سورة الرعد
فإن قيل: كيف قال تعالى: (ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار) ولم يقل ومن هو سارب بالنهار، ليتناول معنى الاستواء المتخفي والسارب، وإلا فقد تناول واحدًا هو مستخف وسارب أي ظاهر، وليتناسب لفظ الجملة الأولى والثانية، فإنه قال في الجملة الأولى: (من أسرّ القول ومن جهر به)؟
قلنا: قوله تعالى: "وسارب " معطوف على "من " لا على
(مستخف) فيتناول معنى الاستواء اثنين، الثاني: أنه وإن كان معطوفا على "مستخف" إلا أن (من) هنا في معنى التثنية كقوله:
تكن مثل من يا ذنب يصطلحان
فكأنه سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وما دعاء الكافرين إلّا في ضلالٍ) أي في ضياع وبطلان، والكفار يدعون الله تعالى في أوقات الشدائد والأهوال ومشارفتهم الغرق في البحر فيستجيب لهم؟
قلنا: المراد وما عبادة الكافرين الأصنام إلا في ضلال، ويعضده قوله تعالى قبله: (والّذين يدعون من دونه) أي يعبدون.
فإن قيل: كيف طابق قولهم: (لولا نزّل عليه آيةٌ من ربّه) وقوله: (قل إنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب)؟
[أنموذج جليل: 229]
قلنا: هو كلام جرى مجرى التعجب من قولهم، لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله لم يؤتها نبي من قبله، وكفى بالقرآن وحده آية، وراء كل آية، فإذا جحدوا آياته ولم يعتدوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط كان موضعا للتعجب، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم.
فإن قيل: كيف المطابقة بين قوله تعالى: (من هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت) وقوله تعالى: (وجعلوا للّه شركاء)؟
قلنا: فيه محذوف تقديره: أفمن هو رقيب على كل نفس صالحة وطالحة يعلم ما كسبت من خير وشر، ويعد لكل جزاء كمن ليس كذلك، وهو الضم ثم ابتدأ فقال "وجعلوا لله شركاء " أو تقديره أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا لله شركاء، أو تقديره: أفمن هو بهذه الصفة يغفل عن أهل مكة وأقوالهم وأفعالهم وجعلوا لله شركاء.
فإن قيل: كيف أتصل قوله تعالى: (قل إنّما أمرت أن أعبد اللّه) بما قبله وهو قوله تعالى: (ومن الأحزاب من ينكر بعضه)؟
قلنا: هو جواب للمنكرين معناه قل أنما أمرت فيما أنزل إلى بأن
[أنموذج جليل: 230]
أعبد الله ولا أشرك به، فإنكاركم لبعضه إنكار لعبادة الله تعالى وتوحيده، كذا أجاب الزمخشري وفيه نظر.
فإن قيل: كيف قال تعالى: (وقد مكر الّذين من قبلهم) أثبت لهم مكرا ثم نفاه بقوله تعالى: (فللّه المكر جميعًا)؟
قلنا: معناه أن مكر الماكرين مخلوق له ولا تضر إلا بإرادته، فبهذه الجهة صحت إضافة مكرهم إليه، الثاني: أنه جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره، لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون، وهم في غفلة عما يراد بهم فيعكس مكرهم عليهم.
[أنموذج جليل: 231]