بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بالاستقامة على دينه ، و وعد بالنصر والتمكين لمن أقام الدين ، ثم الصلاة والتسليم على خير الورى ، خير من استقام وبها أمر فقال : " قل آمنت ثم استقم " أما بعد
فالله تعالى يقول:( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112].
تضمنت هذه الآية عدة أمور
الأول : مناسبة الأمر بالاستقامة :
جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة في موضعين من القرآن الكريم ، قال تعالى في سورة هود : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ* وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
وفي سورة الشورى قال تعالى :(شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ* وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ* فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ....)
فعند التأمل بسياق الآيتين نجد أن الأمر بالاستقامة جاء بعد ذكر حال الأمم السابقة وكيف أنهم لم يستقيموا على دين الله بل زاغوا واختلفوا وتفرقوا مما كان سبباً لهلاكهم فإذاً طريق السلامة طريق واحد و النجاة من عدم التفرق والإختلاف يكون في الاستقامة على دين الله لذلك أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالاستقامة في الآيتين وفي آية هود أمر معه أمته بالاستقامة أيضاً.
قال السعدي -رحمه الله-:ثم لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم, أمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا.
و قال طاهر عاشور- رحمه الله-: ولمّا كان الاختلاف في كتاب موسى عليه السّلام إنّما جاء من أهل الكتاب عطف على أمر النّبيء صلى الله عليه وسلم بالاستقامة على كتابه أمرُ المؤمنين بتلك الاستقامة أيضاً ، لأنّ الاعوجاج من دواعي الاختلاف في الكتاب بنهوض فرق من الأمة إلى تبديله لمجاراة أهوائهم ، ولأنّ مخالفة الأمّة عمداً إلى أحكام كتابها إن هو إلاّ ضرب من ضروب الاختلاف فيه ، لأنّه اختلافها على أحكامه . وفي الحديث : " فإنّما أهلكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم " ، فلا جرم أن كانت الاستقامة حائلاً دون ذلك ، إذ الاستقامة هي العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قِيد شبر . انتهى
بهذا يتبين السرّ في الأمر بالاستقامة بعد ذكر اختلاف الأمم السابقة وتفرقهم ليبين سبيل النجاة وهو الاستقامة على الدين والثبات عليه.
الأمرالثاني: في هذه الآية أمر بالاستقامة التي فيها مجامع الدين كله ، أما حقيقة الاستقامة، فإن كلمات السلف من الصحابة ومن بعدهم تدور على معنى واحد في الجملة، ألا وهو أن الاستقامة هي : التمسك بالصراط المستقيم ، والدين القويم ، الذي لا عوج فيه ، بفعل المأمورات كلها ظاهراً وباطناً ، وترك المنهيات كلها ، والمداومة على ذلك ، والثبوت عليه ، من غير اعوجاج عنه يمنة ولا يسرة ولو قيد شبر .
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: " الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب."
وقوله: ( فاستقم )
قيل : هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة و هو أمرٌ بالثبات على الاستقامة، ولغيره أمر بها وبالثبات عليها، يقول ابن عطية رحمه الله: "أَمْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالاستقامة ـ وهو عليها ـ إنما هو أمر بالدوام والثبوت، وهذا كما تأمر إنساناً بالمشي والأكل ونحوه، وهو ملتبس به"
و قيل : استفعل هنا للطلب ، أي : اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك ، كما تقول : استغفر ، أي : اطلب الغفران .
والتحقيق إن كلا القولين لا تعارض بينهما فالخطاب أمر بالإستقامة على الدين والثبات عليه والمداومة عليه والعبد مهما اجتهد في ذلك فإنه لا غنى له عن سؤال الله الثبات ، والإستقامة على الدين ،فإنَّ الاستقامة والثبات عليْها بيد الله - تعالى - حيث قال: (مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[الأنعام: 39]. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات فيكثر أن يقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" ويستغفر في اليوم مئة مرة فلعله كان يمتثل هذه الآية والله أعلم .ولهذا أمرنا أن نكرر في اليوم والليلة سبعة عشر مرة على أقل تقدير قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: 6]، فاللهم اهدنا صراط المستقيم، وثبتنا عليه يا رب العالمين.
وقوله تعالى:( فاستقم ) قال ابن عيينة وجماعة : معناه : استقم على القرآن ، وقال الضحاك : استقم بالجهاد ، وقال مقاتل : امض على التوحيد ، وقال جماعة : استقم على أمر ربك بالدعاء إليه.
وهذه كلها عبارات عن حقيقة واحدة وهي الإستقامة على الدين فالقرآن هو مصدر تشريع الدين والمضي على التوحيد يعني إلتزامه وهو حقيقة دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو الغاية من الخلق والاستقامة بالجهاد لنشر هذا الدين ليستقيم الناس عليه وتحريرهم من عبودية الشيطان وكل ذلك مع دعاء الله بالثبات من الاستقامة .
يقول ابن القيِّم - رحِمه الله -: "فالاستقامة كلِمة جامعة، آخِذة بمجامع الدين، وهي القيام بين يدَي الله على حقيقة الصِّدْق والوفاء".
والمعنى: فالزم وثابر يا محمد ومن آمن معك على طريق الاستقامة في الاعتقاد والأعمال، وتطبيق أوامر القرآن في العبادات والمعاملات، وهي درجة تتطلب جهاد النفس، والترفع عن الأهواء والشهوات.
وإن من تأمل هذا الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم تبين له عظم وخطورة هذا الأمر ـ أعني الاستقامة والثبات على الدين ـ كيف، وهما اللتان أقضتا مضاجع الصالحين؟!
روى البيهقي في "الشعب" عن أبي عبدالرحمن السلمي قال: سمعت أبا علي السري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام! فقلت: يا رسول الله! روي عنك أنك قلت: "شيبتني هود"؟ فقال: "نعم" فقلت له: ما الذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم؟! فقال: "لا، ولكن قوله: فاستقم كما أمرت".
وهذه الرؤيا ـ كما لا يخفى ـ هي كغيرها لا يعتمد عليها في الأحكام الشرعية، ولا في تصحيح أو تضعيف الأحاديث، ومنها: الحديث المشهور: "شيبتني هود وأخواتها" فإنه حديث مضطرب الإسناد، كما بين ذلك جمع من الحفاظ كالترمذي والدارقطني وابن حجر رحمهم الله جميعاً، وإنما الغرض هنا الاستئناس بهذه الرؤيا على عظيم موقع هذا الأمر الإلهي من نفس النبي صلى الله عليه وسلم.
وأصل الاستقامة في القلب
يقول ابن رجب - رحمه الله -: "أصل الاستِقامة استقامة القلْب على التَّوحيد ... فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبَّته وإرادته، ورجائه ودعائه والتوكُّل عليه والإعراض عمَّا سواه - استقامت الجوارح كلّها على طاعته، فإنَّ القلب هو ملك الأعضاء، وهي جنوده؛ فإذا استقام الملك استقامت جنوده ورعاياه، وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح: اللِّسان؛ فإنَّه ترجمان القلب والمعبِّر عنه".
الثالث: إن الاستقامة اتباع لا البتداع:
هذه الاستقامة مقيدة هنا بقوله : ( كما أمرت ) أي : كما أمرك الله لا كما تريد .
قال الشوكاني:
أي كما أمرك الله ، فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه ، لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه ، كما أمره بفعل ما تعبده بفعله ، وأمته أسوته في ذلك ، ولهذا قال :( ومن تاب معك )
فهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق فتشمل العقائد والأعمال المشتركة بينه صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين والأمور الخاصة به عليه الصلاة والسلام من تبليغ الأحكام والقيام بوظائف النبوة وتحمل أعباء الرسالة وغير ذلك،
وقال طاهر عاشور :والكاف في "كما أمرت " لتشبيه معنى المماثلة ، أي استقامة مثل الذي أمرت به ، أي على وفاقه ، أي وافية بما أمرت به .انتهى
أي :مثل الاستقامة التي أمرت في العقائد والأعمال والأخلاق فإن الاستقامة في العقائد اجتناب التشبيه والتعطيل، وفي الأعمال الاحتراز عن الزيادة والنقصان وفي الأخلاق التباعد عن طرفي الإفراط والتفريط وهذا في غاية العسر.
وفي الآية على ما قال غير واحد دليل على وجوب اتباع المنصوص عليه من غير انحراف مجرد التشهي وإعمال العقل الصرف فإن ذلك طغيان وضلال، وأما العمل بمقتضى الاجتهاد التابع لعلل النصوص فذلك من باب الاستقامة كما أمر على موجب النصوص الآمرة بالاجتهاد.
وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال : دخلت على ابن عباس فقلت أوصني ! فقال : نعم ! عليك بتقوى الله والاستقامة ، اتبع ولا تبتدع .
الأمر الثالث: الاستقامة والتوبة
في قوله في الآية: (َمَن تَابَ مَعَكَ)
نجد أنه وصف من آمن معه بوصف التوبة
( ومن تاب معك )أي : من تاب من الشرك
فالاستقامة تصاحبها التوبة والاستغفار لأنه ليس معنى الاستقامة عدم الوقوع بالذنب فابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وأيضا مهما أجتهد العبد بالاستقامة فإنه لن يحصي القيام بها تامة وفي سورة فصلت
أمر الله مع الاستِقامة بالاستغفار من الذَّنب؛ ممَّا يدلُّ على أنَّ الاستقامة قد يقع فيها خلل، وهذا أمر وارد ويُجبر بالاستغفار؛ فقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: 6].
قال ابن رجب - رحمه الله -: "وفي قوله - عزَّ وجلَّ -: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} إشارة إلى أنَّه لا بدَّ من تقصير في الاستِقامة المأمور بها، فيُجبَر ذلك بالاستِغفار المقتضي للتَّوبة والرّجوع إلى الاستقامة، فهو كقوْل النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمعاذ - رضِي الله عنْه -: ((اتَّق الله حيثما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تمحُها))، وقد أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الناس لن يطيقوا الاستِقامة حقَّ الاستقامة، فقال - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنَّ خير أعمالكم الصَّلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن))، وفي رواية للإمام أحمد - رحِمه الله -: ((سدِّدوا وقاربوا، ولا يحافظ على الوضوء إلاَّ مؤمن))، وفي الصَّحيحَين: ((سدِّدوا وقاربوا))، فالسَّداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد ... والمقاربة: أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه، ولكن بشرط أن يكون مصمِّمًا على قصد السداد ، وإصابة الغرض".
الأمر الرابع : مقومات الاستقامة
بعد أن قص الله في سورة هود قصص الأمم السابقة ، وهلاكهم بسبب عدم استقامتهم على دينهم ، وبسبب اختلافهم ، ختم السورة بالأمر بالاستقامة على الدين ، والثبات عليه ، وذكر مقومات هذه الاستقامة ، وهي:
أولاً: ترك الطغيان
قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا )[هود:112]:
الطغيان هو أول عامل من عوامل عدم الاستقامة، لأن الطغيان مجاوزة الحد.
(ولا تطغوا ) : قال ابن عباس : في القرآن فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به . وقال ابن زيد : لا تعصوا ربكم . وقال مقاتل : لا تخلطوا التوحيد بالشك . وقال الزمخشري : لا تخرجوا عن حدود الله ..
الطغيان: مجاوزة الحد، لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلوّ في العبادة، والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذي حدّه، والمقدار الذي قدّره ممنوع منه منهيّ عنه، وذلك كمن يصوم ولا يفطر، ويقوم الليل ولا ينام، ويترك الحلال الذي أذن الله به ورغب فيه، ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه:
" أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأنكح النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني "
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته تغليباً لحالهم على حاله، أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة.
قال البقاعي:
}ولا تطغوا} أي تتجاوزوا الحد فيما أمرتم به أو نهيتم عنه بالزيادة إفراطاً، فإن الله تعالى إنما أمركم ونهاكم لتهذيب نفوسكم لا لحاجته إلى ذلك ولن تطيقوا أن تقدروا الله حق قدره، والدين متين لن يشاده أحد إلا غلبه، فقد رضي منكم سبحانه الاقتصاد في العمل مع حسن المقاصد، ويجوز أن يكون المعنى: ولا تبطركم النعمة فتخرجكم عن طريق الاستقامة يمنة أو يسرة.
خطر الطغيان والغلو في جانب العبادة :
كل أوامر الإسلام مضبوطة ببداية ونهاية، وبحدود وحواجز؛ لئلا يفكر أحد من الناس أن يزيد فيها أو أن ينقص، فإنّ من زاد في شرع الله فإجرامه أكبر مِن إجرام مَن نقص منه؛ لأن من نقص من شرع الله فهو عاصٍ، وأما من زاد فيه فإنه يضع نفسه في مقام الربوبية التي لا تجوز لأحد إلا لله سبحانه وتعالى وحده، وهذا هو الطغيان،
}إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ أي: بما تعملون من الأعمال كلها ، طاعتها ومعصيتها "بصير" ، ذو علم بها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو لجميعها مبصر ، فيجازيكم على النقير والقطمير، وهو تهديد لمن لم يستقم، وتعليل للأمر والنهي. ورويت عن عيسى الثقفي بصير مطلع على أعمالهم يراها ويجازي عليها.
وقرأ الحسن والأعمش : ( بما يعملون ) بالياء على الغيبة .
ثانياً: ترك الركون إلى الكفار
العنصر الثاني من مقومات الاستقامة:( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )[هود:113]:
قال ابن عباس : معنى الركون : الميل . وقال السدي وابن زيد : لا تداهنوا الظلمة .
وقال قتادة : لا تلحقوا بهم . وقال سفيان : لا تدنوا إلى الذين ظلموا . وقال أبو العالية : لا ترضوا أعمالهم ، وقيل : لا تجالسوهم ، وقيل : لا تتشبهوا بهم .
والنهي متناول الانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ، ومجالستهم ، وزيارتهم ، ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم . وتأمل قوله : ( ولا تركنوا ) ، فإن الركون هو : الميل اليسير . وقوله : ( إلى الذين ظلموا ) ، أي : الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل : الظالمين ، قاله : الزمخشري .
وقال ابن عطية : ومعناه : السكون إلى الشيء والرضا به . قال أبو العالية : الركون : الرضا . وقال ابن زيد : الركون : الإدهان ، والركون يقع في قليل هذا وكثيره .
وقوله تعالى :( إلى الذين ظلموا) قيل : أهل الشرك . وقيل : عامة فيهم وفي العصاة ، على نحو قوله تعالى : (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا) الآية .قال القرطبي: وهذا هو الصحيح في معنى الآية ; وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم ; فإن صحبتهم كفر أو معصية ; إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة ; وقد قال حكيم :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
والمسلم لا يركن إلى أعدائه ولا يميل، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لامه الله عز وجل لما فكر أن يميل شيئاً قليلاً، وأن يركن شيئاً قليلاً إلى الكافرين، يقول الله عز وجل: (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) [الإسراء:74-75].
والرسول صلى الله عليه وسلم وهو يفكر أن يركن قليلاً لمصلحة الإسلام وللدعوة؛ لعله أن يكسب القوم ليستقيموا على دين الله، ومع ذلك يقول الله تعالى: لو فعلت ذلك يا محمد وأنت خير البرية (إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ) فركون المسلمين إلى الكافرين واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين أمر عظيم، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )[الممتحنة:1].
"فتمسكم النار" بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ، ثم بالميل إليهم كل الميل ، ثم لا بالظلم نفسه والانهماك فيه ، ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه ، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل ، فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه .
قال الشوكاني في تفسيره : وقد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح : أطيعوا السلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزبيبة . وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة ، وما لم يظهر منهم الكفر البواح ، وما لم يأمروا بمعصية الله .
وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه ، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح ، فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله.فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر لأمر يقتضي ذلك شرعا كالطاعة ، أو للتقية ومخافة الضرر منهم ، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة أو دفع مفسدة عامة أو خاصة ، إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم .وبالجملة فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع ، فإن زاغ عن ذلك " فعلى نفسها براقش تجني "قال القرطبي في تفسيره : وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار انتهى .
وقرئ "(تركنوا فتمسكم )بكسر التاء على لغة تميم و"تركنوا"على البناء للمفعول من أركنه .
(وما لكم من دون الله من أولياء")من أنصار يمنعون العذاب عنكم والواو للحال .
"ثم لا تنصرون " أي ثم لا ينصركم الله إذ سبق في حكمه أن يعذبكم ولا يبقي عليكم ، وثم لاستبعاد نصره إياهم وقد أوعدهم بالعذاب عليه وأوجبه لهم ، ويجوز أن يكون منزلاً منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد ، فإنه لما بين ، الله معذبهم وأن غيره لا يقدر على نصرهم انتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلاً.
قال طاهر عاشور : هذه الآية أصل في سدّ ذرائع الفساد المحقّقة أو المظنونة .
وقد جمع قوله : { ولا تطغوا } وقوله : { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } أصلي الدّين ، وهما : الإيمان والعمل الصالح ، قال الحسن : «جعل الله الدين بين لاَئين { ولا تطغوا } ، ولا تركنوا»
ثالثاً :إقامة الصلاة
العنصر الثالث من مقومات الاستقامة قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ )[هود:114]:
إنّ الصلاة على طرف نقيض مما سبق من الركون إلى الكافرين؛ لأن الصلاة ركون إلى الله عز وجل، واستمداد للقوة من الله سبحانه وتعالى مباشرة، وتتجدد وتتكرر كل يوم خمس مرات، فكلما ضعف اليقين في قلب هذا الإنسان، أو ضعفت قوته وخارت؛ فإنه يرتبط بالله عز وجل، ويقف بين يديه؛ ليستمد منه العون والتوفيق، لذلك لما ذكر الله تعالى موالاة الكافرين بيّن كيف يجب أن تكون الموالاة له وحده فقال: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ) [هود:114]،
طرف الشيء : منتهاه من أوله أو من آخره ، فالتثنية صريحة في أن المراد أول النهار وآخره .
والنهار : ما بين الفجر إلى غروب الشمس ، سمي نهارا لأن الضياء ينهر فيه ، أي يبرز كما يبرز النهر .
والأمر بالإقامة يؤذن بأنه عمل واجب لأن الإقامة إيقاع العمل على ما يستحقه ، فتقتضي أن المراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة ، فالطرفان ظرفان لإقامة الصلاة المفروضة ، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أول النهار وهي الصبح وصلاة في آخره وهي العصر وقيل المغرب .
والزلف : جمع زلفة مثل غرفة وغرف ، وهي الساعة القريبة من أختها ، فعلم أن المأمور إيقاع الصلاة في زلف من الليل ، ولما لم تعين الصلوات المأمور بإقامتها في هذه المدة من الزمان كان ذلك مجملا فبينته السنة والعمل المتواتر بخمس صلوات هي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وكان ذلك بيانا لآيات كثيرة في القرآن كانت مجملة في تعيين أوقات الصلوات مثل قوله - تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا .
والمقصود أن تكون الصلاة أول أعمال المسلم إذا أصبح وهي صلاة الصبح وآخر أعماله إذا أمسى وهي صلاة العشاء لتكون السيئات الحاصلة فيما بين ذلك ممحوة بالحسنات الحافة بها . وهذا مشير إلى حكمة كراهة الحديث بعد صلاة العشاء للحث على الصلاة وخاصة ما كان منها في أوقات تعرض الغفلة عنها .، فالمراد هنا بالصلاة: الصلوات الخمس التي هي أعظم فريضة شرعها الله على عباده، وقد فرضت فوق السماء السابعة، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من أعماله، وهي آخر ما يفقد من هذه الأمة، وأي أمة تُفقد فيها الصلاة فلا حظَّ لها في هذا الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
قوله تعالى : (إن الحسنات يذهبن السيئات) ذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس ، وقال مجاهد : الحسنات قول الرجل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، قال ابن عطية : وهذا على جهة المثال في الحسنات ، والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما اجتنبت الكبائر .قال القرطبي : و سبب النزول يعضد قول الجمهور ; نزلت في رجل من الأنصار ، قيل : هو أبو اليسر بن عمرو . وقيل : اسمه عباد ; خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج .روى الترمذي عن عبد الله قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت . فقال له عمر : لقد سترك الله ! لو سترت على نفسك ; فلم يرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا فدعاه ، فتلا عليه : (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ..)إلى آخر الآية ; فقال رجل من القوم : هذا له خاصة ؟ قال : لا بل للناس كافة . قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، فالصغائر تكفرها الصلوات الخمس.
لذلك فالصلاة أمرها عظيم، وقد شبهها الرسول صلى الله عليه وسلم بنهر غمر جار في باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ لا يبقى من درنه شيء"
وجملة إن الحسنات يذهبن السيئات مسوقة مساق التعليل للأمر بإقامة الصلوات ،
وإذهاب السيئات يشمل إذهاب وقوعها بأن يصير انسياق النفس إلى ترك السيئات سهلا وهينا كقوله - تعالى : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )ويكون هذا من خصائص الحسنات كلها . ويشمل أيضا محو إثمها إذا وقعت ، ويكون هذا من خصائص الحسنات كلها فضلا من الله على عباده الصالحين .
قال الحسن البصري رحمه الله: "استعينوا على السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، وإنكم لن تجدوا شيئا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة، وأنا أجد تصديق ذلك في كتاب الله: {إن الحسنات يذهبن السيئات}
وقوله تعالى : (ذلك ذكرى للذاكرين) أي القرآن موعظة وتوبة لمن اتعظ وتذكر ; وخص الذاكرين بالذكر لأنهم المنتفعون بالذكرى .
رابعاً : لزوم الصبر
يقول الله تعالى عن الأمر الرابع:( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )
قال طاهر عاشور : مناسبة وقوع الأمر بالصبر عقب الأمر بالاستقامة والنهي عن الركون إلى الذين ظلموا ، أن المأمورات لا تخلو عن مشقة عظيمة ومخالفة لهوى كثير من النفوس ، فناسب أن يكون الأمر بالصبر بعد ذلك ليكون الصبر على الجميع كل بما يناسبه .
(فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) أي :يوفيهم أجورهم ولا يضيع منها شيئا فلا يهمله ولا يبخسه بنقص .
والإحسان معناه: إتقان العمل، ومراقبة الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر لربما تعجز عنه النفوس الصغار التي لا تشتاق إلى الجنة وإلى لقاء الله عز وجل، لكن النفوس الكبار التي تعشق هذا النعيم لا تبالي في طريق الجنة بأي مكروه من هذه المكاره.
خامساً: النهي عن الفساد في الأرض
يقول الله تعالى عن آخر مقومات الاستقامة: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ )[هود:116]:
أهم عوامل الاستقامة النهي عن الفساد في الأرض، وأهم عناصر بقاء الاستقامة في الأرض أن ينهى عن الفساد في الأرض،
والمعنى فهلا كان في تلك الأمم أصحاب بقية من خير فنهوا قومهم عن الفساد لما حل بهم ما حل . وذلك إرشاد إلى وجوب النهي عن المنكر . ويجوز أن يكون تفريعا على قوله - تعالى : (فاستقم كما أمرت) والآية تفريع على الأمر بالاستقامة والنهي عن الطغيان وعن الركون إلى الذين ظلموا ، إذ المعنى : ولا تكونوا كالأمم من قبلكم إذ عدموا من ينهاهم عن الفساد في الأرض وينهاهم عن تكذيب الرسل فأسرفوا في غلوائهم حتى حل عليهم غضب الله إلا قليلا منهم ، فإن تركتم ما أمرتم به كان حالكم كحالهم ،
وقوله : ( إلا قليلا ) أي : قد وجد منهم من هذا الضرب قليل ، لم يكونوا كثيرا ، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غيره ، وفجأة نقمه; ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، كما قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ) [ آل عمران : 104 ] . وفي الحديث : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب " ; ولهذا قال تعالى : ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ) .
في قوله : (ممن أنجينا )بيانية ، بيان للقليل لأن الذين أنجاهم الله من القرون هم القليل الذين ينهون عن الفساد ، وهم أتباع الرسل .
وفي البيان إشارة إلى أن نهيهم عن الفساد هو سبب إنجاء تلك القرون لأن النهي سبب السبب إذ النهي يسبب الإقلاع عن المعاصي الذي هو سبب النجاة .
وقوله : ( واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ) أي : استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات ، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك ، حتى فجأهم العذاب ، ( وكانوا مجرمين ) .
والاستقامة لها ثمرات عديدة منها:
١- جماع الخير في الاستقامة وهي طريق النجاة: دلَّ على ذلك حديث سفيان بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَوْلاً، لا أسْأَلُ عَنْهُ أَحدًا بَعْدَك، قال: ((قُلْ: آمَنْتُ بِالله، ثمَّ اسْتَقِمْ)).
٢- بقدر استقامة العبد على مراد الله فعلاً وتركاً يكون أمنه وفرحه يوم لقاء ربه ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30).
٣- تتنزَّل على أهل الاستِقامة السكينة؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت: 30]، فالملائكة تتنزَّل عليهم بالسُّرور والحبور والبشرى في مواطن عصيبة، قال وكيع: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث".
٤- الطُّمَأنينة والسَّكينة؛ حيثُ قال تعالى: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}؛ أي: لا تخافوا ممَّا تقدَمون عليه من أمور الآخرة، ولا تحزنوا على ما فاتَكم من أمور الدنيا، وقال عطاء - رحِمه الله -: "لا تخافوا ردَّ ثوابِكم فإنَّه مقبول، ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنِّي أغفِرُها لكم".
٥- البشرى بالجنَّة؛ فقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}، وهذا هو الهدَف الذي ينشدُه كلُّ مسلم، نسأل الله من واسِع فضله.
٦- سَعة الرزق في الدُّنيا؛ قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن: 16]؛ أي: كثيرًا، والمراد بذلك سعة الرِّزق، وكما قال عمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْه: "أيْنما كان الماء كان المال".
ومما يعين على الاستقامة ،الإكثار من قراءة القرآن، تدبُّره والعمل به فهو من أهم الأمور في تحقيق الاستقامة؛ فقد جعله الله تعالى سبيلا لِمن أراد الاستقامة؛ فقال: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28]،
ومما يعين على الاستقامة والثبات على الدين الدعاء دعاء الله تعالى بتحقيق الاستقامة والثبات عليها كما كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأل ربَّه الثَّبات على الدين،
-الصّحبة الصالحة مما يعين على الاستقامة لأَّ ن صحبة البطَّالين وأهل المعاصي تضعف الاستقامة، فبعد أن أمر بالاستِقامة حذَّر من الركون إلى أهل المعاصي؛ لأنَّ هذا يؤثر على الاستِقامة، فقال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 112، 113].
قال أهل العلم: أي: لا تَميلوا إلى العصاة.
وهناك أمور أخرى تعين على الاستقامة كالإكثار من ذكر الله تعالى وذكر الموت والحرص على سلامة القلب ومجاهدة النفس والشيطان بالابتعاد عن الفتن ومواطن الغفلة والخوف والحذر من سوء الخاتمة وتجديد التوبة والإنابة لله تعالى .
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك
سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك
المراجع :
مجموعة من التفاسير كتفسير ابن كثير والقرطبي والشوكاني وطاهر عاشور والسعدي وقواعد قرآنية للشيخ المقبل ودروس للشيخ المنجد و الشيخ عبد الله الجلالي حفظهم الله
طريقتي في الرسالة حاولت محاكاة طريقة ابن القيم رحمه الله في رسالته في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ) فإن أصبت فمن فضل ربي وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .
اسأل الله الإخلاص والتوفيق والقبول