تمهيد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن من المعارف المهمّة لطالب علم التفسير أن يعرف كيف نشأ تدوين التفسير، وكيف توالت الكتب المؤلفة فيه حتى وصلت إلى ما يتعسّر تقصّيه من الكتب الكثيرة جداً، ومنها كتب ذات أجزاء عدة.
وهذه المعرفة تكسب طالب العلم البصيرةَ بما بُنيت عليه كثير من التفاسير المتأخرة، وطرق المفسّرين في تدوينها وتصنيفها؛ وأغراضهم من تأليفها.
وذلك أنّ الغالبَ على علماء أهل كلّ قرن أن يقصدوا إلى تأليف ما يفي باحتياج طلاب العلم في عصرهم، بما يناسب المصادر التي وقفوا عليها، ولا سيما المشتهرة في زمانهم.
ولذلك فإنّ أغراض التأليف تتنامَى بتنامِي احتياج طلاب العلم إلى الجمع والتصنيف، والشرح والتحرير، والتقريب والتيسير.
وإذا تتبعنا المصادر التي بُنيت عليها تلك التفاسير وجدناها تنتهي إلى صحف كثيرة متفرقة كُتبت في القرون الفاضلة ثمّ زيدَ عليها بعد ذلك بأنواع من الزيادات.
ومن المعلوم أن تدوين أيّ علم من العلوم إنما كان غرضه في الأصل ضبطه وحفظه من الضياع، لكن تنشأ بسبب الكتابة الأولية أغراض أخرى، وذلك لاختلاف مناهج الكتابة، وتفاوت الضبط؛ وتناقل الصحف والكتب بأيدي الرواة، فتعرض حاجات مثل ضبط الرواية، وتصحيح المرويّ، وإيضاح بعض الجمل والمفردات، وشرح الغريب، والتعقيب على خطأ متحقق أو متوهّم، وإضافة فائدة، وبيان علّة، وجمع لصحف وكتب متفرقة، وغير ذلك من أوجه الاحتياج العلمي التي تستدعيها حاجة طلاب العلم في كلّ زمان.
وهذه الاحتياجات المتنوّعة نشأ بسبب الرغبة في تلبيتها أنواع كثيرة من الكتب والمؤلفات، واختلفت المناهج فيها اختلافاً كثيراً، فتعددت أغراض التأليف وازدادت، حتى ألّف في كلّ علم كتب كثيرة جداً.
فكان من أوجه الاحتياج العلمي لأهل كلّ علم تعرّف نشأة التأليف فيه، وكيف كان بدء تدوينه، وأنواع المؤلفات فيه ومراتبها.
ومن ذلك ما عقدت له هذه الدورة، وهو التعريف بنشأة تدوين علم التفسير، وذكر ما تيسّرت معرفته من التفاسير التي كُتبت في القرون الفاضلة، وبيان أحوالها، ومراتبها، وشيء مما تحسن معرفته عنها.