دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25 شوال 1431هـ/3-10-2010م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي [تفسير بعض الآيات والسور]


في سورة سبأ

{ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه فاتّبعوه إلّا فريقاً من المؤمنين (20) وما كان له عليهم من سلطانٍ إلّا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممّن هو منها في شكٍّ} [سبأ: 20، 21].
تأويله: أن إبليس لما سأل اللّه تبارك وتعالى النّظرة فأنظره قال: لأغوينّهم ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه ولأتّخذنّ منهم نصيبا مفروضا وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنا أنّ ما قدّره اللّه فيهم يتمّ، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه، صدق ما ظنّه عليهم أي فيهم، ثم قال اللّه: وما كان تسليطنا إيّاه إلا لنعلم من يؤمن، أي المؤمنين من الشاكين.
وعلم اللّه تعالى نوعان:
أحدهما علم ما يكون من إيمان المؤمنين، وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وطاعات المطيعين قبل أن تكون.
وهذا علم لا تجب به حجة ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة.
[تأويل مشكل القرآن: 311]
والآخر: علم هذه الأمور ظاهرة موجودة فيحق القول ويقع بوقوعها الجزاء.
فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهرا موجودا، وكفر الكافرين ظاهرا موجودا.
وكذلك قوله سبحانه: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يعلم اللّه الّذين جاهدوا منكم ويعلم الصّابرين (142)} [آل عمران: 142]، أي يعلم جهاده وصبره موجودا يجب له به الثواب.
وقوله سبحانه: {قل إنّما أعظكم بواحدةٍ أن تقوموا للّه مثنى وفرادى ثمّ تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّةٍ إن هو إلّا نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ (46)} [سبأ: 46].
تأويله أنّ المشركين قالوا: إن محمدا مجنون وساحر، وأشباه هذا من خرصهم، فقال اللّه جل وعز لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم: قل لهم: اعتبروا أمري بواحدة، وهي أن تنصحوا لأنفسكم، ولا يميل بكم هوىّ عن حق، فتقوموا للّه وفي ذاته، مقاما يخلو فيه الرجل منكم بصاحبه فيقول له: هلمّ فلنتصادق،
[تأويل مشكل القرآن: 312]
هل رأينا بهذا الرجل جنّة قط أو جرينا عليه كذبا؟ فهذا موضع قيامهم مثنى.
ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيفكّر وينظر ويعتبر. فهذا موضع قيامهم فرادى.
فإنّ في ذلك ما دلهم على أنه نذير.
وكل من تحير في أمر قد اشتبه عليه واستبهم، أخرجه من الحيرة فيه: أن يسأل ويناظر، ثم يفكّر ويعتبر.
[تأويل مشكل القرآن: 313]
في سورة الفرقان
{ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكناً ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلًا (45) ثمّ قبضناه إلينا قبضاً يسيراً (46)} [الفرقان: 45، 46].
امتداد الظل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. كذلك قال المفسرون، ويدلك عليه أيضا قوله في وصف الجنة: {وظلٍّ ممدودٍ (30)} [الواقعة: 30] أي لا شمس فيه، كأنه ما بين هذين الوقتين.
{ولو شاء لجعله ساكناً} أي: مستقرا دائما حتى يكون كظل الجنة الذي لا تنسخه الشمس.
{ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلًا} يقول: لما طلعت الشمس دلت عليه وعلى معناه. وكلّ الأشياء تعرف بأضدادها، فلولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة، ولولا الحق ما عرف الباطل. وهكذا سائر الألوان والطّعوم، قال اللّه عز وجل: {ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون (49)} [الذاريات: 49] يريد به ضدين: ذكرا وأنثى، وأسود وأبيض، وحلوا وحامضا، وأشباه ذلك.
{ثمّ قبضناه إلينا قبضاً يسيراً} يعني الظّل الممدود بعد غروب الشمس، وذلك أنّ الشمس إذا غربت عاد الظل الممدود، وذلك وقت قبضه.
[تأويل مشكل القرآن: 314]
وقوله: {قبضاً يسيراً} أي: خفيا، لأن الظل بعد غروب الشمس لا يذهب كلّه دفعة واحدة، ولا يقبل الظلام كلّه جملة، وإنما يقبض اللّه جلّ وعز ذلك الظل قبضا خفيّا شيئا بعد شيء، ويعقب كلّ جزء منه يقبضه بجزء من سواد الليل حتى يذهب كلّه.
فدلّ اللّه عز وجل بهذا الوصف على قدرته ولطفه في معاقبته بين الشمس والظل والليل، لمصالح عباده وبلاده.
وبعضهم يجعل قبض الظل عند نسخ الشمس إياه، ويجعل قوله: {قبضاً يسيراً} أي: سهلا خفيفا عليه.
وهو وجه، غير أن التفسير الأول أجمع للمعاني وأشبه بما أراد.
[تأويل مشكل القرآن: 315]

في سورة يس
{والشّمس تجري لمستقرٍّ لها ذلك تقدير العزيز العليم (38) والقمر قدّرناه منازل حتّى عاد كالعرجون القديم (39) لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون (40)} [يس: 38].
قوله: {تجري لمستقرٍّ لها} أي: إلى مستقر لها، كما تقول: هو يجري لغايته وإلى غايته.
ومستقرّها: أقصى منازلها في الغروب، وذلك لأنها لا تزال تتقدم في كل ليلة حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع، فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزه.
وقرأ بعض السلف: والشمس تجري لا مستقر لها والمعنى أنها لا تقف، ولا تستقر، ولكنها جارية أبدا.
وقوله: {والقمر قدّرناه منازل} يريد: أنه ينزل كل ليلة منزلا، ومنازله ثمانية وعشرون منزلا عندهم، من أول الشهر إلى ثمان وعشرين ليلة منه ثم يستسرّ.
وهذه المنازل هي النجوم التي كانت العرب تنسب إليها الأنواء.
[تأويل مشكل القرآن: 316]
وأسماؤها عندهم الشّرطان والبطين، والثّريّا، والدّبران، والهقعة، والهنعة، والذّراع، والنّثرة، والطّرف، والجبهة، والزّبرة، والصّرفة، والعوّاء، والسّماك، والغفر، والزّباني، والإكليل، والقلب، والشّولة، والنّعائم، والبلدة، وسعد الذّابح، وسعد بلع، وسعد السّعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدّلو المقدّم، وفرغ الدّلو المؤخّر، والرّشا وهو الحوت.
وإذا صار القمر في آخر منازله دقّ حتى يعود كالعرجون القديم وهو العذق اليابس. والعرجون إذا يبس دقّ واستقوس حتى صار كالقوس انحناء، فشبّه القمر به ليلة ثمانية وعشرين.
ثم قال سبحانه: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر} يريد: أنهما يسيران الدّهر دائبين ولا يجتمعان، فسلطان القمر بالليل، وسلطان الشمس بالنهار، ولو أدركت الشمس القمر لذهب ضوءه، وبطل سلطانه، ودخل النهار على الليل.
[تأويل مشكل القرآن: 317]
يقول اللّه جل وعز حين ذكر يوم القيامة: {وجمع الشّمس والقمر (9)} [القيامة: 9] وذلك عند إبطال هذا التدبير، ونقض هذا التأليف.
{ولا اللّيل سابق النّهار} يقول: هما يتعاقبان، ولا يسبق أحدهما الآخر: فيفوته ويذهب قبل مجيء صاحبه.
{وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} أي: يجرون، يعني الشمس والقمر والنجوم.
[تأويل مشكل القرآن: 318]
في سورة المرسلات
{انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون (29) انطلقوا إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعبٍ (30) لا ظليلٍ ولا يغني من اللّهب (31) إنّها ترمي بشررٍ كالقصر (32) كأنّه جمالتٌ صفرٌ (33)} [المرسلات: 29، 33].
هذا يقال في يوم القيامة للمكذبين، وذلك أن الشمس تدنو من رؤوس الخلائق، وليس عليهم يومئذ لباس، ولا لهم كنان، فتلفحهم الشمس وتسفعهم وتأخذ بأنفاسهم، ومدّ ذلك اليوم عليهم وكربه، ثم ينجّي اللّه برحمته من يشاء إلى ظلّ من ظلّه، فهناك يقولون: {فمنّ اللّه علينا ووقانا عذاب السّموم (27)} [الطور: 27] ويقال للمكذبين {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذّبون (29)} [المرسلات: 29] من عذاب اللّه سبحانه وعقابه، انطلقوا من ذلك إلى ظل من دخان نار جهنم قد سطع ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب. فيكونون فيه إلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء اللّه في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل إلى أن يفرغ من الحساب، ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقرّه من الجنة أو النار.
ثم وصف الظل فقال: {لا ظليلٍ} أي: لا يظلّكم من حرّ هذا اليوم
[تأويل مشكل القرآن: 319]
بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس، ولا يغني عنكم من اللهب.
وهذا مثل قوله سبحانه: {وظلٍّ من يحمومٍ (43) لا باردٍ ولا كريمٍ (44)} [الواقعة: 43، 44] واليحموم: الدّخان وهو سرادق أهل النار فيما ذكر المفسرون.
ثم وصف النار فقال: {إنّها ترمي بشررٍ كالقصر} فمن قرأه بتسكين الصاد، أراد القصر من قصور مياه الأعراب.
ومن قرأه القصر شبّهه بأعناق النخل، ويقال: بأصوله إذا قطع.
ووقع تشبيه الشّرر بالقصر في مقاديره، ثم شبّهه في لونه بالجمالات الصّفر وهي السود، والعرب تسمى السّود من الإبل صفرا، قال الشاعر:
[تأويل مشكل القرآن: 320]
تلك خيلي منها وتلك ركابي هنّ صفر أولادها كالزّبيب
أي: هنّ سود.
وإنما سمّيت السّود من الإبل: صفرا، لأنه يشوب سودها شيء من صفرة، كما قيل لبيض الظباء: أدم، لأن بياضها تعلوه كدرة.
والشّرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار، أشبه شيء بالإبل السّود، لما يشوبها من الصفرة.
[تأويل مشكل القرآن: 321]
في سورة الأنعام
{قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذّبونك ولكنّ الظّالمين بآيات اللّه يجحدون (33)} [الأنعام: 33].
يريد: أنهم كانوا لا ينسبونك إلى الكذب ولا يعرفونك به، فلما جئتهم بآيات اللّه، جحدوها، وهم يعلمون أنك صادق.
والجحد يكون ممن علم الشيء فأنكره، بقول اللّه عز وجل: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوًّا} [النمل: 14].
[تأويل مشكل القرآن: 322]

في سورة النساء
{وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولًا معروفاً (8) وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافاً خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولًا سديداً (9)} [النساء: 8، 9].
فيه قولان:
أحدهما أن تكون القسمة: الوصية. يقول: إذا حضرها أقرباؤكم الذين لا يرثونكم، والمساكين، واليتامى- فاجعلوا لهم فيها حظا، وألينوا لهم القول. وليخش من حضر الوصية، وهو لو كان له ولد صغار خاف عليهم بعده الضّيعة- أن يأمر الموصي بالإسراف فيما يعطيه اليتامى والمساكين وأقاربه الذين لا يرثون فيكون قد أمره بما لم يكن يفعله لو كان هو الميت. وهو معنى قول سعيد بن جبير وقتادة.
قال «قتادة»: إذا حضرت وصية ميت فمره بما كنت آمرا به نفسك، وخف على ورثته ما كنت خائفا على ضعفة أولادك لو تركتهم بعدك.
والقول الآخر: أن تكون القسمة: قسمة الورثة الميراث بعد وفاة الرجل. يقول:
فإذا حضرها الأقارب واليتامى والمساكين، فارضخوا لهم وعدوهم. ثم استأنف معنى آخر فقال: وليخش من لو ترك ولدا صغارا خاف عليهم الضّيعة، فليحسن إلى من كفله من اليتامى، وليفعل بهم ما يجب أن يفعل بولده من بعده. وهو معنى قول ابن عباس في رواية أبي صالح عنه.
[تأويل مشكل القرآن: 323]
في سورة البقرة
{أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} [البقرة: 266].
هذا مثل ضربه اللّه، تبارك وتعالى، للمنافقين والمرائين بأعمالهم لا يريدونه بشيء منها.
يقول: يردون يوم القيامة على أعمال قد محقها اللّه وأبطلها، ووكلهم في ثوابها إلى من عملوا له، أحوج ما كانوا إلى أعمالهم، فمثلهم كمثل رجل كانت له جنّة فيها من كل الثمرات، وأصابه الكبر فضعف عن الكسب، وله أطفال لا يجدون عليه ولا ينفعونه، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ففقدها أحوج ما كان إليها، عند كبر السن، وضعف الحيلة، وكثرة العيال، وطفولة الولد. وهو معنى قول ابن عباس وغيره.
وقد ضرب اللّه لهم قبل هذا مثلا فيه هذا المعنى بعينه، فقال: {كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلداً لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا} [البقرة: 264].
يريد سبحانه: أنه محق كسبهم، فلم يقدروا عليه حين حاجتهم إليه،
[تأويل مشكل القرآن: 324]
كما أذهب المطر التراب عن الصّفا، ولم يوافق في الصّفا منبتا.
ثم ضرب مثلا للمخلصين، فقال: {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً من أنفسهم} [البقرة: 265] أي: تحقيقا من أنفسهم، فقال: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ وأحسن ما تكون الجنان والرّياض: على الرّبا، أصابها وابلٌ وهو: أشدّ المطر، فأضعفت في الحمل، ثم قال: فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} [البقرة: 265] أي: أصابها طلّ، وهو: أضعف المطر. فتلك حالها في النّزل وتضاعف الثمر، لا ينقص بالطّل عن مقدارها بالوابل.
[تأويل مشكل القرآن: 325]
في سورة الرعد
{أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها فاحتمل السّيل زبداً رابياً وممّا يوقدون عليه في النّار ابتغاء حليةٍ أو متاعٍ زبدٌ مثله كذلك يضرب اللّه الحقّ والباطل فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض كذلك يضرب اللّه الأمثال (17)} [الرعد: 17].
هذا مثل ضربه اللّه للحق والباطل. يقول: الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن اللّه سيمحقه ويبطله، ويجعل العاقبة للحق وأهله، ومثل ذلك مطر جود، أسال الأودية بقدرها: الكبير على قدره، والصغير على قدره.
فاحتمل السّيل زبداً رابياً أي: عاليا على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق، ومن جواهر الأرض التي تدخل الكير ويوقد عليها. يعني الذهب والفضة للحلية، والشّبه والحديد للآلة، حيث يعلوها مثل زبد الماء.
فأمّا الزّبد فيذهب جفاءً أي: يلقيه الماء عنه فيتعلّق بأصول الشّجر وبجنبات الوادي، وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير. فهذا مثل الباطل.
{وأمّا ما} الماء الذي {ينفع النّاس} وينبت المرعى {فيمكث في الأرض} وكذلك الصّفو من الفلزّ يبقى خالصا لا شوب فيه. فهو مثل الحق.
[تأويل مشكل القرآن: 326]
في سورة النور
قول اللّه عز وجل: {اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاةٍ فيها مصباحٌ المصباح في زجاجةٍ الزّجاجة كأنّها كوكبٌ درّيٌّ يوقد من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ لا شرقيّةٍ ولا غربيّةٍ يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نورٌ على نورٍ يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيء عليمٌ (35) في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال (36) رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار (37) ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله واللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ (38) والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب (39) أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نوراً فما له من نورٍ (40)} [النور: 35، 40].
هذا مثل ضربه اللّه لقلب المؤمن، وما أودعه بالإيمان والقرآن من نوره فيه. فبدأ فقال:
[تأويل مشكل القرآن: 327]
{اللّه نور السّماوات والأرض}، أي بنوره يهتدي من في السموات والأرض.
ثم قال: {مثل نوره}، يعني في قلب المؤمن. كذلك قال المفسّرون. وكان أبيّ يقرأ: الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن، روى ذلك عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفر الرّازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية.
كمشكاةٍ، وهي: الكوّة غير النافذة.
فيها مصباحٌ، أي سراج المصباح في قنديل، القنديل كأنه من شدة بياضه وتلألئه، كوكب درّي، يتوقّد ذلك المصباح بزيت من شجرة لا شرقيّةٍ، أي لا بارزة للشمس كلّ النهار ولا غربيّةٍ لا مستترة في الظلّ كلّ النهار. ولكنها شرقية غربية تصيبها الشمس في بعض النهار، والظلّ في بعض النهار. وإذا كان كذلك فهو أنضر لها، وأجود لحملها، وأكثر لنزلها، وأصفى لدهنها.
{يكاد زيتها يضيء ولو لم} يسرج به من شدة صفائه. وتم الكلام ثم ابتدأ فقال: {نورٌ على نورٍ}، يعني نور المصباح على نور الزّجاجة والدّهن، {يهدي اللّه لنوره من يشاء} ثم قال:
[تأويل مشكل القرآن: 328]
هذا المصباح في بيوتٍ، يعني المساجد. وذكر أهلها فقال: {يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار}، يريد أن القلوب يوم القيامة تعرف أمره يقينا فتتقلّب عما كانت عليه من الشك والكفر، وأن الأبصار يومئذ ترى ما كانت مغطّاة عنه فتتقلّب عمّا كانت عليه. ونحوه قوله تعالى: {لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ (22)} [ق: 22].
ثم ضرب مثلا للكافرين، فقال: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظّمآن ماءً}، أي كالسراب يحسبه العطشان من البعد ماء يرويه {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً}.
كذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعه، حتى إذا جاءه، أي مات، لم يجد عمله شيئا، لأنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد أبطله بالكفر ومحقه، ووجد اللّه عنده، أي عند عمله فوفّاه حسابه.
ثم ضرب مثلا آخر، فقال: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ}، يريد: أنه في حيرة من كفره كهذه الظلمات.
{ومن لم يجعل اللّه له نوراً} في قلبه، {فما له من نورٍ}.
[تأويل مشكل القرآن: 329]

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
بعض, تفسير

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لرفع الملفات والصور من جهازك إلينا .:: لكم ولكل الدعاة إلى الله ::. م. صفاء جعيدي المنتدى التقني 1 4 رجب 1430هـ/26-06-2009م 10:52 PM


الساعة الآن 01:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir