وَتُنْصَبُ المَوَازِيْنُ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ العِبَادِ، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِيْنُهُ فأُوُلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}. قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} وَقَالَ: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}.
"وَالمَوَازِينُ: جَمْعُ مِيزَانٍ، وَأَصْلُهُ: مِوْزاَنٌ فَقُلَبَتِ الوَاوُ يَاءً لكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، واختُلِفَ في ذِكْرِه هنا بلَفْظِ الجَمْعِ. هلِ المُرادُ أنَّ لكلِّ شخصٍ ميزاناً؟ أو لكلِّ عَمَلٍ ميزانٌ فيكونُ الجَمْعُ حَقِيقَةً؟ أَوْ ليْسَ هُنَاكَ إِلا مِيزَانٌ وَاحِدٌ وَالجَمْعُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الأَعْمَالِ أَوِ الأَشْخَاصِ؟ وَيَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الأَعْمَالِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الجَمْعُ للتَّفْخِيمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ} مَعَ أَنَّهُ لمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ إِلا وَاحِدٌ، وَالذي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ. وَلا يُشْكِلُ بِكَثْرَةِ مَن يُوزَنُ عَمَلُهُ؛ لأَنَّ أَحْوَالَ القِيَامَةِ لا تُكَيَّفُ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا. وَحَكَى حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ ردًّا عَلَى مَن أَنْكَرَ المِيزَانَ مَا مَعْنَاهُ: قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ ليَوْمِ القِيَامَةِ} وَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِيزَانَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَمَنْ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَصَّ مِمَّنْ يُحَاسَبُ وَتُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ طَائِفَتَانِ: فَمِن الكَفَّارِ مَن لا ذَنْبَ لهُ إِلا الكُفْرُ وَلَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي النَّارِ مِن غَيْرِ حِسَابٍ وَلا مِيزَانٍ , وَمِن المُؤْمِنِينَ مَن لا سَيِّئَةَ لهُ وَلَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَحْضِ الإِيمَانِ فَهَذَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. كَمَا فِي قِصَّةِ السَّبْعِينَ ألفاً وَمَن شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقَهُ بِهِمْ، وَهُمُ الذينَ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَالبَرْقِ الخَاطِفِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِدِ الخَيْلِ، وَمَن عَدَا هَذَيْنِ مِن الكُفَّارِ وَالمُؤْمِنِينَ يُحَاسَبُونَ، وَتُعْرَضُ أَعْمَالُهُمْ عَلَى المَوَازِينِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الإِيمَانِ بِالمِيزَانِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ العِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَنَّ المِيزَانَ لهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالأَعْمَالِ، وَأَنْكَرَتِ المُعْتَزِلَةُ المِيزَانَ وَقَالُوا: هُوَ عِبَارَةٌ عَن العَدْلِ، فَخَالَفُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ لأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ المُوَازِينَ لوَزْنِ الأَعْمَالِ ليَرَى العِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً فَيَكُونُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَاهِدِينَ.
وَالحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الأَعْمَالَ حِينَئِذٍ تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ المُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ. وَرَجَّحَ القُرْطُبِيُّ أَنَّ الذي يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الأَعْمَالُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ، وَقَدْ أَخْـرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّـانَ، عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا يُوضَـعُ فِي المِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ)) وَفِي حَـدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: ((تُوضَعُ المَوَازِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَتُوزَنُ الحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ، فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثَقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ دَخَلَ النَّارَ)). قِيلَ: فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؟ قَالَ: ((أُولَئِكَ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ)). أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ , وَقَالَ البَغْوَيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قِيلَ: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)، ذُكِرَ بِلَفْظِ الجَمْعِ وَالمِيزَانُ وَاحِدٌ ؟ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لفْظُهُ جَمْعاً وَمَعْنَاهُ واحداً كَقَوْلهِ (يَأَيُّهَا الرُّسُلُ)، وَقِيلَ: لكُلِّ عَبْدٍ مِيزَانٌ، وَقِيلَ الأَصْلُ مِيزَانٌ وَاحِدٌ عَظِيمٌ. وَلكُلِّ عَبْدٍ فِيهِ مِيزَانٌ مُعَلَّقٌ بِهِ. وَقِيلَ: جَمَعَهُ ؛ لأَنَّ المِيزَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى الكِفَّتَيْنِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَاللِّسَانِ وَلا يَتِمُّ الوَزْنُ إِلا بِاجْتِمَاعِهَا. اهـ.
وَالذي يُوضَعُ فِي المِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ قِيلَ الأَعْمَالُ وَإِنْ كَانَتْ أَعْرَاضاً، إِلا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْلِبُهَا يَوْمَ القِيَامَةِ أَجْسَاماً. قَالَ البَغْوَيُّ: رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَن ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: ((مِنْ أَنَّ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَابَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ))
وَمِن ذَلكَ فِي الصَّحِيحِ قِصَّةُ القُرْآنِ ((وَأَنَّهُ يَأْتِي صَاحِبَهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ شَاحِبِ اللَّوْنِ فَيَقُولُ مَن أَنْتِ؟ فَيَقُولُ: أَنَا القُرْآنُ الذي أَسْهَرْتُ ليْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ)).
وَفِي حَدِيثِ البَرَاءِ فِي قِصَّةِ سُؤَالِ القَبْرِ: ((فَيَأْتِي المُؤْمِنَ شَابٌّ حَسَنُ اللَّوْنِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ)) وَذَكَرَ عَكْسَهُ فِي شَأْنِ الكَافِرِ وَالمُنَافِقِ. وَقِيلَ: يُوزَنُ كِتَابُ الأَعْمَالِ. وَقِيلَ: يُوزَنُ صَاحِبُ العَمَلِ. وَقَدْ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلكَ كُلُّهُ صَحِيحاً، فَتَارَةً تُوزَنُ الأَعْمَالُ، وَتَارَةً تُوزَنُ مَحَالُّهَا، وَتَارَةً يُوزَنُ فَاعِلُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: إِذَا انْقَضَى الحِسَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَزْنُ الأَعْمَالِ، وَالوَزْنُ لإِظْهَارِ مَقَادِيرِهَا ليَكُونَ الجَزَاءُ بِحَسَبِهَا قَالَ: وَقَوْلُهُ: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ ليَوْمِ القِيَامَةِ} يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَوَازِينُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوزَنُ فِيهَا الأَعْمَالُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ الْمَوْزُونَاتُ فَجُمِعَ بِاعْتِبَارِ تَنَوُّعِ الأَعْمَالِ المَوْزُونَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالذي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ أَنَّ مِيزَانَ الأَعْمَالِ لهُ كِفَّتَانِ حِسِّيَّتَانِ مُشَاهَدَتَانِ.
وَفِي حَدِيثِ البِطَاقَةِ: ((فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ))، قَالَ: ((فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ وَلا يَثْقُلُ شَيْءٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ ((وَلاَ يَثْقُلُ شَيْءٌ اسْمَ اللَّهِ)).
وَفِي سِيَاقٍ آخَرَ: ((تُوضَعُ المَوَازِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ)) الحَدِيثَ، وَفِي هَذَا السِّيَاقِ فَائِدَةٌ جَليلَةٌ وَهِيَ: أَنَّ العَامِلَ يُوزَنُ مَعَ عَمَلهِ وَيَشْهَـدُ لهُ مَا رَوَى البُخَارِيُّ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُـلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ)). قَالَ: ((اقْرَأُوا إن شئتم: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً})).
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْنِي سِوَاكاً مِن الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ القَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِمَّ تَضْحَكُونَ؟)) قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ: ((وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لهُمَا أَثْقَلُ فِي المِيزَانِ مِن أُحُدٍ)).
وَقَدْ وَرَدَتِ الأَحَـادِيثُ أيضـاً بِوَزْنِ الأَعْمَـالِ أَنْفُسِهَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلمٍ عَن أَبِي مَالكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالحَمْدُ للَّهِ تَمْلاَ المِيزَانَ))، وَفِي الصَّحِيحِ ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ)). وَلا يُلْتَفَتُ إِلَى مُلْحِدٍ مُعَانِدٍ يَقُولُ: الأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لا تَقْبَلُ الوَزْنَ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ الوَزْنَ الأَجْسَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْلِبُ الأَعْرَاضَ أَجْسَاماً، كَمَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يُؤْتَى بِالمَوْتِ كَبْشاً أَغَرَّ فَيُوقَفُ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، وَيَرَوْنَ أَنْ قَدْ جَاءَ الفَرَجُ فَيُذْبَحُ وَيُقَالُ: خُلُودٌ لاَ مَوْتَ)) وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ فَثَبَتَ وَزْنُ الأَعْمَـالِ وَالعَـامِلِ وَصَحَائِفِ الأَعْمَالِ، وَثَبَتَ أَنَّ المِيزَانَ لهُ كِفَّتَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَرَاءَ ذَلكَ مِن الكَيْفِيَّاتِ وَلَوْ لمْ يَكُنْ مِن الحِكْمَةِ فِي وَزْنِ الأَعْمَالِ إِلا ظُهُورُ عَدْلهِ سُبْحَانَهُ لجَمِيعِ عِبَادِهِ فَإِنَّهُ لا أَحَدَ أَحَبَّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِن اللَّهِ مِن أَجْلِ ذَلكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَكَيْفَ وَوَرَاءَ ذَلكَ مِن الحِكَمِ مَا لا اطِّلاعَ لنَا عَلَيْهِ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَ المَلائِكَةِ لمَّا قَالَ اللَّهُ لهُمْ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَليفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلاَ قَليلاً}.