ثُمَّ هَذَا القَوْلُ إِذَا تَدَبَّرَهُ الإِنْسَانُ وَجَدَهُ فِي غَايَةِ الجَهَالَةِ، بَلْ فِي غَايَةِ الضَّلالَةِ. كَيْفَ يَكُونُ هَؤُلاءِ المُتَأَخِّرُونَ، لاَ سِيَّمَا وَالإِشَارَةُ بِالْخَلَفِ إِلَى ضَرْبٍ مِنَ المُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ كَثُرَ فِي بَابِ الدِّينِ اضْطِرَابُهُمْ، وَغَلُظَ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ حِجَابُهُمْ، وَأَخْبَرَ الوَاقِفُ عَلَى نِهَايَاتِ إِقْدَامِهِمْ بِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ أَمرِهمْ حَيْثُ يَقُولُ:
لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ المَعَاهِدَ كُلَّهَا = وسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ المَعَالِمِ
فَلَمْ أَرَ إِلاَّ وَاضِعًا كَفَّ نـادِمٍ = عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِمِ
وَأَقَرُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بِمَا قَالُوهُ مُتَمَثِّلِينَ بِهِ أَوْ مُنْشِئِينَ لَهُ فِيمَا صَنَّفُوهُ مِنْ كُتُبِهِمْ كَقَوْلِ بَعْضِ رُؤَسَائِهِمْ:
(
نِهَـايَةُ إِقْـدَامِ العُقُـولِ عِـقَالُ = وَأَكْثَرُ سَعْيِ العَالَمِينَ ضَـلاَلُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا = وَغَايَةُ دُنْيَانَا أَذَىً وَوَبـَـالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا = سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الكَلامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلاً، وَلا تُرْوِي غَلِيلاً، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ القُرْآنِ، أَقْرَأُ فِي الإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فَاطِر: 10] وَأَقْرَأُ فِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى:11] {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طهَ:110] وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتَي). اهـ.
وَيَقُولُ الآخَرُ مِنْهُمْ: (لَقَدْ خُضْتُ البحرَ الخِضَمَّ وتَركتُ أهلَ الإسلامِ وعلومَهم، وخضتُ في الذي نهونِي عنْهُ والآنَ إن لم يتداركني ربِّي برحمتِه فالويلُ لفلانِ، وها أنا أموتُ على عقيدةِ أمِّي).
ويقول الآخر منهم: (أَكْثَرُ النَّاسِ شَكًّا عِنْدَ المَوْتِ أَصْحَابُ الكَلام).