أ: الكلام على الخبر
الكلامُ على الخبرِ
الخبرُ إمَّا أنْ يكونَ جملةً فِعْلِيَّةً أو اسْمِيَّةً. فالأُولى موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ في زمنٍ مخصوصٍ، معَ الاختصارِ. وقدْ تُفيدُ الاستمرارَ التَّجدُّديَّ بالقرائنِ، إذا كان الفعْلُ مضارعًا، كقولِ طريفٍ: أَوَكلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قبيلةٌ = بعثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يتوَسَّمُ والثانيةُ موضوعةٌ لمجرَّدِ ثبوتِ المسنَدِ للمسنَدِ إليه، نحوُ: (الشمسُ مُضِيئَةٌ). وقدْ تُفيدُ الاستمرارَ بالقرائنِ إذا لمْ يكُنْ في خبرِها فِعْلٌ، نحوُ: (العلْمُ نافعٌ). والأصْلُ في الخبَرِ أنْ يُلْقَى لإفادةِ المخاطَبِ الحكْمَ الذي تَضمَّنَتْهُ الجملةُ، كما في قولِنا: (حَضَرَ الأميرُ)، أوْ لإفادةِ أنَّ المتكلِّمَ عالِمٌ به، نحوُ: (أنتَ حَضَرْتَ أمسِ). ويُسَمَّى الحكْمُ فائدةَ الخبَرِ، وكونُ المتكلِّمِ عالِمًا بهِ لازِمَ الفائدةِ. |
الحواشي النقية للشيخ : محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون: ( (الكلامُ على الخبَرِ)
الخبرُ إمَّا أن يكونَ جملةً فعليَّةً أو اسميَّةً. (الأُولـى): موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ في زمنٍ مخصوصٍ مع الاختصارِ، وقد تُفيدُ الاستمرارَ التجدُّدِيَّ بالقرائنِ إذا كان الفعْلُ مضارِعًا، كقولِ طريفٍ: أوَكُلَّمـا ورَدَتْ عُكَاظَ قبيلةٌ ..... بعَثُـوا إليَّ عَرِيفَهُـم يَتَوَسَّــمُ (والثانيةُ): موضوعةٌ لمجرَّدِ ثبوتِ المسنَدِ للمسْنَدِ إليهِ، نحوُ: الشمسُ مضيئةٌ. وقد تُفيدُ الاستمرارَ بالقرائنِ إذا لم يكُنْ في خبرِها فِعْلٌ، نحوُ: العلْمُ نافعٌ، والأصلُ في الخَبَرِ أَنْ(1) يُلْقَى لإفادةِ المخاطَبِ الحكْمَ الذي تَضمَّنَتْهُ الجملةُ(2)، كما في قوْلِنا: حضَرَ الأميرُ، أو لإفادةِ أنَّ المتكلِّمَ عالِمٌ بهِ، نحوُ: أنتَ حضَرْتَ أمسِ، ويُسَمَّى الحكْمُ فائدةَ الخبرِ، وكونُ المتكلِّمِ عالِمًا به لازِمَ الفائدةِ). (دروس البلاغة) _____________________ قال الشيخ محمد علي بن حسين المالكي: (1) قولُه: (والأصلُ في الخبَرِ أن يُلْقَى لإفادةِ إلخ)، وقد يُلْقَى لأغراضٍ أُخَرَى: 1- كالاسترحامِ، في قولِ موسى عليه السلامُ: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}. 2- وإظهارِ الضعْفِ، في قولِ زكريَّا عليه السلامُ: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}. 3- وإظهارِ التَّحَسُّرِ، في قولِ امرأةِ عِمرانَ: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}. (2) قولُه: (الحكْمَ الذي تَضَمَّنَتْهُ الجُمْلَةُ)، المرادُ به النِّسبةُ بينَ الطرَفَيْنِ المحكومِ بها، أي التي هي ثبوتُ المحكومِ به للمحكومِ عليه، أو انتفاؤه عنه في الواقعِ، كما هو المتعارَفُ بينَ أَرْبابِ العربيَّةِ، وهذا هو المعنيُّ بوقوعِ النسبةِ أو لا وقوعِها، أي النسبةُ الواقعةُ، أي المتحقِّقةُ في الخارجِ أو غيرُ المتحقِّقةِ فيه. وليس المرادُ بالحكْمِ هنا الإيقاعَ والانتزاعَ الذي هو عِبارةٌ عن إذعانِ النسبةِ، أي إدراكُ أنها واقِعةٌ أو ليست بواقِعةٍ، وإن كان هو الذي عليه الأكثَرُ؛ لأمرين: الأوَّلُ أنَّ الإيقاعَ والانتزاعَ وإن كان مدلولَ الخبرِ على قولِ الأكثرِ إلا أنه ليس مقصودًا بالإفادةِ، بل وسيلةً لما قُصِدَ إفادتُه، وهو وقوعُ النسبةِ أو لا وقوعُها؛ وذلكَ لأنَّ المخاطَبَ يَستفيدُ الإيقاعَ والانتزاعَ من الخبرِ، ثم يَنتقِلُ إلى متعلِّقِه الذي هو المقصودُ بالإعلامِ، وهو وقوعُ النِّسبةِ أو لا وقوعُها. ويَدُلُّ لذلكَ ما هو الحقُّ عندَهم من أنَّ الألفاظَ لا دَلالةَ لها في نفسِها على ما في الخارجِ، بل دَلالتُها على الصُّوَرِ الذهنيَّةِ أوَّلاً وبالذاتِ وبواسطتِها على ما في الخارجِ لما بينَهما من الارتباطِ. والثاني، أنه ليس قَصْدُ الْمُخْبِرِ إفادةَ أنه أوقَعَ النسبةَ، أي أَدرَكَ أنها مطابِقةٌ للواقِعِ أو لا، ولا أنه عالِمٌ بأنه أوْقَعَها؛ لأن الإدراكَ من أوصافِ الشخصِ، فلو أُريدَ لمَّا كان لِإِنكارِ الحكْمِ معنًى، إذ لا يَصِحُّ أن يقولَ المخاطَبُ للمتكلِّمِ: أنت لم تُوقِع النسبةَ ا.هـ. ملَّخَّصًا من الدُّسُوقيِّ. |
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون :(الكلامُ على الخبرِ
الخبرُ إمَّا أنْ يكونَ جملةً فِعْلِيَّةً أو اسْمِيَّةً. فالأُولى موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ في زمنٍ مخصوصٍ، معَ الاختصارِ. وقدْ تُفيدُ الاستمرارَ التَّجدُّديَّ بالقرائنِ، إذا كان الفعْلُ مضارعًا، كقولِ طريفٍ: أَوَكلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قبيلة ...... بعثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ يتوَسَّمُ والثانيةُ موضوعةٌ لمجرَّدِ ثبوتِ المسنَدِ للمسنَدِ إليه، نحوُ: (الشمسُ مُضِيئَةٌ). وقدْ تُفيدُ الاستمرارَ بالقرائنِ إذا لمْ يكُنْ في خبرِها فِعْلٌ، نحوُ: (العلْمُ نافعٌ). والأصْلُ في الخبَرِ أنْ يُلْقَى لإفادةِ المخاطَبِ الحكْمَ الذي تَضمَّنَتْهُ الجملةُ، كما في قولِنا: (حَضَرَ الأميرُ)، أوْ لإفادةِ أنَّ المتكلِّمَ عالِمٌ به، نحوُ: (أنتَ حَضَرْتَ أمسِ). ويُسَمَّى الحكْمُ فائدةَ الخبَرِ، وكونُ المتكلِّمِ عالِمًا بهِ لازِمَ الفائدةِ.) (دروس البلاغة الصغرى). |
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون : (الكلامُ على الخبرِ(1)
الخبرُ إمَّا أنْ يكونَ جملةً فعليَّةً أو اسْمِيَّةً(2). (فالأُولَى) (3) موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ(4) في زَمَنٍ(5) مخصوصٍ(6) مع الاختصارِ(7), وقد تُفِيدُ(8) الاستمرارَ التجَدُّدِيَّ(9) بالقرائنِ(10) إذا كانَ الفعلُ مضارعاً كقولِ طَرِيفٍ(11): أوَ كُلَّمَا وَرَدَتْ(12) عُكَاظَ قَبِيلَةٌ(13) بَعَثُوا(14) إِلَيَّ عَرِيفَهُمْ (15) يَتَوَسَّمُ (16) (والثانيةُ)(17) موضوعةٌ لِمُجَرَّدِ ثُبُوتِ المُسْنَدِ للمُسْنَدِ إليهِ(18)، نحوُ: الشمسُ مُضِيئةٌ(19)، وقد تُفيدُ(20) الاستمرارَ(21) بالقرائنِ(22) إذا لمْ يَكُنْ في خبرِهَا فِعْلٌ(23) نحوُ: العِلْمُ نافِعٌ(24). والأصلُ في الخبرِ أنْ يُلْقَى(25) لإفادةِ المخاطَبِِ(26) الحُكْمَ(27) الذى تَضَمَّنَتْهُ الجملَةُ(28), كَمَا في قولِنَا: حَضَرَ الأميرُ(29)، أو لإفادةِ أنَّ المُتَكَلِّمَ عالِمٌ(30) بهِ نحوُ: أنتَ حَضَرْتَ أَمْسِ(31)، وَيُسَمَّى الحُكْمُ(32) فائدةَ الخَبَرِ(33)، وكَوْنُ المُتَكَلِّمِ عالِماً (34) بهِ لازمَ الفائدَةِ(35). )(دروس البلاغة) _________________ قال الشيخ محمد ياسين بن عيسى الفاداني: (1 ) ( الكلامُ على الخبرِ ) أي: على تقسيمِهِ إلى جملةٍ فعليَّةٍ وجملةٍ اسميَّةٍ. ( 2 ) ( الخبرُ إمَّا أنْ يكونَ جملةً فعليَّةً أو ) جملةً ( اسميَّةً ), لا ثالثَ لهما بالاستقراءِ. (3) ( فالأُولَى ) الجملةُ الفعليَّةُ: وهِيَ ما كانَ المُسْنَدُ فيها فِعْلًا. (4) ( موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ ) أي: وقوعِ الحَدَثِ المَدْلُولِ لِفِعْلِهَا. (5) ( فِي زمنٍ ) وَزَادَ بعضُهم هنا فقالَ: لإفادةِ الحدوثِ والتَّجَدُّدِ، وأرادَ بالتَّجَدُّدِ الحصولَ بعدَ أنْ لمْ يَكُنْ، ولَا تَكرارَ فِي ذلكَ؛ لأنَّ التصريحَ بكونِهِ حاصلًا فِي زمنٍ لا يَقْتَضِي كَوْنَهُ لمْ يَكُنْ حاصِلًا فِي غيرِهِ. (6) ( مخصوصٍ ) من الأزمنةِ الثلاثةِ: إمَّا مُعَيَّنًا فِي الماضي حيثُ لمْ يَقَعُ صلةً أو صفةً لنكرةٍ عامَّةٍ أو فِي شرطٍ، وفي المضارعِ المُقْتَرِنِ بسينِ التنفيسِ، وإمَّا مُبْهَمًا بينَ أمْرَيْنِ فِي المضارعِ، إذا قُلْنَا: إنَّهُ مُحْتَمِلٌ للحالِ والاستقبالِ، أو مُبْهَمًا بينَ الثلاثةِ فِي الماضِي إذا وَقَعَ صِلَةً أو صِفَةً لنكرةٍ عامَّةٍ فإنَّهُ يَحْتَمِلُهَا جميعَهَا. (7) ( مع الاختصارِ ) أي: مع عدمِ الاحتياجِ معها إلى قرينةٍ من حيثُ أصْلُ الوضْعِ بخلافِ الجملةِ الاسميَّةِ فإنَّهَا تُفِيدُ إحداها بقرينةٍ خارجيَّةٍ، كقولِكَ: خالدٌ قائمٌ الآنَ أو أَمْسِ أو غداً. نَعَمْ يَدُلُّ اسمُ الفاعلِ على الزمنِ بلا قرينةٍ, لكنْ دلالةٌ الْتِزَامِيَّةٌ لا صَرِيحَةٌ. (8) ( وقد تُفِيدُ ) الجملةُ الفعليَّةُ. (9) ( الاستمرارَ التجَدُّدِيَّ ) أي: التَّقَصِّيَ والحصولَ شَيْئًا فشيئًاعلى وَجْهِ الاستمرارِ. (10) ( بـ ) حَسَبِ المُقَامِ و ( القرائِنِ ) التي تَدُلُّ على إفادةِ ذلكَ. (11) ( إذا كانَ الفعلُ مضارعًاكقولِ طَرِيفٍ ) ابنِ تَمِيمٍ الْعَنْبَرِيِّ يَصِفُ نَفْسَهُ بالشجاعَةِ. (12) ( أ ) حَضَرَت العربُ سُوقَ عُكَاظَ ( وكُلَّمَا وَرَدَتْ ) أي: جاءَتْ. (13) ( عُكَاظَ قبيلةٌ ) منهم، وسوقُ عُكَاظَ كانتْ بينَ نخلةَ والطائفِ تُقَامُ فِي مُسْتَهَلِّ ذي القعدةِ، وَتَسْتَمِرُّ عشرينَ يومًاتَجْتَمِعُ فيها قبائلُ العربِ فَيَتَعَاكَظُونَ أي: يَتَفَاخَرُونَ وَيَتَنَاشَدُونَ الأشعارَ. (14) ( بَعَثُوا ) جوابُ كُلَّمَا. (15) ( إِلَيَّ عَرِيفَهُمْ ) أي: رئيسَهُم المُتَوَلِّيَ للبحثِ عنهم والكلامِ فِي شأنِهِم. (16) ( يَتَوَسَّمُ ) أي: يَتَفَرَّسُ وجوهَ الحاضرينِ لِيَنْظُرَ هلْ أَنَا فيهم أو لا؛ لأنَّ لي جِنَايَةً فِي كلِّ قومٍ ونِكَايَةً لهم، فإذا وَرَدَت القبائلُ ذلكَ السوقَ بعَثوا عَرِيفَهُم لِيَتَعَرَّفَنِي فيأخذوا بِثَأْرِهِم مِنِّي، والشاهدُ فِي قولِهِ: يَتَوَسَّمُ حيثُ أَوْرَدَ المُسْنَدَ فِعْلًا مضارِعاً، وأفادَ الاستمرارَ التَّجَدُّدِيَّ بقرينةٍ لفظيَّةٍ، وهِيَ لفظةُ كُلَّمَا الدالَّةِ على التكرارِ، والمعنى أنْ تَفَرُّسَ الوُجُوهِ وَتَأَمُّلَهَا دَيْدَنُ العَرِيفِ وَشَأْنُهُ المُسْتَمِرُّ الذي لا يَحِيدُ عنهُ، وَيَتَجَدَّدُ آنًا فَآنًا. ومِن هذا القبيلِ قولُ المُدَرِّسِينَ: مَعْنَى أَحْمَدُكَ أَنَّهُ يَحْمَدُ اللهَ حَمْدًابَعْدَ حَمْدٍ إلى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ بِحَسَبِ المُقَامِ لا الوَضْعِ. (17) ( والثانيةُ ) الجملةُ الاسميَّةُ: وهِيَ ما كانَ المُسْنَدُ فيها اسْمًا. (18) ( موضوعةٌ لمُجَرَّدِ ثبوتِ المُسْنَدِ للمُسْنَدِ إليهِ ) أي: لإفادةِ ذلكَ مُجَرَّدًاعن الحدوثِ والتَّجَدُّدِ والاستمرارِ التَّجَدُّدِيِّ. (19) ( نحوُ: الشمسُ مضيئَةٌ ) فلا يُسْتَفَادُ منها سِوَى ثبوتِ الإضاءةِ للشمسِ بدونِ نَظَرٍ إلى حدوثِ ذلكَ وتَجَدُّدِهِ واستمرارِهِ. (20) ( وقد تُفِيدُ ) أي: الجملةُ الاسميَّةُ. (21) ( الاستمرارَ ) أي: الثباتَ. والدوامَ. (22) ( بـ ) حَسَبِ ( القرائِنِ ) كأنْ سِيقَتْ فِي مقامِ كمالِ الذمِّ أو المدْحِ (23) ( إذا لم يَكُنْ فِي حَيِّزِهَا فِعْلٌ ) أي: إذا لمْ يَكُن المسندُ فيها جملةً فعليَّةً بأنْ كانَ اسْمًا مفردًا أو جملةً اسميَّةً. (24) ( نحوُ: العلمُ نافِعٌ ) فسياقُ الكلامِ فِي مقامِ المدحِ قرينةٌ تَدُلُّ على إرادةِ الاستمرارِ مع الثبوثِ, وأمَّا إذا كانَ المسندُ فيها جملةً فعليَّةً فإنَّهَا تُفِيدُ التجددَ، نحوُ: خالدٌ قامَ، فإنَّهُ يَدُلُّ على ثبوتِ نسبةِ القيامِ المتجدِّدِ، فالقيامُ مُتَجَدِّدٌ, وحصولُهُ لخالدٍ، ووصفُهُ بهِ ثابتٌ مُسْتَقِرٌّ. (25) ( والأصلُ فِي الخبرِ أنْ يُلْقَى ) أي: يَتَلَفَّظُ المُتَكَلِّمُ بهِ لأحدِ غَرَضَيْنِ أوَّلًا. (26) ( لإفادةِ المُخَاطَبِ ) أي: مَن أُرِيدَ إِفَادَتُهُ سواءً كانَ مُخَاطَبًا أوْ لا بأنْ وَجَّهَ الكلامَ إلى شخصٍ، وَأُرِيدَ إفادةُ غيرِهِ. (27) ( الحُكْمَ ) بالنصبِ مفعولٌ ثانٍ، والمفعولُ الأولُ قولُهُ: ( المخاطَبِ ) والفاعلُ محذوفٌ أي: إفادةُ المُخْبِرِ المُخَاطَبَ الحُكْمَ. (28) ( الذي تَضَمَّنَتْهُ الجملةُ الخبريَّةُ، والمرادُ بالحكمِ وقوعُ النسبةِ أوْ لا وُقُوعُهَا, أي: النسبةُ الواقعةُ المُتَحَقِّقَةُ في الخارجِ أو غيرُ المُتَحَقِّقَةِ فيهِ، وهو المعنى فيما سَبَقَ بالنسبةِ الكلاميَّةِ. (29) ( كما فِي قولِنا: حَضَرَ الأميرُ ) فإنَّنَا نَقْصِدُ بهِ إفادةَ المخاطَبِ أنَّ ثبوتَ الحضورِ للأميرِ حَصَلَ وتَحَقَّقَ فِي الخارجِ، هذا وقد يُطْلَقُ الحكمُ ويُرَادُ بهِ الإيقاعُ والانتزاعُ أي: إذعانُ النسبةِ، وإدراكُ أنَّها واقعةٌ، أو ليستْ بواقعةٍ، ولا يَصِحُّ إرادتُهُ هنا لظهورِ أنَّهُ ليس قَصْدُ المُخْبِرِ إفادةَ أنَّهُ أَوْقَعَ النسبةَ أي: أَدْرَكَ أنَّهَا مطابقةٌ للواقعِ أو لا، ولا أَنَّهُ عَالِمٌ بأنَّهُ أَوْقَعَهَا. هذا ظاهرٌ على قولِ مَن قالَ: إنَّ مدلولَ الخبرِ النسبةُ, لا الإذعانُ بها، وذهبَ الأكثرُ كالإمامِ الرَّازِيِّ، والتاجِ السُّبْكِيِّ، والسيِّدِ الشريفِ إلى أنَّ مدلولَ الخبرِ إذعانُ النسبةِ, أي: الإيقاعُ، والانتزاعُ, لكنْ كما قالَ العلاَّمَةُ عبدُ الحكيمِ: ليسَ على أنَّهُ مقصودٌ بالإفادةِ, بلْ وسيلةٌ لِمَا قَصَدَ إفادتَهُ بالخبرِ مِن وقوعِ النسبةِ, أوْ لاَ وقوعِهَا؛ لأَنَّ المخاطَبَ يستفيدُ الإيقاعَ والانتزاعَ من الخبرِ, ثم يَنْتَقِلُ منهُ إلى مُتَعَلِّقِهِ الذي هو المقصودُ، وهو وقوعُ النسبةِ أوْ لا وقوعُهَا، فَظَهَرَ أنَّ كونَ الخبرِ مدلولُهُ الإيقاعُ، والانتزاعُ لا يُنَافِي كونَ المقصودِ بهِ إفادةَ وقوعِ النسبةِ أو لا وقوعِهَا, بلْ يجتمعانِ على أنَّ الأوَّلَ وسيلةٌ للثاني، المقصودُ: فَتَدَبَّرْ. (30) ( أو لافَادَةِ أَنَّ المُتَكَلِّمَ عَالِمٌ بهِ ) أي: لإفادةِ المُتَكَلِّمِ المخاطَبَ أَنَّهُ أي: المُتَكَلِّمَ عَالِمٌ بالحُكْمِ بالمَعْنَى المذكورِ، أي: مُصَدِّقٌ بهِ جَزْماًأو ظَنّاً. (31) ( نحوُ: أَنْتَ حَضَرْتَ أَمْسِ ) بِفَتْحِ تاءِ الخِطَابِ فِي المَوْضِعَيْن، فإنَّ النِسْبَةَ وهِيَ ثبوتُ الحضورِ وحصولُهُ للمخاطبِ مَعْلُومَةٌ قبلَ الإخبارِ، فلا يَصِحُّ أنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً بهِ لِكَوْنِ المخاطَبِ عَالِماً بِحُضُورِهِ، وَإِنَّمَا الغرضُ إِفَادَتُهُ بِأَنَّا عَالِمُونَ بِهِ. (32) ( وَيُسَمَّى الحُكْمُ ) الذي يُقْصَدُ بِالخَبَرِ إِفَادَتُهُ (33) ( فَائِدَةَ الخَبَرِ ) لأَنَّهُ مَدْلُولُ اللفظِ، ومِن شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ إِفَادَتُهُ لِوَضْعِ اللفظِ لهُ؛ لأَنَّ مِن شأنِ وَضْعِ اللفظِ إِفَادَةَ مَا وُضِعَ لهُ، فَلا يَضُرُّ فِي تَسْمِيَتِهِ فَائِدَةً كَوْنُهُ قد يُعْلَمُ أَوْ لاَ. (34) ( وَ ) يُسَمَّى ( كَوْنُ المُتَكَلِّمِ عَالِماً بهِ ) أي: بالحُكْمِ. (35) ( لازِمَ الفائدةِ ) أي: لاَزِمَ فائدةِ الخبرِ؛ لأَنَّ إفادةَ تلك الفائدةِ التي هِيَ الحكمُ يَسْتَلْزِمُ إفادةَ كونِ المُخْبِرِ عَالِماً بهِ أي: فِي الغالبِ، وإلاَّ فَقَدْ يَغْفُلُ المُخَاطَبُ عن كونِ المُتَكَلِّمِ عَالِماً وَيُخْبِرُ بالحكمِ، وهوَ شَاكٌّ أو جَاهِلٌ، فلم تَكُنْ إِفَادَةُ أنَّهُ عالمٌ لاَزِمَةً لإفادةِ نَفْسِ الحُكْمِ. هذا وقد يُلْقَى الخبرُ لاغْرَاضٍ أُخْرَى خِلاَفِ الأصلِ تُسْتَفَادُ مِن سياقِ الكلامِ، منها إظهارُ التَّحَسُّرِ والتَّحَزُّنِ فِي قولِه تعالى حِكَايَةً عن امرأةِ عِمْرَانَ: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} فَإِنَّ اللفظَ لَيْسَ للإعلامِ بالحكمِ أو لاَزِمِهِ؛ لأَنَّ المُخَاطَبَ, وهو المَوْلَى, عَالِمٌ بكلٍّ مِنْهُمَا، بلْ لإظهارِ التَّحَسُّرِ على خَيْبَةِ رَجَائِهَا، والتَّحَزُّنِ إلى رَبِّهَا؛ لأَنَّهَا كانتْ تَرْجُو وَتُقَدِّرُ أَنَّهَا تَلِدُ ذَكَراً، فَأُخْبِرَتْ أنَّها وَلَدَتْ أُنْثَى. وَمِنْهَا إظهارُ الضَّعْفِ والخُشُوعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حكايةً عن نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي}. ومنها إِظْهَارُ الفَرَحِ بِمُقْبِلٍ، وَالشَّمَاتَةِ بِمُدْبِرٍ فِي قَوْلِهِ: {جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ}. ومِنْهَا تَذْكِيرُ ما بَيْنَ المراتبِ مِن التَّفَاوُتِ العظيمِ، كما فِي قولِهِ تَعَالَى: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِن المُؤْمِنِينَ} إلخ، فَإِنَّ اللفظَ لَيْسَ للإعلامِ بالحكمِ ولازمِهِ؛ لأَنَّ النَبِيَّ وأصحابَهُ عَالِمُونَ بالحكمِ، وهو عَدَمُ الاستواءِ، وعالمونَ بأنَّ المَوْلَى عَالِمٌ بِعِلْمِهِمْ ذلك, بل لِتَذْكِيرِ مَا بينَ الرُّتْبَتَيْنِ من التفاوُتِ العَظِيمِ لأجلِ أنْ يَتَبَاعَدَ القاعِدُ, وَيَرْفَعَ نفسَهُ عن إحطاطِ مَرْتَبَتِهِ. |
شموس البراعة للشيخ: أبو الفضائل محمد فضل حق الرامفوري
والخبَرُ: أيُّ كلامٍ يَصِحُّ أنْ يُقَالَ لقائلِه: إنَّهُ صادقٌ فيهِ أوْ كاذبٌ؛ لأنَّ القائلَ يَقْصِدُ بذلكَ الكلامِ حكايةَ معنًى حاصلٍ في الواقعِ، فهذهِ الحكايةُ إنْ كانتْ مطابِقَةً لِمَا في الواقعِ يُقَالُ لهُ: إنَّهُ صادقٌ فيه، وإنْ لمْ تكُنْ مطابِقةً لهُ يُقالُ لهُ: إنَّهُ كاذبٌ، كسافَرَ مُحَمَّدٌ، وعَلِيٌّ مُقِيمٌ، فَقَصَدَ القائلُ بالأوَّلِ حكايةَ ثُبوتِ السَّفَرِ لِمُحَمَّدٍ، وبالثاني حكايةَ ثُبوتِ الإقامةِ لعَلِيٍّ في الواقعِ، فإنْ حَصَلَ الطِّبَاقُ بينَ تلكَ الحكايةِ وما وَقَعَ في نَفْسِ الأمْرِ بأنْ وُجِدَ اتِّصَافُ مُحَمَّدٍ بالسفَرِ، واتِّصَافُ عليٍّ بالإقامةِ، ثَبَتَ صِدْقُهُ، وإلَّا ثَبَتَ كَذِبُهُ .
والإنشاءُ: ما لا يَصِحُّ أنْ يُقالَ لقائلِه ذلكَ ؛ لأنَّهُ لا يَقْصِدُ بهِ الحكايةَ عنْ معنًى حاصِلٍ في الواقِعِ حتَّى ثَبَتَ صِدْقُه بمُطَابَقَةِ الحكايةِ أوْ كَذِبُه بعَدَمِ مطابقَتِها، بل الْقَصْدُ بهِ إحداثُ مدلولِه، وإيجادُه بذلكَ اللفْظِ، ( كسَافِرْ يا مُحَمَّدُ، وَأَقِمْ يَا عَلِيُّ )، فإنَّهُ لمْ يَقْصِدْ بهِ حكايةَ شيءٍ، بلْ إحداثَ مدلولِه، وهوَ طَلَبُ السَّفَرِ والإقامةِ . والمرادُ بصِدْقِ الخبرِ مطابَقَتُه للواقِعِ ونفسِ الأمْرِ، والمرادُ بنفسِ الأمْرِ ما عليهِ الأمْرُ في نفسِه معَ قَطْعِ النظَرِ عن اعتبارِ الذِّهْنِ وَتَعَمُّلِهِ، ويُقالُ لهُ: الخارجُ أيضًا ؛ لكونِه خارجًا عن اعتبارِ العقْلِ. وللتنبيهِ على هذا أَوْرَدَ بعدَ ذِكْرِ الواقعِ ههنا لفظَ الخارِجِ في قولِه بُعَيْدَ هذا: إنْ كانت النِّسْبَةُ المفهومةُ منها مطابِقَةً لِمَا في الخارجِ إلخ. وبكَذِبِه عدَمُ مطابَقَتِه له، فجملةُ عليٌّ مُقِيمٌ إنْ كانت النِّسْبةُ المفهومةُ منها مطابِقَةً لِمَا في الخارجِ، بأنْ تكونَ في الخارجِ كما فُهِمَتْ من اللفظِ فصِدْقٌ، وإلَّا، أيْ : وإنْ لمْ تكُن النِّسْبَةُ المفهومةُ منها مطابِقَةً لما في الخارجِ بأنْ تكُونَ في الخارجِ على خِلافِ ما دَلَّ عليهِ الكلامُ، فكَذِبٌ . ولكلِّ جملةٍ سواءٌ كانتْ خَبَرِيَّةً أوْ إنشائيَّةً رُكنانِ: أحدُهما محكومٌ عليه، والآخَرُ محكومٌ به. وَيُسَمَّى الأَوَّلُ مُسْنَدًا إليه كالفاعلِ ونائبِه، والمبتدأِ الذي لهُ خَبَرٌ. وَيُسَمَّى الثاني مُسْنَدًا، كالفعْلِ والمبتدأِ الْمُكْتَفِي بمرفوعِه، وهوَ القِسْمُ الثاني من المبتدأِ، أي الصفةُ الواقعةُ بعدَ حرفِ النفيِ أوْ أَلِفِ الاستفهامِ رافعةً لظاهِرٍ مثلُ: ما قائمٌ الزَّيْدَانِ، وأقائِمٌ الزَّيْدَانِ، فإنَّ الصفةَ في هذينِ المثالينِ مُسْنَدَةٌ إلى ما بعدَها، وهوَ فاعلُها يَسِدُّ مَسَدَّ الْخَبَرِ . ( الكلامُ على الْخَبَرِ ) الخبرُ إِمَّا أنْ يكونَ جملةً فِعْلِيَّةً أو اسْمِيَّةً. فالأُولَى موضوعةٌ لإفادةِ الحدوثِ: أيْ لإفادةِ حدوثِ الْحَدَثِ المدلولِ عليهِ بالفعْلِ الواقعِ فيها، في زمَنٍ مخصوصٍ من الأزمنةِ الثلاثةِ، سواءٌ كانَ مُعَيَّنًا كالجملةِ الفِعْلِيَّةِ التي وَقَعَ الفعْلُ فيها ماضيًا، أوْ مُبْهَمًا كالجملةِ الفِعْلِيَّةِ التي فِعْلُها مضارعٌ، إذا قُلنا: إنَّهُ مُحْتَمِلٌ للحالِ والاستقبالِ . معَ الاختصارِ: وهذا احترازٌ عنْ مِثْلِ قولِنا: زيدٌ قائمٌ الآنَ أوْ أمْسِ أوْ غدًا، فإنَّ دَلالتَهُ على الزمانِ المخصوصِ ليسَ إلَّا بانضمامِ قولِنا: الآنَ أوْ أمسِ أوْ غدًا. بخلافِ الْفِعْلِ؛ فإنَّهُ يَدُلُّ على أَحَدِ تلكَ الأزمنةِ بصيغتِه منْ غيرِ حاجةٍ إلى انضمامِ أمْرٍ آخَر يَدُلُّ عليهِ . وقدْ تُفيدُ الاستمرارَ التَّجَدُّدِيَّ بالقرائنِ إذا كانَ الفعْلُ مضارعًا كقولِ طريفٍ: ( أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ)، الهمزةُ ههنا للاستفهامِ التقريريِّ، والواوُ للعطْفِ على مُقَدَّرٍ، أيْ: أَحَضَرَت العرَبُ في عُكاظٍ، وَكُلَّمَا وَرَدَتْ إلخ. عكاظٌ هوَ سوقٌ بينَ نَخْلَةَ والطائفِ تَجْتَمِعُ فيها قبائلُ العرَبِ فيَتفاخَرُونَ ويَتَنَاشَدُونَ، وهذا مفعولُ وَرَدَتْ بمعنى جاءتْ، قبيلةٌ فاعلةٌ. بَعَثُوا إليَّ عَرِيفَهُمْ، عَرِيفُ القومِ القَيِّمُ بأمْرِهم ورئِيسُهم الْمُتَوَلِّي للحديثِ عنهم، والكلامِ في شأنِهم، حتَّى اشْتُهِرَ بذلكَ وعُرِفَ بِهِ، يَتَوَسَّمُ: أيْ يَصْدُرُ منهُ ذلكَ التَّوَسُّمُ وَتَفَرُّسُ الوجوهِ مُتَجَدِّدًا شيئًا فشيئًا، ولحظةً فلحظةً. فهذهِ الجملةُ الفعليَّةُ تَدُلُّ على الاستمرارِ التَّجَدُّدِيِّ بمعُونَةِ الْمَقامِ وبقرينةِ السياقِ؛ لأنَّ تَعيينَ المطلوبِ إنَّما يَحْصُلُ بعدَ التَّفَرُّسِ الْمُتَجَدِّدِ كثيرًا في وجوهِ الحاضرِينَ في السوقِ . والثانيةُ موضوعةٌ لِمُجَرَّدِ ثبوتِ الْمُسْنَدِ للمُسْنَدِ إليه: أيْ منْ غيرِ إفادتِهما الحدوثَ، ومنْ غيرِ اقتضائِهما التَّجَدُّدَ . نحوَ: الشمسُ مضيئةٌ: وهذا بِحَسَبِ أصْلِ الوَضْعِ . وقدْ تُفِيدُ الاستمرارَ الثُّبوتيَّ بالقرائنِ الخارجيَّةِ إذا لمْ يكُنْ في خَبَرِها فعْلٌ، إذْ لوْ كانَ في خبرِها فِعْلٌ فدَلالةُ الفِعْلِ على الحدوثِ والتَّجَدُّدِ لا تفيدُ الثبوتَ على وجهِ الاستمرارِ، نحوَ: العلْمُ نافعٌ . والأصلُ في الخبرِ: أيْ ما وُضِعَ الْمُرَكَّبُ الخبريُّ لهُ، أنْ يُلْقَى لإفادةِ المخاطَبِ الحكْمَ الذي تَضَمَّنَهُ الجملةُ، وهوَ وقوعُ النِّسبةِ أوْ لا وقوعُها، كما في قولِنا: حَضَرَ الأميرُ، لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ إذْ يُريدُ بهِ المتكلِّمُ إعلامَ وقوعِ الحضورِ للأميرِ . أوْ لإفادةِ أنَّ المتكلِّمَ عالِمٌ به، وذلكَ فيما إذا كانَ المخاطَبُ عالمًا بأصْلِ الحُكْمِ، نحوَ: أنْتَ حَضَرْتَ أمسِ، فإنَّهُ يَمْتَنِعُ فيهِ إفادةُ المخاطَبِ أنَّهُ حَضَرَ أمسِ؛ لكونِه معلومًا لهُ، بلْ يُريدُ إفادةَ أنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَعْلَمُ به، ويُسَمَّى الحكْمُ فائدةَ الخبرِ . وكونُ المتكلِّمِ عالمًا بهِ لازِمَ الفائدةِ؛ لأنَّهُ كُلَّمَا استُفِيدَ من الخبرِ الأَوَّلِ استُفيدَ الثانِي، ولا عكْسَ؛ لِجَوَازِ أنْ يكونَ الأوَّلُ معلومًا قبلَ الخبرِ بدونِ الثانِي، فحينئذٍ يُفِيدُ الخبَرُ الثاني دونَ الأوَّلِ ؛ لامتناعِ تحصيلِ الحاصلِ. فاللزومُ بينَهما ليسَ باعتبارِ وجودِهما في الواقعِ؛ لظُهورِ أنَّهُ لا يَلْزَمُ منْ تَحَقُّقِ الحكْمِ الخبرُ، فَضْلًا عنْ كونِ مُخْبِرِه عالِمًا بالحكْمِ، بلْ باعتبارِ استفادتِهما من الخبرِ، فعلى هذا جَعَلَ الحُكْمَ نفسَه فائدةَ الخبرِ، ونفسُ كونِ المتكلِّمِ عالمًا بهِ لازِمَها، لا استفادتَهُما كما جَعَلَ المصنِّفُ، إنَّما هوَ بالنَّظَرِ إلى أنَّ ما يُستفادُ من الشيءِ أحقُّ بأنْ يُسَمَّى فائدةً منْ نفسِ الاستفادةِ . |
شرح دروس البلاغة لفضيلة الشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
ثم قال: " الكلام على الخبر " أي: هذا المبحث معقود للكلام على ضروب الخبر وأحواله , فقال: الخبر إما أن يكون جملة فعلية أو اسمية " الخبر وهو كما ذكرنا إخبار بأمر قد حصل , أو قل: هو ما يحتمل الصدق والكذب , إما أن يكون بجملة اسمية وإما أن يكون بجملة فعلية ، فالأولى , أي الجملة الاسمية...
فالأول أيى الجملة الفعلية أقصد من ثابت الحدوث في زمن مخصوص , لماذا إذا أردت أن تعبر عن معنى تعبر بالجملة الفعلية؟ إنما تعبر بها إذا أردت التجدد والحدوث , إذا أردت أن الأمر جديد , أو أردت ارتباطه بالزمن , قام زيد , أردت هنا إثبات حصول هذا الحكم في الزمان الماضي ، سيقوم زيد غدا ,{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} , {سيقول} هذه جملة فعلية , والمقصود بها الإخبار أنهم سيقولون هذا في المستقبل , {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} هذه جملة فعلية , والمقصود بها إثبات أن الله قد قال ذلك في الماضي ـ فهمت؟ ـ فإذن الفعل يدلك علي التجدد والارتباط بالزمن , سواء كان الزمان ماضيا أو كان مستقبليا , فإن كان ماضيا عبر بالفعل الماضي , وإن كان مستقبليا عبر بالفعل المضارع ، مع الاختصار . مع الاختصار؛ لأن الجملة الاسمية قد تدل أيضا على التجدد , وقد تدل على الارتباط بالزمن , لكن ذلك يُحتاج فيه إلى الإتيان بظرف , زيد قادم غدا , فالجملة الاسمية هنا دلت علي التجدد وعلى أن القدوم سيكون غدا , لكن ليس مع الاختصار؛ لأنك أتيت الاسم الكامل وهو الظرف المنصوب , بينما لو قلت: يقدم زيد , لا تحتاج إلى هذا الظرف ، فحصل الاختصار , وقد تفيد الاستمرار التجددي بالقرائن , إذا احتفت الجملة الفعلية بالقرائن فاقترنت بما يدل على الاستمرار , فإنها حينئذ تفيد الاستمرار , لكن ذلك الاستمرار تجددياً , أي أنه يأتي فترة بعد أخرى , وذلك فيما إذا كان الفعل مضارعا , دليله قول الشاعر: أوكلما وردت عكاظ قبيلة ...... بعثوا إليّ عريفهم يتوسم أو كلما , كلما هنا أداة شرط تدل على التجدد , وأن ذلك يحدث ثم ينقطع ثم يحدث ثم ينقطع , كلما قام زيد فعل كذا , كلما أتى عمرو استقبلناه , كلما سمعت علما فاكتبه ، وهكذا , فهذا يدل على التجدد ، على الاستمرار في التجدد , الاستمرار المتجدد. أو كلما وردت عكاظ قبيلة ....... بعثوا إلي عريفهم يتوسم فالجملة هنا فعلية وهي تفيد التجدد . والثانية وهي الجملة الاسمية موضوعة لمجرد ثبوت المسند للمسند إليه , أي أن المقصود بها في الأصل حصول الحكم , أي الحكم على المسند إليه بالمسند , بغض النظر عن الزمان , وبغض النظر عن التجدد أو عدمه , إذا قلت: زيد قائم , فالأصل أنه قائم الآن , لكن لا ينفي ذلك أن يكون كان قائماً في الماضي , وسيبقى قائما في المستقبل. زيد حسن , أراه أنه حسن الآن , لكن لا ينفي ذلك أن يكون كان حسناً في الماضي وسيبقى حسنا في المستقبل وهكذا. مثل: الشمس مضيئة , معناه هي الآن مضيئة , لكن لا ينفي ذلك أن تكون مضيئة فيما قبل وفيما بعد , وقد تفيد الاستمرار بالقرائن , وذلك إذا لم يكن في خبرها فعل؛ لأنه إذا كان في خبرها فعل رجعنا إلى الجملة الفعلية التي تفيد التجدد , ومثال ذلك قول الشاعر: قالت أمامة ما تبقــى دراهمنا ...... وما لنا سرف فيها ولا خُرق فهنا:إنا إذا اجتمعــت يوما دراهمنا ...... ولت إلى طرق المعروف تستبق لا يألف الدرهم المضروب سرتنا ....... لـكن يمر عليها وهو منطلق حتى يصير إلى نـذل يخــلده ...... وكاد من صدره إياه يمزق لا يألف الدرهم المضروب سرتنا ....... لكن يمر عليها وهو منطلق وهو منطلق جملة اسمية , وهي تفيد الاستمرار , أنه يمر دون توقف , لكن يمر عليها وهو منطلق. والأصل في الخبر أن يلتقي لإفادة المخاطب الحكم الذي يتضمنه ، تتضمنه الجملة , فالإخبار قسمان , الخبر كله ينقسم إلى قسمين: إلى فائدة الإخبار ، ولازم فائدة الإخبار. القسم الأول: هو فائدة الإخبار , وهو إخبارك لإنسان بأمر كان يجهله , كما إذا قلت لي: مات زيد ولم أكن أعلم أنه مات , فهذا يسمى فائدة الإخبار لأنك أفدتني بأمر لم أكن أعلمه. والقسم الثاني: هو لازم فائدة الإخبار , كما إذا قلت لي: أنت موجود هنا , فهذا معناه أنك تعلم أنني موجود , وإلا فلن تخبرني فأنا أدرى بذلك , فإذن هذا القسم الثاني يسمى لازم فائدة الإخبار. قال: " والأصل في الخبر أن يلقى لإفادة المخاطب الحكم الذي تتضمنه الجملة " وهذا هو القسم الأول. وهو الأصل كما في قولنا: حضر الأمير , فحضر الأمير خبر بأمر لم تكن تعلمه فأخبرت به. قوله: " أو لإفادة أن المتكلم عالم به " وهذا القسم الثاني , هو ألا يفيدك أمراً جديداً عليك ولكن يفيدك أنه هو علم به , نحو أنت حضرت أمس , فمثال هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري حين أخبره أنه سمعه يقرأ القرآن فأوتي مزمارا من مزامير آل داود , فقال: لو كنت أعلم أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر أبا موسى بأمر مجهول لديه , وهو أنه كان يقرأ في المسجد , لكن يخبره ليعلم أنه هو علم بذلك وهو سمعه , فهذا لازم فائدة الإخبار , ويسمى الحكم أي القسم الأول فائدة الإخبار , فائدة الخبر , ويسمى كون المتكلم عالما به وهو القسم الثاني , لازم فائدة الإخبار ، لازم الفائدة. |
شرح دروس البلاغة الكبرى لفضيلة الدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ : ( الكلام على الخبر : الخبر : إما أن يكون جملة فعلية أواسمية ، فالأولى موضوعة لإفادة الحدوث في زمن مخصوص مع الاختصار وقد تفيد الاستمرار التجددي بالقرائن إذا كان الفعل مضارعاً كقول طريف :
أو كلـما وردت عــكــاظ قـبــيــلة ..... بـعـثـوا إلى عـريفـهم يـتـوســم ). الشيخ : نلحظ هنا حينما ترد كلمة الخبر لا يعني مقابل المبتدأ دائماً ، الجملة الخبرية الجملة التي تنضوي تحت لواء القسم الأول من الكلام وهو الخبر المقابل للإنشاء ، وليس الخبر المقابل للمبتدأ . الجملة يمكن أيضاً أن تصنف تصنيفاً نحوياً ، فالنحويون يرون إن الجملة تنقسم إلى قسمين من حيث نوع الكلمة التي ابتدأت بها الجملة ، إمان أن تكون جملة فعلية وهي الجمل التي ابتدأت بأفعال . وهنا طبعاً الأفعال لا ندخل فيها الأفعال الناسخة التي تدخل على الجمل الاسمية ، فهي داخلة في القيود. فرّق البلاغيون بين دلالتي الجملتين ، كل نوع من أنواع الجملتين له دلالة ، فالجملة الأولى ؛ الجملة الفعلية : تحقق فائدة وهي الحدوث في زمن مخصوص لأن الفعل له طبعاً أقسام ثلاثة : - ماضٍ وهو يتحدث عن الزمن الماضي قبل التكلم . - فعل مضارع يدل على الحال والاستقبال . - وفعل الأمر أيضاً يتحقق زمنه في الحال ، ويطلب أن يتحقق في الاستقبال . إذاً : الجملة الفعلية أو الفعل بصفة عامة يدل على الحدوث والتجدد . ويرتبط كذلك بالجانب الزمني بدلالة الفعل وفق نوع الفعل عن كان ماضياً فيرتبط بالزمن الماضي وإن كان مضارعاً يرتبط بالحال والاستقبال والأمر طبعاً واضح فيه . يقال أنه قد يفيد الاستمرار التجددي بالقرائن إذا كان الفعل مضارعاً ؛ لأن الجملة الاسمية تختلف عن الجملة الفعلية ، فالجملة الاسمية تدل على الثبوت والاستمرار كما سنعرف ، ولأن أحد أجزاء الجملة الفعلية وهو الفعل المضارع قد يفيد مسألة الاستمرار التجددي أو التجدد الاستمراري كما استشهدوا على ذلك بقول الشاعر وهو طريف بن نعين العنبري كما ورد في الأصمعيات يقول : أو كلـما وردت عــكــاظ قـبــيــلة بـعـثـوا إلى عـريفـهم يـتـوســم الشاهد : يتوسم . التوسم هو عبارة عن إعادة النظر ، هذا العريف الذي ينظر في القادمين إلى عكاظ ينظر لحظة بعد لحظة . ينظر مرة ثم يعود لينظر إلى الآخرين مرة أخرى. فالعملية يتوسم هنا لإنها تحدث وتتجدد من فرقة تأتي ، قبيلة تأتي ، إلى مجمعة أخرى تأتي يحصل منه أن يتحدد هذا التوسم عنده . يمكن أن يؤخذ هذا دلالة على المعنى الذي يحققه الفعل سواء كان على مستوى المضارع أو مستوى الماضي . فالفعل يدل على الحدوث والتجدد والاسم يدل على غير ذلك كما سنعرف ذلك بعد قليل . القارئ : ( والثانية موضوعه لمجرد ثبوت المسند للمسند إليه نحو ( الشمس مضئية ) وقد تفيد الاستمرار بالقرائن إذا لم يكن في خبرها فعل نحو ( العلم نافع ) . الشيخ : الثانية يعني الجملة الاسمية وهي موضوعة لثبوت المسند للمسند إليه واستمراره ( الشمس مضئية ) طبيعة الشمس أنها دائمة الإضاءة ، إضاءاتها مستمرة ، لكن لو فرضنا أن قلنا الشمس تضيء يمكن أن يؤخذ المعنى على غير ذلك بمعنى أنه يمكن أن يكون هناك ما يحجب ضوء الشمس ؛ لأنه يحدث تارة وتارة ، أما إذا قلنا الشمس مضئية فهو وصف ثابت مستمر للشمس وهذا هو الأسلوب الأمثل في التعبير عن إضاءة الشمس . نقول ( الشمس مضئية ) ولا نقول ( الشمس تضيء ) تضيء لو حصل لها ما حصل من انطفاء النور ثم عودته مرة ثانية وهذا ايضاً لا يتوافق مع طبيعة الشمس إلا في حالة الكسوف. وتقيد الاستمرار بالقرائن : إذا لم يكن في خبرها فعل كما قال المؤلفون ( العلم نافع ) فنفع العلم مستمر ، العلم نفعه مستمر وثابت على مر العصور . يمكن أن يؤخذ من ذلك الشاهد الذي يذكره البلاغيون كثيراً كقول الله عز وجل : { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن } . ورد التعبير عن صف الطير لأجنحتها بالاسم ( صافات ) وعبر عن قبض الطير لأجنحتها بالفعل (يقبضن) لماذا؟ لاحظ الثبوت والاستمرار لأن صف الأجنحة إذا وازنته بقبضها فهو عملية ثابتة مستمرة يمكن للطير أن يبسط جناحه مدة طويلة لكن لا يمكن أن يقبض جناحة مدة طويلة . فعملية القبض تحدث وتتجدد ، فلو استمرت قابضة لوقع الطير لم يتحقق له الطيران ، ولذلك التعبير بالاسم والفعل في هذا الجانب أمر مهم جداً ينبغي أن ينتبه إليه . فالخلاصة : أن الفعل يدل على الحدوث والتجدد ، والاسم يدل على الثبوت والاستمرار . القارئ : والأصل في الخبر أن يلقى لإفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة كما في قولنا ( حضر الأميـر ) أو لإفادة أن المتكلم عالم به نحو : ( حضرت أنت ) وسمي الحكم فائدة الخبر وكون المتكلم عالماً به لازم الفائدة . الشيخ : كل جملة خبرية الأصل فيها كما قال البلاغيون أن تحقق أحد أمرين : - إما فائدة الخبر؛ وهذه تحصل لمن لم يكن يعرف الخبر قبلاً ، الذي يلقى إليه خبر لم يكن يعرفه فالغاية من إلقاء الخبر عليه في هذه الحالة هي إفادته بموضوع الخبر ، أقول : ( نجح فلان، تزوج فلان ) هذه لمن لم يكن يعرف فلاناً بأنه تزوج أو نجح ، فأنت في هذه الحالة تفيده إفادة جديدة وهي مضمون الجملة حصول الزواج منه وحصول النجاح له . أما إن كان المخاطب يعلم بمضمون الخبر وقيل مثلاً : ( أنت حضرت أمس إلى محاضرة فلان أو أنت استمعت إلى محاضرة فلان أمس ) أنت لا تفيده فائدة في هذا ؛ لأنه مادام هو الذي حضر فهو يعرف أن هذا حصل منه ، في هذه الحالة الغاية من إلقاء الخبر ليس إفادة المخاطب ، وإنما إشعار المخاطب بأن المتكلم يعرف هذه القضية ، ولذلك يقولون هنا الفائدة : لازم الفائدة ، لازم الفائدة هي الغاية من إلقاء الخبر . إذاً : الأصل في الخبر أن يلقى لأحد أمرين : - إما إفادة المخاطب بمضمونه وهذا إذا ألقي عليه خبر لم يعرفه من قبل . - الثانـي : لازم الفائدة ، والغاية من الخبر هنا في هذه الحالة يكون إفادة المخاطب بأن المتكلم يعرف مضمون الخبر ، وهذا الذي يسميه البلاغيون لازم الفائدة . |
الكشاف التحليلي لمسائل دورس البلاغة
تقسيم الخبر إلى جملة فعلية وجملة اسمية
انحصار الخبر في الجملتين الاسمية والفعلية القسم الأول: الجملة الفعلية - الفائدة الأصلية للجملة الفعلية - إفادة الجملة الفعلية الاستمرار بالقرينة - شاهد على إفادة الجملة الفعلية الاستمرار القسم الثاني: الجملة الاسمية - الفائدة الأصلية للجملة الاسمية - مثال يبيِّن فائدة الجملة الاسمية - إفادة الجملة الاسمية الاستمرار بالقرينة - شاهد على إفادة الجملة الاسمية الاستمرار تقسيم الخبر باعتبار غرض المتكلم القسم الأول: أن يلقى لإعلام المخاطب بالحكم - مثال إلقاء الخبر لإعلام المخاطب بالحكم - التفصيل في مدلول الحكم والخبر القسم الثاني: أن يلقى لإعلام المخاطب أن المتكلم عالم بالحكم - مثال إلقاء الخبر لإعلام المخاطب أن المتكلم عالم بالحكم تسمية القسمين السابقين بـ"فائدة الخبر" و"لازم الفائدة" |
الساعة الآن 01:45 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir