دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:07 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي (أي) الموصولة، وحذف صدر صلة الموصول


أيٌّكَمَا وأُعْرِبَتْ ما لمْ تُضَفْ = وصدْرُ وَصْلِها ضميرٌ انْحَذَفَ
وبعضُهم أَعْرَبَ مُطْلَقًا وفي = ذا الحذْفِ أيًّا غيرُ أيٍّ يَقْتَفِي
إنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ وإنْ لمْ يُسْتَطَلْ = فالحذْفُ نَزْرٌ وأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ
إنْ صَلَحَ الباقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ = والحذْفُ عندَهم كثيرٌ مُنْجَلِي
في عائدٍ مُتَّصِلٍ إن انْتَصَبْ = بفعْلٍ اوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ
كذاكَ حَذْفُ ما بوَصْفٍ خُفِضَا = كأنتَ قاضٍ بعدَ أمْرٍ مِنْ قَضَى
كذا الذي جُرَّ بما الموصولِ جَرّ = كمُرَّ بالذيمَرَرْتُ فَهُوَ بَرّ


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 12:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

أيٌّ كَمَا وأُعْرِبَتْ مَا لَمْ تُضَفْ = وصَدْرُ وَصْلِهَا ضَمِيرٌ انْحَذَفْ([1])
يعني: أنَّ (أيًّا) مِثْلُ (ما) في أنها تكونُ بلفظٍ واحدٍ للمذكَّرِ والمؤنَّثِ، مفرداً كانَ أو مثنًّى أو مجموعاً، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم هو قائمٌ)، ثمَّ إنَّ (أيًّا) لها أربعةُ أحوالٍ:
أَحَدُها: أنْ تُضافَ ويُذْكَرَ صدرُ صِلَتِها، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم هو قائمٌ).
الثاني: أنْ لا تُضافَ ولا يُذْكَرَ صدرُ صِلَتِها، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيٌّ قائمٌ).
الثالثُ: أنْ لا تُضافَ، ويُذْكَرُ صَدْرُ صِلَتِها، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيٌّ هو قائمٌ)، وفي هذه الأحوالِ الثلاثةِ تكونُ معربةً بالحركاتِ الثلاثِ، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم هو قائمٌ، ورأيتُ أَيَّهُم هو قائمٌ، ومَرَرْتُ بأيِّهم هو قائمٌ)، وكذلك (أيٌّ قائمٌ وأيًّا قائمٌ، وأيٍّ قائمٌ) وكذا (أيٌّ هو قائمٌ، وأيًّا هو قائمٌ، وأيٍّ هو قائمٌ).
الرابعُ: أنْ تُضافَ ويُحْذَفَ صدرُ الصلةِ، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم قائمٌ)، ففي هذه الحالةِ تُبْنَى على الضمِّ، فتقولُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم قائمٌ، ورأيتُ أيُّهم قائمٌ، ومَرَرْتُ بأيُّهم قائمٌ)، وعليه قولُه تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، وقولُ الشاعرِ:
33- إذَا مَا لَقِيتَ بَنِي مَالِكٍ = فسَلِّمْ عَلَى أَيُّهُمْ أَفْضَلُ ([2])
وهذا مستفادٌ من قولِهِ: (وأُعْرِبَتْ ما لم تُضَفْ... إلى آخرِ البيتِ)؛ أي: وأُعْرِبَتْ أيٌّ إذا لم تُضَفْ في حالةِ حذفِ صدرِ الصلةِ، فدَخَلَ في هذه الأحوالُ الثلاثةُ السابقةُ، وهي ما إِذَا أُضِيفَتْ وذُكِرَ صدرُ الصلةِ، أو لم تُضَفْ ولم يُذْكَرْ صدرُ الصلةِ، أو لم تُضَفْ وذُكِرَ صدرُ الصلةِ، وخَرَجَ الحالةُ الرابعةُ، وهي ما إذا أُضِيفَتْ وحُذِفَ صدرُ الصلةِ، فإنَّها لا تُعْرَبُ حينَئذٍ.
وبَعْضُهُمْ أَعْرَبَ مُطْلَقاً وَفِي = ذا الحَذْفِ أَيًّا غَيْرُ أَيٍّ يَقْتَفِي ([3])
إِنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ وإِنْ لَمْ يُسْتَطَلْ = فالحذفُ نَزْرٌ وأَبَوْا أَنْ يُخْتَزَلْ ([4])
إنْ صَلَحَ الباقي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ = والحذفُ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي ([5])
في عائدٍ متَّصِلٍ إِنِ انْتَصَبْ = بفِعْلٍ او وَصْفٍ كمَن نَرْجُو يَهَبْ([6])
يعني: أن بعضَ العربِ أَعْرَبَ (أيًّا) مطلقاً؛ أي: وإنْ أُضِيفَتْ وحُذِفَ صدرُ صِلَتِها، فيقولُ: (يُعْجِبُنِي أيُّهم قائمٌ، ورَأَيْتُ أَيَّهُم قائمٌ، ومَرَرْتُ بأيِّهِم قائمٌ)، وقد قُرِئَ: (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيَّهُمْ أَشَدُّ) بالنصبِ، ورُوِيَ:
* فَسَلِّمْ عَلَى أَيِّهِمْ أَفْضَلُ * [33]
بالجرِّ.
وأشارَ بقولِهِ: (وفي ذا الحذفِ... إلى آخرِه) إلى المواضعِ التي يُحْذَفُ فيها العائدُ على الموصولِ، وهو إمَّا أنْ يكونَ مرفوعاً أو غيرَه، فإنْ كانَ مرفوعاً لم يُحْذَفْ إلاَّ إذا كانَ مبتدأً وخبرُه مفردٌ، نحوُ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ}، و{أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، فلا تقولُ: (جَاءَنِي اللذانِ قامَ)، ولا (اللذانِ ضَرَبَ)؛ لرفعِ الأوَّلِ بالفاعليَّةِ، والثاني بالنيابةِ، بل يُقالُ: (قاما وضَرَبَا).
وأما المبتدأُ فيُحْذَفُ معَ (أيٍّ)، وإنْ لم تَطُلِ الصلةُ كما تَقَدَّمَ من قولِكَ: (يُعْجِبُنِي أَيُّهم قائمٌ) ونحوِه، ولا يُحْذَفُ صدرُ الصلةِ معَ غيرِ (أيٍّ) إلا إذا طَالَتِ الصلةُ، نحوُ: (جاءَ الذي هو ضاربٌ زَيْداً)، فيَجُوزُ حذفُ (هو) فتقولُ: (جاءَ الذي ضَارِبٌ زيداً)، ومِنه قولُهم: (ما أنا بالذي قائلٌ لكَ سُوءاً)، التقديرُ: (بالذي هو قائلٌ لكَ سُوءاً)، فإنْ لم تَطُلِ الصلةُ فالحذفُ قليلٌ، وأَجَازَه الكُوفِيُّونَ قياساً، نحوُ: (جاءَ الذي قائمٌ)، التقديرُ: (جاءَ الذي هو قائمٌ)، ومِنه قولُه تعالى: (تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ) في قراءةِ الرفعِ، والتقديرُ: (هو أَحْسَنُ) ([7]).
وقد جَوَّزُوا في (لاسِيَّمَا زَيْدٌ) إذا رُفِعَ زيدٌ أنْ تكونَ (ما) موصولةً وزيدٌ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ (لاسِيَّ الذي هو زيدٌ) فحُذِفَ العائدُ الذي هو المبتدأُ - وهو قولُكَ: هو - وجوباً، فهذا موضعٌ حُذِفَ فيه صدرُ الصلةِ معَ غيرِ (أيٍّ) وجوباً، ولم تَطُلِ الصلةُ، وهو مَقِيسٌ وليسَ بشَاذٍّ ([8]).
وأشارَ بقولِه: (وَأَبَوْا أَنْ يُخْتَزَلْ * إنْ صَلَحَ الباقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ) إلى أنَّ شرطَ حذفِ صدرِ الصلةِ أنْ لا يكونَ ما بعدَه صالحاً لأنْ يكونَ صلةً، كما إذا وَقَعَ بعدَه جملةٌ، نحوُ: (جاءَ الذي هو أبوه منطلِقٌ)، أو (هو يَنْطَلِقُ)، أو ظرفٌ، أو جارٌّ ومجرورٌ تامَّانِ، نحوُ: (جاءَ الذي هو عندَكَ)، أو: (هو في الدارِ)؛ فإنَّه لا يَجُوزُ في هذه المواضعِ حذفُ صدرِ الصلةِ، فلا تقولُ: (جاءَ الذي أبوه منطلِقٌ)، تعني: (الذي هو أبوه منطلِقٌ)؛ لأنَّ الكلامَ يَتِمُّ دونَه، فلا يُدْرَى أَحُذِفَ منه شيءٌ أم لا.
وكذا بَقِيَّةُ الأمثلةِ المذكورةِ، ولا فرقَ في ذلك بينَ (أيٍّ) وغيرِها، فلا تقولُ في (يُعْجِبُنِي أيُّهم هو يقومُ): (يُعْجِبُنِي أيُّهم يَقُومُ)؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ الحذفُ ولا يُخْتَصُّ هذا الحكمُ بالضميرِ إذا كانَ مبتدأً، بل الضابطُ أنه متَى احْتَمَلَ الكلامُ الحذفَ وعَدَمَه لم يَجُزْ حذفُ العائدِ، وذلك كما إذا كانَ في الصلةِ ضميرٌ غيرُ ذلكَ الضميرِ المحذوفِ صالحٌ لعودِه على الموصولِ، نحوُ: (جاءَ الذي ضَرَبْتُ في دارِه)، فلا يَجُوزُ حذفُ الهاءِ مِن ضَرَبْتُهُ فلا تقولُ: (جاءَ الذي ضَرَبْتُهُ في دارِه)؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ المحذوفُ.
وبهذا يَظْهَرُ لكَ ما في كلامِ المصنِّفِ من الإبهامِ؛ فإنَّه لم يُبَيِّنْ أنه متَى صَلَحَ ما بعدَ الضميرِ لأنْ يكونَ صلةً لا يُحْذَفْ، سواءٌ أكانَ الضميرُ مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، وسواءٌ أكانَ الموصولُ أيًّا أمْ غيرَها، بل رُبَّما يُشْعِرُ ظاهرُ كلامِه بأنَّ الحكمَ مخصوصٌ بالضميرِ المرفوعِ وبغيرِ أيٍّ مِن الموصولاتِ؛ لأنَّ كلامَه في ذلكَ، والأمرُ ليسَ كذلكَ، بل لا يُحْذَفُ معَ (أيٍّ) ولا معَ غيرِها متى صَلَحَ ما بعدَها لأنْ يكونَ صلةً؛ كما تَقَدَّمَ، نحوُ: (جاءَ الذي هو أبوه منطلِقٌ، ويُعْجِبُنِي أَيُّهُم هو أبوه منطلِقٌ)، وكذلك المنصوبُ والمجرورُ، نحوُ: (جاءني الذي ضَرَبْتُهُ في دارِهِ، ومَرَرْتُ بالذي مَرَرْتُ به في دارِه)، و: (يُعْجِبُنِي أيُّهُم ضَرَبْتُهُ في دارِه، ومَرَرْتُ بأيِّهِم مَرَرْتُ به في دارِهِ).
وأشارَ بقولِهِ: (والحذفُ عِنْدَهم كثيرٌ مُنْجَلِي... إلى آخرِه) إلى العائدِ المنصوبِ.
وشرطُ جوازِ حذفِه أنْ يكونَ متَّصلاً منصوباً بفعلٍ تامٍّ أو بوصفٍ، نحوُ: (جاءَ الذي ضَرَبْتُه، والذي أنا مُعْطِيكَه دِرْهَمٌ).
فيَجُوزُ حذفُ الهاءِ مِن (ضَرَبْتُهُ)، فتقولُ: (جاءَ الذي ضَرَبْتُ)، ومِنه قولُه تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}، وقولُه تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً}، التقديرُ: (خَلَقْتُهُ وبَعَثْتُهُ) ([9]).
وكذلك يَجُوزُ حذفُ الهاءِ مِن (مُعْطِيكَهُ) فتقولُ: (الذي أنا مُعْطِيكَ دِرْهَمٌ)، ومِنه قولُه:
34- ما اللهُ مُولِيكَ فَضْلٌ فَاحْمَدَنْهُ بِهِ = فَمَا لَدَى غَيْرِهِ نَفْعٌ وَلاَ ضَرَرُ ([10])

تقديرُه: الذي اللهُ مُولِيكَهُ فَضْلٌ. فحُذِفَتِ الهاءُ.
وكلامُ المصنِّفِ يَقْتَضِي أنه كثيرٌ، وليسَ كذلكَ، بل الكثيرُ حَذْفُه مِن الفعلِ المذكورِ، وأمَّا معَ الوصفِ فالحذفُ مِنه قليلٌ.
فإنْ كانَ الضميرُ مُنْفَصِلاً ([11]) لم يَجُزِ الحذفُ، نحوُ: (جاءَ الذي إيَّاهُ ضَرَبْتُ)، فلا يَجُوزُ حذفُ (إيَّاه)، وكذلكَ يَمْتَنِعُ الحذفُ إنْ كانَ متصلاًَ منصوباً بغيرِ فعلٍ أو وصفٍ، وهو الحرفُ، نحوُ: (جاءَ الذي إنه منطلِقٌ)، فلا يَجُوزُ حذفُ الهاءِ ([12])، وكذلكَ يَمْتَنِعُ الحذفُ إذا كانَ منصوباً متصلاً بفعلٍ ناقصٍ، نحوُ: (جاءَ الذي كانَه زيدٌ).
كذاكَ حَذْفُ ما بوَصْفٍ خُفِضَا = كأنتَ قاضٍ بعدَ أمرٍ مِن قَضَى ([13])
كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرْ = كـ(مُرَّ بالذي مَرَرْتُ فَهْوَ بَرْ) ([14])
لَمَّا فَرَغَ مِن الكلامِ على الضميرِ المرفوعِ والمنصوبِ شَرَعَ في الكلامِ على المجرورِ، وهو إما أنْ يكونَ مجروراً بالإضافةِ أو بالحرفِ.
فإن كانَ مجروراً بالإضافةِ لم يُحْذَفْ إلاَّ إذا كانَ مجروراً بإضافةِ اسمِ فاعلٍ بمعنى الحالِ أو الاستقبالِ، نحوُ: (جاءَ الذي أنا ضارِبُه الآنَ أو غداً) فتقولُ: (جاءَ الذي أنا ضاربٌ) بحذفِ الهاءِ.
وإنْ كانَ مجروراً بغيرِ ذلكَ لم يُحْذَفْ، نحوُ: (جاءَ الذي أنا غلامُه، أو أنا مضروبُه، أو أنا ضاربُه أمسِ)، وأشارَ بقولِه: (كأَنْتَ قَاضٍ) إلى قولِهِ تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}، التقديرُ: (ما أنتَ قَاضِيه)، فحُذِفَتِ الهاءُ، وكأنَّ المصنِّفَ اسْتَغْنَى بالمثالِ عن أنْ يُقَيِّدَ الوصفَ بكونِه اسمَ فاعلٍ بمعنَى الحالِ أو الاستقبالِ.
وإنْ كانَ مجروراً بحرفٍ فلا يُحْذَفُ إلاَّ إنْ دَخَلَ على الموصولِ حرفٌ مثلُه لفظاً ومعنًى واتَّفَقَ العاملُ فيهما مادَّةً، نحوُ: (مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ به، أو أنتَ مارٌّ به)، فيَجُوزُ حذفُ الهاءِ فتقولُ: (مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ) قالَ اللهُ تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}؛ أي: منه، وتقولُ: (مَرَرْتُ بالذي أنتَ مارٌّ)؛ أي: به، ومِنه قولُه:
35- وقدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقْبَةً = فَبُحْ لاَنَ مِنْهَا بالَّذِي أنتَ بائحُ ([15])
أي: أنتَ بائحٌ به.
فإنِ اخْتَلَفَ الحرفانِ لم يَجُزِ الحذفُ، نحوُ: (مَرَرْتُ بالذي غَضِبْتَ عليه) فلا يَجُوزُ حذفُ (عليه)، وكذلك (مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ به على زيدٍ)، فلا يَجُوز حذفُ (به) مِنه؛ لاختلافِ معنَى الحرفيْنِ؛ لأنَّ الباءَ الداخلةَ على الموصولِ للإلصاقِ والداخلةَ على الضميرِ للسببيَّةِ، وإنِ اخْتَلَفَ العاملانِ لم يَجُزِ الحذفُ أيضاً، نحوُ: (مَرَرْتُ بالذي فَرِحْتَ به)، فلا يَجُوزُ حذفُ (به).
وهذا كلُّه هو المشارُ إليه بقولِهِ: (كَذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرَّ)؛ أي: كذلك يُحْذَفُ الضميرُ الذي جُرَّ بمثلِ ما جُرَّ الموصولُ به ([16]) نحوُ: (مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ فَهْوَ بَرْ)؛ أي: الذي مَرَرْتَ به.
فاسْتَغْنَى بالمثالِ عن ذِكْرِ بقيَّةِ الشروطِ التي سَبَقَ ذِكْرُها ([17]).


([1]) (أَيٌّ) مبتدأٌ، (كَمَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ، (وأُعْرِبَتْ) الواوُ عاطفةٌ، أُعْرِبَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على (أَيٌّ)، (مَا) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، (لم) حرفُ نفيٍ وجَزْمٍ، (تُضَفْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ مجزومٌ بلَمْ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي يعودُ على (أيٌّ)، (وصَدْرُ) الواوُ واوُ الحالِ، صدرُ: مبتدأٌ، وصدرُ مضافٌ ووصلِ مِن (وَصْلِهَا) مضافٌ إليه، ووَصْلِ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (ضَمِيرٌ) خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محَلِّ نصبِ حالٍ صَاحِبُهُ الضميرُ المُسْتَتِرُ في تُضَفِ العائدِ على أيٌّ، (انْحَذَفْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ضَمِيرٌ)، والتقديرُ: أيٌّ مثلُ ما في كونِها موصولاً صالحاً لكلِّ واحدٍ مِن المفردِ والمثنَّى والجمعِ مذكَّراً كانَ أو مؤنَّثاً، وأُعْرِبَتْ هذه الكَلِمَةُ مُدَّةَ عَدَمِ إضافتِها في حالِ كونِ صَدْرِ وَصْلِها ضميراً محذوفاً.
([2]) هذا البيتُ يُنْسَبُ لِغَسَّانَ بنِ وَعْلَةَ أحدِ الشعراءِ المُخَضْرَمِينَ مِن بَنِي مُرَّةَ بنِ عَبَّادٍ، وأَنْشَدَهُ أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ في كتابِ الحروفِ، وابنُ الأنباريِّ في كتابِ (الإنصافِ)، وقالَ قبلَ إنشادِه: (حَكَى أبو عَمْرٍو الشَّيبانِيُّ عن غَسَّانَ ـ وهو أحدُ مَن تُؤْخَذُ عنهم اللغةُ مِن العربِ ـ أنه أَنْشَدَ) وذَكَرَ البيتَ.
الإعرابُ: (إذا) ظرفٌ تَضَمَّنَ معنَى الشرطِ، (ما) زائدةٌ، (لَقِيتَ) فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (إذا) إليها، وهي جملةُ الشرطِ، (بني) مفعولٌ به لِلَقِيَ، وبني مضافٌ و(مالكٍ) مضافٌ إليه، (فسَلِّم) الفاءُ داخلةٌ في جوابِ الشرطِ، وسَلِّمْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، (على) حرفُ جرٍّ، (أَيُّهُمْ) يُرْوَى بضمِّ (أيُّ) وبِجَرِّهِ، وهو اسمٌ موصولٌ على الحاليْنِ، فعلى الضمِّ هو مبنيٌّ، وهو الأكثرُ في مِثْلِ هذه الحالةِ، وعلى الجرِّ هو مُعْرَبٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وعلى الحاليْنِ هو مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (أَفْضَلُ) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: هو أَفْضَلُ، والجملةُ مِن المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ الذي هو (أيُّ).
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَيُّهُمْ أَفْضَلُ) حيثُ أَتَى بأيٍّ مبنيًّا على الضمِّ ـ على الروايةِ المشهورةِ الكثيرةِ الدورانِ على أَلْسِنَةِ الرُّوَاةِ ـ لكونِه مضافاً، وقد حُذِفَ صدرُ صِلَتِه وهو المبتدأُ الذي قَدَّرْنَاهُ في إعرابِ البيتِ، وهذا هو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وجماعةٍ من البَصْرِيِّينَ في هذه الكَلِمَةِ: يَذْهَبُونَ إلى أنها تأتي موصولةً، وتكونُ مبنيَّةً إذا اجْتَمَعَ فيها أمرانِ:
أحدُهما: أنْ تكونَ مضافةً لَفظاً.
والثاني: أنْ يكونَ صدرُ صِلَتِها محذوفاً.
فإذا لم تَكُنْ مضافةً أصلاً، أو كانَتْ مضافةً لكنْ ذُكِرَ صدرُ صِلَتِها، فإنَّها تكونُ مُعْرَبَةً، وذَهَبَ الخليلُ بنُ أحمدَ ويُونُسُ بنُ حَبِيبٍ ـ وهما شيخانِ مِن شيوخِ سِيبَوَيْهِ ـ إلى أنَّ أيًّا لا تَجِيءُ موصولةً، بل هي إمَّا شرطيَّةٌ وإما استفهاميَّةٌ، لا تَخْرُجُ عن هذيْنِ الوجهيْنِ.
وذَهَبَ جماعةٌ مِن الكُوفِيِّينَ إلى أنها قد تأتي موصولةً، ولكنَّها مُعْرَبَةٌ في الأحوالِ كُلِّها، أُضِيفَتْ أو لم تُضَفْ، حُذِفَ صَدْرُ صِلَتِها أو ذُكِرَ.
([3]) (وَبَعْضُهُمْ) الواوُ للاستئنافِ، بعضُ: مبتدأٌ، وبعضُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (أَعْرَبَ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى بعضُ، والجملةُ مِن أَعْرَبَ وفاعلِه في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الذي هو بعضُهم، (مُطْلَقاً) حالٌ مِن مفعولٍ به لأَعْرَبَ محذوفٍ، والتقديرُ: وبعضُهم أَعْرَبَ أيًّا مطلقاً، (وَفِي ذَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (يَقْتَفِي) الآتِي، (الحَذْفِ) بَدَلٌ مِن اسمِ الإشارةِ أو عطفُ بيانٍ عليه، أو نَعْتٌ له، (أَيًّا) مفعولٌ به لقولِهِ: (يَقْتَفِي) الآتِي، (غَيْرُ) مبتدأٌ، وغيرُ مضافٌ و(أيٍّ) مضافٌ إليه، (يَقْتَفِي) فعلٌ مضارعٌ وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على المبتدأِ، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، ومعنى الكلامِ: وبعضُ النُّحَاةِ حَكَمَ بإعرابِ أيٍّ الموصولةِ في جميعِ الأحوالِ، وغيرُ أيٍّ يَقْتَفِي ويَتَّبِعُ أيًّا في جوازِ حذفِ صدرِ الصلةِ إذا كانَتِ الصلةُ طويلةً.
([4]) (إِنْ) شرطيَّةٌ، (يُسْتَطَلْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، فعلُ الشرطِ، (وَصْلٌ) نائبُ فاعلٍ لِيُسْتَطَلْ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه ما قبلَه، وتقديرُه: إنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ فغَيْرُ أيٍّ يَقْتَفِي أيًّا، (وإِنْ) الواوُ عاطفةٌ، إنْ: شَرْطِيَّةٌ، (لَمْ) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقَلْبٍ، (يُسْتَطَلْ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ مجزومٌ بلَمْ، وجملتُه فعلُ الشرطِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى (وَصْلٌ)، (فَالْحَذْفُ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرطِ، والحذفُ مبتدأٌ، (نَزْرٌ) خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في مَحَلِّ جَزْمِ جوابِ الشرطِ، (وَأَبَوْا) فعلٌ وفاعلٌ، (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، (يُخْتَزَلْ) فعلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ منصوبٌ بأنْ، وسُكِّنَ للوقفِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى (وَصْلٌ)، والمرادُ أنهم امْتَنَعُوا عن تجويزِ الحذفِ، وأنْ وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مفعولٍ به لأَبَوْا.
([5]) (إِنْ) شرطيَّةٌ، (صَلَحَ) فعلٌ ماضٍ، فِعْلُ الشرطِ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في محلِّ جزمٍ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه ما قَبْلَه، والتقديرُ: إنْ صَلَحَ الباقِي بعدَ الحذفِ للوصلِ فقد أَبَوُا الحذفَ، (الْبَاقِي) فاعلُ صَلَحَ، (لِوَصْلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بصَلَحَ، (مُكْمِلِ) نعتٌ لوَصْلٍ، (وَالْحَذْفُ) مبتدأٌ، (عِنْدَهُمْ) عندَ: ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بالحَذْف، أو بكثير أو بمُنْجَلِي، وعندَ مضافٌ والضميرُ العائدُ إلى العربِ أو النُّحاةِ مضافٌ إليه، (كَثِيرٌ) خبرُ المبتدأِ، (مُنْجَلِي) خبرٌ ثانٍ، أو نعتٌ للخبرِ.
([6]) (في عَائِدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بكثير أو بمُنْجَلٍ في البيتِ السابقِ، (مُتَّصِلٍ) نعتٌ لعائدٍ، (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ، (انْتَصَبْ) فعلٌ ماضٍ فِعْلُ الشرطِ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جزمٍ، وسُكِّنَ للوقفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَرْجِعُ إلى عائدٍ، (بِفِعْلٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بانْتَصَبْ، (أو وَصْفٍ) معطوفٌ على فِعْلٍ، (كَمَنْ) الكافُ جارَّةٌ، ومَجْرُورُها محذوفٌ، ومَنِ: اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (نَرْجُو) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرَةٍ على الواوِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه نحنُ، ومفعولُه محذوفٌ، وهو العائدُ، والتقديرُ: كمَن نرْجُوهُ، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، (يَهَبْ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِن الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ الضمَّةُ الظاهرةُ، وسُكِّنَ للوقفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (مَن)، والجملةُ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ.
([7]) ذَهَبَ الكُوفِيُّونَ إلى أنه يَجُوزُ حذفُ العائدِ المرفوعِ بالابتداءِ مطلقاً؛ أي: سواءٌ أكانَ الموصولُ أيًّا أمْ غَيْرَه، وسواءٌ أَطَالَتِ الصلةُ أم لم تَطُلْ، وذَهَبَ البصريونَ إلى جوازِ حذفِ هذا العائدِ إذا كانَ الموصولُ أيًّا مُطْلَقاً، فإنْ كانَ الموصولُ غيرَ أيٍّ لم يُجِيزُوا الحذفَ إلا بشرطِ طولِ الصلةِ، فالخلافُ بينَ الفريقيْنِ مُنْحَصِرٌ فيما إذا لم تَطُلِ الصلةُ وكانَ الموصولُ غيرَ أيٍّ، فأمَّا الكُوفِيُّونَ فاسْتَدَلُّوا بالسَّمَاعِ، فمِن ذلك قراءةُ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ: (تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ) قالُوا: التقديرُ: على الذي هو أَحْسَنُ، ومن ذلكَ قراءةُ مالكِ بنِ دِينَارٍ وابنِ السماكِ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا) قالُوا: التقديرُ: مثلاً الذي هو بَعُوضَةٌ فما فَوْقَها، ومِن ذلكَ قولُ الشاعِرِ:


لاَ تَنْوِ إِلاَّ الَّذِي خَيْرٌ فَمَا شَقِيَتْ = إلاَّ نُفُوسُ الأُلَى للشَّرِّ نَاوُونَا

قالوا: التقديرُ: لا تَنْوِ إلا الذي هو خيرٌ، ومن ذلكَ قولُ الآخرِ:
مَنْ يُعْنَ بِالْحَمْدِ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا سَفَهٌ = وَلاَ يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ المجْدِ والكَرَمِ
قالوا: تقديرُ هذا البيتِ: مَن يُعْنَ بالحمدِ لم يَنْطِقْ بالذي هو سَفَهٌ. ومن ذلكَ قولُ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العَبَّادِيِّ:
لم أَرَ مِثْلَ الْفِتْيَانِ فِي غَبَنِ الْـ = أَيَّامِ يَدْرُونَ مَا عَوَاقِبُهَا
قالوا: ما موصولةٌ، والتقديرُ: يَدْرُونَ الذي هو عَوَاقِبُها.
وبعضُ هذا الشواهدِ يَحْتَمِلُ وُجُوهاً من الإعرابِ غيرَ الذي ذَكَرُوه؛ فمِن ذلكَ أنَّ (ما) في الآيةِ الثانيةِ يجوزُ أنْ تكونَ زائدةً، و(بَعُوضَةٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، ومِن ذلك أن (ما) في بيتِ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ استفهاميَّةً مبتدأً، وما بعدَها خبرٌ، والجملةُ في مَحَلِّ نَصْبِ مفعولٍ به لِيَدْرُونَ، وقد عُلِّقَ عنها لأنَّها مُصَدَّرَةٌ بالاستفهامِ، والكلامُ يَطُولُ إذا نحنُ تَعَرَّضْنَا لكلِّ واحدٍ مِن هذه الشواهدِ، فلْنَجْتَزِئْ لكَ هنا بالإشارةِ.
([8]) الاسمُ الواقعُ بعد (لا سيَّما) إما معرفةٌ، كأنْ يُقالَ لكَ: أَكْرِمِ العلماءَ لا سِيَّما الصالِحُ مِنهم، وإما نكرةٌ، كما في قولِ امرئِ القيسِ:
أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ صَالِحٍ لَكَ مِنْهُمَا = ولا سِيَّمَا يَوْمٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ
فإنْ كانَ الاسمُ الواقعُ بعد (لا سيَّما) نَكِرَةً جازَ فيه ثلاثةُ أَوْجُهٍ: الجرُّ، وهو أعلاها، والرفعُ، وهو أقلُّ مِن الجرِّ، والنصبُ، وهو أقلُّ الأوجهِ الثلاثةِ:
فأمَّا الجرُّ فتخريجُه على وجهيْنِ:
أَحَدِهِما: أنْ تكونَ (لا) نافيةً للجنسِ، و(سِيَّ) اسمُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، و(ما) زائدةٌ، وسيَّ مضافٌ، و(يومٍ) مضافٌ إليه، وخبرُ لا محذوفٌ، والتقديرُ: ولا مِثْلَ يومٍ بِدارَةِ جُلْجُلٍ موجودٌ.
والوجهُ الثاني: أنْ تكونَ (لا) نافيةً للجنسِ أيضاًً، و(سِيَّ) اسمُها منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، وهو مضافٌ، و(ما) نَكِرَةٌ غيرُ موصوفةٍ مضافٌ إليه مبنيٌّ على السكونِ في محَلِّ جرٍّ، و(يومٍ) بَدَلٌ مِن ما.
وأمَّا الرفعُ فتخريجُه على وجهيْنِ أيضاًً:
أحدُهما: أنْ تكونَ (لا) نافيةً للجنسِ أيضاًً، و(سيَّ) اسْمُهَا، و(ما) نكرةٌ موصوفةٌ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (سِيَّ) إليها، و(يومٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: هو يومٌ، وخبرُ لا محذوفٌ، وكأنك قلتَ: ولا مِثْلَ شيءٍ عظيمٍ هو يومٌ بِدَارَةِ جُلْجُلٍ موجودٌ.
والوجهُ الثاني: أنْ تكونَ (لا) نافيةً للجنسِ أيضاًً، و(سيَّ) اسمُها، و(ما) موصولٌ اسْمِيٌّ بمعنى الذي مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (سيَّ) إليه، و(يومٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: هو يومٌ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ لا محَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ، وخبرُ (لا) محذوفٌ، وكأنك قلتَ: ولا مِثْلَ الذي هو يومٌ بِدَارَةِ جُلْجُلٍ موجودٌ، وهذا الوجهُ هو الذي أَشَارَ إليه الشارِحُ.
وأما النصبُ فتخريجُه على وجهيْنِ أيضاًً:
أحدُهما: أنْ تكونَ (ما) نكرةً غيرَ موصوفةٍ، وهو مبنيٌ على السكونِ في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (سِيَّ) إليها، و(يوماً)مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ، وكأنك قلتَ: ولا مِثْلَ شيءٍ أَعْنِي يوماً بدَارَةِ جُلْجُلٍ.
وثانيهما: أنْ تكونَ (ما) أيضاً نَكِرَةً غيرَ موصوفةٍ، وهو مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ بالإضافةِ، و(يوماً) تَمْيِيزٌ لها.
وإنْ كانَ الاسمُ الواقِعُ بعدَها معرفةً كالمثالِ الذي ذَكَرْنَاهُ فقد أَجْمَعُوا على أنه يجوزُ فيه الجرُّ والرفعُ، واخْتَلَفُوا في جوازِ النصبِ؛ فمَن جَعَلَ النصبَ على المفعوليَّةِ أجازَه كما أجازَ في النكرةِ، ومَن جَعَلَ النصبَ على التمييزِ وقالَ: إن التمييزَ لا يكونُ إلا نكرةً مَنَعَ النصبَ في المعرفةِ؛ لأنَّه لا يَجُوزُ عندَه أنْ تكونَ تمييزاً، ومَن جَعَلَ نَصْبَه على التمييزِ وجَوَّزَ أنْ يكونَ التمييزُ معرفةً كما هو مَذْهَبُ جماعةِ الكُوفِيِّينَ جَوَّزَ نَصْبَ المعرفةِ بعدَ (سِيَّمَا).
والحاصلُ أنَّ نَصْبَ المعرفةِ بعدَ (لا سِيَّمَا) لا يَمْتَنِعُ إلاَّ بشرطيْنِ: التزامِ كونِ المنصوبِ تمييزاً، والتزامِ كونِ التمييزِ نكرةً.
([9]) لم يَذْكُرِ الشارِحُ شيئاً مِن الشواهدِ مِن الشعرِ العربِيِّ على جوازِ حذفِ العائدِ المنصوبِ بالفعلِ المتصرِّفِ، بل اكْتَفَى بذِكْرِ الآيتيْنِ الكريمتيْنِ؛ لأنَّ مجيئَه في القرآنِ دليلٌ على كثرةِ استعمالِه في الفصيحِ، ومن ذلكَ قولُ عُرْوَةَ بنِ حِزَامٍ:
وما هُوَ إِلاَّ أَنْ أَرَاهَا فُجَاءَةً = فأُبْهَتَ حتَّى ما أَكَادُ أُجِيبُ
وأُصْرَفَ عَنْ وَجْهِي الَّذِي كُنْتُ أَرْتَئِي = وَأَنْسَى الَّذِي أَعْدَدْتُ حِينَ أُجِيبُ
أرادَ أنْ يقولَ: أُصْرَفَ عن وجهي الذي كُنْتُ أَرْتَئِيهِ، وأَنْسَى الذي أَعْدَدْتُه، فحَذَفَ العائدَ المنصوبَ بأَرْتَئِي وبأَعْدَدْتُ، وكلٌّ مِنهما فعلٌ تامٌّ مُتَصَرِّفٌ.
([10]) هذا البيتُ مِن الشواهدِ التي ذَكَرُوها ولم يَنْسُبُوها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللغةُ: (مُولِيكَ) اسمُ فاعلٍ مِن أَوْلاَهُ النعمةَ، إذا أَعْطَاهَا إيَّاهُ، (فَضْلٌ) إحسانٌ.
المعنى: الذي يَمْنَحُكَ اللهُ مِن النِّعَمِ فَضْلٌ مِنه عليكَ، ومِنَّةٌ جاءَتْكَ مِن عندِهِ مِن غيرِ أنْ تَسْتَوْجِبَ عليه سُبْحَانَهُ شيئاً مِن ذلك، فاحْمَدْ رَبَّكَ عليه، واعْلَمْ أنَّه هو الذي يَنْفَعُكَ ويَضُرُّكَ، وأنَّ غَيْرَه لا يَمْلِكُ لكَ شيئاً مِن نَفْعٍ أو ضَرٍّ.
الإعرابُ: (ما) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (اللَّهُ) مبتدأٌ، (مُولِيكَ) مُولِي: خبرٌ عن لفظِ الجلالةِ، وله فاعلٌ مُسْتَتِرٌ فيه عائدٌ على الاسمِ الكريمِ، والكافُ ضميرُ المخاطَبِ مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ جرٍّ بالإضافةِ، وهو المفعولُ الأوَّلُ للمُولِي، وله مفعولٌ ثانٍ محذوفٌ، وهو العائدُ على الموصولِ، والتقديرُ: مُولِيكَهُ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ لا محَلَّ لها من الإعرابِ؛ صلةُ الموصولِ، (خَيْرٌ) خبرٌ عن (ما) الموصولةِ، (فاحْمَدَنْهُ) الفاءُ عاطفةٌ، احْمَدْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنتَ، والنونُ نونُ التوكيدِ، والضميرُ البارزُ المتَّصِلُ مفعولٌ به، (بِهِ) جارٌّ ومجرورٌ، مُتَعَلِّقٌ باحْمَدْ، (فَمَا) الفاءُ للتعليلِ، وما: نافيةٌ تَعْمَلُ عملَ ليسَ، (لَدَى) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ (ما) مُقَدَّمٌ على اسمِها، وجازَ تَقْدِيمُه لأنَّه ظرفٌ يُتَوَسَّعُ فيه، ولَدَى مضافٌ وغيرِ مِن (غيرِه) مضافٌ إليه، وغيرِ مضافٌ والضميرُ الموضوعُ للغائِبِ العائدُ على اللهِ سُبْحَانَهُ مضافٌ إليه، (نَفْعٌ) اسمُ (ما) مؤخَّرٌ، (ولا) الواوُ عاطفةٌ، ولا نافيةٌ، (ضَرَرُ) معطوفٌ على نَفْعٌ، ويجوزُ أنْ تكونَ (ما) نافيةً مُهْمَلَةً، و(لَدَى) مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، و(نَفْعٌ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ما اللهُ مُولِيكَ) حيثُ حَذَفَ الضميرَ العائدَ على الاسمِ الموصولِ؛ لأنَّه منصوبٌ بوَصْفٍ، وهذا الوصفُ اسمُ فاعلٍ، وأصلُ الكلامِ: ما اللهُ مُولِيكَهُ؛ أي: الشيءَ الذي اللهُ تعالى مُعْطِيكَهُ هو فضلٌ وإحسانٌ مِنه عليكَ.
واعْلَمْ أنه يُشْتَرَطُ في حذفِ العائدِ المنصوبِ بالوصفِ ألاَّ يكونَ هذا الوصفُ صِلَةً لألْ، فإنْ كانَ الوصفُ صِلَةً لألْ كانَ الحذفُ شاذًّا، كما في قولِ الشاعرِ:
ما المُسْتَفِزُّ الهَوَى مَحْمُودَ عَاقِبَةٍ = ولو أُتِيحَ لَهُ صَفْوٌ بِلاَ كَدَرِ
كانَ يَنْبَغِي أنْ يقولَ: ما المُسْتَفِزُّهُ الهَوَى محمودَ عاقبةٍ، فحَذَفَ الضميرَ المنصوبَ معَ أنَّ ناصِبَه صلةٌ لألْ، ومثلُه قولُ الآخرِ:
في المُعْقِبِ البَغْيِ أَهْلَ البَغْيَ مَا = يَنْهَى امْرأً حَازِماً أنْ يَسْأَمَا
أرادَ أنْ يقولَ: في المُعْقِبِهِ البَغْيَ. فلم يَتَّسِعْ لَهُ الكلامُ.
وإنما يَمْتَنِعُ حذفُ المنصوبِ بصِلَةِ ألْ إذا كانَ هذا المنصوبُ عائداً على ألْ نَفْسِها؛ لأنَّه هو الذي يَدُلُّ على اسميَّةِ ألْ، فإذا حُذِفَ زالَ الدليلُ على ذلكَ.
([11]) الذي لا يَجُوزُ حذفُه هو الضميرُ الواجبُ الانفصالِ، فأمَّا الضميرُ الجائزُ الانفصالِ فيجوزُ حذفُه، وإنما يكونُ الضميرُ واجبَ الانفصالِ إذا كانَ مقدَّماً على عاملِه كما في المثالِ الذي ذَكَرَه الشارِحُ، أو كانَ مقصوراً عليه كقولِكَ: جاءَ الذي ما ضَرَبْتُ إلاَّ إيَّاهُ، والسرُّ في عدمِ جوازِ حذفِه حينَئذٍ أنَّ غَرَضَ المتكلِّمِ يَفُوتُ بِسَبَبِ حَذْفِهِ، ألاَ تَرَى أنَّكَ إذا قُلْتَ: (جاءَ الذي إيَّاهُ ضَرَبْتُ) كانَ المعنى: جاءَ الذي ضَرَبْتُهُ ولم أَضْرِبْ سِوَاهُ، فإذا قُلْتَ: (جاءَ الذي ضَرَبْتُ) صارَ غيرَ دالٍّ على أنك لم تَضْرِبْ سِوَاهُ، وكذلك الحالُ في قولِكَ: (جاءَ الذي ما ضَرَبْتُ إلاَّ إيَّاهُ)؛ فإنَّه يَدُلُّ على أنَّكَ قد ضَرَبْتَ هذا الجائِيَ ولم تَضْرِبْ غيره، فإذا قلتَ: (جاءَ الذي ما ضَرَبْتُ) دَلَّ الكلامُ على أنكَ لم تَضْرِبْ هذا الجائِيَ فحَسْبُ، فانْعَكَسَ المعنى بالنسبةِ للجائِي، ولم يَدُلَّ شيءٌ بالنظرِ لغيرِ الجائِي.
فأمَّا المنفصِلُ جوازاً فيجوزُ حذفُه، والدليلُ على ذلكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
* مَا اللَّهُ مُولِيكَ فَضْلٌ فَاحْمَدَنْهُ بِهِ *
فإنَّ التقديرَ يَجُوزُ أنْ يكونَ (ما اللهُ مُولِيكَهُ) ويجوزُ أنْ يكونَ: (ما اللهُ مُولِيكَ إِيَّاهُ) وقد عَرَفْتَ فيما سَبَقَ - في مباحثِ الضميرِ- السرَّ في جوازِ الوجهيْنِ، وممَّا يَدُلُّ على جوازِ حذفِ الجائزِ الانفصالِ قولُ اللهِ تعالى: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} فإنَّه يجوزُ أنْ يكونَ التقديرُ: (بالذي آتَاهُمُوهُ رَبُّهُم) وأنْ يكونَ التقديرُ: (بالذي آتَاهُمْ إيَّاهُ رَبُّهُم)، والثاني أَوْلَى، فيُحْمَلُ عليه تقديرُ الآيةِ الكريمةِ، وكذلك قولُ اللهِ تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فإنَّه يجوزُ أنْ يكونَ التقديرُ: (ومِن الذي رَزَقْنَاهُمُوهُ) كما يَجُوزُ أنْ يكونَ التقديرُ: (ومِن الذي رَزَقْنَاهُمْ إيَّاهُ).
([12]) إنما قالَ الشارِحُ: (فلا يَجُوزُ حذفُ الهاءِ) إشارةً إلى أنَّ الممنوعَ هو حذفُ الضميرِ المنصوبِ بالحرفِ معَ إبقاءِ الحرفِ، فأما إذا حَذَفْتَ الضميرَ والحرفَ الناصبَ له جميعاً فإنَّه لا يَمْتَنِعُ، ومن ذلك قولُ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}، هذا إذا قَدَّرْتَ أصلَ الكلامِ: أينَ شُرَكَائِيَ الذين كُنْتُم تَزعُمُون أنهم شُرَكَائِي، على حدِّ قولِ كُثَيِّرٍ:
وَقَدْ زَعَمَتْ أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا = وَمَنْ ذَا الَّذِي يَا عَزُّ لاَ يَتَغَيَّرُ
فإن قَدَّرْتَ الأصلَ: (الذين كُنْتُمْ تَزْعُمُونَهُم شُرَكَائِي) لم يَكُنْ من هذا النوعِ.
([13]) (كذاكَ) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مقدَّمٌ، والكافُ حرفُ خطابٍ، (حَذْفُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، وحَذْفُ مضافٌ، و(ما) اسمٌ موصولٌ مضافٌ إليه مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ، (بِوَصْفٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (خُفِضَ) الآتِي، (خُفِضَا) خُفِضَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ما)، والجملةُ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةٌ، (كأنتَ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ؛ أي: كقولِكَ، أنتَ: مبتدأٌ، (قاضٍ) خبرُ المبتدأِ، (بَعْدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٍ للقولِ الذي قَدَّرْنَاهُ مجروراً بالكافِ، وبعدَ مضافٌ و(أمرٍ) مضافٌ إليه، (مِن قَضَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٍ لأَمْرٍ؛ أي: بعدَ فعلِ أمرٍ مُشْتَقٍّ من مادَّةِ قَضَى، يُشِيرُ إلى قولِهِ تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}. كما قالَ الشارِحُ.
([14]) (كَذَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ، (الذي) اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (جُرَّ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (الذي)، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةٌ، (بِمَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالفعلِ الذي قَبْلَه، (المَوْصُولَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ لجَرَّ الآتِي، (جَرْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على (ما)، والجملةُ لا مَحَلَّ لها؛ صلةٌ، (كَمُرَّ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، وهي ومجرورُها يَتَعَلَّقَانِ بمحذوفٍ خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وذلكَ كائنٌ كقولِكَ، مُرَّ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُهُ أنتَ، (بالذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمُرَّ السابقِ، (مَرَرْتُ) فعلٌ ماضٍ وفاعلٌ، والجملةُ لا محَلَّ لها؛ صِلَةٌ، والعائدُ محذوفٌ تقديرُه (به)، وقولُه: (فَهْوَ بَرْ) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ شرطٍ محذوفٍ، وهو: ضميرٌ منفصلٌ مبتدأٌ، بَرْ: خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في محَلِّ جزمِ جوابِ ذلكَ الشرطِ المحذوفِ.
([15]) هذا البيتُ لِعَنْتَرَةَ بنِ شَدَّادٍ الْعَبْسِيِّ، الشَّاعِرِ المشهورِ والفارِسِ المذكورِ، مِن كَلِمَةٍ مَطْلَعُها:
طَرِبْتَ وَهَاجَتْكَ الظِّبَاءُ السَّوَانِحُ = غَدَاةَ غَدَتْ مِنْهَا سَنِيحٌ وبَارِحُ
تَغَالَتْ بِيَ الأَشْوَاقُ حَتَّى كَأَنَّمَا = بِزَنْدَيْنِ فِي جَوْفِي مِنَ الْوَجْدِ قَادِحُ
اللغةُ: (طَرِبْتَ) الطَّرَبُ: خِفَّةٌ تَعْتَرِيكَ مِن سُرُورٍ أو حُزْنٍ، (هَاجَتْكَ) أَثَارَتْ هَمَّكَ، وبَعَثَتْ شَوْقَكَ، (الظِّباءُ) جَمْعُ ظبيٍ، (السَّوَانِحُ) جمعُ سانحٍ، وهو ما أتاكَ عن يَمِينِكَ فوَلاَّكَ مَيَاسِرَهُ مِن ظبيٍ أو طيرٍ أو غيرِهما، ويقالُ له: سَنِيحٌ، ( بَارِحُ) هو ضدُّ السانِحِ، وهو ما أتاكَ عن يَسَارِكَ فوَلاَّكَ مَيَامِنَه، (قادِحُ) اسمُ فاعلٍ مِن قَدَحَ الزَّنْدَ قَدْحاً، إذا ضَرَبَه لِتَخْرُجَ منه النارُ، (حِقْبَةً) بكسرٍ فسكونٍ: في الأصلِ تُطْلَقُ على ثمانينَ عاماً، وقد أرادَ بها المدَّةَ الطويلةَ، (فَبُحْ) أمرٌ مِن (باحَ بالأمرِ يَبُوحُ به)؛ أي: أَعْلَنَه وأَظْهَرَهُ، (لاَنَ) أي: الآنَ، فحَذَفَ همزةَ الوصلِ والهمزةَ التي بعدَ اللامِ، ثمَّ فَتَحَ اللامَ لمناسبةِ الألفِ، وقيلَ: بل هي لغةٌ في الآنَ، ومثلُه قولُ جَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ:
أَلاَنَ وَقَدْ نَزَعْتَ إلى نُمَيْرٍ = فَهَذَا حِينَ صِرْتَ لَهُمْ عَذَابَا
وقولُ الآخَرِ:
أَلاَ يَا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي عُمَيْرٍ = أَرَثٌّ لاَنَ وَصْلُكِ أَمْ جَدِيدُ
وقولُ أَشْجَعَ السُّلَمِيِّ:
أَلاَنَ اسْتَرَحْنَا واسْتَرَاحَتْ رِكَابُنَا = وأَمْسَكَ مَنْ يُجْدِي ومَن كَانَ يَجْتَدِي

ورَوَى الأَعْلَمُ بيتَ الشاهدِ هكذا:
تَعَزَّيْتَ عن ذِكْرَى سُمَيَّةَ حِقْبَةً = فَبُحْ عَنْكَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ
وأَنْشَدَهُ الأخفشُ كما في الشرحِ، وهو كذلكَ في المشهورِ مِن شِعْرِ عَنْتَرَةَ.
الإعرابُ: (قدْ) حرفُ تحقيقٍ، (كُنْتَ) كانَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، وتاءُ المخاطَبِ اسمُه مبنيٌّ على الفتحِ في محلِّ رفعٍ، (تُخْفِي) فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، والجملةُ مِن تُخْفِي وفاعلِهِ خبرُ (كانَ) في محلِّ نصبٍ، (حُبَّ) مفعولٌ به لِتُخْفِي، وحُبَّ مضافٌ و(سَمْرَاءَ) مضافٌ إليه، (حِقْبَةً) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بتُخْفِي، (فَبُحْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (لاَنَ) ظرفُ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بِبُحْ، (بالذي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ببُحْ أيضاًً، (أَنْتَ بائِحُ) مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ منهما لا مَحَلَّ لها؛ صِلَةُ الموصولِ المجرورِ مَحَلاًّ بالباءِ، والعائدُ محذوفٌ، وتقديرُ الكلامِ: فَبُحِ الآنَ بالذي أنتَ بائحٌ به.
الشاهدُ فيه: قولُه: (بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ) حيثُ اسْتَسَاغَ الشاعرُ حَذْفَ العائدِ على الموصولِ من جملةِ الصلةِ؛ لكونِه مجروراً بمِثْلِ الحرفِ الذي جَرَّ الموصولَ ـ وهو الباءُ ـ والعاملُ في الموصولِ مُتَّحِدٌ معَ العاملِ في العائدِ مادَّةً: الأوَّلُ: (بُحْ)، والثاني: (بائِحٌ)، ومعنًى: لأنَّهما جميعاً من البَوْحِ بمعنى الإظهارِ والإعلانِ.
([16]) ومثلُه أنْ يكونَ الموصولُ وصفاً لاسمٍ، وقد جُرَّ هذا الموصوفُ بحرفٍ مثلِ الذي جَرَّ العائدَ، ومنه قولُ كَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ:
إنْ تُعْنَ نَفْسُكَ بِالأَمْرِ الذي عُنِيَتْ = نُفُوسُ قَوْمٍ سَمَوْا تَظْفَرْ بِمَا ظَفِرُوا
لا تَرْكَنَنَّ إِلَى الأَمْرِ الَّذِي رَكَنَتْ = أَبْنَاءُ يَعْصُرَ حِينَ اضْطَرَّهَا الْقَدَرُ
ففي كلِّ بيتٍ من هذيْنِ البيتيْنِ شاهدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ:
أمَّا البيتُ الأوَّلُ فإنَّ الشاهدَ فيه قولُه: (بالأمرِ الذي عُنِيَتْ) فإنَّ التقديرَ فيه: بالأمرِ الذي عُنِيَتْ به، فحَذَفَ المجرورَ ثمَّ الجارَّ؛ لِكَوْنِ الموصوفِ بالموصولِ مجروراً بمثلِ الذي جَرَّ ذلك العائدَ.
وأمَّا البيتُ الثاني فالشاهدُ فيه قولُه: (إلى الأمرِ الذي رَكَنَتْ)، فإنَّ تقديرَ الكلامِ: إلى الأمرِ الذي رَكَنَتْ إليه، فحَذَفَ المجرورَ، ثمَّ حَذَفَ الجارَّ؛ لِكَوْنِ الموصوفِ ـ وهو الأمرُ ـ مجروراً بحرفِ جرٍّ مُمَاثِلٍ للحرفِ الذي جُرَّ به ذلكَ العائدُ.
([17]) من أحكامِ صلةِ الموصولِ أنه يَجِبُ تَأَخُّرُها عن الموصولِ، وأنْ تَتَّصِلَ به.
أمَّا تَأَخُّرُها عنه فلأنَّها كالجزءِ المُتَمِّمِ له، ومِن شأنِ الجزءِ المتمِّمِ أنْ يَقَعَ بعدَ ما له التمامُ، وعلى ذلكَ يَجِبُ ألاَّ تَتَقَدَّمَ على الموصولِ، لا هي ولا شيءٌ من مُتَعَلِّقَاتِها؛ ولهذا قَدَّرَ النحاةُ في قَوْلِهِ تعالى: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} أن (فِيهِ) مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ تَدُلُّ عليه صلةُ ألْ، وتقديرُ الكلامِ: وكانوا زاهدينَ فيه مِن الزاهدينَ؛ لئلاَّ يَتَقَدَّمَ معمولُ صلةِ ألْ عليها.
وأمَّا اتِّصَالُها به فقد خَالَفُوا هذا فأجازُوا أنْ يُفْصَلَ بينَ الموصولِ وصِلَتِه: وجملةِ القَسَمِ، وجملةِ النداءِ، والجملةِ الاعتراضيَّةِ، فمثالُ الأُولَى قولُ الشاعرِ:
ذاكَ الذي - وأَبِيكَ - يَعْرِفُ مَالِكاً = والحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهَاتِ الْبَاطِلِ
ومثالُ الثانيةِ قولُ الفَرَزْدَقِ:
تَعَشَّ فإنْ عَاهَدْتَنِي لاَ تَخُونُنِي = نَكُنْ مِثْلَ مَنْ - يا ذِئْبُ -يَصْطَحِبَانِ

ومثالُ الثالثةِ قولُ الشاعرِ:
وإني لراجٍ نَظْرَةً قِبَلَ الَّتِي = لَعَلِّي وإِنْ شَطَّتْ نَوَاهَا أَزُورُهَا
إذا جَعَلْتَ جملةَ (أَزُورُهَا) صِلَةَ التي، وجملةَ (لعل) ومَعْمُولَيْهَا لا محلَّ لها مُعْتَرِضَةً بينَ الموصولِ والصلةِ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 01:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ: ويَجوزُ حَذْفُ العائدِ المرفوعِ إذا كانَ مُبْتَدَأً مُخْبَراً عنه بمُفْرَدٍ ([1])، فلا يُحْذَفُ في نحوِ: (جاءَ اللذانِ قَامَا) أو: (ضَرَبَا)؛ لأنه غيرُ مُبْتَدَأٍ، ولا في نحوِ: (جَاءَ الَّذِي هو يَقُومُ), أو:(هو في الدَّارِ)؛ لأنَّ الخبرَ غيرُ مُفْرَدٍ، فإذا حُذِفَ الضَّمِيرُ لم يدُلَّ دليلٌ على حذفِه، إذ الباقي بعدَ الحذفِ صَالِحٌ لأَنْ يَكُونَ صِلَةً كاملةً، بخلافِ الخبرِ المُفرَدِ، نحوَ: َيُّهُمْ أَشَدُّ} ([2])، ونحوَ: َهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} ([3])؛ أي: هو إِلَهٌ في السماءِ؛ أي: مَعْبُودٌ فيها، ولا يَكْثُرُ الحذفُ في صِلَةٍ غيرَ (أَيٍّ), إلاَّ إنْ طَالَتِ ([4]) الصِّلَةُ, وشَذَّتْ قِرَاءَةُ بعضِهم: (تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) ([5])، وقولُه:

56 - مَنْ يُعْنَ بالحَمْدِ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا سَفَهٌ
والكُوفِيُّونَ يَقِيسُونَ على ذلك.
ويجوزُ حذفُ المنصوبِ إنْ كانَ مُتَّصِلاً، ونَاصِبُه فِعْلٌ أو وَصْفٌ غيرُ صِلَةِ الألفِ واللامِ، ونحوَ: َيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} ([6])، وقولِه:
57 - مَا اللهُ مُولِيكَ فَضْلٌ فَاحْمَدَنْهُ بِهِ
بخِلافِ: جَاءَ الَّذِي إِيَّاهُ أكْرَمْتُ. و: جَاءَ الَّذِي إِنَّه فَاضِلٌ. أو: كَأنَّه أَسَدٌ. أو: أَنَا الضَّارِبُهُ ([7]). وشَذَّ قولُه:
58 - مَا المُسْتَفِزُّ الهَوَى مَحْمُودَ عَاقِبَةٍ
وحذفُ منصوبِ الفعلِ كَثِيرٌ، ومنصوبِ الوصفِ قَلِيلٌ ([8]).
ويجوزُ حَذْفُ المجرورِ بالإضافةِ إنْ كانَ المضافُ وَصْفاً غيرَ مَاضٍ، نحوَ: َاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} ([9])، بخلافِ: جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبُوهُ. و: أَنَا أَمْسِ ضَارِبُهُ.
والمجرورِ بالحرفِ ([10]) إنْ كانَ المَوْصُولُ أو المَوْصوفُ بالموصولِ مَجْرورًا بمثلِ ذلك الحرفِ معنًى ومُتَعَلَّقاً، نحوَ: َيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} ([11])؛ أي: منه،
وقولِه:
59 - لا تَرْكَنَنَّ إِلَى الأَمْرِ الَّذِي رَكَنَتْ = أَبْنَاءُ يَعْصُرَ حِينَ اضْطَرَّها القَدَرُ
وشَذَّ قولُه:
60 - وأَيُّ الدَّهْرِ ذُو لَمْ يَحْسُدُونِي
أي: فيه، وقولُه:
61 - وَهُوَّ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ
أي: عليهِ، فحَذَفَ العائدَ المجرورَ معَ انتفاءِ خفضِ الموصولِ في الأولِ، ومعَ اختلافِ المُتَعَلِّقِ في الثانِي، وهما: (صَبَّ), و(عَلْقَمُ) ([12]).


([1]) أنت تَعْلَمُ أنَّ الموصولَ وصِلَتَه والعائِدَ مِن الصلةِ إلى الموصولِ، هذه الأشياءُ الثلاثةُ تَكُونُ اسماً مُفْرَداً، فقَوْلُك: (الذي ضَرَبْتُه) بمَقَامِ قَوْلِك: مُحَمَّدٌ. مَثَلاً، ولأنَّ هذه الثلاثةَ في قُوَّةِ كلمةٍ واحدةٍ استطَالُوها فاستَسَاغُوا الحَذْفَ فيها، فأَحْيَاناً يَحْذِفُونَ الموصولَ وهم يُرِيدُونَه، وأَحْيَاناً يَحْذِفُونَ الصلةَ وهم يُرِيدُونَها، وأَحْيَاناً يَحْذِفُونَ العائِدَ، وقد تَكَفَّلَ المؤلِّفُ بالكلامِ على حَذْفِ العائدِ.
فأمَّا حذفُ الموصولِ، فإن كانَ موصولاً حَرْفيًّا لم يَجُزْ حَذْفُه، لضَعْفِ الحرفِ عن أن يُؤَثِّرَ وهو مَحذوفٌ، وإن كانَ الموصولُ اسمِيًّا فإنَّ الكُوفِيِّينَ ومعَهم الأَخْفَشُ يُجِيزُونَ حَذْفَه مُطلقاً، ومِن العلماءِ مَن يُجِيزُ حَذْفَه بشَرْطِ أن يكُونَ مَعْطُوفاً على موصولٍ آخَرَ، نَحْوُ قولِه تعَالَى: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}؛ أي: بالذي أُنْزِلَ إلينا والذي أُنْزِلَ إليكُم؛ لأنَّ المُنَزَّلَ إلى الفريقَيْنِ ليسَ واحداً، ومِن ذلك قولُ حَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ:
أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ = وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
أي: مَن يَهْجُو رسولَ اللَّهِ مِنْكُم ومَنْ يَمْدَحُه ويَنْصُرُه سَوَاءٌ؛ لأنَّ الذي يَهْجُوه ويَنْصُرُه ليسَ واحداً.
وأمَّا حذفُ الصلةِ فإنَّهم أَجَازُوا حَذْفَها إذا دَلَّ عليها دَليلٌ أو قَصَدَ المتكِلُّمُ الإبهامَ، نحوُ قَولِهم: (بَعْدَ اللَّتَيَّا والَّتِي)؛ أي: بعدَ الخُطَّةِ التي بَلَغَت فَظَاعَةُ شَأْنِها ألاَّ تَسْتَطِيعَ العبارةُ أنْ تَدُلَّ عليها، ومِن ذلك قولُ عُبَيْدِ بنِ الأَبْرَصِ:
نَحْنُ الأُولَى فَاجْمَعْ جُمُو = عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
أي: نحنُ الذينَ عَرَفُوا.
وذَهَبَ الكوفِيُّونَ إلى أنَّه يَجُوزُ حذفُ العائدِ المرفوعِ بالابتداءِ مُطلقاً، سَواءٌ أكانَ الموصولُ أَيًّا أم غيرَه، وسواءٌ أطَالَت الصلةُ أم لم تَطُلْ. وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إلى جوازِ حذفِ هذا العائدِ إذا كانَ الموصولُ أَيًّا مُطلقاً، فإنْ كَانَ غيرَ أَيٍّ أَجَازُوه بشَرْطِ طُولِ الصلةِ، فالخلافُ بينَ الفريقَيْنِ مُنحَصِرٌ فيما إذا لم تَطُلِ الصلةُ وكانَ الموصولُ غيرَ أَيٍّ. فأمَّا الكوفِيُّونَ فاستَدَلُّوا بالسماعِ، فمِن ذلك قِرَاءَةُ يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ: (تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ)، قالُوا: التقديرُ على الذي هو أَحْسَنُ، ومِن ذلك قراءةُ مَالِكِ بنِ دِينارٍ، وابنِ السَّمَّاكِ: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا) قالُوا: التقديرُ: مَثَلاً الذي هو بَعُوضةٌ فما فوقَها. ومِن ذلك قولُ الشاعرِ:
لاَ تَنْوِ إِلاَّ الَّذِي خَيْرٌ فَمَا شَقِيَتْ = إِلاَّ نُفُوسُ الأُلَى لِلشَّرِّ نَاوُونَا
قالُوا: التقديرُ: لا تَنْوِ إلاَّ الذي هو خَيْرٌ. ومِن ذلك قولُ الآخَرِ:
مَنْ يُعْنَ بِالحَمْدِ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا سَفَهٌ = وَلاَ يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ المَجْدِ وَالكَرَمِ
قالُوا: تقديرُ هذا البيتِ: مَنْ يُعْنَ بالحَمْدِ لم يَنْطِقْ بالذي هو سَفَهٌ. ومِن ذلك قولُ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ العَبَّادِيِّ:
لَمْ أَرَ مِثْلَ الفِتْيَانِ فِي غَبَنِ الـ = أَيَّامِ يَدْرُونَ مَا عَوَاقِبُهَا
قالُوا: مَا موصولةٌ، والتقديرُ: يَدْرُونَ الذي هو عَوَاقِبُها.
وبعضُ هذه الشواهدِ يَحْتَمِلُ وُجوهاً مِن الإعرابِ غيرَ الذي ذَكَرُوه، فمِن ذلك (ما) في الآيةِ الثانيةِ يَجُوزُ أن تَكُونَ زَائِدَةً، وبعوضةٌ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ. ومِن ذلك أنَّ (ما) في بيتِ عَدِيِّ بنِ زَيْدٍ يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ استفهامِيَّةً، وما بعدَها خبرُها والجملةُ في مَحَلِّ نصبٍ مفعولٌ ليَدْرُونَ، وقد عُلِّقَ عنها؛ لأنَّها مُصَدَّرَةٌ بالاستفهامِ، وكُلُّها عندَ البَصْرِيِّينَ شَاذٌّ.
([2]) سورة مريم، الآية: 69.
([3]) سورة الزخرف، الآية: 84.
([4]) أنتَ تَعْلَمُ أنَّ (أيَّ) الموصولةَ مُلازِمةٌ للإضافةِ، إمَّا لفظاً نحوُ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ}، وإمَّا تقديراً نحوُ: (أَيٌّ أَشَدُّ)، فلَمَّا كانَ لا بُدَّ لها مِن المُضافِ إليه، إمَّا في اللفظِ، وإمَّا في التقديرِ جَعَلُوا ذلك بمنزِلَةِ طُولِ الصلةِ، فلم يَشْتَرِطُوا شَيْئاً في جوازِ حَذْفِ العائدِ مِن صلتِها، واشتَرَطُوا ذلك في صلةِ غيرِ أَيٍّ؛ لأنَّ غيرَها مِن الموصولاتِ لا يَلْزَمُ الإضافةَ، بل لا يَقْبَلُها.
بَقِيَ أنَّه يُسْتَثْنَى مِن اشتراطِ طُولِ الصلةِ صلةُ (ما) في قولِهم: (لاَ سِيَّمَا زَيدٌ) إذا رَفَعْتَ زَيْداً، فإنَّ رَفْعَه على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، وجملةُ المبتدأِ والخبرِ لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ ما، والتقديرُ: ولا سِيَّ الذي هو زيدٌ، فحُذِفَ المبتدأُ وهو العائدُ وليسَت الصلةُ طويلةً، والحذفُ في هذا الموضعِ مَقِيسٌ وليسَ بشَاذٍّ.
([5]) سورة الأنعام، الآية: 154.
56 - هذا صدرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
وَلاَ يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ المَجْدِ والكَرَمِ
وهذا البيتُ مِن الشواهدِ التي لم يَتَيَسَّرْ لنا الوقوفُ على نِسبَتِها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْنَا له على سَوَابِقَ أو لَوَاحِقَ، وقد استَشْهَدَ به كثيرٌ مِن النحاةِ، منهم الأَشْمُونِيُّ. (ش 113).
اللغةُ: (يُعْنَ) بالبناءِ للمجهولِ لُزُوماً كما هو المشهورُ في هذا الفعلِ؛ أي: يَهتَمُّ، فأَمَّا عَنَى بمَعْنَى قَصَدَ فهو مبنيٌّ للمعلومِ، وتقولُ: عُنِيَ فُلانٌ بحَاجَتِي يُعْنَى بها فهو مُعْنًى، ومَعناهُ أنَّه اهتَمَّ لها وجَعَلَها بمَكانِ العِنَايَةِ منه. (الحَمْدِ) أرادَ به الثناءَ والشكرَ له. (سَفَهٌ) هو رِقَّةُ العقلِ وضَعْفِه، وأرَادَ به لازِمَه، وهو مَقَالُ السُّوءِ الناشِئِ عَن سَخَفِ العقلِ وطَيْشِ الحِلْمِ. (يَحِدْ) يَمِلْ ويَنْحَرِفْ.
المَعْنَى: مَن اهتَمَّ بأن يَكُونَ محمودَ السيرةِ لم يَجْرِ على لسانِه قولُ السفاهةِ، ولم يَمِلْ عن الطريقِ الذي سَنَّه أهلُ المكَارِمِ وفضَائِلِ الأخلاقِ.
الإعرابُ: (مَن) اسمُ شَرْطٍ مبتدأٌ. (يُعْنَ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ فعلُ الشرطِ مجزومٌ بحذفِ الألفِ، والفتحةُ قبلَها دليلٌ عليها، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ على اسمِ الشرطِ. (بالحَمْدِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيُعْنَ. (لَمْ) حَرْفٌ نفيٍ وجزمٍ. (يَنْطِقْ) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وفاعلُه مستترٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعُودُ إلى مَن، والجملةُ في مَحَلِّ جزمٍ جوابُ الشرطِ. (بِمَا) الباءُ حرفُ جَرٍّ، وما اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ جرٍّ بالباءِ، والجارُّ والمجرورُ متعَلِّقٌ بيَنْطِقْ. (سَفَهٌ) بالرفعِ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: هو سَفَهٌ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ صِلَةُ الموصولِ. (ولا) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا حرفٌ زائدٌ لتأكيدِ النفيِ. (يَحِدْ) فعلٌ مضارعٌ معطوفٌ على يَنْطِقْ. (عَن سبيلِ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بيَحِدْ، وسبيلِ مضافٌ، و(المَجْدِ) مضافٌ إليه. (والكَرَمِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، الكرمِ معطوفٌ على المَجْدِ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (بِمَا سَفَهٌ) حيثُ حَذَفَ العائدَ إلى الاسمِ الموصولِ مِن الجملةِ الصلةِ، معَ كونِ هذا العائدِ مرفوعاً بالابتداءِ ولم تَطُلِ الصلةُ؛ إذ لم تَشْتَمِلْ الصلةُ إلا على المبتدأِ والخبرِ، وهذا العائدُ المحذوفُ هو الضميرُ الذي قَدَّرْنَاه في إعرابِ البيتِ، وللعلماءِ في هذا الموضوعِ خلافٌ قد أَلْمَعْنَا إليه في كَلِمَتِنَا التي تَقَدَّمَت على شرحِ هذا الشاهدِ.
([6]) سورة التغابن، الآية: 4، والتقديرُ في هذه الآيةِ على جعلِ (ما) موصولاً اسمِيًّا: يَعْلَمُ الشيءَ الذي يُسِرُّونَه والشيءَ الذي يُعْلِنُونَه، ويَجُوزُ أن تكُونَ ما موصولاً حرفيًّا سابِكةً لمَا بعدَها بمصدرٍ، والتقديرُ على هذا: يَعْلَمُ سِرَّهم وعَلانِيَتَهُم.
ومثلُ الآيةِ الكريمةِ - في حذفِ العائدِ المنصوبِ بالفعلِ - قولُ جِرَانِ العَوْدِ:
ذَكَرْتُ الصِّبَا فَانْهَلَّتِ العَيْنُ تَذْرِفُ وَرَاجَعَكَ الشَّوْقُ الَّذِي كُنْتَ تَعْرِفُ أي: تَعْرِفُه.
57 - هذا البيتُ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
فَمَا لَدَى غَيْرِه نَفْعٌ وَلاَ ضَرَرُ
وهذا البيتُ مِمَّا لم أَقِفْ له على نِسْبَتِه إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْتُ له معَ طويلِ البحثِ على سَوَابِقَ أو لَوَاحِقَ تَتَّصِلُ به.
اللغةُ: (مُولِيكَ) اسمُ فاعلٍ مضافٌ إلى ضميرِ المُخَاطَبِ، وفِعْلُه أَوْلَى يُولِي - على مثالِ أَكْرَمَ يُكْرِمُ - والمرادُ به مَانِحُك ومُعطِيكَ ومُنْعِمٌ به عليك. (فضلٌ) مِنَّةٌ وعطاءٌ مبتدأٌ منه لا تَسْتَوجِبُه عليه بما تُقَدِّمُ مِن عَمَلٍ. (فَاحْمَدَنْهُ بِهِ) اشْكُرْه عليه بدوامِ العبادَةِ وبجميلِ مُعامَلَتِك خَلْقَه.
المَعْنَى: إنَّ الذي يَمْنَحُك اللَّهُ مِن النِّعَمِ فضلٌ منه عليك وإحسانٌ جاءَكَ مِن عندِه، مِن غيرِ أن تَسْتَحِقَّ عليه شَيْئاً مِن ذلك، فاحْمَدِ اللَّهَ عليه، واعْلَمْ أنَّه هو الذي يَنْفَعُكَ ويَضُرُّك، وأنَّ غيرَه لا يَمْلِكُ لك شَيْئاً مِن ضَرٍّ أو نَفْعٍ.
الإعرابُ: (ما) اسمٌ موصولٌ مُبتدأٌ. (اللَّهُ) مبتدأٌ. (مُولِيكَ) مُولِي خبرٌ عَن لفظِ الجلالَةِ، وهو مُضافٌ، وضميرُ المُخَاطَبِ مضافٌ إليه مِن إضافةِ اسمِ الفاعلِ إلى مفعولِه الأوَّلِ، ومفعولُه الثانِي محذوفٌ، وأصلُ الكلامِ مُولِيكَهُ، وجملةُ المبتدأِ الذي هو لفظُ الجلالَةِ وخبرُه معَ مَعْمُولاتِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الاسمِ الموصولِ. (فَضْلٌ) خبرُ المبتدأِ الذي هو الاسمُ الموصولُ. (فَاحْمَدَنْهُ) الفاءُ للسَبَبِيَّةِ، احْمَدْ فعلُ أمرٍ مبنيٌّ على الفتحِ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الخفيفةِ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنت، ونونُ التوكيدِ حرفٌ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، والهاءُ ضميرُ الغائبِ مفعولٌ. (به) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ باحْمَدْ. (فَمَا) الفاءُ حرفُ تعليلٍ، ما حرفُ نفيٍ. (لَدَى) ظرفٌ بمَعْنَى عندَ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٌ مُقَدَّمٌ وهو مضافٌ وغيرِ مِن (غيرِه) مضافٌ إليه مجرورٌ بالكسرةِ الظاهرةِ، وغيرِ مضافٌ وضميرُ الغائبِ مضافٌ إليه. (نَفْعٌ) مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ. (ولاَ) الواوُ حرفُ عطفٍ، لا حرفٌ زائدٌ لتأكيدِ النفيِ. (ضَرَرُ) معطوفٌ على نفعٍ، والمعطوفُ على المرفوعِ مرفوعٌ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (مَا اللَّهُ مُولِيكَ) حيثُ حَذَفَ مِن جملةِ الصلةِ الضميرَ العائدَ على الاسمِ الموصولِ، وهذا العائدُ منصوبٌ بوصفٍ وهو مُولٍ، وأصلُ الكلامِ: ما اللَّهُ مُولِيكَهُ فَضْلٌ؛ أي: الذي اللَّهُ مُولِيكَهُ فَضْلٌ إلخ، وقد بَانَ لك ذلك مِن إعرابِ البيتِ. ويجُوزُ أن يكُونَ التقديرُ: الذي اللَّهُ مُولِيكَ إيَّاهُ فَضْلٌ - إلخ، بل هذا التقديرُ أَوْلَى؛ لأنَّ الانفِصَالَ في ثانِي الضميرَيْنِ المعمولَيْنِ لاسمٍ أَرْجَحُ مِن الاتِّصَالِ، على ما عَرَفْتَ في مبَاحِثِ الضميرِ، وإنَّمَا قَدَّرْنَاهُ في أوَّلِ الكلامِ مُتَّصِلاً معَ مَرجُوحِيَّةِ الاتِّصَالِ ليُطَابِقَ قولَ المُصَنِّفِ: (وَيجُوزُ حذفُ المنصوبِ إن كانَ مُتَّصِلاً - إلخ) ونُنَبِّهُك هنا إلى أنَّ المُرادَ ألاَّ يكُونَ الضميرُ مُنفصلاً لغرضِ إفادةِ الحصرِ كما في المثالِ الذي ذَكَرَهُ المؤلِّفُ بعدُ، فإن كانَ مُتَّصِلاً، أو كانَ مُنفصِلاً لغيرِ إفادةِ الحصرِ - جازَ حَذْفُه، فاحْفَظْ ذلك.
ومثلُ بيتِ الشاهدِ قولُ القَتَّالِ الكِلابِيِّ:
بِهِنَّ مِنَ الدَّاءِ الَّذِي أَنَا عَارِفٌ = وَمَا يَعْرِفُ الأَدْوَاءَ إِلاَّ طَبِيبُهَا
أي: الذي أنا عَارِفُه.
([7]) أمَّا المثالُ الأوَّلُ، فلم يَجُزْ حذفُ العائدِ فيه؛ لأنَّ هذا العائدَ ضميرٌ مُنفصلٌ لغرضِ الحصرِ، ففاتَ فيه شرطُ اتِّصَالِ الضميرِ، وأمَّا المثالُ الثانِي، فلم يَجُزْ فيه حذفُ العائدِ؛ لأنَّ العاملَ في العائدِ هو إنَّ، ففَاتَ فيه شرطُ كونِ العاملِ فيه فِعْلاً أو وَصْفاً، وأمَّا المثالُ الثالثُ، فلم يَجُزْ حذفُ العائدِ فيه لمِثْلِ السببِ الذي ذَكَرْنَاه في المثالِ الثانِي، وإنَّمَا جاءَ بمثالَيْنِ للعائِدِ المعمولِ لحرفٍ؛ لأنَّ الحرفَ العاملَ إمَّا أن يُغَيِّرَ معنَى الجملةِ مثلُ كأَنَّ، وإمَّا ألاَّ يُغَيِّرَها مثلُ إنَّ، وأمَّا المثالُ الرابعُ، فلم يَجُزْ حذفُ العائدِ فيه لكونِ العاملِ فيه وصفاً وَاقعاً صِلةً لأل.
58 - هذا صدرُ بيتٍ مِن البسيطِ، وعَجُزُه قولُه:
وَلَوْ أُتِيحَ لَهُ صَفْوٌ بِلاَ كَدَرِ
وهذا البيتُ مِن الشواهِدِ التي لم يَتَيَسَّرْ لنا الوُقُوفُ على نِسبَتِها إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، ولا عَثَرْنَا له على سَوَابِقَ أو لوَاحِقَ تَتَّصِلُ به.
اللغةُ: (المُسْتَفِزُّ) اسمُ فاعلٍ فعلُه استَفَزَّ، وتقُولُ: استَفَزَّ فُلانٌ فُلاناً، ومَعْنَاهُ أَزْعَجَه واستَخَفَّه وأَفْزَعَه. (الهَوَى) صَبْوَةُ النفسِ ومَيْلُها نحوَ ما تَشْتَهِي. (أُتِيحَ) هُيِّئَ وقُدِّرَ.
المَعْنَى: ليسَ الذي يَسْتَخِفُّه الهَوَى، وتُزْعِجُه صَبْوَةُ النفسِ، ويَعْبَثُ بقَلْبِه المَيْلُ إلى الشَّهَوَاتِ، مَحمودَ العواقِبِ، وإن كُنْتَ تَرَاهُ في عَيْشٍ صَافٍ لا تُكَدِّرُه المِحَنُ، فإنَّما هو صَفْوٌ غيرُ مَأْمُونٍ.
الإعرابُ: (ما) حرفُ نَفْيٍ. (المُسْتَفِزُّ) مبتدأٌ، أو اسمُ ما إن قُدِّرَت حِجَازِيَّةً. (الهَوَى) فاعِلٌ بالمُسْتَفِزِّ مرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ، (محمودَُ) يَجُوزُ فيه الرفعُ على أنَّه خبرُ المبتدأِ، إن قُدِّرَت (ما) تَمِيمِيَّةً مُهملةً، ويجُوزُ فيه النصبُ على أنَّه خبرُ ما بتقدِيرِها حِجَازِيَّةً عاملةً، ومحمودٌ مضافٌ، و(عَاقِبَةٍ) مضافٌ إليه. (وَلَوْ) الواوُ عاطفةٌ على محذوفٍ، لو حَرْفُ شرطٍ غيرُ جازمٍ. (أُتِيحَ) فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ. (له) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بأُتِيحَ. (صَفْوٌ) نائبُ فاعلِ أُتِيحَ. (بِلاَ) الباءُ حرفُ جَرٍّ، ولا اسمٌ بمَعْنَى غيرٍ ظَهَرَ إعرابُه على ما بعدَه بطريقِ العارِيَّةِ، وهو مضافٌ، و(كَدَرُ) مضافٌ إليه مجرورٌ بكَسرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِه مَنَعَ مِن ظُهورِها اشتِغَالُ المَحَلِّ بحركَةِ العارِيَّةِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٌ لصَفْوٍ.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (ما المُسْتَفِزُّ) حيثُ حَذَفَ العائدَ مِن الصلةِ على الموصولِ، معَ كَوْنِ الموصولِ هو (أَلْ) والصلةُ صفةٌ مُتَّصِلةٌ به، وأصلُ الكلامِ: مَا المُستَفِزُّهُ الهَوَى مَحْمُودُ عَاقِبَةٍ، والحذفُ في هذا ونحوِه شَاذٌّ، وفي عبارةِ (التسهِيلِ) ما يُفِيدُ أنَّ حذفَ العائدِ المنصوبِ بصلةِ (أل) قليلٌ لا شَاذٌّ، وهو خلافُ ما دَرَجَ عليه جَمْهَرَةُ النحاةِ مِن المُتَقَدِّمِينَ عليه والمُتَأَخِّرِينَ عنه.
([8]) إنَّما كانَ حذفُ العائدِ المنصوبِ بفِعْلٍ كَثِيراً؛ لأنَّ الأصلَ في العملِ للفِعْلِ، فهُم مِن أجلِ ذلك يَتَصَرَّفُونَ في معمولِه كثيراً بالحذفِ تَارَةً، وبالتقديمِ تَارَةً، وبالفَصْلِ بينَ الفِعْلِ ومعمولِه تَارَةً، ولَمَّا كانَ حذفُ العائدِ المعمولِ لوَصْفٍ فَرْعاً فِي العملِ، ومِن شأنِ الفرعِ أن يكُونَ ضَعِيفاً، فلا يَتَصَرَّفُ في معمولِه، ومِن التصَرُّفِ في المعمولِ الحذفُ كما أَنْبَأْتُكَ، ومِن أجلِ هذا كانَ حذفُ العائدِ المنصوبِ بالوصفِ قليلاً جِدًّا، حتَّى قالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: إنَّه لا يَكَادُ يُسْمَعُ مِن العَرَبِ. وقالَ ابنُ السَّرَّاجِ: إنَّهُم أجَازُوه على قُبْحٍ. وقالَ المُبَرِّدُ: هو رَدِيءٌ جِدًّا، وتَأَمَّلْ في كلامِهم هذا معَ قولِ ابنِ مَالكٍ: (والحذفُ عندَهم كثيرٌ مُنْجَلٍ= في عائدٍ مُتَّصِلٍ إن انتَصَبَ بفِعْلٍ أو وَصْفٍ). فإنَّ هذا الكلامَ يَتَضَمَّنُ التسويةَ بينَ الفِعْلِ والوصفِ في حذفِ العائدِ المنصوبِ بهما، ومعَ أنَّ المنصوبَ فَضْلَةٌ، والأصلُ في الفَضْلَةِ أنَّه لا يَلْزَمُ ذِكْرُه، بل يَجُوزُ الاستغناءُ عنه في سَعَةِ الكلامِ، وكيفَ ساغَ لهم أن يَحْكُمُوا بقُبْحِ حذفِ المنصوبِ بالوصفِ أو برَدَاءَتِه، أو بأَنَّه لا يَكَادُ يُسْمَعُ مِن العربِ معَ أنَّه يجُوزُ اعتبارُ الوصفِ مُضافاً والضميرِ المحذوفِ مُضَافاً إليه، كما في الآيةِ الكريمةِ التي تَلاهَا المؤلِّفُ، وهم لا يَقُولُونَ في ذلك شَيْئاً مِمَّا قالُوه على تقديرِه منصوباً.
([9]) سورة طه، الآية: 72، والتقديرُ: فَاقْضِ الذي أَنْتَ قَاضِيه، ويَجُوزُ أن تَكُونَ (ما) موصولاً حرفيًّا يُسْبَكُ ما بعدَه بمَصْدَرٍ، والتقديرُ: فَاقْضِ قَضَاءَكَ.
([10]) ههنا أمرَانِ أُحِبُّ أن أُنَبِّهَك إليهما:
الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ هذه الطريقةَ التي سَلَكَها المؤلِّفُ تَبَعاً لابنِ مالكٍ غيرُ الطريقةِ التي سَلَكَها مَن قبلَهما مِن النحاةِ، وسَارَ عليها الرَّضِيُّ، وحاصلُ تلك الطريقةِ أنَّهم أَجَازُوا حذفَ العائدِ المجرورِ بحرفِ جرٍّ إذا كانَ العاملُ في ذلك الجارِّ والمجرورِ يَتَعَيَّنُ معَه حرفٌ لئلاَّ يَلْتَبِسَ بعدَ الحذفِ الحرفُ المحذوفُ بغيرِه، وقد مَثَّلُوا لذلك بقولِه تعَالَى: {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا}؛ أي: تَأْمُرُنَا به؛ أي: بإِكْرَامِه، وقولِه سبحانَه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}؛ أي: به، وقولِ الشاعرِ:
فَقُلْتُ لَهَا: لاَ وَالَّذِي حَجَّ حَاتِمٌ = أَخُونُكِ عَهْداً إِنَّنِي غَيْرُ خَوَّانِ
تقديرُه: والذي حَجَّ حَاتِمٌ له لا أَخُونُكِ عَهْداً.
والأمرُ الثانِي: أنَّ هذا الحذفَ يَقَعُ في التقديرِ على التدَرُّجِ، فيُقَدَّرُ أَوَّلاً حذفُ حرفِ الجَرِّ فيَتَّصِلُ الضميرُ بالعاملِ، فيَصِيرُ مَنْصُوباً ثُمَّ يُحْذَفُ، وصَرَّحَ بهذا الكِسَائِيُّ، وذَهَبَ سِيبَوَيْهِ والأخفَشُ إلى أنَّ الجارَّ والمجرورَ حُذِفَا معاً، والمُسَوِّغُ لهذا الحذفِ هو طُولُ الصلةِ؛ لأنَّ الجارَّ والمجرورَ مِن مُتَعَلِّقَاتِ الصلةِ، وهما زائدَانِ على المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه.
([11]) سورة المؤمنون، الآية: 33.
59 - هذا بيتٌ مِن البسيطِ، وقد نَسَبَ العَيْنِيُّ هذا البيتَ إلى كَعْبِ بنِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى المُزْنِيِّ.
اللغةُ: (لاَ تَرْكَنَنَّ)؛ أي: لا تَمِلْ، والمشهورُ في هذا الفعلِ أنَّه مِن بابِ عَلِمَ، وقد جَاءَ مِن بابِ نَصَرَ أيضاً، وقد سُمِعَ فيه رَكَنَ يَرْكَنُ - على مثالِ فَتَحَ يَفْتَحُ - وهذا الأخيرُ مُخَالفٌ لِمَا عليه بابُ فَتَحَ مِن أنَّه لا يَجِيءُ إلا فيما عينُه أو لامُه حرفٌ مِن حروفِ الحَلْقِ الستَّةِ، ولهذا قالَ الجَوْهَرِيُّ: إنَّه مِن بابِ الجمعِ بينَ لُغتَيْنِ، ومَعْنَى ذلك أنَّ المُتكلِّمَ به مِن العربِ قد استَعْمَلَ الماضِيَ مِن اللغةِ الثانيةِ التي تَأْتِي به على مِثَالِ نَصَرَ واستَعْمَلَ المُضارِعَ مِن اللغةِ الأُولَى التي تَأْتِي به على مِثَالِ عَلِمَ يَعْلَمُ، ويُسَمَّى هذا تدَاخُلَ اللغاتِ. (يَعْصُرَ) اسمُ رَجلٍ، وهو أَبُو قَبِيلَةٍ مِن بَاهِلَةَ.
الإعرابُ: (لا) حرفُ نهيٍ مبنيٌّ على السكونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (تَرْكَنَنَّ) تَرْكَنَ فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على الفَتْحِ لاتِّصَالِه بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ في مَحَلِّ جزمٍ بلا الناهيةِ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجوباً تقديرُه أنتَ، ونونُ التوكيدِ حرفٌ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ. (إلى الأمرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بتَرْكَنَ. (الَّذِي) اسمٌ موصولٌ نعتٌ للأمرِ (رَكَنَتْ) رَكَنَ فِعْلٌ ماضٍ، والتاءُ علامةٌ على تأنيثِ الفاعلِ. (أبناءُ) فاعلِ رَكَنَ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وأبناءُ مضافٌ و(يَعْصُرَ) مضافٌ إليه مجرورٌ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه لا يَنْصَرِفُ للعَلَمِيَّةِ ووَزْنِ الفعلِ. (حينَ) ظرفُ زمانٍ منصوبٌ برَكَنَت. (اضْطَرَّهَا) اضْطَرَّ فِعْلٌ ماضٍ، وضميرُ الغائبةِ العائدُ إلى أبناءُ يَعْصُرَ باعتِبَارِهم قبيلةً مفعولٌ به مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ نصبٍ. (القَدَرُ) فاعلُ اضْطَرَّ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، والجملةُ مِن الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه في مَحَلِّ جَرٍّ بإضافةِ حينَ إليها.
الشاهدُ فيه: قولهُ: (لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الأَمْرِ الَّذِي رَكَنَتْ أَبْنَاءُ يَعْصُرَ) حيثُ حَذَفَ العائدَ مِن جملةِ الصلةِ إلى الموصولِ، لكونِ ذلك العائدِ مجروراً بحرفِ جرٍّ مُماثلٍ للحرفِ الذي جَرَّ الموصوفَ بالموصولِ في اللفظِ والمَعْنَى، ومُتعلِّقُ الحرفَيْنِ مُتَّحِدٌ أيضاً في اللفظِ والمَعْنَى؛ إذ المَادَّةُ واحدةٌ، وليسَ يَضُرُّ اختلافُ الصيغتَيْنِ.
ومِثْلُ ما ذَكَرْنَا مِن الاستشهادِ في هذا البيتِ جَارٍ في موضعَيْنِ مِن قولِه:
إِنْ تُعْنَ نَفْسُكَ بِالأَمْرِ الَّذِي عُنِيَتْ = نُفُوسُ قَوْمٍ سَمَوْا تَظْفَرْ بِمَا ظَفِرُوا
وهذا البيتُ منسوبٌ لكَعْبِ بنِ زُهَيْرٍ صاحبِ البيتِ الشاهدِ، وهو بيتٌ أَنْشَدَه العَيْنِيُّ على أنَّه سابقٌ على بيتِ الشاهدِ. وموضعُ الاستشهادِ الأوَّلِ فيه قولُه: (إِنْ تُعْنَ نَفْسُكَ بالأَمْرِ الذي عُنِيَت نُفُوسُ قَوْمٍ) فإنَّ تقديرَ الكلامِ فيه: إِنْ تُعْنَ نَفْسُكَ بالأمرِ الذي عُنِيَت به نُفُوسُ قومٍ، فحَذَفَ (به) لكونِ المَوصوفِ بالموصولِ قد جُرَّ بباءٍ مُمَاثِلَةٍ للباءِ الجارَّةِ للضميرِ في اللفظِ والمَعْنَى، ولكونِ مُتَعَلَّقِ الحرفَيْنِ وَاحداً في اللفظِ والمَعْنَى أَيْضاً، والموضعُ الثانِي قولُه: (تَظْفَرْ بِمَا ظَفِرُوا) فإنَّ التقديرَ: تَظْفَرْ بِمَا ظَفِرُوا به، فحَذَفَ (به) لكونِ الموصولِ مجروراً بباءٍ مُمَاثِلَةٍ للباءِ الجارَّةِ للضميرِ في اللفظِ والمَعْنَى، ولكَوْنِ مُتَعَلَّقِ الحرفَيْنِ واحداً في المادَّةِ والمَعْنَى وإن اختَلَفَت صِيغَتُهما.
ومثلُ هذا الشاهدِ قولُ قَيْسِ بنِ ذُرَيْحٍ:
فَيَا قَلْبُ صَبْراً وَاعْتِرَافاً لِمَا تَرَى = وَيَا حُبَّها قَعْ بِالَّذِي أَنْتَ وَاقِعُ
أَصْلُه: قَعْ بالذي أنت وَاقعٌ به، ومثلُ ذلك قولُ الآخَرِ:
وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْرَاءَ حِقْبَةً = فَبُحْ لاَنَ مِنْهَا بِالَّذِي أَنْتَ بَائِحُ
أصلُه: فبُحِ الآنَ مِنها بالذي أنتَ بَائِحٌ به.
60 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الوافرِ، وصَدْرُه قولُه:
وَمِنْ حَسَدٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَوْمِي
وقد نَسَبَ بعضُ النحاةِ منهم الأَشْمُونِيُّ، والشَّيْخُ خَالِدٌ، والعَيْنِيُّ، هذا البيتَ إلى حَاتِمٍ، ورَاجَعْتُ دِيوَانَ شِعْرِه كُلَّه برِوَايَةِ ابنِ الكَلْبِيِّ فلم أَجِدْهُ فيه.
اللغةُ: (مِن حَسَدٍ) مَعْنَى مِن ههنا التعليلُ، يُرِيدُ أنَّهُم بسَبَبِ الحَسَدِ يَجُورُونَ عليه، والحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ نعمةِ المحسودِ، (يَجُورُ علَيَّ قَوْمِي) يَظْلِمُونَنِي ويُجَاوِزُونَ معي الحدودَ، (وأَيُّ الدَّهْرِ ذُو لَمْ يَحْسُدُونِي) يُرِيدُ: وأَيُّ وقتٍ مِن الأوقاتِ الذي لم يَحْسُدُونِي فيه، يَعْنِي أنَّ حسدَهُم إيَّاهُ دَائمٌ مُتَوَاصِلٌ.
الإعرابُ: (مِن حسدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بقولِه: (يَجُورُ) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، (عَلَيَّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَجُورُ أَيْضاً. (قَوْمِي) قَوْمِ فاعلُ يَجُورُ مرفوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على ما قبلَ ياءِ المتكَلِّمِ، وقومِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (وَأَيُّ) الواوُ استئنافيَّةٌ، أَيُّ اسمُ استفهامٍ مبتدأٌ، وهو مضافٌ و(الدَّهْرِ) مضافٌ إليه. (ذُو) اسمٌ موصولٌ بمعنَى الذي خبرُ المبتدأِ الذي هو أَيُّ. (لم) حرفُ نفيٍ وجزمٍ وقلبٍ. (يَحْسُدُونِي) فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وعلامةُ جَزْمِه حذفُ النونِ، وواوُ الجماعةِ فاعلُه، والنونُ الموجودةُ للوِقايَةِ، وياءُ المتكَلِّمِ مفعولٌ به، وجملةُ الفعلِ المضارعِ وفاعِلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها صلةُ الموصولِ، والعائدُ إلى الموصولِ مِن هذه الجملةِ ضميرٌ مجرورٌ بفي محذوفٌ، والتقديرُ: لم يَحْسُدُونِي فيه.
الشاهدُ فيه: قولُه: (ذُو لَمْ يَحْسُدُونِي) حيثُ حَذَفَ العائدَ إلى الموصولِ مِن جملةِ الصلةِ، أمَّا الموصولُ فهو قولُه: (ذو) ومعنَاه الذي، وأمَّا جملةُ الصلةِ فهي قولُه: (لم يَحْسُدُونِي)، وأمَّا العائدُ فهو ضميرٌ مجرورٌ بحرفِ جرٍّ محذوفٌ أيضاً، والتقديرُ: لم يَحْسُدُونِي فيه، والحذفُ في هذه الحالةِ - عندَ جَمْهَرَةِ العلماءِ - شَاذٌّ لا يَسُوغُ أن يُقَاسَ عليه؛ لأنَّ الموصولَ أو الموصوفَ به لم يَقَعْ مجروراً بحرفٍ مثلِ الحرفِ الذي جَرَّ العائدَ المحذوفَ.
وقد سَهَّلَ الحذفَ في هذا البيتِ كونُ الموصوفِ بالموصولِ تقديراً اسماً مُرَاداً به زمانٌ، وكَوْنُ الضميرِ العائدِ إليه مجروراً بفي التي تَخْطِرُ بالبالِ كما خَطَرَ به اسمُ الزمانِ، ألا تَرَى أنَّك إذا قُلْتَ: سَرَّنِي اليومُ الذي جِئْتَ. فُهِمَ مِن ذلك المُرادُ وأنَّك تَقْصِدُ: (سَرَّنِي اليومُ الذي جِئْتَ فيه). فأمَّا غيرُ اسمِ الزمانِ فإنَّ الجارَّ ما لم يُذْكَرْ لم يَتَعَيَّنْ في الذهنِ، ومِن أجلِ ذلك ذَهَبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّ الحذفَ في مثلِ هذا البيتِ قِيَاسِيٌّ، وعلى ذلك يَكُونُ المَدَارُ عند هؤلاءِ في جوازِ حذفِ العائدِ المجرورِ أن يَتَعَيَّنَ في الذهنِ معَ حَذْفِه، ولهذا التَعَيُّنِ أسبابٌ: أَوَّلُها: أن يكُونَ الموصولُ أو موصُوفُه مَجْرُوراً بمِثْلِه إلخ.
وثانِيها: أن يُعْهَدَ تَعْدِيَةُ الفعلِ المذكورِ في الكلامِ به.
وثالِثُها: أن يكُونَ الموصوفُ بالموصولِ زماناً والحرفُ في، وهذه الطريقةُ هي التي اختَارَها المُحَقِّقُ الرَّضِيُّ كما فَصَّلْنَاهُ لك فيما سَبَقَ.
61 - هذا عَجُزُ بيتٍ مِن الطويلِ، وصَدْرُه قولُه:
وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا
وهذا البيتُ قد استَشْهَدَ به جماعةٌ مِن مُتَقَدِّمِي النحاةِ مِنهم الرَّضِيُّ، والفَارِسِيُّ، وقُطْرُبٌ، واللَّيْثُ، ولم يَنْسُبْهُ واحدٌ منهم إلى قائلٍ مُعَيَّنٍ، وأَكْثَرُ ما قيلَ في نِسْبَتِه: إنَّه لرجلٍ مِن هَمْدَانَ.
اللغةُ: (هُوَّ) بتشديدِ الواوِ - ضميرُ الواحدِ الغائبِ، وهذه لغةُ هَمْدَانَ إحدَى قبائِلِ اليَمَنِ، فإنَّهُم يُشَدِّدُونَ الواوَ مِن (هُوَ) والياءَ مِن (هِيَ) ومثالُ ذلك في (هِيَ) قولُ شاعِرِهم:
وَالنَّفْسُ مَا أُمِرَتْ بِالعُنْفِ آبِيَةٌ = وَهِيَّ إِنْ أُمِرَتْ بِاللُّطْفِ تَأْتَمِرُ
(شُهْدَةٌ) - بضَمِّ الشينِ وسكونِ الهاءِ - أَصْلُه العَسَلُ ما دَامَ في شَمْعِه، (عَلْقَمُ) هو الحَنْظَلُ، وهو شَجَرٌ له ثَمَرٌ مُرٌّ كريهُ الطَّعْمِ.
المَعْنَى: شَبَّهَ لِسَانَه حينَ يُثْنِي على مَن يُرِيدُ الثناءَ عليه بشُهْدَةٍ تَسْتَرِيحُ النفسُ إلى مَذَاقِها، وشَبَّهَه حينَ يُرِيدُ أنْ يَنَالَ مِمَّن يُنَاوِئُه ويُعَادِيهِ بِالحَنْظَلِ تَعَافُ النَّفْسُ مَذَاقَه وتَمُجُّ طَعْمَه.
الإعرابُ: (إِنَّ) حرفُ توكيدٍ ونصبٍ. (لِسَانِي) لسانِ اسمُ إِنَّ وهو مضافٌ، وياءُ المتكَلِّمِ مضافٌ إليه. (شُهْدَةٌ) خبرُ إنَّ. (يُشْتَفَى) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ. (بها) جارٌّ ومجرورٌّ متعَلِّقٌ بيُشْتَفَى على أنَّه نائبُ فاعِلِه، وجملةُ الفعلِ المبنِيِّ للمجهولِ ونائبِ فاعِلِه في مَحَلِّ رفعٍ صفةٌ لشُهْدَةٍ. (وهو) ضميرٌ منفصلٌ مبتدأٌ مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ. (على) حرفُ جرٍّ. (مَنْ) اسمٌ موصولٌ مجرورٌ مَحَلاًّ بعَلَى، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بعَلْقَمُ الآتِي؛ لأنَّه في تأويلِ المُشْتَقِّ، والتقديرُ: وهو كَرِيهٌ على مَن – إلخ. (صَبَّه) صَبَّ فِعْلٌ ماضٍ، وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى اللسانِ مفعولٌ به. (اللَّهُ) فاعلُ صَبَّ، وجملةُ الفعلِ وفاعلِه ومفعولِه لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ مِن المجرورِ مَحَلاًّ بعَلَى، والعائدُ إلى الموصولِ محذوفٌ، والتقديرُ: على مَن صَبَّ اللَّهُ عليه. (عَلْقَمُ) خبرُ المبتدأِ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللَّهُ) حيثُ حَذَفَ العائدَ إلى الموصولِ مِن جملةِ الصلةِ، أمَّا الموصولُ فهو (مَن) المجرورُ مَحَلاًّ بعلَى، وأمَّا جُملةُ الصلةِ فهي قولُه: (صَبَّهُ اللَّهُ)، وأمَّا العائدُ فهو ضميرٌ مجرورٌ مَحَلاًّ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، وتقديرُ الكلامِ: وهو عَلْقَمٌ على مَن صَبَّهُ اللَّهُ عليه، ومُتَعَلَّقُ الجارِّ للموصولِ هو (عَلْقَمُ) الذي أَوَّلْنَاه بمُشْتَقٍّ، ومُتَعَلَّقُ الجارِّ للعائدِ هو (صَبَّ) فقد اتَّحَدَ الجارُّ للمَوصولِ، ولكنِ اختَلَفَ مُتَعَلَّقَاهُما في المادَّةِ. والحذفُ - معَ اختلافِ المُتَعَلَّقَيْنِ في المادَّةِ - شاذٌّ لا يَنْبَغِي أن يُقَاسَ عليه. وهذا الكلامُ جارٍ على الطريقةِ التي اختارَها ابنُ مالكٍ.
([12]) بَقِيَ على المُؤلِّفِ مَوَاضِعُ يَمْتَنِعُ فيها حذفُ العائدِ المجرورِ، ونحن نَذْكُرُها لك على سبيلِ الإجمالِ:
الموضعُ الأوَّلُ: أن يكُونَ هذا الضميرُ مَحْصُوراً، كأن تَقُولَ: (مَرَرْتُ بالذي ما مَرَرْتُ إلا بِه)، أو تَقُولَ: (مَرَرْتُ بالَّذِي إنَّمَا مَرَرْتُ به) وقد ذَكَرَ ابنُ مالِكٍ هذا المَوْضِعَ في بابِ المفعولِ به مِن (الخُلاصَةِ)، حيثُ قالَ:
وَحَذْفُ فَضْلَةٍ أَجِزْ إِنْ لَمْ يَضُرْ = كَحَذْفِ مَا سِيقَ جَوَاباً أَوْ حُصِرْ
الموضعُ الثانِي: أن يكُونَ المجرورُ معَ الجارِّ قد وَقَعَا موقِعَ النائبِ عن الفاعِلِ نحوُ أن تَقُولَ: (مَرَرْتُ بالذي مُرَّ به). ببناءِ مُرَّ للمَجْهُولِ.
الموضعُ الثالثُ: أن يَكُونَ حذفُه مُوقِعاً في اللَّبْسِ، نحوُ أن تقُولَ: (رَغِبْتُ في الَّذِي رَغِبْتَ فيه). فإنَّك لو حَذَفْتَ (فيه) لم يَدْرِ السامِعُ أَأَرَدْتَ أن تَقُولَ: (فيه). أو أن تَقُولَ: (عنه). فلا يَظْهَرُ المَعْنَى الذي أَرَدْتَ، وذِكْرُ (في) جارَّةً للموصولِ لا يُعَيِّنُ أنَّ الجارَّ للعائدِ هو (في) مثلُها؛ لأنَّك قد تُحِبُّ مَن يُحِبُّه وقد تُحِبُّ مَن يَبْغَضُه، فافْهَمْ ذلك ولا تَغْتَرَّ بما قَالَه الشَّيْخُ خَالِدٌ.
الموضِعُ الرابعُ: أن يَكُونَ في الكلامِ ضميرَانِ لا يَتَعَيَّنُ أحدُهما للربطِ، نحوُ أن تَقُولَ: (مَرَرْتُ بالذي مَرَرْتَ به في دارِه)؛ لأنَّك لو حَذَفْتَ (به) تَغَيَّرَ المَعْنَى عمَّا أَرَدْتَ.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 01:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

أي الموصولة:
99- أي كـ ما، وأعربت ما لم تضف = وصدر وصلها ضمير انحذف
و(أي) تستعمل موصولة، خلافا لأحمد بن يحيى في قوله: أنَّهَا لا تستعمل إلا شرطا أو استفهاما؛ وتكون بلفظ واحد في الإفراد والتذكير وفروعهما (كما). وقال أبو موسى: إذا أريد بها المؤنث لحقتها التاء، وحكى ابن كيسان: إن أهل هذه اللغة يثنونها ويجمعونها (وأعربت) دون أخواتها (ما لم تضف * وصدر وصلها ضمير انحذف) فإن أضيفت وحذف صدر صلتها بنيت على الضم، نحو: {ثم لننزعن من كلّ شيعة أيهم أشد} التقدير: أيهم هو أشد، وإن لم تضف، أو لم يحذف – نحو: أي قائم، وأي هو قائم، وأيهم هو قائم – أعربت، وقد سبق الكلاَم على سبب إعرابها في المبنيات.
***
100- وبعضهم أعرب مطلقا، وفي = ذا الحذف أيا غير أي يقتفي
101- إن يستطل وصل، وإن لم يستطل = فالحذف نزر، وأبوا أن يختزل
102- إن صلح الباقي لوصل مكمل = والحذف عندهم كثير منجلي
103- في عائد متصل إن انتصب = بفعل أو وصف: كمن نرجو يهب
(وبعضهم) أي: بعض النحاة، وهم الخليل ويونس ومن وافقهما (أعرب) أيا (مطلقا)، أي: وإن أضيفت وحذف صدر صلتها، وتأولا الآية: أما الخليل فجعلها استفاهمية محكية بقول مقدر، والتقدير: ثم لننزعن من كلّ شيعة الذي يقال فيه أيهم أشد، وأما يونس فجعلها استفهامية أيضا، لكنه حكم بتعليق الفعل قبلها عن العمل؛ لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب، واحتج عليهما بقوله [من المتقارب]:
110- إذا ما لقيت بني مالك = فسلم على أيهم أفضل
بضم أي؛ لأن حروف الجر لا يضمر بينها وبين معمولها قول، ولا تعلق، وبهذا يبطل قول من زعم أن شرط بنائها أن لا تكون مجرورة، بل مرفوعة أو منصوبة، ذكر هذا الشرط ابن إياز، وقال: نص عليه النقيب في (الأمالي)؛ ويحتمل أن يريد بقوله: وبعضهم- إلى آخره أن بعض العرب يعربها في الصور الأربع، وقد قرئ شاذاً: "أيهم أشد" بالنصب على هذه اللغة.
تنبيهٌ ان: الأول: لا تضاف "أي" لنكرة، خلافا لابن عصفور، ولا يعمل فيها إلا مستقبل متقدم، كما في الآية والبيت؛ وسئل الكِسَائِيّ: لم لا يجُوز: "أعجبني أيهم قام"؟ فقال: أي كذا خلقت.
الثاني: تكون أي موصولة كما عرف، وشرطا، نحو:{أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، واستفهاما، نحو: {فأي الفريقين أحق بالأمن}، ووصلة لنداء ما فيه أل ونعتا لنكرة دالاً على الكمال، نحو: "مررت برجل أي رجل"؛ وتقع حالا بعد المعرفة نحو: "هذا زيد أي رجل"، ومنه قوله [من الطويل]:
111- فأوميت إيماء خفيا لحبتـر = فلله عينا حبتر أيما فتــــــى
(وفي ذا الحذف) المذكور في صلة "أي" - وهو حذف العائد إذا كان مبتدأ- (أيا غير أي) من الموصولات (يقتفي) غير أي: مبتدأ، ويقفي: خبره، و"أيا": مفعول مقدم، وأصل التركيب: غير أي من الموصولات يقتفي أيا: أي يتبعها في جواز حذف صدر الصلة (إن يستطل وصل)، نحو: "ما أنا بالذي قائل لك سوءاً"، أي: بالذي هو قائل لك، ومنه: {وهو الذي في السماء إله} أي: هو في السماء إله (وإن لم يستطل) الوصل (فالحذف نزر) لا يقاس عليه، وأجازه الكوفيون، ومنه قراءة يحيى بن يعمر:(تماما على الذي أحسن) وقراءة مالك بن دينار وأبي السمال {ما بعوضة} بالرفع، وقوله [من الطويل]:
112- لا تنو إلا الذي خير فما شقيت = إلا نفوس الألى للشر ناوونــــا

وقوله [من البسيط]:
113- من يعن بالحمد لا ينطبق بما سفه = ولا يحد عن سبيل المجد والكــرم
(وأبوا أن يختزل) العائد المذكور، أي: يقتطع، ويحذف(إن صلح الباقي) بعد حذفه (لوصل مكمل) بأن كان ذلك الباقي بعد حذفه جملة أو شبهها؛ لأنَّهُ – والحالة هذه- لا يدرى أهناك محذوف أم لا، لعدم ما يدل عليه، ولا فرق في ذلك بين صلة "أي" وغيرها؛ فلاإ يجُوز: "جاءني الذي يضرب"، أو "أبوه قائم"، أو "عندك" أو "في الدار"، على أن المراد: "هو يضرب"، أو "هو أبوه قائم"، أو "هو عندك" أو "هو في الدار"، ولا "يعجبني أيهم يضرب"، أو "أبوه قائم"، أو "عندك"، أو "في الدار" كذلك؛ أما إذا كان الباقي غير صالح للوصل: بأن كان مفردا، أو خاليا عن العائد- نحو: {أيهم أشد}،{وهو الذي في السماء إله}- جاز كما عرفت؛ للعلم بالمحذوف.
تنبيهٌ ان: الأول: ذكر غير الناظم لحذف العائد المبتدأ شروطا أخر:
(أحدها) أن لا يكون معطوفا، نحو: "جاء الذي زيد وهو فاضلان".
(ثانيها) أن لا يكون معطوفا عليه، نحو: "جاء الذي هو وزيد قائمان" نقل اشتراط هذا الشرط عن البصريين، لكن أجاز الفراء وابن السراج في هذا المثال حذفه.
(ثالثها) أن لا يكون بعد "لولا"، نحو: "جاء الذي لولا هو لأكرمتك".
الثاني: أفهم كلاَمه أن العائد إذا كان مرفوعا غير مبتدأ لاإ يجُوز حذفه، فلاإ يجُوز: "جاء اللذان قام"، ولا "اللذان جن".
والحذف عندهم أي: عند النحاه، أو العرب (كثير منجلي* في عائدٍ متصل إن انتصب*بفعل) تام (أو وصف) هو غير صلة "أل": فالفعل كمن نرجو يهب أي:نرجوه، و{أهذا الذي بعث اللَّه رسولا}، أي: بعثه، و{مما عملت أيدينا} أي: عملته.والوصف كقوله [من البسيط]:
114- ما اللَّه موليك فضل فأحمدنه به = فما لدى غيره نفع ولا ضـــرر

أي: الذي اللَّه موليكه فضل، وخرج عن ذلك نحو: "جاء الذي إياه أكرمت"، و"جاء الذي أنَّهُ فاضل"، و"جاء الذي كأنَّهُ زيد"، و"الضاربها زيد هند"، فلاإ يجُوز حذف العائد في هذه الأمثلة. وشذ قوله [من البسيط]:
115- ما المستفز الهوى محمود عاقبة = ولو أتيح له صفو بلا كــــدر

وقوله [من الرجز]:
116- في المعقب البغي أهل البغي ما = ينهى أمرأً حازما أن يسأمــــا

وقوله [من الطويل]:
117- أخ مخلص واف صبور محافظ = على الود والعهد الذي كان مالــك
أي: كأنَّهُ مالك.
تنبيهٌ ان: الأول: في عبارته أمور:
الأول ظاهرها أن حذف المنصوب بالوصف كثير كالمنصوب بالفعل، وليس كذلك، ولعله إنما لم ينبه عليه للعلم بأصالة الفعل في ذلك وفرعية الوصف فيه، مع إرشاده إلى ذلك بتقديم الفعل وتأخير الوصف.
الثاني ظاهرها أيضا التسوية بين الوصف الذي هو غير صلة أل والذي هو صلتها، ومذهب الجمهور أن منصوب صلة "أل" لاإ يجُوز حذفه، وعبارة (التسهيل): وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام.
الثالث: شرط جواز حذف هذا العائد أنْ يكونَ متعينا للربط، قاله ابن عصفور، فإن لم يكن متعينا لم يجز حذفه، نحو: "جاء الذي ضربته في داره".
الرابع: إنما لم يقيد الفعل بكونه تاما اكتفاء بالتمثيل كما هي عادته.
الثاني: إذا حذف العائد المنصوب بشرطه ففي توكيده والعطف عليه خلاف: أجازه الأخفش والكِسَائِيّ، ومنعه ابن السراج وأكثر المغاربة، واتفقوا على مجيئ الحال منه إذا كانت متأخرة عنه، نحو: "هذه التي عانقت مجردة"، أي: عانقتها مجردة، فإنْ كانَت الحال متقدمة – نحو: هذه التي مجردة عانقت- فأجازها ثعلب، ومنعها هشام.
وهذا شروع في حكم حذف العائد المجرور، وهو على نوعين: مجرور بالإضافة، ومجرور بالحرف، وبدأ بالأول فقال:
104- كذاك حذف ما بوصف خفضا = كانت قاض بعد أمر من قضـــى

105- كذا الذي جر بما الموصول جر = كـ مر بالذي مررت فهو بــر
(كذاك) أي: مثل حذف العائد المنصوب المذكور في جوازه وكثرته (حذف ما بوصف) عامل (خفضا*كأنت قاض بعد) فعل (أمر من قضا) قال تعالى: {فاقض ما أنت قاض} أي: قاضيه، ومنه قوله [من الطويل]:
118- ويصغر في عيني تلادي إذا أنثنت = يميني بإدراك الذي كنت طالبـــا
أي: طالبه
أما المجرور بإضافة غير وصف – نحو: "جاء الذي وجهه حسن"- أو بإضافة وصف غير عامل- نحو: "جاء الذي أنا ضاربه أمس"- فلاإ يجُوز حذفه.


تنبيهٌ : إنما لم يقيد الوصف بكونه عاملاً اكتفاء بإرشاد المثال إليه
و(كذا) إ يجُوز حذف العائد (الذي جر) وليس عمدة؛ ولا محصوراً (بما الموصول جر) من الحروف، مع اتحاد متعلقي الحرفين: لفظا، ومعنى (كمر بالذي مررت فهو بر) أي: مررت به، ومنه {ويشرب مما تشربون} أي: منه، وقوله [من البسيط]:
119- لا تركنن إلى الأمر الذي ركنت = أبناء يعصر حين أضطرها القــدر

أي: ركنت إليه، وقوله [من الطويل]:
120- لقد كنت تخفي حب سمراء حقبة = فبح لان منها بالذي أنت بائــح

أي: بائح به، وخرج عن ذلك، نحو: "جاء الذي مررت به"، و"مررت بالذي مر به"، ومررت بالذي ما مررت إلا به و"رغبت في الذي رغبت عنه"، و"حللت في الذي حللت به"، و"مررت بالذي مررت به" - تعني بإحدى الباءين السببية والأخرى الإلصاق – و"زهدت في الذي رغبت فيه"، و"سررت بالذي فرحت به"، و"وقفت على الذي وقفت عليه"- تعني بأحد الفعلين الوقف والآخر الوقوف -، فلاإ يجُوز حذف العائد في هذه الأمثلةُ وأمَّا قولُ حَاتِمٍ [مِنَ الوَافِرِ]:
121 - وَمِنْ حَسَدٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَوْمِي = وَأَيُّ الدَّهْرِ ذُو لَمْ يَحْسُدُونِي
أي: فيهِ وقولُ الآخَرِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
122 - وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا = وَهُوَّ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ
أي: عليهِ: فشَاذَّانِ:
وحكمُ الموصوفِ بالمَوْصولِ في ذلك حكمُ الموصولِ؛ كما في قولِهِ [مِنَ البَسِيطِ]:
لَا تَرْكَنَنْ إِلَى الأَمْرِ الَّذِي رَكَنَتْ
وقدْ أعطَى الناظمُ ما أشرتُ إليهِ مِنَ القُيودِ بالتمثيلِ:
تنبيهانِ: الأولُ: حَذفُ العائدِ المنصوبِ هو الأصلُ، وحمْلُ المجرورِ عليهِ، لأنَّ كُلَّا منهما فَضْلَةٌ واختُلِفَ في المحذوفِ في الجَارِّ والمجرورِ أوَّلًا؛ فقالَ الكِسَائِيُّ: حَذْفُ الجارِّ أوَّلًا ثمَّ حذْفُ العائدِ.
وقالَ غيرُهُ: حُذِفَا معًا وجوَّزَ سِيبَوَيْهِ وَالأَخْفَش الأمرينِ اهـ.
[حَذْفُ الموصولِ وإبقاءُ صِلتِهِ]:
الثانِي: قدْ يُحذَفُ ما عُلِمَ مِنْ موصولٍ غير "أل" ومِنْ صِلةٍ غيرِهَا:
فالأولُ كقولِهِ [مِنَ الوَافِرِ]:
123 - أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ = وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
والثانِي كقولِهِ [مِنْ مَجْزُوء الكَامِلِ]:
نَحْنُ الأُلَى فَاجْمَعْ جُمُو = عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
وقدْ تقدَّمَ هذا الثانِي.
[الموصولُ الحَرْفيُّ]:
خاتمةٌ: الموصولُ الحرفيُّ: كُلُّ حرفٍ أُوِّلَ معَ صِلتِهِ بمصدرٍ، وذلك سِتَّةٌ: أنَّ وأنْ وَما وكَيْ ولَوْ والذي نحوُ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ} {لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}.


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

أيٌّ الموصولةُ


99- أيٌّ كَـ (مَا) وأُعْرِبَتْ ما لم تُضَفْ = وصدْرُ وَصْلِها ضميرٌ انْحَذَفْ
100- وبعضُهم أَعْرَبَ مُطْلَقاً... = ...............

هذا هو الموصولُ السادسُ مِن الموصولاتِ المشترَكَةِ، وهو لفْظُ (أيٍّ)، وهي كغيرِها مِن أَخَوَاتِها المتقدِّمَةِ تكونُ بلفْظٍ واحدٍ للمذَكَّرِ والمؤنَّثِ، مُفْرَداً كانَ أو مُثَنًّى أو مَجموعاً، نحوُ: يُعْجِبُنِي أيُّهم هو مُخْلِصٌ، فـ (أيُّ) فاعِلٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ، و(الهاءُ) مضافٌ إليه.
(وأيٌّ) تَختلِفُ في حُكْمِها الإعرابيِّ عن باقي أَخَوَاتِها مِن الموصولاتِ المشترَكَةِ؛ فإنها كلَّها مَبْنِيَّةٌ، وأمَّا (أيٌّ) فلها أرْبَعُ حالاتٍ:
الأُولى: أنْ تُضافَ ويُذكَرَ صَدْرُ صِلَتِها، نحوُ: كَافَأْتُ أيَّهُم هو مُجْتَهِدٌ.
الثانيةُ: ألاَّ تُضافَ ولا يُذْكَرَ صَدْرُ صِلَتِها، نحوُ: يُعْجِبُنِي التجارُ أيٌّ صادِقٌ في بَيْعِه.
الثالثةُ: ألاَّ تُضَافَ ويُذْكَرَ صَدْرُ صِلَتِها، نحوُ: يَنَالُ رضا اللَّهِ أيٌّ هو مُستقيمٌ.
ففي هذه الأمثلةِ جاءَتِ الصِّلَةُ جُملةً اسْمِيَّةً، صَدْرُها (وهو الْمُبتدأُ) ضميرٌ مذكورٌ أو محذوفٌ، فتُعْرَبُ في هذه الأحوالِ الثلاثِ بالحَرَكَاتِ، بالضمَّةِ رفْعاً، والفتْحَةِ نَصْباً، وبالكسرةِ جَرًّا، وذِكْرُ صَدْرِ الصلةِ وعدَمُ ذِكْرِه خاصٌّ بكونِ الصلةِ جُملةً اسْمِيَّةً كما في الأمثلةِ.
تقولُ: تَنَالُ رِضَا اللَّهِ أيٌّ هي مُتَحَجِّبَةٌ، نذْكُرُ بالخيرِ أيًّا هو مُحْسِنٌ. سأَتَكَلَّمُ معَ أيِّهِمْ هو مُنْفِقٌ.
الحالةُ الرابعةُ: أنْ تُضافَ ويُحْذَفَ صَدْرُ الصلةِ، وفي هذه الحالةِ تُبْنَى على الضَّمِّ في جميعِ الأحوالِ، نحوُ: يُعْجِبُنِي أيُّهُم مُخْلِصٌ، هَنَّأْتُ أيُّهم مُخْلِصٌ، سلَّمْتُ على أيُّهم مخلِصٌ، قالَ تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}.
وهذا المرادُ بقولِهِ: (أيٌّ كما...إلخ)، والمعنى: أنَّ (أَيًّا) مِثْلُ (ما) الموصولةِ في أنَّ كُلاًّ منهما اسمٌ مَوصولٌ مُشتَرَكٌ كما تَقَدَّمَ، وهي تُعْرَبُ (ما لم تُضَفْ)؛ أي: مُدَّةَ عَدَمِ إضافتِها حالةَ كونِ صَدْرِ الصلةِ ضَميراً محذوفاً، ويَدْخُلُ في ذلك الأحوالُ الثلاثُ المتقدِّمَةُ، ومفهومُه أنها إنْ أُضِيفَتْ وحُذِفَ صَدْرُ الصلَةِ أنها لا تُعْرَبُ، بل تُبْنَى، ثم ذَكَرَ أنَّ بعضَ العرَبِ أعْرَبَها في جميعِ الحالاتِ، أو أنَّ بعضَ النَّحْوِيِّينَ أعْرَبَها؛ أيْ: حَكَمَ بإعرابِها، وهم الكوفِيُّونَ والخليلُ ويُونُسُ.
حَذْفُ العائِدِ
1- العائدُ المرفوعُ

100 -............ وفي = ذا الحذْفِ أيًّا غيرُ أيٍّ يَقْتَفِي
101 - إنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ وإن لم يُسْتَطَلْ = فالحذْفُ نَزْرٌ وأَبَوْ أنْ يُخْتَزَلْ
102 - إنْ صَلَحَ الباقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلِ = .................

تَقَدَّمَ أنَّ صِلَةَ الموصولِ لا بُدَّ أنْ تَشتمِلَ على ضميرٍ يعودُ على الاسمِ الموصولِ، وهو العائدُ، وهو إمَّا أنْ يكونَ مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً.
ويَجوزُ ذِكْرُه كما يَجُوزُ حَذْفُه، فيَجوزُ حَذْفُه بشَرْطٍ عامٍّ، وشروطٍ خاصَّةٍ بكلِّ نوعٍ مِن الأنواعِ الثلاثةِ المذكورةِ.
فالشرْطُ العامُّ هو أمْنُ اللَّبْسِ، وذلك بأنْ لا يَصْلُحَ الباقي لأَنْ يَكونَ صلةً كاملةً، وعلامَةُ الصلَةِ الكاملةِ أنْ يكونَ الباقي بعدَ الحذْفِ جُملةً أو شِبْهَ جُملةٍ فيها ضميرٌ - غيرُ ذلك الضميرِ المحذوفِ - صالحٌ لعَوْدِه على الموصولِ.
فمِثالُ العائدِ المرفوعِ: جاءَ الذي هو أبوه مُسافِرٌ، فلا يَجوزُ حَذْفُ العائدِ المرفوعِ (هو)؛ لأَنَّ الباقيَ بعدَ الحذْفِ صالحٌ لأَنْ يكونَ صِلَةً كاملةً مشتَمِلَةً على عائدٍ، وهو (الهاءُ).
ومِثالُ العائدِ المنصوبِ: جاءَ الذي أَكْرَمْتُه في دارِه، فلا يَجُوزُ حذْفُ (الهاءِ) في (أَكْرَمْتُه)؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
ومِثالُ العائدِ المجرورِ: مَررتُ بالذي مَرَرْتَ به في مَكْتَبِه، فلا يَجُوزُ حذْفُ العائدِ (به)؛ لِمَا ذَكَرْنا مِن كونِ الباقي صالِحاً لأَنْ يكونَ صِلَةً.
أمَّا الشروطُ الخاصَّةُ، فالعائدُ المرفوعُ يَجوزُ حَذْفُه بشَرطينِ:
1- أنْ يكونَ مبتدأً. 2- أنْ يكونَ خبَرُه مُفْرَداً.
نحوُ: تَسْعَدُ المملكةُ بتطبيقِ شرْعِ اللَّهِ الذي هو كَفِيلٌ بإصلاحِ الفرْدِ والمجتَمَعِ، فيَجوزُ حَذْفُ العائدِ (هو)، قالَ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ}، فقولُه: جَلَّ وعلا (إلهٌ) خَبرٌ لِمُبتدأٍ محذوفٍ؛ أيْ: (هو إلهٌ)؛ أيْ: مَأْلُوهٌ بمعنى: مَعبودٌ حُبًّا وتَعظيماً، فصَحَّ حذْفُ العائدِ في المِثالِ والآيةِ؛ لأنه مُبتدأٌ وخَبَرَه مُفْرَدٌ.
فإنْ كانَ العائدُ غيرَ مُبتدأٍ لم يَجُزْ حَذْفُه، نحوُ: حَضَرَ اللذانِ تَبَرَّعَا بالمالِ، فلا تُحْذَفُ الألِفُ؛ لأنها فاعلٌ.
وإنْ كانَ العائدُ مُبتدأً لكنَّ خبَرَه جُملةٌ لم يُحْذَفْ أيْضاً؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِن صَلاحيَّةِ الباقي لأَنْ يكونَ صِلَةً كاملةً، نحوُ: جاءَ الذي هو أخوهُ ناجِحٌ؛ إذ لو حُذِفَ لتَبَادَرَ إلى ذِهْنِ السامِعِ عَدَمُ الحذْفِ.
لِوُجُودِ ضميرٍ آخَرَ يَصْلُحُ أنْ يكونَ عائداً.
ولا يَكْثُرُ حَذْفُ العائدِ إلاَّ إذا طَالَتِ الصِّلَةُ؛ (أيْ: لم تكنْ مَقصورةً على العائدِ وخَبَرِه المُفْرَدِ، وإنما يكونُ لها مُكَمِّلاتٌ مِن المعمولاتِ؛ كالمفعولِ به والمضافِ إليه والجارِّ والمجرورِ، أو غيرِ ذلك)، نحوُ: جاءَ الذي هو فاعلٌ خَيْراً، فيَحْسُنُ حَذْفُ العائدِ لطُولِ الصِّلةِ بالمفعولِ به، وقد مَضَى مِثالُ الجارِّ والمجرورِ، ومِثالُ المضافِ إليه: نَزَلَ الْمَطَرُ الذي هو مَصْدَرُ مِياهِ الآبارِ. فيَحسُنُ حَذْفُ العائدِ لِمَا سَبَقَ.
وتُستثنَى (أيٌّ) مِن اشتراطِ طُولِ الصِّلَةِ؛ لأنها مُلازِمَةٌ للإضافةِ لَفْظاً أو تقديراً؛ فأَغْنَى ذلك عن اشتراطِ طُولِ الصِّلَةِ.
وهذا معنَى قولِِهِ: (وفي ذا الحذْفِ... إلخ) أي: غيرُ (أيٍّ) مِن الموصولاتِ يَقْتَفِي (أَيًّا)؛ أيْ: يَتْبَعُها في حذْفِ صَدْرِ الصِّلَةِ، (إنْ يُسْتَطَلْ وَصْلٌ)؛ أيْ: إذا كانَتِ الصِّلةُ طَويلةً، وصَدْرُ الصلةِ هو العائدُ المرفوعُ، فإنْ لم تَطُلِ الصِّلةُ فالحذْفُ (نَزْرٌ)؛ أيْ: قليلٌ، (وَأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ)؛ أيْ: أَبَى النحْوِيُّونَ أنْ (يُخْتَزَلْ)؛ أيْ: يُختصَرَ بسببِ الحذْفِ إنْ كانَ الباقي بعدَ حذْفِ العائدِ صالِحاً (لوَصْلٍ مُكْمِلِ)؛ أيْ: لصِلَةٍ كاملةٍ مُشتمِلَةٍ على عائدٍ.
وقد عَلِمْتَ أنَّ هذا الشَّرْطَ (وهو أنْ يكونَ الباقي لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ صِلَةً) لا يَختَصُّ بالمرفوعِ، وكلامُ الناظمِ لا يُفهَمُ منه أنه عامٌّ؛ لأَنَّ الضميرَ في قولِه: (وأَبَوْا أنْ يُخْتَزَلْ) عائدٌ على قولِه: (وصَدْرُ وَصْلِها ضميرٌ انْحَذَفْ)، وهذا خاصٌّ بالمرفوعِ.
2- حذْفُ العائدِ المنصوبِ

102-............... = والحذْفُ عندَهمْ كثيرٌ مُنْجَلِي
103- في عائدٍ متَّصِلٍ إنِ انْتَصَبْ = بفِعْلٍ أوْ وَصْفٍ كمَن نَرْجُو يَهَبْ
يَجُوزُ حَذْفُ العائدِ المنصوبِ بشَرطيْنِ، زِيادةً على الشرْطِ العامِّ المتقَدِّمِ، وهما:
1- أنْ يكونَ ضميراً مُتَّصِلاً.
2- أنْ يكونَ منصوباً بفِعْلٍ تامٍّ أو بوَصْفٍ.
فمِثالُ الفعْلِ: قَرَأْتُ الكتابَ الذي قرأتَ؛ أي: قرأتَه، قالَ تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}؛ أيْ: خَلَقْتُه، وقالَ تعالى: {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً}؛ أيْ: بَعَثَه, ومِثالُ الوَصْفِ: اشْكُرْ رَبَّكَ على ما هو مُعْطِيكَ؛ أيْ: مُعْطِيكَهُ، قالَ الشاعرُ:

مَا اللَّهُ مُولِيكَ فَضْلٌ فاحْمِدَنْهُ بِهِ = فما لَدَى غيرِه نَفْعٌ ولا ضَرَرُ
أي: الذي اللَّهُ مُولِيكَهُ فَضْلٌ.
فإنْ كانَ الضميرُ مُنفصِلاً: فإنْ كانَ جائزَ الانفصالِ جازَ حَذْفُه؛ كما في المِثالِ والبيتِ المذكورِ، فإنه يَجوزُ انفصالُه - كما مضَى في بَحْثِ الضميرِ - وإنما قَدَّرْنَاهُ مُتَّصِلاً؛ لأَنَّ الكلامَ فيه.
وإنْ كانَ واجبَ الانفصالِ مِثلَ أنْ يكونَ مُقَدَّماً على عامِلِه لم يَجُزْ حَذْفُه، نحوُ: جاءَ الذي إيَّاهُ كَافَأْتُ؛ إذ لو حُذِفَ لفاتَ غَرَضُ المُتَكَلِّمِ مِن قَصْرِ الْمُكافأةِ على الذي جاءَ دُونَ غَيْرِه.
وكذلك يَمْتَنِعُ الحذْفُ إنْ كانَ الضميرُ مُتَّصِلاً منصوباً بغيرِ فِعْلٍ أو وَصْفٍ، وهو الحرْفُ، نحوُ: سافَرَ الذي إنه مُجَاهِدٌ، فلا يَجوزُ حذْفُ الهاءِ.
وكذلك يَمْتَنِعُ الحذْفُ إذا كانَ العائدُ مَنصوباً بفِعْلٍ ناقِصٍ، نحوُ: جاءَ الذي كَانَهُ زَيْدٌ، فالهاءُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لكانَ، وهي العائدُ، ولا يَجوزُ حَذْفُها.
وهذا معنَى قولِه، (والحذْفُ عِنْدَهُمْ.. إلخ) أيْ: أنَّ الحَذْفَ عندَ العرَبِ كثيرٌ مُتَّضِحٌ في كلِّ عائدٍ مُتَّصِلٍ منصوبٍ بفِعْلٍ أو وَصْفٍ.
واستَغْنَى بالمِثالِ عن ذِكْرِ شرْطِ التمامِ في الفعْلِ، والمثالُ: (كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ)؛ أي: الذي نَرْجُوهُ يَهَبُ.
وحَذْفُ العائدِ معَ الفِعْلِ كثيرٌ، ومعَ الوَصْفِ قليلٌ، وقد أَشْعَرَ بذلك تقديمُ الفعْلِ، ولأنه الأَصْلُ في العمَلِ والتصَرُّفِ الذي مِن جُملتِه حَذْفُ المعمولِ، والوصْفُ فَرْعٌ عنه في هذا.
3- حَذْفُ العائدِ المجرورِ

104- كذاكَ حَذْفُ ما بوَصْفٍ خُفِضَا = كأنتَ قاضٍ بعدَ أمْرٍ مِن قَضَى
105- كذا الذي جُرَّ بما الموصولَ جَرْ = كمُرَّ بالذي مَرَرْتُ فَهْوَ بَرْ
العائدُ المجرورُ نوعانِ:
الأوَّلُ: مجرورٌ بالمضافِ، وشَرْطُ جوازِ حَذْفِه - بعدَ الشرْطِ العامِّ - أنْ يكونَ المضافُ اسمَ فاعِلٍ أو اسمَ مفعولٍ مِن فِعْلٍ يَنْصِبُ مفعوليْنِ، وكِلاهما للحالِ أو الاستقبالِ، ولا بُدَّ أنْ يَعْتَمِدَ على مُبتدأٍ ونحوِه مما هو مذكورٌ في بابِ اسمِ الفِعْلِ، نحوُ: يَفْرَحُ الذي أنا مُكْرِمٌ الآنَ أو غَداً؛ أيْ: مُكْرِمُه، قالَ تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}، فما: اسمٌ موصولٌ، وقد حُذِفَ العائدُ؛ لأنه مجرورٌ بوَصْفٍ، والتقديرُ: قاضِيهِ، وهو للاستقبالِ؛ بدليلِ الأمْرِ قَبْلَهُ.
ومِثالُ اسمِ المفعولِ: خُذِ الكتابَ الذي أنا مُعْطَى الآنَ أو غَداً؛ أيْ: مُعْطَاهُ، فإنْ كانَ العائدُ مجروراً بغيرِ ذلك لم يَجُزِ الحذْفُ، وهذا فيما يَلِي:
1- الاسمُ الجامِدُ نحوُ: جاءَ الذي تَخَلَّفَ ابْنُه، فلا يُحْذَفُ العائدُ المجرورُ؛ لأَنَّ المضافَ غيرُ وَصْفٍ.
2- الوَصْفُ الذي كانَ للماضي، نحوُ: جاءَ الذي أنا مُكْرِمُه أمْسِ، وفَرِحَ السائلُ بما كانَ مُعطَاهُ.
3- اسمُ المفعولِ الْمُتَعَدِّي لواحدٍ، نحوُ: جاءَ الذي أنا مَضروبُه.
النوعُ الثاني: مجرورٌ بالحرْفِ، وشَرْطُ جَوازِ حَذْفِه أنْ يكونَ الموصولُ مجروراً بِمِثْلِ الحرْفِ الذي جَرَّ العائدَ لفظاً ومعنًى، وأنْ يكونَ الْمُتَعَلِّقُ في كلٍّ مِنهما مُشابِهاً الآخَرَ، إمَّا في لفْظِه ومعناه، نحوُ: سَلَّمْتُ على الذي سَلَّمْتَ عليه، فيَجوزُ حَذْفُ العائدِ فتقولُ: سَلَّمْتُ على الذي سَلَّمْتَ؛ لاتِّفاقِهما في الحرْفِ والْمُتَعَلِّقِ، فإنَّ المجرورَ الأوَّلَ (على الذي) مُتَعَلِّقٌ بالفعْلِ الأوَّلِ (سَلَّمْتُ)، والمجرورَ الثانِيَ، (عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بالفعْلِ (سَلَّمْتُ)، قالَ تعالى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}؛ أيْ: منه.
أو كانَ الاتِّفاقُ في المعنَى فَقَطْ، نحوُ: فَرِحْتُ بالذي سُرِرْتَ به، فيَجوزُ حذْفُ العائدِ (به) للاتِّفاقِ في الحرْفِ، وهو الباءُ، والمتعَلِّقُ وهو (فَرِحْتُ، وسُرِرْتُ)، ومعناهما واحدٌ، فإنِ اخْتَلَفَ الحرْفُ أو المتعَلِّقُ، نحوُ: مَرَرْتُ بالذي غَضِبْتَ عليه، لم يَجُزِ الحذْفُ.
ويَرَى بعضُ النَّحْوِيِّينَ حَذْفَ العائدِ المجرورِ إذا تَعَيَّنَ المحذوفُ، ولم يوقِعْ في لَبْسٍ، ولو لم يُوجَدِ الشرْطُ المذكورُ؛ كقولِه تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}؛ أيْ: على الذي هَدَاكُمْ إليه، وقولِه تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ}؛ أيْ: به، وهذا رأيٌ حَسَنٌ.
وما ذَكَرْنَاهُ أوَّلاً هو معنَى قولِه: (كذاكَ حَذْفُ ما بوَصْفٍ خُفِضَا..)؛ أيْ: كذلك يَجوزُ حَذْفُ العائدِ المجرورِ الذي (خُفِضَ)؛ أيْ: جُرَّ بوَصْفٍ، ثم ذَكَرَ المِثالَ، واستَغْنَى به عن أنْ يُقَيِّدَ الوصْفَ بالحالِ أو الاستقبالِ، وكذلك يُحْذَفُ العائدُ المجرورُ الذي جُرَّ بِمِثْلِ الحرْفِ الذي جَرَّ الموصولَ، ثم ذَكَرَ المثالَ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أي, الموصولة،

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir