دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > مقدمات المفسرين > مقدمة تفسير الماوردي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 جمادى الأولى 1431هـ/24-04-2010م, 02:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي معنى إعجاز القرآن

فصل
فأما إعجاز القرآن الذي عجزت به العرب عن الإتيان بمثله ، فقد اختلف العلماء فيه على ثمانية أوجه:
أحدها: أن وجه إعجازه ، هو الإعجاز والبلاغة ، حتى يشتمل يسير لفظه على كثير المعاني ، مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ} فجمع في كلمتين ، عدد حروفهما عشرة أحرف ، معاني كلام كثير.
والثاني: أن وجه إعجازه ، هو البيان والفصاحة ، التي عجز عنها الفصحاء ، وقصّر فيها البلغاء ، كالذي حكاه أبو عبيد ، أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: {فاصدع بما تؤمر} فسجد ، وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام ، وسمع آخر
رجلا يقرأ: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِياً} فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.
وحكى الأصمعي قال: رأيت بالبادية جارية خماسية أو سداسية وهي تقول:
أستغفر الله لذنبي كله
قتلت إنسانا لغير حله
مثل غزال ناعم في دله
فانتصف الليل ولم أصله
فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك ، فقالت: أتعد فصاحة بعد قول الله عزَّ وجلَّ: {وَأْوْحَيْنَا إِلَى أُمَّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمَّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكَ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} فجمع في آية واحدة ، بين أمرين ، ونهيين ، وخبرين ، وإنشاءين.
والثالث: أن وجه إعجازه ، هو الوصف الذي تنقضي به العادة ، حتى صار خارجا عن جنس كلام العرب ، من النظم ، والنثر ، والخطب ، والشعر ، والرجز ، والسجع ، والمزدوج ، فلا يدخل في شيء منها ولا يختلط بها ، مع كون ألفاظه وحروفه في كلامهم ، ومستعمله في نظمهم ونثرهم.
حكي أن ابن المقفع طلب أن يعارض القرآن ، فنظم كلاما ، وجعله مفصلا ، وسماه سورا ، فاجتاز يوما بصبي يقرأ في مكتب: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيِ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فرجع ، ومحا ما عمل ، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدا ، وما هو من كلام البشر ، وكان فصيح أهل عصره.
والرابع: أن وجه إعجازه ، هو أن قارئه لا يكل ، وسامعه لا يمل ، وإكثار تلاوته تزيده حلاوةً في النفوس ، وميلاً إلى القلوب ، وغيره من الكلام ، وإن كان مستحسن النظمن مستعذب النثر ، يمل إذا أعيد ويستثقل إذا ردد.
والخامس: أن وجه إعجازه ، هو ما فيه من الإخبار بما كان مما علموه ، أو لم يعلموه ، فإذا سألوا عنه ، عرفوا صحته ، وتحققوا صدقه، كالذي حكاه من قصة أهل الكهف ، وشأن موسى والخضر ، وحال ذي القرنين ، وقصص الأنبياء مع أممها ، والقرون الماضية في دهرها.
والسادس: أن وجه إعجازه ، هو ما فيه من علم الغيب ، والإخبار بما يكون ، فيوجد صدقه وصحته ، مثل قوله لليهود: {قُلْ إنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِّنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادقِينَ} ثم قال: {وَلَنْ يَتَمَنَّمْوهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أيدِيِهِمْ} فما تمناه واحد منهم ، ومثل قوله تعالى لقريش: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} فقطع بأنهم لا يفعلون ، فلم يفعلوا.
والسابع: أن وجه إعجازه ، هو كونه جامعاً لعلوم لم تكن فيهم آلاتها ، ولا تتعاطى العرب الكلام فيها ، ولا يحيط بها من علماء الأمم واحد ، ولا يشتمل عليها كتاب وقال تعالى:) مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ (وقال:) تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): " فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم هو الحق ليس بالهزل من طلب الهدى من غيره ضل " وهذا لا يكون إلا عند الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
والثامن: أن إعجازه هو الصرفة ، وهو أن الله تعالى صرف هممهم عن معارضته مع تحديهم أن يأتوا بسورة من مثله ، فلم تحركهم أنفه التحدي ، فصبروا على نقص العجز ، فلم يعارضوه ، وهم فصحاء العرب مع توفر دواعيهم على إبطاله ، وبذل نفوسهم في قتاله ، فصار بذلك معجزا لخروجه العادة كخروج سائر المعجزات عنها.
واختلف من قال بهذه الصرفة على وجهين:
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه ، ولو تعرضوا لعجزوا عنه.
والثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له ، مع كونه في قدرتهم ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه.
فهذه ثمانية أوجه ، يصح أن يكون كل واحدٍ منها إعجازاً ، فإذا جمعها القرآن وليس اختصاص أحدها بأن يكون معجزاً بأولى من غيره ، صار إعجازه من الأوجه الثمانية ، فكان أبلغ في الإعجاز ، وأبدع في الفصاحة والإيجاز.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, إعجاز

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir