اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1-(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ*{لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ} [آل عمران : 198]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ،القائل: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾.6 النحل89
والقائل : - }وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تفصيلا}
فما من شيء إلا وفي كتاب الله له بيان وتفصيل ، ليهتدي به من يشاء ،ورحمة لمن صدقه وعمل به، وبشارة للمسلمين بحسن عقابتهم ومصيرهم.
ومما بين الله في كتابه،حال الكفار في الدنيا ومصيرهم في الآخرة ، لئلا يغتر المؤمنين ، بما يرى من حالهم ، وتقلبهم في البلاد ، في تجارة أموالهم ومكاسبهم ، وما يمتعون به من صحة ، ورغد عيش ، وما وصلوا إليه من حضارة وتقدم في العلوم الدنيوية.
فكثير من أبناء المسلمين ، انبهروا لما رأوا حضارتهم وماهم فيه من تقدم ورقي ،مع أنهم أعداء الله ، وهذا حصل لبعض المؤمنين في عهد رسول صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الواحدي في أسباب النزول، أن مشركي مكة كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد . فنزلت قوله تعالى :(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)
فالخطاب في الآية ، قيل : للنبيّ صلى الله عليه وسلم قاله ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن ، فعن عباد بن منصور ، قال: سألت الحسن عن قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد )قال: لا تغتر بأهل الدنيا يا محمد.
فإن قيل : كيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو لا يجوز عليه الإغترار ؟
ذكر أهل العلم لذلك ثلاثة أقوال:
-إما الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد أمته صلى الله عليه وسلم ،
فقد روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ،عن قتادة قوله:( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد )والله ما غر نبيّ الله ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك.
وقيل : هو خطاب عام ، للنبيّ صلى الله عليه وسلم ،وغيره بطريقة التغليب، تطييباً لقلوب المخاطبين ذكره الألوسي .
وقيل: خطاب له صلى الله عليه وسلم ، والمراد منه تثبيته على ماهو عليه كما قال تعالى:(فلا تطع المكذبين )
وقيل : أن الخطاب عام لغير معيّن ممن قد يرى حال الكفار فيغرّه حسن حالهم . وهو أولى الأقوال ، لأنه بالقول به يدخل به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل من غرة حال الكفار وماهم عليه من تقلب في البلاد بتجارتهم وحضارتهم.
ومعنى (يغرنك)يخدعنك عن الحقيقة.
وهو مشتقّ من الغرّة بكسر الغين وهي الغفلة ، ورجل غِرّ بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه . وفي الحديث : " المؤمن غرّ كريم " أي يظنّ الخير بأهل الشرّ إذا أظهروا له الخير .
ففي الآية نهي عن الأغترار والانخداع بحالهم وماهم عليه.
(تقلب الذين كفروا) المراد بتقلبهم قيل هو :ضربهم في الأرض بالتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم.
وقيل : تصرفهم في البلاد حسب مشيئتهم في التجارة والحروب ونحوها ،على جهة السيطرة والغلبة والنفوذ،
كما قال تعالى :(ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) .
والاغترار بالكفار يكون من وجهين:
الأول: إما اغترار بحالهم وما عندهم من بهجة الدنيا ، من أموال ، وبنين وصحة وحضارة وغيرها من متاع الدنيا بالرغم مماهم مقيمين عليه من الكفر بالله ، فيظن أن ماهم عليه حق بدليل تمكين الله لهم في الأرض، وأنهم غير مأخوذين بذنوبهم.
الثاني : الاغترار بهم ، بأن يفعل مثلهم ، بالتحلل من الدّين ، حيث يظن أن سبب تقدمهم وحضارتهم تركهم دينهم ، وأن التمسك بالدّين هو سبب ، التأخر والرجعية .
وهذا ليس بحق ، فالله تعالى قال:({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران : 178]
وقال تعالى {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ}.
فإن إمهال الله لهم ، وتمكينهم من التقلب في البلاد بالتجارة والخيرات أو على جهه السيطرة والغلبة ، ماهو إلا استدراج ، ليزدادوا أثما ، ثم العذاب المهين في الآخرة ، لهذا قال الله تعالى مبيناً حجم ومقدار ما نرى للكفار من أموال ، وحضارة وتجارة :(مَتَاعٌ قَلِيلٌ )المتاع ما يتمتع به ثم يفنى ويزول ، فهو منفعة عاجلة.
والمتعة نوعان :
1- إما متعة قلبية ، وهذه لا تكون إلا للمؤمن ، يتمتع بذكر الله ، وبالإيمان بربه.
2- متعة جسدية ، وهذه يشترك بها الإنسان والأنعام ، وهي ما يحصلها الجسد من لذة في مأكل أو مشرب أو مسكن أو غير ذلك ، وهي كل متعة ذكرت بالقرآن ، مضافة إلى الدنيا ،أو إلى الكفار ، كما قال تعالى :( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين ) وقوله تعالى:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}
ثم وصف هذا المتاع (قَلِيلٌ) لأنه فاني ، وهو قليل في زمنه ، فهما طال عمر الكافر ، فهو محدود بأجل مجهول ، وقليل في كميته ،فمهما ملك الكافر من متع الدنيا ، فهو لا يملك إلا القليل ، بالنسبة لنعم الدنيا ، وكذلك كيفيته ، فهذا المتاع مكدر بالأسقام ، والمصائب ، والخسارة في المكاسب ،قال تعالى :(وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع .)
وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بماذا يرجع .
ثم بين مصيرهم في الآخرة فقال:(ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* )
(ثم )اداة التراخي تفيد أنه ولو طال عمرة وامتد أجله ، فإن مصيره ومرجعه ومآله ، لجهنم ، وهي النار ، وسميت بجهنم ، قيل : لبعد قعرها ،وقيل : مشتقه من الجهمة وهي السواد .
(وَبِئْسَ الْمِهَادُ)قال ابن عباس ؛بئس المنزل ، وقال الحسن :الفراش
وقال مجاهد :بئس ما مهدوا لأنفسهم.ذكر هذه الأقوال ابن أبي حاتم
أي : بئس المنزل والفراش والمقرّ جهنم .
وكلمة المهاد ، تفيد أن النار محيطة بهم من كل جانب .-نسأل الله العافية-
فجزاؤهم من جنس ما تمتعوا به ، تمتعون بالتقلب والضرب في البلاد ، فكان عقابهم ، بأن حصروا في مكان ضيق ، قعره بعيد حالك السواد ، ينسيهم ذاك النعيم في الدنيا.
عن أنس بن مالك , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار , فيقال : اغمسوه في النار غمسة , فيغمس فيها , ثم يقال له : أي فلان , هل أصابك نعيم قط , فيقول : لا ما أصابني نعيم قط , ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا وبلاء , فيقال : اغمسوه غمسة في الجنة : فيغمس فيها غمسة , فيقال له : أي فلان , هل أصابك ضر قط أو بلاء , فيقول : ما أصابني قط ضر ولا بلاء " .
ففي هذه الآية: تسلية للمؤمنين ، وبيان أن ما عليه الكفار ماهو إلا استدراج ، ومتاع قليل زائل وفي الآخرة عذاب جهنم وبئس المهاد.
قال تعالى في سورة الزخرف :{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ*{وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف :33-34- 35]
أي:لولا أن يكون جماعة واحدة على الكفر ، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن ، لبيوتهم سُقُفا من فضة وسلالم عليها يصعدون،وجعلنا لبيوتهم أبوابًا من فضة، وجعلنا لهم سررًا عليها يتكئون، وجعلنا لهم ذهبًا، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وهو متاع قليل زائل، لا يساوي عند الله شيئاً، ونعيم الآخرة ، باقي لا يفنى مدَّخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم.
قال عمر رضي الله عنه: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مشربة وإنه لمضطجع على خصفة إن بعضه لعلى التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا وإن فوق رأسه لإهابا عطنا وفي ناحية المشربة قرظ، فسلمت عليه فجلست، فقلت: أنت نبي الله وصفوته وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير، فقال: أولئك عجلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنا قوم أخرت لنا طيباتنا في آخرتنا.) رواه الحاكم
وفي الصحيحين وغيرهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة "
وفيها : تحذير للمؤمنين ، من أن يأمنوا عذاب الله إذا اغدق عليهم النعم وهم مقيمين على معصيته ، فليس اعطاء الله نعمه لخلقه ، علامة على رضاه ومحبته ، لأنها قد تكون استدراجاً ، ليستمر في غيّه ، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب .
فالاستدراج لا يكون للكفار فقط؛ وإنما يقع على الكافر والمسلم على حد سواء، فقد جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
{لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ} [آل عمران : 198]
(لكن) حرف استدراك ، أنه لو تقلب المتقون في الأرض واصابوا من خيراتها ونعيمها ومتاعها ، فهذا لا يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم من النعيم المقيم ، فمتاع الدنيا ، قد يشاركون الكفار به، ولكن الكفار لا يشاركونهم ، نعيم الآخرة ، فهي خالصة للذين آمنوا . قال تعالى في سورة الاعراف:({قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 32]
(الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) ومعنى التقوى : اي جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي .
فهنا وصف المؤمنين بأجل وصف وأنسبه للسياق بالتقوى، فلما أنعم الله عليهم مع نعمة الإيمان ، بمتع الدنيا ، من أموال ، وأولاد ، وصحة ، وغيرها من الخيرات ، اتقوا الله في ذلك بآداء حق الله فيها ، وعدم الإسراف فيها ، وتضييعها ، مع آداء شكرها، و صنيعهم هذا هو من فضل ربهم ، مربيهم بالنعم ، ومربيهم بهدايته لهم وتوفيقهم للتقوى فيما منحهم من نعم دنيوية وآخروية، فكان جزاؤهم في الآخرة
(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)
جنات : جمع جنة وهو البستان كثير الأشجار ، سمي بذلك لأنه يجنّ من كان فيه ويستره، والمراد : الجنات التي اعدها الله لعباده الصالحين ، التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
هذه الجنات ، فيه القصور العالية والتي تجري من تحتها الأنهار التي تجري بغير اخدود ، حيث شاء صاحبها ، انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر لذة للشاربين ، هذا نعيم حسي وليكتمل التنعم فيها ويتنعم روحيا ونفسياً ، وليهنئا بهذا النعيم ، طمأنهم بأن هذا النعيم ، لن تخرجوا منه ولن يزول عنكم فقال:(خَالِدِينَ فِيهَا) خلود وبقاءاً ابدياً. وليكتمل نعيمهم بين أنه من ربهم لا فضل لاحد عليهم به ، وأنه عظيم وجليل لأنه من إلههم ومحبوبهم فقال:(نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ) أي : ضيافة ، فالنزل هو اسم لأول ما يقدم ويهيأ للضيف من الطعام والقرى وغيره ، وقيل : تكرمة لهم ، وقيل : منزلا ً.قال تعالى : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون نزلاً من غفور رحيم }
فوصف الجنات ، بأنها تكرمة منه للمتقين ، وضيافة لهم ، وهذه الجنات التي اعدت نزلا وضيافة من عند الله ، أي من قِبل الله ، إلههم الذي ألهته قلوبهم وأحبته ومن عطاياه ، اكرمهم بها. وهو الجواد الكريم ، فالجود والكرم من الأكبر يكون عظيما وكريما وكثيرا.
فما ألذ العيش بضيافة المحبوب .
وهذا بمقابل ما أعد للكفار من جهنم وبئس المهاد.
(وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ)
أي والذي عند الله مما أعده لمن أطاعه.
( خير) اختلف في متعلق خير فقيل: ما عند الله من الكرامة وحسن المآب ، خير مما كان عليه الكفار من تنعم في الدنيا.
وقيل : خير مما كانوا عليه المتقون في الدنيا من نعيم.
روى ابن جرير عن عن عبد الله قال: ما من نَفْس بَرَّة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. ثم قرأ عبد الله: " وما عند الله خير للأبرار "، وقرأ هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ .)
وقيل : خير مما ذكر من وصف الجنات،كقوله تعالى : ({لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] ففي الجنة ما يتمناه الإنسان وأكثر وهو النظر إلى وجه الله عزوجل ، وهو أعظم النعيم ، لهذه سماه الاه زيادة في قال تعالى :(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ) ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ( الزيادة) بالنظر إلى وجهه الكريم . قاله ابن عثيمين في تفسيره.
ومعنى الآية يسع جميع هذه الأقوال ، فما عند الله من الجزاء والثواب ، خير مما يتقلب به الكفار من متاع الدنيا ، وخير مما يتنعم به المؤمن في دنياه ، وما أعده الله للعبد من ضيافة ، عنده ما هو خير له منه وهو الزيادة على هذا النعيم وهو النظر لوجهه الكريم.
(لِّلْأَبْرَارِ) جمع برّ ، والبرّ كثير الخير ، وذلك بفعله الطاعات ، وتركه المنهيات.
قال ابن سعدي :وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.
ففي هذه الآية حث على التقوى وبيان فضلها ، وثوابها من النزل العظيم والثواب الجزيل ، والتقوى محلها القلب ، فإذا عمرّ القلب بالتقوى ، فاض وبرّ بالطاعات القلبية من تصديق وخشية ومحبة وتعظيم وحسن ظن وافتقار وغيرها من عبادات القلب ، فظهر أثر برّ القلب على الجوارح ، فبرّت ، و اشتغلت بطاعة الرحمن ، و اكتفت من الدنيا بقدر حاجتها منها ، وعمرت وقتها بالطاعات .
فعلى العبد تأمل هذه الآيات ، وأن يجعل له نصيبا وافرا من العمل بها ، لينال ذلك الثواب العظيم من البرّ الرحيم .
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد انه لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك
......... رسالة وعظية
المراجع
تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والألوسي وابن عطية وابن كثير والقرطبي ، وابن عاشور ، وسيد طنطاوي ، وابن سعدي وابن عثيمين .