(6) السبيل إلى التمكّن في التفسير البياني:
من يريد دراسة التفسير البياني والتمكنَ فيه يحتاج إلى ثلاثة أمور مهمة:
الأمر الأول: التأسيس العلمي في جملة من العلوم من أهمها: النحو، والصرف، والاشتقاق، ومعاني المفردات، والبلاغة بفروعها الثلاثة البيان والمعاني والبديع.
وأن يأخذ بحظّ من المعرفة بالقراءات وتوجيهها والوقف والابتداء.
فهذه العلوم لا غنى لطالب التفسير البياني عنها، وتقصيره في أحدها له أثره في ضعفه في التفسير البياني وإدراك جماليات الخطاب القرآني.
وتحصيل ما يصل به طالب العلم إلى مرحلة المتوسّطين في هذه العلوم ليس بالأمر الشاق على الطالب المجتهد إذا أتاه من بابه، وسلك سبيله؛ فإنه يكفيه أن يدرس مختصرات في هذه العلوم بإشراف علمي، ثم يقرأ في كتب مختارة منها ويعتني بالأمثلة التطبيقية على مسائل التفسير البياني.
فإذا فعل ذلك واجتهد في إتقان ما يدرس وكانت له ملَكة تساعده تيسّر له سلوك سبيل التمكن في التفسير البياني بإذن الله.
مع العناية بأخذ نصيب وافر من دراسة أصول التفسير والعقيدة حتى لا يخرج به نظره في التفسير البياني إلى أقوال مخالفة لأصول التفسير أو لمنهج أهل السنة في التفسير.
وهذه العلوم هي بمثابة التأسيس للنظر في التفسير البياني.
الأمر الثاني: القراءة في أمثلة التفسير البياني مما كتبه العلماء من الرسائل المفردة في التفسير البياني، وفي كتب التفسير التي يعتني أصحابها بالتفسير البياني، وما يتيسر له من ذلك في كتب الأنواع التي تقدّم ذكره.
وليحرص في قراءته على استكشاف جوانب الإجادة والإحسان في تلك المسائل؛ ومحاولة تطبيق أمثلة ما يقرأ على نظائره؛ فالقراءة المنظّمة الواعية تثري صاحبها بمخزون علمي حسن يعينه على تحصيل أدوات التفسير البياني وتحسين ملكة التفسير؛ ليجد في نفسه بعد مدّة من القراءة المنظمة استعداداً لمحاكاة أقوال المفسرين في التفسير البياني.
الأمر الثالث: دراسة أصول التفسير البياني واستعمالُ أدواته تحت إشراف علمي، دراسة يُعنى فيها بالأمثلة التطبيقية.
والاستكثار من هذه الأمثلة التطبيقية يسهّل كثيراً على الدارس معرفة طرق تحرير مسائل التفسير البياني، ومسالك العلماء فيها، وتعينه على تطبيق نظير ما درس من المسائل على ما لم يدرس.
والتأصيل العلمي في أيّ علم من العلوم يختصر على طالب العلم كثيراً من الجهد والوقت، فلو فرضنا أن باباً من أبواب التفسير البياني أمثلته في القرآن الكريم نحو مائتي مثال أو أكثر، ودرس الطالب هذا الباب دراسة تأصيلية وأدّى تطبيقاتها على نحو عشرة أمثلة تحت إشراف علمي؛ فإن بقية المسائل تكون واضحة له بإذن الله تعالى دون عناء.
فإذا أضاف إلى هذا الباب نحو عشرين باباً بأمثلتها وتطبيقاتها؛ فإنّه سيكتسب معرفة جيدة وتأصيلاً نافعاً جداً في التفسير البياني بإذن الله تعالى.
وهذه الدروس هي مقصود هذه الدورة التي أسأل الله تعالى أن ينفع بها ويبارك فيها، وأن يتقبل من معدّها ودارسيها، وأن يوفقنا جميعاً للعلم النافع والعلم الصالح إنه هو السميع العليم.