شرح دروس البلاغة لفضيلة الشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
وقد تخرج صيغ الأمر عن معناها الأصلي إلى معان أخر تفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال , فيمكن أن تأتي صيغة الأمر للدلالة على معنى آخر، والأصوليون وأهل البلاغة يوصلنا ذلك إلى ثلاث وثلاثين صارفاً ،وهي التي تسمى بالصوارف الأمر عن معناه ,صوارف الأمر عن معناه ثلاث وثلاثون عند أهل الأصول , وهو هنا ذكر بعضها فقط.
والصارف الأو هو الدعاء , كقول الله تعالى: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} فأوزعني هنا صورة الأمر , لكنها ليست للأمر بل هي للدعاء , قد ذكرنا أن الدعاء يأتي في مقابل الأمر وفي مقابل النهي , في مقابل النهي العام , وكذلك الالتماس وهو طلب المساوي من مساويه , كقولك لمن يساويك: أعطني هذا الكتاب , أعطني هذا القلم , فهذا كذلك ليس أمرا وإنما هو التماس.
والثالث: التمني كقول امرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ....... بصبح وما الإصباح منك بأمثلِ
انجلِ: لا يأمره؛لأنه هو لايستطيع التصرففي الليل ,لكنه يتمنى عليه أن يفعل ذلك , مجرد تمني , فقال انجل بصيغة الأمر والمقصود به التمني , معناه يا ليتك تنجلي.
والرابع: التهديد: وهو منه قول الله تعالى: {اعملوا ما شئتم} , {اعملوا ما شئتم} هذا تهديد لهم , معناه:فستجازون على عملكم.
والخامس: التعجيز: كقوله تعالى: {قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم} , {قل كونوا حجارة أو حديدا}, هذا ليس تكوينا ولا أمرا , لكن المقصود به التعجيز , أنهم لا يستطيعون ذلك , {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} كل هذه الأوامر لا يقصد بها الأمر , وإنما يقصد بها التعجيز , لا يستطيع ذلك , كذلك قول المهلهل:
يالبكر أنشري لي قلوباً ....... يالبكر أين أين الفرار
يخاطب بني بكر بن وائل فيقول: يالبكر أنشري لي قلوباً أي: ابعثوهم بعد أن قتلوهم , يالبكر أين أين الفرار , أنشري لي قلوباً , أنهم لا يستطيعون ذلك ولكن هذا تعجيز لهم.
والسادس: التسوية , ومنه قول الله تعالى: {اصبروا أو لا تصبروا} معناه : سواء أصبرتم أو لم تصبروا فقضاء الله نافذ وحكمه ماض.
ومنها كذلك التكوين كقوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} , هذا ليس أمرا إنما هو تكوين , ومنه قوله تعالى:{إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} أي :تكوينه .
وكذلك الإهانة: كقوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} ذق هنا لا يقصد بها الأمر , وإنما يقصد بها الإهانة وهكذا.