معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   قواعد الأصول (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=282)
-   -   - اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا وحي فيه (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=6219)

عبد العزيز الداخل 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م 09:25 AM

- اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا وحي فيه
 
وأن يكون هو صلى الله عليه وسلم متعبداً به فيما لا وحي فيه ، وقيل : لا .
لكن هل وقع ؟ أنكره بعض أصحابنا ، وأصحاب الشافعي ، وأكثر المتكلمين .
والصحيح : بلى ، لقصة أسارى بدر وغيرها .

ساجدة فاروق 21 ربيع الثاني 1431هـ/5-04-2010م 02:42 PM

تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان
 
قوله: (وأن يكون هو متعبداً به فيما لا وحي فيه) هذا معطوف على ما قبله، أي: ويجوز أن يكون هو ـ أي النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم ـ (متعبداً به) أي: بالاجتهاد (فيما لا وحي فيه) أي: لا نص فيه، وهذا تقييد للمسألة، وذلك أن ما فيه نص لا يجوز للنبي صلّى الله عليه وسلّم أن يجتهد فيه بخلاف النص، لقوله تعالى: {{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ} ...} [الأنعام: 106] .
أمَّا ما لا نص فيه فهل هو متعبد بالاجتهاد فيه؛ اعلم أن محل الخلاف هو الاجتهاد في الأحكام الشرعية فيما لا نص فيه، وأمَّا اجتهاده في الأقضية والمصالح الدنيوية وتدابير الحروب ونحوها فقد اتفق العلماء على أنه يجوز له الاجتهاد فيها[(1124)].
فالقول الأول في المسألة هو ما ذكره المصنف من أنه يجوز الاجتهاد للرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما لا نص فيه، وهو قول الأئمة مالك، والشافعي وأحمد، وأكثر الحنفية.
ومن أدلة هذا القول: أنه صلّى الله عليه وسلّم قال في شأن حرمة مكة: «لا يُختلى خلاها، ولا يعضد شجرها» ، فلما قال له عمه العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر، قال: «إلا الإذخر» [(1125)].
فرجوعه صلّى الله عليه وسلّم لقول العباس دليل على أنه قال ذلك باجتهاده؛ إذ لو كان بوحي لما تغير.
قوله: (وقيل: لا) هذا القول الثاني: وهو أنه لا يجوز له الاجتهاد، وإليه ذهب بعض الحنابلة وبعض الشافعية، وذلك لإمكان نزول الوحي والحكم بالقواطع من الأحكام، ولأن الله تعالى قال في حقه صلّى الله عليه وسلّم: {{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *}{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}} [النجم: 3، 4] ، وقال تعالى: {{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ}} [يونس: 15] ، والحكم بالاجتهاد حكم بالهوى، فهو لا ينطق به، فلا يصدر عنه.
والقول الأول أرجح؛ لقوة مأخذه، فله صلّى الله عليه وسلّم أن يجتهد، لكن لا يُقَرُّ على خطأ، فما أُقِرَّ من اجتهاده واستمر الأمر عليه فهو تشريع له.
وأمَّا دليل القول الثاني: فلا نسلم أن الحكم بالاجتهاد نطق عن الهوى، لاعتماده على الإذن والدليل الشرعي، وإنَّما يكون الحكم بالهوى فيما لا يستند إلى شيء من ذلك.
قوله: (لكن هل وقع؟) أي: الاجتهاد منه صلّى الله عليه وسلّم.
قوله: (أنكره بعض أصحابنا، وأصحاب الشافعي، وأكثر المتكلمين) أي: أنكر بعض الحنابلة؛ كأبي حفص العُكْبري وابن حامد[(1126)] وقوع الاجتهاد منه صلّى الله عليه وسلّم، واستدلوا بقوله تعالى: {{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *}{إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}}، وبما ورد أنه أصاب الناس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سَنَةٌ، فقالوا: يا رسول الله! سعِّر لنا، فقال: «لا يسألني الله عن سُنَّةٍ أحدثتها فيكم لم يأمرني بها» [(1127)].
قوله: (والصحيح: بلى) أي: وقع الاجتهاد منه صلّى الله عليه وسلّم، وهو الصحيح عند أكثر الحنابلة.
قوله: (لقصة أسارى بدر) أي: مما يدل على وقوع الاجتهاد منه صلّى الله عليه وسلّم قصة أسارى بدر، حيث استشار النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر رضي الله عنه في شأنهم، فأشار بأخذ الفداء، وأشار عمر رضي الله عنه بقتلهم. فَهَوِيَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم رأي أبي بكر رضي الله عنه، فنزل: {{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}} [الأنفال: 67] [(1128)].
فالنبي صلّى الله عليه وسلّم اجتهد في شأنهم، ولو كان ذلك بالوحي لما عوتب عليه، وهذا حكم شرعي؛ لأن جواز مفاداة الأسير بالمال وعدم جوازه من أحكام الشرع.
قوله: (وغيرها) أي: مثل إذنه صلّى الله عليه وسلّم في التخلف عن الجهاد لمن استأذنه في ذلك قبل أن يتثبت من عذره، ويتبين أصادق في عذره أم كاذب؟ فعاتب الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم بقوله تعالى: {{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ *}} [التوبة: 43] ، ومنها: ما تقدم من قوله صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح: «إلاَّ الإذخر» ، لما قال له العباس ذلك.
وأما استدلال الأولين بقوله تعالى: {{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *}} فهو مردود؛ فإن الآية سيقت في معرض الرد على منكري القرآن، ثم إن الاجتهاد ليس من الهوى، وإنما هو من الوحي الذي أوحي إليه؛ لأن الله تعالى أمره به كما أمر أمته، ويدل عليه قوله تعالى: {{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}} [آل عمران: 159] .
وأما الحديث الذي استدل به أصحاب القول الأول فلا وجود له في الدواوين المعتمدة، وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في (المسودة) ولم يعلق عليه بشيء، ولو صح فإن معناه أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يُحْدِثُ سنة إلا بأمر الله، ويدخل في ذلك الاجتهاد؛ لأنه بأمر الله كما تقدم[(1129)]. والله أعلم.


الساعة الآن 07:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir