[وَفاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وَتُوُفِّيَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وسِتِّينَ.
وقيلَ: خمسٍ وسِتِّينَ. وقيلَ: سِتِّينَ. والأوَّلُ أَصَحُّ [1].
وتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ الاثنينِ، حينَ اشْتَدَّ الضُّحَى، لثِنْتَيْ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ منْ شهرِ ربيعٍ الأَوَّلِ.
وقيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا منهُ، وقيلَ: لاستهلالِ شَهْرِ ربيعٍ الأَوَّلِ [2].
ودُفِنَ ليلةَ الأربعاءِ.
وقيلَ: ليلةَ الثُّلاثاءِ [3].
وكانتْ مُدَّةُ عِلَّتِهِ اثْنْيَ عَشَرَ يَوْمًا.
وقيلَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ يومًا [4].
وغَسَّلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ، وعَمُّهُ العَبَّاسُ، والْفَضْلُ بنُ العَبَّاسِ، وقُثَمُ بنُ العَبَّاسِ، وأُسَامَةُ بنُ زَيدٍ وشُقْرَانُ مَوْلَيَاهُ، وحَضَرَهم أَوْسُ بنُ خَوْلِيٍّ الأنصاريُّ [5].
وكُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ -بلدةٌ باليَمَنِ- ليسَ فيها قَميصٌ ولا عِمَامَةٌ [6].
وصَلَّى عليهِ المسلمونَ أَفْذَاذًا، لَمْ يَؤُمَّهُمْ عليهِ أَحَدٌ [7].
وفُرِشَ تَحتَهُ قَطيفةٌ حَمْرَاءُ [8] كانَ يَتَغَطَّى بها.
ودَخَلَ قَبرَهُ العَبَّاسُ، وعَلِيٌّ، والفَضْلُ، وقُثَمُ، وشُقْرَانُ. وأُطْبِقَ عليهِ تِسْعُ لَبِنَاتٍ [9].
ودُفِنَ في الْمَوضِعِ الذي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فيهِ حَوْلَ فِراشِهِ.
وحُفِرَ لهُ وأُلْحِدَ في بَيْتِهِ الذي كانَ بَيْتَ عَائِشَةَ [10]، ثمَّ دُفِنَ معهُ أبو بكرٍ وعمرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1] ودليلُهُ ما ثَبَتَ في (صحيحِ البخاريِّ) (3536)، (4466)، و( مسلمٍ) (58)، (2349): عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وسِتِّينَ.
[2] اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ سنةَ إحدى عشرَ لِلْهِجْرَةِ، واتَّفَقُوا على تَحديدِ الشهرِ وهوَ شَهرُ ربيعٍ الأَوَّلِ منْ ذلكَ العامِ، واتَّفَقُوا على أنَّ يومَ الوَفاةِ يومُ الاثنيْنِ، ويَكادُ يكونُ ذلكَ إجماعًا.
وأمَّا تَحديدُ تاريخِ اليومِ فوَقَعَ فيهِ الْخِلافُ، فقيلَ: في أوَّلِ يومٍ من الشهْرِ، وقيلَ: في اليومِ الثاني، وقيلَ: الثامِنِ، وقيلَ: الثانيَ عشَرَ. والأخيرُ هوَ المشهورُ وعليهِ الجمهورُ، لكنْ نازَعَ فيهِ بعضُ العُلماءِ.
والمشهورُ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ حينَ اشْتَدَّ الضُّحَى كما ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ، لكنْ ذَهَبَ بعضُ العُلماءِ إلى أنَّ وَفاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانتْ بعدَ الزوالِ تَمَسُّكًا بظاهِرِ حديثِ أَنَسٍ عندَ البخاريِّ (4448)، وفيهِ: وتُوُفِّيَ منْ آخِرِ ذلكَ اليومِ. وجَمَعَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ بَيْنَ ذلكَ في (الفتحِ) (8/ 143 - 144)، بأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ عندَ الزوالِ حيثُ إنَّ هذا الوقتَ هوَ غايَةُ اشتدادِ الضُّحَى، وهوَ ابتداءُ الدخولِ في أَوَّلِ النصْفِ الثاني من النهارِ.
وانْظُرْ في مسألةِ وَفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فتحَ البارِي) (8/ 129 - 130) (البدايَةَ والنهايَةَ) (5 / 275 - 277) (السِّيَرَ) للذهبيِّ ص (568)، (الطبقاتِ) (2/ 272 - 274)، (تاريخَ الطبريِّ) (3 / 232) (عيونَ الأثَرِ) (2 / 432)، (لطائفَ المعارِفِ) ص (113).
[3] والراجحُ ليلةُ الأربعاءِ عندَ السحَرِ، كما جَزَمَ بهِ خَليفةُ بنُ خَيَّاطٍ في (تاريخِهِ) ص (94). ورَجَّحَهُ ابنُ كثيرٍ في (البدايَةِ والنهايَةِ)، ونَقَلَ إنَّهُ قولُ غيرِ واحدٍ من الأَئِمَّةِ سَلَفًا وخَلَفًا (5 / 291 - 292).
[4] والأكثرونَ على أنَّ مُدَّةَ مَرَضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثةَ عشرَ يومًا، كما ذَكَرَ الحافظُ في (الفتحِ) (8 / 129).
[5] انظُر (البدايَةَ والنهايَةَ) (5 / 280 - 283).
[6] رواهُ البخاريُّ في عِدَّةِ مَواضِعَ منْ (صَحيحِهِ) منها (1264)، ومسلِمٌ (941)، وزادَ: منْ كُرْسُفٍ؛ أيْ: قُطْنٍ.
[7] نَقَلَ ابنُ كثيرٍ الإجماعَ على هذا في (البدايَةِ والنهايَةِ) (5 / 286).
ونَقَلَ عن الشافعيِّ في (السيرةِ) ص (152): الحكمةُ في هذا قولُهُ: إِنَّما صَلُّوا عليهِ مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ أَفذاذًا، أيْ: أَفرادًا؛ لعِظَمِ قَدْرِهِ ولِمُنَافَسَتِهْم أنْ يَؤُمَّهُمْ عليهِ أحدٌ. اهـ
وكلامُهُ هذا في كتابِ (الأُمِّ) (1/ 244).
[8] رواهُ مسلِمٌ (967)، والنَّسائيُّ (4/ 81).
[9] راجِع (البدايَةَ والنهايَةَ) (5/ 286).
وقدْ روى مُسْلِمٌ (966) عنْ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: الْحِدُوا لي لَحْدًا، وانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كما صُنِعَ برسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ.
[10] قالَ ابنُ كثيرٍ في (البدايَةِ والنهايَةِ) (5/293): وقدْ عُلِمَ بالتَّوَاتُرِ أنَّهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ دُفِنَ في حُجرةِ عائشةَ التي كانتْ تَخْتَصُّ بها شَرْقِيَّ مَسجِدِهِ في الزَّاوِيَةِ الغربيَّةِ الْقِبْلِيَّةِ من الْحُجرةِ، ثمَّ دُفِنَ فيها أبو بكرٍ ثمَّ عمرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. اهـ
وفي (صحيحِ البخاريِّ) (3189): عنْ عائشةَ، أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ في بيتِها.
واعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ لاقتفاءِ سُنَّةِ الحبيبِ المصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ لا حُجَّةَ لأَحَدٍ من الناسِ في إقامةِ الأَضْرِحَةِ والْمَشَاهِدِ على القُبورِ احتجاجًا بكَوْنِ قَبْرِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داخلَ الْمَسْجِدِ الآنَ، وبغيرِ ذلكَ من الْحُجَجِ والشُّبهاتِ؛ وذلكَ لأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَ منْ هذا الصَّنيعِ أشدَّ التحذيرِ، وفي آخِرِ أيَّامِهِ في الدُّنْيَا قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ))، قالتْ عائشةُ: يُحَذِّرُ ما صَنَعُوا.
ثم إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدْفَنْ في المسجِدِ في زَمَنِ الْخُلفاءِ الراشدينَ ومَنْ بَعْدَهم، حتَّى وَلِيَ الأمرَ الوليدُ بنُ عبدِ الْمَلِكِ فأَمَرَ بتَوسِعَةِ مسجدِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشَمِلَت التَّوْسِعَةُ الجهةَ الشرقيَّةَ، جِهَةَ حُجُراتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصارَتْ بذلكَ الحُجْرَةُ التي دُفِنَ فيها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ داخلَ المسجِدِ، وذلكَ سنةَ ثمانٍ وثمانينَ للَّهِجرةِ، ولمْ يكُنْ مُصِيبًا في فِعْلِهِ هذا، ولأَجْلِ ذلكَ اسْتَنْكَرَ العلماءُ ما قامَ بهِ، ثمَّ بَقِيَ على حالِهِ تلكَ إلى يومِنا هذا، ولم يُغَيَّر البِناءُ دَرْءًا للفِتنةِ وذَرائعِ الْخِلافِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
ولِمَزِيدِ الفائدةِ: راجِعْ (مجموعَ فَتَاوى ابنِ تَيْمِيَةَ) (21 /12)، وما كَتَبَهُ أيضًا سماحةُ شيخِنا العَلَّامَةُ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بَازٍ حولَ الموضوعِ نفسِهِ في (مجموعِ فَتَاوَى ومَقالاتِ سَمَاحَتِهِ) (4 / 337 - 38)، وما كَتَبَهُ الشيخُ العَلَّامَةُ الألبانيُّ في كتابِهِ (تحذيرُ الساجِدِ من اتِّخاذِ القُبورِ مَساجِدَ) (ص58 وما بعدَها) (ص133 وما بعدَها).