دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 11:57 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سنن الفطرة

ويَدَّهِنُ غِبًّا ويَكْتَحِلُ وِتْرًا و( يَجِبُ ) التسميةُ في الوضوءِ مع الذِّكْرِ.
ويَجِبُ الْخِتانُ ما لم يَخَفْ على نفسِه، ويُكرَهُ الْقَزَعُ .


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:25 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.....................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ويَدَّهِنُ) : استِحْبَاباً .
(غِبًّا) : يَوْماً يَدَّهِنُ ويَوْماً لا يَدَّهِنُ؛ لأنَّهُ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ نَهَى عَن التَّرَجُّلِ إلا غِبًّا، روَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ وصَحَّحَهُ. والتَّرْجِيلُ: تَسْرِيحُ الشَّعْرِ ودَهْنُه .
(ويَكْتَحِلُ) : في كُلِّ عَيْنٍ (وِتْراً) : ثَلاثاً بالإِثْمَدِ المُطَيِّبِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أنْ ينامَ لفِعْلِهِ عليهِ السَّلامُ، روَاهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه عَن ابنِ عَبَّاسٍ . ويُسَنُّ نَظَرٌ في مِرْآةٍ وتَطَيُّبٌ. ويَتَفَطَّنُ إلى نِعَمِ اللَّهِ تعَالَى ويقُولُ: (اللَّهُمَّ كمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي وحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ) لحديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
(ويَجِبُ التَّسْمِيَةُ في الوُضُوءِ معَ الذِّكْرِ) : أي: أنْ يقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، لا يقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا لخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً:((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)) رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه، وتَسْقُطُ معَ السَّهْوِ، وكذا غُسْلٌ وتَيَمُّمٌ.
(ويَجِبُ الخِتَانُ) : عندَ البُلُوغِ (مَا لَمْ يَخَفْ علَى نَفْسِه) : ذَكَراً كانَ أو خُنْثَى أو أُنْثَى، فالذَّكَرُ بأَخْذِ جِلْدَةِ الحَشَفَةِ، والأُنْثَى بأَخْذِ جِلْدَةٍ فَوْقَ مَحَلِّ الإيلاجِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ، ويُسْتَحَبُّ أنْ لا تُؤْخَذَ كُلُّها، والخُنْثَى بأَخْذِهَا، وفِعْلُهُ زَمَنَ صِغَرٍ أَفْضَلُ، وكُرِهَ في سَابِعِ يَوْمٍ [مِنَ] الوِلادَةِ إليهِ.
(ويُكْرَهُ القَزَعُ) : وهو حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وتَرْكُ بَعْضٍ، وكذا حَلْقُ القَفَا لغَيْرِ حِجَامَةٍ ونَحْوِهَا، ويُسَنُّ إِبْقَاءُ شَعْرِ الرَّأْسِ. قالَ أَحْمَدُ: هو سُنَّةٌ لو نَقْوَىِ عليه اتَّخَذْنَاهُ، ولَكِنَّ لَهُ كُلْفَةً ومَؤُونَةً. ويُسَرِّحُهُ ويَفْرِقُه ويَكُونُ إلى أُذُنَيْهِ ويَنْتَهِي إلى مَنْكِبَيْهِ كشَعْرِه عليهِ السَّلامُ ولا بَأْسَ بزِيَادَةٍ، وجَعْلُهُ ذُؤَابَةً، ويَعْفِي لِحْيَتَهُ، ويَحْرُمُ حَلْقُهَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ولا يُكْرَهُ أَخْذُ ما زَادَ على القَبْضَةِ مِنْهَا وما تَحْتَ حَلْقِه ويَحِفُّ شَارِبَهُ وهو أَوْلَى مِن قَصِّهِ، ويُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ مُخَالِفاً، ويَنْتِفُ إِبِطَهُ، ويَحْلِقُ عَانَتَهُ، وله إِزَالَتُهَا بمَا شَاءَ، والتَّنْوِيرُ فَعَلَهُ أَحْمَدُ فِي العَوْرَةِ وغَيْرِهَا ويَدْفِنُ مَا يُزِيلُه مِن شَعْرِه وظُفْرِه ونَحْوِه، ويَفْعَلُه كُلَّ أُسْبُوعٍ يَوْمَ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، ولا يَتْرُكُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وأمَّا الشَّارِبُ ففِي كُلِّ جُمُعَةٍ.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 11:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ويدهن) استحبابا (غبا) يوما يدهن ويوما لا يدهن([1])لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غبا([2])رواه النسائي والترمذي وصححه([3]) والترجل تسريح الشعر ودهنه([4]) (ويكتحل) في كل عين (وترا) ثلاثا، بالإثمد المطيب([5]) كل ليلة قبل أن ينام لفعله عليه السلام، رواه أحمد وغيره عن ابن عباس([6]). ويسن نظر في مرآة([7]) وتطيب([8]) (وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر)([9]). أي أن يقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها([10]) لخبر أبي هريرة مرفوعا «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وغيره([11]). وتسقط مع السهو([12]) وكذا غسل وتيمم([13])
(ويجب الختان) عند البلوغ
([14]) (ما لم يخف على نفسه)([15]).
ذكرا كان أو خنثى أو أنثى([16]) فالذكر بأخذ جلدة الحشفة([17]) والأنثى بأخذ جلدة فوق محل الإيلاج تشبه عرف الديك([18]). ويستحب أن لا تؤخذ كلها([19])والخنثى بأخذهما([20])وفعله زمن صغر أفضل([21])وكره في سابع يوم ومن الولادة إليه([22]).
(ويكره القزع) وهو حلق بعض الرأس وترك بعض([23])وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها([24])ويسن إبقاء شعر الرأس، قال أحمد: هو سنة لو نقوى عليه اتخذناه ولكن له كلفة ومؤنة([25]).
ويسرحه ويفرقه([26]) ويكون إلى أذنيه وينتهي إلى منكبيه كشعره عليه السلام([27]) ولا بأس بزيادة([28]) وجعله ذؤابة([29]) ويعفي لحيته([30])ويحرم حلقها ذكره الشيخ تقي الدين([31]).
ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة منها([32])وما تحت حلقه([33]) ويحف شاربه وهو أولى من قصه([34]).
ويقلم أظفاره مخالفا([35])وينتف إبطه([36]) ويحلق عانته([37]). وله إزالتها بما شاء([38]) والتنوير فعله أحمد في العورة وغيرها([39]) ويدفن ما يزيله من شعر وظفر ونحوه([40]) ويفعله كل أسبوع يوم الجمعة قبل الزوال([41]) ولا يتركه فوق أربعين يوما([42]) وأما الشارب ففي كل جمعة([43]).


([1]) غب عن القوم يغب غبا أتاهم يوما وترك يوما، وغبت الماشية شربت يوما وظمئت يوما، وقال النووي: هو أن يدهن ثم يترك حتى يجف، ثم يدهن ثانيا، وقال في الفروع: وظاهره أن اللحية كالرأس وفي شرح العمدة: ودهن البدن.
([2]) والمراد النهي عن المواظبة عليه، لأنه مبالغة في التزيين وتهالك في التحسين ونهى عليه الصلاة والسلام أن يمتشط كل يوم، ويجوز كل يوم لحاجة، لخبر أبي قتادة: وكان له جمة، فأمره أن يحسن إليها، رواه النسائي، ورجاله رجال الصحيح. واختار الشيخ فعل الأصلح للبدن، كالغسل بماء حار ببلد رطب، لأن المقصود ترجيل الشعر، ولأنه فعل الصحابة، وأن مثله نوع الملبس والمأكل ولما فتحوا الأمصار كان كل منهم يأكل من قوت بلده، ويلبس من لباسه اهـ ويستحب إصلاحه إذا شعث لقوله:«أما يجد ما يسكن به شعره» ؟ رواه أبو داود بإسناد صحيح.
([3]) أي الترمذي، ورواه أحمد وأبو داود وغيرهم.
([4]) تسريحه إرسال وحله قبل المشط، يقال سرح الشعر خلص بعضه من بعض.
([5]) بالمسك ونحوه في كل عين، لحديث أبي هريرة من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والإثمد بالكسر معدن، حجر معروف، يكتحل به، أسود سريح التفتت، وإذا تفتت كان لفتاته بريق ولمعان، ولكان ذا صفائح، أملس الباطن، ومعدنه بأصبهان، وهو أجوده وبالمغرب وهو أصلب، والكحل المطيب أي المضمخ بالطيب.
([6]) ولفظه: كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال، ورواه ابن ماجه والترمذي وحسنه، وقال: روي من غير وجه أنه قال: «عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر»، وكان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه، ولأبي داود:«إن خيرا كحالكم الإثمد »وللطبراني«فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر».
([7]) ليزيل ما عسى أن يكون بوجهه من أذى . ويفطن إلى نعمة الله عليه في خلقه، ويقول ما ورد، ومنه اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، وحرم وجهي على النار رواه ابن مردوية من حديث أبي هريرة، ولأحمد وابن حبان عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرأة قال اللهم كما أحسنت خلقي فحسن خلقي قال المنذري: رواته ثقات.
([8]) أي ويسن تطيب، لحديث أبي أيوب مرفوعا أربع من سنن المرسلين الحياء، والتعطر والسواك، والنكاح، رواه أحمد وعن أنس أنه قال «حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة»، رواه أحمد والنسائي والحاكم وغيرهم، وأفضله المسك، لحديث أبي سعيد مرفوعا قال في المسك، هو أطيب طيبكم رواه مسلم، وعن عائشة: كان يتطيب بذكارة المسك، والعنبر رواه النسائي وغيره، وكان ابن عمر يتجمر بالألوة يعني العود غير مطراة وبكافور يطرح مع الألوة. ويقول: هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب للرجال بما ظهر ريحه ويخفي لونه، كالمسك والعنبر والعطر والعود، وعكسه النساء إذا كانت في غير بيتها، وفيه تطيب بما شاءت، لحديث أبي هريرة إن طيب الرجال بما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، وعن أبي موسى مرفوعا كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية صححه الترمذي، وكان صلى الله عليه وسلم لا يرد الطيب، وروى مسلم من عرض عليه ريحان فلا يرده ولأحمد وغيره بلفظ من عرض عليه طيب فلا يرده، فإن خفيف المحمل طيب الرائحة.
([9]) ضد النسيان وهو حضور صورة المذكور العلمية في القلب وإذا كان الذكر بالضمير فمضموم الذال، وإذا كان باللسان فمكسروها قاله القرطبي، وقال ابن مالك: الذكر بالقلب يضم ويكسر وقال غيره: هما لغتان ومعناهما واحد وذكر بعض أهل العلم في التسمية أربعة أقسام، قسم تجب فيه، وهو الوضوء والغسل. والتيمم وعند الصيد والتذكية وقسم تسن فيه، عند قراءة القرآن والأكل والشرب. والجماع، وعند دخول الخلاء، ونحو ذلك، وقسم لا تسن فيه، كالصلاة والأذان والحج، والأذكار، والدعوات، وقسم تكره فيه: وهو المحرم، والمكروه، لأن المقصود بالتسمية البركة والزيادة وهذان لا يطلب ذلك فيهما، لفوات محلهما، وقيل تحرم عند أكل الحرام، وفي البزازية: اختلف في كفره.
([10]) كالتسمية المشروعة على الذبيحة، وعند أكل الطعام، ونحو ذلك، ومحلها اللسان بعد النية، قال النووي: والتسمية أن يقول بسم الله، فتحصل السنة. وإن لم يقل الرحمن الرحيم، والأكمل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم اهـ وليس هذا على إطلاقه, وتكفي الإشارة بها من أخرس ونحوه.
([11]) فرواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما بسند ضعيف، وروى الترمذي الجملة الأخيرة منه، وله طرق لا تخلو من مقال، إلا أنه قد يقوي بعضها بعضا قال ابن أبي شيبة: تثبت أنه صلى الله عليه وسلم قاله. وقال المنذري: تتعاضد وتكسبه قوة وبالغ السيوطي حتى عده في المتواتر، وفي التلخيص مجموعها يحدث منها قوة تدل علىأن له أصلا، وقال ابن كثير: يشد بعضها بعضا، فهو حديث حسن أو صحيح اهـ.
وقال بعض أهل العلم: لا وضوء حقيقة في نفسه، فهو نص في أنها ركن أو شرط، وعن أحمد سنة وفاقا. اختاره الخرقي والموفق والشارح وابن المنذر وغيرهم قال الخلال إنه الذي استقرت عليه الرواية لأن الله تعالى قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء ولم يذكر إيجاب التسمية، والحديث قال فيه الحافظ وغيره: يروى بأسانيد كلها ضعاف لا تقوم بها حجة، ولأنها طهارة فلا تفتقر إلى التسمية، وعبادة فلا تجب فيه كسائر العبادات.
قال الشيخ: ولا تشترط التسمية في الأصح، قال أحمد: لا يثبت فيه شيء، ولا أعلم فيه حديثا له إسناد جيد، وقال: أرجو أن يجزئه الوضوء، لأنه ليس في التسمية حديث أحكم به، وقال ابن سيد الناس: روى في بعض الروايات: لا وضوء كاملا، وقال: إن صح فيحمل على تأكد الاستحباب ونفي الكمال بدونها.
([12]) نص عليه، وإن ذكر في أثنائه سمى وبنى، قال الحجاوي: هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
([13]) أي وكما تجب في الوضوء تجب في الغسل والتيمم قياسا على الوضوء، وتسقط فيهما مع السهو ومع الجهل أيضا في الثلاثة قياسا على واجب صلاة.
([14]) لأنه قبله لم يكن مكلفا ولقول ابن عباس: كانوا لا يختتون الرجل حتى يدرك رواه البخاري، وقال الشيخ: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة اهـ والمراهق ينبغي أن يختن لئلا يبلغ إلا وهو مختون، والمقصود تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة وإن تركه من غير ضرر وهو يعتقد وجوبه فقيل يفسق.
([15]) تلفا أو ضررا فيسقط وجوبه، قال الشيخ: عليه أن يختتن إذا لم يخف ضرر الختان، فإن ذلك مشروع مؤكد للمسلمين باتفاق الأئمة، وهو واجب عند الشافعي وأحمد في المشهور عنه، قال: وكان ابن عباس يشدد في أمره، حتى قد روي عنه أنه قال: لا حج له ولا صلة، وعند مالك وأبي حنيفة سنة لكن يأثم بتركه واستدل من أوجبه بحديث ألق عنك شعر الكفر واختتن رواه أحمد وأبو داود، وقال الحافظ: فيه انقطاع وبحديث من أسلم فليختتن وقال الزهري: كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان، وإن كان كبيرا ولقوله تعالى:{أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} وثبت أنه ختن نفسه بالقدوم، ولكشف العورة له، ولو لم يكن واجبا لم يجز كشفا له، وقال ابن المنذر: ليس في وجوب الختان خبر يرجع إليه، والمتيقن السنة، لقوله خمس من الفطرة، وذكر الختان متفق عليه، لكن قد يقرن المختلفان، ويرجع في الضرر إلى الأطباء الثقات، وإذا كان يضره في الصيف أخره إلى الشتاء.
([16]) أي سواء كان المختون ذكرا أو خنثى أو أنثى، وعنه سنة في حق النساء، لقوله إذا التقى الختانان قال في المغني والشرح: مكرمة للنساء، وليس بواجب عليهن، هذا قول كثير من أهل العلم، ولأنه إنما وجب على الرجال لما يستر الكمرة من الجلدة المدلاة عليها، من أجل أنه لا ينقى ما تحتها، والمرأة ليست كذلك.
([17]) أي فختان الذكر بأخذ جلدة غاشية الحشفة، ويقال لها القلفة والغرلة وإن اقتصر على أكثرها جاز. جزم به المجد وغيره.
([18]) أي وخفض الجارية بأخذ جلدة فوق محل مدخل الذكر، وهو مخرج الحيض والولد والمنى، وتحت مخرج البول، وتلك الجلدة عالية على الفرج رقيقة مثل الورقة بين الضرة والشفرين، والشفران محيطان بالجميع، فتلك الجلدة الرقيقة تقطع منها في الختان، ويسمى الخفض، فالختان مخصوص بالذكر، والخفاض بالأنثى والإعذار مشترك بينهما، والمقصود من ختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة ومن المرأة تقليل شهوتها، وعرف الديك لحمة مستطيلة في أعلى رأسه، يشبه به بضر الجارية.
([19]) فإن المقصود هو تعديل شهوتها، فالقلفاء شديدة الشهوة، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال لقوله صلى الله عليه وسلم : «أشمى ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه، وأحضى عند الزوج »رواه الحاكم والطبراني وغيرهما.
([20]) أي أخذ القلفة من ذكره، والجلدة من فرجها، احتياطا والخنثى غير المشكل لا يجب عليه إلا ختن ذكره، إن حكم بأنه رجل، ولا يسن إلا خفض فرجها، إن حكم بأنه امرأة.
([21]) وعليه الجمهور لأنه أسرع برءا ولينشأ على أكمل الأحوال قال الشيخ زمن الصغر أفضل، إلى التمييز هذا هو المشهور.
وقال النووي: استحباب ختانه في الصغر هو المذهب الصحيح المشهور، الذي قطع به الجمهور وقال مكحول: ختن إبراهيم ابنه إسحق لسبعة أيام، وختن إسماعيل لثلاث عشرة. قال الشيخ: فكان سنة في ولد إسحاق وولد إسماعيل اهـ.ولا توقيت في ذلك فمتى ختن قبل البلوغ كان مصيبا وينبغي أن يزاد على الثلاثة المواضع التي المسنون فيها أفضل من الواجب. قال السيوطي:

الفرض أفضل من تطوع عابد = حتى ولو قد جاء منه بأكثر
إلا التطهر قبل وقت وابتدا = ء بالسلام كذاك إبرا معسر

زاد الخلوتي:
وكذا ختان المرء قبل بلوغه = تمم به عقد الإمام المكثر
([22]) أي إلى اليوم السابع للتشبه باليهود قال في الفروع: ولم يذكر كراهته الأكثر وعنه لا يكره، قال الخلال، العمل عليه، وقال ابن المنذر: وليس فيه نهي يثبت ولا لوقته حد يرجع إليه، ولا سنة تتبع، والأشياء على الإباحة، ولا يجوز حظر شيء منها إلا بحجة، ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيام حجة، وقال أحمد لم أسمع فيه شيئا.
([23]) مأخوذ من قزع السحاب، وهو تقطعه، وكل شيء يكون قطعا متفرقة فهو قزع، والقزعة الخصلة من الشعر، وتترك على رأس الصبي، وعن ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع متفق عليه. زاد أبو داود وغيره قال: احلقه كله أو دعه كله، وروي أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم وقال احلقوه كله أو دعوه كله، قال ابن القيم: وهو أربعة أنواع: أن يحلق من رأسه مواضع من ههنا ومن ههنا، وأن يحلق وسطه ويترك جوانبه وأن يحلق جوانبه ويترك وسطه، وأن يحلق مقدمه ويترك مؤخره، فهذا كله من القزع.
([24]) أي يكره حلق القفا منفردا عن الرأس لغير حجامة ونحوها، كقروح قال أحمد: هو من فعل المجوس، ومن تشبه بقوم فهو منهم، وقال عمر: حلق القفا من غير حجامة مجوسية، والمراد بالقفا مؤخر العنق، جمعه أقف وأقفية، وأقفاء يذكر ويؤنث، ويكره حلق رأس امرأة وقصة لغير ضرورة لا حلق رأس ذكر، كقصه وكره نتف شيب وتغييره بسواد، قال في الفروع، وظاهر كلام أبي المعالي يحرم، وهو متجه وقال النووي: لو قيل يحرم لم يبعد للنهي الصريح، وقال أيضا: الصحيح بل الصواب أنه حرام، وعده بعض أهل العلم من الكبائر.
([25]) قال في الفروع: ويتوجه لا إن شق إكرامه.
([26]) أي يسن أن يغسله ويسرحه متيامنا لحديث من كان له شعر فليكرمه رواه أبو داود ورجاله ثقات. قال الحافظ: إسناده جيد، وله شاهد وأخرج مالك يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان، والثائر الشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل ويسن أن يفرق شعر رأسه بضم الراء، والفرق الطريق، في شعر الرأس والمفرق وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر.
([27]) ففي الصحيحين كان يضرب شعره منكبيه وفي لفظ كان بين أذنيه وعاتقه وللخمسة وصححه الترمذي فوق الوفرة ودون الجمة والمنكب بكسر الكاف مجتمع رأس الكتف والعضد مذكر وجمعه مناكب.
([28]) أي على منكبيه وثبت عند أبي داود وغيره عن وائل قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فقال«ذباب ذباب »، قال فجزته والذباب الشؤم أي هذا شؤم.
([29]) أي لا بأس يجعله ذؤابة بضم الذال وفتح الهمزة الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة فإن كانت ملمومة فهي عقيصة.
([30]) يعفي بضم الياء أي يوفرها ويتركها على حالها، فلا يأخذ منها شيئا واللحية بكسر اللام، جمعها لحى، بكسر اللام وضمها، اسم للشعر النابت على الخدين والذقن وفي الصحيحين «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى»، وفيهما «خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب» ، وفي رواية «أوفوا اللحى»أي اتركوها وافية.
([31]) وغير واحد من أهل التحقيق، للأحاديث الصحيحة ولم يبحه أحد من أهل العلم وحكى ابن حزم الإجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، والشيخ تقي الدين هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية النمري الحراني الدمشقي قريعة الدهر، فارس المعقول والمنقول، بل لم يرزق الإسلام والمسلمون عالما صحيح النظر نير البصيرة متضلعا من الكتاب والسنة، وأقوال العلماء يضارعه من زمانه إلى يومنا هذا، ولد سنة ستمائة واثنتين وستين وله أكثر من ألف مصنف يكتب الكراسة في المجلس الواحد، وإذا أطلق أكثر متأخري الأصحاب شيخ الإسلام أو الشيخ فمرادهم بذلكشيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه، والسلف لا يطلقون شيخ الإسلام إلا على المتبع لكتاب الله وسنة رسوله، مع التبحر في العلوم من المعقول والمنقول. وعلو كعبه في ذلك مشهور، وكان الأصحاب قبل يلقبون الموفق، فلما جاء الله بهذا الحبر اعترف الكل له بهذا اللقب، حيث لم يوجد له نظير. وكثيرا ما نكتفي باختياره، إذ اختياره وترجيحه من الصحة ومساعدة الأدلة بمكان لا يخفى على المطلع المنصف ولا ندعي فيه العصمة، لكن الله خوله الحفظ والفهم، توفي قدس الله روحه بقلعة دمشق سنة سبعمائة وثمان وعشرين.
([32]) لفعل ابن عمر، لكنه إنما فعله في الحج، رواه البخاري. وأكثر العلماء يكرهه، وهو أظهر للنهي عنه، فإن الحجة في رواية الصحابي لا في رأيه، وهو رضي الله عنه قد روى النهي عن الأخذ منها.
([33]) أي لا يكره أخذ ما تحت حلقه لأنه ليس من مسمى اللحية، ولا بأس بالصبغ بورس وزعفران وأجوده الحناء والكتم، للأمر به، واستعماله له صلى الله عليه وسلم.
([34]) أي يسن أن يحف شاربه، «لحديث أحفوا الشوارب» متفق عليه ولقوله من لم يأخذ شاربه فليس منا صححه الترمذي، ومنه السبالان، هما طرفاه لما روى أحمد وغيره قصوا سبالاتكم ولا تشبهوا باليهود والشارب ما سال على الفم من الشعر. جمعه شوارب، ويحفه بفتح الياء وضم الحاء أي يحفيه، من حف شاربه يحفه حفا أي أحفاه. قال في النهاية: إحفاء الشوارب أن يبالغ في قصها اهـ. ومعناه الاستقصاء في أخذه، ومنه حتى أحفوه بالمسألة وحفه أولى من قصه، نص عليه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وما روي بلفظ القص لا ينافي الإحفاء لأن رواية الإحفاء في الصحيحين ومبينة للمراد، وللمرأة حلق وجهها، وحفه نص عليه لا نتفه، ولها تحسينه وتحميره ونحوه مما فيه تزيين له.
([35]) لحديث خمس من الفطرة الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط رواه الجماعة، ولمسلم عشر من الفطرة والأظفار جمع ظفر. بضم الظاء المشالة، والفاء، على اللغة الفصحى، ويقلم بالتشديد ماضيه: قلم بالتشديد أيضا، وبالتخفيف مع الواحد، ويقال بالتشديد أيضا وتقليمها سنة إجماعا، وصفة المخالفة: أن يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام ثم البنصر ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السبابة ثم البنصر كما قيل: فيمناها خوابس ويسراها أو خسب.
وقال ابن دقيق العيد: ما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة ولا يجوز اعتماد استحبابه، لأن الاستحباب شرعي لا بد له من دليل.
([36])أي يسن قلع شعر إبطه إجماعا، والإبط بكسر الهمزة وسكون الباء باطن المنكب، جمعه آباط ونتف الشعر ينتفه نتفا نزعها.
([37]) أي يسن للرجل والمرأة حلقها إجماعا لحديث أبي هريرة قال النووي: وهل يجب على الزوجة إذا أمرها زوجها أو لا؟ الأصح الوجوب إذا لم يفحش بحيث ينفر التواق، وإلا وجب قطعا، وقال بعضهم: المستحب في حق المرأة النتف، لأن الحلق يكثر الشعر، وقال آخرون: الحلق أولى، لأن النتف يرخي المحل وكذا التنوير والحلق يشده والعانة منبت الشعر فوق قبل المرأة، وذكر الرجل والشعر النابت عليها يقال له الأسب، والشعرة واستعان حلقه وله قصه ورجح النووي والجمهور أخذ ما عليها، وما حولها.
([38]) أي إزالة الشعر النابت على العانة، ولو ذكره بضمير المذكر لكان أولى، وهو كذلك في نسخة بخط ابن عمير.
([39]) من جسده مما له أخذه والتنوير الطلي بالنورة والنورة السمة أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، وتستعمل لإزالة الشعر، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه.
([40]) كدمه قيل لأحمد: يلقيه أم يدفنه؟ قال: يدفنه وقال كان ابن عمر يفعله.
([41]) لما روي البغوي عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعة.
([42]) قيل لأحمد: كم يترك؟ قال أربعين: وفي الصحيح عن أنس: وقت لهم في حلق العانة، ونتف الإبط ونحو ذلك أن لا يترك أكثر من أربعين يوما وليس المراد بالتأخير مطلقا، بل إن أخروها، فمتى طالت أخذوها، ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
([43]) قال أحمد: لأنه يصير وحشيا، ولا بأس بالحناء إذا اختضب به الرجل في يديه ورجليه غير قاصد التشبه بالنساء، ولا يريد به الزينة، وقال الشيخ: هو بلا حاجة مختص بالنساء لأنه عليه الصلاة والسلام إذا اشتكى شيئا خضبه بالحناء، ويحرم الوشم للعنه عليه الصلاة والسلام الواشمة والمستوشمة.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:44 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(ويَدَّهِنُ غِبًّا، ويَكْتَحِلُ وِتْراً،.........)
قوله: «ويَدَّهِنُ غِبًّا» ،الادهان: أن يستعملَ الدُّهن في شعره.
وقوله: «غِبًّا» يعني: يفعل يوماً، ولا يفعل يوماً، وليس لازماً أن يكون بهذا التَّرتيب؛ فيُمكن أن يستعمله يوماً، ويتركه يومين، أو العكس، ولكن لا يستعمله دائماً؛ لأنه يكون من المُترَفين الذين لا يهتمون إِلا بشؤون أبدانهم، وهذا ليس من الأمور المحمودة، ففي سنن أبي داود والنَّسائي أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينهى عن كثيرٍ من الإِرفاه[(272)]، أي لا ينبغي أن يُكثِرَ من إِرفاه نفسه، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قومٌ يَشْهَدون ولا يُستَشْهَدُون، ويخونون ولا يُؤتَمنون، ويَنْذِرُونَ ولا يُوفُون، ويظهر فيهم السِّمَن»[(273)]. فالسِّمَن يظهر من كثرة الإِرفاه؛ لأن الذي لا يُترِفُ نفسه لا يسمن غالباً، وهذا يدلُّ على أنَّ كثرة التَّرف، ليست من الأمور المحمودة. وتركُ الادِّهان بالكلية سيِّءٌ؛ لأنَّ الشَّعر يكون شَعِثاً ليس بجميل ولا حسن، فينبغي أن يكون الإِنسان وسطاً بين هذا وهذا.
قوله: «ويَكْتَحِلُ وِتْراً» ، الكُحْلُ يكون بالعين.
وقوله: «وِتْراً» يعني ثلاثةً في كُلِّ عَين.
قالوا: وينبغي أن يكتحلَ بالإِثْمِدِ كُلَّ ليلة، وهو نوع من الكُحْل مفيدٌ جداً للعين. ومن أراد أن يعرفَ عنه فليقرأ: «زادُ المعادِ»[(274)] لابن القَيِّم رحمه الله، وهو من أحسن الكُحْلِ تقويةً للنَّظر.
ويُقال: إِن زرقاء اليمامة كانت تنظرُ مسيرةَ ثلاثة أيام بعينها المجرَّدة، فلما قُتلَتْ نظروا إِلى عينها فوجدوا أن عروق عينها تكاد تكون محشوَّةً بالإِثْمِدِ[(275)].
أمَّا الاكتحالُ الذي لتجميل العين فهل هو مشروع للرَّجُلِ أم للأنثى فقط؟الظَّاهر أنَّه مشروع للأنثى فقط، أما الرَّجُل فليس بحاجة إلى تجميل عينيه.
وقد يُقال: إِنه مشروع للرَّجُل أيضاً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما سُئل: إِن أحدنا يحب أن يكون نعلُه حسناً، وثوبُه حسناً فقال: «إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال»[(276)]. وقد يُقال: إِذا كان في عين الرَّجُل عيبٌ يَحتاجُ إلى الاكتحال فهو مشروعٌ له، وإِلا فلا يُشرع[(277)].

(التسميةُ في الوُضُوءِ مَعَ الذِّكْرِ،.........)
قوله: «وتجبُ التَّسميةُ في الوُضُوءِ مع الذِّكر» ،أي يقول: بسم الله، ويكون عند ابتدائه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا وُضُوء لِمَنْ لم يَذكرِ اسم الله عليه»[(278)]، فدلَّ هذا على أنَّها واجبةٌ، وأنها في البداية، وهذا المشهور؛ لأن التَّسمية على الشيء تكون عند فعله كما في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] . وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكلوه»[(279)]. والتَّسمية على الذَّبيحة تكون عند الذَّبح قبل الشُّروع فيه، وهذا المشهور من المذهب؛ بناء على القاعدة المعروفة: «أن النَّفي يكون أولاً لنفي الوجود، ثم لنفي الصِّحة، ثم لنفي الكمال». فإِذا جاء نصٌّ في الكتاب أو السُّنَّة فيه نفيٌ لشيء؛ فالأصل أن هذا النفيَ لنفي وجود ذلك الشيء، فإن كان موجوداً فهو نفي الصِّحَّة، ونفيُ الصِّحَّة نفيٌ للوجود الشَّرعي، فإنْ لم يمكن ذلك بأن صحَّت العبادة مع وجود ذلك الشيء، صار النَّفيُ لنفي الكمال لا لنفي الصِّحَّة.
مثالُ نفي الوجود: «لا خالق للكون إلا الله».
مثال نفي الصِّحة: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ الكتاب».
ومثال نفي الكمال: «لا يُؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه».
فإِذا نزَّلنا حديث التَّسمية في الوُضُوء على هذه القاعدة فإِنَّها تقتضي أن التسمية شرطٌ في صِحَّة الوُضُوء، لا أنَّها مجرَّد واجب؛ لأن نفيَ الوُضُوء لانتفاء التَّسمية معناه نفي الصِّحَّة، وإذا انتفت صحَّة العبادة بانتفاء شيء كان ذلك الشيء شرطاً فيها. ولكنَّ المذهب أنها واجبة فقط وليست شرطاً. وكأنهم عَدَلُوا عن كونها شرطاً لصحَّة الوُضُوء، لأنَّ الحديث فيه نظر؛ ولهذا ذهب الموفق رحمه الله إِلى أنها ليست واجبة بل سُنَّة[(280)]؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله قال: «لا يثبت في هذا الباب شيء» (280) ، وإِذا لم يثبت فيه شيء فلا يكون حُجَّة. ولأن كثيراً من الذين وصفوا وُضُوء النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لم يذكروا فيه التَّسمية، ومثل هذا لو كان من الأمور الواجبة التي لا يصحُّ الوُضُوء بدونها لذُكِرَت. وإذا كان في الحمَّام، فقد قال أحمد: «إذا عطسَ الرَّجلُ حَمِدَ الله بقلبه»[(281)]، فيُخَرَّج من هذه الرِّواية أنَّه يُسمِّي بقلبه.
وقوله: «مع الذِّكر»أفادنا المؤلفُ رحمه الله أنها تسقط بالنِّسيان وهو المذهب، فإن نسيها في أوَّله، وذكرها في أثنائه فهل يُسمِّي ويستمر، أم يَبْتَدِئُ؟
اختلف في هذه المسألة «الإِقناعُ» و«المُنتهى» ـ وهما من كتب فقه الحنابلة ـ فقال صاحب «المنتهى»: يبتدئ[(282)]، لأنه ذكر التسمية قبل فراغه، فوجب عليه أن يأتي بالوُضُوء على وجهٍ صحيح.وقال صاحب «الإقناع»: يستمر[(283)]؛ لأنَّها تسقط بالنِّسيان إذا انتهى من جملة الوُضُوء، فإذا انتهى من بعضه من باب أولى.
والمذهب ما في «المنتهى»، لأن المتأخِّرون يرون أنه إذا اختلف «الإقناع» و«المنتهى» فالمذهب «المنتهى».
وقال الفقهاء:تجب التَّسميةُ في الغُسل[(284)]؛ لأنه إِحدى الطَّهارتين فكانت التسمية فيه واجبة كالوُضُوء، ولأنها إِذا وجبت في الوُضُوء وهو أصغر، وأكثر مروراً على المكلَّف فوجوبُها في الحَدَث الأكبر من باب أولى.
وقالوا أيضاً: تجب في التيمُّم (284) ؛ لأنه بدل عن طهارة الماء، والبدل له حكم المبدل. وقد يُعارَضُ في هذا فيُقال:إِن التيمُّمَ ليس له حكم المبدل في وجوب تطهير الأعضاء؛ لأنَّ التيمُّم إِنما يُطَهَّرُ فيه عضوان فقط:الوجه والكفَّان في الحدث الأصغر والأكبر، فلا يُقال: ما وجب في طهارة الماء وجب في طهارة التيمُّم، لكن الاحتياط أولى فيسمِّي عند التيمُّم أيضاً.والمتأمِّل لحديث عمَّار بن ياسر وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا»[(285)]، يستفيد منه أن التسمية ليست واجبة في التيمُّم.
والتَّسميةُ في الشَّرع قد تكون شرطاً لصحَّة الفعل، وقد تكون واجباً، وقد تكون سُنَّةً، وقد تكون بدعةً. فتكون شرطاً لصحَّة الفعل كما في الذَّكاة والصَّيد، فلا تسقط على الصَّحيح لا عمداً، ولا جهلاً، ولا سهواً، فإِذا ذَبَحَ، أو صاد ونسي التَّسميةَ؛ صار المذبوح والصَّيد حراماً.
والمذهب:إِذا رمى صيداً ونسيَ أن يُسمِّيَ صار حراماً، وإِن ذَبَحَ ونسيَ أن يُسمِّي صار حلالاً[(286)]! وهذا من غرائب العلم، فإِنَّ الصَّيد أولى بالعُذر؛ فكيف يُعذر النَّاس في الذَّبيحة، ولا يُعذرون في الصَّيد؟! مع أنَّ الغالب أنَّ الإِنسان إذا رأى صيداً يستعجل وينسى التَّسمية. ودليل المذهب ـ على أن التَّسمية لا تسقط في الصَّيد سهواً ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أرسلت كَلْبَك وسمَّيت فَكُلْ»[(287)]، ومقتضى ذلك أنَّك إِذا لم تذكر اسم الله فلا تأكلْ.
فنقول: هو أيضاً قال: «ما أَنهرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فَكُلْ، ليس السِّنَّ والظُّفُرَ»[(288)]، وأيُّ فرق بين هذا وهذا؟ لا فرق، فجعل حِلِّ المذكَّاة مشروطاً بالتَّسمية وإِنهار الدَّم، كما جعل الصَّيد مشروطاً بالإِرسال والتَّسمية، وحينئذٍ لا يتَّجه التَّفريق بينهما، وأيضاً: فكما أنَّه لو نسيَ وذَبَحَ الذَّبيحة بصعق كهربائي، فإنها ميتة لا تحِلُّ، فكذلك إِذا نسيَ ولم يسمِّ فهي ميتة لا تحِلُّ.
فإن قيل: أليس الله تعالى يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] .
قلنا: بلى؛ فالذي نسيَ أن يسمِّيَ على الذَّبيحة ليس عليه إِثم، لكن من أكل منها متعمِّداً فإِنَّه آثم لأن الله يقول: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فنهى عن الأكل، لكن إِذا أكل جاهلاً، أو ناسياً فلا إِثم عليه لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ، وهذا اختيار شيخ الإسلام[(289)] رحمه الله.
فإن قيل: إن ذلك يترتَّب عليه إتلافٌ لأموال المسلمين، وقد تكون نُوقاً ثمينة؛ فهل يُؤمر صاحبُها بجرِّها للكلاب إذا نسي التَّسمية؟
قلنا: لو نسيَ مرّة فحرَّمناها عليه؛ فإِنَّه لا يمكن أن ينسى بعد ذلك.
وتكون التَّسميةُ واجبة كما في الوُضوء.
وتكون مستحبَّة كالتَّسمية عند الأكل على رأي الجمهور[(290)]، وقال بعض العلماء: إنها واجبة (290) وهو الصَّحيح.
وتكون بدعةً كما لو سَمَّى عند بَدْء الأذان مثلاً، إذا أراد أن يؤذِّن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، وكذا عند الصَّلاة.
أمّا عند قراءة القرآن فتُقرأ في أول السُّورة، وأما في أثناء السُّورة فقال بعضُ العلماء: يُستحب أن يقول: بسم الله[(291)].
ورَدَّ بعضُ العلماء هذا ـ وهو الصَّحيح ـ وقال: إن الله لم يأمرْنا عند قراءة القرآن إلا أن نقول: أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، فإِذا أردت أن تقرأ في أثناء السُّورة فلا تُسَمِّ (291) .

(ويجبُ الختانُ ما لم يَخَفْ على نَفْسِهِ،.......)
قوله: «ويجبُ الختانُ ما لم يخفْ على نفسه» ،أوَّلُ مَنْ سَنَّ الخِتانَ إبراهيم عليه السلام[(292)].وهو بالنسبة للذَّكر: قطعُ الجلدة التي فوق الحَشَفَة. وبالنسبة للأنثى: قطعُ لحمةٍ زائدة فوق محلِّ الإِيلاج، قال الفقهاء رحمهم الله: إِنها تُشبه عُرف الدِّيك.وظاهر كلام المؤلِّف:
أنه واجب على الذَّكر والأنثى، وهو المذهب. وقيل: هو واجب على الذَّكر دون الأنثى، واختاره الموفق[(293)] رحمه الله.
وقيل: سُنَّة في حَقِّ الذُّكور والإِناث (293) .
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في «تُحفة المودود»[(294)] في حُجج الاختلاف، ولم يرجِّح شيئاً!، وكأنَّه ـ والله أعلم ـ لم يترجَّح عنده شيء في هذه المسألة.
وأقرب الأقوال:
أنه واجب في حَقِّ الرِّجال، سُنَّةٌ في حَقِّ النِّساء.
ووجه التَّفريق بينهما: أنه في حَقِّ الرِّجال فيه مصلحة تعود إلى شرط من شُروط الصَّلاة وهي الطَّهارة، لأنَّه إِذا بقيت هذه الجلدة، فإِن البول إذا خرج من ثُقب الحَشَفَة بقي وتجمَّع، وصار سبباً في الاحتراق والالتهاب، وكذلك كُلَّما تحرَّك، أو عصر هذه الجلدة خرج البول وتنجَّس بذلك.
وأما في حَقِّ المرأة فغاية فائدته: أنه يُقلِّل من غُلمتِها، أي: شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إِزالة الأذى.ولا بُدَّ من وجود طبيب حاذقٍ يعرف كيف يختن، فإِن لم يوجد فإِنه يختن نفسه إذا كان يُحْسن، وإبراهيم عليه السلام خَتَنَ نفسَهُ[(295)].واشترط المؤلِّف أنْ لا يخاف على نفسه، فإِن خاف على نفسه من الهلاك، أو الضَّرر، فإِنه لا يجب، وهذا شرطٌ في جميع الواجبات؛ فلا تجب مع العجز، أو مع خوف التَّلف، أو الضَّرر.
ويجوز للخاتن أن ينظر إلى عورة المختون، ولو بلغ عشر سنين، وذلك للحاجة، والدَّليل على وجوبه في حقِّ الرجال:
1- قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خمسٌ من الفِطرة»، وذكر منها الخِتَان[(296)].
2- أمره صلّى الله عليه وسلّم من أسلمَ أن يختتن[(297)]، وهذا يدلُّ على الوجوب.
3- أن الخِتَان مِيزةٌ بين المسلمين والنَّصارى؛ حتى كان المسلمون يَعرفون قتلاهم في المعارك بالختان، فالمسلمون والعرب قبل الإِسلام واليهود يختتنون، والنَّصارى لا يختتنون، وإِذا كان مِيزة فهو واجب.
4- أنَّه قَطْعُ شيء من البَدَن، وقطعُ شيء من البَدَن حرام، والحرام لا يُستباح إلا بالواجب.
5- أنه يقوم به وليُّ اليتيم، وهو أعتداءٌ عليه، واعتداءٌ على ماله، لأنه سيعطي الخاتن أجرةً من ماله غالباً، فلولا أنه واجبٌ لم يجز الاعتداء على مال اليتيم وبدنه.
وأمّا بالنسبة للمرأة فأقوى الأقوال أنه سُنَّةٌ[(298)].
ويدلُّ له قوله صلّى الله عليه وسلّم: «الختان سُنَّةٌ في حَقِّ الرِّجال، مَكْرمة في حَقِّ النِّساء»[(299)] لكنه ضعيفٌ، ولو صَحَّ لكان فاصلاً.

(ويُكْرَهُ الْقَزَعُ.)
قوله: «ويُكره القَزَعُ» ،القَزَعُ: حلقُ بعض الرَّأس، وتركُ بعضه، وهو أنواع:
1- أن يحلِقَ غير مرتّب، فيحلقُ من الجانب الأيمن، ومن الجانب الأيسر، ومن النَّاصية، ومن القَفَا.
2- أن يحلقَ وسطَه ويترك جانبيه.
3- أن يحلقَ جوانبه ويتركَ وسطه، قال ابن القيم رحمه الله: «كما يفعله السُّفَل»[(300)].
4- أن يحلقَ النَّاصيةَ فقط ويتركَ الباقي.
والقَزَع مكروه[(301)] ؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى غلاماً حلق بعض شعره وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك وقال: «احلقوا كلَّه، أو اتركوه كلَّه»[(302)]. إِلا إِذا كان فيه تشبُّهٌ بالكُفَّار فهو محرَّمٌ، لأن التشبُّه بالكُفَّار محرَّمٌ، قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم»[(303)]، وعلى هذا فإذا رأينا شخصاً قَزَّع رأسه فإِننا نأمره بحلق رأسه كلِّه، ثم يُؤمر بعد ذلك إِمَّا بحلقهِ كلِّه أو تركه كلِّه.


  #6  
قديم 23 جمادى الأولى 1431هـ/6-05-2010م, 05:43 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

قال المصنف ـ رحمه الله ـ: (( ويدهن غباً ويكتحل وتراً )):
غباً: أي يوماً يدهن ، ويوماً لا يدهن.ودليل ذلك ما ثبت في مسند أحمد وسنن النسائي والترمذي وأبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نهى عن الترجل إلا غباً) ([1]).
والترجل هو: تسريح الشعر مع دهنه ، فهو منهي عنه إلا يوماً بعد يوم.
ـ وهل ذلك مستحب أم لا ؟: ظاهر هذه اللفظه من المؤلف: أن ذلك مستحب ، ويدل على استحبابه ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد حسن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من كان له شعر فليكرمه) ([2])، وهذا عام في شعر الرأس وشعر اللحية.ولكنه لا يستحب إلا غباً للحديث المتقدم.
ـ فإن قيل: أو ليس المقصود إزالة شعث الرأس ، وإذا كان الأمر كذلك فلو أنه ترجل بماء ونحوه غير الدهن فهل يكون مستحباً كذلك أو لا ؟.
الجواب: الصحيح أنه يكون مستحباً كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد ذكر شيخ الإسلام أنه يفعل ما هو الأصلح لبدنه ، وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا فعل فعلاً معيناً لمعنى مقصود ، وكان هذا المعنى المقصود يثبت بهذا الفعل وغيره ، فإن كل فعل يثبت فيه هذا المعنى الخاص فإنه مستحب.
وهنا: الادهان ، هل المقصود الادهان ذاته أم المقصود إكرام الرأس ؟
الجواب: أن المقصود إكرام الرأس ، فإذا ثبت إكرامه بغير الادهان بإنه يكون مستحباً كالادهان تماماً.
وقد ثبت من حديث رجل من الصحابة قال: (نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يمتشط أحدنا في كل يوم)([3]) فهذا أمر مكروه ، وذلك لأن الشارع ينهى عن كثير من الأرفاه وكثير من التنعم. وقد روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلاً من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد بمصر ثم قال له: (أما إني لم آتك زائراً ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرجوت أن يكون عندك منه علم ، فقال له: ما هو ، قال: (كذا وكذا) "إذن أخبره بهذا الحديث" قال: فمالي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض فقال: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ينهانا عن كثير من الإرفاه "أي كثير من التنعم" قال: فما لي لا أرى عليك حذاء ، فقال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمرنا أن نحتفي أحيانا) ([4]).
ـ إذن هذا الحديث يدل على كراهية كثير الإرفاه وفي أبي داود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن البذاذة من الإيمان) ([5]): أي ترك كثير من التنعم في الثوب والبدن وهو البذاذة أنه من الإيمان.
فإذن: يستحب له أن يدهن غباً ، ويكره له أن يدهن كل يوم ، ولكن إذا كان كثير الشعر بحيث يكون فيه شعث كثير جداً ، فحينئذ تزول الكراهية ، وقد روى النسائي بإسناد صحيح أن أبا قتادة الإنصاري: كان له جُمَّة "أي شعر كثير يضرب على كتفه" فأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحسن إليه) ([6]) ـ وهنا عند هذه الفقرة التي ذكرها المؤلف مباحث:
[المبحث الأول]:هل السنة إتخاذ الشعر أم حلقه ؟
قال الإمام أحمد: ( إتخاذ الشعر سنة ولو قدرنا عليه لفعلنا ، ولكن له كلفة ومؤؤنه) أي يحتاج إلى كلفة من مشط وترجيل ودهان ونحو ذلك.
وأما الدليل على سنيته: فهو أنه فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له شعر يضرب على منكبه) ([7]).
وثبت في مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له شعر إلى شحمة أذنه) ([8]) يعني: كان أحياناً إلى منكبه ، وأحياناً إلى شحمة أذنه ، إذا أخذ منه في حج أو عمره.
ـ ومن أبقاه فعليه أن يكرمه فيكون له كلفة ومؤونة كما قال الإمام أحمد.
ـ أما حلق الرأس فقد أجمع العلماء على إباحته ، كما قال ذلك: ابن عبد البر رحمه الله ـ لكن هل يكره له حلقه أم لا ؟.
نص الإمام أحمد على كراهية حلقه ، وقال : (كانوا يكرهونه) أي كان السلف. وفي رواية عنه أن تركه أفضل ، فيكون حلقه غير مكروه.وقد ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صفة الخوارج أن سيماهم التحليق ، وهذا لا يقتضي التحريم ؛ لأن ليس كل تشبه محرم.
فالأظهر: أن تركه أولى إلا في حج أو عمرة.
[المبحث الثاني]: إذا اتخذ شَعْراً فهل يسدله سدلاً أم يفرقه فرقاً ؟
السدل هو أن ترسل الشعر من غير أن تفرقه ، والفرق: هو أن تجعل الشعر على صفقتين ، صفقه بيمينه وصفقه شماله ، فيظهر أصل الرأس.
والجواب: أن كلا الفعلين فعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أي السدل والفرق ، لكن الأول وهو السدل قد تركه لكونه قد نسخ فعله ، فقد ثبت في الصحيحين: (كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم ـ أي يرسلونها ـ وكان المشركون ـ أي من العرب ـ يفرقون رؤوسهم وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب أن يوافق أهل الكتاب فيما لم يؤمر به ، فسدل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناصيته ثم فرق بعدُ) ([9]).وفي رواية: (ثم أمر بالفرق ففرق).وقد اتفق أهل العلم على استحباب ذلك.فإذا: فرقه فهل يجعله دؤابتين أو عقيصتين ؟
قال الإمام أحمد: ( وأبو عبيدة له عقيصتان وعثمان له عقيصتان) أي يجعله عقيصين وهذا كان فعل العرب.
إذن: والمستحب أن يفرق رأسه لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه أمر بذلك ـ ولكن اتخاذ الشعر إن كان فيه فتنة فإنه لا يجوز ذلك سداً للذريعة.
ـ هذا في شعر الرأس وإدهانه ومثل ذلك شعر اللحية ، وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإعفاء اللحية ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى) ([10]). وفي الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب) ([11]). وفي مسلم: (أرخوا اللحى).
واللحية: (الشعر النابت على الخدين والذقن). كما ذكر ذلك صاحب لسان العرب وغيره.
ـ الأحاديث المتقدمة تدل على وجوب إعفائها ، وقد صرح بتحريم حلقها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، ويدل على ذلك الأحاديث السابقة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، والأصل في التشبه التحريم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين).
ـ وهل يجوز له أن يأخذ منها ما فوق القبضة ؟
ثبت ذلك من فعل ابن عمر في الحج والعمرة ، فقد روى البخاري أن ابن عمر: (كان إذا حج أو اعتمر قبض لحيته ، فما فضل أخذه) ([12]).ونص الإمام أحمد على جواز ذلك ، وكذلك نص عليه الشافعي إذا كان في حج أو عمره. وكره ذلك الحسن وقتادة.
فإذن: ذهب بعض أهل العلم إلى النهي عن ذلك ، وبعضهم ذهب إلى جوازه.
ـ أما القائلون بجوازه ، فقد استدلوا بفعل ابن عمر.
ـ وأما القائلون بالنهي عنه فاستدلوا بعمومات النصوص المتقدمة: (أرخوا اللحى) (واعفوا اللحى) وغيرها.
وكونه يأخذ شيئاً منها وإن كان فاضلاً عن القبضة ، فإن ظاهر الحديث وجوب إعفائها وهو فعل النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد ثبت في البخاري أن خباب بن الأرتّ سئل فقيل له: (أكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ في الظهر والعصر ، فقال:نعم ، فقيل له: بم كنتم تعرفون ذلك ، فقال: باضطراب لحيته.فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت أنه يأخذ من لحيته شيء بل كان يدعها عرضاً وطولاً.
أما ما روى الترمذي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يأخذ من لحيته عرضاً وطولاً) ([13]) فالحديث منكر لا يصح ، قد استنكره البخاري وغيره.
ـ والأظهر من القول بالمنع منه ، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام ، أمر بإعفائها وإرجائها وأخذ شيء منها ينافي ذلك. والعمل برواية الصحابي لا برأيه إذا خالف رأيه روايته.
فابن عمر وإن كان من رواة الأحاديث في إعفاء اللحية لكن رأيه خالف روايته ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بإعفائها وتركها مطلقاً وهذا ينافي ذلك. فالأظهر هو القول بالمنع.
ـ أما الشوارب فيجب ـ على الراجح ـ قص شيء منها بإحفائها وجزها وإنهاكها ، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (أحفوا الشوارب) ([14]) وفي رواية: (جزوا الشوارب) وفي رواية: (أنهكوا الشوارب)وهو أن يبالغ في قصها.
ـ وجمهور أهل العلم على سنيته ، وقد قال النووي: (متفق على استحبابه).
وقد صرح الحنابلة بتأكد سنيته.
ـ والأظهر التحريم ؛ لأن الأمر للوجوب.
ـ وأصرح منه ما في الترمذي وصححه وهو كما قال أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) ([15]).
وقد قال صاحب الفروع: (وهذه الصفة تقتضي ـ عند أصحابنا ـ التحريم) ؛ لأنه قال: (ليس منا).
وهذا هو مذهب الظاهرية ـ وهو الراجح ـ وهو أن قص الشارب وإحفاءه واجب ، ومن لم يفعله فليس منا: أي ليس على هدينا وطريقتنا. ويقتضي ذلك تحريمه وهو مذهب الظاهرية ، والأدلة الشرعية عليه.

قوله: (( ويكتحل وتَراً )):
أي يسن له أن يكتحل وتراً. ويسن أن يكون ذلك بالإثمد ، والإثمد: نوع من أنواع الكحل ، وقد ثبت في ابن ماجة بإسناد جيد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر) ([16]) أي شعر العينين.
وأما الإكتحال بغيره مما هو من باب الزينة ، فإن كان للنساء فذلك جائز.
وأما للرجال فهو محل توقف ، وقد توقف فيه شيخ الإسلام. وذكر أنه يقوي جوازه فيمن كان كبير السن يبعد ذلك عن الفتنة ، بخلاف الشاب ، ومثل ذلك محل توقف ؛ لأنه زينة وهو مختص بالنساء.ومن لم يكن كبير السن وهو ليس محل فتنة فهو محل توقف. والذي ينبغي أن يكون التوقف كذلك في كبار السن ، لأن التوقف عام. إلا أن التحريم يقوي في الشاب لما في ذلك من الفتنة ، والعلم عند الله.
وقوله: (( وتراً )): استدلوا عليه بما رواه أحمد وأبو داود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) ([17]) لكن الحديث فيه جهالة ، فهو ضعيف. فعلى ذلك يكتحل بما يكون مناسباً لعينه بالإثمد من غير أن يكون ذلك محدداً بوتر ، إلا أن يكون مناسباً.

قوله: (( وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر )): أي: يجب على من أراد أن يتوضأ وكذلك من أراد الغسل أو التيمم يجب عليه أن يقول: (بسم الله) ولكن ذلك ـ أي الوجوب ـ مع الذكر ، أما إن نسي فلا حرج عليه.
ـ أما الدليل على وجوب التسمية: فهو ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ([18]). وهذا الحديث في إسناده ضعف ، لكن له شواهد كثيرة يرتقي إلى درجة الحسن.
وقد قال العيني: (روى هذا الحديث من طريق أحد عشر صحابياً) وقال ابن أبي شيبة: (ثبت لنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاله) أي من كثرة طرقه.
وقد حسنه العراقي وابن الصلاح وابن كثير وابن حجر والمنذري ، ومن المحدثين المعاصرين الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فالحديث حسن.
ـ أما سقوط التسمية بالنسيان: فاستدلوا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ([19]).
1ـ هذا هو مذهب الحنابلة في المشهور عندهم: أن التسمية واجبة عند الوضوء ونحوه من الغسل والتيمم مع الذكر ، فلو ترك التسمية عمداً بطل وضوؤه.
وذهب جمهور الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختارها بعض أصحابه أن التسمية سنة.
وأجابوا: عن الحديث بأنه ضعيف لا يثبت ، قال الإمام أحمد: (لا أعلم فيها إسناداً جيداً) أي التسمية. وكلامه ـ رحمه الله ـ إنما هو في الأسانيد بمفردها ، أي في كل إسناد بمفرده ، أما الأسانيد بمجموعها فإنها ترتقي إلى درجة الحسن.
قالوا: وإن ثبت الحديث فإن قوله: (لا وضوء) يؤول بأن (لا وضوء كامل) ، فليس وضوءاً باطلاً ، بل هو صحيح لكنه ليس بكامل بل هو ناقص لتركه السنة. وهذا القول ضعيف ؛ لأن الأصل حمل الكلام على حقيقته ، فيقال: (لا وضوء موجود) ثم (لا وضوء صحيح) وهي المرتبة الثانية ثم (لا وضوء كامل) وهي المرتبة الثالثة.
و(لا وضوء موجود): هذا لا يمكن أن يقال به ؛ لأن الوضوء قد وجد دون التسمية ، فننتقل إلى المرتبة الثانية (لا وضوء صحيح) ثم (لا وضوء كامل) ولا يجوز أن ننصرف عن مرتبة إلا إذا امتنعت المرتبة التي قبلها فنقول ـ حينئذ ـ (لا وضوء صحيح) كما هو ظاهر اللفظة أي لا وضوء صحيح شرعي.
وذهب الإمام أحمد في رواية عنه واختارها أبو الخطاب من الحنابلة والمجد بن تيمية وابن عبد القوي إلى أن التسمية فرض عند الذكر والنسيان. فلو تركها ناسياً فإن وضوءه باطل ـ وهذا هو أصح الأقوال ـ وذلك لصحة الحديث الوارد في ذلك ، وظاهره أنه لا وضوء صحيح مطلقاً سواء كان ذاكراً أو ناسياً.
ـ أما حديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ) الحديث ، فإن ذلك لا يكون في ترك الواجبات ، فإن من ترك واجباً فإنه لايزال مطالباً بفعله ، فإذا فعله برأت ذمته. ويكون ـ حينئذ ـ مغفوراً له غير آثم بسبب نسيانه ، أما كونه لا يجب عليه أن يفعل فلا.
فلوا أن رجلاً صلى بلا وضوء ناسياً ، فإنه لا يأثم لكنه يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهو معذور لنسيانه ، فلا تبرأ ذمته حتى يفعله.وهذا القول هو أرجح الأقوال ، وأن من ترك التسمية ذاكراً أو ناسياً فوضوءه باطل.فإن كان فعل ذلك في مرات سابقة فإنه لا يجب عليه الإعادة للمشقة. لكن إذا كان الوقت مازال حاضراً فإنه يعيد الوضوء والصلاة وكذلك التيمم والغسل ـ وهذا هو مذهب الظاهرية ، ( ثم رجح الشيخ وفقه الله قول الجمهور بالاستحباب).
ـ قال الإمام مالك: (حلق الشارب بدعه) ، وهذا إذا كان على وجه العبادة ـ أما إذا كان على غير وجه العبادة فإنه محرم للأمر بإحفائه ؛ ولأنه من التشبه بالأعاجم.
ـ ذهب بعض الحنابلة إلى أنه إن كانت اللحية على صورة قبيحة قد يستهزأ به من أجلها فإنه يجوز تسويتها وهذا حسن لا بأس به ، لأنه نادر ، أما إذا كان تهذيباً فإن ذلك لا يجوز.

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (( ويجب الختان ما لم يخف على نفسه )):
الختان: من أمور الفطرة ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط) ([20]). وهذه اللفظة: (من الفطرة) لا تفيد وجوباً ولا استحباباً أي بالتنصيص. وإنما تفيد أن هذا مشروع فقد يكون من الواجب وقد يكون من المستحب.
الختان: هو فعل الخاتن ، وهو ما يسمى عندنا بـ: (الطهارة): وهو قطع الجلدة فوق الحشفه.
ما حكمـه ؟.
قال المؤلف: (ويجب الختان): وظاهره مطلقاً للذكر والأنثى وهذا مذهب جمهور أهل العلم.فجمهور أهل العلم قالو: إن الختان واجب للذكر والأنثى
واستدلوا: بما ثبت في مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لمن أسلم: (ألق عنك شعر الكفر ثم اختتن) ([21]) فهذا أمر والأمر ظاهره الوجوب.
ولأن في ذلك كشف عورة ، ولا يجوز كشفها إلا إذا كان الفعل واجباً.
ـ وعن الإمام أحمد رواية: أنه واجب في الرجال دون النساء.
ـ ومذهب أبي حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه سنة مطلقاً للرجال والنساء ، ودليل من قال بسنيته مطلقاً ، وهو كذلك دليل من قال بوجوبه على الرجال دون النساء: ما رواه أحمد في مسنده أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء) ([22]).أما من قال بأنه سنة مطلقاً ـ أي لرجال والنساء ـ فإنه رأى أن لفظة (سُنَّة) ترادف الاستحباب.
ـ وأما من استثنى النساء عن السنية وأثبت الحكم للرجال ، فإنه رأى أن لفظة: (سُنَّه) لا تفيد الاستحباب ،وأن لفظة (مكرمة) تفيد الاستحباب.لكن الحديث ضعيف فيه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ، على أن لفظة (سُنّة) لا تفيد الوجوب ولا تفيد الاستحباب بعينه ، وإنما تدل على أن هذه طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإنما نريد بالاستحباب بعينه ما ينافي الوجوب فلا شك أن الأمر الذي يحكم بأنه سنة محبوب إلى صاحب الشريعة لكن هل هو واجب أم مستحب ـ يستحب من دليل آخر ـ وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم ـ في الصحيحين: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) ([23]) فالسُّنَّة هي الطريقة.
بخلاف السُّنَّة عند الأصوليين فإنها: ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام ، وهي ما ترادف المستحب والمندوب.
والقول الأول أرجحها وهو وجوب الختان مطلقاً على الرجال والنساء.وهو ميزة المسلمين عن النصاري ، فإن النصارى لا يختتنون ، بخلاف اليهود فإنهم يختتنون ، فالختان يتميز به المسلم وهو من شعار المسلمين ،كما في حديث البخاري في قول هرقل: "إني أجد ملك الختان قد ظهر).
قوله: (( ما لم يخف على نفسه )):
كأن يكون رجلاً كبيراً شيخاً هرماً ، فدخل في الإسلام فحينئذ: لا يجب عليه الختان إذا خشي على نفسه التلف ، لأن الواجب يسقط عند العجز.وعند خوف التلف ، وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).
ـ فإن قيل: متى يكون الختان؟
فالجواب: أما وقت وجوبه فهو البلوغ ، فلا يجوز له أن يبلغ إلا وقد اختتن.
يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس: أنه سئل ، مثل من أنت حين قبض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (أنا يومئذ مختون ، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) ([24]) أي حتى يناهز البلوغ.فهذه سنة العرب ، وهو أنهم لا يختنون حتى يدرك.
ـ فإن اختتن قبل ذلك فما الحكم؟.
الجواب: سئل الإمام أحمد عن ذلك فقال: (لا أدري لم أسمع فيه شيئاً) أي لم أسمع فيه سُنَّة صحيحه فحينئذ:يبقى على الأصل، فالأصل في الأشياء الحل ما لم يثبت دليل يمنع من ذلك.
ـ أما حكم الإختتان في اليوم السابع للمولود ، ففيه روايتان عن الإمام أحمد:
الرواية الأولى: الكراهية وهو قول الحسن البصري.
قالوا: لأنه فعل اليهود ، فإنهم يختنون في اليوم السابع.
الرواية الثانية:أنه لا يكره وهو قول ابن المنذر ، وقد قال ابن المنذر: (وليس مع من منع من الختان في اليوم السابع حجة).
ـ وقد ذكر شيخ الإسلام أن إبراهيم عليه السلام خَتَنَ إسحاق في يوم سابعه فكانت سنة في بنيه أي في بني إسحاق ومنهم اليهود.
وختن إسماعيل عند بلوغه فكانت سنة في بنيه.
فإذا ثبت هذا ، فإن فعل اليهود يكون سنة إبراهيمية عن إبراهيم عليه السلام.
ـ والأظهر: أنه لا مانع من ذلك.
فإذن: لا تحديد لذلك ، فلو اختتن في اليوم الأول أو الثاني أو السابع أو العاشر أو عند ذلك فلا بأس لكن لا يجوز أن يبلغ إلا وقد اختتن ؛ لأنه حينئذ يكون مكلفاً ، والختان واجب عليه ، فلا يجوز له أن يبلغ ولم يختتن.كما أن له أثراً في الطهارة ـ فحينئذ ـ : لا يحل له أن يبلغ إلا وقد اختتن أما قبل ذلك فلا بأس ولا حرج.
ـ الثاني: من أمور الفطرة: (الإستحداد): وهو حلق العانة ، وهذا مستحب بالإتفاق كما قال ذلك النووي.
ـ الثالث: من أمور الفطرة: (قص الشارب) وقد تقدم البحث فيه.
ـ الرابع: من أمور الفطرة: (تقليم الأظافر) ، وتقليم الأظاهر مستحب بالإتفاق.
ـ وهنا مسائل في تقليم الأظاهر:
1ـ المسألة الأولى: في كيفية تقليم الأظافر: ذكر الحنابلة في المشهور عندهم أن طريقة تقليم الأظافر أن يبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ثم يأتي بعد ذلك البنصر ثم السبابة ثم يأتي إلى اليسرى: فيشرع بالإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم يعود إلى السبابة ثم إلى البنصر، وهذه صفة المخالفة.
ـ فإن قيل:فما الفائدة ؟.
قالوا: الفائدة من ذلك أنه لا يصاب بالرَّمَد ، فإذا فعل ذلك فإنه لا ترمد عيناه.
ـ فإن قيل: فما الدليل على ذلك ؟
فالجواب: ما ينسب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو وضع عليه أو اختلق أنه قال: (من قلم أظفاره مخالفاً لم ير رمداً) ([25]) لكن الحديث لا أصل له ، بل قال ابن القيم: (هذا من أقبح الموضوعات).
ـ فإن قيل: فما السنة في ذلك ؟
فالجواب: أن السنة: التيامن فيبدأ بيده اليمنى ثم اليسرى ، فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) ([26]) ، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن سعدي.
2ـ المسألة الثانية: أنهم قالوا: يستحب أن يدفن قلامة أظفاره أو ما يأخذه من شعر.
وفي ذلك حديث رواه الطبراني بإسناد ضعيف جداً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (كان يدفن أظفاره) ([27]). ونص على استحبابه ذلك ـ أي دفن الأظافر وما يأخذ من شعره ـ الإمام أحمد ، وقال: كان ابن عمر يفعله ، وقد أسنده إلى ابن عمر ، وفي بعض أسانيده العمري وهو ضعيف فإن ثبت ذلك عن ابن عمر كما ذكر ذلك الإمام أحمد واحتج به فإنه يكون مستحباً لفعل ابن عمر.وقد وردت أحاديث صريحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنها ضعيفه لا تثبت.
3ـ المسألة الثالثة: في اليوم الذي نُقَلِّمُ فيه الأظفار ، روى البغوي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (كان يأخذ أظفاره وشاربه في كل جمعة) ([28]) ، لكن الحديث إسناده ضعيف جداً ، لا يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
الخامس: من أمور الفطرة: (نتف الإبط). والسنة أن ينتفه نتفاً ، فإن قدر على ذلك فإنه المتسحب ، وإن لم يقدر على ذلك فحلقه فلا حرج في ذلك ونتف الإبط مستحب باتفاق أهل العلم.
إذن: أمور الفطرة كلها مستحبه عند أهل العلم سوى الختان فإنه واجب ، وخالف في ذلك أبو حنيفة وكذلك على الراجح قص الشارب فإنه واجب خلافاً لجمهور العلماء.
ـ وقد ورد حديث في مسلم عن أنس بن مالك ، قال: (وُقِّت لنا في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألاّ نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً) ([29]).
قال النووي ـ في بيان هذا الحديث ـ ومعناه: (( أنهم إذا لم يفعلوها في وقتها ـ أي مع كونها تحتاج إلى قص أو حلق أو نحوه ـ فإنهم لا يؤخرونها أكثر من أربعين يوماً ، وليس معنى ذلك الإذن في التأخير مطلقاً ، وهذا تأويل لكنه تأويل صحيح ، لذا قال بعد ذلك: (وإنما الإعتبار بطولها وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال )).
لأنه من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ،فلو أنها طالت بعد عشرة أيام ، فهل نقول إنه يتركها أربعين يوماً مع أنها تحمل الأوساخ؟ لكن المراد: أنه إذا تركها فلا ينبغي أن يتعدى أربعين.اهـ

قوله: (( ويكره القَزَع )):
القَزَع: جمع قَزْعـة ، والقزعة هي: القطعة من السحاب ، فإذا كان في السماء قطع من السحاب فيجمع على قزع.والمراد به هنا: أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه الأخر سواء كان ما يحلقه مقدم رأسه أو مؤخره أو كان مبقياً لأعلاه آخذاً لجوانبه كما يفعله الأوباش والسفل ـ كما قال ابن القيم.
ـ والدليل على النهي: ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (نهى عن القزع) قيل لنافع: ما القزع ؟ قال: (أن يحلق بعض رأس الصبي ويُترك بعضه) ([30]).
ـ وفي مسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم : (رأى صبياً قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (إحلقوه كله أو اتركوه كله) ([31]).
ـ وجماهير أهل العلم على أنه مكروه.ولم أر أحداً صرح بتحريمه ، وظواهر الأدلة تحريمه. لا سيما إذا كان فيه تشبه ، فإنه يكون واضح التحريم ، وفي الحديث : (من تشبه بقوم فهو منهم).
مسألة:لو أن رجلاً لم يختن حتى مات ، فهل يختن بعد موته أم لا ؟
الجواب:أنه لا يختن باتفاق أهل العلم ؛ لأن الفائدة منه في الحياة وهذا قد مات.
ـ مناسبة ذكر النهي عن القزع في هذا الباب: أنه ذكر السواك ومناسبة أنه سُنة من سُنَن الوَضوء فذكر المسائل التي تشابهه ، فهذا من باب ذكر المسألة مع ما يناسبها ، فقد ذكر السواك وهو من أمور الفطرة كما ورد في مسلم ومسند أحمد ، فذكر ما يشابهه من أمور الفطرة ـ ومن المعلوم أن هناك مسائل قد لا تنضبط في باب معين ، فحينئذ تذكر في أبواب مختلفة عندما يذكر شيء يشابهها في الحكم معه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الفطرة, سنن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir