دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 11:12 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أحكام تأنيث الفعل للفاعل


وتاءُ تَأْنِيثٍ تَلِي الماضِي إِذَا = كانَ لِأُنْثَى كأَبَتْ هِندُ الأَذَى
وإنَّما تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ = مُتَّصِلٍ أوْ مُفْهِمٍ ذاتَ حِرِ
وقدْ يُبيحُ الفصلُ تَرْكَ التاءِ في = نَحْوِ أَتَىالقاضِيَ بنتُ الواقِفِ
والحذْفُ مَعْفَصْلٍ بإِلَّا فُضِّلَا =كما زَكَى إلَّا فتاةُ ابنِ الْعَلَا
والحذْفُ قدْ يَأْتِي بلا فَصْلٍ ومَعْ = ضميرٍ ذِي الْمَجازِ في شِعْرٍ وَقَعْ
والتَّاءُ معَ جَمْعٍ سوى السالِمِ مِنْ = مُذَكَّرٍ كالتَّاءِ مَعْإِحْدَى اللَّبِنْ
والحَذْفُ في نِعْمَ الفتاةُ اسْتَحْسَنُوا = لأنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فيهِ بَيِّنُ

  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وتاءُ تأنيثٍ تَلِي الماضِي إِذَا = كانَ لأُنْثَى كـ(أَبَتْ هِنْدُ الأَذَى) ([1])

إذا أُسْنِدَ الفعلُ الماضي إلى مُؤَنَّثٍ لَحِقَتْهُ تاءٌ ساكنةٌ تَدُلُّ على كونِ الفاعلِ مؤنَّثاً، ولا فرقَ في ذلك بينَ الحقيقيِّ والمجازيِّ، نحوُ: (قامَتْ هِنْدٌ وطَلَعَتِ الشمسُ)، لكِنْ لها حالتانِ؛ حالةُ لُزُومٍ، وحالةُ جَوَازٍ، وسيأتي الكلامُ على ذلك.
وإنما تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ = مُتَّصِلٍ أو مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ ([2])
تَلْزَمُ تاءُ التأنيثِ الساكنةُ الفعلَ الماضِيَ في موضعيْنِ:
أَحَدُهما: أنْ يُسْنَدَ الفعلُ إلى ضميرِ مؤنَّثٍ مُتَّصِلٍ، ولا فرقَ في ذلك بينَ المؤنَّثِ الحقيقيِّ والمجازيِّ، فتقولُ: (هندٌ قامَتْ، والشمسُ طَلَعَتْ)، ولا تقولُ: (قامَ)، ولا (طَلَعَ)، فإنْ كانَ الضميرُ منفصِلاً لم يُؤْتَ بالتاءِ، نحوُ: (هندٌ ما قامَ إلا هي).
الثاني: أنْ يكونَ الفاعلُ ظاهراً حقيقيَّ التأنيثِ، نحوُ: (قامَتْ هِنْدٌ)، وهو المرادُ بقولِهِ: (أو مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ)، وأصلُ حِرٍ حِرْحٌ فحُذِفَتْ لامُ الكَلِمَةِ، وفُهِمَ من كلامِه أنَّ التاءَ لا تَلْزَمُ في غيرِ هذين الموضعيْنِ، فلا تَلْزَمُ في المؤنَّثِ المجازيِّ الظاهرِ، فتقولُ: طَلَعَ الشمسُ، وطَلَعَتِ الشمسُ، ولا في الجمعِ على ما سيأتي تفصيلُه.
وقد يُبِيحُ الفَصْلُ تَرْكَ التاءِ فِي = نحوِ: (أَتَى القَاضِيَ بِنْتُ الوَاقِفِ) ([3])
إذا فُصِلَ بينَ الفعلِ وفاعلِه المؤنَّثِ الحقيقيِّ بغيرِ (إلا) جازَ إثباتُ التاءِ وحذفُها، والأجودُ الإثباتُ، فتقولُ: (أَتَى القاضِيَ بِنْتُ الواقِفِ)، والأجودُ: (أَتَتْ)، وتقولُ: (قامَ اليومَ هِنْدٌ) والأجودُ: (قَامَتْ).

والحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بإِلاَّ فُضِّلاَ = كـ(ما زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابنِ العَلاَ) ([4])
وإذا فُصِلَ بينَ الفعلِ والفاعلِ المؤنَّثِ بـ(إلا) لم يَجُزْ إثباتُ التاءِ عندَ الجمهورِ، فتقولُ: (ما قامَ إلا هِنْدٌ، وما طَلَعَ إلا الشمسُ)، ولا يَجُوزُ: (ما قَامَتْ إلا هِنْدٌ)، ولا: (ما طَلَعَتْ إلا الشمسُ)، وقد جاءَ في الشِّعْرِ؛ كقولِهِ:
145- وما بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ ([5])

فقَوْلُ المُصَنِّفِ: (إنَّ الحذفَ مُفَضَّلٌ على الإثباتِ) يُشْعِرُ بأنَّ الإثباتَ أيضاً جائزٌ، وليسَ كذلكَ([6])؛ لأنَّه إنْ أرادَ به أنه مُفَضَّلٌ عليه باعتبارِ أنه ثابتٌ في النَّثْرِ والنَّظْمِ، وأنَّ الإثباتَ إنما جاءَ في الشِّعْرِ فصحيحٌ، وإنْ أرادَ أنَّ الحذفَ أكثرُ مِن الإثباتِ فغيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الإثباتَ قليلٌ جِدًّا.
والحذفُ قَد يأتي بلا فَصْلٍ وَمَعْ = ضَمِيرِ ذِي المَجَازِ فِي شِعْرٍ وَقَعْ ([7])
قد تُحْذَفُ التاءُ مِن الفعلِ المُسْنَدِ إلى مؤنَّثٍ حقيقيٍّ مِن غيرِ فَصْلٍ، وهو قليلٌ جِدًّا، حَكَى سِيبَوَيْهِ: (قالَ فلانةُ)، وقد تُحْذَفُ التاءُ من الفعلِ المسنَدِ إلى ضميرِ المؤنَّثِ المجازِيِّ، وهو مخصوصٌ بالشِّعْرِ؛ كقولِهِ:
146- فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا = ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا ([8])
والتاءُ معْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِمِ مِنْ = مُذَكَّرٍ كالتاءِ معْ إِحْدَى اللَّبِنْ ([9])
والحَذْفَ في (نِعْمَ الفَتَاةُ) اسْتَحْسَنُوا = لأنَّ قَصْدَ الجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ ([10])
إذا أُسْنِدَ الفعلُ إلى جمعٍ، فإمَّا أنْ يكونَ جمعَ سلامةٍ لمذكَّرٍ، أو لا، فإنْ كانَ جمعَ سلامةٍ لمذكَّرٍ لم يَجُزِ اقْتِرَانُ الفعلِ بالتاءِ، فتقولُ: (قامَ الزيدونَ)، ولا يَجُوزُ (قامَتِ الزيدونَ)([11])، وإنْ لم يَكُنْ جمعَ سلامةٍ لمذكَّرٍ، بأنْ كانَ جمعَ تكسيرٍ لمذكَّرٍ؛ كالرجالِ، أو لمؤنَّثِ؛ كالهُنُودِ، أو جمعَ سلامةٍ لمؤنَّثٍ؛ كالهِنْدَاتِ - جازَ إثباتُ التاءِ وحَذْفُها، فتقولُ: (قامَ الرجالُ، وقامَتِ الرجالُ، وقامَ الهنودُ، وقامَتِ الهنودُ، وقامَ الهِنداتُ، وقامَتِ الهنداتُ)، فإثباتُ التاءِ لِتَأَوُّلِهِ بالجماعةِ، وحَذْفُها لِتَأَوُّلِهِ بالجَمْعِ.
وأشارَ بقولِه: (كالتاءِ معْ إِحْدَى اللَّبِنْ) إلى أنَّ التاءَ معَ جمعِ التكسيرِ وجمعِ السلامةِ لمؤنَّثٍ كالتاءِ معَ الظاهِرِ المجازيِّ التأنيثِ؛ كلَبِنَةٍ، فكما تقولُ: (كُسِرَتِ اللَّبِنَةُ وكُسِرَ اللَّبِنَةُ) تقولُ: (قامَ الرجالُ وقامَتِ الرجالُ)، وكذلك باقي ما تَقَدَّمَ.
وأشارَ بقولِهِ: (والحَذْفَ في نِعْمَ الفتاةُ... إلى آخِرِ البيتِ) إلى أنه يَجُوزُ في (نِعْمَ) وأَخَوَاتِها إذا كانَ فاعِلُها مُؤَنَّثاً إثباتُ التاءِ وحَذْفُها، وإنْ كانَ مفرداً مؤنَّثاً حقيقيًّا فتقولُ: (نِعْمَ المرأةُ هِنْدٌ، ونِعْمَتِ المرأةُ هِنْدٌ)؛ وإنما جازَ ذلك؛ لأنَّ فاعِلَها مقصودٌ به استغراقُ الجِنْسِ، فعُومِلَ معاملةَ جمعِ التكسيرِ في جوازِ إثباتِ التاءِ وحذفِها؛ لِشَبَهِهِ به في أنَّ المقصودَ به مُتَعَدِّدٌ.
ومعنى قولِهِ: (اسْتَحْسَنُوا) أنَّ الحذفَ في هذا ونحوِه حَسَنٌ، ولكِنَّ الإثباتَ أَحْسَنُ منه.


([1])(وتاءُ) مبتدأٌ، وتاءُ مضافٌ و(تأنيثٍ) مضافٌ إليه، (تَلِي) فعلٌ مضارِعٌ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي، يعودُ إلى تاءِ التأنيثِ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (الماضي) مفعولٌ به لِتَلِي، (إِذَا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنى الشرطِ، (كان) فِعْلٌ ماضٍ، واسمُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الماضي، وخَبَرُه محذوفٌ، (لأُنْثَى) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بخبرِ (كانَ) المحذوفِ؛ أي: إذا كانَ مُسْنَداً لأُنْثَى، (كَأَبَتْ هِنْدُ الأَذَى) الكافُ جارَّةٌ لِقَوْلٍ محذوفٍ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ؛ أي: وذلك كائنٌ كقَوْلِكَ. وما بعدَ الكافِ فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به، والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ بذلك القولِ المحذوفِ.

([2])(وإنما) حرفٌ دالٌّ على الحَصْرِ، (تَلْزَمُ) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ على تاءِ التأنيثِ، (فِعْلَ) مفعولٌ به لِتَلْزَمُ، وفعلَ مضافٌ و(مُضْمَرِ) مضافٌ إليه، (مُتَّصِلٍ) نعتٌ لِمُضْمَرِ، (أو مُفْهِمٍ) معطوفٌ على مُضْمَرِ، وفاعلُ مُفْهِمٍ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيه؛ لأنَّه اسمُ فاعلٍ، (ذاتَ) مفعولٌ به لِمُفْهِمٍ، وذاتَ مضافٌ و(حِرِ) مضافٌ إليه.

([3])(وقد) حرفُ تقليلٍ، (يُبِيحُ) فعلٌ مضارعٌ، (الفَصْلُ) فاعلُ يُبِيحُ، (تَرْكَ) مفعولٌ به لِيُبِيحُ، وتَرْكَ مضافٌ و(التاءِ) مضافٌ إليه، (في نحوِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِيُبِيحُ، (أَتَى) فِعْلٌ ماضٍ، (القاضي) مفعولٌ به مُقَدَّمٌ على الفاعلِ، (بِنْتُ) فاعلُ أَتَى مُؤَخَّرٌ عن المفعولِ، وبنتُ مضافٌ و(الواقِفِ) مضافٌ إليه، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ نحوِ إليها.

([4])(والحَذْفُ) مبتدأٌ، (معْ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (فُضِّلاَ) الآتي، ومعْ مضافٌ و(فَصْلٍ) مضافٌ إليه، (بإِلاَّ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بفَصْلٍ، (فُضِّلاَ) فُضِّلَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الحذفُ، والجملةُ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (كما) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، وما: نافيةٌ، (زَكَا) فِعْلٌ ماضٍ، (إلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ، (فَتَاةُ) فاعلُ زَكَا، وفتاةُ مضافٌ و(ابنِ) مضافٌ إليه، وابنِ مضافٌ و(العَلاَ) مضافٌ إليه.

([5]) هذا عَجُزُ بَيْتٍ لذي الرُّمَّةِ ـ غَيْلاَنَ بنِ عُقْبَةَ ـ وصَدْرُهُ:
* طَوَى النَّحْزُ والأَجْرَازُ مَا في غُرُوضِهَا *
وهذا البيتُ مِن قصيدةٍ طويلةٍ، أوَّلُها قولُه:
أَمَنْزِلَتَيْ مَيٍّ سَلامٌ عَلَيْكُمَا = هلِ الأَزْمُنُ اللاَّئِي مَضَيْنَ رَوَاجِعُ
وهل يَرْجِعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَى = ثلاثُ الأثَافِي والدِّيَارُ البَلاَقِعُ
اللغةُ: (النَّحْزُ) ـ بفتحٍ فسكونٍ ـ الدَّفْعُ والنَّخْسُ والسَّوْقُ الشديدُ، (والأَجْرَازُ) جمعُ جَرَزٍ ـ بِزِنَةِ سَبَبٍ أو عُنُقٍ ـ وهي الأرضُ اليابسةُ لا نباتَ فيها، (غُرُوضِهَا) جمعُ غَرَضٍ ـ بفتحِ أَوَّلِهِ ـ وهو للرَّحْلِ بمنزلةِ الحِزَامِ للسَّرْجِ، والبِطَانِ للقَتَبِ، وأرادَ هنا ما تحتَه، وهو بَطْنُ الناقةِ وما حولَه، بعِلاقةِ المُجَاوَرَةِ، (الجَرَاشِعُ) جمعُ جُرْشُعٍ ـ بزِنَةِ قُنْفُذٍ ـ وهو المُنْتَفِخُ.
المعنى: يَصِفُ ناقتَه بالكَلالِ والضُّمُورِ والهُزَالِ مِمَّا أصابها من توالي السَّوْقِ، والسيرِ في الأرضِ الصُّلبةِ، حتى دَقَّ ما تحتَ غَرَضِها، ولم يَبْقَ إلا ضُلُوعُها المُنْتَفِخَةُ، فكأنه يقولُ: أصابَ هذه الناقةَ الضُّمُورُ والهُزَالُ والطَّوَى بسبِ شيئيْنِ:
أَوَّلُهُما: اسْتِحْثَاثِي لها على السيْرِ بدَفْعِها ونَخْسِها.
والثاني: أنها تَرْكُضُ في أرضٍ يابسةٍ صُلبةٍ، ليسَ بها نباتٌ، وهي مِمَّا يَشُقُّ السيْرُ فيه.
الإعرابُ: (طَوَى) فِعْلٌ ماضٍ، (النَّحْزُ) فاعلٌ، (والأَجْرَازُ) معطوفٌ على الفاعلِ، (ما) اسمٌ موصولٌ: مَبْنِيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ مفعولٌ به لِطَوَى، (في غُرُوضِها) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ صلةٌ الموصولِ، وغُرُوضِ مضافٌ وها: ضميرٌ عائدٌ إلى الناقةِ مضافٌ إليه، (فما) نافيةٌ، (بَقِيَتْ) بَقِيَ: فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، (إلا) أداةُ استثناءٍ مُلْغَاةٌ، (الضلوعُ) فاعلُ بَقِيَت، (الجَرَاشِعُ) صفةٌ للضُّلُوعُ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فما بَقِيَتْ إلاَّ الضلوعُ)؛ حيثُ دَخَلَتْ تاءُ التأنيثِ على الفعلِ؛ لأنَّ فاعلَه مُؤَنَّثٌ، معَ كونِه قد فَصَلَ بينَ الفعلِ والفاعلِ بإلا، وذلك ـ عندَ الجمهورِ ـ مما لا يجوزُ في غيرِ الشعرِ، ومثلُ هذا الشاهدِ قولُ الراجِزِ:
ما بَرِئَتْ مِن رِيبَةٍ وذَمِّ = في حَرْبِنَا إِلاَّ بَنَاتُ الْعَمِّ

([6])إن الذي ذَكَرَه الشارِحُ تَجَنٍّ على الناظِمِ، وإلزامٌ بمذهَبٍ معيَّنٍ قد لا يكونُ ذَهَبَ إليه في هذا الكتابِ؛ وذلك بأنَّ هذه المسألةَ خلافيَّةٌ بينَ علماءِ النحوِ؛ فمِنهم مَن ذَهَبَ إلى أنَّ إلْحَاقَ تاءِ التأنيثِ وعَدَمَ إلْحَاقِها جائزانِ إذا فُصِلَ بينَ الفعلِ وفاعلِه المُؤَنَّثِ بإلا، ومعَ جوازِ الأمريْن حَذْفُ التاءِ أفضلُ، وهذا هو الذي يَصِحُّ أنْ يُحْمَلَ عليه كلامُ الناظِمِ؛ لأنَّه صريحُ الدَّلالةِ عليه، ومن العلماءِ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ حذفَ التاءِ في هذه الحالةِ أمرٌ واجبٌ لا يجوزُ العُدُولُ عنه إلاَّ في ضرورةِ الشعرِ؛ من أجلِ أنَّ الفاعلَ على التحقيقِ ليسَ هو الاسمَ الواقِعَ بعدَ إلا، ولكنه اسمٌ مُذَكَّرٌ محذوفٌ، وهو المستثنَى منه.
فإذا قلتَ: (لم يَزُرْنِي إلاَّ هِنْدٌ) فإنَّ أصلَ الكلامِ: لم يَزُرْنِي أحدٌ إلا هِنْدٌ، وأنتَ لو صَرَّحْتَ بهذا المحذوفِ على هذا التقديرِ لم يَكُنْ لكَ إلاَّ حَذْفُ التاءِ؛ لأنَّ الفاعلَ مُذَكَّرٌ، وهذا هو الذي يُرِيدُ الشارِحُ أنْ يُلْزِمَ به الناظِمَ؛ لأنَّه مَذْهَبُ الجمهورِ، وهو إلزامُ ما لا يَلْزَمُ، على أنَّ لنا في هذا التعليلِ وفي ترتيبِ الحُكْمِ عليه كلاماً لا تَتَّسِعُ له هذه العُجَالَةُ.

([7])(والحَذْفُ) مبتدأٌ، وجملةُ (قد يَأْتِي) وفاعلِه المُسْتَتِرِ في مَحَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (بلا فَصْلٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بيأتي، (ومَع) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، مع: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بوَقَع الآتي،ومع مضافٌ و(ضميرٍ) مضافٌ إليه، وضميرٍ مضافٌ و(ذي) بمعنى صاحِبٍ: مضافٌ إليه، وذيمضافٌ و(المجازِ) مضافٌ إليه، (في شِعْرٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ يَتَعَلَّقُ بِوَقَع الآتي، (وَقَعْ) فِعْلٌ ماضٍ،وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى الحَذْفُ، وتقديرُ البيتِ: وحَذْفُ تاءِ التأنيثِ من الفعلِ المسنَدِ إلى مُؤَنَّثٍ قد يَجِيءُ في كلامِ العربِ مِن غيرِ فَصْلٍ بينَ الفعلِ وفاعلِه، وقد وَقَعَ ذلك الحَذْفُ في الشعرِ معَ كونِ الفاعلِ ضميراً عائداً إلى مُؤَنَّثٍ مجازيِّ التأنيثِ.

([8]) البيتُ لعامِرِ بنِ جُوَيْنٍ الطائيِّ، كما نُسِبَ في كتابِ سِيبَوَيْهِ (1/ 240) وفي شرحِ شواهدِه للأَعْلَمِ الشَّنْتَمْرِيِّ.
اللغةُ: (المُزْنَةُ) السَّحابَةُ المُثْقَلَةُ بالماءِ،(الوَدْقُ) المطرُ، وفي القرآنِ الكريمِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهَِبْقَلَ) أَنْبَتَ البَقْلَ، وهو النباتُ.
الإعرابُ: (فلا) نافيةٌ تَعْمَلُ عَمَلَ ليسَ،ُزْنَةٌ) اسْمُها، وجملةَُدَقَتْ) وفاعلِه المُسْتَتِرِ فيه العائدِ إلى مُزْنَةٌ في مَحَلِّ نصبٍ خبرُ لا،َدْقَهَا) وَدْقَ: منصوبٌ على المفعوليَّةِ المُطْلَقَةِ، ووَدْقَ مضافٌ وها: مضافٌ إليه،(ولا) الواوُ عاطفةٌ لِجُمْلَةٍ على جملةٍ، ولا: نافيةٌ للجنسِ تَعْمَلُ عَمَلَ إنَّ،َرْضَ) اسمُ لا، وجملةَُبْقَلَ) وفاعلِه المُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُها،ِبْقَالَهَا) إبقالَ: مفعولٌ مطلَقٌ، وإبقالَ مضافٌ وضميرُ الغائبةِ في مَحَلِّ جرِّ مضافٍ إليه.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (ولا أَرْضَ أَبْقَلَحيثُ حَذَفَ تاءَ التأنيثِ من الفعلِ المسنَدِ إلى ضميرِ المُؤَنَّثِ، وهذا الفعلُ هو (أَبْقَلَوهو مُسْنَدٌ إلى ضميرٍ مُسْتَتِرٍ يعودُ إلى الأرضِ، وهي مُؤَنَّثَةٌ مجازِيَّةُ التأنيثِ، ويُرْوَى:
* ولا أَرْضَ أَبْقَلَتِ ابْقَالَهَا *
بنقلِ حركةِ الهمزةِ من (إِبْقَالَها) إلى التاءِ في (أَبْقَلَتْوحينَئذٍ لا شاهِدَ فيه.
ومثلُ هذا البيتِ ـ في الاستشهادِ به ـ قولُ الأعشى مَيْمُونِ بنِ قَيْسٍ:
فَإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ = فإنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بها
ومَحَلُّ الاستشهادِ مِنه قولُه:َوْدَى بِهَا)؛حيثُ لم يُلْحِقْ تاءَ التأنيثِ بالفعلِ الذي هو قولُه: (أَوْدَى) معَ كونِه مُسْنَداً إلى ضميرٍ مُسْتَتِرٍ عائدٍ إلى اسمٍ مُؤَنَّثٍ، وهو الحوادِثُ الذي هو جمعُ حَادِثَةٍ، وقد عَرَفْتَ أنَّ الفِعْلَ إذا أُسْنِدَ إلى ضميرٍ راجعٍإلى مُؤَنَّثٍ وَجَبَ تأنيثُه، سواءٌ أكانَ مَرْجِعُه حقيقيَّ التأنيثِ، أم كانَ مَرْجِعُ الضميرِ مجازيَّ التأنيثِ، وتَرْكُ التاءِ حينَئذٍ مِمَّا لا يجوزُ ارْتِكَابُه إلاَّ في ضرورةِ الشعرِ، فلَمَّا اضْطُرَّ الشاعرُ في بَيْتِ الشاهدِ وفيما أَنْشَدْنَاهُ مِن قولِ الأَعْشَى ـ على الروايةِ المشهورةِ ـ حَذَفَ علامةَ التأنيثِ مِن الفِعْلِ.

([9])(والتاءُ) مبتدأٌ، (مَعْ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ منه، أو من الضميرِ المُسْتَتِرِ في خَبَرِه، ومعَ مضافٌ و(جَمْعِ) مضافٌ إليه،ِوَى) نعتٌ لِجَمْعِ، وسِوَى مضافٌ و(السالِمِ) مضافٌ إليه،ِن مُذَكَّرٍ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بالسالِمِ،(كالتاءِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ،(معْ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ مِن التاءِ المجرورِ بالكافِ، ومعْ مضافٌ و(إِحْدَى) مضافٌ إليه، وإِحْدَى مضافٌ و(اللَّبِنْ) مضافٌ إليه.

([10])(والحَذْفَ) بالنصبِ: مفعولٌ مُقَدَّمٌ لاسْتَحْسَنُوا،(في نِعْمَ الفتاةُ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ بقَصْدِ اللفظِ مُتَعَلِّقٌ بالحَذْفَ أو باسْتَحْسَنُوا،(اسْتَحْسَنُوا) فِعْلٌ وفاعلٌ، (لأنَّ) اللامُ حرفُ جرٍّ، أنَّ: حرفُ توكيدٍ ونَصْبٍ، (قَصْدَ) اسمُ أنَّ، وقَصْدَ مضافٌ و(الجِنْسِ) مضافٌ إليه،(فيهِ) جَارٌّ ومَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (بَيِّنُ) الآتي، (بَيِّنُ) خبرَُنَّ)، وأنَّ معَ ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ باللامِ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ (اسْتَحْسَنُوا)،وتقديرُ الكلامِ: اسْتَحْسَنُوا الحَذْفَ في (نِعْمَ الفتاةُ)؛ لِظُهُورِ قَصْدِ الجنسِ فيه، ويجوزُ أنْ يكونَ الحذفُ بالرفعِ مبتدأً، وجملةُ (اسْتَحْسَنُوا) خَبَرَه، والرابِطُ محذوفٌ، والتقديرُ: الحذفُ اسْتَحْسَنُوا... إلخ، وهذا الوجهُ ضعيفٌ؛ لاحتياجِه إلى التقديرِ، وسِيبَوَيْهِ يَأْبَى مِثْلَه.

([11])الأشياءُ التي تَدُلُّ على معنى الجمعِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ:
الأوَّلُ: اسمُ الجَمْعِ،نحوُ: قومٍ ورَهْطٍ ونِسْوَةٍ.
والثاني: اسمُ الجِنْسِ الجَمْعِيِّ،نحوُ: رُومٍ وزِنْجٍ وكَلِمٍ.
والثالِثُ: جمعُ التكسيرِ لمُذَكَّرٍ،نحوُ: رِجَالٍ وزيُودٍ.
والرابعُ: جمعُ التكسيرِ لمُؤَنَّثٍ، نحوُ: هُنُودٍ وضَوَارِبَ، والخامِسُ: جمعُ المُذَكَّرِ السالِمُ،نحوُ: الزَّيْدِينَ والمُؤْمِنِينَ والبَنِينَ.
والسادِسُ: جمعُ المُؤَنَّثِ السالِمُ، نحوُ: الهِنْدَاتِ والمؤْمِنَاتِ والبناتِ.
وللعلماءِ في الفعلِ المُسْنَدِ إلى هذه الأشياءِ ثلاثةُ مذاهِبَ:
المَذْهَبُ الأوَّلُ: مَذْهَبُ جمهورِ الكُوفِيِّينَ، وهو أنه يجوزُ في كلِّ فِعْلٍ أُسْنِدَ إلى شيءٍ مِن هذه الأشياءِ الستَّةِ أنْ يُؤْتَى به مُؤَنَّثاً،وأنْ يُؤْتَى به مُذَكَّراً، والسرُّ في هذا أنَّ كلَّ واحدٍ مِن الأشياءِ الستَّةِ يجوزُ أنْ يُؤَوَّلَ بالجمعِ، فيكونَ مُذَكَّرَ المَعْنَى، فيُؤْتَى بفعلِه خالياً من علامةِ التأنيثِ، وأنْ يُؤَوَّلَ بالجماعةِ فيكونَ مُؤَنَّثَ المعنَى، فيُؤْتَى بفعلِه مُقْتَرِناً بعلامةِ التأنيثِ، فتقولُ على هذا: جاءَ القومُ، وجاءَتِ القومُ، وفي الكتابِ العزيزِ: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ}،وتقولُ: زَحَفَ الرُّومُ، وزَحَفَتِ الرُّومُ، وفي الكتابِ الكريمِ: {غُلِبَتِ الرُّومُوتقولُ: جاءَ الرجالُ، وجاءَتِ الرجالُ، وتقولُ: جاءَ الهُنُودُ، وجاءَتِ الهُنُودُ، وتقولُ: جاءَ الزَّيْنَبَاتُ، وجاءَتِ الزَّيْنَبَاتُ، وفي التنزيلِ:ِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}،وقالَ عبدةُ بنُ الطَّبِيبِ مِن قصيدةٍ له:
فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي =والظَّاعِنُونَ إِلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا
وتقولُ: جاءَ الزيدونَ وجاءَتِ الزيدونَ، وفي التنزيلِ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَوقالَ قربط[لعلها: قُرَيْظُ] بنُ أُنَيْفٍ أَحَدُ شُعَرَاءِ الحماسةِ:
لو كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلِي = بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا
والمَذْهَبُ الثاني: مَذْهَبُ أبي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ، وخُلاصتُه: أنه يجوزُ الوجهانِ في جميعِ هذه الأنواعِ، إلاَّ نوعاً واحداً، وهو جمعُ المُذَكَّرِ السالِمِ؛ فإنَّه لا يجوزُ في الفعلِ الذي يُسْنَدُ إليه إلاَّ التذكيرُ، وأنتَ لو تَأَمَّلْتَ في كلامِ الناظِمِ لَوَجَدْتَهُ بِحَسَبِ ظاهِرِهِ مُطَابِقاً لهذا المَذْهَبِ؛ لأنَّه لم يَسْتَثْنِ إلاَّ السالِمَ مِن جَمْعِ المُذَكَّرِ.
والمَذْهَبُ الثالِثُ: مذهَبُ جُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ، وخلاصتُه: أنه يجوزُ الوجهانِ في أربعةِ أنواعٍ: وهي: اسمُ الجمعِ، واسمُ الجِنْسِ الجَمْعِيِّ، وجمعُ التكسيرِ لمُذَكَّرٍ، وجمعُ التكسيرِ لمُؤَنَّثٍ، وأمَّا جمعُ المُذَكَّرِ السالِمُ فلا يجوزُ في فِعْلِه إلاَّ التذكيرُ، وأمَّا جمعُ المُؤَنَّثِ السالِمُ فلا يجوزُ في فِعْلِه إلا التأنيثُ.
وقد حاوَلَ جماعةٌ مِن الشُّرَّاحِ كالأَشْمُونِيِّ أنْ يَحْمِلُوا كلامَ الناظِمِ عليه، فزَعَمُوا أنَّ الكلامَ على نِيَّةِ حذفِ الواوِ والمعطوفِ بها، وأنَّ أصلَ الكلامِ:ِوَى السالِمِ مِن جمعِ مُذَكَّرٍ ومِن جمعِ مُؤَنَّثٍولكِنَّ شَارِحَنَا رَحِمَه اللهُ لم يَتَكَلَّفْ هذا التكلُّفَ؛ لأنَّه رأَى أنَّ لظاهرِ الكلامِ مَحْمَلاً حَسَناً، وهو أنْ يُوَافِقَ مذهَبَ أبي عليٍّ الفارسيِّ. فاحْفَظْ هذا التحقيقَ واحْرِصْ عليه؛ فإنَّه نَفِيسٌ دَقِيقٌ قَلَّمَا تَعْثُرُ عليه مَشْرُوحاً مُسْتَدَلاًّ له في يُسْرٍ وسُهولةٍ.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


السادِسُ: أنَّه إنْ كانَ مُؤَنَّثاً أُنِّثَ فِعْلُه بتاءٍ ساكنةٍ في آخرِ الماضي وبتاءِ المضارعةِ في أوَّلِ المُضارِعِ.
ويَجِبُ ذلك في مَسْألتَيْنِ:
إحداهما: أنْ يَكُونَ ضَمِيراً مُتَّصِلاً؛ كـ (هِندُ قَامَتْ), أو (تَقُومُ) و(الشَّمْسُ طَلَعَتْ) أو (تَطْلُعُ), بخلافِ المُنْفَصِلِ نحوَ: (ما قَامَ أو يَقُومُ إِلاَّ هِيَ), ويجوزُ تَرْكُها في الشِّعْرِ إنْ كانَ التأنيثُ مَجازيًّا؛ كقولِه:
211- وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا([1])
وقولِه:
212- فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا([2])
والثانيةُ: أنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً حَقِيقِيَّ التأنيثِ، نحوَ: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ}([3]) وشَذَّ قَوْلُ بَعْضِهم: (قالَ فُلانَةُ). وهو رَدِيءٌ لا يَنْقَاسُ,
وإنَّما جازَ في الفَصِيحِ نَحْوُ: (نِعْمَ المَرْأَةُ) و(بِئْسَ المَرْأَةُ)؛ لأنَّ المُرادَ الجِنْسُ, وسَيَأْتِي أنَّ الجِنْسَ يَجوزُ فيهِ ذلك.
ويجوزُ الوجهانِ في مَسْأَلَتَيْنِ: إحداهما: المُنْفَصِلُ، كقولِه:
213- لَقَدْ وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ([4])
وقولِهم: (حَضَرَ القَاضِيَ اليَوْمَ امْرأةٌ). والتأنيثُ أكْثَرُ, إلاَّ إنْ كانَ الفاصِلُ (إِلاَّ) فالتأنيثُ خَاصٌّ بالشِّعْرِ. نَصَّ عليهِ الأخْفَشُ، وأنْشَدَ على التأنيثِ:
214- مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍ وذَمِّ = فِي حَرْبِنَا إِلاَّ بَنَاتُ العَمِّ([5])
وجَوَّزَه ابنُ مالكٍ في النَّثْرِ, وقُرِئَ: (إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ)([6]) (فَأَصْبَحُوا لاَ تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ) ([7]).
الثانيةُ: المَجازِيُّ التأنيثِ نحوُ: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ والقَمَرُ}([8]) ومنهُ اسْمُ الجِنْسِ, واسْمُ الجَمْعِ, والجَمْعُ؛ لأنَّهُنَّ في معنَى الجماعةِ, والجماعةُ مُؤَنَّثٌ مَجَازِيٌّ؛ فلذلك جازَ التأنيثُ, نَحْوَ: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ}([9])، و:{قَالَتِ الأَعْرَابُ}([10])، و: (أَوْرَقَتِ الشَّجَرُ), والتذكيرُ نَحْوَ: (أَوْرَقَ الشَّجَرُ) {وكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ}([11])، {وقَالَ نِسْوَةٌ}([12]) و: (قَامَ الرِّجالُ), و: (جاءَ الهُنودُ), إلاَّ أنَّ سَلامةَ نَظْمِ الواحدِ في جَمْعَيِ التصحيح ِ أَوْجَبَتِ التذكيرَ في نحوِ: (قَامَ الزَّيْدُونَ), والتأنيثَ في نَحْوِ: (قَامَتِ الهِنْدَاتُ)؛ خلافاً للكُوفِيِّينَ فيهما, وللفارسِيِّ في المُؤنَّثِ, واحْتَجُّوا بنحوِ: {إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}([13]), {إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ}([14]) وقولِه:
215- فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوَهُنَّ وَزَوْجَتِي([15])
وأُجِيبَ بأنَّ البَنِينَ والبناتِ لَمْ يَسْلَمْ فيهما لفظُ الواحدِ, وبأنَّ التذكيرَ في {جَاءَكَ} للفَصْلِ, أو لأنَّ الأصلَ النساءُ المؤمناتُ, أو لأنَّ (أَلْ) مُقَدَّرَةٌ (باللاتي) وهي اسْمُ جَمْعٍ.


([1])211-هذا عَجُزُ بَيْتٍ من المُتقارِبِ، وصَدْرُه قولُه:
*فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا*

والبيتُ لعامرِ بنِ جُوَيْنٍ الطَّائِيِّ، كما نُسِبَ في كتابِ سِيبَوَيْهِ (1/140)، وفي شَرْحِ شواهدِه للأعْلَمِ الشَّنْتَمَرِيِّ.
اللغةُ: ( المُزْنَةُ) السحابَةُ المُثْقَلَةُ بالماءِ, (الوَدْقُ) المَطَرُ، وفي القُرْآنِ الكَريمِ: {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ}. (أبْقَلَ) أنْبَتَتِ البَقْلَ، وهو النباتُ.
المعنَى: يَصِفُ أرْضاً قدْ عَمَّها الخَصْبُ والنَّماءُ، والتَفَّ فيها الزرعُ، بعدَ سَحابَةٍ أَفْرَغَتْ عَزَالِيَهَا، وصَبَّتْ مِياهَهَا، فيَقولُ: لَمْ نَرَ سَحَابَةً أمْطَرَتْ مِثْلَ ما أَمْطَرَتْ هذهِ السحابةُ، ولا أَرْضاً أَنْبَتَتْ مِثْلَ البَقْلِ الذي أَنْبَتَتْهُ هذهِ الأرضُ.
الإعرابُ: ( فَلاَ) نافيةٌ تَعْمَلُ عَمَلَ ليسَ, ( مُزْنَةٌ) اسْمُها، وجُملةُ ( ودَقَتْ) وفَاعِلِه المُستتِرِ فيهِ في مَحَلِّ نَصْبٍ, خبَرُ لا, ( وَدْقَهَا) وَدْقَ: مَنْصوبٌ على المَفْعولِيَّةِ المُطلَقَةِ، وهو مُضافٌ، وها: مُضافٌ إليهِ, (ولا) الواوُ عاطفةٌ لجُملةٍ على جُملةٍ، ولا: نافيةٌ للجنسِ تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ, (أَرْضَ) اسْمُها، وجملةُ (أبْقَلَ) وفَاعِلِه المُستَتِرِ فيهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ, خَبَرُها, (إبْقَالَها) إِبْقَالَ: مَفْعولٌ مُطْلَقٌ، وهو مُضافٌ, وضميرُ الغائبةِ في مَحَلِّ جَرٍّ, مُضافٌ إليهِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَ) حَيْثُ حذَفَ تاءَ التأنيثِ من الفِعْلِ المُسْنَدِ إلى ضَميرِ المُؤَنَّثِ، وهذا الفِعْلُ هو (أبْقَلَ), وهو مسندٌ إلى ضَمِيرٍ مُستتِرٍ يعودُ إلى السحابةِ، وهي مُؤَنَّثَةٌ، ويُرْوَى:
*وَلاَ أَرْضَ أَبْقَلَتِ ابْقَالَهَا*

بكسرِ تاءِ التأنيثِ للتخَلُّصِ من التقاءِ الساكنيْنِ، ووَصْلِ هَمْزةِ القَطْعِ من (إبقالِها) وهو تَخَلُّصٌ من ضرورةٍ للوُقوعِ في ضَرُورةٍ أُخْرَى، هذا بيانُ كلامِ المُؤَلِّفِ وتَوْجِيهُه.
ومِن العلماءِ مَن خَرَّجَ البيتَ على وَجْهٍ آخرَ، وحَاصِلُه أنَّ الشاعرَ أَتَى بالضميرِ العائدِ إلى الأرضِ مُذَكَّراً؛ لأنه أرادَ بالضميرِ المكانَ، فهو مِن الحَمْلِ على المعنَى، ولذلكَ نظائِرُ كَثِيرَةٌ في النثْرِ والشعْرِ، ومن ذلكَ قَوْلُ عُرْوَةَ بنِ حِزَامٍ:
وعَفْرَاءُ أَرْجَى النَّاسِ عِنْدِي مَوَدَّةً = وعَفْرَاءُ عَنِّي المُعْرِضُ المُتَدَانِي
أفلا تَرَاهُ قَدْ قَالَ: ( وعَفْرَاءُ المُعْرِضُ المُتَدَانِي) فأتَى بالخَبَرِ مُذَكَّراً معَ أنَّ المُبْتدأَ مُؤَنَّثٌ؛ وذلكَ لأنَّه أرادَ بـ(عَفْرَاءُ) الشَّخْصَ.
ومن ذلكَ قَوْلُ الأخْطَلِ التَّغْلِبِيِّ:
هُمُ أَهْلُ بَطْحَاوَيْ قُرَيْشٍ كِلَيْهِمَا = هُمُ صُلْبُهَا، لَيْسَ الوَشَائِظُ كالصُّلْبِ
أفلا تَرَاهُ قالَ: ( بَطْحَاوَيْ قُرَيْشٍ كِلَيْهِمَا). فأتَى بالتوكيدِ مُذَكَّراً معَ أَنَّ المُؤكَّدَ مُؤَنَّثٌ؛ لأنَّ (بَطْحَاوَيْ) مُثَنَّى بَطْحَاءَ؛ لأنَّه أرادَ الأبْطَحَيْنِ، إذ هما في مَعْنَى البَطْحَاوَيْنِ، والحَمْلُ على المعنَى كَثِيرٌ في كلامِ العربِ.
وذهَبَ ابنُ كَيْسانَ إلى أنَّه يَجوزُ التذكيرُ كما يَجوزُ التأنيثُ في الفعلِ المُسْنَدِ إلى ضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ مَجازِيِّ التأنيثِ، كما أنَّه جَائِزٌ في الفعلِ المُسْنَدِ إلى الاسمِ الظاهرِ المجازيِّ التأنيثِ، فكما أنَّه يَجوزُ أنْ تَقُولَ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وطَلَعَ الشَّمْسُ. بالاتِّفاقِ، يَجوزُ أَنْ تَقُولَ: الشَّمْسُ طَلَعَ، والشَّمْسُ طَلَعَتْ. إذْ لا فَرْقَ بينَ المُضْمَرِ والمُظْهَرِ.

([2])212-هذا عَجُزُ بَيْتٍ من المُتقارِبِ، وصَدْرُه قولُه:
*فإِمَّا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ*

والبيتُ من كلامِ الأعْشَى مَيْمُونِ بنِ قَيْسٍ، وهو مِن قَصيدةٍ له يَمْدَحُ فيها رَهْطَ قَيْسِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ الكِنْدِيِّ, ويَزِيدَ بنِ عَبْدِ الدارِ الحارثِيِّ.
اللغةُ: ( لِمَّةٌ) - بكَسْرِ اللامِ وتشديدِ الميمِ – ما ألَمَّ وأحاطَ بالمَنْكِبَيْنِ من شَعَرِ الرأسِ، فإذا زادَ عن ذلكَ فهو الجُمَّةُ – بضَمِّ الجيمِ وتشديدِ الميمِ – (الحَوَادِثَ) جَمْعُ حَادِثَةٍ، وأرادَ بها نَوازِلَ الدهْرِ وكوارثَهُ التي تَحْدُثُ وَاحِدَةً بعدَ وَاحِدَةٍ, (أَوْدَى بها) ذهَبَ بها وأبَادَها وأهْلَكَها، وأرادَ أنَّه أُصِيبَ بالصَّلَعِ، وهو انْحِسَارُ شَعَرِ الرَّأْسِ، وذلكَ عندَهم أمَارَةُ الضَّعْفِ، ودَلِيلُ الكِبَرِ والعَجْزِ.
الإعرابُ: ( إِمَّا) هذهِ الكلمةُ مُركَّبَةٌ من كَلِمتيْنِ: أُولاهما: إِنْ، وهي حَرْفُ شَرْطٍ جَازِمٌ، وثَانِيَتُهما: ما, وهو حَرْفٌ زَائِدٌ, ( تَرَيْنِي) فِعْلٌ مُضارِعٌ, فِعْلُ الشرطِ مَجْزُومٌ بحَذْفِ النونِ، وياءُ المُؤَنَّثَةِ المُخاطَبَةِ فَاعِلٌ، والنونُ المَوْجودةُ للوِقَايَةِ، وياءُ المُتكلِّمِ مفعولٌ بهِ, ( وَلِي) الواوُ واوُ الحالِ، لي: جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ, خَبَرٍ مُقَدَّمٍ, ( لِمَّةٌ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ نصبٍ, حَالٌ, (فإِنَّ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، إنَّ: حرفُ تَوْكِيدٍ ونَصْبٍ, (الحوادثَ) اسْمُ إنَّ مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (أَوْدَى) فِعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضَمِيرٌ مُستتِرٌ فيه جَوازاً تقديرُه: هو, يَعودُ إلى الحوادثِ, (بها) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بأَوْدَى، وجُمْلَةُ أوْدَى وفاعلِه المُستتِرِ فيهِ في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَرُ إِنَّ، وجُمْلَةُ إنَّ واسْمِه وخَبَرِه في مَحَلِّ جَزْمٍ, جَوابُ الشَّرْطِ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (الحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا) حيثُ لم يُلْحِقْ تاءَ التأنيثِ بالفعلِ الذي هو قولُه: (أَوْدَى). معَ كونِه مُسْنَداً إلى ضَمِيرٍ مُستتِرٍ عَائِدٍ إلى اسْمٍ مُؤَنَّثٍ, وهو (الحَوَادِثَ) الذي هو جَمْعُ حَادِثَةٍ.
وقدْ عَلِمْتَ أنَّ الجُمهورَ على أنَّ الفِعْلَ إذا أُسْنِدَ إلى ضَميرٍ راجعٍ إلى مُؤنَّثٍ وجَبَ تَأْنِيثُه، سواءٌ أكانَ مَرْجِعُه حَقِيقِيَّ التأنيثِ، أم كَانَ مَرْجِعُه مَجَازِيَّ التأنيثِ، وتَرْكُ تأنيثِ الفعلِ بعَلامةِ التأنيثِ في هذهِ الحالِ مِمَّا لا يَجوزُ ارتكابُه عندَهم إلاَّ في ضرورةِ الشِّعْرِ، فلَمَّا اضْطُرَّ الشاعِرُ تَرَكَ علامةَ التأنيثِ.
فإنْ قُلْتَ: فإِنِّي لا أجِدُ لهذا الشاعرِ ضَرُورةً ألْجَأتْهُ إلى حَذْفِ التاءِ؛ لأنَّه لو جاءَ بتاءِ التأنيثِ معَ بَقاءِ ألفاظِ البيتِ على حَالِها لَمْ يَتَغَيَّرْ وَزْنُ البيتِ، فلو قالَ:
فإِمَا تَرَيْنِي وَلِي لِمَّةٌ = فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَتْ بِهَا
لَكانَ الوزنُ مُستقِيماً، ولم يَكُنْ بالكلامِ بَأْسٌ، فأيُّ شَيْءٍ دَعَاهُ إلى أَنْ يَرْتَكِبَ هذهِ الضرورةَ؟‍‍!
فالجوابُ عن ذلكَ أَنْ نُنَبِّهَكَ إلى هذهِ الألفِ المَنْطُوقِ بها قبلَ الباءِ في (أَوْدَى بِهَا) وأنْ نُنْشِدَكَ بَبْيتَيْنِ من أوَّلِ هذهِ القصيدةِ, وهما قولُه:
أَلَمْ تَنْهَ نَفْسَكَ عَمَّا بِهَا = بَلَى، عَادَهَا بَعْضُ أَطْرَابِهَا
لِجَارَتِنَا إِذْ رَأَتْ لِمَّتِي = تَقُولُ: لَكَ الوَيْلُ! أَنَّى بِهَا
ثم نُشِيرُ إليكَ إلى الألفاظِ التي تَرَاهَا في قولِه: (عَمَّا بِهَا) و(أَطْرَابِهَا) و(أَنَّى بِهَا) وهذهِ الألفُ تُسَمَّى عندَ عُلماءِ العَرُوضِ والقَوافِي, (حَرْفَ الرِّدْفِ) وكلُّ قصيدةٍ تُبْنَى على الرِّدْفِ لا يَجوزُ تَرْكُه في بيتٍ منها، فلو قَالَ الأَعْشَى (فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَتْ بِهَا) لتَرَكَ الرِّدْفَ، وهو عَيْبٌ من عُيوبِ القَافيةِ يُعادِلُ عندَ الشعراءِ المُجِيدِينَ اختلالَ وَزْنِ البيتِ، ومن هذا الكلامِ تَفْهَمُ أنَّ الضرورةَ ليسَتْ قاصرةً على ارتكابِ ما يَسْتقِيمُ بهِ وَزْنُ الشِّعْرِ، بل من الضرورةِ ما يُرْتَكَبُ للفرارِ من عَيْبٍ آخَرَ, يَتَعَلَّقُ بالقافيةِ، وما يَتَّصِلُ بها.
هذا الذي ذَكَرْنَاهُ هو بيانُ كلامِ المُؤَلِّفِ وتَخْرِيجُه على الوَجْهِ الذي اختارَه.
ومِن العُلماءِ مَن ذهَبَ إلى أنَّ الشاعِرَ أتَى بالفِعْلِ من غَيْرِ علامةِ تأنيثٍ معَ أنَّه مُسْنَدٌ إلى ضميرٍ يَعودُ إلى مُؤَنَّثٍ مَجَازِيِّ التأنيثِ، حَمْلاً على المعنَى؛ وذلكَ لأنَّ (الحَوَادِثَ) بمعنَى الحَدَثانِ، والحَدَثَانُ مُذَكَّرٌ، بدَليلِ قولِ الشاعرِ:
رَمَى الحَدَثَانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ = بِمِقْدَارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا
والحَمْلُ على المَعْنَى كثيرٌ في كلامِ العَرَبِ، وقد اسْتَشْهَدْنا له في شَرْحِ الشاهدِ السابقِ (رَقْمِ 211).
وابنُ كَيْسَانَ يَرَى أنَّه يَجوزُ في سَعَةِ الكلامِ – من غَيْرِ ضرورةٍ ولا شُذُوذٍ – أنْ يُؤْتَى معَ الفعلِ المُسْنَدِ إلى ضَمِيرٍ يعودُ إلى مُؤَنَّثٍ مَجَازِيِّ التأنيثِ بتَاءِ التأنيثِ, كما يَجوزُ تَرْكُ هذهِ التاءِ.

([3]) سورة آلِ عِمْرانَ، الآية: 35.

([4]) 213-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الوافرِ، وعَجُزُه قولُه:
*عَلَى بَابِ اسْتِهَا صُلُبٌ وشَامُ*

والبيتُ من كلمةٍ لجَريرِ بنِ عَطِيَّةَ يَهْجُو فيها الأخْطَلَ التَّغْلِبِيَّ النَّصْرَانِيَّ.
اللغةُ: (الأُخَيْطِلَ) تَصْغِيرُ الأخْطَلِ، وهو لَقَبُ الشاعرِ المَهْجُوِّ، واسْمُه غِيَاثُ بنُ غَوْثٍ، وأصْلُ الأخْطَلِ القُمَاشُ الكَثِيرُ الخَطَلِ, (صُلُبٌ) – بضَمِّ الصادِ المُهْمَلَةِ واللامِ جميعاً – جَمْعُ صَلِيبٍ، مِثْلُ سَرِيرٍ وسُرُرٍ, (شَامُ) اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ، واحِدُه شَامَةٌ، وهي الخاَل ُوالعَلامَةُ.
الإعرابُ: (لَقَدْ) اللامُ مُوطِّئَةٌ للقَسَمِ، قَدْ: حَرْفُ تَحْقيقٍ مَبْنِيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ, (وَلَدَ) فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ, (الأُخَيْطِلَ) مَفْعولٌ بهِ تَقَدَّمَ على الفاعِلِ، مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ, (أمُّ) فَاعِلٌ بـ(وَلَدَ) مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وأُمُّ مُضافٌ, و(سُوءٍ) مُضافٌ إليه، مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ, ( عَلَى بَابِ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ مُقَدَّمٍ، و(بابِ) مُضافٌ, واسْتِ مِن ( اسْتِهَا) مُضافٌ إليهِ مَجْرورٌ بالكَسْرَةِ الظاهرةِ، و(اسْتِ) مُضافٌ, وضميرُ الغائبةِ العَائِدُ إلى (أمُّ سَوءٍ) مُضافٌ إليهِ, ( صُلُبٌ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ, ( وشَامُ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، شَامُ: مَعْطوفٌ على (صُلُبٌ)، مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وجُمْلَةُ المبتدأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ رفْعٍ, صِفَةٌ لـ(أُمُّ سَوءٍ).
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوءٍ) حَيْثُ لَمْ يَصِلْ بالفعلِ الذي هو قولُه: (وَلَدَ) تَاءَ التأنيثِ، معَ أنَّ فَاعِلَه – وهو قولُه: (أُمُّ سَوءٍ) – اسْمٌ مُؤَنَّثٌ حَقِيقِيَّ التأنيثِ، وقدْ عَلِمْنَا أنَّ الفِعْلَ إذا كَانَ فَاعِلُه مُؤَنَّثاً حَقِيقِيَّ التأنيثِ – ظاهراً كانَ الفاعِلُ أو مُضْمَراً – لَزِمَ أنْ يُوصَلَ بهذا الفعلِ تَاءُ التأنيثِ.
والسرُّ الذي من أجْلِه لم يَصِلِ الشاعرُ بالفعلِ تَاءَ التأنيثِ أنَّه قَدْ فُصِلَ بينَ الفِعْلِ وفاعلِه بالمفعولِ هنا، فبَعُدَ الفِعْلُ عن فَاعِلِه المُؤَنَّثِ، وضَعُفَتْ – بسببِ تأخيرِه – العنايَةُ به، وصارَ الفَصْلُ كالعِوَضِ من تاءِ التأنيثِ، أو كالمُوجِبِ غَفْلَةً عنها.
ومِثْلُ هذا البيتِ فيما ذَكَرْنَا من الاستشهادِ قَوْلُ الشاعرِ:
إنَّ امْرَأً غَرَّهُ مِنْكُنَّ وَاحِدَةٌ = بَعْدِي وبَعْدَكِ فِي الدُّنْيَا لَمَغْرُورُ
إِلاَّ أنَّ الفَاصِلَ في هذا البيتِ جَارٌّ ومَجْرورٌ، في حينِ أنَّ الفاصِلَ في بيتِ الشاهدِ مَفْعولٌ به، ومَقْصودُ النحاةِ بالفاصلِ أعَمُّ مِن أَنْ يَكُونَ مَفْعولاً أو جَارًّا ومَجْروراً أو ظَرْفاً أو شيئاً آخرَ غَيْرَهُنَّ.

([5])214-هذا بَيْتٌ من الرَّجَزِ، ولم أقِفْ له على نِسْبَةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له على سَوابِقَ أو لَوَاحِقَ تَتَّصِلُ به، وقالَ العَيْنِيُّ: (أقُولُ: قَائِلُه رَاجِزٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ).اهـ.
اللغةُ: (بَرِئَتْ) تَقولُ: بَرِئَ فُلانٌ مِن فُلانٍ، وبَرِئَ من العَيْبِ – من بَابِ سَلِمَ – بَرَاءَةً، وتقولُ: بَرَأَ من المَرَضِ – من بَابِ قَطَعَ – بَرَاءً – بفتحِ الباءِ والراءِ جَمِيعاً – في لُغةِ أهْلِ الحجازِ – وبُرْءاً – بضَمِّ الباءِ وسُكونِ الرَّاءِ – في لغةِ غيرِهم, (رِيبَةٍ) هي التُّهَمَةُ والشَّكُّ، وتَقولُ: رَابَنِي فُلانٌ يَرِيبُنِي – من بَابِ بَاعَ يَبِيعُ – إذا رَأَيْتَ منه ما يَرِيبُكَ وتَكْرَهُهُ ويَبْعَثُ إلى نَفْسِكَ الشَّكَّ.
الإعرابُ: (ما) حَرْفُ نَفْيٍ (بَرِئَتْ) بَرِئَ: فعلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ علَى الفَتْحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، والتاءُ عَلامَةُ التأنيثِ, (مِن رِيبَةٍ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ ببَرِئَ, (وذَمِّ) الواوُ حَرْفُ عطفٍ، (ذَمِّ) معطوفٌ على رِيبَةٍ, (في حَرْبِنَا) الجَارُّ والمجرورُ مُتعَلِّقٌ ببَرِئَ أيضاً، و(حَرْبِ) مُضافٌ, والضميرُ مُضافٌ إليهِ, (إِلاَّ) أداةُ استثناءٍ مُلْغاةٌ لا عَمَلَ لها, (بَنَاتُ) فَاعِلُ بَرِئَ مَرْفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وبِنَاتُ مُضافٌ, و(العَمِّ) مُضافٌ إليه.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَوْلُه: (مَا بَرِئَتْ إِلاَّ بَنَاتُ العَمِّ) حيثُ وَصَلَ تاءَ التأنيثِ بالفعلِ الذي هو بَرِئَ؛ لكونِ فَاعِلِه مُؤنَّثاً حقيقيَّ التأنيثِ، – وهو قولُه: (بَنَاتُ العَمِّ) – ولم يَعْبَأْ بالفَصْلِ بينَ الفعلِ وفاعلِه بإِلاَّ.
وقدِ اختَلَفَ العلماءُ في هذهِ المسألةِ:
فمنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّ لَحاقَ تاءِ التأنيثِ وعَدَمَ لَحاقِها جائزانِ، إذا فُصِلَ بينَ الفعلِ وفاعلِه المُؤنَّثِ الحقيقيِّ التأنيثِ بإِلاَّ، ومعَ جَوازِ الوجهيْنِ فالأحسنُ حَذْفُ التاءِ، واختارَ هذا الرأْيَ ابنُ مَالِكٍ صاحِبُ الألفيَّةِ، وعلى هذا المذهَبِ يكونُ ما في بيتِ الشاهدِ جَارِياً على أحَدِ الوجهيْنِ الجائزيْنِ، وإنْ يَكُنْ هذا الوجْهُ مَرْجوحاً.
ومنهم مَن ذهَبَ إلى أنَّ حَذْفَ تاءِ التأنيثِ في هذهِ الحالِ أَمْرٌ واجِبٌ لا يَجوزُ العُدولُ عنه، إلاَّ في ضَرورةِ الشِّعْرِ؛ لأنَّ الفَاعِلَ عندَ التحقيقِ ليسَ هو الاسْمَ المذكورَ بعدَ إِلاَّ، وإنَّما هو اسْمٌ محذوفٌ, لو ذُكِرَ لَكَانَ مُسْتَثْنًى منه، وكانَ ما بعدَ إِلاَّ مُسْتَثْنًى، ويكونُ تقديرُ الكلامِ: ما بَرِئَ أحَدٌ إلاَّ بَنَاتُ العَمِّ. فالفاعِلُ عندَ التحقيقِ مُذَكَّرٌ لا مُؤَنَّثٌ، واختارَ هذا المذهَبَ الأخفشُ، وعلى هذا المَذْهَبِ يَكونُ لَحَاقُ تاءِ التأنيثِ بالفِعْلِ في هذا البيتِ مِمَّا دَعَتْ إليهِ الضَّرورةُ الشِّعْريَّةُ، بسَبَبِ تَناسِي الفاعلِ المحذوفِ وتَجاهُلِ الحقيقةِ.
ومِن لحاقِ تاءِ التأنيثِ معَ الفصلِ بإِلاَّ بينَ الفعلِ وفاعلِه المجازيِّ التأنيثِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
طَوَى النَّحْزُ وَالأجْرَازُ مَا فِي غُرُوضِهَا = فَمَا بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ الجَرَاشِعُ
الشاهدُ في هذا البيتِ: قَوْلُه: ( فما بَقِيَتْ إِلاَّ الضُّلُوعُ) حيثُ أَتَى الشَّاعِرُ بتَاءِ التأنيثِ معَ الفعلِ المُسْنَدِ إلى الضُّلُوعِ، معَ كَوْنِه قَدْ فَصَلَ بَيْنَ الفِعْلِ المُسْنَدِ إلى الضُّلُوعِ بإِلاَّ.
هكذا اسْتَشْهَدَ جماعةٌ من النحاةِ على هذهِ المسألةِ بالبيتيْنِ: البيتِ الذي أنْشَدَهُ المُؤَلِّفُ مُسْتَنِداً للأخفشِ، والبيتِ الذي أنْشَدْنَاهُ، وأنتَ لو تَدَبَّرْتَ في هذيْنِ البيتيْنِ وجَدْتَ الفاعلَ في كلِّ واحدٍ منهما جمعاً، فهو في البيتِ الذي أنْشَدَه المُؤلِّفُ: (بناتُ) وهو جَمْعُ بِنْتٍ، وهو في البيتِ الذي أنْشَدْنَاهُ ( الضُّلُوعُ) وهو جَمْعُ ضِلَعٍ، ومن المَعلومِ أنَّ الفِعْلَ الذي يُسنَدُ إلى الجمعِ كالفِعْلِ الذي يُسْنَدُ إلى اسْمٍ ظاهِرٍ مَجَازِيِّ التأنيثِ، يعني أنَّه يَجوزُ في هذا الفعلِ لَحَاقُ تاءِ التأنيثِ بهِ, كما يَجوزُ عَدَمُ لِحاقِها, سواءٌ أكانَ الفِعْلُ مُتَّصِلاً بالفَاعِلِ أم كَانَ مُنْفَصِلاً منه، كما سيُقرِّرُ المؤلِّفُ ذلكَ في المسألةِ الثانيةِ من مسألَتَيِ الجوازِ.
ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عن ذلك بأَنَّ في كُلِّ وَاحِدٍ من هَذَيْنِ البيتيْنِ سَببيْنِ، كلُّ وَاحِدٍ مِنهما اقْتَضَى لَحَاقَ التاءِ، الأوَّلُ منهما: الفَصْلُ بإِلاَّ، وفيه الخِلافُ، والثاني: كَوْنُ الفاعِلِ مَجازِيَّ التأنيثِ، ولا خِلافَ في أنَّه يَجوزُ معَه لحاقُ التاءِ.
ومِن العلماءِ مَن ذكَرَ أنَّ مَحَلَّ كونِ ما في البيتيْنِ من مَحلِّ الخلافِ – فيما لو نَظَرْنَا إلى الفصلِ بإِلاَّ فقَطْ – هو تَقْدِيرُنا الفاعِلَ المَحْذُوفَ مُذَكَّراً؛ إذْ قَدَّرْنا في بيتِ المؤلِّفِ: (مَا بَرِئَ أَحَدٌ).
وفي البيتِ الذي أنْشَدْنَاهُ: ( مَا بَقِيَ شَيْءٌ) وهذا التقديرُ ليسَ بلازِمٍ؛ إذْ يَجوزُ تَقدِيرُ اسْمٍ عَلَمٍ مُؤَنَّثٍ يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مُستثنًى منه، فيُقَدَّرُ في بيتِ المؤلِّفِ: ما بَرِئَتْ نِسَاءٌ إِلاَّ بَنَاتُ العَمِّ، وفي البيتِ الذي أنْشَدْناه: فما بَقِيَتْ أَعْضَاءٌ إِلاَّ الضُّلُوعُ، وفي الآيةِ الأولى: إنْ كَانَتِ الأخْذَةُ إلاَّ صَيْحَةً، وفي الآيةِ الثانيةِ: فأَصْبَحُوا لا تُرَى أَشْيَاءُ إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ، فلا يَكونُ للتذكيرِ – على هذا – وَجْهٌ يُرَجِّحُه على التأنيثِ، بل يَكُونُ الأمرانِ جَائزيْنِ, كُلٌّ منهما جائِزٌ على تَقْدِيرٍ.

([6]) سورة يس، الآية:29.

([7]) سورة الأحْقافِ، الآية:25.

([8]) سورة القيامةِ، الآية: 9.

([9]) سورة الشُّعَراءِ، الآية:105.

([10]) سورة الحُجُراتِ، الآية:14.

([11]) سورة الأنعامِ، الآية: 66.

([12]) سورة يُوسُفَ، الآية:30.

([13]) سورة يُونُسَ، الآية: 90.

([14]) سورة المُمْتَحَنَةِ، الآية: 12.

([15])215-هذا صَدْرُ بَيْتٍ من الكاملِ، وعَجُزُه قولُه:
*والظَّاعِنُونَ إِلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا*

والبيتُ مِن قصيدةٍ لعَبْدَةَ بنِ الطبيبِ رَوَاهَا المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ.
اللغةُ: (بَنَاتِي) جَمْعُ بنتٍ، وأصْلُ البِنْتِ: بِنْيٌ، فحُذِفَتِ الياءُ وعُوِّضَ منها التاءُ, (شَجْوَهُنَّ) الشَّجْوُ: الحُزْنُ، وتقولُ: شَجِيَ فُلانٌ يَشْجَى شَجًى – مثل فَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحاً – وشَجَاهُ الأمرُ يَشْجُوهُ شَجْواً، والذي في البيتِ من الثاني, (وزَوْجَتِي) الفصيحُ الأكثرُ في الاستعمالِ أنْ يُقالَ: (زَوْجٌ) للرجُلِ وللأُنْثَى، ويُجمَعُ على أَزْواجٍ.
وفي الكتابِ الكريمِ: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}. ( والظَّاعِنُونَ إِلَيَّ) هكذا وقَعَ في روايةِ النحاةِ، والذي وقَعَ في روايةِ المُفَضَّلِيَّاتِ ( والأَقْرَبُونَ إِلَيَّ), وقولُه: ( ثُمَّ تَصَدَّعُوا) معناهُ أنَّهم تَفَرَّقُوا وانْشَعَبَ شَمْلُهم.
الإعرابُ: (بَكَى) فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ على فَتْحٍ مُقَدَّرٍ على الألفِ, منَعَ من ظُهورِه التعَذُّرُ, (بَنَاتِي) بَنَات: فَاعِلٌ مرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المُتكَلِّمِ، وبَنَات مُضافٌ, وياءُ المُتَكَلِّمِ مُضافٌ إليهِ, (شَجْوَهُنَّ) شَجْوَ: مَفْعولٌ لأجْلِه مَنْصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، و(شَجْوَ) مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليهِ, (وزَوْجَتِي) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، زَوْجَة: مَعْطوفٌ على بَناتِي، وزَوْجَة مُضافٌ وياءُ المُتَكلِّمِ مُضافٌ إليهِ, (والظَّاعِنُونَ) الواوُ حَرْفُ عَطْفٍ، الظَّاعِنُونَ: مَعْطوفٌ على بَنَاتِي أيضاً، مَرْفوعٌ بالواوِ نيابةً عن الضمَّةِ (إِلَيَّ) جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعَلِّقٌ بالظَّاعِنِينَ, (ثُمَّ) حَرْفُ عَطْفٍ, (تَصَدَّعُوا) فِعْلٌ مَاضٍ، وواوُ الجَماعةِ فَاعِلُه، وجملةُ الفِعْلِ وفاعلِه مَعْطوفةٌ على جُمْلَةِ (بَكَى بَنَاتِي) من الفِعْلِ وفَاعِلِه.
الشاهدُ فيهِ: في هذا البيتِ شاهدانِ:
أحَدُهما: - وهو غَيْرُ مَقْصودٍ للمُؤَلِّفِ هنا – في قولِه: (شَجْوَهُنَّ) حَيْثُ جاءَ المفعولُ لأجْلِه مَعْرِفَةً؛ لأنه مصدرٌ مضافٌ إلى الضميرِ، وهذا يَرِدُ على الجَرْمِيِّ الذي ذهَبَ إلى أنَّ المَفْعولَ لأجْلِه لا يَكُونُ إِلاَّ نَكِرَةً.
والثاني: - وهو مُرادُ المُؤلِّفِ – في قولِه: (بَكَى بَنَاتِي) حيثُ لَمْ يَصِلْ بالفعلِ الذي هو قولُه: (بَكَى) تاءَ التأنيثِ, معَ أنَّ المُسْنَدَ إليهِ – وهو الفاعلُ الذي هو قَوْلُه: (بَنَاتِي) – مُؤَنَّثٌ؛ لأنه جَمْعُ مُؤنَّثٍ سَالِمٌ, واحِدُه بِنْتٌ.
وقَدِ اخْتَلَفَ العُلماءُ في هذه المسألةِ, فذهَبَ الكُوفِيُّونَ وأبو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ إلى أنَّ هذا سائِغٌ جَائِزٌ في الشِّعْرِ والكلامِ جميعاً، واسْتدَلُّوا على صِحَّةِ ما ذَهَبوا إليهِ بثلاثةِ أَدِلَّةٍ: أَوَّلُها: وُرُودُه في فَصيحِ الكلامِ؛ كما في قولِه تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}.
وثَانِيها: أنَّ كُلَّ جَمْعٍ يَجوزُ إطلاقُ لَفْظِ (الجَماعةِ) عليهِ فيَكُونُ مُؤَنَّثاً، كما يَجوزُ إطلاقُ لَفْظِ الجمعِ عليهِ فيَكُونُ مُذَكَّراً، فيَجوزُ في كلِّ جَمْعٍ اعتبارُ هذيْنِ المَلْحَظَيْنِ فيهِ، سواءٌ أكانَ جَمْعَ مُذَكَّرٍ، أم كَانَ جَمْعَ مُؤنَّثٍ.
وثالثُها: القياسُ على جمعِ التكسيرِ واسْمِ الجمعِ واسْمِ الجِنْسِ؛ فإنَّ جَمِيعَ النُّحاةِ مُتَّفِقونَ في هذهِ الأنواعِ الثلاثةِ على أنَّه يَجوزُ في الفعلِ المُسنَدِ إلى واحدٍ منها لَحاقُ التاءِ بهِ على تأويلِه بالجَماعةِ، وعَدَمُ لَحاق التاءِ بهِ على تأويلِه بالجَمْعِ، وخالَفَهم في ذلكَ جُمهورُ البَصْريِّينَ.
فذَهَبُوا إلى أنَّه لا يجوزُ في جمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ إلاَّ تَأْنِيثُ فِعْلِه، ولا يَجوزُ في جَمْعِ المُذَكَّرِ السالِمِ إلاَّ التذكيرُ.
ورَدُّوا أَدِلَّتَهم التي اسْتَدَلُّوا بها: أمَّا ادِّعاءُ أنه جَاءَ في فصيحِ الكلامِ فلا نُسَلِّمُ أنَّ السرَّ هو ما ذَهَبْتُم إليه، بَلْ حَذْفُ التاءِ في قولِه تعالى: {إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ} بسَبَبِ الفصلِ بينَ الفعلِ وفَاعِلِه بالمفعولِ، وقَدْ عَلِمْنا أنَّ الفَصْلَ يُبيحُ تَرْكَ التاءِ، أو بسَبَبِ كونِ {المُؤْمِنَاتُ} صِفَةً لموصوفٍ مَحْذوفٍ، والتقديرُ: إِذَا جَاءَكَ النِّساءُ المُؤْمِنَاتُ، فالفاعلُ في الحقيقةِ اسْمُ جَمْعٍ، واسْمُ الجَمْعِ يَجوزُ في فِعْلِه الوَجْهانِ بالإجماعِ.
وأمَّا القِياسُ على جَمْعِ التَّكْسِيرِ واسْمِ الجِنْسِ واسْمِ الجَمْعِ فغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لأنَّ بينَ الذي وقَعَ الخَلافُ فيهِ وبينَ هذهِ الأشياءِ فَرْقاً، ألاَ تَرَى أنَّ جَمْعَ المؤنَّثِ السالِمَ وجَمْعَ المُذَكَّرِ السالِمَ قَدْ سَلِمَ فيهما لفظُ المُفْرَدِ، وأمَّا اسْمُ الجَمْعِ فلا مُفْرَدَ له من لَفْظِه، وأمَّا جَمْعُ التَّكْسيرِ فلم يَسْلَمْ فيه لَفْظُ مُفْردِه، وسَلامةُ لفظِ المفردِ هي التي أَوْجَبَتْ ما ذَهَبْنا إليهِ، فَلَمَّا اختَلَفَ الأمرُ لم يَجُزْ قِياسُ أحدِهما على الآخرِ.
وأمَّا ما ذَكَروا من أنَّ كُلَّ جَمْعٍ يَجوزُ إطلاقُ لَفْظِ ( الجَمْعِ) عليهِ كما يَجوزُ إطلاقُ لَفْظِ ( الجماعةِ)، فهذا إِنَّما سَاغَ من حَيْثُ المَعْنَى، والتذكيرُ والتأنيثُ مَرْجِعُهما إلى اللفظِ، فيَجِبُ أنْ يُنْظَرَ فيهما إلى اللَّفْظِ المُسْتَعْمَلِ في الدَّلالةِ على المُرادِ.
بَقِيَ أنْ يُرَدَّ على استدلالِهم بالبيتِ المُسْتَشْهَدِ به ههنا، والردُّ عليه أنْ يُقالَ: إِنَّ ( بَنَاتِ) – وإِنْ كَانَ جَمْعَ مُؤَنَّثٍ سَالِماً – قدْ أشْبَهَ جَمْعَ التَّكسيرِ في عدَمِ سلامةِ لَفْظِ مفردِه، فلَمَّا أَشْبَهَ جَمْعَ التكسيرِ في هذا أَخَذَ حُكْمَه، كما أنَّ ( بَنِي) لَمَّا لَمْ يَسْلَمْ فيهِ لَفْظُ مُفْرَدِه، أَشْبَهَ جَمْعَ التكسيرِ، فلَمَّا أشْبَهَ جَمْعَ التكسيرِ في هذا أخَذَ حُكْمَه؛ فلهذا سَاغَ دُخولُ تَاءِ التأنيثِ في فِعْلِه في قولِه تعالى: {آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}.



