في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة المروية
أولاً : القراء
= درجات حملة القرآن وتفاوتهم في علومهم التي يحملونها
ثانياً : معلومات عامة عن القراءات
= أشهر القراءات وسبب شهرتها .
= الدليل على أن القراءات الصحيحة هي التي لها سند صحيح موصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
= كيف تثبت القراءة الصحيحة ؟
= ودرجات القراءات المروية .
= سبب ترك بعض الروايات .
= ما المقصود بقراءة العامة ؟
= ما المقصود بموافقة خط المصحف ؟
= سبب اختلاف الناس في القراءات .
ثانياً : القراءات السبع
= سبب اشتهار القراءات السبع .
= سبب اختلاف كتب المصنفين في القراءات السبعة في بعض الألفاظ .
= مما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم .
= التدرج في اعتماد القراءت السبع حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن .
= هل يجوز قراءة آية بقراءة معينة ثم قراءة الآية التي بعدها بقراءة أخرى ؟
= ترتيب القراءات من حيث القوة وسبب ذلك .
ثالثاً : القراءات السبع والأحرف السبعة
= الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع
رابعاً : القراءة الشاذة والمنكرة
= ما علامة القراءة الضعيفة المنكرة ؟
= هل يجوز الأخذ بالرواية الشاذة من القراءات ؟
= هل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به؟
= كيف نحكم على الرواية من القراءات بالشذوذ ؟
= ابن شنبوذ ما الذي فعله وكيف تعامل العلماء معه ؟
تفصيل المسائل
أولاً : القراء .
= درجات حملة القرآن وتفاوتهم في علومهم التي يحملونها .
- "فمن حملة القرآن المعرب العالم بوجوه الإعراب في القراءات، العارف باللغات ومعاني الكلام، البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين".
- "ومنهم من يعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه".
- "ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، وليس عنده إلا الأداء لما تعلم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ ولا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه، فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بنقله".
- ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعنى ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس في الآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعا .
ثانياً : معلومات عامة عن القراءات .
1- أشهر القراءات وسبب شهرتها :
والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام
سبب شهرتها
- هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيا،
- وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين .
- اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذاهبه .
2- الدليل على أن القراءات الصحيحة هي التي لها سند صحيح موصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
- ما روي -يعني- عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه، قال زيد: القراءة سنة".
- قال إسماعيل القاضي: "أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف".
-وذكر عن محمد بن سيرين أنه قال:كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة" , قال ابن سيرين: "فيرون أو يرجون أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة". أخرجه أبو عبيد وغيره.
وعنه عن عبيدة السلماني قال: "القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرؤها الناس اليوم".
3- كيف تثبت القراءة الصحيحة ؟
- ثبوت تلك القراءة بالنقل الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يلتزم فيه تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة .
- موافقة خط المصحف، بمعنى أنها لا تنافيه .
- عدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة , ومجيئها على الفصيح من لغة العرب .
4- درجات القراءات المروية .
اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين , وبكل قد جاءت الآثار في القراءات , فالآثار التي رويت في الحروف :
- منها المجتمع عليه السائر المعروف .
- منها المتروك المكروه عند الناس: المعيب من أخذ به، وإن كان قد روي وحفظ .
- منها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
- منها اللغة الشاذة القليلة .
- منها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنه قد قرئ به .
- منها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير .
- منها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير .
5- سبب ترك بعض الروايات :
وربما سقط بالرواية لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه ، ولعل كثيرا ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته ، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحلال والحرام والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف.
6- ما المقصود بقراءة العامة ؟
- هي التي اتفق عليها أهل المدينة وأهل الكوفة.
- وربما اختاروا ما اجتمع عليه أهل الحرمين .
7- ما المقصود بموافقة خط المصحف ؟
المراد بموافقة خط المصحف هو ما يرجع إلى زيادة الكلم ونقصانها , وأما ما يرجع إلى الهجاء وتصوير الحروف، فلا اعتبار بذلك في الرسم، فإنه مظنة الاختلاف، وأكثره اصطلاح، وقد خولف الرسم بالإجماع في مواضع من ذلك، كالصلاة والزكاة والحياة، فهي مرسومات بالواو ولم يقرأها أحد على لفظ الواو.
8- سبب اختلاف الناس في القراءات :
- قد اختلف الصحابة في زمنه صلى الله عليه وسلم , لما روي عنه صلى الله عليه وسلم ((إن القرآن نزل على سبعة أحرف)). فلأجل ذلك كثر الاختلاف في القراءة في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعده إلى أن كتبت المصاحف
- ولما كتبت المصاحف على عهد عثمان بحرف واحد باتفاق من الصحابة بالمدينة على ذلك، ونفذت إلى الأمصار وأمروا باتباعها وترك ما عداها، فأخذ الناس بها، وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفها، وأبقوا ما يوافقها صريحا كقراءة {الصراط} بالصاد، واحتمالا كقراءة {مالك} بالألف ؛ لأن المصاحف اتفقت على كتابة "ملك" فيها بغير ألف، فاحتمل أن يكون مراده كما حذفت من "الرحمن" و"إسمعيل" و"إسحق" وغير ذلك.
ثانياً : القراءات السبع
1- سبب اشتهار القراءات السبعة .
اشتهر نقلها عنهم لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر في كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدي بهم وعول فيها عليهم.
2- سبب اختلاف كتب المصنفين في القراءات السبعة في بعض الألفاظ .
ليس جميع ما روي عن القراء السبعة يكون بهذه الصفة ( درجة القبول ) ، بل قد روي عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف وشاذ بخروجه عن الضابط المذكور باختلال بعض الأركان الثلاثة
ولهذا ترى كتب المصنفين في القراءات السبع مختلفة في ذلك، ففي بعضها ذكر ما سقط في غيرها، والصحيح بالاعتبار الذي ذكرناه موجود في جميعها إن شاء الله تعالى.
فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف، لا عمن تنسب إليه.
فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم، فوق ما ينقل عن غيرهم.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه.
والكتب في ذلك -كما ذكرنا- مختلفة، ولا سيما كتب المغاربة والمشارقة، فبين كتب الفريقين تباين في مواضع كثيرة ، فكم في كتابه من قراءة قد أنكرت ، وكم فات كتابه من قراءة صحيحة فيه ما سطرت، على أنه لو عرف شروط التواتر لم يجسر على إطلاق هذه العبارة في كل حرف من حروف القراءة.
3- مما نسب إلى القراء السبعة وفيه إنكار لأهل اللغة وغيرهم .
- الجمع بين الساكنين في تاءات البزي .
- وإدغام أبي عمرو .
- وقراءة حمزة "فما اسطاعوا" .
- وتسكين من أسكن "بارئكم" و"يأمركم" ونحوه و"سبأ" و"يا بني" و"مكر السيئ"" .
- وإشباع الياء في "نرتعي" و"يتقي ويصبر" و"أفئدة من الناس" وقراءة "ليكة" بفتح الهاء، وهمز "سأقيها"، وخفض "والأرحام"، ونصب "كن فيكون"، والفصل بين المضافين في "الأنعام" .
4- التدرج في اعتماد القراءت السبع حتى وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن .
فكل هذا محمول على قلة ضبط الرواة فيه على ما أشار إليه كلام ابن مجاهد المنقول في أول هذا الباب.
وإن صح فيه النقل فهو من بقايا الأحرف السبعة التي كانت القراءة مباحة عليها، على ما هو جائز في العربية، فصيحا كان أو دون ذلك.
وأما بعد كتابة المصاحف على اللفظ المنزل، فلا ينبغي قراءة ذلك اللفظ إلا على اللغة الفصحى من لغة قريش وما ناسبها، حملا لقراءة النبي [صلى الله عليه وسلم] والسادة من أصحابه على ما هو اللائق بهم، فإنهم كما كتبوه على لسان قريش، فكذا قراءتهم له.
وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة، أي كل فرد فرد مما روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول، ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض، فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
5- هل يجوز قراءة آية بقراءة معينة ثم قراءة الآية التي بعدها بقراءة أخرى ؟
قال شيخ الشافعية أبو عمرو عثمان : "وإذا شرع القارئ بقراءة فينبغي أن لا يزال يقرأ بها ما بقي للكلام تعلق بما ابتدأ به، وما خالف هذا ففيه جائز وممتنع، وعذر المرض منع من بيانه بحقه، والعلم عند الله تبارك وتعالى".
وقال شيخ المالكية : "وأما القراءة بالقراءات المختلفة في آي العشر الواحد فالأولى أن لا يفعل، نعم، إن قرأ بقراءتين في موضع إحداهما مبنية على الأخرى، مثل أن يقرأ "نغفر لكم" بالنون و"خطيئاتكم" بالرفع، ومثل "إن تضل إحديهما" بالكسر "فتذكر إحديهما" بالنصب، فهذا أيضا ممتنع، وحكم المنع كما تقدم، والله أعلم".
قلت: المنع من هذا ظاهر، وأما ما ليس كذلك فلا منع منه، فإن الجميع جائز، والتخيير في هذا، وأكثر منه كان حاصلا بما ثبت من إنزال القرآن على سبعة أحرف توسعة على القراء، فلا ينبغي أن يضيق بالمنع من هذا ولا ضرر فيه، نعم، أكره ترداد الآية بقراءات مختلفة كما يفعله أهل زماننا في جميع القراءات لما فيه من الابتداع، ولم يرد فيه شيء عن المتقدمين. وقد بلغني كراهته عن بعض متصدري المغاربة المتأخرين، والله أعلم.
6- ترتيب القراءات من حيث القوة وسبب ذلك .
قد اختار قوم قراءة عاصم ونافع فيما اتفقا عليه وقالوا: قراءة هذين الإمامين أصح القراءات سندا وأفصحها في العربية، وبعدهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي".
ثالثاً: القراءات السبع و الأحرف السبعة .
1- الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع
وأما من يهول في عبارته قائلا: إن القراءات السبع متواترة، لـ(أن القرآن أنزل على سبعة أحرف) فخطؤه ظاهر .
ولو سئل هذا القائل عن القراءات السبع التي ذكرها لم يعرفها ولم يهتد إلى حصرها، وإنما هو شيء طرق سمعه فقاله غير مفكر في صحته، وغايته -إن كان من أهل هذا العلم- أن يجيب بما في الكتاب الذي حفظه .
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
وغاية ما يبديه مدعي تواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تسكب العبرات، فإنها من ثم لم تنقل إلا آحادا، إلا اليسير منها.
رابعاً : القراءات الشاذة والمنكرة .
1- ما علامة القراءة الضعيفة المنكرة ؟
إن اختلت هذه الأركان الثلاثة ( رسم المصحف , اللغة العربية , صحة السند ) أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة .
2- هل يجوز الأخذ بالرواية الشاذة من القراءات ؟
- قال الشيخ أبو الحسن : لا يجوز الانفراد بالشاذ وخروجه عما عليه الجمهور، والذي لم تزل عليه الأئمة الكبار القدوة في جميع الأمصار من الفقهاء والمحدثين وأئمة العربية توقير القرآن واجتناب الشاذ واتباع القراءة المشهورة ولزوم الطرق المعروفة في الصلاة وغيرها".
- قال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم أو روى عن كل أحد أو روى كل ما سمع".
- والرواية الشاذة حتى وإن كان لها سند صحيح لا نأخذ به لمخالفته للعامة من القراء , وهذا حاصل ما قاله العلماء من هارون وخلاد بن يحيى الباهلي في تعليقهم عن رواية للسيدة عائشة رضي الله عنها .
- وقد أنكر العلماء إنكاراً شديداً على هارون بن موسى الأعور لتتبعه القراءات والشاذ منها وألف في ذلك كتاباً
- كل ما لم يوجد في القراءات عدا السبع أو كما عدا العشر فممنوع من القراءة به منع تحريم لا منع كراهة في الصلاة وخارج الصلاة، وممنوع منه من عرف المصادر والمعاني ومن لم يعرف ذلك، وواجب على من قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقوم بواجب ذلك، وإنما نقلها من نقلها من العلماء لفوائد فيها تتعلق بعلم العربية، لا للقراءة بها، هذا طريق من استقام سبيله".
-وقال شيخ المالكية رحمه الله:
"لا يجوز أن يقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا غيرها، عالما كان بالعربية أو جاهلا. وإذا قرأ بها قارئ فإن كان جاهلا بالتحريم عرف به وأمر بتركها، وإن كان عالما أدب بشرطه، وإن أصر على ذلك أدب على إصراره وحبس إلى أن يرتدع عن ذلك".
"وأما تبديل "أتينا" بأعطينا و"سولت" بزينت ونحوه، فليس هذا من الشواذ، وهو أشد تحريما، والتأديب عليه أبلغ، والمنع منه أوجب".
مسألة : هل تجوز القراءة بالمعنى ؟
أما القراءة بالمعنى على تجوزه من غير أن ينقل قرآنا فليس ذلك من القراءات الشاذة أصلا، والمجترئ على ذلك مجترئ على عظيم وضال ضلالا بعيدا، فيعزر ويمنع بالحبس ونحوه ولا يخلي ذا ضلالة ولا يحل للمتمكن من ذلك إمهاله، ويجب منع القارئ بالشاذ وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه".
3- هل في هذه الشواذ شيء تجوز القراءة به؟
لا تجوز القراءة بشيء منها
قال مالك: "من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة مما يخالف المصحف، لم يصل وراءه".
قلت: وقد ذكر الإمام أبو بكر الشاشي "إن الصلاة بالقراءة الشاذة لا تصح".
4- كيف نحكم على الرواية من القراءات بالشذوذ ؟
- خروجها عن إجماع المسلمين وعن الوجه الذي ثبت به القرآن -وهو التواتر- وإن كان موافقا للعربية وخط المصحف؛ لأنه جاء من طريق الآحاد، وإن كانت نقلته ثقات. فتلك الطريق لا يثبت بها القرآن.
- ومنها ما نقله من لا يعتد بنقله ولا يوثق بخبره، فهذا أيضا مردود، لا تجوز القراءة به ولا يقبل، وإن وافق العربية وخط المصحف، نحو "ملك يوم الدين" بالنصب.
قلت: هذا كلام صحيح، ولكن الشاذ في ضبط ما تواتر من ذلك وما أجمع عليه.
قلت:
-قال أبو عمر: "وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك إلا قوما شذوا لا يعرج عليهم".
5- ابن شنبوذ ما الذي فعله وكيف تعامل العلماء معه ؟
ما الذي فعله ابن شنبوذ ؟
زعم ابن شنبوذ أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن، يوافق خط المصحف فقراءته به جائزة في الصلاة وفي غيرها، وفعله هذا من أكبر الآثام لأنه
- ابتدع بفعله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مزلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله،
- وحاول إلحاق كتاب الله عز وجل من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه،
- إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله عز وجل بسيئ رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض على أهل الإسلام قبوله والأخذ به كابرا عن كابر وخالفا عن سالف".
- استتيب فأظهر التوبة ثم عاد إلى بدعته مرة أخرى .
بعض ماروي من قراءة ابن شنبوذ :
"وكان مما اعترف به عند المناظرة مع القراء : "فامضوا إلى ذكر الله"، "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا"، "كالصوف المنفوش"، "تبت يدا أبي لهب وقد تب"، "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب"، "والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى"، "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما"، "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم"، "تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
طريقة تعامل العلماء معه
- وكان أبو بكر بن مجاهد -نضر الله وجهه- نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وأشهد عليه بترك ما ارتكبه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه، فلم يأت بطائل، ولم تكن له حجة قوية ولا ضعيفة، فاستوهب أبو بكر رحمه الله تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته .
- وصنف أبو بكر الأنباري كتباً في الرد عليه .
- ووجه السلطان ( الراضي ) إليه واحضره إلى مجلس العلماء للمناظرة وحاول العلماء استتابته فأبى ذلك فضرب وبعدها أظهر التوبة ودعى عليه بقطع اليد وتشتت الشمل وقطع لسانه , وقد حدث له كل ذلك .
تمت بحمد الله