المجموعة الثانية:
س1: بيّن أهميّة العناية بمبدأ التثبّت في الخبر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة والتابعين.
مما هو معلوم أن مبدأ التثبت وقضية الإسناد هو خصيصة من خصائص هذه الأمة المباركة دون غيرها من سائر الأمم، فقد وضع الأئمة الثقات كتبا مسندة للتفسير، وذكروا فيها أحاديثا للنبي صلى الله عليه وسلم تعين على تفسير آيات القرآن ذات أسانيد اهتموا بذكرها اهتماما بالغا، هذا على الرغم من حاجتهم إلى الورق وإلى الأقلام والأحبار التي يكتبون بها، بالإضافة لأهمية الوقت بالنسبة لهم، ومع ذلك اعتنوا بالتثبت في الخبر المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الصحابة أو التابعين أشد العناية، وبالتثبت من صحة قائله لئلا يطلق القبول لكل قول نسب للنبي صلى الله عليه وسلم أو للصحابة والتابعين فيفسر به كلام الله، فيقول من شاء ما شاء في كلام الله، وهذا هو الخطر الجسيم. فالحاجة ماسة لتطبيق منهج المحدثين في التثبت من صحة ما فسر به كلام الله، فأعل المحدثون بعض المرويات وألفوا بها كتبا ككتاب العلل لابن أبي حاتم، الذي جمع فيه أحاديثا مرفوعة وموقوفة وآثارا للتابعين وتطرق إلى تعليلها مثلها مثل غيرها من أبواب الدين.
فما كان يحتاج فيه إلى التشديد فإنه لا يمكن أن يطلق القول بعدم تطبيق قواعد المحدثين عليه، فهذا ما لا يقبل بأي حال، ولا مانع من التساهل فيما يمكن التساهل فيه على مرويات التفسير فلا يتشدد فيها خاصة التي تندرج تحت لغة العرب ولم يوجد ما يعترض عليه، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وكذلك ما جاء في الترغيب والترهيب، أما الذي لا يتساهل فيه فهو المرويات التي تفسر آية بآية أخرى، أو آية بحديث أو بأثر عن الصحابي أو التابعي الملازم للصحابي، فينبغي تطبيق قواعد المحدثين عليها لئلا يتقول على الله بلا علم. فوضع المحدثون كتبا للحديث لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها.
س2: بيّن الخلاف في مسألة تطبيق قواعد المحدّثين على أسانيد التفسير مع الترجيح.
اختلف العلماء في مسألة تطبيق قواعد المحدثين على أسانيد التفسير إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: من تشدد في تطبيق قواعد المحدثين على أسانيد التفسير، حتى ضيق الباب على قبول كثير من المرويات لمخالفتها تلك القواعد.
المجموعة الثانية: من توسع في قبول كل ما روي دون مراعاة لقواعد المحدثين على أسانيدها.
أما الراجح: فهو التشدد مع ما يحتاج التشدد فيه مثل: المرويات التي تفسر آية بآية، أو حديث بآية أو أثر مروي عن الصحاب أو التابعي، فهذا لابد من تطبيق قواعد المحدثين عليه لئلا يفضي إلى القول على الله بلا علم، ومثله ما يتعلق بأبواب الاعتقاد وما يتضمنه من مرويات في أسماء الله تعالى وصفاته، فهذه يحتاج معها إلى التثبت. والتساهل مع ما يمكن التساهل فيه كالمرويات التي جاءت في الترغيب والترهيب والفضائل، وكذلك ما كان مبينا على أساس سليم من لغة العرب ومن الأفهام السليمة التي لا تتعارض مع شيء من القواعد تلك.
س3: بيّن أسباب الضعف في المرويات، ودرجاته.
يختلف الضعف في المرويات إما بسبب:
- سقط في الإسناد: كالأحاديث المرسلة أو التي فيها تدليس أو أحد أسباب العلة كالعنعنة.
- أو بسبب طعن في الراوي: وهذا الطعن إما أن يكون في عدالة الراوي أو في حفظه أو في صفة روايته.
ودرجاته:
الدرجة الأولى: أن يكون الضعف في تلك المرويات ليس بالشديد، فيتساهل به، وهو الذي تخف فيه شروط القبول، أو تكون له شواهد صحيحة أو جاء من عدة طرق تقويه.
الدرجة الثانية: أن يكون شديد الضعف كالتي يرويها المبتدع صاحب الهوى فيروي ما يعزز بدعته، كالمتشيع الذي يفسر آية البقرة بعائشة رضي الله عنها، وحاشاها من ذلك القول الزور، فهذه الروايات وما في حكمها ترد ولا يؤخذ بها، ومثلها الروايات الموضوعة والمكذوبة والمنكرة.
س4: لخّص وصيّة الشيخ للمفسّر (من غير أهل الحديث) في التعامل مع المرويات في التفسير.
ينبغي لمن لم يكن من أهل الحديث وأراد أن يتعامل مع المرويات في التفسير أن يحرص على ما يلي:
- أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة عليها مادام أنه يمكن أن يكون محكوما في هذا، فلا يشترط منه أن يجتهد في تمحيص تلك الرواية، فقد يكون قد كُفِيَ المؤونة من قبل من سبقه من المحدثين الذين حكموا على هذه المرويات، من أمثلة: (كتاب العلل لابن أبي حاتم)، (كتاب العلل للترمذي)، (كتاب العلل للدارقطني) أو غيرها من كتب العلل، فينبه على العلل التي ذكرها المحدثون في الحديث، فلا يستشهد به، ولا يستدل به، أما إن كان الحديث صحيحا قد صححه أئمة النقد مثلا ولم يخالف من إمام آخر فلا مانع من الأخذ به.
- إن كان الحديث مثلا في (مستدرك أبي عبد الله الحاكم) وصححه الحاكم، ولم يتعقبه الذهبي، فلا يكتفى بحكمه، بل عليه أن ينظر في الإسناد، فيرى هل هناك من تكلم عن هذه الرواية تصحيحا أو تضعيفا من أئمة آخرين؟ فلا يعتمد على الأئمة المتساهلين، بل يعمد إلى الأئمة الأشد تطبيقا لقواعد المحدثين.
- أن يأخذ من علوم الحديث المقدار الذي يعينه إلى حد ما، فينظر في الإسناد، هل فيه من ضعّفت روايته؟ مثل ما نجده في (تقريب التهذيب) من أحكام الحافظ ابن حجر على أولئك الرجال، فإن وجد في إسناده راو ضعيف، فلا يستشهد بتلك الرواية. والمقصود أن يأخذ الخطوط العريضة مع الحذر من إطلاق الأحكام، وليتورع عن الأخذ بتلك الرواية حتى يفتش عنها أكثر فلا يتعجل فيها.
- أن يستعين بمن يمكنه أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث، فيتصل بأحد المشائخ طلبة العلم الموجودين في الساحة فيعينونه في الحكم على هذه الرواية إن لم يتضح له منها شيء من خلال أقوال الأئمة أو من خلال العلل الظاهرة.