  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


[حكمُ الفعلِ معَ الفاعلِ المؤنثِ مِنْ حيثُ التذكيرُ والتأنيثِ]:
230 – وَتَاءُ تَأْنِيثٍٍ تَلِي المَاضِي إِذَا = كَانَ لِأُنْثَى كـ "أَبَتْ هِنْدُ الأَذَى"
(وَتَاءُ تَأْنِيثٍٍ تَلِي المَاضِي إِذَا كَانَ لِأُنْثَى لِتَدُلَّ) على تأنيثِ الفاعلِ وكانَ حقُّها أَلاَ تلحَقُهُ ؛ لأنَّ معناها في الفاعلِ إلاَّ أنَّ الفاعلَ لمَّا كانَ كجُزءٍٍ مِنَ الفعلِ جازَ أنْ يدُلَّ ما اتَّصلَ بالفعلِ على معنَى في الفاعلِ كما جازَ أن يتَّصِلَ بالفاعلِ علامةُ رفْعِ الفعلِ في الأفعالِ الخمسةِ ، وسواءٌ في ذلك التأنيثِ الحقيقيِّ (كَأَبَتْ هِنْدُ الأَذَى) والمجازيُّ: "كطَلَعَتِ الشمسُ".
231 - وإنَّمَا تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرٍٍ = مُتَّصِلٍٍ أَوْ مُفْهِمٍٍ ذَاتَ حِرِ
(وَإِنَّمَا تَلْزَمُ) هذه التاءُ مِنَ الأفعالِ (فِعْلُ) فاعلٍٍ (مُضْمَرٍٍ* مُتَّصِلٍٍ) سواءٌ عادَ على مؤنَّثٍٍ حقيقيٍّ كهندُ قامَتِ والهندانِ قامَتَا أم مجازيٌّ: كالشمسِ طَلَعَتْ والعينانِ نَظَرَتَا (أو) فعلُ فاعلٍٍ ظاهرٍٍ متَّصِلٍٍ (مُفْهِمٌ ذَاتَ حِرِ) أي: فَرْجٌ وهو المؤنثُ الحقيقيُّ ، كقامَتْ هندُ وقامَتِ الهندانِ وقامَتِ الهنداتُ فيمتَنِعُ هند ُقامَ ، والهندانِ قامَا والشمسُ طلَعَ ، والعينانِ نَظَرَا ، وقامَ هندُ ، وقامَ الهندانِ ، وقامَ الهنداتُ.
وقد أفهَم أنَّ التاءَ لا تلَزْمُ في غيرِ هذينِ الموضعينِ فلا تلزَمُ في المضمَرِ المنفصلِ نحو: "هندُ ما قامَ إلا هِيَ" و"مَا قامَ إلا أَنْتَ" ولا في الظاهرِ المجازيِّ التأنيثِ: نحو: "طلَعَ الشمسُ" ولا في الجَمْعِ غيرَ ما ذَكَرَ على ما سيأتِي بيانُه.
تنبيهان: الأوَّلُ: يضعُفُ إثباتُ التاءِ معَ المضمَرِ المنفصلِ.
الثانِي: تُسَاوِي هذه التاءُ في اللزومِ وعدمِهِ تاءَ مضارعِ الغائبةِ والغائبتينِ.
232 - وَقَدْ يُبِيحُ الفَصْلَ تَرْكُ التاءِ فِي = نَحْوِ "أَتَى القَاضِيَ بِنْتُ الوَاقِفُ"
(وَقَدْ يُبِيحُ الفَصْلَ) بَيْنَ الفعلِ وفاعلِهِ الظاهرِ الحقيقيِّ التأنيثِ (تَرْكُ التاءِ) كما (في* نَحْوِ أتى القَاضِيَ بِنْتُ الوَاقِفِ) وقولُه [مِنَ الوَافِرِ]:
364 - لَقَدْ وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أَمُّ سُوءٍٍ = [عَلَى بَابِ اسْتِهَا صُلُبٌ وَشَامُ]
وقوله [مِنَ البَسِيطِ]:
365 - إِنِ امْرَأً غَرَّهُ مِنْكُنَّ وَاحِدَةٌ = بَعْدِي وَبَعْدَكَ فِي الدُّنْيَا لَمَغْرُورُ
والأجودُ الإثباتُ
233 - والحَذْفُ معَ فصلٍٍ بِإِلاَّ فُضِّلَا = كـ "مَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ العَلاَ"
(والحَذْفُ معَ فَصْلٍٍ بِإِلاَّ فُضِّلاَ) على الإثباتِ (كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ العُلاَ) إِذْ معناه مَا زَكَى إلا فتاةُ ابْنُ العُلاَ ويجوزُ ما زَكَتْ نظرًا إلى اللفظِ وخصَّهُ الجمهورُ بالشِّعْرِ كقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
366 - مَا بَرِئَتْ مِنْ رِيبَةٍٍ وَذَمِّ = فِي حَرْبِنَا إِلاَّ بَنَاتُ العَمِّ
وقوله [مِنَ الطَّوِيلِ]:
367 – [طَوَى النَّحْزُ وَالأَجْرَازُ مَا فِي غُرُوضِها] = فَمَا بَقِيَتْ إِلاَّ الضلُوعُ الجَرَاشِعُ
قالَ الناظمُ: والصحيحُ جوازُه في النثرِ أيضًا ، وقد قُرِئَ (فَأَصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)، (إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ)
234 - والحَذْفُ قَدْ يَأْتِي بِلاَ فَصْلٍٍ وَمَعَ = ضَمِيرِ ذِي المَجَازِ فِي شِعْرٍٍ وَقَعْ
(والحَذْفُ قَدْ يَأْتِي) معَ الظاهرِ الحقيقيِّ التأنيثِ (بِلَا فَصْلٍٍ) شذوذًا حكَى سِيبَوَيْهِ "قالَ فلانةُ".
(ومعَ* ضَمِيرِ ذِي) التأنيثِ (المَجَازُ) الحذفُ (في شِعْرٍٍ وقَعَ) أيضًا كقولِهِ [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
368 - فَإِمَّا تَرِينِي وَلِي لِمَّةٌ = فَإِنَّ الحَوَادِثَ أَوْدَى بِهَا
وقولِه [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
369 - فَلاَ مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا = وَلاَ أَرْضٌ إِبْقَلَ إِبْقَالَهَا
235 - والتاءُ معَ جَمْعٍٍ – سِوَى السالِمِ مِنْ = مُذَكَّرٍٍ - كَالتَّاءِ معَ إِحْدَى اللَّبِنْ.
236 - والحَذْفُ فِي: نِعْمَ الفَتَاةُ اسْتَحْسَنُوا = لأَنَّ قَصْدَ الجِنْسِ فِيهِ بَيِّنُ
(والتاءُ معَ جَمْعٍٍ سوى السالمِ مِنْ مُذَكَّرٍٍ)، والسالِمُ مِنْ مُؤَنَّثٍٍ كمَا مَرَّ (كالتاءِ معَ) المؤنثِ المجازيِّ: وهو: ما ليسَ لهُ فَرْجٌ حقيقِيٌّ مثلُ (إِحْدَى اللَّبِنِ) أعني لَبِنَةً فكَمَا تقولُ: "سَقِطَتِ اللَّبِنَةُ" و"سَقَطَ اللَّبِنَةُ" تقولُ: "قامَتِ الرجَالُ" و"قامَ الرِّجَالُ" و"قَامَتِ الهُنُودُ" و"قامَ الهنودُ" و"قامَتِ الطَّلْحَاتُ" و"قامَ الطَّلْحَاتُ" فَإِثْبَاتُ التاءُ لِتَأَوُّلِهِ بِالجماعةِ ، وحذفُها لتَأَوُّلِهِ بالجمعِ ، وكذا تفعَلُ باسمِ الجمعِ كـ "نسوة" ومنهُ {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المَدِينَةِ}
تنبيهٌ : حقُّ كلِّ جَمْعٍٍ أَنْ يجوزَ فيهِ الوجهانِ إلاَّ أنَّ سلامةَ نظمِ الواحدِ في جَمْعَيِ التصحيحِ أوجَبَتِ التذكيرَ في نحو: "قَامَ الزيدونَ" والتأنيثُ في نحو: "قامَتِ الهنداتُ".
وخالَفَ الكُوفِيُّونَ فجَوَّزُوا فيهما الوجهانِ ، ووافَقَهُمْ في الثانِي أبو عَلِيٍٍّ الفارسيُّ واحتجُّوا بقولِه: {آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}. {إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ} وقولهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
370 - فَبَكَى بَنَاتِي شَجُوَهُنَّ وَزَوْجَتِي = وَالظَّاعِنُونَ إِلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا
وأُجِيبَ بِأَنَّ البنينَ والبناتِ لم يَسْلَمْ فيهما نظمُ الواحدِ وبأنَّ التذكيرَ في "جاءكَ" للفصلِ أو لأن َّالأصلَ: النساءُ المؤمناتُ أو لأنَّ "أل" مقدَّرَةٌ باللاَّتِي وهو اسمُ جَمْعٍٍ.
(والحَذْفُ في: نِعْمَ "الفتاةُ") وبِئْسَ الفتاةُ (اسْتَحْسَنُوا) أي: رَأَوْهُ حَسَنًا (لِأَنَّ قَصْدَ الجِنْسِ فيهِ بَيِّنُ) فالمُسْنَدُ إليهِ الجِنْسُ و"أل" في الفتاةِ جنسيَّةٌ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَ أنَّهَا عَهْدِيَّةٌ ومع كونِ الحذفِ حسنًا ، الإثباتُ أحسنُ مِنْهُ.

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 09:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


تأنيثُ الفعْلِ إذا أُسْنِدَ لفاعلٍ مُؤَنَّثٍ
229- وتاءُ تأنيثٍ تَلِي الماضي إِذَا = كان لأُنْثَى كأَبَتْ هِندُ الأَذَى
هذا الحكْمُ السادسُ مِن أحكامِ الفاعلِ، وهو أنه إنْ كانَ مُؤَنَّثاً أُنِّثَ فِعْلُه بتاءٍ ساكنةٍ في آخِرِ الماضي، وبتاءِ المضارَعَةِ في أوَّلِ المضارِعِ، نحوُ: صامَتْ هِنْدُ يومَ الخميسِ، وتَصومُ هِنْدُ، وثَغَتِ النَّعْجَةُ، وأَزْهَرَتِ الحديقةُ.
وهذا معنى قولِه: (وتاءُ تأنيثٍ.. إلخ) أيْ: إذا كان الفعْلُ الماضِي (لأُنْثَى) أيْ: أُسْنِدَ إلى فاعِلٍ مُؤَنَّثٍ لَحِقَتْهُ تاءُ تأنيثٍ ساكنةٍ تَدُلُّ على أنَّ الفاعَِل مُؤَنَّثٌ، ثم ذَكَرَ الْمِثالَ، وقولُه: (الماضي) هو مفعولُ (تَلِي) وَحَقُّهُ فَتْحُ الياءِ لأنه مَنقوصٌ، لكنه يُقرأُ بالتسكينِ للوَزْنِ.
وجُوبُ تأنيثِ الفعْلِ للفاعِلِ
230- وإنما تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ = مُتَّصِلٍ أو مُفْهِمٍ ذاتَ حِرِ
تاءُ التأنيثِ مع الفعْلِ لها حالتانِ:
الأُولَى: حالةُ وُجوبٍ، والثانيةُ: حالةُ جَوازٍ.
فيَجِبُ اتِّصالُ تاءِ التأنيثِ بالفعْلِ في مَوْضِعَيْنِ.
الأوَّلُ: أنْ يكونَ الفاعلُ ضَميراً مُسْتَتِراً يعودُ على مُؤَنَّثٍ حقيقيِّ التأنيثِ أو مَجَازِيِّ التأنيثِ، نحوُ: نَجلاءُ وَصَلَتْ رَحِمَها، ففاعِلُ (وَصَلَتْ) ضميرٌ مستترٌ، الحديقةُ أَزْهَرَتْ، قالَ تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ} وقالَ تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} فالفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جوازاً تقديرُه هي، ولا يَجُوزُ التذكيرُ بحذْفِ التاءِ إلاَّ في الشعْرِ مع المؤنَّثِ الْمَجازِيِّ كقولِ الشاعرِ:
فلا مُزْنةٌ ودَقَتْ وَدْقَها = ولا أَرض أَبْقَلَ إِبْقالَها

وسيأتي ذِكْرُ هذا.
فإنْ كان الفاعِلُ ضَميراً مُنْفَصِلاً فإنه لا يَجِبُ التأنيثُ، نحوُ: عَبيرُ ما قامَ إلا هي، والأفصَحُ عَدَمُ التأنيثِ.
الثاني: أنْ يكونَ الفاعلُ اسماً ظاهراً حقيقيَّ التأنيثِ مُتَّصِلاً بفِعْلِه غيرَ مُرادٍ به الجنْسُ وغيرَ جَمْعٍ، نحوُ: سَعِدْتِ امرأةٌ تَحَجَّبَتْ وشَقِيَتِ امرأةٌ تَبَرَّجَتْ،ـ قالَ تعالى: {وَقَالَتِ امْرْأَتُ فِرْعَوْنَ} وقالَ تعالى: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} وقالَ تعالى: {قَالَتْ نَمْلَةٌ} فإنْ كان الاسمُ الظاهِرُ مَجَازِيَّ التأنيثِ لم يَجِبْ تأنيثُ الفعْلِ، نحوُ: انتَهَت الحربُ، وانتهى الحرْبُ، قالَ تعالى {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} وقالَ تعالى: {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} وقالَ تعالى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}.
وإنْ فُصِلَ بينَ الحقيقيِّ وفِعْلِه بفاصِلٍ، فسيأتي حُكْمُه، كما يأتي حكْمُ اسمِ الجنْسِ والجمْعِ وما جَرَى مَجراهُ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
وهذا معنى قولِه: (وإنما تَلْزَمُ فِعْلَ مُضْمَرِ) أيْ: تَلْزَمُ تاءُ التأنيث فِعْلَ فاعلٍ مُضْمَرٍ مُتَّصِلٍ ـ أيْ: مُسْتَتِرٍ ـ كما تَلْزَمُ فعْلَ فاعلٍ يُفْهَمُ ويَدُلُّ على مُؤَنَّثٍ حَقيقيٍّ، وقولُه: (ذاتَ حِرِ): الْحِرُ: في الأصلِ فَرْجُ المرأةِ، والمرادُ هنا مُطْلَقُ فَرْجٍ، وأصلُه: حِرْحٌ بكسْرِ الحاءِ فحُذِفَتْ لامُ الكلمةِ وهي الحاءُ اعتباطاً فبَقِيَ كَيَدٍ ودَمٍ، وأصْلُهما يَدِي ودَمِي.
حذْفُ التاءِ للفاصِلِ بينَ الفعْلِ وفاعِلِه
231- وقد يُبيحُ الفصلُ تَرْكَ التاءِ في = نَحْوِ أَتَى القاضِي بنتُ الواقِفِ
232- والحذْفُ مع فَصْلٍ بإِلَّا فُضِّلَا = كما زَكَى إلا فتاةُ ابنِ الْعَلَا
ما في هذين البيتينِ تَقْيِيدٌ لقولِه: (مُفْهِمٍ ذاتَ حِرِ) فإنَّ المؤنَّثَ الحقيقيَّ إنما يَجِبُ تأنيثُ فِعْلِه إذا اتَّصَلَ به ـ كما تَقَدَّمَ ـ فإنْ فُصِلَ عنه بفاصِلٍ فلا يَخْلُو:
1- إمَّا أنْ يكونَ الفاصِلُ غيرَ (إلا) فيَجوزُ إثباتُ التاءِ وتَرْكُها، والأجوَدُ الإثباتُ، نحوُ: أتى القاضِي بِنْتُ الواقِفِ، والأجودُ: أتَتْ.
وهذا معنى قولِه: (وقد يُبيحُ الفصلُ.. إلخ) أيْ: إنَّ الفصْلَ بينَ الفعْلِ وفاعِلِه الْمُؤَنَّثِ الحقيقيِّ يُبيحُ تَرْكَ تاءِ التأنيثِ، ثم ذَكَرَ الْمِثالَ، والتعبيرُ بـ (قد) والإباحةِ يُفيدُ أنَّ الأحسَنَ الإثباتُ.
2- أنْ يكونَ الفاصِلُ (إلا) فعندَ الجمهورِ يَجِبُ حذْفُ التاءِ؛ لأنَّ الفاعِلَ اسمٌ مُذَكَّرٌ محذوفٌ فتَقولُ: ما صامَ إلاَّ فاطمةُ، أيْ: ما صامَ أحَدٌ إلا فاطمةُ، والإثباتُ خاصٌ بالشِّعْرِ، كقولِ الشاعرِ:
ما بَرِئَتْ مِن رِيبَةٍ وذَمٍّ = في حَرْبِنا إلاَّ بَناتُ العَمِّ
وظاهِرُ كلامِ ابنِ مالِكٍ أنه يَجُوزُ إثباتُ التاءِ في النثْرِ نَظَراً للظاهِرِ الملفوظِ به؛ وهو الاسمُ المؤنَّثُ، والحذْفُ أحسَنُ لِمَا تَقَدَّمَ.
وهذا معنى قولِه: (والحذْفُ مع فَصْلٍ.. إلخ) أيْ: أنَّ تَرْكَ التاءِ مع الفصْلِ بـ (إلا) مُفَضَّلٌ على الإثباتِ، نحوُ: ما زكا ـ ما صَلَحَ ـ إلا فتاةُ الرجُلِ المعروفِ بابنِ العَلاَ، ويُفْهَمُ مِن ذلك أنَّ الإثباتَ مَرجوحٌ.
233- والحذْفُ قد يَأْتِي بلا فَصْلٍ ومعْ = ضميرٍ ذي الْمَجازِ في شِعْرٍ وَقَعْ
قد تُحْذَفُ تاءُ التأنيثِ مِن الفعْلِ المسنَدِ إلى مُؤَنَّثٍ حقيقيٍّ مِن غيرِ فصْلٍ، فقد حكى سِيبويهِ عن بعضِهم، قالَ فُلانةُ بحذْفِ التاءِ مِن (قالَ)، وهذا شاذٌّ لا يُقاسُ عليه.
وقد تُحْذَفُ التاءُ مِن الفِعْلِ المسنَدِ إلى ضميرِ المؤنَّثِ الْمَجازِيِّ، وهو خاصٌّ بالشِّعْرِ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذلك.
وهذا معنى قولِه: (ومع ضميرِ ذي الْمَجَازِ) أيْ: وقَعَ الحذْفُ في الشِّعْرِ مع الفاعِلِ إذا كان ضميراً يَعودُ على مؤنَّثٍ مَجَازِيٍّ.
حكْمُ تأنيثِ الفعْلِ إذا كان الفاعلُ جَمْعاً
234- والتاءُ مَعْ جَمْعٍ سوى السالِمِ مِنْ = مُذَكَّرٍ كالتاءِ مع إِحْدَى اللَّبِنْ
يُفهَمُ مما تَقَدَّمَ أنَّ الفعْلَ يُؤَنَّثُ جَوازاً في مَوْضِعَيْنِ.
الأوَّلُ: أنْ يكونَ الفاعلُ مُؤَنَّثاً مَجَازِيًّا.
الثاني: أنْ يكونَ الفاعِلُ مؤنثاً حَقيقيًّا فُصِلَ عن فِعْلِه بفاصِلٍ.
وذَكَرَ في هذا البيتِ الموضِعَ الثالثَ وهو أنْ يكونَ الفاعلُ جَمْعَ سلامةٍ لِمُؤَنَّثٍ، أو جَمْعَ تكسيرٍ لمذكَّرٍ أو مُؤَنَّثٍ،ـ فمِثالُ جَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ: حَضَرَتِ الْمُعَلِّمَاتُ، وحَضَرَ الْمُعَلِّمَاتُ.
ومِثالُ جَمْعِ التكسيرِ لِمُذَكَّرٍ: بَدَأَ العُمَّالُ، وبَدأتِ العُمَّالُ، قالَ تعالى: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} وقالَ تعالى: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي}، ومِثالُ جَمْعِ التكسيرِ لِمُؤَنَّثٍ، عَرَفَتِ الفواطِمُ قِيمةَ الْحِجابِ أو عَرَفَ.
ويُلْحَقُ بالجمْعِ اسمُ الجمْعِ، نحوُ: قَدِمَ الركْبُ، وقَدِمَتِ الرَّكْبُ، قالَ تعالى: {فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ} وقالَ تعالى: {بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ} وقالَ تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} فحَذَفَ التاءَ على تأويلِه بالجمْعِ، فيكونُ مُذَكَّرَ المعنى، فكأنَّ العامِلَ مُسْنَدٌ إلى هذا المذكَّرِ، وإثباتُ التاءِ على تأويلِه بالجماعةِ فيكونُ مؤنَّثَ المعنى، فكأنَّ العامِلَ مُسْنَدٌ إليه.
وهذا معنى قولِه: (والتاءُ مَعْ جَمْعٍ.. إلخ) أيْ: وتاءُ التأنيثِ مع الفعْلِ إذا كان فاعِلُه جَمْعاً سِوَى جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السالِمِ كحُكْمِ التاءِ مع الفعْلِ إذا كان فاعِلُه مَجَازِيَّ التأنيثِ، مِثْلُ كَلمةِ (اللَّبِنَةِ) التي هي مُفْرَدُ (اللَّبِنِ) وهو (الطُّوبُ الذي لم يُطْبَخْ بالنارِ) فتقولُ: سَقَطَتِ اللَّبِنَةُ وسَقَطَ اللَّبِنَةُ، وجوازُ الوجهينِ مع جَمْعِ التكسيرِ بنَوْعَيْهِ واسمِ الجمْعِ لا خِلافَ فيه, وإنما خالَفَ البَصريُّونَ في جَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ فأَوْجَبُوا التأنيثَ في فِعْلِه، ورأيُهم حَسَنٌ، لأنَّ حُكْمَه حُكْمُ مُفْرَدِه.
أمَّا ابنُ مالِكٍ فيَرَى جَوازَ الوَجهينِ في كلِّ جَمْعٍ؛ لأنه لم يَسْتَثْنِ إلاَّ السالِمَ مِن جَمْعِ المذكَّرِ، فبَقِيَ ما عداه جائزَ الوجهينِ كالمؤنَّثِ الْمَجَازِيِّ.
حكْمُ تأنيثِ الفعْلِ إذا كان الفاعِلُ مُراداً به الجنْسُ
235- والحَذْفُ في نِعْمَ الفتاةُ اسْتَحْسَنُوا = لأنَّ قَصْدَ الْجِنْسِ فيه بَيِّنُ
هذا الموضِعُ الرابعُ مِن مَواضِعِ جوازِ تأنيثِ الفعْلِ، وهو أنْ يكونَ مِن أفعالِ الْمَدْحِ أو الذمِّ كـ (نِعمَ وبِئْسَ) مُسْنَدَيْنِ إلى مُؤَنَّثٍ حقيقيِّ التأنيثِ، نحوُ: نِعْمَتِ الأمُّ تُرَبِّي أولادَها وتَلْزَمُ بَيْتَها، ويَجوزُ: نِعْمَ الأمُّ؛ لأنَّ كَلِمَةَ (الأمِّ) مَقصودٌ بها الجنْسُ، لا يُرادُ بها واحدةٌ بعَيْنِها، على سَبيلِ المبالَغَةِ في المدْحِ فأَشْبَهَ جمْعَ التكسيرِ في أنَّ المقصودَ به مُتَعَدِّدٌ.
وهذا معنى قولِه: (والحَذْفُ في نِعْمَ الفتاةُ.. إلخ) أي: استَحْسَنَ النحاةُ حذْفَ التاءِ مِن الفعْلِ (نِعْمَ) في قولِك: (نعمَ الفتاةُ)؛ وذلك لأنَّ فاعلَها مقصودٌ به استغراقُ الجنْسِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أحكام, تأنيث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir