دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دروس التفسير لبرنامج إعداد المفسّر > دروس تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الأول 1440هـ/18-11-2018م, 10:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (116) إلى الآية (121) ]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أوجب تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، وقد مضى تفسير مثل هذه الآية وما يتصل بها من المعتقد والبعد في صفة الضلال، مقتض بعد الرجوع إلى المحجة البيضاء وتعذره وإن بقي غير مستحيل). [المحرر الوجيز: 3/23]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدًا (116) إن يدعون من دونه إلا إناثًا وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا (117) لعنه اللّه وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا (118) ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسرانًا مبينًا (119) يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا (120) أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصًا (121) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا وعد اللّه حقًّا ومن أصدق من اللّه قيلا (122)}
قد تقدّم الكلام على هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك [لمن يشاء]} الآية [النّساء: 48]، وذكرنا ما يتعلّق بها من الأحاديث في صدر هذه السّورة.
وقد روى التّرمذيّ حديث ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علاقة، عن أبيه، عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّه قال: ما في القرآن آيةٌ أحبّ إليّ من هذه الآية: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به [ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء]} الآية، ثمّ قال: حسنٌ غريبٌ.
وقوله: {ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالا بعيدًا} أي: فقد سلك غير الطّريق الحقّ، وضلّ عن الهدى وبعد عن الصّواب، وأهلك نفسه وخسرها في الدّنيا والآخرة، وفاتته سعادة الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/413-414]

تفسير قوله تعالى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا (117)
إن يدعون تقرأ إلا أنثا، وإلا أثنا - بتقديم الثاء، وتأخيرها. فمن قال أناث فهو جمع أنثى وإناث، ومن قال أنث فهو جمع إناث، لأن إناثا على وزن مثال، وإناث وأنث مثل مثال ومثل. ومن قال أثنا فإنه جمع وثن.
والأصل وثن، إلا أنّ الواو إذا انضمّت يجوز إبدالها همزة، كقوله تعالى: (وإذا الرّسل أقتت) الأصل وقّتت، ومثال وثن في الجمع مثل سقف.
وجائز - أن يكون اثن مثل أسد وأسد، وجائز أن يكون اثن أصلها اثن، فاتبعت الضمّة الضمّة.
وقوله جلّ وعزّ: (وإن يدعون إلّا شيطانا مريدا).
يعني به إبليس لأنهم إذا أطاعوه فيما سوّل لهم فقد عبدوه، ويدعون في معنى يعبدون، لأنهم إذا دعوا اللّه مخلصين فقد عبدوه.
وكذلك قوله: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم) أي اعبدوني.
والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي).
ومعنى (مريدا) أي خارج عن الطاعة متملص منها، ويقال " شجرة مرداء.
إذا تناثر ورقها، ومن ذلك يسمى من لم تنبت له لحية أمرد أي أملس موضع اللحية، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة).
[معاني القرآن: 2/108]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً وإن يدعون إلاّ شيطاناً مريداً (117) لعنه اللّه وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيباً مفروضاً (118)
الضمير في يدعون عائد على من تقدم ذكره من الكفرة في قوله: ومن يشاقق الرّسول [النساء: 115] إن نافية بمعنى «ما» ويدعون عبارة مغنية موجزة في معنيي: يعبدون ويتخذون آلهة، وقرأ أبو رجاء العطاردي «إن تدعون» بالتاء من فوق، ورويت عن عاصم، واختلف في معنى «الإناث»، فقال أبو مالك والسدي وغيرهما: ذلك لأن العرب كانت تسمي أصنامها بأسماء مؤنثة، فاللات والعزى ومناة ونائلة.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: ويرد على هذا أنها كانت تسمي بأسماء مذكرة كثيرة، وقال الضحاك وغيره: المراد ما كانت العرب تعتقده من تأنيث الملائكة وعبادتهم إياها، فقيل لهم هذا على جهة إقامة الحجة من فاسد قولهم، وقال ابن عباس والحسن وقتادة: المراد: الخشب والحجارة وهي مؤنثات لا تعقل، فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث من الأشياء فيجيء قوله: إلّا إناثاً عبارة عن الجمادات، وقيل:
إنما هذا لأن العرب كانت تسمي الصنم أنثى فتقول: أنثى بني فلان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على اختلافه يقضي بتعييرهم بالتأنيث وأن التأنيث نقص وخساسة بالإضافة إلى التذكير، وقيل معنى إناثاً أوثانا، وفي مصحف عائشة «إن يدعون من دونه إلا أوثانا» وقرأ ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح «إلا أنثا» يريد وثنا، فأبدل الهمزة واوا، وهو جمع جمع على ما حكى بعض الناس، كأنه جمع وثنا على وثان، كجمل وجمال، ثم جمع وثانا على وثن كرهان ورهن وكمثال ومثل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ، لأن فعالا في جمع فعل إنما هو للتكثير والجمع الذي هو للتكثير لا يجمع وإنما تجمع جموع التقليل، والصواب أن تقول وثن جمع وثن دون واسطة، كأسد وأسد، قال أبو عمرو: وبهذا قرأ ابن عمر وسعيد بن المسيب ومسلم بن جندب وعطاء، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «إلا وثنا» بفتح الواو والثاء على إفراد اسم الجنس، وقرأ ابن عباس أيضا «وثنا» بضم الواو والثاء، وقرأت فرقة «إلا وثنا»، وقرأت فرقة «إلا أثنا» بسكون الثاء، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم «إلا أنثا» بتقديم النون وهو جمع أنيث كغدير وغدر ونحو ذلك، وحكى الطبري: أنه جمع إناث كثمار وثمر، وحكى هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو الداني، قال: وقرأ بها ابن عباس وأبو حيوة والحسن، واختلف في المعنى ب «الشيطان»، فقالت فرقة: هو الشيطان المقترن بكل صنم، فكأنه موحد باللفظ جمع بالمعنى، لأن الواحد يدل على الجنس، وقال الجمهور: المراد إبليس وهذا هو الصواب، لأن سائر المقالة به تليق، ومريداً معناه عاتيا صليبا في غوايته، وهو فعيل من مرد: إذا عتا وغلا في انحرافه وتجرد للشر والغواية). [المحرر الوجيز: 3/23-24]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمود بن غيلان، أنبأنا الفضل بن موسى، أخبرنا الحسن بن واقدٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال: مع كلّ صنمٍ جنيّة.
وحدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن سلمة الباهليّ، عن عبد العزيز بن محمد، عن هشامٍ -يعني ابن عروة -عن أبيه عن عائشة: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قالت: أوثانًا.
وروى عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، وعروة بن الزّبير، ومجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
وقال جويبر عن الضّحّاك في [قوله] {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال المشركون: إنّ الملائكة بنات اللّه، وإنّما نعبدهم ليقرّبونا إلى اللّه زلفى، قال: اتّخذوها أربابًا وصوّروهنّ صور الجواري، فحكموا وقلّدوا، وقالوا: هؤلاء يشبهن بنات اللّه الّذي نعبده، يعنون الملائكة.
وهذا التّفسير شبيه بقوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزّى. [مناة الثّالثة الأخرى. ألكم الذّكر وله الأنثى. تلك إذًا قسمةٌ ضيزى. إن هي إلا أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطانٍ]} [النّجم: 19-23]، وقال تعالى: {وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا [أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون]} [الزّخرف: 19]، وقال تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنّة نسبًا ولقد علمت الجنّة إنّهم لمحضرون. سبحان اللّه عمّا يصفون]} [الصّافّات: 158، 159].
وقال عليّ بن أبي طلحة والضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال: يعني موتى.
وقال مباركٌ -يعني ابن فضالة -عن الحسن: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} قال الحسن: الإناث كلّ شيءٍ ميّتٍ ليس فيه روحٌ، إمّا خشبةٌ يابسةٌ وإمّا حجرٌ يابسٌ. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وهو غريب.
وقوله: {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا} أي: هو الّذي أمرهم بذلك وحسّنه لهم وزيّنه، وهم إنّما يعبدون إبليس في نفس الأمر، كما قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشّيطان [إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ]} [يس: 60] وقال تعالى إخبارًا عن الملائكة أنّهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الّذين ادّعوا عبادتهم في الدّنيا: {بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/414-415]


تفسير قوله تعالى: {لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيبا مفروضا (118)
قيل في مفروض إن معناه مؤقت، وجاء في بعض التفسير من كل ألف واحد للّه وسائرهم لإبليس.
ومعنى مفروض - واللّه أعلم - أي أفترضه على نفسي وأصل الفرض في اللغة القطع، والفرضة الثلمة تكون في النهر، يقال سقاها بالفراض وبالفرض، والفرض الحز الذي يكون في المسواك يشد فيه الخيط، والفرض في القوس الحز الذي يشدّ فيه الوتر، والفريضة في سائر ما افترض ما أمر الله به العباد فجعله أمرا حتما عليهم قاطعا، وكذلك قوله: (وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم) أي جعلتم لهنّ قطعة من المال وقد فرضت الرجل جعلت له قطعة من مال الفيء.
فأما قول الشاعر:
إذا أكلت سمكا وفرضا... ذهبت طولا وذهبت عرضا
فالفرض ههنا التمر، وإنما سمي التمر فرضا لأنه يؤخذ في فراض الصدقة). [معاني القرآن: 2/108-109]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأصل اللعن: الإبعاد، وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب، ويحتمل أن يكون لعنه صفة الشيطان، ويحتمل أن يكون خبرا عنه، والمعنى يتقارب على الوجهين، وقوله تعالى: وقال لأتّخذنّ الآية، التقدير: وقال الشيطان، والمعنى، لأستخلصنهم لغوايتي: ولأخصنهم بإضلالي وهم الكفرة والعصاة، والمفروض معناه في هذا الموضع المنحاز، وهو مأخوذ من الفرض وهو الحز في العود وغيره، ويحتمل أن يريد واجبا أن أتخذه، وبعث النار هو نصيب إبليس). [المحرر الوجيز: 3/25]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لعنه اللّه} أي: طرده وأبعده من رحمته، وأخرجه من جواره.
وقال: {لأتّخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا} أي: معيّنا مقدّرًا معلومًا. قال مقاتل بن حيّان: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/415]


تفسير قوله تعالى: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليّا من دون اللّه فقد خسر خسرانا مبينا (119)
(ولأمنّينّهم).
أي أجمع لهم مع الإضلال أن أوهمهم أنهم ينالون من الآخرة حظا.
كما قال: (وزيّن لهم الشيطان أعمالهم).
(ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام).
كأنه - واللّه أعلم - ولآمرنهم بتبتيك آذان الأنعام فليبتكن، أي يشققن، يقال بتكت الشيء أبتكه بتكا إذا قطعته، وبتكة وبتك، مثل قطعة وقطع، وهذا في البحيرة، كانت الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن فكان الخامس ذكرا شقوا أذن الناقة وامتنعوا من الانتفاع بها ولم تطرد عن ماء ولا
مرعى، وإذا لقيها المعي لم يركبها. فهذا تأويل (فليبتّكنّ آذان الأنعام).
سوّل لهم إبليس أن في تركها لا ينتفع بها قربة إلى الله.
(ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه).
قيل إن معناه أن الله خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والأرض والحجارة سخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون، فغيروا خلق اللّه، أي دين اللّه، لأن الله فطر الخلق على الإسلام، خلقهم من بطن آدم كالذر، وأشهدهم أنه ربهم فآمنوا، فمن كفر فقد غير فطرة الله التي فطر الناس عليها.
فأمّا قوله: (لا تبديل لخلق الله)، فإنّ معناه ما خلقه الله هو الصحيح، لا يقدر أحد أن يبدل معنى صحة الدين.
وقال بعضهم: (فليغيّرنّ خلق اللّه) هو الخصاء لأن الذي يخصي الفحل قد غير خلق اللّه.
ومعنى (إن يدعون من دونه إلّا إناثا).
أي ما يعبدون إلا ما قد سموه باسم الإناث، يعني به المشركون، سمّوا الأصنام اللات والعزى ومناة، وما أشبهه، وقيل إن معنى قوله: (إن يدعون من دونه إلّا إناثا) أي مواتا، والموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث، تقول من ذلك: هذه الأحجار تعجبني، ولا تقول يعجبونني، وكذلك الدراهم تنفعني). [معاني القرآن: 2/109-110]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسراناً مبيناً (119) يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلاّ غروراً (120) أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصاً (121) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد اللّه حقًّا ومن أصدق من اللّه قيلاً (122)
قوله: ولأضلّنّهم معناه أصرفهم عن طريق الهدى، ولأمنّينّهم لأسولن لهم.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله: وهذا لا ينحصر إلى نوع واحد من الأمنية، لأن كل واحد في نفسه إنما تمنيه بقدر نصبته وقرائن حاله، ومنه قوله عليه السلام: «إن الشيطان يقول لمن يركب ولا يذكر الله: تغن، فإن لم يحسن قال له تمن»، واللامات كلها للقسم، «والبتك»: القطع. وكثر الفعل إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة، وإنما كنى عز وجل عن البحيرة والسائبة ونحوه مما كانوا يثبتون فيه حكما، بسبب آلهتهم وبغير ذلك، وقرأ أبو عمرو بن العلاء ولآمرنّهم بغير ألف، وقرأ أبيّ «وأضلهم وأمنيهم وأمرهم» واختلف في معنى «تغيير خلق الله»، فقال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم: أراد: يغيرون دين الله، وذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى: فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه [الروم: 30] أي لدين الله، والتبديل يقع موضعه التغيير، وإن كان التغيير أعم منه، وقالت فرقة: «تغيير خلق الله» هو أن الله تعالى خلق الشمس والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها وينتفع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وقال ابن عباس أيضا وأنس وعكرمة وأبو صالح: من تغيير خلق الله الإخصاء، والآية إشارة إلى إخصاء البهائم وما شاكله، فهي عندهم أشياء ممنوعة، ورخص في إخصاء البهائم جماعة إذا قصدت به المنفعة، إما السمن أو غيره، ورخصها عمر بن عبد العزيز في الخيل، وقال ابن مسعود والحسن: هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن، فمن ذلك الحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والموشومات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله». ومنه قوله عليه السلام، «لعن الله الواصلة والمستوصلة»، وملاك تفسير هذه الآية: أن كل تغيير ضار فهو في الآية، وكل تغيير نافع فهو مباح، ولما ذكر الله تعالى عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره، حذره تبارك وتعالى عباده، بأن شرط لمن يتخذه وليا جزاء الخسران، وتصور الخسران إنما هو بأن أخذ هذا المتخذ حظ الشيطان، فكأنه أعطى حظ الله تبارك وتعالى فيه وتركه من أجله). [المحرر الوجيز: 3/25-27]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولأضلّنّهم} أي: عن الحقّ {ولأمنّينّهم} أي: أزيّن لهم ترك التّوبة، وأعدهم الأماني، وآمرهم بالتّسويف والتّأخير، وأغرّهم من أنفسهم.
وقوله: {ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام} قال قتادة والسّدّيّ وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمةً وعلامةً للبحيرة والسّائبة.
{ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه} قال ابن عبّاسٍ: يعني بذلك خصاء الدّوابّ. وكذا روي عن ابن عمر، وأنسٍ، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، وأبي عياضٍ، وأبي صالحٍ، وقتادة، والثّوريّ. وقد ورد في حديثٍ النّهي عن ذلك.
وقال الحسن ابن أبي الحسن البصريّ: يعني بذلك الوشم. وفي صحيح مسلمٍ النّهي عن الوشم في الوجه وفي لفظٍ: "لعن اللّه من فعل ذلك". وفي الصّحيح عن ابن مسعودٍ أنّه قال: لعن اللّه الواشمات والمستوشمات، والنّامصات والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن المغيّرات خلق اللّه، عزّ وجلّ، ثمّ قال: ألا ألعن من لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في كتاب اللّه، عزّ وجلّ، يعني قوله: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].
وقال ابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه، ومجاهدٌ، وعكرمة أيضًا وإبراهيم النخعي، والحسن، وقتادة، والحكم، والسّدّيّ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراساني في قوله: {ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه} يعني: دين اللّه، عزّ وجلّ. وهذا كقوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الرّوم: 30] على قول من جعل ذلك أمرًا، أي: لا تبدّلوا فطرة اللّه، ودعوا النّاس على فطرتهم، كما ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه، كما تولد البهيمة بهيمةً جمعاء، هل يحسّون فيها من جدعاء؟ " وفي صحيح مسلمٍ، عن عياض بن حمار قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قال اللّه عزّ وجلّ: إنّي خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم".
وقوله تعالى: {ومن يتّخذ الشّيطان وليًّا من دون اللّه فقد خسر خسرانًا مبينًا} أي: فقد خسر الدّنيا والآخرة، وتلك خسارةٌ لا جبر لها ولا استدراك لفائتها.
وقوله: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} وهذا إخبارٌ عن الواقع؛ لأنّ الشّيطان يعد أولياءه ويمنّيهم بأنّهم هم الفائزون في الدّنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك؛ ولهذا قال: {وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} كما قال تعالى مخبرًا عن إبليس يوم المعاد: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ [إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل] إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/415-416]


تفسير قوله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يعدهم ويمنّيهم: يعدهم بأباطيله من المال والجاه، وأن لا بعث ولا عقاب ونحو ذلك لكل أحد ما يليق بحاله. ويمنيهم كذلك، ثم ابتدأ تعالى الخبر عن حقيقة ذلك بقوله: وما يعدهم الشّيطان إلّا غروراً). [المحرر الوجيز: 3/27]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} وهذا إخبارٌ عن الواقع؛ لأنّ الشّيطان يعد أولياءه ويمنّيهم بأنّهم هم الفائزون في الدّنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك؛ ولهذا قال: {وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} كما قال تعالى مخبرًا عن إبليس يوم المعاد: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ [إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل] إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]

تفسير قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (أولئك مأواهم جهنّم ولا يجدون عنها محيصا (121)
(ولا يجدون عنها محيصا).
أي لا يجدون عنها معدلا ولا ملجأ.
يقال حصت عن الرجل أحيص، ورووا جضت عنه أجيض بالجيم والضاد المعجمة، بمعنى حصت، ولا يجوز ذلك في القرآن، وإن كان المعنى واحدا والخط غير مخالف، لأن القرآن سنة لا تخالف فيه الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف وقراء الأمصار بما يجوز في النحو واللغة، وما فيه أفصح ممّا يجوز. فالاتباع فيه أولى.
يقال حصت أحوص حوصا وحياصا، إذا خطت، قال الأصمعي: يقال حص عين صقرك أي خط عينه، والحوص في العين ضيق مؤخرها.
والخوص بالخاء - معجمة - غؤورها). [معاني القرآن: 2/110-111]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى بمصير المتخذين الشيطان وليا وتوعدهم بأن مأواهم جهنّم، ولا يدافعونها بحيلة، ولا يعدلون عنها. ولا ينحرفون ولا يتروغون، و «المحيص» مفعول من حاص إذا راغ ونفر، ومنه قول الشاعر [جعفر بن علبة الحارثي]: [الطويل]
ولم أدر إن حصنا من الموت حيصة = كم العمر باق والمدى متطاول
ومنه الحديث، فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، يقال حاص الرجل من كذا، وجاض بالجيم والضاد المنقوطة إذا راغ بنفور، ولغة القرآن الحاء والصاد غير منقوطة). [المحرر الوجيز: 3/27]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: أي: المستحسنون له فيما وعدهم ومنّاهم {مأواهم جهنّم} أي: مصيرهم ومآلهم يوم حسابهم {ولا يجدون عنها محيصًا} أي: ليس لهم عنها مندوحةٌ ولا مصرفٌ، ولا خلاصٌ ولا مناصٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/416]


* للاستزادة ينظر: هنا

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir