دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > جمال القراء وكمال الإقراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:32 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الكتاب العاشر: علم الاهتداء في معرفة الوقف والابتداء


بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب العاشر
علم الاهتداء
في
معرفة الوقف والابتداء

حدثني الإمام أبو الفضل محمد بن يوسف الغزنوي رحمه الله، حدثني أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم، حدثني أبو عامر الأزدي وأبو نصر الترياقي وأبو بكر الفورجي، قالوا: حدثنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي، ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن أبي عيسى الترمذي، حدثنا علي بن حجر، ثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته، يقرأ: {الحمد لله رب العالمين} ثم يقف {الرحمن الرحيم} ثم يقف".
وحدثني أبو المظفر الجوهري، حدثني أبو الفضل بن ناصر، حدثني أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري، حدثني علي بن الحسين بن ميمون بن محمد بن عبد الغفار، حدثني أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه عن أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، أخبرنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك أنه "سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته فقالت: ما لكم وصلاته، ثم نعتت قراءة مفسرة حرفا حرفا".
ومعنى قوله: (مفسرة حرفا حرفا) ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآية.
[2/548]
وحدثني الغزنوي رحمه الله بالإسناد المتقدم، قال أبو عيسى: ثنا أحمد بن منيع، ثنا الحسن بن موسى، قال: ثنا شيبان عن عاصم عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: (لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال: ((يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط. قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)).
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر، وحذيفة بن اليمان، وأبي هريرة، وأم أيوب – وهي امرأة أبي أيوب الأنصاري، وسمرة، وابن عباس، وأبي جهم بن الحارث ابن الصمة. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه.
وإنما ذكرت هذا الحديث في هذا الموضع لأني رويته عن شيخي أبي القاسم رحمه الله بزيادة تليق بهذا المكان، حدثني شيخنا أبو القاسم الشاطبي رحمه الله، ثنا أبو الحسن بن هذيل، ثنا أبو داود سليمان بن نجاح، ثنا أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني رحمه الله، ثنا فارس بن أحمد المقرئ، ثنا أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد قالا: ثنا علي بن الحسين قال: ثنا يوسف بن موسى، ثنا هشام بن عبد الملك، حدثنا همام، ثنا قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد الخزاعي عن أبي بن كعب قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الملك كان معي فقال: اقرأ القرآن، فعد حتى بلغ سبعة أحرف. فقال: ليس منها إلا شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة وتختم رحمة بعذاب)).
[2/549]
وقال أبو عمرو: حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ، ثنا أحمد بن محمد وعبيد الله بن محمد قالا، ثنا علي بن الحسين القاضي قال: ثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، وسمعته منه قال: أخبرنا علي بن زيد بن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه " أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين. قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف كل كاف شاف ما لم تختم آية عذاب بآية رحمة أو آية رحمة بآية عذاب".
وقال أبو عمرو أيضا: حدثنا خلف بن أحمد القاضي، ثنا زياد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن يحيى بن حميد، ثنا محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال: "ما لم تختم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة".
قال أبو عمرو الداني رحمه الله عقيب هذا الحديث: فهذا تعليم التمام من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهره دال على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب وتفصل مما بعدها إذا كان بعدها ذكر الجنة والثواب، وكذلك يلزم أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة والثواب وتفصل مما بعدها أيضا إن كان بعدها ذكر النار والعقاب.
وليس الأمر كما ذكر أبو عمرو، بل الحديث يدل على أن القارئ يقف حيث شاء لقوله " كل كاف شاف" ولم يرد بالفصل وترك الوصل أن الكلام قد تم، وإنما أراد أن القارئ إذا وصل غير المعنى وقلبه، لأنه إذا قال: {تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين} غير المعنى، وصير الجنة عقبى الكافرين، ألا ترى أنه لو قرأ {يغفر لمن يشاء ويعذب} لم يكن في ذلك شيء وإن كان قد وصل المغفرة
[2/550]
بالعذاب، وإنما الممنوع تغيير المعنى بسبب الوصل، ويدخل في هذا نحو قوله عز وجل: {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا} إذ في وصله ما يوهم أنهم قالوا: إن العزة لله جميعا، وأن قولهم ذلك قد أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل أحد يعلم المراد، فيقع اللبس على من لا علم له، لا سيما غير العرب، فيوقف على قوله عز وجل: {ولا يحزنك قولهم} ويبتدأ {إن العزة لله جميعا}.
وليس كل التمام على هذه الصفة فيكون هذا تعليم للتمام، إنما هذا تعليم للمعنى، ولهذا الحديث أجاز حمزة رحمه الله الوقف حيث ينقطع النفس إلا نحو قوله عز وجل: {وقالوا اتخذ الله ولدا} لا يقف على {قالوا}، وكذلك لا يقف على {اليهود} في قوله عز وجل: {وقالت اليهود عزير ابن الله} ولا على {اليهود} في قوله عز وجل: {وقالت اليهود يد الله...} ولا على {النصارى} في قوله عز وجل: {وقالت النصارى المسيح ابن الله}.
وحدثني شيخنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي رحمه الله، وقرأه علي وسمعته من لفظه وقال لي: نقلته من كلام أبي الكرم المبارك بن فاخر النحوي البغدادي ومن خطه، وكتب به إلى شيخنا أبي محمد رحمه الله قال: الجملة التأليفية المركبة على الاستقلال المتساند بعضها إلى بعض من غير إخلال،
[2/551]
إذا تعولم إجراءها في محالها ومواضعها، وتعورف أركازها في مراكزها وأماكنها بكثرة الدور والكرور والطروق والمرور أهاب كل منها بما يليه فأجابه بما يقتضيه قبله أو بعده على حسب ما يقتضيه قصده، فاقتضى الموقوف عليه ما بدئ به بعده، والمبدوء به ما وقف عليه قبله اقتضاء اللاجئ من يلجأ إليه، والمحيل من يحيل عليه، فإذا ضرب المتكلم عن أيهما كان صفحا، وأضرب وذهب عن ذكره ونكب، قام ببيانه ما منه في النفس، وشهد بمكانه ما أدركه الحس، فكان في حكم المذكور وإن كان مطويا غير منشور، فاستوى فيه الناقص والتام والموفى النظام والنيف عن التمام، فجاز أن يوقف على كل منهن كما يبدأ به، ويبدأ به كما يوقف عليه، إلا أن الأحسن أن يوقف على الأتم وما يقدر به وما أناف عليه، ثم الأحسن، وأن لا يوقف على الناقص ولا ما يقدر به، ولا القبيح إلا على استكراه أو ضرورة، فإذا فرض ذلك في التنزيل – جل المتكلم به – اختلف الناس فيه، فذهب الجمهور إلى تقدير الوقف على ثمانية أضرب: تام، وشبيه به، وناقص، وشبيه به، وحسن، وشبيه به، وقبيح، وشبيه به. وصنفوا في ذلك كتبا مدونة، وذكروا فيها أصولا مجملة، وفروشا في الآي مفصلة، فمنها ما آثروه عن أئمة كل عصر، ومنها ما آثروه عن أئمة العربية من النحويين من كل مصر، ومنها ما استنبطوه على وفاق الأثر أو خلافه، ومنها ما اقتدوا فيه بالأثر فقط، كالوقف على أواخر الآي، وهو وقف النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة رحمهما الله إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام أو الناقص أو الحسن أو القبيح، وتسميته بذلك – بدعة، ومسميه بذلك ومتعمد الوقف على نحوه مبتدع، قال: لأن القرآن معجز، وهو كالقطعة الواحدة، وكله قرآن وبعضه قرآن، وكله تام حسن وبعضه تام حسن.
حدثنا بذلك شيخنا أبو القاسم بن برهان، قال شيخنا أبو اليمن رحمه الله نقلت هذا الفصل من تعليقة بخطه – يعني أبا الكرم المبارك بن فاخر.
[2/552]
وليس الأمر كما ذكر أبو يوسف؛ فإن الكلمة الواحدة ليست من الإعجاز في شيء، وإنما المعجز الرصف العجيب، والنظم الغريب، وليس ذلك لبعض الكلمات. وقوله: إن بعضه تام حسن كما أن كله تام حسن – يقال له: لو قال قارئ: (إذا جاء) ووقف، أهذا تام وقرآن؟ فإن قال نعم، قيل: فما يحتمل أن يكون القائل أراد: إذا جاء الشتاء، وكذلك كل ما يفرده من كلمات القرآن موجود في كلام البشر، فإذا اجتمع وانتظم انحاز عن غيره وامتاز وظهر ما فيه من الإعجاز.
ففي معرفة الوقف والابتداء الذي دونه العلماء تبيين معاني القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده، فإن كان هذا بدعة فنعمت البدعة هذه.
وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث، فيقولون "الحمد لله رب العالمين" ثم يقولون: "الرحمن الرحيم"، وهو مذهب يؤيده الحديث والمعنى: أما الحديث فقد ذكر، وأما المعنى فإن هذه الفواصل إنما أنزل القرآن بها ليوقف عليها، وتقابل أختها، وإلا فما المراد بها ! ألا ترى أن {بمصيطر} تقابل {إنما أنت مذكر}. وكذلك {الأكبر} تماثل {من تولى وكفر}.
إلا أن من الفواصل ما لا يحسن الوقف عليه كقوله عز وجل: {فويل للمصلين} لأن المراد: فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها، فلا يتم هذا المعنى إلا بالوصل. وليس الوقف على قوله: {والضحى} كالوقف على ما جاء في الحديث، فاعلم هذا.
[2/553]
وعن أبي عمرو بن العلاء رحمه الله الوقف على نحو قوله عز وجل: {يؤمنون بالغيب} ويبتدئ {ويقيمون الصلاة} لأن الثاني منفصل عن الأول؛ لأن إقامة الصلاة معنى غير الإيمان بالغيب، وكذلك كل ما كان مثله.
وقد اختار العلماء وأئمة القراء تبيين معاني كلام الله عز وجل وتكميل معانيه، وجعلوا الوقف منبها على المعنى، ومفصلا بعضه عن بعض، وبذلك تلذ التلاوة، ويحصل الفهم والدراية، ويتضح منهاج الهداية، ولا يقفون على مبتدأ دون خبره، ولا على موصوف دون صفته إلا أن يكون الكلام في الوقف على الموصوف مستقلا مفيدا مفهوما فيجيزون الوقف عليه، ولا يجيزون الابتداء بما بعده ويسمونه الوقف الحسن، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله، ولا على المبدل منه دون البدل، إلا كقوله عز وجل: {اهدنا الصراط المستقيم} فإنه يوقف عليه ولا يبتدأ بما بعده كما تقدم في الصفة، ولا على الشرط دون جزائه كقوله عز وجل: {ومن يتق الله} وهذا الوقف قبيح لأنه كلام غير مفهوم حتى يتصل بقوله عز وجل: {يجعل له مخرجا}، وكذلك جواب (لو) نحو {لو استطعنا لخرجنا}، وكذلك (لولا) كقوله: {ولولا دفع الله الناس...}، وقد يكون جوابهما محذوفا فيوقف حينئذ، كقوله عز وجل: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} الوقف على {واتقوا} وتبتدئ: {لمثوبة}، وكذلك: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم}، ولا على الأمر دون جوابه إلا أن يكون
[2/554]
الكلام مفهوما مفيدا فيوقف عليه ولا يبتدأ بما بعده، كقوله عز وجل: {وأطيعون * يغفر لكم}، وكذلك: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا}، تقف عليه ولكن لا تبتدئ {يرسل السماء} وكذلك النهي كقوله عز وجل: {فلا تدع مع الله آلها آخر} تبتدئ {فتكون من المعذبين}، وكذلك الدعاء كقوله عز وجل. {ربنا أخرنا إلى أجل قريب} لا يبتدأ بما بعده فيقال: {نجب دعوتك}.
قال مصنفو الوقف والابتداء: وكذلك الاستفهام، قالوا: لا يوقف على {حقا} من قوله عز وجل: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} حتى يصله بقوله عز وجل: {قالوا نعم} لأنه جواب، وليس هذا عندي كجواب الشرط ولا كجواب الأمر في قبح الابتداء بالجواب، بل الابتداء به حسن سائغ.
وكذلك التمني لا يوقف عليه دون الجواب كقوله عز وجل: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} ولا على القسم دون جوابه كقوله عز وجل: {والليل إذا يغشى} وما بعده، لا يوقف على {الأنثى} لأن الفائدة في المقسم عليه وهو قوله عز وجل: {إن سعيكم لشتى}. وكذلك قوله عز وجل: {والضحى} لا يوقف دون: {ما ودعك ربك وما قلى}، وكذلك: {والذاريات
[2/555]
ذورا}، {والتين والزيتون} وما أشبهه.
وأما قوله تعالى: {والنازعات غرقا} فإنه يوقف على قوله عز وجل: {فالمدبرات أمرا} لأن الجواب محذوف والتقدير: لتبعثن، هذا إن جعلت {يوم ترجف الراجفة} منصوبا بفعل مضمر، أي: اذكر يوم، وإن قدرته ظرفا للفعل المقدر، أي: لتبعثن يوم، لم تقف على {المدبرات أمرا} وقد زعم قوم أن الجواب {يوم ترجف الراجفة} وقال آخرون: الجواب: إن في ذلك لعبرة، والأول قول أجلاء العلماء.
والاستثناء على ضربين: متصل ومنقطع، فالمتصل قالوا: لا يوقف على المستثنى منه دون المستثنى كقوله عز وجل {إن الإنسان لفي خسر} لأن الإنسان يراد به هاهنا جميع الناس. قال بعض المفسرين: أراد بالخسر دخول النار، وقيل: لفي خسر من التجارة {إلا الذين آمنوا} فإنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا، وغيرهم تجر خلاف تجارتهم فخسر. قال أبو عبيدة: لفي مهلكة ونقصان.
والمنقطع: ما كان المستثنى فيه ليس من الأول، كقوله عز وجل في سورة الانشقاق: {فبشرهم بعذاب أليم} قال ابن الأنباري: هو استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال في سورة البقرة: {لئلا
[2/556]
يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} قال: معناه: لكن الذين ظلموا منهم فإنهم لا حجة لهم، وكذلك يروى عن ابن مجاهد أنه كان يقف على {أجر غير ممنون} وقال: معناه: لكن، ولا مانع من القضاء باتصاله، أي: إلا الذين آمنوا من المذكورين وعملوا الصالحات.
وقوله عز وجل في سورة البقرة: {اسجدوا لآدم فسجدوا} يسوغ فيه الأمران، وكيف ما كان فالوقف عليه سائغ، إلا أنه لا يبتدأ بما بعده إذا قدرته متصلا.
ومما عدوه من المنقطع قوله تعالى: {إلا أذى} في "آل عمران"، و{إلا بحبل من الله وحبل من الناس}، وقوله عز وجل: {وكيلا * إلا رحمة من ربك}، في "بني إسرائيل"، و{إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم}، و{لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر}، وقوله عز وجل في سورة والتين والزيتون: {أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا} فأجازوا الابتداء بـ (إلا) في هذه المواضع. وقال ابن النحاس في قوله عز وجل: {لدي المرسلون} تام، لأن {إلا من ظلم} استثناء ليس من الأول بمعنى لكن.
قال أبو عمرو الداني: فسبيل ما ورد في كتاب الله عز وجل من هذا الضرب من الاستثناء في كون الوقف قبله تاما سبيل هذين الموضعين، يعني {إلا من ظلم} و{إلا الذين آمنوا} في "الانشقاق" وذكر جميع المواضع التي ذكرتها.
[2/557]
فأقول وبالله التوفيق: أما قوله عز وجل: {لن يضروكم إلا أذى} فإن جماعة من المفسرين ذهبوا إلى أنه منقطع، والقول بأنه متصل ظاهر، والمعنى: لن يضروكم ضررا إلا نوعا واحدا من الضرر وهو الأذى، وهو ما تفوه به ألسنتهم من الباطل والسب ونحو ذلك، فأما الغلبة والتسليط عليكم فلا {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}، وهذا كقوله عز وجل: {وإذن لا يلبثون خلافك إلا قليلا} أي: إلا زمنا أو وقتا قليلا. ولو قدر أنه منقطع لم يكن الوقف قبله تاما لأن المعنى بعد (إلا) له تعلق بما قبلها، فلو قيل: إن الوقف قبل (إلا) كاف كان أحسن.
وأما قوله عز وجل: {إلا بحبل من الله} فذهب بعض البصريين إلى أنه استثناء منقطع، قال: لأن قوله {أينما ثقفوا} تمام، ثم قال: {إلا بحبل من الله}، أي: لكنهم يعتصمون بحبل من الله. وقال أبو القاسم: {إلا بحبل من الله} في محل النصب على الحال، أي: إلا معتصمين أو متمسكين. قال: وهو استثناء من أعم عام الأحوال، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين، أي: لا عز لهم قط إلا بهذه الواحدة، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما بذلوه من الجزية.
وقال قوم من الكوفيين: التقدير: إلا أن يعتصموا بحبل من الله، ولذلك دخلت الباء وهي متعلقة بهذا الفعل المحذوف. وقال بعضهم أيضا: هو استثناء من
[2/558]
الأول، محمول على المعنى، لأن معنى الكلام: ضربت عليهم الذلة بكل مكان إلا بموضع من الله – والصحيح قول من قال: إنه متصل.
وأما قوله عز وجل: {ثم لا تجد لك به علينا وكيلا * إلا رحمة من ربك} فيجوز أن يكون منقطعا، ومع كونه منقطعا فليس الوقف على قوله: {وكيلا} بتام، لأن المعنى: ولكن رحمة ربك تركته باقيا لم يذهب به، فيكون الوقف كافيا لتعلق بعض الكلام ببعض. وقد أجيز أن يكون متصلا، أي لو شئنا لذهبنا بالقرآن فمحوناه من المصحف ومن الصدور ثم لا تجد لك حينئذ وكيلا يتوكل علينا برده وإعادته على الحال التي كان عليها، {إلا رحمة من ربك} كأن رحمته سبحانه تتوكل بالرد. فعلى هذا لا يوقف على قوله {وكيلا}.
وأما قوله عز وجل: {إني لا يخاف لدي المرسلون * إلا من ظلم} فقد قيل: إنه منقطع، وهو قول البصريين، قالوا: وذلك أن الاستثناء المتصل يكون ما بعده مخالفا لما قبله من المعنى، وقوله: {إني لا يخاف لدي المرسلون} تأمين، وقوله: {إلا من ظلم} إلى قوله عز وجل: {فإني غفور رحيم} تأمين أيضا: قالوا: فقد اتحد المعنى فيهما فوجب ألا يكون من الأول. قالوا: ومثله من كلامهم: ما اشتكى إلا خيرا، لأن الثاني مثل الأول في حصول الخير، لأن ما اشتكى يدل على حصول الخير، وقوله: إلا خيرا مثل الأول، وكأنه قال: ما أدرك إلا خيرا. قالوا: وإلا بمعنى لكن – أي لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم ثم تاب فإني غفور رحيم.
وقال أبو القاسم: (إلا) بمعنى لكن، قال: لأنه لما أطلق نفى الخوف عن الرسل كان ذلك مظنة لطروء الشبهة فاستدرك ذلك، والمعنى: ولكن من ظلم منهم، أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم، ويونس، وداود، وسليمان، وإخوة يوسف، ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي، ويوشك أن
[2/559]
يقصد بهذا التعريض ما وجد من موسى عليه السلام، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها، وسماه ظلما كما قال موسى عليه السلام: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}. والوقف على هذين الوجهين كاف، لأن المعنى بعد (إلا) فيه تعلق بما قبلها.
وقال الفراء: يجوز أن تجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة، لأن المعنى: لا يخاف المرسلون، إنما الخوف على غيرهم، ثم استثنى فقال: {إلا من ظلم} فإن هذا لا يخاف، يقول كان مشركا فتاب وعمل حسنا، فذلك مغفور له ليس بخائف.
ورد عليه هذا القول وقيل: الاستثناء (من) محذوف لا يجوز، لأنه لا يعلم ما هو، قالوا: ولو جاز هذا لجاز: لا أضرب القوم إلا زيدا، على معنى: وأضرب غيرهم إلا زيدا، وهذا ضد البيان ونقض الكلام. وليس هذا الرد بشيء، لأن قوله: {لا يخاف لدي المرسلون} يدل على خوف غيرهم، وقوله: {إلا من ظلم} يدل على أن المعنى: إنما يخاف الظالمون، إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم، أي: فإني أغفر له فلا يخاف، ففي الكلام ما يدل على ما صار إليه الفراء، وليس في المثال الذي ضربوه له دليل، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا، ويكون الوقف على {المرسلون} كافيا و(إلا) متعلق بمحذوف، ويجوز الابتداء بـ (إلا) كأن المحذوف قد ابتدئ به معها كما يبتدأ بقوله تعالى: {قادرين} في "القيامة"، والتقدير: نجمعها قادرين. قال الفراء: وقد قال بعض النحويين إن (إلا) في اللغة بمنزلة الواو، وإنما معنى هذه الآية: لا يخاف لدي المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا، قال: وجعلوا مثله قول الله تبارك وتعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} ولا الذين ظلموا منهم. قال:
[2/560]
ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا، لأني لا أجيز: قام الناس إلا عبد الله وهو قائم، إنما الاستثناء أن نخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى الأسماء قبل (إلا) وقد أراه جائزا أن تقول: لي عليك ألف سوى ألف أخر، فإن وضعت (إلا) في هذا الموضع صلحت، وكانت (إلا) في تأويل ما قالوا، فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا، ولكن مثله مما يكون معنى (إلا) كمعنى الواو، وليست بها قوله عز وجل: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} هو في المعنى: إلا الذي شاء ربك من الزيادة فلا يجعل (إلا) بمنزلة الواو، ولكن بمنزله سوى، فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو، لأنك تقول: عندي مال كثير سوى هذا. أي: هذا عندي، كأنك قلت: عندي مال كثير وهذا، وهو في سوى أبعد منه في إلا، لأنك قد تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: إلا هذا، والقول الراجح إنه متصل، والمعنى لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم، أي إلا الذي ظلم وخاف ثم بدل حسنا، يعني إلا من هذه صفته فإنه قد خاف لدي، ويتصل قوله: {فإني غفور رحيم} بقوله عز وجل: {لا يخاف لدي المرسلون} أي: إلا من عمل بغير إذن، ويؤيد ذلك قول ابن جريج: لا يخاف الأنبياء إلا بذنب يغشاه أحدهم، فإن أصابه أخافه الله. وقول الحسن: كانت الأنبياء تذنب فتعاقب، وإنما أخيف لقتله النفس، لأنه لو اقتصر على قوله: {لا يخاف لدي المرسلون} لقال قائل: فقد خاف موسى عليه السلام حين قال: {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}، فقال عز وجل: {إلا من ظلم} أي: إلا من فعل مثل ما فعلت ثم بدل حسنا فإنه قد خاف لدي. وقد كان يكفي قوله: {إلا من ظلم} وإنما قال: {ثم بدل حسنا بعد سوء} لطفا بموسى عليه السلام ليطمئن بغفران ذلك الذنب بالتوبة.
[2/561]
وأما قوله عز وجل: {لست عليهم بمصيطر * إلا من تولى وكفر} فقد قيل: إنه متصل، أي: فذكر قومك إلا من تولى عنك وأعرض عن الإيمان وكفر، فـ (من) على هذا في موضع نصب، و{لست عليهم بمصيطر} اعتراض، وقيل: إنه منقطع، أي: لست عليهم بمصيطر، أي لست بقاهر لهم، لكن من تولى وكفر فالله مصيطر عليه وقاهر له، فيعذبه العذاب الأكبر، عذاب جهنم.
وقوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا} فقد قيل: هو متصل، و{أسفل سافلين} إما أن يراد به في تغيير الخلقة بالنار، أي إن أهل النار في قبح الصورة أسفل من كل من سفل في ذلك إلا الذين آمنوا فإنهم لم يردوا إلى ذلك، أو: أسفل من كل سافل في المنزلة، وأهل النار كذلك. وقيل: هو منقطع، ومعنى {أسفل سافلين} أرذل العمر، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون، يعني الجنة.
ولا يوقف على المعلل دون العلة: كقوله عز وجل: {فولوا وجوهكم شطره} وكقوله: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع}، وكقوله {وأنزلنا إليك الذكر} لأن {لتبين للناس} علة الإنزال، وكذلك: {وابن السبيل كيلا يكون دولة}. ولا يوقف دون لام الحجد كقوله عز وجل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}.
[2/562]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أقسام الوقف


أقسام الوقف
والوقف على أربعة أقسام:
تام: وهو الذي انفصل مما بعده لفظا ومعنى.
وكاف: وهو الذي انفصل مما بعده في اللفظ وله به تعلق في المعنى بوجه.
وحسن: وهو الذي لا يحتاج إلى ما بعده، لأنه مفهوم دونه، ويحتاج ما بعده إليه لجريانه في اللفظ عليه.
وقبيح: وهو الذي لا يفهم منه كلام، أو يفهم منه غير المراد.
وقال قوم: الوقف قسمان: تام وقبيح، فعند هؤلاء الوقف في الأقسام الثلاثة تام.
وقال آخرون: الوقف ثلاثة: تام وكاف وقبيح، فجعلوا الحسن من جملة القبيح. والاختيار تفصيل هذه الأوقاف وتقسيمها إلى أربعة كما سبق.
فأما القسم الأول وهو التام، ويسمى أيضا المختار، فكقوله عز وجل: {مالك يوم الدين} وقوله: {ولا الضالين} وقوله {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} وشبه ذلك مما تعلق لما بعده به لفظا ولا معنى.
وأما الكافي ويسمى الصالح، والمفهوم، والجائز: وهو الذي يحسن الوقف عليه لإفادة الكلام، ويحسن الابتداء بما بعده وإن كان متعلقا بالأول بوجه من المعنى، كقوله عز وجل: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} فهذا كلام كاف مفهوم، والذي بعده أيضا كلام مستقل مستغن عما قبله في اللفظ وإن
[2/563]
اتصل به في المعنى، وهو قوله عز وجل: {وبالآخره هم يوقنون}.
وأما الحسن فهو الذي يحسن الوقف عليه لأنه كلام مفيد حسن، ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به لفظا ومعنى، كقوله عز وجل: {الحمد لله} فهذا كلام حسن مفيد، وقوله بعد ذلك {رب العالمين} غير مستغن عن الأول. إلا أن الحسن إذا كان رأس آية نحو {رب العالمين} فإنهم أجازوا الابتداء بما بعده وإن تعلق بما قبله في اللفظ والمعنى، لحديث أم سلمة: ثم يقول: {الرحمن الرحيم} ثم يقف، ثم يقول: {ملك يوم الدين}. وحكى اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يسكت على رؤوس الآي ويقول: إنه أحب إلي.
وقد يحتمل الموضع الواحد أن يكون تاما وأن يكون كافيا وأن يكون حسنا، كقوله عز وجل: {فيه هدى للمتقين} يجوز أن يكون تاما إذا كان {الذين يؤمنون بالغيب} مبتدأ، والخبر {أولئك على هدى من ربهم}، ويجوز أن يكون كافيا إذا جعلت {الذين يؤمنون بالغيب} مرفوعا على معنى: هم الذين، أو منصوبا على معنى: أعني الذين، وأن يكون حسنا إذا كان في موضع خفض نعتا {للمتقين}.
والقبيح: هو الذي لا يجوز تعمد الوقف عليه، إما لنقص المعنى وإما لتغييره، فنقص المعنى كقولك: {بسم} فإن هذا لا يفيد معنى.
والتغيير كقولك {فويل للمصلين} وكقولك: {إن الله لا يهدي} و{إن الله
[2/564]
لا يستحيي}، و{إن الله لا يأمر} وكقولك: {وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه}، و{إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى} وكقولك {وما من إله} و{لا إله} و(أصحاب النار الذي يحملون) وهذا كثير يجب أن يحذر ويحترز منه.
وكذلك عند انقطاع النفس على ما لا يوقف عليه إذا احتجت أن تصله بما قبله فاحترز في الرجوع إلى ما قبله أن تكون مبتدأ بما لا يحسن، مثل أن ينقطع النفس على قولك {عزير ابن} فتقول في وصله بما قبله {عزير ابن الله}. ومثل أن يحتاج القارئ إلى الرجوع إلى ما تقدم لوصل الكلام فيقول: {إن الله فقير}، {إن الله هو المسيح} جل الله عز وجل، فهذا مثال يقاس عليه.
وقال أبو عمرو الداني في تمثيل الوقف الكافي: وذلك نحو الوقف على قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} والابتداء بما بعد ذلك في الآية كلها.
[2/565]
قال: وكذلك الوقف على قوله: {أن تأكلوا من بيوتكم} والابتداء بما بعد ذلك إلى قوله: {أو أشتاتا}. قال: وكذلك الوقف على قوله: {اليوم أحل لكم الطيبات} والابتداء بما بعد ذلك.
وهذا ليس بالوقف الكافي، لأن هذه المواقف يتعلق ما بعدها بما قبلها في اللفظ والمعنى، وإنما هي من الأوقاف الحسان.
وأما قوله عز وجل: {ألم نجعل الأرض مهادا} فإنه رأس الآية كقوله عز وجل: {الحمد لله رب العالمين} وقد تقدم القول فيه. وأما قوله: {والجبال أوتادا} فهو وقف كاف، لأن ما بعدها لا يتعلق به في اللفظ، وكذلك رؤوس الآي إلى قوله عز وجل: {وجنات ألفافا} وهو وقف تام، لأن قوله عز وجل: {إن يوم الفصل} لا يتعلق به لفظا ولا معنى.
وأما قوله عز وجل: {والذاريات ذروا}، {والطور * وكتاب مسطور}، {والنجم إذا هوى}، {والمرسلات عرفا}، {والنازعات غرقا}، {والسماء ذات البروج}، {والشمس وضحاها}، {والليل إذا يغشى}، {والضحى} ونحو ذلك، فإن هذه الأقسام لا يوقف عليها عندهم قبل جوابها.
[2/566]
وقد أجازوا الوقف على نحو: {إذا الشمس كورت} قبل الجواب (إلا) على الآية التي بعدها الجواب، نحو: {وإذا الجنة أزلفت} وعللوا ذلك بطول القصة، ويلزمهم ذلك في نحو: {والشمس وضحاها} وكونها رؤوس آي أن يجوز ذلك، وأجاز بعضهم في {إذا الشمس كورت} ونحوها أن يقف على كل آيتين لطول القصة. وكان شيخنا أبو القاسم رحمه الله يقف فيها على قوله: {بأي ذنب قتلت} لا غير، ثم على {علمت نفس ما أحضرت}. وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ: {إذا الشمس كورت} فلما بلغ إلى قوله عز وجل: {علمت نفس ما أحضرت} قال: لهذا جرى الحديث. وقرأها قارئ عند ابن مسعود، فلما بلغ إليها قال ابن مسعود: وانقطاع ظهراه. وهي اثنتا عشرة آية: ست في الدنيا وست في الآخرة.
وقال بعضهم: إذا لم يقدر على التمام ووقف عند رؤوس الآي جاز، ولا يكلف الإنسان ما ليس في وسعه.
والوقف على قوله عز وجل: {وتعزروه وتوقروه} في سورة الفتح – كاف، والهاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ويبتدئ: {وتسبحوه} والهاء لله عز وجل.
[2/567]
وقوله عز وجل: {إن الإنسان لربه لكنود} وقف كاف، {وإنه على ذلك لشهيد} كاف أيضا، والهاء لله عز وجل، وقيل: للإنسان، أي أنه لشهيد على عصيانه وبخله، مقر بذلك. وقوله عز وجل: {لشديد} كاف.
وقال قوم – منهم أبو عمرو عثمان: هو تام. وكذلك قالوا في قوله عز وجل: {وحصل ما في الصدور} إنه تام، وهو كاف أيضا، لأن التعلق في المعنى موجود في الموضعين.
وفي آية الكرسي عشرة أوقاف: {الله لا إله إلا هو} كاف، على أن قوله عز وجل: {الحي القيوم} خبر مبتدأ محذوف: {لا تأخذه سنة ولا نوم} كاف، {وما في الأرض} كاف {إلا بإذنه} كاف، {وما خلفهم} كاف، {إلا بما شاء} كاف، {السموات والأرض} كاف، {حفظهما} كاف، {العظيم} تام.
وفي قوله عز وجل: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا} في "آل عمران" عشرة أوقاف أيضا: {طائفة منكم} حسن، {أنفسهم} حسن {الجاهلية} كاف، {من شيء} كاف {كله لله} كاف، {يبدون لك} كاف هاهنا كاف {مضاجعهم} حسن {في قلوبكم} كاف شبه التام {والله عليم بذات الصدور} تام.
[2/568]
وفي الشورى آية فيها أيضا عشرة أوقاف: قوله عز وجل: {فلذلك فادع} هذا وقف كاف {واستقم كما أمرت} مثله، {ولا تتبع أهواءهم} مثله، {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} مثله، {وأمرت لأعدل بينكم} مثله، {ربنا وربكم} مثله، {ولكم أعمالكم} مثله، {بيننا وبينكم} مثله، {يجمع بيننا} مثله، {وإليه المصير} تام.
وفي سورة الامتحان أيضا آية فيها من الأوقاف هذه العدة: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} كاف، {الله أعلم بإيمانهن} مثله، {فلا ترجعوهن إلى الكفار} مثله {يحلون لهن} مثله، {ما أنفقوا} مثله، {أجورهن} مثله، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} مثله، {وليسألوا ما أنفقوا} مثله، {يحكم بينكم} مثله {عليم حكيم} تام.
فهذه مواضع من الوقف والابتداء مبينة على الأصول التي أسلفتها في معرفة التام والكافي والحسن، والاعتماد إنما هو على معرفتها وترك الاغترار بما ذكره المصنفون في هذا الباب في الفرش، فإنهم يغلطون كثيرا ويقولون حسن وهو كاف، وكاف وهو حسن، ونحو ذلك مما تشهد به تصانيفهم.
وقد يختلف الوقف باختلاف التأويل، من ذلك قوله عز وجل: {لا ريب فيه هدى للمتقين} إن كان {فيه هدى} مبتدأ وخبرا وقفت على {لا ريب}، وهذا الوقف يروى عن نافع وعاصم. وهو كقوله عز وجل: {لا ضير} ويكون التقدير: لا ريب فيه، ثم استأنف فقال: {فيه هدى}، ويقف على {لا ريب فيه} يجعل الجار والمجرور متعلقا بـ {لا ريب} ويبتدئ {هدى للمتقين}
[2/569]
على معنى: هو هدى، فعلى الأول: الوقف تام على قول أصحاب الوقف، وعلى المعنى الثاني الوقف كاف. وقوله عز وجل: {للمتقين} وقف كاف، على أن {الذين} بعده مرفوع بإضمار مبتدأ، أو منصوب بإضمار أعني، وهو وقف حسن، على أن {الذين} بعده في موضع جر، صفة {للمتقين}، وهو في القرآن كثير.
ومنه قوله عز وجل: {الخناس} في قوله: {الذي يوسوس} جميع هذه الوجوه. وزعم ابن الأنباري والسجستاني والأخفش وابن عبد الرزاق وغيرهم أنه لا وقف إلى آخر السورة. وقال أبو عمرو الداني رحمه الله: {الخناس} كاف، وهو الصواب، قال: إلا أن يجعل {الذي} في موضع خفض نعتا لما قبله.
وكذلك فواتح السور كلها تام، على أن الفاتحة اسم للسورة، أي: اقرأ {الم} و{الر} و{المر}، وعلى تقدير أن الفاتحة مبتدأ، وما بعدها الخبر لا يوقف عليها.
ومن ذلك قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} هو وقف كاف على أن {تلقون} مستأنف، وهو وقف حسن على أن {تلقون} في موضع نصب على الحال، وإلى الأول ذهب جماعة منهم محمد بن عيسى ونصير.
[2/570]
وقد يكون الوقف لبيان المعنى كقوله عز وجل: {يخرجون الرسول وإياكم} فهذا وقف حسن، إلا أنه يبتدأ بما بعده لبيان المعنى لئلا يتوهم أن {إياكم} بمعنى التحذير.
ومن هذا ما هو واجب كقوله عز وجل: {ولا يحزنك قولهم} لا يجوز وصله لئلا يتوهم فيه أنهم قالوا: {إن العزة لله جميعا} وأن ذلك مما يحزنه. ومثله {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} لأن القارئ يجوز له أن يتجاوز الوقف إلى الوقف الذي بعده إن قوي نفسه على ذلك إلا في مثل هذا لما ذكرته، على أن الاختيار عند القراء الوقف على ما هو وقف، لما في ذلك من معرفة انفصال الكلام بعضه من بعض، ومن تبيين المعنى. وقالوا: من تجاوز الوقف وقف في غير الوقف، أي أنه ينقطع نفسه في غير الوقف.
وقد يكون الموضع وقفا على معنى وغير وقف على معنى آخر، كقوله تعالى: {وله من في السموات والأرض ومن عنده} إن كان {ومن عنده} معطوفا على ما قبله لم يكن الوقف تاما ولم يجز الابتداء بما بعده، وهو وقف تام على أن {ومن عنده} مبتدأ، وعلى هذا الوجه كان الشيخ أبو الجود رحمه الله يعمل، ولا أشك في أنه نقله وتلقاه في حال قراءته.
[2/571]
وكذلك الوقف على {لاتخذناه من لدنا} على أن {إن كنا فاعلين} بمعنى: ما كنا فاعلين، وليس كذلك على أن {إن} شرط.
وقد يكون الوقف على قراءة تاما وعلى أخرى غير تام كقوله عز وجل: {الحميد * الله الذي له ما في السموات} هو وقف تام على قراءة نافع وابن عامر، وقراءتهما برفع اسم الله عز وجل، وقرأ الباقون بالخفض فلا يجوز الابتداء به على قراءتهم، ولهذا نظائر كثيرة.
ومن الاختلاف في الوقف لاختلاف المعنى قوله عز وجل: {وما يعلم تأويله إلا الله} هو وقف تام على أن ما بعده مبتدأ وخبر، وإلى هذا الوقف ذهب نافع والكسائي والفراء والأخفش وابن كيسان وأبو حاتم ويعقوب وابن إسحق والطبري، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس رحمه الله. ومعنى {يقولون آمنا به} يسلمون ويصدقون في قول ابن عباس رحمه الله وعائشة رضي الله عنها وابن مسعود. وقال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله، ولكن يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا، وعلى هذا أكثر المفسرين. واختلف الذاهبون إلى هذا في المتشابه ما هو ؟
فقال ابن عباس: وابتغاء تأويله: هو طلب الأجل من مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور، وذلك أنهم حسبوها على حروف الجمل بالعدد، فقالوا: هذه مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، والمتشابه على هذه حروف الفواتح. {وما يعلم تأويله إلا الله} أي: وما يعلم متى تقوم الساعة وتنقضي مدة هذه الملة إلا الله تعالى على هذا، وهو عند أكثر هؤلاء قيام الساعة، وهو من المآل.
وقال آخرون: لا يوقف على قوله {إلا الله} لأن قوله {والراسخون في العلم} معطوف عليه، وعلى قول هؤلاء المتشابه ما احتمل التأويل
[2/572]
فيتأوله أصحاب الزيغ على أهوائهم كالخوارج والرافضة. قال قتادة: إن لم يكونوا الحرورية فما أدري من هم. وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنوا بقوله: {فيتبعون ما تشابه منه})). وقال السدي والربيع: {ابتغاء الفتنة} أي الشرك. وقال مجاهد: ابتغاء الشبهات، فالراسخون في العلم يعلمون تأويل ذلك، فإن كان المتشابه ما قال الأولون، فالفريق الآخر لا ينكرون أن ذلك لا يعلمه إلا الله، وإن كان المتشابه ما قال الآخرون، فالفريق الآخر لا ينكرون أن {الراسخون في العلم} يعلمونه ولا يجهلونه على غير ما أراد الله به اتباعا للهوى وسأذكره إن شاء الله بأبسط من هذا في "روض القرآن".
[2/573]

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (بلى)


القول في (بلى)
هي جواب للنفي، ورد له، والوقف عليها إذا لم يتصل بقسم جائز، إما تام، وإما كاف، واتصالها بالقسم في أربعة مواضع: {قالوا بلى وربنا} في الأنعام والأحقاف، و{قل بلى وربي} في سبأ والتغابن. فالوقف في هذه المواضع على القسم عند أصحاب الوقف، ويوقف عليها فيما سوى ذلك وهي ثمانية عشر موضعا.
وقال أبو محمد، الحسن بن علي بن سعيد، المعروف بالعماني في قوله عز وجل: {بلى من كسب سيئة} ونحوه: يبتدأ بـ {بلى}، وهو جواب لقولهم: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة}، فقيل لهم: بلى، تدخلونها وتخلدون فيها.
وقال في قوله عز وجل: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين * بلى} لم يجز أحد منهم الوقف على {بلى} لأن ما بعده في جملة الجواب، ومعنى الكلام أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، فقيل لهم: بلى يدخلها من أسلم وجهه لله، فقوله تعالى: {بلى} جواب للجحد، وما بعده كلام أوجبه {بلى}. ثم قال: فما بعد {بلى} في الآيتين هو كلام أوجبه {بلى}. قال: وهذا مثل قول القائل: لن يكون هذا الأمر، فيقال له بلى يكون، فبلى هو الجواب، وقوله: يكون إنما هو إعادة لما نفاه القائل، أعيد على وجه الإيجاب فلا يفصل بينه وبين بلى. قال: والوقف على
[2/574]
{بلى} في الآيتين غلط، ومن أجازه فقد أخطأ، لأن {بلى} وإن كان جوابا للجحد الذي قبله فهو إيجاب لما بعده، فلا يفصل بينه وبين الشيء الذي يوجبه كحرف التوكيد، ألا ترى أنك إذا قلت: إن زيدا قائم، فقد وكدت الإخبار بالقيام بحرف التوكيد وهو إن، ثم لا يجوز أن يفصل بين إن وبين الذي بعده من الخبر، فكذلك الحرف الذي يؤدي معنى الإيجاب، يجب أن يكون موصولا بالكلام الذي يوجبه، لأن الفصل بينهما ينقض معنى الإيجاب ألا ترى أن الفصل بين حرف النفي وبين المنفي ينقض معنى النفي ولا يجوز الفصل بينهما، فكذلك الفصل بين حرف الإيجاب وبين الموجب لا يجوز بحال.
والذي قاله غلط؛ بل يجوز أن يكون الموصول بعد {بلى} مبتدأ، فيكون الوقف على {بلى} تاما، ويجوز أن يكون مرفوعا بفعل مقدر، والتقدير: يدخلها من كسب سيئة ويدخلها من أسلم، فيكون الوقف على {بلى} كافيا، لأنه إنما يتعلق بما قبله في المعنى دون اللفظ. وقد هدم جميع ما قاله هنا بما ذكره في سورة القيامة، فإنه حكى عن أبي حاتم أنه قال: الوقف على {بلى} تام عندي، يقول: بل نجمعها قادرين، ونصب {قادرين} على الحال. ثم قال العماني: هذا كلام أبي حاتم ورأيه، ثم قال: والوقف على {بلى} جيد كما قال، ولكنه لا يمنع جواز الوقف على {عظامه}. ويبتدئ {بلى قادرين} على أنه إثبات لقدرته على ما استبعدوه من البعث والنشور، كأنه قال: بلى نقدر على تسوية خلقه في الدنيا وبعثه ونشره في الآخرة، ثم قال: والوقف على {بلى} هاهنا أحسن كما قال أبو حاتم. فأين هذا من كلامه في البقرة، وأظنه نسي ما قال هنالك.
[2/575]
أما ما صحبه القسم من لفظ بلى فهو قسمان:
أما الذي في الأنعام والأحقاف فالوقف فيه على قوله عز وجل: {بلى وربنا}. وأما الذي في سبأ والتغابن فالوقف فيهما على {بلى} غير ممتنع فيما أعتقد، لأن ما بعده كلام يجوز أن يبتدأ به فيقال: {وربي لتبعثن} فيكون {بلى} ردا لنفيهم البعث، ثم أقسم على البعث، فهو وقف كاف، لأنه إنما يتعلق بما قبله في المعنى دون اللفظ.
[2/576]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (إذا)


القول في (إذا)
لا يوقف دون جوابها إلا إذا طال المدى دونه كما سبق، وقد يكون الجواب محذوفا كقوله عز وجل: {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون} فهو وقف كاف، وكأنه قال: أعرضوا، فالجواب محذوف وما بعده كلام آخر. وقال السجستاني: لا وقف حتى يبلغ: {معرضين} أي أن قوله عز وجل: {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم...} إلى آخر الآية، دليل على الجواب المحذوف، فكأنه الجواب. ويحتمل قوله: ليس في الآية وقف، أي: وقف تام.
ومثل هذا الحذف قوله عز وجل: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} الوقف هاهنا كاف، وجواب (لما) محذوف، والتقدير: أتوا أمرا عظيما.
ونحو ذلك قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية) زعم الأخفش أن التقدير: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا فالوصية، فالفاء المحذوفة جواب الشرط. قال مكي. فعلى هذا يقف على (خيرا) ويبتدئ بها لأنها مرفوعة بالابتداء، وهذا غلط، لأن جواب الشرط لا يبتدأ به، ولا يجوز أن تقول: إن قام زيد فعمرو قائم، فيقف على إن قام
[2/577]
زيد، وهذا كلام غير مفهوم، وما بعده غير مستغن عنه في لفظ ولا معنى. وقال قوم: {الوصية} مبتدأ، و{للوالدين} الخبر، ويقدر الشرط متأخرا، أي: الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيرا. قالوا: لأن الشرط إذا كان فعلا ماضيا جاز تقديم الجواب عليه، فيحسن رفع (الوصية) بالابتداء، فعلى هذا أيضا تقف على {خيرا}, وهذا من دقائق عكس الحقائق، والتفنن فيه، إنما الحقيقة أن الشرط إذا وقع متأخرا كان في التقدير مقدما، لا أنه إذا جاء مقدما على ما هو له قدر متأخرا، وإذا كان لا يصلح أن يكون جوابا مع التأخير فكيف يكون جوابا إذا قدم. وإنما {الوصية} مفعول أقيم مقام الفاعل، مرفوع بـ {كتب}، ولا يجوز الوقف على {خيرا}، وهل يجيز أحد: إن قام زيد عمرو منطلق، على تقدير: عمرو منطلق إن قام زيد، وهذا شيء ذكره النحاس، واتبعه عليه مكي، وأي ضرورة ألجأت إلى هذا التقدير ولنا عنه مندوحة بما ذكرناه.
وقوله عز وجل: {إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} في يونس، وفي الأعراف والنحل: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا (يستقدمون} الوقف فيها كلها على {لا يستأخرون ساعة} ويبتدأ {ولا يستقدمون} أي: ولا هم يستقدمون، لأنه لا يجوز أن يقال إذا جاء الأجل: لا يتقدم عليه، فاعلم هذا، فما رأيت أحدا ذكره ولا نبه عليه.
وقوله تعالى: {حتى إذا جاءوها...} إلى قوله: {..خالدين} شرط، والجواب محذوف، والوقف عليه كاف، وتقديره: رأوا من الكرامة ما لا تحيط به الصفة. وقيل. حتى إذا جاءوها سعدوا، فعلى هذا يبتدأ بقوله: {وقال لهم خزنتها}.
[2/578]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (أم)


القول في (أم)
وهي تكون للمعادلة، وهي في المعادلة على وجهين: أحدهما أن تكون معادلة لهمزة الاستفهام، والثاني أن تكون معادلة لهمزة التسوية.
فمثال الأول: أخرج زيد أم عمرو؟ ومعناه: أيهما خرج، ومعنى المعادلة أن أحد الاسمين المسئول عنهما جعل معه الألف وجعل مع الآخر (أم). وكذلك إذا كان السؤال عن الفعل، كقولك: أصرفت زيدا أم حبسته جعلت الهمزة مع أحد الفعلين المسئول عنهما و(أم) مع الآخر.
ومثال الثاني: سواء علينا أقام زيد أم عمرو، وسواء علينا أزيد في الدار أم عمرو. ومن هذا الضرب: ما أدري أزيد في الدار أم عمرو. والتسوية لفظها لفظ الاستفهام وهو خبر، كما جاء الاختصاص بلفظ النداء وليس بنداء، ومعنى التسوية أنك تخبر باستواء الأمرين عندك، كأنك قلت: سواء علي أيهما قام، واستوى عندي عدم العلم بأيهما في الدار، قال الله عز وجل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} و{سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} و{سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم}. وهي في قسمي المعادلة عاطفة. وتكون (أم) منقطعة بمعنى بل، وإنما سميت منقطعة لانقطاع ما بعدها مما قبلها، لأنه قائم بنفسه، سواء كان ما قبلها استفهاما أو خبرا، وليست في هذا الوجه بمعنى الوجه الأول، لأنها في الوجه الأول بمعنى أي، وهي في هذا الوجه بمعنى بل، قال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط = غلس الظلام من الرباب خيالا
[2/579]
قال أبو عبيدة: لم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.
فإذا كانت منقطعة جاز الوقف قبلها والابتداء بها، فقوله عز وجل: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون} يجوز الابتداء بـ (أم) على أنها منقطعة، وعلى أنها معادلة لا يجوز الابتداء بها، وتقدير المعادلة: أي الأمرين واقع: اتخاذ العهد عند الله أم الكذب عليه. وبمعنى الاستفهام التقدير: لأن الله تعالى قد علم أحد الأمرين وهو قولهم عليه ما لا يعلمون.
وقوله عز وجل: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} الظاهر أنه منقطع يجوز الابتداء به، وقال أبو محمد مكي: هذا بعيد، لأن المنقطع لا يكون في أكثر كلام العرب إلا على حدوث شك دخل المتكلم وذلك لا يليق بالقرآن. والذي قاله ليس بشيء، إنما المنقطعة ترك كلام لكلام آخر، وهي بمعنى بل، ولا يلزم أن تكون بعد شك ولا بد، كما قال عز وجل: {بل إدراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون} ولم يكن هذا كقولك: جاءني زيد بل عمرو على وجه الغلط.
وقوله عز وجل: {وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول} يجوز الابتداء بـ (أم) لأنها المنقطعة، و{قل سموهم} وقف كاف. وقال أحمد بن موسى: وهو تام، والوقف على {الأرض} حسن، ولا يجوز الابتداء بما بعده لأنه متعلق بما قبله في اللفظ والمعنى.
[2/580]
وقوله عز وجل: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} وقف كاف و(أم) بعده منقطعة يجوز الابتداء بها.
وقوله عز وجل: {تجري من تحتي أفلا تبصرون} قيل: المعنى: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء، وإلى ذلك ذهب الخليل وسيبويه، فعلى هذا يوقف على (أم) ويبتدئ {أنا خير}. وقيل: هي (أم) المنقطعة، والتقدير: بل أنا خير، فعلى هذا يبتدئ بـ (أم) وقال أبو زيد (أم) زائدة، فعلى هذا يوقف على {تبصرون}.
وقال الهروي في قوله عز وجل: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه} إن (أم) بمعنى همزة الاستفهام، والتقدير: أيقولون افتراه، فعلى هذا يبتدأ بـ (أم). وكذلك قال في قوله عز وجل: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} إن معناه: أتريدون. وقوله: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون}، {أم له البنات}، {أم لهم نصيب من الملك}، {أم تقولون إن إبراهيم}، {أم يقولون شاعر}، {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، {أم اتخذ مما يخلق بنات}. قال: معنى (أم) في ذلك كله معنى همزة الاستفهام لأنها لم يتقدمها استفهام.
[2/581]
وكذلك قالوا في قوله تعالى: {أم زاغت عنهم الأبصار} إنها بمعنى: أي أزاغت عنهم الأبصار. وأجاز أن تكون المعادلة لهمزة الاستفهام في قوله: {أتخذناهم سخريا} على القراءة بقطع الألف، وعلى القراءة بوصلها أجازوا أن تكون مردودة على قوله سبحانه: {ما لنا لا نرى}.
و(أم) في هذه المواضع كلها هي المنقطعة عند البصريين، لأنهم يقولون في (أم) المنقطعة: إن فيها معنى بل والألف، كأنه قيل: بل أيقولون افتراه. وكان الهروي رحمه الله في علم العربية متسعا، وعلى غرائبها مطلعا.
وكذلك قوله عز وجل: {أم لكم كتاب فيه تدرسون}، {أم لكم أيمان}، {أم لهم شركاء} كل ذلك منقطع يجوز الابتداء به.
[2/582]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (لو) و(لولا)


القول في (لو) و(لولا)
(لو) نقيضة (إن)، لأن (إن) توجب الثاني من أجل الأول، و(لو) تمنع الثاني لامتناع الأول.
ولا يجوز الوقف دون جوابها، وقد يكون الجواب محذوفا كقوله عز وجل: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} فالوقف هاهنا كاف، ويبتدأ بقوله عز وجل: {بل لله الأمر جميعا} وتقدير الجواب: لكان هذا القرآن. وعلى هذا جماعة من المفسرين. وقد قيل: إن المعنى: وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، أي أنه لو سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لما صدهم ذلك عن كفرهم. وعلى هذا التأويل يكون الوقف أيضا على {الموتى}.
وقد تكون (لو) بمعنى (ليت) كقوله عز وجل: {لو أن لنا كرة} ولذلك كان الجواب: {فنتبرأ} كما يكون ذلك في جواب التمني.
ومثله قوله عز وجل: {فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين} لأن لو وليت يتلاقى معناهما في التقدير.
وأما (لولا) فتكون مفيدة امتناع شيء لوجود شيء، كقوله عز وجل: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}. ومن ذلك قوله عز وجل: {فلولا أنه كان من
[2/583]
المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} فلا يوقف دون جوابها.
وقد يكون الجواب محذوفا كقوله عز وجل: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} هذا هو الوقف، وجواب (لولا) محذوف وتقديره: لفضحكم، أو لأنزل بكم العقوبة.
وأما قوله عز وجل: {فولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} و(لولا) فيه بمعنى التحضيض، مثل (فهلا)، وكذلك: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار}، وقوله عز وجل: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء}. (لولا) فيه توبيخ، كما قال جرير:
تعدون عقر النيب فضل مجدكم = بني ضوطرى، لولا الكمي المقنعا
وليس لها في جميع ذلك جواب.
والوقف في الأولى على قوله عز وجل: {لعلهم يحذرون} وفي الأخرى على قوله سبحانه: {وأكلهم السحت} وعلى {شهداء} في قوله عز وجل: {بأربعة شهداء}.
[2/584]
وقوله عز وجل: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها} قال الهروي: (لولا) فيه بمعنى: لم تكن قرية آمنت. وكذلك قال في قوله عز وجل: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض} فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا، فلا يبتدأ بـ (إلا) في الموضعين. ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا، فيكون الوقف على قوله: {إيمانها}، وعلى قوله: {عن الفساد في الأرض} كافيا جائزا قال أبو القاسم الزمخشري {إلا قوم يونس} استثناء من {القرى} لأن المراد أهاليها، وهو استثناء منقطع بمعنى: ولكن قوم يونس لما آمنوا. قال: ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وانتصابه على أصل الاستثناء. والوجه الأول أقوى، لأن الأوجه إذا كان متصلا، الرفع على البدل.
وقال في قوله عز وجل في الآية الثانية: {إلا قليلا ممن أنجينا منهم} استثناء منقطع، معناه: ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون نهوا عن الفساد وسائرهم تاركون للنهي. قال: و(من) في {ممن أنجينا} حقها أن تكون للبيان لا للتبعيض، لأن النجاة إنما هي للناجين وحدهم بدليل قوله عز وجل: {أنجينا الذي ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا} يعني أنها لو كانت للتبعيض لكان المعنى: إلا بعضا ممن أنجينا كانوا ينهون، فيكون فيمن أنجى من لم ينه. ثم قال: فإن قلت: هل لوقوع هذا الاستثناء متصلا وجه يحمل عليه؟
قلت: إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام كان المعنى فاسدا، لأنه يكون تحضيضا لأولي البقية على النهي عن الفساد إلا لقليل من الناجين منهم، كما
[2/585]
تقول: هلا قرأ قومك القرآن إلا الصلحاء منهم، يريد استثناء الصلحاء من المحضضين على قراءة القرآن. يقول: إن جعلته متصلا على ما عليه ظاهر الكلام وهو التحضيض، ولم يلحظ معنى النفي صار المعنى: هلا نهى أولو بقية عن الفساد إلا القليل ممن أنجينا منهم، أي من أولي البقية، فيكون ذلك القليل المستثنى غير محضوض على النهي عن الفساد.
ثم قال: وإن قلت: في تحضيضهم على النهي عن الفساد معنى نفيه عنهم، فكأنه قيل: ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا. كان استثناء متصلا ومعنى صحيحا، وكان انتصابه على أصل الاستثناء وإن كان الأفصح أن يرفع على البدل.
وقال العماني: لا يوقف على {الأرض} لموضع الابتداء بحرف الاستثناء، وقوله هذا غير متقن، لأن الوقف الحسن كله جائز، وإن قبح الابتداء بما بعده.
فقوله: لا يوقف على {الأرض} ليس بصحيح، وقوله: لموضع الابتداء بحرف الاستثناء، فالاستثناء إذا كان منقطعا ابتدئ فيه بحرف الاستثناء لأنه بمعنى لكن.
وحكي عن الخليل أن كل (لولا) في القرآن فمعناها هلا، إلا التي في الصافات، يعني قوله عز وجل: {فلولا أنه كان من المسبحين}. وما هذا بصحيح، ففي القرآن مواضع مثل الذي في الصافات كما قدمته. ومن ذلك {لولا أن تداركه نعمة من ربه}، {ولولا رجال مؤمنون} {ولولا أن ثبتناك لقد كدت}، {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة}، وقوله عز وجل: {لولا كتاب من الله سبق}.
[2/586]

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:46 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (لا)


القول في (لا)
اختلف العلماء في قوله عز وجل: {لا أقسم بيوم القيامة} و{لا أقسم بهذا البلد} ونحو ذلك: فقال البصريون والكسائي من الكوفيين: معناه: أقسم بيوم القيامة. وقال الزجاج: لا خلاف في أن معناه أقسم، وإنما الخلاف في (لا)، فهي عند البصريين وعامة المفسرين والكسائي زائدة، وقال الفراء: هي رد لكلام تقدم من المشركين، كأنهم جحدوا البعث فقيل لهم: ليس الأمر كذلك ثم أقسم: لتبعثن، فعلى هذا يحسن الوقف على (لا). وقال الفراء: لا تزاد (لا) في أول الكلام، وكذلك قال الزجاج في {لا جرم} إنها نفي لما ظنوه أنه ينفعهم، فكأن المعنى: لا ينفعهم ذلك، جرم أنهم في الآخرة، أي: كسب ذلك الفعل لهم الخسران، و(أن) عنده في موضع نصب، فعلى قوله هذا يوقف على {لا} ويبتدأ بـ {جرم}. و(جرم) عند سيبويه والخليل بمعنى حق، و(أن) في موضع رفع عندهما. فقال الخليل: جيء بـ (لا) ليعلم أن المتكلم لم يبتدئ كلامه وإنما خاطب غيره، فعلى هذا يكون {جرم} عنده هي التي بمعنى حق دون لا، وقال الفراء: هي كلمة كانت في الأصل – والله أعلم – بمنزلة لا بد أنك قائم، ولا محالة أنك قائم، فكثرت حتى صارت بمنزلة حقا، تقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت إليك، وأصلها من جرمت الشيء: أي كسبته. وقال قطرب: المعنى: وجب أن لهم النار، فـ (أن) على قوله في موضع رفع.
[2/587]
وقال الكسائي: المعنى: لا صد ولا منع عن أن لهم، فـ (أن) في موضع نصب عنده بحذف الخافض.
وروى ابن مجاهد عن حمزة أنه كان يمد {لا جرم} كأنه ينبه بذلك على أنه للنفي، وأخذ بذلك ابن مجاهد. وناس من فزارة يقولون: (لا جر)، بغير ميم، ويقول بنو عامر: لا ذا جرم، حكى ذلك الفراء.
وقال ابن عباس في قوله عز وجل: {أن لهم الحسنى لا جرم} المعنى: بلى إن لهم النار.
وكان شيخنا أبو القاسم الشاطبي رحمه الله يقف على قوله عز وجل: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا). وقال العماني: وزعم بعضهم أن الوقف عند قوله: {فاسقا} قال: والمعنى: لا يستوي المؤمن والفاسق، قال: وليس هذا الوقف عندي بشيء، والوقف هو الذي نص عليه أبو حاتم، قال: والمعنى الذي ذكره هذا الزاعم هو الذي يوجب الوقف على قوله: {لا يستوون}، لأنه لما قال: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} نفى التسوية بينهما، ثم أكد النفي بقوله: {لا يستوون}.
قلت: وليس الأمر كما ذكر، وهذا وقف جيد كاف، لأنه على كلام مفيد، والذي بعده متعلق به في المعنى، وهذا معنى الوقف الكافي، وأي فرق بين هذا
[2/588]
وبين قوله عز وجل في سورة التوبة: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} فقد سوغ العماني الوقف ثم على قوله سبحانه: {في سبيل الله}، وإذا جاز الابتداء هناك بقوله عز وجل: {لا يستوون عند الله} جاز هاهنا، ولا فرق.
وقوله عز وجل: {قرة عين لي ولك} وقف تام في قول جماعة، منهم الدينوري، ومحمد بن عيسى، وابن قتيبة، ونافع القارئ، و{لا تقتلوه} نهي. وزعم قوم أن الوقف على (لا) أي: هو قرة عين لي دونك. وهذا فاسد؛ لأن الفعل الذي هو {تقتلوه} مجزوم، فأين الجازم إذا كانت (لا) للنفي لا للنهي.
وروى ابن الأنباري عن أبيه عن ابن الجهم عن الفراء، قال: سمعت محمد بن مروان الذي يقال له السدي يذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها قالت قرة عيني لي ولك لا، ثم قال: تقتلوه قال الفراء: وهو لحن.
وأقول: إن ابن عباس أجل قدرا وأغزر علما من أن يفوه بمثل هذا الخطأ الظاهر واللحن القبيح، ومن أين علمت أنه قرة عين لها دونه، ولم يكن ممن يوحى إليه، هذا لو صح اللفظ، فكيف واللفظ فاسد على ذلك. وقد قال الله عز وجل: {وهم لا يشعرون} ولهذ الوقف نظائر يقف عليها:
من ذلك قوله عز وجل: {لم تعظون قوما} يقف عليه قوم ويحتجون
[2/589]
بأن ما بعده مبتدأ وخبر، وإنما ذلك المبتدأ والخبر في موضع الصفة، والتقدير: لم تعظون قوما مهلكين أو معذبين عذابا شديدا.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ثم إذا دعاكم دعوة} يزعم قوم أنه تام ويبتدئون {من الأرض إذا أنتم تخرجون} قالوا: والتقدير: إذا أنتم تخرجون. من الأرض، فإن كانوا يجعلون {إذا أنتم تخرجون} جواب (إذا) كما تكون جواب (إن) في نحو قوله عز وجل: {وإن تصبهم} فلا يجوز الوقف على {دعوة}، وإن كانوا لا يجعلونه الجواب فأين جواب (إذا)، وهذا وقف حكي عن يعقوب ونافع. وقال السجستاني: الوقف على. {من الأرض}، وذلك أيضا غلط كالأول، لأنه وقف قبل الجواب. وقوله: {من الأرض} كما تقول: دعوت فلانا من المسجد، أي: دعاكم وأنتم في بطن الأرض.
ومن ذلك قوله عز وجل: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} يقف كثير من القراء على قوله عز وجل {حقا} ويبتدئون {علينا نصر المؤمنين}.
فكأنهم بهذا يجمعون بين تحقيق العذاب والانتقام من الذي أجرموا وبين تحقيق نصر المؤمنين. وقال السجستاني: ليس ذلك بوقف، الوقف {نصر المؤمنين} وكأنه قال: وكان نصر المؤمنين حقا علينا. قال: وليس المعنى {وكان حقا} ثم تبتدى: {علينا نصر المؤمنين} ولا يجوز ذلك. وقال ابن الأنباري: الاختيار أن يكون (النصر) اسم كان و(الحق) خبر كان، و(على) متعلق بـ (الحق)، كأنه قال: وكان نصر المؤمنين حقا علينا. قال: ويجوز أن تضمر في (كان) اسما
[2/590]
وتنصب (الحق) على الخبر، فترفع (النصر) بـ (على). كأنك قلت: فانتقمنا من الذين أجرموا وكان انتقامنا حقا، فيحسن الوقف هاهنا، ثم تبتدئ: {علينا نصر المؤمنين} أي علينا أن ننصر المؤمنين بالانتقام من أعدائهم وهم الذين أجرموا.
قال: وعلى الوجه الأول يحسن الوقف على (الحق) ويتم الكلام على (المؤمنين).
وروي عن نافع رحمه الله الوقف على {الذين أجرموا}، والوقف على {حقا} يروى عن بعض أهل الكوفة ولا يليق ذلك بفصاحة القرآن، لأن قوله: (وكان حقا) بمعنى: وكان انتقامنا من الذين أجرموا حقا، أي: وكان ذلك الانتقام حقا ليس فيه كبير فائدة، إنما الفائدة أن يكون المعنى: وكان نصر المؤمنين بالانتقام من الذين أجرموا حقا علينا.
ومن ذلك قوله: {يا بني لا تشرك} يقف عليه قوم ويبتدئون {بالله إن الشرك لظلم عظيم} يجعلون المقسم عليه {إن الشرك لظلم عظيم}، وليس على ذلك أحد من أهل العربية والتفسير علمته، وإنما المراد: لا تشرك بالله، ثم استأنف فقال: {إن الشرك لظلم عظيم}.
ومن ذلك الوقف على قوله عز وجل: {ولها عرش} والابتداء بقوله عز وجل: {عظيم} أي عظيم وجدتها وهذا ليس بكلام جيد، وفيه إخراج كلام الله عز وجل عن المراد: فاحذره، وله نظائر لا تخفى على ذوي التحصيل.
[2/591]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 ذو القعدة 1431هـ/26-10-2010م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي القول في (اللام)


القول في (اللام)
لا يجوز الابتداء بلام كي لتعلقها بما قبلها. وأجاز أبو حاتم السجستاني الابتداء باللام في قوله عز وجل: {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} في سورة التوبة، وقال: إنها لام القسم، والمعنى: ليجزينهم الله، فحذفوا النون استخفافا وكسروا اللام وكانت مفتوحة فأشبهت لام كي في اللفظ فنصبوا بها كما نصبوا بلام كي. قال: وهذا كما قالوا: أكرم بزيد وأنبل به، فجزموا كما جزموا آخر الأمر، إذا كان اللفظ أشبه الأمر، وأنكر عليه ابن الأنباري قوله هذا وهو موضع الإنكار وقال: لأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها، قال: ولو جاز أن يكون معنى {ليجزيهم}: ليجزينهم الله، لقلنا: والله ليقوم زيد، بمعنى: ليقومن زيد، وهذا معدوم في كلام العرب. قال: وليس هذا كالتعجب، لأن التعجب عدل إلى لفظ الأمر، ولام اليمين لم توجد مكسورة قط في حال ظهور اليمين ولا في حال إضمارها. ثم إن السجستاني أجاز الوقف على قوله عز وجل في سورة يونس: {ثم يعيده}، فالابتداء باللام في قوله عز وجل: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} ذاهبا إلى لام القسم وليست بلام كي، وإنما كسرت لشبهها بها على ما تقدم، وأجاز ذلك ابن الأنباري وزعم أنه وقف حسن، وهو يريد بالحسن الكافي.
وقال أبو حاتم في قوله تعالى: {إنه كان ظلوما جهولا} هو وقف تام، ووافقه ابن الأنباري على ذلك. وقال أبو حاتم في قوله عز وجل في سورة سبأ:
[2/592]
{ولا أكبر إلا في كتاب مبين} هو وقف تام، وابتدأ بقوله عز وجل: {ليجزي الذين آمنوا} على ما تقدم من نظائره. وقال ابن الأنباري: هو حسن غير تام. فإن كان المسوغ للوقف في المواضع التي وافق فيها السجستاني هو ما ذكره السجستاني فقد أبطل ما قاله ورجع عن الرد عليه، وإن كان غير ذلك فكان من حقه أن يذكره.
وأقول مستعينا بالله: أما ما ذكره أبو حاتم فإنه شيء لا يقوله أحد، ولو كان مثل ذلك من التغيير جائزا في كلام العرب لبطل كلامها وخرج إلى ما لم يفهم وإنما يقع في كلامها التغيير إذا كان فيه دلالة على الأصل، ولا دلالة على ما قاله، وإني لأعجب من فهمه القسم في هذه المواضع من غير دليل دله على ذلك. وأما التعجب فإنه منقول عن العرب معروف من كلامها وليس في ذلك إلباس، لأنه ليس هنالك مأمور، والتأويل الذي ذكره من قبله لا من قبل العرب. فأما قوله عز وجل: {ليجزيهم الله} فاللام لام كي، وهي متعلقة بـ (كتب) والمعنى: كتب لهم ذلك لأجل الجزاء. وكذلك قوله عز وجل في سورة يونس: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} اللام متعلقة بقوله عز وجل: {إنه يبدئ الخلق ثم يعيده} وهي لام كي، وكذلك قوله عز وجل: {ليعذب المنافقين والمنافقات} هي لام كي متعلقة بقوله عز وجل: {وحملها الإنسان}، وقوله عز وجل في سورة سبأ: {ليجزي} هي لام كي أيضا، والتقدير: لتأتينكم ليجزي، أو تتعلق بقوله: {إلا في كتاب مبين ليجزي} فلا يجوز الابتداء بشيء من هذه الآيات.
[2/593]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
العاشر, الكتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir