1-تفسير قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
2-من قواعد الأسماء والصفات
3-دحض زعم كفار قريش بعدم معرفتها لأسم الله الرحمان
4-تفسير قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (
5-أقوال العلماء في البسملة والجهر بها
من جهر بها من الصحابة والتابعين وحجتهم في ذلك
من لم يجهر بها من الصحابة والتابعين وحجتهم في ذلك
6-المسائل اللغوية في البسملة
المسألة الثانيةفي لفظ الجلالة (اللّه)
7-هل اسم الله اسم جامد أم مشتق؟
من قال أن اسم الله اسم جامد وأدلتهم
من قال أن اسم الله اسم مشتق وأدلتهم
8-القراءات
تفسير قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
({بِسْمِ} أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى؛ لأنَّ لفظَ (اسمْ) مفردٌ مُضافٌ، فيعمُّ جميعَ الأسماءِ [الحسنى].
(اللَّه):هوَ المألوهُ المعبودُ، المستحقُّ لإفرادهِ بالعبادةِ لما اتصفَ بهِ منْ صفاتِ الألوهيةِ، وهيَ صفاتُ الكمالِ.
(الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ):اسمانِ دالاَّنِ على أنَّهُ تعالى ذو الرحمةِ الواسعةِ العظيمةِ التي وسعتْ كُلَّ شيءٍ، وعمَّتْ كلَّ حيٍّ وكتبَها للمتّقينَ المتبعينَ لأنبيائهِ ورسلهِ، فهؤلاءِ لهم الرحمةُ المطلقةُ، ومَنْ عَداهُمْ فلهمْ نصيبٌ منهَا(السعدي)
يقال: إنّه الاسم الأعظم؛ لأنّه يوصف بجميع الصّفات، كما قال تعالى: {هو اللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم * هو اللّه الّذي لا إله إلا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان اللّه عمّا يشركون * هو اللّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبّح له ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم}[الحشر: 22 -24]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وقال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] .
وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مائةٌ إلّا واحدًا من أحصاها دخل الجنّة»، وجاء تعدادها في رواية الترمذي
(الرّحمن الرّحيم) اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشدّ مبالغةً من رحيمٍ، وفي كلام ابن جريرٍ ما يفهم حكاية الاتّفاق على هذا، وفي تفسير بعض السّلف ما يدلّ على ذلك، كما تقدّم في الأثر، عن عيسى عليه السّلام، أنّه قال: «والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيم رحيم الآخرة».
وقد زعم بعضهم أنّه غير مشتقٍّ إذ لو كان كذلك لاتّصل بذكر المرحوم وقد قال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]، وحكى ابن الأنباريّ في الزّاهر عن المبرّد: أنّ الرّحمن اسمٌ عبرانيٌّ ليس بعربيٍّ، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرّحيم عربيٌّ، والرّحمن عبرانيٌّ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوبٌ عنه. وقال القرطبيّ: والدّليل على أنّه مشتقٌّ ما خرّجه التّرمذيّ وصحّحه عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه تعالى: [أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته]». قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشّقاق.
قال: وإنكار العرب لاسم الرّحمن لجهلهم باللّه وبما وجب له، قال القرطبيّ: هما بمعنًى واحدٍ كندمان ونديمٍ قاله أبو عبيدٍ، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيلٍ، فإنّ فعلان لا يقع إلّا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجلٌ غضبان، وفعيلٌ قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو عليٍّ الفارسيّ: الرّحمن: اسمٌ عامٌّ في جميع أنواع الرّحمة يختصّ به اللّه تعالى، والرّحيم إنّما هو من جهة المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43]، وقال ابن عبّاسٍ: «هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر»، أي أكثر رحمةً، ثمّ حكي عن الخطّابيّ وغيره: أنّهم استشكلوا هذه الصّفة، وقالوا: لعلّه أرفق كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق في الأمر كلّه وإنّه يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف». وقال ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرّحيم إذا لمّ يسأل يغضب»، وهذا كما جاء في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث أبي صالحٍ الفارسيّ الخوزيّ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لم يسأل اللّه يغضب عليه»، وقال بعض الشّعراء:
لا تطلبنّ بنيّ آدم حاجةً ....... وسل الّذي أبوابه لا تغلق
اللّه يغضب إن تركت سؤاله ....... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
قال ابن جريرٍ: حدّثنا السّريّ بن يحيى التّميميّ، حدّثنا عثمان بن زفر، سمعت العرزميّ يقول: الرّحمن الرّحيم، قال: «الرّحمن لجميع الخلق»، الرّحيم، قال: «بالمؤمنين».
قالوا: ولهذا قال: {ثمّ استوى على العرش الرّحمن}[الفرقان: 59] وقال: {الرّحمن على العرش استوى}[طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرّحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا}[الأحزاب: 43] فخصّهم باسمه الرّحيم، قالوا: فدلّ على أنّ الرّحمن أشدّ مبالغةً في الرّحمة لعمومها في الدّارين لجميع خلقه، والرّحيم خاصّةٌ بالمؤمنين، لكن جاء في الدّعاء المأثور: «رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما».
واسمه تعالى الرّحمن خاصٌّ به لم يسم به غيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
ولمّا تجهرم مسيلمة الكذّاب وتسمّى برحمن اليمامة كساه اللّه جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلّا مسيلمة الكذّاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا بشر بن عمارة، حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب»، وقال: «{الرّحمن الرّحيم}[الفاتحة: 3]الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه، وكذلك أسماؤه كلّها».
وقد زعم بعضهم أنّ الرّحيم أشدّ مبالغةً من الرّحمن؛ لأنّه أكّد به، والتّأكيد لا يكون إلّا أقوى من المؤكّد، والجواب أنّ هذا ليس من باب التّوكيد، وإنّما هو من باب النّعت [بعد النّعت] ولا يلزم فيه ما ذكروه،
-واعلمْ أنَّ منَ القواعدِ المتفقِ عليهَا بينَ سلفِ الأمةِ وأئِمتهَا، الإيمانَ بأسماءِ اللهِ وصفاتِهِ، وأحكامِ الصفاتِ، فيؤمنونَ مثلاً بأنَّهُ رحمنٌ رحيمٌ، ذو الرحمةِ التي اتصفَ بهَا، المتعلقةِ بالمرحومِ، فالنعمُ كلُّها أثرٌ مِنْ آثارِ رحمتِهِ، وهكذا في سائرِ الأسماءِ، يُقالُ في العليمِ: إنَّهُ عليمٌ ذو علمٍ يعلمُ [بهِ] كلَّ شيءٍ، قديرٌ ذو قدرةٍ يقْدِرُ على كلِّ شيءٍ).[تيسير الكريم الرحمن: 1/39
-أنّ من أسمائه تعالى ما يسمّى به غيره، ومنها ما لا يسمّى به غيره، كاسم اللّه والرّحمن والخالق والرّزّاق ونحو ذلك
وعلى هذا فيكون تقدير اسم اللّه الّذي لم يسمّ به أحدٌ غيره، ووصفه أوّلًا بالرّحمن الّذي منع من التّسمية به لغيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}[الإسراء: 110]. وإنّما تجهرم مسيلمة اليمامة في التّسمّي به ولم يتابعه على ذلك إلّا من كان معه في الضّلالة.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ [بن] يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: «الرّحمن: اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى وأمّا الرّحيم فإنّه تعالى وصف به غيره حيث قال: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}[التّوبة: 128]، كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}[الإنسان: 2].
فلهذا بدأ باسم اللّه، ووصفه بالرّحمن؛ لأنّه أخصّ وأعرف من الرّحيم؛ لأنّ التّسمية أوّلًا إنّما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخصّ.
فإن قيل: فإذا كان الرّحمن أشدّ مبالغةً؛ فهلّا اكتفي به عن الرّحيم؟
فقد روي عن عطاءٍ الخراسانيّ ما معناه: أنّه لمّا تسمّى غيره تعالى بالرّحمن، جيء بلفظ الرّحيم ليقطع التّوهّم بذلك، فإنّه لا يوصف بالرّحمن الرّحيم إلّا اللّه تعالى. كذا رواه ابن جريرٍ عن عطاءٍ. ووجّهه بذلك، واللّه أعلم
دحض زعم كفار قريش بعدم معرفتها لأسم الله الرحمان.
وقد زعم بعضهم أنّ العرب لا تعرف الرّحمن، حتّى ردّ اللّه عليهم ذلك بقوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}[الإسراء: 110]؛ ولهذا قال كفّار قريشٍ يوم الحديبية لمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي: «اكتب{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»، فقالوا: لا نعرف الرّحمن ولا الرّحيم. رواه البخاريّ، وفي بعضبعض الرّوايات: لا نعرف الرّحمن إلّا رحمن اليمامة. وقال تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا}[الفرقان: 60].
والظّاهر أنّ إنكارهم هذا إنّما هو جحود وعنادٌ وتعنّتٌ في كفرهم؛ فإنّه قد وجد في أشعارهم في الجاهليّة تسمية اللّه تعالى بالرّحمن، قال ابن جريرٍ -وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهّال-:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ...... ألا قضب الرحمن ربى يمينها
وقال سلامة بن جندب الطّهويّ:
عجلتم علينا عجلتينا عليكم ...... وما يشأ الرّحمن يعقد ويطلق
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا بشر بن عمارة، حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب»، وقال: «{الرّحمن الرّحيم}[الفاتحة: 3]الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه، وكذلك أسماؤه كلّها».
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ>>
أقوال العلماء في البسملة والجهر بها
1-افتتح بها الصحابة كتاب اللّه،
2-واتّفق العلماء على أنّهابعض آيةٍ من سورة النّمل،
3- ثمّ اختلفوا: هل هي آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ،
وممّنحكي عنه أنّها آيةٌ من كلّ سورةٍ إلّا براءةٌ: ابن عبّاسٍ، وابن عمر، وابن الزّبير،وأبو هريرة، وعليٌّ. ومن التّابعين:عطاءٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ،ومكحولٌ، والزّهريّ، وبه يقول عبد اللّه بن المبارك، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ،في روايةٍ عنه، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيدٍ القاسم بن سلام، رحمهمالله.
4-أومن أوّل كلّ سورةٍ كتبت في أوّلها،
وأمّا منقال بأنّها من أوائل السّور فاختلفوا؛ فذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، إلى أنّه يجهربها مع الفاتحة والسّورة، وهو مذهب طوائفٍ من الصّحابة والتّابعين وأئمّة المسلمينسلفًا وخلفًا،
5- أو أنّها بعض آيةٍ من أوّل كلّ سورةٍ،
6- أو أنّهاكذلك في الفاتحة دون غيرهاوفيصحيح ابن خزيمة، عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ البسملة فيأوّل الفاتحة في الصّلاة وعدّها آيةً، لكنّه من رواية عمر بن هارون البلخيّ، وفيهضعفٌ، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عنها. وروى له الدّارقطنيّ متابعًا، عن أبيهريرة مرفوعًا. وروى مثله عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وغيرهما
من قال: إنّها آيةٌ من أوّل الفاتحة جهر بها
،7- أو أنّها [إنّما] كتبت للفصل، لا أنّها آيةٌ؟ علىأقوالٍ للعلماء سلفًا وخلفًا، وذلك مبسوطٌ في غير هذاالموضع.
وفي سنن أبي داود بإسنادٍ صحيحٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضياللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان لا يعرف فصل السّورة حتّىينزل عليه{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}وأخرجه الحاكم أبو عبد اللّهالنّيسابوريّ في مستدركه أيضًا، وروي مرسلًا عن سعيد بن جبير.
.
8- ما يتعلّق بكونها منالفاتحة أم لا :قال مالكٌ وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آيةٌ من الفاتحةولا من غيرها من السّور، وقال الشّافعيّ في قولٍ، في بعض طرق مذهبه: هي آيةٌ منالفاتحة وليست من غيرها، وعنه أنّها بعض آيةٍ من أوّل كلّ سورةٍ، وهماغريبان.
وقال داود: هي آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ لا منها،وهذه روايةٌ عن الإمام أحمد بن حنبلٍ. وحكاه أبو بكرٍ الرّازيّ، عن أبي الحسنالكرخيّ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة، رحمهم اللّه.
فمن رأىأنّها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها، وكذا من قال: إنّها آيةٌ من أوّلها
من جهر بها من الصحابة والتابعين وحجتهم في ذلك
فجهر بها من الصّحابةأبو هريرة، وابن عمر، وابن عبّاسٍ،ومعاوية، وحكاه ابن عبد البرّ، والبيهقيّ عن عمر وعليٍّ، ونقله الخطيب عن الخلفاءالأربعة، وهم: أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليٌّ، وهو غريبٌ. ومنالتّابعينسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وأبي قلابة، والزّهريّ، وعليّبن الحسين، وابنه محمّدٍ، وسعيد بن المسيّب، وعطاءٍ، وطاوسٍ، ومجاهدٍ، وسالمٍ،ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وأبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، وأبي وائلٍ، وابنسيرين، ومحمّد بن المنكدر، وعليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وابنه محمّدٍ، ونافعٍمولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وعمر بن عبد العزيز، والأزرق بن قيسٍ، وحبيب بن أبيثابتٍ، وأبي الشّعثاء، ومكحولٍ، وعبد اللّه بن معقل بن مقرّن. زاد البيهقيّ: وعبداللّه بن صفوان، ومحمد بن الحنفيّة. زاد ابن عبد البرّ: وعمرو بندينارٍ.
حجتهم في ذلك: أنّها بعض الفاتحة، فيجهر بها كسائرأبعاضها، وأيضًا فقد روى النّسائيّ في سننه وابن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما،والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة أنّه صلّى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أنفرغ: «إنّي لأشبهكم صلاةً برسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم». وصحّحه الدّارقطنيّ والخطيب والبيهقيّ وغيرهم.
وروى أبو داود والتّرمذيّ، عن ابنعبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يفتتح الصّلاةبـ{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. ثمّ قال التّرمذيّ: وليس إسنادهبذاك.
وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن ابن عبّاسٍ قال: «كانرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجهر بـ{بسم اللّه الرّحمنالرّحيم}»، ثمّ قال: صحيحٌ وفي صحيح البخاريّ، عن أنس بن مالكٍأنّه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت قراءتهمدًّا»،ثمّ قرأ {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، يمدّ {بسماللّه}،ويمدّ {الرّحمن}، ويمدّ {الرّحيم}.
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، وصحيح ابن خزيمة،ومستدرك الحاكم، عن أمّ سلمة، قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقطعقراءته:{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}.{الحمد للّه ربّالعالمين}.{الرّحمن الرّحيم}.{مالك يومالدّين}». وقال الدّارقطنيّ: إسنادهصحيحٌ.
وروى الشّافعيّ، رحمه اللّه، والحاكم في مستدركه، عنأنسٍ: أنّ معاوية صلّى بالمدينة، فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرينذلك، فلمّا صلّى المرّة الثّانية بسمل.
وفي هذه الأحاديث، والآثار الّتيأوردناها كفايةٌ ومقنعٌ في الاحتجاج لهذا القول عمّا عداها، فأمّا المعارضاتوالرّوايات الغريبة، وتطريقها، وتعليلها وتضعيفها، وتقريرها، فله موضعٌآخر.
من لم يجهر بها من الصحابة والتابعين
وذهب آخرون إلى أنّه لا يجهر بالبسملة في الصّلاة، وهذاهو الثّابت عن الخلفاء الأربعة وعبد اللّه بن مغفّلٍ، وطوائفٍ من سلف التّابعينوالخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والثّوريّ، وأحمد بنحنبلٍ.
وعند الإمام مالكٍ: أنّه لا يقرأ البسملة بالكلّيّة، لاجهرًا ولا سرًّا،
حجتهم في ذلك :واحتجّوا بما في صحيح مسلمٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «كانرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفتتح الصّلاة بالتّكبير، والقراءةبـ{الحمد للّه ربّ العالمين}».
وبما في الصّحيحين، عن أنس بن مالكٍ،قال: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبي بكرٍوعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد للّه ربّ العالمين». ولمسلمٍ: «لايذكرون{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}في أوّل قراءةٍ ولا فيآخرها». ونحوه في السّنن عن عبد اللّه بن مغفّل، رضي اللّهعنه.
فهذه مآخذ الأئمّة، رحمهم اللّه، في هذه المسألة وهيقريبةٌ؛ لأنّهم أجمعوا على صحّة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسرّ، وللّه الحمدوالمنّة). [تفسير ابن كثير: 1 /116-118]
فضل البسملة
1-قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِكَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فصلٌ في فضلها
قال الإمام العالم الحبر العابد أبومحمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ، رحمه الله، في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا جعفربن مسافرٍ، حدّثنا زيد بن المبارك الصّنعانيّ، حدّثنا سلّام بن وهبٍ الجنديّ،حدّثنا أبي، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ عثمان بن عفّان سأل رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم عن {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. فقال: «هو اسمٌ من أسماء اللّه، وما بينهوبين اسم اللّه الأكبر، إلّا كما بين سواد العينين وبياضهما منالقرب».
2-وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين،عن إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن مسعر، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم أسلمته أمّه إلىالكتّاب ليعلّمه، فقال المعلّم: اكتب، قال ما أكتب؟ قال: بسم اللّه، قال له عيسى: وما باسم اللّه؟ قال المعلّم: ما أدري. قال له عيسى: الباء بهاء اللّه، والسّينسناؤه، والميم مملكته، واللّه إله الآلهة، والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيمرحيم الآخرة».. وهذا غريبٌ جدًّا، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم، ويكون من الإسرائيليّات لا من المرفوعات، واللّهأعلم.
وقد روى جويبر، عن الضحّاك، نحوه منقبله.
3- وفي روايةٍ عن عبد الكريم أبي أميّة، عن ابن بريدة، عن أبيه؛ أنّ رسولاللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أنزلت عليّ آيةٌ لم تنزل على نبيٍّ غير سليمان بن داودوغيري، وهي{بسم الله الرّحمن الرّحيم}».
4-وروى بإسناده عن عبد الكبير بنالمعافى بن عمران، عن أبيه، عن عمر بن ذرّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن جابر بن عبداللّه، قال: «لمّا نزل{بسم الله الرّحمنالرّحيم}هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرّياح، وهاج البحر، وأصغتالبهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف اللّه تعالى بعزّته وجلاله ألّايسمّى اسمه على شيءٍ إلّا بارك فيه».
5-[وقال وكيعٌ عن الأعمش عن أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ قال: «من أرادأن ينجيه اللّه من الزّبانية التّسعة عشر فليقرأ:{بسم اللّه الرّحمنالرّحيم}، ليجعل اللّه له من كلّ حرفٍ منها جنّةً من كلّواحدٍ»،ووجّهه ابن عطيّة ونصره بحديث: «فقد رأيتبضعةً وثلاثين ملكًا يبتدرونها»،لقول الرّجل: «ربّنا ولك الحمد حمدًا كثيرًاطيّبًا مباركًا فيه»، من أجل أنّها بضعةٌ وثلاثون حرفًا وغيرذلك].
6-وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا محمّد بنجعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عاصمٍ، قال: سمعت أبا تميمة يحدّث، عن رديف النّبيّ صلّىاللّه عليه وسلّم قال: عثر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: تعس الشّيطان. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقل تعس الشّيطان. فإنّك إذا قلت: تعس الشّيطانتعاظم، وقال: بقوّتي صرعته، وإذا قلت: باسم اللّه، تصاغر حتّى يصير مثلالذّباب».
7-وقد ذكر الرّازيّ في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت أهلك فسمّ اللّه؛ فإنّه إنولد لك ولدٌ كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذرّيّته حسناتٌ» وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيءٍمن الكتب المعتمد عليها ولا غيرها.
مواضع استحبابها ووجوبها
1-تستحبّ في أوّل كل عمل وقولٍ. فتستحبّفي أوّل الخطبة لما جاء: «كلّ أمرٍ لا يبدأ فيهبـ{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، فهو أجذم»،
2-تستحبّالبسملة عند دخول الخلاء ولما ورد منالحديث في ذلك]،
3-تستحبّفي أوّل الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسّنن،من رواية أبي هريرة، وسعيد بن زيدٍ، وأبي سعيدٍ مرفوعًا: «لا وضوءلمن لم يذكر اسم اللّه عليه»، وهو حديثٌ حسنٌ. ومن العلماء من أوجبها عند الذّكرهاهنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا،
4-تستحبّعند الذّبيحة في مذهب الشّافعيّوجماعةٍ،
5-أوجبها آخرون عند الذّكر، ومطلقًا في قول بعضهم، كما سيأتي بيانه فيموضعه إن شاء اللّه،
.
6-وهكذا تستحبّعند الأكل لما في صحيح مسلمٍ أنّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: «قل: باسماللّه، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك». ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه،
7-وكذلكتستحبّعند الجماع لما في الصّحيحين، عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّمقال: «لوأنّ أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم اللّه، اللّهمّ جنّبنا الشّيطان، وجنّب الشّيطانما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولدٌ لم يضرّه الشّيطانأبدًا».
المسائل اللغوية في البسملة
المسألة الأولى في (باسم)
-القولين عند النّحاة في تقديرالمتعلّق بالباء في قولك: باسم اللّه، هل هو اسمٌ أو فعلٌ مع الأدلة :
1-أمّا من قدّره باسمٍ، تقديره: باسم اللّه ابتدائي،فلقوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّيلغفورٌ رحيمٌ}[هود: 41]،
2-ومن قدّره بالفعل [أمرًا وخبرًا نحو: أبدأ ببسم اللّه أوابتدأت ببسم اللّه]، فلقوله: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}[العلق: 1] ،
وكلاهما صحيحٌ، فإنّ الفعل لا بدّ لهمن مصدرٍ، فلك أن تقدّر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الّذي سمّيت قبله، إن كانقيامًا أو قعودًا أو أكلًا أو شربًا أو قراءةً أو وضوءًا أو صلاةً، فالمشروع ذكر [اسم] اللّه في الشّروع في ذلك كلّه، تبرّكًا وتيمّنًا واستعانةً على الإتماموالتّقبّل، واللّه أعلم؛
ولهذا روى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من حديث بشر بنعمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إنّ أوّل ما نزل به جبريل علىمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: يا محمّد قل: أستعيذ بالسّميع العليم منالشّيطان الرّجيم، ثمّ قال: قل: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»،قال: «قال له جبريل: قل: باسم اللّه يامحمّد، يقول: اقرأ بذكر اللّه ربّك، وقم، واقعد بذكراللّه». [هذا] لفظ ابن جريرٍ). [تفسير ابن كثير: 1 /118-121]
- وأمّا مسألة الاسم: هل هو المسمّى أو غيره؟ففيهاللنّاس ثلاثة أقوالٍ:
1-أحدها:أنّ الاسم هو المسمّى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه،واختاره الباقلّانيّ وابن فوركٍ، وقال فخر الدّين الرّازيّ -وهو محمّد بن عمرالمعروف بابن خطيب الرّيّ- في مقدّمات تفسيره: قالت الحشويّة والكرّاميّةوالأشعريّة: الاسم نفس المسمّى وغير التّسمية، واحتجّ من قال: الاسم هو المسمّى،بقوله تعالى: {تبارك اسم ربّك}[الرّحمن: 78] والمتبارك هو اللّه. والجواب: أنّ الاسم معظّمٌ لتعظيم الذّات المقدّسة،
وأيضًا فإذا قال الرّجل: زينب طالقٌ، يعني امرأته طالقٌ،طلّقت، ولو كان الاسم غير المسمّى لما وقع الطّلاق،
والجواب:أنّ المراد أنّ الذّات المسمّاة بهذاالاسم طالقٌ. قال الرّازيّ: وأمّا التّسمية فإنّها جعل الاسم معيّنًا لهذه الذّاتفهي غير الاسم أيضًا، واللّه أعلم
2- وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمّىونفس التّسمية،
3-والمختار عندنا: أنّ الاسم غير المسمّى وغير التّسمية، ثمّ نقول: إنكان المراد بالاسم هذا اللّفظ الّذي هو أصواتٌ مقطّعةٌ وحروفٌ مؤلّفةٌ، فالعلمالضّروريّ حاصلٌ أنّه غير المسمّى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمّى، فهذا يكونمن باب إيضاح الواضحات وهو عبثٌ، فثبت أنّ الخوض في هذا البحث على جميع التّقديراتيجري مجرى العبث.
الأدلة على أن الأسم غير المسمى
أ- ، بأنّه قد يكونالاسم موجودًا والمسمّى مفقودًا كلفظة المعدوم،
ب- وبأنّه قد يكون للشّيء أسماءٌمتعدّدةٌ كالمترادفة وقد يكون الاسم واحدًا والمسمّيات متعدّدةٌ كالمشترك، وذلكدالٌّ على تغاير الاسم والمسمّى،
ج-فالاسم لفظٌ وهو عرضٌ والمسمّى قد يكون ذاتًا ممكنةً أوواجبةً بذاتها،
د-وأيضًافلفظ النّار والثّلج لو كان هو المسمّى لوجد اللّافظبذلك حرّ النّار أو برد الثّلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقلٌ،
ه-وأيضًافقد قال اللّه تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوهبها}[الأعراف: 180]، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليهوسلّم: «إنللّه تسعةً وتسعين اسمًا»، فهذه أسماءٌ كثيرةٌ والمسمّى واحدٌ وهو اللّه تعالى،
و-وأيضًافقوله: {ولله الأسماءالحسنى} أضافها إليه، كما قال: {فسبّح باسم ربّك العظيم} [الواقعة: 74، 96] ونحوذلك. والإضافة تقتضي المغايرة وقوله: {فادعوهبها} أي: فادعوا اللّه بأسمائه، وذلك دليلٌ على أنّها غيره،
المسألة الثانيةفي لفظ الجلالة (اللّه)
(الله):علمٌ على الرّبّ تبارك وتعالى،
هل اسم الله اسم جامد أم مشتق؟
من قال أن اسم الله اسم جامد وأدلتهم
1-وهو اسمٌ لم يسمّ به غيره تبارك وتعالى؛ ولهذا لا يعرففي كلام العرب له اشتقاقٌ من فعل ويفعل، فذهب من ذهب من النّحاة إلى أنّه اسمٌجامدٌ لا اشتقاق له.
2-وقد نقل القرطبيّ عن جماعةٍ من العلماء منهم الشّافعيّوالخطّابيّ وإمام الحرمين والغزاليّ وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه أنّ الألفواللّام فيه لازمةٌ. قال الخطّابيّ: ألا ترى أنّك تقول: يا اللّه، ولا تقول: ياالرّحمن، فلولا أنّه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النّداء على الألف واللّام
3-وقد اختار فخر الدّين أنّه اسم علمٍ غير مشتقٍّ البتّة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليّين والفقهاء، ثمّ أخذ يستدلّ على ذلك بوجوهٍ:
منها: أنّه لو كان مشتقًّا لاشترك في معناه كثيرون،
ومنها: أنّ بقيّة الأسماء تذكر صفات له، فتقول: اللّه الرّحمن الرّحيم الملك القدّوس، فدلّ أنّه ليس بمشتقٍّ، قال: فأمّا قوله تعالى: {العزيز الحميد اللّه} [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجرّ فجعل ذلك من باب عطف البيان،
ومنها: قوله تعالى: {هل تعلم له سميًّا}[مريم: 65]، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدًا غير مشتقٍّ نظرٌ، واللّه أعلم.
من قال أن اسم الله اسم مشتق وأدلتهم
1-وقيل: إنّه مشتقٌّ، واستدلّوا عليه بقول رؤبة بن العجّاج:
للّه درّالغانيات المدّه ....... سبّحن واسترجعن منتألّهي
فقد صرّح الشّاعر بلفظ المصدر، وهو التّألّه، من ألهيأله إلاهةً وتألّهًا، كما روي أنّ ابن عبّاسٍ قرأ: "ويذرك وإلاهتك" قال: «عبادتك»، أي: أنّه كان يعبد ولا يعبد، وكذا قال مجاهدٌوغيره.
2-وقد استدلّ بعضهم على كونه مشتقًّا بقوله: {وهواللّه في السّماوات وفي الأرض} [الأنعام: 3] أي: المعبود في السّماوات والأرض،كما قال: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرضإلهٌ}[الزّخرف: 84]،
3- ونقل سيبويه عن الخليل: أنّ أصله: إلاهٌ، مثل فعالٍ، فأدخلت الألف واللّام بدلًا من الهمزة، قال سيبويه: مثل النّاس،أصله: أناسٌ، وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللّام للتّعظيم وهذا اختيارسيبويه. قال الشّاعر:
لاه ابنعمّك لا أفضلت في حسبٍ ....... عنّي ولا أنت ديّانيفتخزوني
قال القرطبيّ: بالخاء المعجمة، أي: فتسوسني،
4-وقالالكسائيّ والفرّاء: أصله: الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللّام الأولى في الثّانية،كما قال: {لكنّا هو اللّه ربّي}[الكهف: 38] أي: لكنّ أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، 5-قال القرطبيّ: ثمّ قيل: هو مشتقٌّ من وله: إذاتحيّر، والوله ذهاب العقل؛ يقال: رجلٌ والهٌ، وامرأةٌ ولهى، وماءٌ مولهٌ: إذا أرسلفي الصّحاري، فاللّه تعالى تتحيّر أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته، فعلى هذايكون أصله: ولّاه، فأبدلت الواو همزةً، كما قالوا في وشاحٍ: أشاح، ووسادةٍ: أسادةٌ،
6-وقال فخر الدّين الرّازيّ: وقيل: إنّه مشتقٌّ من ألهت إلى فلانٍ، أي: سكنت إليه،فالعقول لا تسكن إلّا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلّا بمعرفته؛ لأنّه الكامل علىالإطلاق دون غيره قال اللّه تعالى: {ألا بذكر اللّه تطمئنّالقلوب}[الرّعد: 28] قال: وقيل: من لاه يلوه: إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل، إذ ولع بأمّه، والمعنى: أنّ العباد مألوهون مولعونبالتّضرّع إليه في كلّ الأحوال، قال: وقيل: مشتقٌّ من أله الرّجل يأله: إذا فزع منأمرٍ نزل به فألّهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كلّ المضارّ هو اللّهسبحانه؛ لقوله تعالى:{وهو يجير ولا يجار عليه}[المؤمنون: 88]، وهوالمنعم لقوله: {وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه}[النّحل: 53] وهوالمطعم لقوله: {وهو يطعم ولا يطعم}[الأنعام: 14] وهوالموجد لقوله: {قل كلٌّ من عند اللّه}[النّساء
: 78].، وقيل: إنّه مشتقٌّ من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكلّ شيءٍ مرتفعٍ: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشّمس: لاهت.
وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة الّتي هي فاء الكلمة، فالتقت اللّام الّتي هي عينها مع اللّام الزّائدة في أوّلها للتّعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللّفظ لامًا واحدةً مشدّدةً، وفخّمت تعظيمًا، فقيل: اللّه..
-وحكى فخر الدّين عن بعضهم أنّه ذهب إلى أنّ اسم اللّهتعالى عبرانيٌّ لا عربيٌّ، ثمّ ضعّفه، وهو حقيقٌ بالتّضعيف كما قال، وقد حكى فخرالدّين هذا القول ثمّ قال: واعلم أنّ الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة،ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة؛ فكأنّهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم،وأمّا الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النّور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا فيميادين الصّمديّة، وبادوا في عرصة الفردانيّة، فثبت أنّ الخلق كلّهم والهون فيمعرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنّه قال: لأنّ الخلق يألهون إليه بنصب اللّاموجرّها لغتان
القراءات
وقد جاء في حديث أمّ سلمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقطّع قرآنه حرفًا حرفًا {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم * مالك يوم الدّين}، فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفةٌ من الكوفيّين، ومنهم من وصلها بقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين} وكسرت الميم لالتقاء السّاكنين وهم الجمهور. وحكى الكسائيّ عن بعض العرب أنّها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين} فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قوله تعالى: {الم * اللّه لا إله إلا هو} قال ابن عطيّة: ولم ترد بهذه قراءةٌ عن أحدٍ فيما علمت). [تفسير ابن كثير: 1 /122-127]