دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:08 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي إعراب جمع المؤنث السالم وما يلحق به


وما بِتَا وألِفٍ قدْ جُمِعَا= يُكْسَرُ في الجَرِّ وفي النصْبِ مَعَا
كذا أُولاتُ والَّذِي اسْمَا قدْ جُعِلْ =كأَذْرُعاتٍ فيهِ ذا أيْضًا قُبِلْ


  #2  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 09:09 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

وما بِتَا وأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا = يُكْسَرُ في الجَرِّ وفي النصْبِ مَعَا(1)
‌لَمَّا فَرَغَ مِن الكلامِ على الذي تَنُوبُ فيه الحروفُ عن الحركاتِ شَرَعَ في ذِكْرِ ما نَابَتْ فيه حركةٌ عن حركةٍ، وهو قِسمانِ: أحدُهما: جَمْعُ المؤنَّثِ السالِمُ، نحوُ: مُسْلِماتٍ.
وقَيَّدْنَا بـ (السالِمِ) احترازاً عن جمعِ التكسيرِ، وهو ما لم يَسْلَمْ فيه بناءُ واحدِه، نحوُ: هُنُودٍ، وأشارَ إليه المصنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى بقولِهِ: (وَما بِتَا وأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا)؛ أي: جُمِعَ بالألفِ والتاءِ المزيدتيْنِ، فخَرَجَ نحوُ: قُضَاةٍ(2)؛ فإنَّ أَلِفَه غيرُ زائدةٍ، بل هي مُنْقَلِبَةٌ عن أصلٍ، وهو الياءُ؛ لأنَّ أصلَه قُضَيَةٌ، ونحوُ: أبياتٍ(3)؛ فإنَّ تاءَه أصليَّةٌ، والمرادُ منه ما كانَتِ الألفُ والتاءُ سبباً في دَلالتِهِ على الجمعِ، نحوُ: (هِنْدَاتٍ)، فاحْتُرِزَ بذلك عن نحوِ: قُضَاةٍ وأبياتٍ؛ فإنَّ كلَّ واحدٍ مِنهما جَمْعٌ مُلْتَبِسٌ بالألفِ والتاءِ، وليسَ مِمَّا نحنُ فيه؛ لأنَّ دَلالةَ كلِّ واحدٍ مِنهما على الجمعِ ليسَ بالألفِ والتاءِ، وإنما هو بالصيغةِ.
فانْدَفَعَ بهذا التقريرِ الاعتراضُ على المُصَنِّفِ بمثلِ (قُضَاةٍ وأبياتٍ)، وعُلِمَ أنه لا حاجةَ إلى أنْ يقولَ: بألفٍ وتاءٍ مَزِيدَتَيْنِ، فالباءُ في قَوْلِهِ: (بِتَا) متعلِّقَةٌ بقولِهِ: (جُمِعَ).
وحُكْمُ هذا الجمعِ أنْ يُرْفَعَ بالضمَّةِ، ويُنْصَبَ ويُجَرَّ بالكَسرةِ، نحوُ: (جَاءَنِي هِنْدَاتٌ، ورَأَيْتُ هِنْدَاتٍ، ومَرَرْتُ بِهِنْدَاتٍ)، فنَابَتْ فيه الكسرةُ عن الفتحةِ، وزَعَمَ بعضُهم أنه مبنِيٌّ في حالةِ النصبِ، وهو فاسدٌ؛ إذ لا مُوجِبَ لبنائِه(4).

كَذَا أُولاَتُ والذي اسْماً قَدْ جُعِلْ = كأَذْرِعَاتٍ فيهِ ذا أيضاً قُبِلْ(5)
أشار بقولِهِ: (كذا أُولاَتُ) إلى أنَّ (أُوَلاتٍ) تَجْرِي مَجْرَى جمعِ المؤنَّثِ السالِمِ في أنها تُنْصَبُ بالكسرةِ ولَيْسَتْ بجمعِ مؤنَّثٍ سالِمٍ، بل هي مُلْحَقَةٌ به؛ وذلك لأنَّها لا مفردَ لها مِن لَفْظِها.
ثم أشارَ بقولِه: (والذي اسْماً قدْ جُعِلْ) إلى أنَّ ما سُمِّيَ به من هذا الجمعِ والملحَقِ به، نحوَ: (أَذْرِعَاتٍ) يُنْصَبُ بالكسرةِ، كما كانَ قبلَ التسميَةِ به، ولا يُحْذَفُ منه التنوينُ، نحوُ: (هذه أَذْرِعَاتٌ، ورَأَيْتُ أَذْرِعَاتٍ، ومَرَرْتُ بأَذْرِعَاتٍ) هذا هو المذهَبُ الصحيحُ، وفيه مذهبانِ آخرانِ: أَحَدُهما أنه يُرْفَعُ بالضمَّةِ ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالكسرةِ، ويُزالُ منه التنوينُ، نحوُ: (هذه أَذْرِعَاتُ، ورَأَيْتُ أَذْرِعَاتِ، ومَرَرْتُ بأَذْرِعَاتِ)، والثاني: أنه يُرْفَعُ بالضمَّةِ، ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالفتحةِ، ويُحْذَفُ مِنه التنوينُ، نحوُ: (هذه أَذْرِعَاتُ، ورَأَيْتُ أَذْرِعَاتَ ومَرَرْتُ بأَذْرِعَاتَ)، ويُرْوَى قولُه:

12- تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍَ ِ وأَهْلُهَا = بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي(6)
بكسرِ التاءِ منونةً كالمَذْهَبِ الأوَّلِ، وبكَسْرِها بلا تنوينٍ كالمذهَبِ الثاني، وبفتحِها بلا تنوينٍ كالمَذْهَبِ الثالثِ.


([1]) (وما) الواوُ للاستئنافِ، ما: اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ، (بِتَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بجُمِعَ الآتِي، (وَأَلِفٍ) الواوُ حرفُ عطفٍ، ألِفٍ: معطوفٌ على تَا، (قَدْ) حَرفُ تحقيقٍ، (جُمِعَا) جُمِعَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى ما، والجملةُ مِن الفعلِ ونائبِ الفاعلِ لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ صِلَةُ الموصولِ، (يُكْسَرُ) فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى الاسمِ الموصولِ الواقعِ مبتدأً، والجملةُ من الفعلِ المضارعِ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (في الجَرِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيُكْسَرُ، (وَفِي النَّصْبِ) الواوُ حرفُ عطفٍ، في النصبِ: جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ بالواوِ على الجارِّ والمجرورِ الأولِ، (مَعَا) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ.
([2]) مثلُ قُضاةٍ في ذلك: بُنَاةٌ، وهُدَاةٌ، ورُماةٌ، ونظيرُها: غُزَاةٌ، ودُعاةٌ، وكُساةٌ، فإنَّ الألفَ فيها منقلِبَةٌ عن أصلٍ، لَكِنَّ الأصلَ في غُزَاةٍ ودُعاةٍ وكُساةٍ واوٌ، لا ياءٌ كما هو أصلُ ألفِ بُناةٍ وهُداةٍ ورُماةٍ.
([3]) ومثلُ أبياتٍ في ذلك: أمواتٌ، وأصواتٌ، وأَثْبَاتٌ، وأَحْوَاتٌ جَمْعُ حُوتٍ، وأَسْحَاتٌ جَمْعُ سُحْتٍ بمعنى حرامٍ.
([4]) اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ في جمعِ المؤنَّثِ السالِمِ إذا دَخَلَ عليه عاملٌ يَقْتَضِي نصبَه؛ فقِيلَ: هو مبنيٌّ على الكسرِ في محلِّ نصبٍ، مثلُ: هؤلاءِ وحَذَامِ ونحوِهما، وقيل: هو مُعْرَبٌ، ثمَّ قيلَ: يُنْصَبُ بالفتحةِ الظاهرةِ مُطلقاً؛ أي: سواءٌ أكانَ مُفْرَدُه صحيحَ الآخِرِ نحوَ: زَيْنَبَاتٍ وطَلَحَاتٍ في جمعِ زَيْنَبَ وطَلْحَةَ، أم كانَ مُعْتَلاًّ نحوَ لُغاتٍ وثُبَاتٍ في جمعِ لُغَةٍ وثُبَةٍ، وقيلَ: بل يُنْصَبُ بالفتحةِ إذا كانَ مفردُه معتلاًّ، وبالكسرةِ إذا كانَ مفردُه صحيحاً، وقيلَ: يُنْصَبُ بالكسرةِ نيابةً عن الفتحةِ مُطلقاً؛ حَمْلاً لنصبِه على جَرِّه، كما حُمِلَ نَصْبُ جمعِ المذكَّرِ السالِمِ ـ الذي هو أصلُ جمعِ المؤنَّثِ ـ على جَرِّه، فجُعِلا بالياءِ، وهذا الأخيرُ هو أشهرُ الأقوالِ وأصحُّها عندَهم، وهو الذي جَرَى عليه الناظِمُ هنا.
ثم اعْلَمْ أنَّ الجمعَ بالألفِ والتاءِ يَنْقَاسُ في خمسةِ أشياءَ:
أوَّلُها: ما كانَ مُقْتَرِناً بالتاءِ، سواءٌ أكانَ عَلَمَ مؤنَّثٍ كفَاطِمَةَ، أم عَلَمَ مذكَّرٍ كطَلْحَةَ، أم غيرَ عَلَمٍ كزَفْرَةٍ.
وثانيها: ما كانَ آخرُه ألفَ التأنيثِ الممدودةَ؛ كصَحْرَاءَ أو المقصورةَ كحُبْلَى.
وثالِثُها: ما كانَ عَلَماً لمؤنَّثٍ؛ كزَيْنَبَ ودَعْدٍ.
ورَابِعُها: مُصَغَّرُ ما لا يَعْقِلُ؛ كدُرَيْهِمٍ.
وخامِسُها: وصفُ ما لا يَعْقِلُ؛ كأيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ وجِبالٍ رَاسِيَاتٍ.
([5]) (كَذَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرٍ مقدَّمٍ، (أُولاَتُ) مبتدأٌ مؤخَّرٌ، (وَالَّذِي) الواوُ للاستئنافِ، الذي اسمٌ موصولٌ مبتدأٌ أوَّلُ، (اسْماً) مفعولٌ ثانٍ لجُعِلَ الآتِي، (قَدْ) حَرْفُ تحقيقٍ، (جُعِلْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ـ وهو المفعولُ الأوَّلُ ـ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يَعُودُ إلى الذي، والجملةُ لا مَحَلَّ لها صِلَةُ الموصولِ، (كَأَذْرِعَاتٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: وذلك كائنٌ كأَذْرِعَاتٍ، (فيهِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقُبِل الآتِي، (ذَا) مبتدأٌ ثانٍ، (أَيْضاًً) مفعولٌ مطلَقٌ حُذِفَ عاملُه، (قُبِلْ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى ذا، والجملةُ خبرُ المبتدأِ الثانِي، وجملةُ المبتدأِ الثاني وخبرِه في مَحَلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ الأوَّلِ وهو (الذي)؛ أي: وقد قِيلَ هذا الإعرابُ في الجمعِ الذي جُعِلَ اسماً كأَذْرِعَاتٍ، والتقديرُ الإعرابيُّ للبيتِ: وأُولاتُ كذلك؛ أي: كالجمعِ بالألفِ والتاءِ، والجمعُ الذي جُعِلَ اسماً؛ أي: سُمِّيَ به بحيثُ صارَ عَلَماً، ومثالُه أَذْرِعَاتٌ ، هذا الإعرابُ قد قُبِلَ فيه أيضاًً، وأَذْرِعَاتٌ في الأصلِ: جمعُ أَذْرِعَةٍ الذي هو جمعُ ذِرَاعٍ، كما قالُوا: رِجَالاتٌ وبُيُوتَاتٌ وجِمَالاتٌ، وقد سُمِّيَ بأَذْرِعَاتٍ بلدٌ في الشامِ كما سَتَسْمَعُ في الشاهدِ رَقْمِ 12.
([6]) البيتُ لامْرِئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، مِن قَصيدةٍ مَطْلَعُها:

ألاَ عِمْ صَبَاحاً أَيُّها الطَّلَلُ الْبَالِي = وهل يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الخَالِي
اللغةُ: (تَنَوَّرْتُهَا) نَظَرْتُ إليها من بَعيدٍ، وأصلُ التَّنَوُّرِ: النظرُ إلى النارِ مِن بَعِيدٍ، سَوَاءٌ أرادَ قَصْدَها أم لم يُرِدْ، و(أَذْرِعَاتٌ) بلدٌ في أطرافِ الشامِ، و(يَثْرِبُ) اسمٌ قديمٌ لمدينةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (أَدْنَى) أقربُ، (عَالٍ) عَظيمُ الارتفاعِ والامتدادِ.
الإعرابُ: (تَنَوَّرْتُهَا) فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ به، (مِن) حرفُ جرٍّ، (أَذْرِعَاتٍ) مجرورٌ بمِن وعلامةُ جَرِّه الكسرةُ الظاهرةُ إذا قَرَأْتَهُ بالجرِّ مُنَوَّناً، أو مِن غيرِ تنوينٍ، فإنْ قَرَأْتَه بالفتحِ قلتَ: وعلامةُ جَرِّه الفتحةُ نيابةً عن الكسرةِ؛ لأنَّه اسمٌ لا يَنْصَرِفُ، والمانعُ له من الصرفِ العَلَمِيَّةُ والتأنيثُ، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بتَنَوَّرَ، (وأَهْلُهَا) الواوُ للحالِ، وأهلُ مبتدأٌ، وأهلُ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (بِيَثْرِبَ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في محلِّ نصبِ حالٍ، (أَدْنَى) مبتدأٌ، وأدنَى مضافٌ ودارِ مِن (دَارِهَا) مضافٌ إليه، ودارِ مضافٌ وضميرُ الغائبةِ مضافٌ إليه، (نَظَرٌ) خبرُ المبتدأِ، (عالِ) نعتٌ لنَظَرٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أَذْرِعَاتٍ)؛ فإنَّ أصلَه جَمْعٌ، كما بَيَّنَّا في تقديرِ بيتِ الناظمِ، ثمَّ نُقِلَ فصارَ اسمَ بلدٍ، فهو في اللفظِ جمعٌ، وفي المعنَى مفردٌ.
ويُرْوَى في هذا البيتِ بالأوجهِ الثلاثةِ التي ذكَرَها الشارِحُ: فأمَّا مَن رَوَاهُ بالجرِّ والتنوينِ فإنما لاحَظَ حالَه قبلَ التسميةِ به، من أنه جُمِعَ بالألفِ والتاءِ المزيدتيْنِ، والذين يُلاحِظُونَ ذلك يَسْتَنِدُونَ إلى أنَّ التنوينَ في جَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ تنوينُ المقابلةِ؛ إذ هو في مقابلةِ النونِ التي في جمعِ المذكَّرِ السالِمِ، وعلى هذا لا يُحْذَفُ التنوينُ، ولو وُجِدَ في الكَلِمَةِ ما يَقْتَضِي منعَ صَرْفِها؛ لأنَّ التنوينَ الذي يُحْذَفُ عندَ منعِ الصرفِ هو تنوينُ التمكينِ، وهذا عندَهم كما قُلنا تنوينُ المقابلةِ، وأمَّا مَن رَوَاهُ بالكسرِ من غيرِ تنوينٍ - وهم جماعةٌ مِنهم المُبَرِّدُ والزَّجَّاجُ - فقد لاَحَظُوا فيه أمريْنِ:
أَوَّلُهما: أنه جمعٌ بحسَبِ أصلِه، وثانيهما: أنه عَلَمٌ على مؤنَّثٍ؛ فأَعْطَوْهُ مِن كلِّ جِهَةٍ شَبَهاً؛ فمِن جِهَةِ كَوْنِهِ جَمْعاً نَصَبُوه بالكسرةِ نيابةً عن الفتحةِ، ومِن جِهَةِ كونِه عَلَمَ مؤنَّثٍ حذَفوا تَنْوِينَه.
وأمَّا الذين رَوَوْهُ بالفتحِ مِن غيرِ تنوينٍ - وهم جماعةٌ مِنهم سِيبَوَيْهِ وابنُ جِنِّيٍّ - فقد لاحَظُوا حالتَه الحاضرةَ فقطْ، وهي أنه عَلَمٌ على مؤنَّثٍ، فقدِ اجْتَمَعَ فيه العَلَمِيَّةُ والتأنيثُ، وكلُّ اسمٍ تَجْتَمِعُ فيه العَلَمِيَّةُ معَ التأنيثِ يكونُ مَمْنُوعاً من الصرفِ، فيُجَرُّ بالفتحةِ نيابةً عن الكسرةِ.


  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

الْبَابُ الرابعُ: الْجَمْعُ بِأَلِفٍ وَتَاءٍ مَزِيدَتَيْنِ، كَهِنْدَاتٍ، وَمُسْلِمَاتٍ ([1])، فَإِنَّ نَصْبَهُ بالكسرةِ ([2])، نَحْوَ: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ} ([3]).
وَرُبَّمَا نُصِبَ بالفتحةِ إِنْ كَانَ مَحْذُوفَ اللاَّمِ كَسَمِعْتُ ([4]) لُغَاتَهُمْ، فَإِنْ كَانَتِ التَّاءُ أَصْلِيَّةً: كَأَبْيَاتٍ، وَأَمْوَاتٍ، أَو الأَلِفُ أَصْلِيَّةً: كَقُضَاةٍ، وَغُزَاةٍ - نُصِبَ بالفتحةِ.
وَحُمِلَ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ شَيْئَانِ: (أُولاتُ) نَحْوَ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ} ([5])، وَمَا سُمِّيَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، نَحْوَ: (رَأَيْتُ عَرَفَاتٍ) وَ (سَكَنْتُ أَذْرِعَاتٍ)، وَهِيَ قريةٌ بالشامِ، فَبَعْضُهُمْ يُعْرِبُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التسميةِ، وَبَعْضُهُمْ يَتْرُكُ تَنْوِينَ ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ يُعْرِبُهُ إِعْرَابَ مَا لا يَنْصَرِفُ، وَرَوَوْا بالأَوْجُهِ الثلاثةِ قَوْلَهُ:

18 - تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا = بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي


([1]) يُجْمَعُ بالألفِ والتاءِ المَزِيدَتَيْنِ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ: كُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ بالمَعْنَى فَقَطْ نَحْوَ: هِنْدَاتٍ، وَدعداتٍ، وَزَيْنَبَاتٍ، فِي جَمْعِ: هِنْدٍ، وَدَعْدٍ، وَزَيْنَبَ، وَكُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ بالتاء دُونَ المَعْنَى نَحْوَ طَلَحَاتٍ، وَحَمَزَاتٍ، فِي جَمْعِ طَلْحَةَ وَحَمْزَةَ، إِلاَّ ثلاثَ كَلِمَاتٍ: شَفَةٌ، وَأَمَةٌ، وَشَامَةٌ، وَكُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ بالتاءِ وَالمَعْنَى جَمِيعاً نَحْوَ فَاطِمَاتٍ وَمُسْلِمَاتٍ، فِي جَمْعِ فَاطِمَةَ وَمُسْلِمَةٍ، وَكُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ بِأَلِفِ التأنيثِ المقصورةِ نَحْوَ حُبْلَيَاتٍ فِي جَمْعِ حُبْلَى.
وَكُلُّ اسْمٍ مُؤَنَّثٍ بِأَلِفِ التأنيثِ الممدودةِ نَحْوَ عَذْرَاوَاتٍ فِي جَمْعِ عَذْرَاءَ، وَكُلُّ اسْمٍ لِغَيْرِ عَاقِلٍ نَحْوَ إِصْطَبْلاتٍ فِي جَمْعِ إِصْطَبْلٍ، وَلا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ سَالِماً تَغَيُّرُ بِنَاءِ مُفْرَدِهِ فِي حالِ الْجَمْعِ: كَسَجَدَاتٍ وَزَفَرَاتٍ - بِفَتْحِ ثَانِيهِمَا -، فِي جَمْعِ سَجْدَةٍ وَزَفْرَةٍ، بِسُكُونِ ثَانِيهِمَا، وَنَحْوَ ظُلُمَاتٍ وَغُرُفَاتٍ - بِضَمِّ ثَانِيهِمَا -، فِي جَمْعِ ظُلْمَةٍ وَغُرْفَةٍ، بِسُكُونِ ثَانِيهِمَا، وَنَحْوَ حُبْلَيَاتٍ وَذِكْرَيَاتٍ - بِقَلْبِ أَلِفِ مُفْرَدَيْهِمَا يَاءً -، فَإِنَّهُمَا جَمْعُ حُبْلَى وَذِكْرَى، وَنَحْوَ صَحْرَاوَاتٍ وَعَذْرَاوَاتٍ - بِقَلْبِ هَمْزَةِ مُفْرَدَيْهِمَا وَاواً -، فَإِنَّهُمَا جَمْعُ صَحْرَاءَ وَعَذْرَاءَ.
([2]) وَذَهَبَ الأخفشُ إِلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الكسرِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، وَلا وَجْهَ لهذا الْكَلامِ.
([3]) سُورَةُ العنكبوتِ، الآيَةُ: 44.
([4]) إِذَا كَانَ المُفْرَدُ مُعْتَلَّ اللامِ، فَإِمَّا أَنْ تُرَدَّ لَهُ هَذِهِ اللامُ فِي جَمْعِهِ بالألفِ والتاءِ نَحْوَ سَنَةٍ وَسَنَوَاتٍ أَوْ سَنَهَاتٍ وَنَحْوَ عَضَّةٍ وَعَضَوَاتٍ، وَنَحْوَ أُخْتٍ وَأَخَوَاتٍ، وَنَحْوَ هَنَةٍ وَهَنَوَاتٍ، وَإِمَّا أَلاَّ تُرَدَّ لَهُ اللامُ فِي جَمْعِهِ بالألفِ والتاءِ، نَحْوَ لُغَةٍ وَلُغَاتٍ، وَنَحْوَ ثُبَةٍ وَثُبَاتٍ، ونحوَ بِنْتٍ وَبَنَاتٍ، فَإِنْ كَانَت اللامُ المحذوفةُ مِن المفردِ قَدْ رُدَّتْ إِلَيْهِ فِي الْجَمْعِ المذكورِ أُعْرِبَ بالكسرةِ نيابةً عَن الفتحةِ فِي جَمِيعِ لغاتِ الْعَرَبِ، ولم يَخْتَلِفِ النُّحَاةُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتِ اللامُ المحذوفةُ مِنَ المفردِ لَمْ تُرَدَّ إِلَيْهِ فِي جَمْعِهِ، فَقَدْ حَكَى أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَنْصِبُهُ بالفتحةِ الظاهرةِ، نَحْوَ (سَمِعْتُ لُغَاتَهُمْ) ونحوَ (رَأَيْتُ بَنَاتَكَ) وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ وَابْنُ سِيدَهْ، وَرَوَوْا عَلَى هَذِهِ اللغةِ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ:
فَلَمَّا جَلاهَا بِالإيامِ تَحَيَّزَتْ = ثُبَاتاً عَلَيْهَا ذُلُّهَا وَاكْتِئَابُهَا
([5]) سُورَةُ الطلاقِ، الآيَةُ: 6.
18 - هَذَا بيتٌ مِنَ الطويلِ، وَهُوَ مِنْ قَصِيدَةٍ طويلةٍ لامْرِئِ القيسِ بْنِ حُجْرٍ الكِنْدِيِّ، وَمَطْلَعُهَا قَوْلُهُ:
أَلا عِمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي = وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي
وَقَبْلَ البيتِ المُسْتَشْهَدِ بِهِ قَوْلُهُ:

وَمِثْلِكِ بَيْضَاءِ الْعَوَارِضِ طَفْلَةٍ = لَعُوبٍ تُنَسِّينِي إِذَا قُمْتُ سِرْبَالِي
لَطِيفَةِ طَيِّ الْكَشْحِ غَيْرِ مُفَاضَةٍ = إِذَا انْفَتَلَتْ مُرْتَجَّةً غَيْرَ مِتْفَالِ
إِذَا مَا اسْتَحَمَّتْ كَانَ فَيْضُ حَمِيمِهَا = عَلَى مَتْنَتَيْهَا كَالْجُمَانِ لَدَى الْجَالِي
تَنَوَّرْتُهَا............ = ..................
البيتَ، وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ:
نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّهَا = مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِقُفَّالِ
اللغةُ: (وَمِثْلِكَ) الْوَاوُ واوُ رُبَّ؛ أَيْ: كَثِيرٌ مِنَ النساءِ المُمَاثِلاتِ لَكِ، (بَيْضَاءِ الْعَوَارِضِ) جَمْعُ عَارِضٍ، وَهُوَ صَفْحَةُ الْوَجْهِ، وَلَهَا عَارِضَانِ، وَلَكِنَّ الْمُثَنَّى قَدْ يَجِيءُ بِصُورَةِ الْجَمْعِ، أَوْ يَكُونُ قَدْ قَصَدَ أَجْزَاءَ الْعَارِضَيْنِ، فَجَمَعَ لذلكَ (طَفْلَةٍ) بِفَتْحِ الطاءِ وَسُكُونِ الفاءِ، هِيَ الرَّخْصَةُ اللَّيِّنَةُ النَّاعِمَةُ، (سِرْبَالِي) السِّرْبَالُ - بِزِنَةِ القِرْطَاسِ -، الثِّيَابُ.
(الكَشْح) الخَصْرُ، يُرِيدُ أَنَّهَا دَقِيقَةُ الخَصْرِ، (غَيْرِ مُفَاضَةٍ) لَيْسَتْ مُسْتَرْخِيَةَ البَطْنِ، (مُرْتَجَّةً) يَهْتَزُّ جِسْمُهَا لِعَبَالَتِهَا، (غَيْرَ مِتْفَال) لَيْسَتْ كَرِيهَةَ الرِّيحِ.
(اسْتَحَمَّتْ) صَبَّتِ الْمَاءَ الْحَارَّ عَلَيْهَا، (حَمِيمِهَا) الحَمِيمُ الْمَاءُ الحارُّ، (مَتْنَتَيْهَا) أَرَادَ جَانِبَيْ ظَهْرِهَا، (كَالْجُمَانِ) الجُمَانُ - بِضَمِّ الجيمِ، بِزَنَةِ غُرَابٍ -: الفِضَّةُ البَيْضَاءُ، (الْجَالِي) الصَّيْرَفُ، يُرِيدُ أَنَّ الْمَاءَ يَبْقَى أَبْيَضَ كالفِضَّةِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاءَ يَأْخُذُ لَوْنَ جِسْمِهَا، وَجِسْمُهَا أَبْيَضُ نَاصِعٌ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمَاءَ لا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ أَنْ يَمُرَّ عَلَى جِسْمِهَا؛ لأَنَّ جِسْمَهَا نَظِيفٌ لا تُفْلَ عَلَيْهِ.
(تَنَوَّرْتُهَا) نَظَرْتُ إِلَى نَارِها مِنْ بَعِيدٍ، (أَذْرِعَاتٍ) بَلَدٌ فِي أَطْرَافِ الشَّامِ يُجَاوِرُ البَلْقَاءَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا أَذْرِعِيٌّ، (يَثْرِب) الْمَدِينَةُ الَّتِي شَرُفَتْ فِيمَا بَعْدُ بِهِجْرَةِ الرسولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، (أَدْنَى دَارِهَا) أَقْرَبُ مَكَانٍ مِنْ أَمَاكِنِ دِيَارِهَا، (نَظَرٌ عَالٍ) أَرَادَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ بَعِيدٍ.
المَعْنَى: أَرَادَ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى نَارِ المَحْبُوبَةِ الَّتِي يَشُبُّهَا أَهْلُهَا لِلْقِرَى مَثَلاً، وَهُوَ بِأَذْرِعَاتٍ وَهُمْ بالمَدِينَةِ، وَفِي هَذَا البيتِ، عَلَى ظاهرِهِ، ضَرْبٌ مِن المبالغةِ يَخْتَصُّ باسمِ الإِغْرَاقِ، وَذَلِكَ أَنَّ المبالغةَ إِنْ كَانَ المُدَّعَى فِيهَا غَيْرَ مُمْكِنٍ عَقْلاً سُمِّيَتْ غُلُوًّا، وَإِنْ كَانَ المُدَّعَى مُمْكِناً وَصَحَّ وُقُوعُهُ عَادَةً سُمِّيَتْ تَبْلِيغاً، وَإِنْ كَانَ المُدَّعَى مُمْكِناً عَقْلاً ولم يَصِحَّ وُقُوعُهُ عَادَةً سُمِّيَتْ إِغْرَاقاً.
فَأَمَّا الغُلُوُّ فَنَحْوُ قَوْلِ المُهَلْهَلِ:
فَلَوْلا الرِّيحُ أُسْمِعَ مَنْ بِحِجْرٍ = صَلِيلَ البَيْضِ يُقْرَعُ بِالذُّكُورِ
وَقَدْ قِيلَ فِي بيتِ المُهَلْهَلِ هَذَا: إِنَّهُ أَكْذَبُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ، وَيُقَالُ: إِنَّ بَيْنَ حِجْرٍ وَمَوْضِعِ الوَقْعَةِ مَسِيرَةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ.
وَأَمَّا التَّبْلِيغُ فَنَحْوُ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
عَدَا بِي عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ = دِرَاكاً وَلَمْ يُنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَلِ
لأنَّ مِنَ المُمْكِنِ فِي حَقِّ الفرسِ أَنْ يُدْرِكَ الثورَ والنعجةَ ولم يَعْرَقْ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُغْسَلَ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: (تَنَوَّرْتُهَا... إلخ) فَغَيْرُ مُمْكِنٍ عَادَةً، وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِنْسَانٌ بِأَذْرِعَاتٍ وَيُشَاهِدُ نَارَ يَثْرِبَ؟ وَلَكِنَّهُ يَزُولُ العَجَبُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ ابْنُ أُخْتِ المُهَلْهَلِ صَاحِبِ أَكْذَبِ بَيْتٍ قَالَتْهُ الْعَرَبُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّهُ لَمْ يُرِدْ رُؤْيَةَ العَيْنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ رُؤْيَةَ القلبِ، وَالبيتُ تَحَزُّنٌ مِنْهُ وَتَمَنٍّ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ رَأَى بِعَيْنِهِ شَيْئاً.
الإعرابُ: (تَنَوَّرْتُهَا) فِعْلٌ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ بِهِ، (مِنْ أَذْرِعَاتٍ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِتَنَوَّرَ، (وَأَهْلُهَا) الْوَاوُ واوُ الحالِ، أَهْلُ: مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بالضمَّةِ الظاهرةِ، وَأَهْلُ: مُضَافٌ وَضَمِيرُ الغائبةِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (بِيَثْرِبَ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُ المُبْتَدَأِ، وَجُمْلَةُ المُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ حَالٌ، (أَدْنَى) مُبْتَدَأٌ، وَأَدْنَى مُضَافٌ وَدَارِ مِنْ (دَارِهَا) مُضَافٌ إِلَيْهِ، وَدَارِ مُضَافٌ، وَضَمِيرُ المُؤَنَّثَةِ الغائبةِ مُضَافٌ إِلَيْهِ، (نَظَرٌ) خَبَرُ المبتدإِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ؛ أَيْ: ذُو نَظَرٍ، (عَالٍ) صِفَةٌ لِنَظَرٍ، مَرْفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ عَلَى الياءِ المحذوفةِ للتَّخَلُّصِ مِنَ التقاءِ السَّاكِنَيْنِ، مَنَعَ مِنْ ظُهُورِهَا الثِّقَلُ.
الشاهدُ فِيهِ: قَوْلُهُ: (مِنْ أَذْرِعَاتٍ) فَإِنَّ هَذِهِ الكلمةَ فِي هَذَا البيتِ تُرْوَى عَلَى ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: بِكَسْرِ التاءِ المُنَوَّنَةِ، وعلى هَذَا الْوَجْهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ النُّحَاةِ، وَالسِّرُّ فِيهَا: ملاحظةُ حَالِ (أَذْرِعَاتٍ) قَبْلَ التسميةِ بِهِ، وَأَنَّهُ جَمْعُ مُؤَنَّثٍ سَالِمٌ، وَجَمْعُ المُؤَنَّثِ السالمُ يُجَرُّ بالكسرةِ الظاهرةِ وَيُنَوَّنُ تَنْوِينَ المقابلةِ لا تَنْوِينَ التَّنْكِيرِ.
والوجهُ الثاني: بِكَسْرِ التاءِ غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ، وَهُوَ وَجْهٌ جَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النُّحَاةِ، مِنْهُم المُبَرِّدُ، والزَّجَّاجُ، وَالسِّرُّ فِيهِ ملاحظةُ كونِهِ جَمْعاً بِحَسَبِ أَصْلِهِ وَكَوْنِهِ عَلَماً لِمُؤَنَّثٍ بِحَسَبِ حَالِهِ الآنَ، وَقَدْ أَعْطَوْهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأَمْرَيْنِ حُكْماً مِنْ أحكامِهِ، فَجَرُّوهُ بالكسرةِ كَمَا يُجَرُّ جمعُ المُؤَنَّثِ السالمِ، وَمَنَعُوا تَنْوِينَهُ كَمَا يُمْنَعُ تَنْوِينُ الْعَلَمِ المُؤَنَّثِ.
وَالوَجْهُ الثالثُ: بِفَتْحِ التاءِ غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ، وَهُوَ وَجْهٌ جَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النُّحَاةِ مِنْهُمْ سِيبَوَيْهِ، وَابنُ جِنِّيٍّ، وَالسِّرُّ فِيهِ: مُلاحَظَةُ حَالِهِ الطَّارِئَةِ، وأنَّهُ عَلَمٌ عَلَى مُؤَنَّثٍ، والعلمُ المُؤَنَّثُ يَمْتَنِعُ تَنْوِينُهُ، وَيُجَرُّ بالفتحةِ نِيَابَةً عَن الكسرةِ؛ لأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ.
وَمِثْلُ هَذَا البيتِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُ الأَعْشَى مَيْمُونٍ:

تَخَيَّرَهَا أَخُو عَانَاتَ شَهْراً = وَرَجَّى خَيْرَهَا عَاماً فَعَامَا


  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:27 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

ولما فرَغَ مِنْ بيانِ مَا نَابَ فيه حرفٌ عن حركةٍ مِنَ الأسماءِ أخذَ في بيانِ ما نَابَتْ فيه حركةٌ عن حركةٍ، وهو شيئانِ: ما جُمِعَ بألفٍ وتاءٍ، وما لا ينصرِفُ، وبدَأَ بالأوَّلِ ؛ لأنَّ فيه حُمِلَ النصبُ على غيرِهِ، والثاني فيه حُمِلَ الجرُّ على غيرِه، والأَوَّلُ أكثرُ؛ فقالَ:


41- وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَــــا = يُكْسَرُ فِي الجَرِّ وفِي النَّصْبِ مَعَــا
(وَمَا بِتَا وَأَلِفٌ قَدْ جُمِعَا) الباءُ: متعلِّقَةٌ بجمعِ، أي: ما كانَ جمعًا بسببِ ملابستِه للألفِ والتاءِ، أي: كانَ لهما مدخَلٌ في الدلالةِ على جمعيَّتِه (يُكْسَرُ فِي الجَرِّ وفي النصْبِ معَا) كَسْرُ إعرابٍ، خلافًا للأخفشِ في زعمِه أنَّهُ مبنيٍّ في حالةِ النصبِ، وهو فاسدٌ؛ إذ لا موجبَ لبنائِه، وإنما نُصِبَ بالكسرةِ مع تَأَتِّي الفتحةِ ليجرِيَ على سَنَنِ أصلِه، وهو جمعُ المذكَّرِ السالِمِ، في حَمْلِ نصْبِه على جَرِّه، وجَوَّزَ الكوفيُّونَ نصبَه بالفتحةِ مطلقًا، وهشامٌ فيما حُذِفَتْ لامُهُ، ومنه قولُ بعضِ العربِ: "سَمِعْتُ لُغَاتَهُمْ"، ومحَلُّ هذا القولِ ما لم يُرَدَّ إليه المحذوفُ، فإِنْ رُدَّ إليه نُصِبَ بالكسرةِ: كسَنَواتٍ، وعِضَوَات.
تنبيهٌ : إنما لم يعبِّرْ بجمعِ المؤنَّثِ السالمِ كمَا عبَّرَ بِه غيرُه؛ ليتناولَ ما كان َمنه لمُذَكَّرٍ : كحمَّامَاتٍ وسُرَادِقَاتٍ، ومَا لَمْ يَسْلَمُ فيه بِنَاءُ الواحدِ، نحوُ: بَنَاتٍ وأَخَواتٍ، ولا يَرِدُ عليه نحوُ أبياِتٍ وقُضَاةٍ ؛ لأنَّ الألفَ والتاءَ فيهما لا دخلَ لهما في الدلالةِ على الجمعيَّةِ.
42- كَذَا أُولَاتُ، وَالذي اسمًا قَدْ جُعِلَ = - كَأَذْرُعَاتٍ- فِيهِ ذَا أيضًا قُبِــلَ
(كَذَا أُولَاتُ) وهو اسمُ جمعٍ لا واحدَ له مِنْ لفظِه، يُعْرَبُ هذا الإعرابُ إلحاقًا له بالجمعِ المذكورِ، قال تعالى: { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} (وَالذي اسْمًا قَدْ جُعِلَ) مِنْ هذا الجمعِ (كأَذْرُعَاتٍ) اسمُ قريةٍ بالشامِ، وذالُهُ معجمةٌ، أصلُه جمعُ "أَذْرُعَةٍ" التي هي جمعُ ذِرَاعٍ (فيه ذَا) الإعرابُ (أيضًا قُبِلَ) على اللُّغَةِ الفصحَى، ومِنَ العربِ مَنْ يمنعُه التنوينُ ويجرُّهُ وينصِبُهُ بالكسرةِ، ومنهُمْ مَنْ يجعلُه كأرطاةَ عَلَمًا، فَلاَ يُنَوِّنُه، ويَجُرُّه وينصِبُه بالفتحةِ، وإذا وقَفَ عليه قلَبَ التاءَ هاءً؛ وقد رُوِيَ بالأوجُهِ الثلاثةِ قولُه [من الطويل]:
33- تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرُعَاتٍ وَأَهْلُهَا = بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي
والوجهُ الثالثُ ممنوعٌ عندَ البصريِّينَ، جائزٌ عندَ الكوفيِّينَ.
تنبيهٌ : قد تقدَّمَ بيانُ حكمِ إعرابِ المثنَّى إذا سُمِّي بهِ، وأمَّا المجموعَ على حدِّهِ ففيه خمسةُ أوجهٍ:
الأولُّ: كإعرابِه قبلَ التسميةِ بهِ.
والثاني: أنْ يكونَ كغِسْلِينَ، في لزومِ الياءِ والإعرابِ بالحركاتِ الثلاثِ على النونِ منونةٌ.
والثالثُ: أنْ يجريَ مَجْرَى عَرَبُونَ، في لزومِ الواوِ والإعرابِ بالحركاتِ على النونِ منونةً.
والرابعُ: أنْ يجريَ مَجَرَى هارُونَ، في لزومِ الواوِ والإعرابِ على النونِ غيرَ مصروفٍ للعَلَمِيَّةِ وشبهِ العجمةِ.
والخامسُ : أنْ تلزمَه الواوُ وفتحُ النونِ، ذكَرَه السِّيَرَافِيُّ، وهذه الأوجهُ مترتِّبَةٌ كلُّ واحدٍ منها دونَ ما قبلَهَ، وشرطُ جعَلْهِ كغِسْلِينَ ومَا بعدَه أنْ لا يتجاوزَ سبعةَ أحرفٍ، فإنْ تجاوزَهَا كاشْهِيِبَابِينَ تعيَّنَ الوجهُ الأوَّلُ، قالَه في (التسهيلِ).


  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 05:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

إعرابُ جَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ

41- وما بِتَا وألِفٍ قد جُمِعَا = يُكْسَرُ في الجَرِّ وفي النصْبِ مَعَا
لَمَّا فَرَغَ ابنُ مالِكٍ رَحِمَه اللَّهُ تعالى مِنْ ذِكْرِ ما يَنُوبُ فيه حَرْفٌ عن حَركةٍ، وهي الأسماءُ الستَّةُ، والمُثَنَّى، وجَمْعُ المُذَكَّرِ السالِمِ- شَرَعَ في ذِكْرِ ما نَابَتْ فيه حرَكةٌ عن حَركةٍ، ومِنه ما جُمِعَ بألِفٍ وتاءٍ مَزِيدَتَيْنِ، وهو جَمْعُ المؤنَّثِ السالِمِ، وتعريفُه:
ما دَلَّ على أكَثَرَ مِن اثنينِ بألِفٍ وتاءٍ مَزِيدَتَيْنِ، نحوُ: حَضَرَتِ الْمُتَحَجِّبَاتُ، فهذا لفْظٌ يَدُلُّ على أكثَرَ مِن اثنينِ؛ بسببِ الزيادةِ في آخِرِه.
وحُكْمُه: أنه يُرْفَعُ بالضمَّةِ، ويُنْصَبُ ويُجَرُّ بالكسرةِ، فنابَتِ الكسرةُ عن الفَتحةِ في حالةِ النصْبِ، قالَ تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، وقالَ تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، وقالَ تعالى: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.
وخَرَجَ بالتعريفِ نوعانِ مِن الكَلِمَاتِ:
الأوَّلُ: ما كانَتْ ألِفُه غيرَ زائدةٍ، نحوُ: دُعاةٍ وقُضاةٍ؛ فإنَّ ألِفَ الأُولَى مُنْقَلِبَةٌ عن أصْلٍ، وهو الواوُ، والثانيةِ: عن الياءِ، ثم قُلِبَتْ ألِفاً في الكَلِمَتَيْنِ.
الثاني: ما كانَتْ تاؤُه غيرَ زائدةٍ، نحوُ: صَوْتٍ وأصواتٍ، ومَيِّتٍ وأَمواتٍ، فهذانِ النوعانِ ليسا مِن هذا الباب؛ لأَنَّ دَلالةَ الكَلِمَاتِ المذكورةِ على الجمْعِ ليسَ بسبَبِ الألِفِ والتاءِ، وإنما هو بصِيغةِ جَمْعِ التكسيرِ، فنَصْبُهُما بالفَتحةِ على الأصْلِ، قالَ تعالى: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، وقالَ تعالى: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}.
وهذا معنى قولِه: (وما بِتَا وأَلِفٍ... إلخ) أيْ: وما جُمِعَ بسببِ الألِِفِ والتاءِ فإنه يُكْسَرُ في الْجَرِّ وفي النصْبِ معاً، وذَكَرَ الْجَرَّ معَ أنه لا نِيَابةَ فيه؛ إشارةً إلى أنَّ النصْبَ مَحمولٌ عليه.
الْمُلْحَقُ بجَمْعِ الْمُؤنَّثِ السالِمِ
42- كذا أُولاتُ والذي اسْماً قدْ جُعِلْ = كأَذْرِعَاتٍ فيهِ ذَا أيْضاً قُبِلْ
أشارَ بهذا إلى الْمُلْحَقِ بجمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ، وهو نوعانِ:
الأوَّلُ: لفْظُ (أُولاَتٍ) بمعنى صاحباتٍ، فهذه تُعْرَبُ بإعرابِ هذا الجمْعِ، وهي مُلْحَقَةٌ به؛ لأنه لا مُفْرَدَ لها مِن لَفْظِها، بل مِن معناها وهو صاحبةٌ، قالَ تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ}.
الثاني: ما سُمِّيَ به مِن هذا الْجَمْعِ، فصارَ عَلَماً لمذكَّرٍ أو مُؤَنَّثٍ بسببِ التسميةِ، مثلُ: أَذْرِعَاتٍ، فهي جَمْعُ أَذْرِعَةٍ، وهي جَمْعُ ذِراعٍ، وهي الآنَ عَلَمٌ على بَلَدٍ في أطرافِ الشامِ، فتُعْرَبُ بإعرابِ جَمْعِ المؤنَّثِ السالِمِ معَ التنوينِ، ومِثلُ ذلك لفْظُ: عَرَفَاتٍ.
قالَ تعالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}.
وهذا معنَى قولِه: (كذا أُولاَتُ... إلخ) أيْ: أنَّ لفْظَ (أولاتٍ) يُكسَرُ في الجرِّ وفي النَّصْبِ معاً، وكذا ما جُعِلَ مِن جَمْعِ المؤنَّثِ عَلَماً على شيءٍ فإنه يَجْرِي عليه الإعرابُ السابقُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
جمع, إعراب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir