احتمالين.