الدرس الثالث: خصائص الإدارة الإسلامية
الدرس الثالث: خصائص الإدارة الإسلامية العناصر: · تمهيد · خصائص الإدارة الإسلامية · تصحيح المفاهيم · المثال الأول: مفهوم الربح والخسارة · المثال الثاني: مفهوم الجدوى وعدم الجدوى · المثال الثالث: مفهوم النجاح · المثال الرابع: مفهوم الثقة بالنفس تمهيد: من الأمور التي ينبغي لطالب هذا العلم العناية بها إدراك ما تمتاز به الإدارة الإسلامية القائمة على الهدي النبوي الصحيح نصاً أو استنباطاً وعلى ما سار عليه السلف الصالح من أئمة المسلمين، حتى يكون على بيّنة من أمره في تناول المسائل الإدارية ومناقشتها، ولا يغترّ بما يخالف هدي الكتاب والسنة وإن زيّن لمن زُيّن له، وكُسي ما كُسي من زخرف القول؛ فإن العبرة بالحقائق، وكلّ ما خالف الكتاب والسنة فليس بحسن، وإن ظنّه أصحابه حسناً. وعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه، متبصراً بهدي الكتاب والسنة، وأن يكون له فرقان يميز به بين ما يُقبل ويُستفاد من علوم غير المسلمين، وبين ما لا يقبل، وبين ما يحتاج إلى تقويم حتى يُقبل ويُستفاد منه. فمن أخذ ما لديهم على علاته أدخل على المسلمين تحت شعار الانتفاع بتلك العلوم من بواطيلهم وسوء ما زيّن لهم. ومن ترك ما لديهم من العلوم النافعة في أصلها مع حاجة المسلمين إليها وقدرته على استخلاص النافع منها كان مفرّطاً ، وقد يجرّ تفريطه على المسلمين ما يجرّ. خصائص الإدارة الإسلامية تمتاز الإدارة الإسلامية بخصائص تميّزها عن كثير من المدارس الإدارية المعاصرة، ومنها: 1: المرجعيّة الشرعية القويمة وكل علم لا بدّ له من أصول ضابطة يرجع إليها عند الاختلاف؛ وتمتاز الإدارة الإسلامية بمرجعيتها الشرعية إلى القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلى السنّة المطهّرة من كل تناقض واختلاف؛ وبهذين الأصلين ضمان الهداية والأمان من الضلال بإذن الله تعالى؛ وهذا لا يتحقق في علوم الإدارة الأخرى لأن مرجعيتها إلى تجارب ونظريّات ومدارس إدارية ثبت وجود سلبيات فيها. 2: سمو المقاصد فهي إدارة تتجاوز المقاصد المادية الأرضية، وتُعنى ببناء القيم والمثل التي يرتسمها الفرد حيثما كان، فإذا فشا في المسلمين التحلّي بهذه القيم والمثل ظهرت آثارها في كلّ عمل يعملون فيه. 3: صحة المفاهيم وهذه المفاهيم الصحيحة تعطي المدير والعامل في فريق العمل أبعاداً مهمّة في الإدارة لا توفّرها له المفاهيم الإدارية بالمنظور المادي، وسأضرب لذلك أمثلة توضّح هذه الحقيقة وتجلّيها. 4: أخلاقية الإدارة لأنها قائمة على العدل والإحسان، وحفظ الحقوق، وأداء الأمانات، والنصيحة لكل مسلم. 5: حسن العاقبة فهي إدارة مضمونة العاقبة الحسنة بإذن الله تعالى بشرط أن تكون على الهدى، كما قال الله تعالى؛ {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور} في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تزال طائفة ٌ من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)). فيمتنع أن يسير المرء على هدى الله كما أمره الله وتكون عاقبته سيئة؛ بل من بدأ في سلوك الطريق صادقاً فهو موعود بالعاقبة الحسنة ولو مات في أوّل الطريق، {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت فقد وقع أجره على الله }. واليقين بهذا الأمر يبعث في نفس المؤمن من العزيمة على سلوك الصراط المستقيم في الإدارة والعمل لله تعالى وهو متوكّل على الله راضٍ بحسن تدبيره مطمئنّ القلب بذكر الله؛ يرجو فضله ورحمته وبركاته. فيؤدّي أعماله بسكينة وطمأنينة منشرحَ الصدر، طيّب النفس، ذا بصيرة فيما يأتي ويذر؛ لأنّه يسير في أموره على هدى من الله؛ {أفمن يمشي مكبّا على وجهه أهدى أمّن يمشي سويّا على صراط مستقيم}. تصحيح المفاهيم تصحيح المفاهيم أمرٌ مهم جداً ؛ لأنّ المؤمن له نور يمشي به، وبصيرة يسير بها، فيعرف بها الأشياء على حقيقتها بما منّ الله به عليه من العلم المتلقّى من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة التي فيهما تبيان كلّ شيء؛ كما قال الله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} والآية التي تليها كالمفسّرة لها، إذ قال الله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون} الآيات ، وهذه الآيات لها شأن عظيم وفيها هدايات جليلة في علم الإدارة؛ فإنّها جمعت أصول المأمورات، وأصول المنهيات، وبيّنت حاجة العبد النفسية للوعظ والتذكير. والمقصود أنّ المؤمن له نظرته للأمور ووزنه لها وتعريفه لها، يرجع في كلّ ذلك لميزان الشريعة والحقيقة الإيمانية التي يعرف بها الأشياء على حقيقتها التي بيّنتها الشريعة، وسأضرب لذلك أمثلة مهمّة تبيّن ذلك ويستفاد منها في تأسيس هذا العلم على الأصول الإيمانية. المثال الأول: مفهوم الربح والخسارة والمثال الثاني: مفهوم الجدوى وعدم الجدوى والمثال الثالث: مفهوم النجاح والمثال الرابع: مفهوم الثقة بالنفس. المثال الأول: مفهوم الربح والخسارة ليس الخاسر في ميزان الشريعة هو الذي ذهب ماله، ولكنّ الخاسر هو الذي خسر فضل الله وثوابه ورحمته. فقد تصيب العمل جائحة ؛ فلا يعد صاحبه خاسراً؛ بل هو فائز بشرط الصبر واتباع الهدى، وعليه أن يحسن الظنّ بالله؛ فلعله فراغ له لعمل أهم، ولعله كفارة وتطهير بسبب ذنب أصابه. ولو نظرنا في أحوال بعض أهل العلم لوجدنا علماء احترقت كتبهم بعد سنوات من الرحلة في طلب العلم وذهبت مروياتهم التي دونوها، وبعضهم غرقت كتبهم في البحر ؛ وهم أئمة لا يُختلف في إمامتهم وعلمهم، وهذا أكبر مسند عُرف في الإسلام مسند بقي بن مخلد الأندلسي ما يزال في عداد المفقود، وإن كان قد عُثر على أجزاء يسيرة منه، وكثير من كتب علي بن المديني التي ذكرها أبو عبد الله الحاكم في معرفة علوم الحديث لم تصل إلينا، وكذلك كتب محمد بن نصر المروزي على كثرتها تلفت ولم يبق منها إلا قليل، وكثير من مؤلفات ابن جرير الطبري مفقودة. وكتب ابن حبان التي سردها الخطيب البغدادي في جامعه نحو 265 جزءاً سوى ما لم يذكره، وأكثرها لم يصل إلينا. وكان الخطيب البغدادي قد أخذ أسماء هذه الكتب وتفصيلها عدد أجزاء كل كتاب من المحدّث مسعود بن ناصر السجزي. ثم قال: سألت مسعودَ بن ناصر فقلت له: أكلُّ هذه الكتب موجودة عندكم ومقدور عليها ببلادكم؟ فقال: (لا، إنما يوجد منها الشيء اليسير والنزر الحقير). قال: (وقد كان أبو حاتم بن حبان سبل كتبه ووقفها وجمعها في دار رسمها بها؛ فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان، وضعف أمر السلطان، واستيلاء ذوي العبث والفساد على أهل تلك البلاد). قال الخطيب البغدادي: (مثل هذه الكتب الجليلة كان يجب أن يكثر بها النسخ ويتنافس فيها أهل العلم ويكتبوها لأنفسهم، ويخلدوها أحرارهم، ولا أحسب المانع من ذلك إلا قلة معرفة أهل تلك البلاد لمحلّ العلم وفضله، وزهدهم فيه، ورغبتهم عنه، وعدم بصيرتهم به، والله أعلم). فما لحق هذه الكتب من التلف في حياة أصحابها أو بعد موتهم لو نُظر إليه بالنظرة المادية لعدّ من أعظم الخسارة؛ فما أفنى العالم فيه وقته وحرره تحريراً بالغاً واجتهد فيه اجتهاداً كبيراً في سنوات طويلة لم يعد له وجود، فذهب عينه، وعفى عليه الزمن. لكن الناظر إلى ذلك يجده في ميزان الشريعة ربحاً وليس خسارة ما سلم له أمران مهمان هما شرطا قبول العمل: الإخلاص والمتابعة. فكلّ عمل يقبله الله فصاحبه رابح غير خاسر، وكل ما كانت تأمله نفسه من الثواب سيجد ما هو خير له منه. فلذلك كان اجتهاد المتقين هو فيما يرجون به القبول من الله تعالى. ثم إن تحقق الأثر الماديّ فهذا فضل من الله وزيادة، وإن لم يتحقق أو تحقق بعضه ومنع بعضه لم يضرّه ذلك شيئاً ما دام قد بذل وسعه واجتهد وأتى الأمر من بابه. وإذا كان العاملون في المشروعات العلمية والدعوية يقودهم إلى العمل رجاء القبول من الله تعالى كانوا أقرب إلى إحسان العمل وإتقانه. ولما امتحن المسلمون بإدالة المشركين عليهم في أحد ، وقام أبو سفيان منادياً فقال: أفي القوم محمد ثلاث مرات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات. ثم رجع إلى أصحابه فقال: (أما هؤلاء، فقد قتلوا) فما ملك عمر نفسه، فقال: (كذبت والله يا عدوَّ الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك). قال: (يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة، لم آمر بها ولم تسؤني) ثم أخذ يرتجز: (أعل هبل، أعل هبل) قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبوا له» قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: قولوا: (( الله أعلى وأجلّ )). قال: إنَّ لنا العزَّى ولا عزَّى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبوا له؟» قال: قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم». والحديث في صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وغيرهما من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما. والمقصود أن الحال التي كان عليها المسلمون ليست خسارة في ميزان الشريعة؛ بل كانوا أهل ربح وفوز عظيم؛ إذ فازوا بفضل الله ورضوانه، وتحقق به مصالح عظيمة للمسلمين، وقد قال الله تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا..} الآيات. وكان فيها حماية لجانب المسلمين فيسلم من يُسلم من المشركين بعد هذه المعركة بما يحصل له من اليقين بصحة دعوة الإسلام، وليس اتّباعاً لمن يَغْلب في كلّ معركة؛ فإنّ العرب كانت قد تفشّت فيهم الطيرة. وهذه حادثة الإفك التي يعدّها من ابتلي بمثلها شرّاً عظيماً، وخسارة بالغة، ولكن الله تعالى قال: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وذلك أن الله تعالى بيده عاقبة الأمور، وهو القادر على أن يجعل من الأمر الذي تسوء مباديه عاقبة حسنة، ومن الأمر الذي تسرّ مباديه عاقبة سيئة. وكثير مما يُبتلى به المؤمن مما تسوء مباديه قد يتوقّع منه الشرّ؛ فإذا اتّبع هدى الله كفاه الله ما أهمّه وجعل عاقبته حسنة. والحاجة إلى تصحيح مفهوم الربح والخسران في المشروعات العلمية والدعوية حاجة ماسّة؛ إذ الربح فيها على الحقيقة هو قبول العمل، ولذلك قد يسبق عمل يسير أعمالاً كبيرة بما يقع بين العاملين من التفاضل فيما ينالون به القبول من الله من قوّة الإخلاص وحسن الاتباع. المثال الثاني: مفهوم الجدوى وعدم الجدوى: الجدوى في العمل الإسلامي لا يُقاس بالثمرة العاجلة؛ ولا بأن تكتمل فيه دورة العمل في حياة العامل. وفي مسند الإمام أحمد والأدب المفرد للبخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها». وهذه تربية على الجدّ في العمل، وتقويم السلوك ليكون المؤمن مباركاً حيثما كان، فهو يعمل الأعمال النافعة وإن لم تظهر ثمراتها في حياته، لأن أعظم ثمرة يرجوها هي قبول الله تعالى لعمله، وهو ما يتحقق له بالعمل الذي يؤديه على الوجه الذي يحبه الله. وفي تصحيح هذا المفهوم علاج ناجع لداء الأراجيف والشائعات التي تصدّ كثيراً من الناس عن الأعمال النافعة، وحسم لمادة التردد في عمل الخير، وخشية أن لا نتفع هو بالثمرة. وإذا فشا هذا المفهوم الصحيح في المسلمين ظهرت بركته فيهم وكثر عمل الخير، وانتفع المسلمون بعضهم بأعمال بعض. المثال الثالث: مفهوم النجاح: النجاح في كثير من المدارس المادية هو الحصول على ما سعى إليه المرء من مالٍ أو سلطة أو جاه. فمن تعثّر ولم يصل عَدّوه فاشلاً، فيصيبه من الإحباط وآثاره ما ينغّص عليه حياته، ويجلب عليه الهمّ والغم وربما يقوده إلى أعمال عدوانية أو انحراف عن السلوك السوي بسبب اعترافه ما وصم به من الفشل وإحساسه بآثاره. وهذا كلّه مجافٍ للحقيقة في ميزان الشريعة، فالناجح هو الذي يسير على بيّنة متبعاً الهدى الصحيح؛ لأنه ما دام يسير على الصراط المستقيم فهو موعود بالعاقبة الحسنة؛ فإن تحققت له في حياته فذلك من عاجل ثوابه، وإن مات وهو في الطريق بعد ؛ وجد ثوابه كاملاً غير منقوص ينتظره، بل هو موعود أيضاً بمضاعفته إلى أضعاف كثيرة. ومن سعى لأمر مشروع ثمّ حال بينه وبين ثمرته ما لا حيلة له في دفعه؛ فلا يعدّ فاشلاً في ميزان الشريعة، بل هو ناجح وربما كان خيراً من كثير من الذين نالوا ما سعوا إليه، لكن ما زوي عنه لا يخلو من أحوال: - إما أن يكون صُرف عنه رحمة من الله عز وجلّ به، وهذا كثير جداً، ولذلك تُشرع الاستخارة في ما يهمّ بالمرء من أموره. - وإما أن يكون صُرف عنه ابتلاءً ؛ ليُستخرج منه عملٌ هو أحوج إليه من الأسباب التي بذلها. - وإما أن يكون صرف عنه عقوبة له على ذنب ارتكبه؛ وفي هذه العقوبة تكفير لسيئاته، وتخفيف من ذنوبه، فإن تاب وأناب رُجي له أن يعوّضه الله خيراً مما فاته كما قال الله تعالى: { إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) } المثال الرابع: مفهوم الثقة بالنفس: مفهوم الثقة بالنفس وقع فيه خلط كثير؛ ولبس شائع، واختلف المنظرون والنقّاد فيه إفراطاً وتفريطاً، والصواب هو التزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو أحسن الهدي. فالثقة بالنفس إن كان المراد بها الأمن عليها من الفتنة والنفاق والوقوع في مساوئ الأعمال فهذا من الغرور. فمن عرّض نفسه للفتنة ثقةً بنفسه فإنه عُرضة للخذلان والافتتان، لأنه تخلى عن الاستعانة بالله والتوكل عليه ووثق بنفسه. والواجب على العبد أن لا يثق بنفسه هذه الثقة المذمومة، بل عليه أن يستبرئ لدينه ويتقى المحرمات والشبهات والتعرض للفتن ما استطاع ، فإذا ابتلي فليشهد افتقاره إلى الله وعظيم حاجته إلى هدايته وتوفيقه وحمايته وليفعل ما يهدي الله إليه من الأعمال والأقوال المناسبة لحاله؛ فإذا فعل ذلك كفاه الله ووقاه وهداه. ومهما بلغ صلاح العبد وعلمه وعبادته فإنه لا يأمن على نفسه الشرك فما دون ذلك، وقد قال إبراهيم عليه السلام في دعائه: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال الله الثبات على دينه. وهذان الخليلان عليهما السلام خير خلق الله، ومع ذلك لم يأمَنا على أنفسهما الفتنة بما يخرج من الملة. فالخوف من الوقوع في الفتنة والنفاق والشرك من سمات عباد الله المتقين. فهذا جانب يجب على الإنسان أن يطّرح فيه الثقةَ بنفسه، ويبقى قلبه معلقاً بربه جلَّ وعلا يسأله الهداية والثبات على الدين، ويدعوه دعاء من يحسن الظن به ويرجوه ويخافه ويحبه؛ فيكون بذلك حرياً بأن يستجاب له. وأما ما أنعم الله به على العبد من نعم يجد من نفسه قوة عليها كالعلم والصلاة والجهاد والتعليم والدعوة وحسن البيان، وحسن المعرفة بأي مجال من المجالات النافعة فإن من شكر تلك النعمة أن يعترف بها لله جل وعلا، وأن يبذلها فيما يرضي الله. فبالاعتراف والبذل يكون شكر النعمة، وفي دعاء سيد الاستغفار: (أبوء لك بنعمتك عليّ) أي أعترف بها لك سبحانك وأقرّ بأنّها من فضلك عليّ، وأثني بها عليك. وهذا الإقرار يتطلب الإقرار بما يجب لله تعالى في تلك النعم. والإنسان بصير بنفسه، وقيمة المرء ما يحسنه، فإن وجد من نفسه أنه يحسن أمراً من الأمور التي تنفعه في دينه ودنياه أو تنفع أمته؛ فليصدق الله تعالى في شكرها بالاعتراف بها وبذلها فيما يرضي الله جل علا، ومن شكر اللهَ زاده الله من فضله وبركاته. وأما من وجد من نفسه إحساناً لأمر من الأمور فقادته الرهبة غير المبررة إلى إهماله وتركه فقد ضيَّع نعمة من نعمن الله عليه وظلم نفسه فيها، وهضمها حقها الذي كان سببا قد ينال به فضلاً عظيماً من الله جل وعلا، والنعم إذا شُكرت قرَّت وإذا كُفرت فرَّت، وفي المسند والسنن من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عَلم الرمي ثم تركه رغبة عنه فهي نعمة كفرها)). |
الساعة الآن 02:28 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir