مجلس مذاكرة القسم السابع من تفسير سورة آل عمران
[من الآية 93 حتى الآية 112]
السؤال الأول:
وجّه رسالة فيما لا يقلّ عن خمسة أسطر تبيّن فيها فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهمّ آدابه مما درست.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمّا بعد..
فقد فضل الله تعالى هذه الأمة على سائر الأمم، وجعلهم شهداء على غيرهم يوم تقوم الساعة، بل وخصهم بكتابٍ يُتلى إلى أن يأذن الله تعالى ويُرفع.
ومن أهم فضائل هذه الأمة هو خيريتها التي سبقت بها غيرها من الأمم، وهذه الخيرية لأمرهم بالمعروف فيما بينهم، ثم في غيرهم من أهل الكفر والشرك، فيجاهدون في سبيل دعوة الناس إلى عبادة رب الناس، ويقودون الناس بالسلاسل ليدخلونهم إلى الإسلام ولو بقوة السيف، فيدخلون الجنة، فلذلك هم خير الناس للناس.
كما أنهم يتناهون عن المنكر فيما بينهم ثم في غيرهم، فلا يرى المسلم أخاه على منكر ويتركه، بل ينهاه بالرفق واللين تارة وبالشدة تارةً أخرى، فقال تعالى مادحًا إياهم في كتابه العزيز { كنتم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }، بينما ذم من سبقهم من أهل الكتاب بقوله {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
فأمة محمد يؤمنون بالله ويتعدى نفعهم وصلاحهم إلى غيرهم، بينما بني إسرائيل والذين فضلهم ربهم عز وجل على غيرهم من العالمين في زمانهم يكفرون بالله ويتعدى شرهم وفسادهم لغيرهم، فلا يأتمرون بمعروف ولا ينهى بعضهم بعض عن المنكر، فلله الحمد والمنة.
ومما يجدر الإشارة إليه أن هذه الخيرية في أمة محمد إلى قيام الساعة، ولكن كلٌ يأخذ بنصيبه منها على قدر إيمانه بالله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر تعظيمًا لجلال الله وإيمانًا به وتصديقًا، فليس كل من ينسب لهذه الأمة له من الخيرية كما لغيره، وأخيرها في ذلك كما هو معروف القرون الثلاثة الأولى، فقرن الصحابة هو أخيرها ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
ومن أهم آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ العلم بالدين وفقه مسائله ثم القطرة على التغيير، فكل راعٍ مسئول عن رعيته لأنه قادر على تغيير المنكر وعلى أمرهم بالمعروف، وأما من لا يستطيع فعليه الإنكار بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس في استطاعة كل أحد، بل هو على حسب حجم ولايته وقدرته على التغيير، وإلا فليدع الأمر لولي الأمر، وإن استطاع التصح والإرشاد بلا ضرر ولا ضرار فعليه القيام به.
والإنكار بالقلب يقتضي عدم المشاركة في المنكر، فلا يشارك في اجتماعات يعصى فيها الله عز وجل إلا أن يكون قادرًا على تغيير هذا المنكر.
هذا والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني:
اختر إحدى المجموعتين التاليتين وأجب على أسئلتها إجابة وافية.
المجموعة الأولى:
السؤال الأول:
فسّر قول الله تعالى:-
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)} آل عمران.
يقول تعالى مخاطبًا عباده المؤمنين آمرًا إياهم بالاعتصام بحبله المتين ودينه القويم، وهي الجماعة وكتاب الله تعالى، فقال : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، والآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، فإنّه كانت بينهم حروبٌ كثيرةٌ في الجاهليّة، وعداوةٌ شديدةٌ وضغائن، وإحنٌ وذحول طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلمّا جاء اللّه بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانًا متحابّين بجلال اللّه، متواصلين في ذات اللّه، متعاونين على البرّ والتّقوى، قال اللّه تعالى: {هو الّذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ اللّه ألّف بينهم [إنّه عزيزٌ حكيمٌ]} [الأنفال:62] وكانوا على شفا حفرة من النّار بسبب كفرهم، فأبعدهم اللّه منها: أن هداهم للإيمان. وقد امتنّ عليهم بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم قسم غنائم حنينٍ، فعتب من عتب منهم لمّا فضّل عليهم في القسمة بما أراه اللّه، فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرّقين فألّفكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي؟ " كلّما قال شيئًا قالوا: اللّه ورسوله أمنّ.
وقد تشاح الأوس والخزرج ذات مرة بعد أن تآلفوا، وكان ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم بالمدينة، وذلك أنّ رجلًا من اليهود مرّ بملأٍ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتّفاق والألفة، فبعث رجلًا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكّرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتّى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعضٍ، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرّة، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأتاهم فجعل يسكّنهم ويقول: "أبدعوى الجاهليّة وأنا بين أظهركم؟ " وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السّلاح، رضي اللّه عنهم، والله أعلم)
ثم قال تعالى : {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته} إشارة إلى ما بيَّن في هذه الآيات، أي فكذلك يبين لكم غيرها، وقوله، لعلّكم ترجّ في حق البشر، أي من تأمل منكم الحال رجاء الاهتداء.
السؤال الثاني:
حرّر القول في المسائل التالية:
1: مرجع اسم الإشارة {ذلك} في قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}آل عمران.
مرجع اسم الإشارة "ذلك" إلى ثلاثة أشياء:
الأول: أن تكون إلى التلاوة إذ مضمنها بيان المذهب وقيام الحجة، أي فمن كذب منا على الله تعالى أو نسب إلى كتب الله ما ليس فيها فهو ظالم واضع الشيء غير موضعه.
والثاني: أن تكون الإشارة إلى استقرار التحريم في التوراة، لأن معنى الآية: كلّ الطّعام كان حلًّا لبني إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه [آل عمران: 93]، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم، فمن افترى على اللّه الكذب، وزاد في المحرمات فهو الظالم.
والثالث: أن تكون الإشارة إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه، وقبل نزول التوراة، أي من تسنن بيعقوب وشرع ذلك دون إذن من الله، ومن حرم شيئا ونسبه إلى ملة إبراهيم فهو الظالم، ويؤيد هذا الاحتمال الأخير، قوله تعالى فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم [النساء: 160] فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم، وكانوا يشددون فشدد الله عليهم، كما فعلوا في أمر البقرة.
ذكره ابن عطية
2: المخاطب في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)} آل عمران.
قيل هم أهل الكتاب -ذكره الزجاج ورجحه وذكره أيضًا ابن عطية.
وقيل هم الكفار على العموم، وهو قول ذكره ابن عطية وابن كثير ورجحه.
وقيل هم أهل البدعة والفرقة، وهو قول ابن عباس - ذكره ابن كثير.
وقيل هم المنافقون من هذه الأمة، وهو قول الحسن البصري - ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقيل هم أهل الردة، وهو قول قتادة -ذكره ابن عطية.
وقيل هم من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا، وهو قول السدي -ذكره ابن عطية.
وقيل هم الخوارج، وهو قول أبي أمامة -ذكره ابن عطية.
وقيل هم أهل الأهواء، وهو قول مالك - ذكره ابن عطية.
وقيل هم اليهود، وهو قول النحاس -ذكره ابن عطية.
والصحيح ما رجحه ابن كثير ، فالآية عامة في كل كافر، فقد أخذ الله ميثاق البشر جميعًا قبل ولادتهم {ألست بربكم قالوا بلى}، فهذه هي فطرت الله التي فطر الناس عليها.
والله تعالى أعلا وأعلم