قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (ت: 311هـ): (
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف (رحمه الله):
الحمد الله العلي العظيم؛ السميع البصير؛ الحكيم الكريم اللطيف الخبير ذي النعم السوابغ؛ والفضل الواسع؛ والحجج البوالغ؛ (تعالى) ربنا عن صفات المحدودين؛ وتقدس عن شبه المخلوقين؛ وتنزه عن مقالة المعطلين؛ علا ربنا فكان فوق سبع سمواته عاليا؛ ثم على عرشه استوى؛ يعلم السر وأخفى؛ ويسمع الكلام والنجوى؛ لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؛ ولا في لجج البحار؛ ولا في الهواء.
والحمد لله الذي أنزل القرآن بعلمه؛ وأنشأ خلق الإنسان من تراب بيده؛ ثم كونه بكلمته واصطفى رسوله إبراهيم عليه السلام بخلته؛ ونادى كليمه موسى –صلوات الله عليه فقربه نجياً؛ وكلمه تكليماً؛ وأمر نبيه نوحاً عليه السلام بصنعة الفك على عينه؛ وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا
[التوحيد: 1/7]
بعلمه؛ كما أعلمنا أن كل شيء هالك إلا وجهه؛ وحذر عباده نفسه التي لا تشبه أنفس المخلوقين.
(أحمده) على ما منّ عليّ من الإيمان بجميع صفات ربي (عز وجل) التي وصف بها نفسه في الحكم تنزيله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حمد شاكر لنعمائه التي لا يحصها أحد سواه.
(وأشكره) شكراً مصدقاً بحسن آلاءه، التي لا يقف على كثرتها غيره (جل وعلا) وأؤمن به إيمان معترف بوحدانيته راغب في جزيل ثوابه وعظيم ذخره بفضل كرمه وجوده، راهب وجل خائف من أليم عقابه من كثرة ذنوبه وخطاياه وحوباته.
(وأشهد) أن لا إله إلا الله؛ إلها واحداً فرداً صمداً قاهراً رؤوفاً رحيماً؛ لم يتخذ صاحبة ولا ولداً؛ ولا شريكاً له في ملكه؛ العدل في قضائه؛ الحكيم في فعاله؛ القائم بين خلقه بالقسط؛ الممتنّ على المؤمنين بفضله؛ بذل لهم الإحسان؛ وزين في قلوبهم الإيمان؛ وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان؛ وأنزل على نبيه الفرقان؛ علم القرآن؛ فتمت نعماء ربنا (جل وعلا) وعظمت آلاؤه على المطيعين له؛ فربنا (جل ثناؤه) المعبود موجوداً والمحمود ممجداً.
(وأشهد) أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله المصطفى ونبيه المرتضى اختاره الله لرسالته؛ ومستودع أمانته؛ فجعله خاتم النبيين؛ وخير خلق رب العالمين؛ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الذين كله ولو كره المشركون.
بعثه بالكتاب المسطور؛ في اللوح المحفوظ؛ فبلغ عن الله (عز وجل) حقائق الرسالة؛ وأنقذ به أمته من الردى والضلالة؛ قام بأمر الله (تعالى) بما استرعاه ربه من حقه واستحفظه من تنزيله؛ حتى قبضه الله إلى كرامته ومنزلة أهل ولايته؛
[التوحيد: 1/8]
الذين رضي أعمالهم حميداً، رضياً سعيداً، كما سبق له من السعادة في اللوح المحفوظ، والإمام المبين، قبل أن ينشئ الله نسمته؛ فعليه صلوات الله وسلامه حياً محموداً؛ وميتاً مفقوداً؛ وأفضل صلاة وأنماها؛ وأزكاها وأطيبها؛ وأبقى الله في العالمين محبته؛ وفي المقربين مودته، وجعل في أعلى عليين درجته؛ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين.
[التوحيد: 1/9]