وتَنقسمُ الاستعارةُ(1) إلى(2) مَرَشَّحَةٍ وهي ما ذُكِرَ فيها مُلائِمُ(3) المشبَّهِ به(4)، نحوُ (5): {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ(6) وذِكْرُ الربْحِ والتجارةِ(7) ترشيحٌ(8).
وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ(1) المشبَّهِ(2)، نحوُ(3): {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِى الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ(4)، والإذاقةُ تجريدٌ لذلك(5).
وإلى مطلَقةٍ، وهي التي لم يُذْكَرْ معها ملائمٌ(1)، نحوُ(2): {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} (3).
ولا يُعتبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ(4).
______________________
(1) (وتَنقسمُ الاستعارةُ) باعتبارِ ذكْرِ مُلائِمِ أحدِ الطرَفين وعدَمِ ذكْرِه سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً.
(2) (إلى) ثلاثةِ أقسامٍ:
(3) (مرشحَّةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ) المستعارِ منه.
(4) (المُشبَّهُ به) زيادةً على القرينةِ كما سيأتي سواءٌ كان هذا الملائمُ صفةً أو تفريعاً, والفرْقُ بينَهما أنَّ الملائِمَ إن كان من بقيَّةِ الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ فهو صفةٌ وإن كان كلاماً مُسْتَقِلاّ جِيءَ به بعدَ ذلك الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ مبنيًّا عليه فهو تفريعٌ سواءٌ كان بحرفٍ أو لا, فالأوَّلُ الصفةُ نحوُ قولِك: رأيتُ أسداً ذا لُبَدٍ يَرْمِي والثاني التفريعُ.
(5) (نحوُ) قولِه تعالى:
(6) {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}: فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ أي: شَبَّهَ استبدالَ الحقِّ بالباطلِ واختيارَه عليه بالاشتراءِ الذي هو استبدالُ مالٍ بآخَرَ بجامعِ ترْكِ مرغوبٍ عنه عندَ التاركِ والتوصُّلِ لبدَلٍ مرغوبٍ فيه عندَه واستُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, والقرينةُ استحالةُ ثبوتِ الاشتراءِ الحقيقيِّ للضلالةِ بالهُدى.
(7) ( وذكْرُ الربْحِ والتجارةِ) أي: ذكْرُ نفي الربْحِ في التجارةِ على وجهِ التفريعِ, وهو مما يُلائمُ المستعارَ منه أعني الاشتراءَ.
(8) (ترشيحٌ) وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ كما في الآيةِ المذكورةِ أو في المَكْنيَّةِ، نحوُ قولِك: نَطَقَ لسانُ الحالِ بكذا. تقولُ: شُبِّهَت الحالُ بمعنى الإنسانِ واستعيرَ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه, وهو لسانٌ وإثباتُ اللسانِ للحالِ تخييلٌ وهو القرينةُ والنطقُ ترشيحٌ؛ لأنه ملائِمٌ المُشبَّهَ به فقط, وإنما سُمِّيَتْ مرشَّحَةً من الترشيحِ وهو التقوِيَةُ لترشيحِها أي: تَقَوِّيها بتَقَوِّي مَبْنَاها لوقوعِها على الوجهِ الأكملِ، لأن الاستعارةَ مبنيَّةٌ على تَناسِي التشبيهِ حتى كأن الموجودَ في نفسِ الأمرِ هو المُشبَّهُ به دونَ المُشبَّهِ, فإذا ذُكِرَ ما يلائمُ المُشبَّهَ به كان ذلك مُوجِباً لزيادةِ قوَّةِ ذلك التَّناسِي.
(1) (وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائمُ) المستعارِ له.
(2) (المُشبَّهِ) زيادةً على القرينةِ إذ بدونِها لا تُسَمَّى استعارةً, سواءٌ كان هذا الملائمُ تفريعاً، نحوُ: رأيتُ أسداً يَرْمِي, فلَجَأْتُ إلى ظِلِّ رُمْحِه أو كان صِفةً نَحْوِيَّةً. نحوُ: رأيتُ أسداً رامياً مُهْلِكاً أقرانَه أو صِفَةً معنويَّةً.
(3) (نحوُ) قولِه تعالى:
(4) (فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ). استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ) أي: من الضرَرِ وهو النحافةُ واصفرارُ اللونِ بعد التشبيهِ بأن يقالَ في تقريرِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ ما غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ من أثَرِ الضرَرِ باللِّباسِ بجامِعِ الاشتمالِ في كلٍّ فاللِّباسِ مشتَمِلٌ على اللابسِ, وأثرُ الضرَرِ مشتمِلٌ على مَن به ذلك, واستُعيرَ اسمُ المُشبَّهِ به للشبَهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ.
(5) (والإذاقةُ تجريدٌ لذلك) أي: المذكورُ من الاستعارةِ التصريحيَّةِ؛ لأن المرادَ بها الإصابةُ, وهي تُلائِمُ الشبَهَ الذي هو النحافةُ والاصفرارُ. قالَ الزَّمَخْشَريُّ: الإذاقةُ جرَتْ عندَهم مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البَلايا وما يَمَسُّ، يقولون: ذاقَ فلانٌ البؤسَ وأَذاقَه العذابَ, وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ، كما في الآيةِ المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ، نحوُ: نطَقَت الحالُ الواضحةُ بكذا. وتقريرُ الاستعارةِ في أن يُقالَ: شُبِّهَت الحالُ بإنسانٍ متكلِّمٍ بجامعِ الدَّلالةِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه وهو اللسانُ على سبيلِ الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ التجريديَّةِ؛ لأن الوضوحَ يُلائِمُ المُشبَّهَ الذي هو إنسانٌ فقط، وإنما سُمِّيَتْ مجرَّدةً لتَجَرُّدِها عما يُقوِّيها من إطلاقٍ أو ترشيحٍ؛ لأن المُشبَّهَ المستعارَ له فيها صارَ بذكْرِ ملائِمِه بعيداً من دَعْوى الاتِّحادِ التي في الاستعارةِ، ومنها تَنْشَأُ المبالَغةُ.
(1) (وإلى مُطلَقةٍ وهي التي لم يُذكَرْ معها مُلائِمٌ) لأحدِ الطرفين بأن لم تَقْتَرِنْ بملائمٍ أصْلاً أو ذُكِرَ فيها ما يلائِمُهما معاً، فالأوَّلُ من التصريحيَّةِ.
(2) (نحوُ) قولِه تعالى:
(3) {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} وتقريرُ الاستعارةِ فيه أن يُقالَ: شَبَّهَ إبطالَ العهدِ بِفَكِّ طاقاتِ الْحَبْلِ بجامعِ عدَمِ النفْعِ في كلٍّ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به, وهو النقْضُ للمشبَّهِ واشْتُقَّ منه يَنقضون بمعنى يُبْطِلون على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ المُطلَقةِ لأنها لم تَقْتَرنْ بملائمٍ أصْلاً، ومن المَكْنيَّةِ، نحوُ قولِك: نَطَقَت الحالُ بكذا والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأنها لم تَقترنْ بشيءٍ يُلائمُ الطرفين, والثاني من التصريحيَّةِ نحوُ قولِك: رأيتُ بحراً في البيتِ عميقاً يُعطِي, وتقريرُ الاستعارةِ فيه أن يقالَ: شَبَّهَ الرجلَ الكريمَ بالبحرِ بجامعِ الاتِّساعِ في كلٍّ واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به وهو البحرُ للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ المُطلَقةِ؛ لأن قولَك: في البيتِ, قرينَتُها، وقولَك: عميقاً. ملائمُ المُشبَّهِ به وقولَك يُعطِي ملائمُ المُشبَّهِ, ولَمَّا تَعارَضَ هذان الملائمان سقَطَا، فكأن الاستعارةَ لم تَقْتَرنْ بشيءٍ, ومن المَكْنيَّةِ نحوُ قولِك: نطَقَ لسانُ الحالِ. الواضحةِ بكذا، والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأن إثباتَ اللسانِ للحالِ قرينتُها والنطْقُ ملائمُ المُشبَّهِ به, والوضوحُ ملائمُ المُشبَّهِ ولما تَعارَضَا سَقَطَا. وسُمِّيَتْ هذه الاستعارةُ مُطلَقةً لإطلاقِها عما يكونُ به الترشيحُ وعما يكونُ به التجريدُ.
(4) (ولا يُعتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ) أي: بما يَكْشِفُها من القرينةِ؛ إذ ليست هي جزءًا من الاستعارةِ كما هو ظاهرٌ, سواءٌ كانت القرينةُ لفظيَّةً أو حاليَّةً فلا تُعَدُّ قرينةُ المصرَّحَةِ تجريداً ولا قرينةُ المَكْنيَّةِ ترشيحاً, بل الزائدُ على ما ذُكِرَ، نعم إذا كان في الكلامِ ملائِماتٌ للمستعارِ له كلٌّ منها يُعَيِّنُ المعنى المَجازيَّ يَجوزُ أن يكونَ كلُّ واحدٍ منها قرينةً وتجريداً إلا أنَّ اعتبارَ الأوَّلِ قرينةً أَوْلَى لتَقدُّمِه, والبقيَّةُ تَتِمَّةٌ للاستعارةِ، وكذا إذا كان في الكلامِ ملائماتٌ للمستعارِ منه. وأبلغُ هذه الأقسامِ الثلاثةِ الترشيحُ لاشتمالِه على تحقيقِ المبالَغةِ بِتَنَاسَي التشبيهِ وادعاءِ أنَّ المستعارَ له هو نفسُ المستعارِ منه, لا شيءَ شبيهٌ به, وكأنَّ الاستعارةَ غيرُ موجودةٍ, ثم الإطلاقُ, وأضعفُها التجريدُ؛ لأن به تَضْعُفُ دعْوَى الاتِّحادِ بينَ الطرفين.