دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > بانت سعاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 05:36 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) شرح جمال الدين محمد بن هشام الأنصاري

قالَ رَحِمَهُ اللهُ:
18- غَلباءُ وَجناءُ عُلكومٌ مُذَكَّرَةٌ = في دَفِّهَا سَعَةٌ قُدَّامُها مِيلُ
قولُه: " غَلباءُ " أي: غَليظةُ الرَّقَبَةِ، والمذَكَّرُ: أَغْلَبُ، وجَمْعُها: غُلُبٌ , ويكونُ في الآدَمِيِّ أيضًا، وقالَ أبو حاتمٍ: الغُلْبُ قِصَرُ العُنُقِ معَ غِلَظِه، وقيلَ: قِصَرٌ ومَيْلٌ، والذي يَظهَرُ لي أنه مُشترَكٌ بينَ الغليظِ والمائِلِ , فالأَوَّلُ كما في بيتِ كَعْبٍ، ولا يَجوزُ أن يُريدَ به القِصَرَ وَحْدَه، ولا معَ وَصْفٍ آخَرَ؛ لئلا يَتناقَضَ مع قولِه: " قُدَّامُها مِيلُ " ؛ فإنه كِنايةٌ عن طُولِ عُنُقِها، كما سيأتي، والثاني كقولِه: ( بحر الرجَز ):
ما زِلتُ يَومَ البَيْنِ أَلْوِي صَالِبِي = والرأسَ حتى صِرْتُ مِثلَ الأَغْلَبِ
ولا مَدْخَلَ لمعنى الغِلَظِ هنا، وقد يُستعارُ الغُلْبُ لغِلَظِ غيرِ العُنُقِ , قالَ اللهُ تعالى: { وَحَدَائِقَ غُلْبًا } أي: أنها غُلْبُ الأشجارِ، وفِعْلُ الأَغْلَبِ: غَلِبَ بالكسْرِ، يَغْلَبُ بالفتْحِ غُلْبًا، وفِعْلُ الغالِبِ غَلَبَ بالفتْحِ، يَغْلِبُ بالكسْرِ غَلَبَةً وَغَلَبًا أيضًا، ومنه: { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }. وأَمَّا قولُ الفَرَّاءِ وابنِ مالِكٍ: إنَّ الأصلَ: غَلَبَتِهِمْ، ثم حُذِفَت التاءُ للإضافةِ كما في قولِه تعالى: { وَإِقَامِ الصَّلَاةِ } وقولِه: ( البحر البسيط ).
إنَّ الْخَلِيطَ أَجَدُّوا الْبَيْنَ فانْجَرَدُوا = وأَخْلَفُوك عِدَا الأمرِ الذي وَعَدُوا
فمُسْتَغْنًى عنه.
وقولُه: " وَجْنَاءُ ": أي: عظيمةُ الوَجْنَتَيْنِ، أي: طَرَفَيِ الوَجْهِ، أو أنها صَلْبَةٌ مِن الوَجِينِ، وهو ما صَلُبَ مِن الأرضِ.
قولُه: " عُلْكُومٌ " أي: شديدةٌ، وتَخْتَصُّ بالإبِلِ، ويَستوِي فيه الذكَرُ والأُنْثَى، ومِثلُه العُلْجُومُ.
وقولُه: " مُذَكَّرَةٌ " أي: أنها في عظيمِ خَلْقِها كالذكَرِ من الأباعِرِ , والكلماتُ الأربعُ صِفاتٌ لعُذَافِرَةٍ، أو أخبارٌ عن " هي " محذوفةٍ، , ويَجوزُ نَصْبُها وجَرُّها، على ما مَرَّ.
وقولُه: " دَفِّهَا " بفَتْحِ الدالِ الْمُهْمَلَةِ، أي: جَنْبِها، وفيه إنابةُ الْمُفرَدِ عن الاثنينِ كما مَرَّ في الذِّفْرَى.
وقولُه: " سَعَةٌ " هو بفَتْحِ السينِ، وكانَ القِياسُ الكسْرَ كالعِدَةِ والزِّنَةِ والْهِبَةِ، ولكنهم ربما فَتَحوا عَينَ هذا الْمَصدَرَ لفَتْحِها في المضارِعِ كالسَّعَةِ والضَّعَةِ، وهو مُبتدأٌ مُؤَخَّرٌ، أو فاعلٌ بالظرْفِ؛ لاعتمادِه على ما سَبَقَ مِن مُخْبَرٍ عنه، أو مَوصوفٍ.
قولُه: " قُدَّامُها مِيلُ " يَصِفُها بِطُولِ العُنُقِ، ويَجوزُ في " قُدَّامُها " النَّصْبُ، وهو الأَصْلُ، والرفْعُ على حَدِّ ارتفاعِه في قولِ لَبيدِ بنِ رَبيعةَ رَضِيَ اللهُ عنه في مُعَلَّقَتِه التي أَوَّلُها: ( البحر الكامل ).

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّهَا فمُقَامُها = بِمِنًى تَأَبَّدَ غُولُها فَرِجَامُها
فغَدَتْ كِلَا الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أنَّهُ = مَوْلَى الْمَخافَةِ خَلْفَها وأَمَامُها
الفَرْجُ: مَوْضِعُ الْخَوْفِ، والْمَوْلَى هنا الوَلِيُّ، ومِثْلُه: { فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ } والمرادُ بِمَوْلَى الْمَخافَةِ: الْمَوْضِعُ الذي يُخافُ فيه، و " كِلا " : إِمَّا ظَرْفٌ لغَدَتْ، وهو الأَرْجَحُ، وإمَّا مُبتدأٌ خَبَرُه ما بعدَه، والجملةُ حالٌ، و "خَلْفَها": إمَّا بَدَلٌ مِن " مَوْلَى"، وإمَّا خَبَرٌ عنه، والجملةُ خَبَرٌ لأنَّ، وإمَّا خَبَرٌ لمحذوفٍ تقديرُه هما. وقالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللهُ عنه: ( البحر الطويل )
نُصِرْنَا فما نَلْقَى لنا مِن كَتيبةٍ = مَدَى الدهْرِ إلا أَمامُها
والقوافِي مَرفوعةٌ، وإنما اسْتَشْهَدْتُ على جَوازِ رَفْعِ الأمامِ؛ لأنَّ بعضَ الْمُعْرِبِينَ وَهِمَ فيه وَزَعَمَ أنه لا يَنصرِفُ.
قالَ:
19- وجِلْدُها مِن أُطُومٍ مَا يُؤَيِّسُهُ = طَلْحٌ بضَاحِيَةِ الْمَتْنَيْنِ مَهزولُ
أي: أنَّ جِلْدَها قَوِيٌّ شديدُ الْمَلاسةِ ؛ لسِمَنِها وضَخَامَتِها، فالقِرادُ المهزولُ مِن الجوعِ لا يَثْبُتُ عليها، ولا يَلْتَزِقُ بها.
وقولُه: " مِن أُطُومٍ " جَزَمَ التِّبريزيُّ بأن الأُطُومَ الزرافةُ، وأنَّ الجامِعَ بينَهما الْمَلاسَةُ، وعلى هذا فهو بفَتْحِ الهمزةِ ولا يَتَعَيَّنُ ما قالَه، بل يَجوزُ أن يُريدَ به السُّلَحْفَاةَ البَحرِيَّةَ، وهذا أَوْلَى لوَجْهينِ :
أحدُهما: أنَّ استعمالَ الأُطومِ بهذا المعنى كثيرٌ، بخِلافِ استعمالِه بمعنى الزرافةِ؛ فإنه قليلٌ، حتى إنَّ الجوهريَّ وصاحبَ " الْمُحْكَمِ " وكثيرًا مِن أهلِ اللغةِ لم يَذْكُرُوهُ.
والثاني: أنَّ مُلامَسَةَ لَحْمِ السُّلَحْفَاةِ أكثرُ، فالتشبيهُ بها أَبْلَغُ، ولو أنه قالَ: مُشَبَّهَةٌ بجِلدِ الزرافةِ لقُوَّتِه ومَلاسَتِه كان التخصيصُ بالزرافةِ مُتَّجِهًا.
وفي " الْمُحْكَمِ " الأُطومُ: سُلَحْفَاةٌ بَحَرِيَّةٌ غَليظةُ الْجِلْدِ. وقيلَ: سَمَكَةٌ غَليظةُ الْجِلْدِ في البَحْرِ، يُشَبَّهُ بها جِلْدُ البَعيرِ الأَمْلَسُ، ويُتَّخَذُ مِنها الْخِفافُ للجَمَّالِينِ، ويُخْصَفُ بها النِّعالُ، وقِيلَ: الأُطومُ: القُنْفُذُ والبقرةُ، وقيلَ: إنما سُمِّيَتْ بذلك على التشبيهِ بالسمكةِ ؛ لغِلَظِ جِلْدِها . انتهى.
والتقديرُ: وجِلْدُها مِن جِلْدٍ كجِلْدِ أُطُومٍ.
وجَزَمَ عبدُ اللطيفِ بأنَّ الأُطومَ في البيتِ بضَمَّتَيْنِ، وقالَ: شَبَّهَ جِلْدَها بالْحُصونِ لقُوَّتِه. انتهى، ولا خَفاءَ بما في تَشبيهِ الْجِلْدِ بالْحُصونِ مِن البُعْدِ، ومما يَزيدُه بُعْدًا أنه قالَ: مِن أُطومٍ. ولم يَقُلْ: شَبَهُ أُطُومٍ، ولا يَحْسُنُ أن يُقالَ: جِلْدُها مِن حِصْنٍ، أو قَصْرٍ، ومُفرَدُ الأُطومِ " أُطُمٌ " بضَمَّتَيْنِ، وهو الحِصْنُ الْمَبْنِيُّ بالحجارةِ، وقيلَ: كلُّ بيتٍ مُرَبَّعٍ مُسَطَّحٍ، وجَمْعُه في القِلَّةِ آطَامٌ، قالَ الأَعْشَى: ( البحر الطويل )

فلَمَّا أَتَتْ آطَامَ جَوٍّ وأَهْلِهِ = أُنِيخَتْ فأَلْقَتْ رَحْلَها بفَنَائِهَا
والكثيرُ: الأُطومُ، وقالَ ابنُ الأعرابيِّ: الأُطومُ: القُصورُ.
وقولُه: " يُؤَيِّسُه": أي : يُذَلِّلُهُ، ويُؤَثِّرُ فيه، يُقالُ: آسَ أَيْسًا، مِثلُ: سَارَ سَيْرًا بمعنى: لَانَ، وذَلَّ. وأَيَّسَه تَأْيِيسًا، أي: لَيَّنَه وذَلَّلَهُ، قالَ الْمُتَلَمِّسُ:
تُطِيفُ به الأَيَّامُ ما يَتَأَيَّسُ
أي: ما يَتَأَثَّرُ ولا يَتَغَيَّرُ
وقولُه: " طِلْحٌ " فاعلُ " يُؤَيِّسُهُ " وهو بكسْرِ الطاءِ: القُرادُ، ويُقالُ أيضًا: طَليحٌ، وأَصْلُ الطِّلْحِ والطليحِ: الْمُعْيِي مِن الإبِلِ وغيرِها، قالت العَرَبُ: راكبُ الناقةِ طَلِيحانَ. أي: أحَدُ طَليحينِ، أو راكبُ الناقةِ والناقةُ طَليحانِ، وقالَ الْحُطَيْئَةُ يَذْكُرُ إِبِلًا ورَاعِيَها: ( البحر الطويل )
إذا نامَ طِلْحٌ أَشعثُ الرٌأسِ خَلْفَها = هَداهُ لها أَنفاسُها وزَفيرُها

وجملةُ " ما يُؤَيِّسُهُ طِلحٌ " إمَّا خَبَرٌ ثانٍ لِجِلْدِها، أو حالٌ مِن ضميرِ الظرْفِ، أو مُستأنَفَةٌ لبيانِ جِهةِ التشبيهِ، على تقديرِ سؤالٍ.
قولُه: " بضَاحيةٍ " اسمُ فاعلٍ مِن ضَحِيَتْ بالكسْرِ تَضْحَى بالفتْحِ: إذا بَرَزَت للشمْسِ، قالَ عُمرُ بنُ أبي رَبيعةَ: ( البحر الطويل )

رأتْ رجُلًا أَمَّا إذا الشمْسُ عارَضَتْ = فيَضْحَى وأمَّا بالعَشِيِّ فيُخْصِرُ
وقالَ اللهُ تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى }.
قولُه: " الْمَتْنَيْنِ " يُريدُ به مَتْنَيْ ظَهْرِها، أي: ما اكْتَنَفَ صُلْبَها عن يمينٍ وشِمالٍ مِن عَصَبٍ ولَحْمٍ، والْمَتْنُ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، و " أل " في الْمَتْنِ خَلَفٌ عن الضميرِ، وضاحيةُ الْمَتْنَيْنِ مثلُ حَسَنَةِ الوَجْهِ، والْمُرادُ: ما بَرَزَ مِن مَتْنَيْهَا للشَّمْسِ.
وقولُه: " مَهزولُ " صفةٌ لطِلحٍ، وهذا البيتُ وَقَعَ في شِعرِ الشَّمَّاخِ بنِ ضِرارِ بنِ حَرملةَ, واسْمُه: مَعْقِلُ بنُ ضِرارِ بنِ حَرملةَ، وهو صَحابِيٌّ مِثلُ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، إلا أنه قالَ:
طِلحٌ بضاحيةِ الصيداءِ مَهزولُ
ونَظيرُ ذلك أنَّ امرأَ القَيْسِ قالَ: ( البحر الطويل )

وُقوفًا بها صَحْبِي على مَطِيِّهِمْ = يقولون لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وقالَ طَرْفَةُ كذلك إلا أنه قالَ: " وتَجَلَّدِ " ؛ لأنَّ قَوافِيَ مُعَلَّقَتِه دَاليَّةٌ، ودونَ هذا قولُ أبي نُوَاسٍ , وهو بنونٍ مَضمومَةٍ بعدَها واوٌ لا هَمزةٌ كما يَقولُ بعضُ مَن لا مَعرِفَةَ له؛ لأنَّه مِن ناسَ يَنُوسُ: إذا تَحَرَّكَ، لُقِّبَ بذلك ؛ لأنه كان ذا ذُؤابةٍ تَنُوسُ على ظَهْرِه: ( البحر الطويل ).

فَتًى يَشْتَرِي حُسْنَ الثناءِ بِمَالِهِ = ويَعلمُ أنَّ الدائراتِ تَدورُ
وقالَ الأسودُ الْيَرْبوعيُّ قَبلَه: ( البحر الطويل )
فَتًى يَشْتَرِي حُسْنَ الثناءِ بِمَالِهِ = إذا السَّنَةُ الشَّهْبَاءُ أَعْوَزَهَا القَطْرُ
وهذا ونحوُه مُحْتَمِلٌ للأَخْذِ، ولتَوارُدِ الْخَواطِرِ.
قالَ:
20- حَرْفٌ أَخوهَا أَبُوهَا مِن مُهَجَّنَةٍ = وعَمُّها خالُها قَوْدَاءُ شِمليلُ
قولُه: " حَرْفٌ " مُحتَمِلٌ لإعرابينِ: كونُه خبرًا لمحذوفٍ، أي: هي حَرْفٌ، وكونُه صِفةً لعُذافِرَةٍ، ومُحْتَمِلٌ لِمَعنيينِ: إرادةُ حَرْفِ الْجَبَلِ، وهو القِطعةُ الخارجةُ منه، أي: أنها مِثْلُه في الْقُوَّةِ والصلابةِ، وإرادةُ حَرْفِ الخطِّ، أي: أنها مِثْلُه في الضُّمورِ والرِّقَّةِ، ومُحْتَمِلٌ لثلاثةِ تَقاديرَ:
أَحَدُها: إضمارُ الكافِ للمُبالَغَةِ في معنى التشبيهِ.
والثاني: أن يكونَ جَعْلُها نفْسَ الحرْفِ مُبالَغَةً، وعليهما فلا ضَميرَ فيها.
والثالثُ: أن يُؤَوَّلَ الْحَرْفُ بصُلْبَةٍ على المعنى الأَوَّلِ، وبِمَهزولةٍ على المعنى الثاني، وعلى ذلك ففيه ضميرٌ؛ لأنَّه قد أُوِّلَ بالْمُشْتَقِّ فأُعْطِيَ حُكْمَه، والأَوْجُهُ الثلاثةُ في نحوِ قولِك: زيدٌ أَسَدٌ.
وقولُه: " أَخُوها أَبُوها، وَعَمُّها خالُها": مُحْتَمِلٌ لِمَعنيينِ:
أحدُهما: التشبيهُ، أي: أنَّ أَخَاها يُشْبِهُ أباها في الكَرَمِ، وعَمَّها يُشْبِهُ خالَها في ذلك.
والثاني: التحقيقُ، وأنها مِن إِبِلٍ كِرامٍ، فبعضُها يُحْمَلُ على بعضٍ؛ حِفْظًا للنوعِ، ولهذا النسَبِ صُوَرٌ:
منها: أنَّ فَحْلًا ضَرَبِ بِنْتَهُ، فأَتَتْ ببَعيرينِ، فضَرَبَها أحدُهما، فأَتَتْ بهذه الناقةِ.
وقالَ الفارسيُّ في " تَذْكِرَتِه ": صورةُ قولِه: أخوها أبوها: أنَّ أمَّها أَتَتْ بفَحْلٍ فأُلْقِيَ عليها، فأَتَتْ بهذه الناقةِ , وأمَّا عمُّها خالُها: فيَتَّجِهُ على النِّكاحِ الشرعيِّ، تَزَوَّجَ أبو أبيكَ بأمِّ أمِّكَ، فوُلِدَ لهما غلامٌ، فهو عَمُّك وخالُك، إلا أنه عمٌّ لأبٍ، وخالٌ لأمٍّ. صورةٌ أخرى: تَزَوَّجَتْ أُختُك مِن أمِّكَ أَخاكَ مِن أبيكَ، فوُلِدَ لهما، فأَنْتَ عمُّ هذا الولدِ أخو أبيه، وخالُه ؛ لأنك أخو أمِّه من أمِّها. انتهَى.
ولا يَنطبِقُ تفسيرُ أبي عليٍّ رَحِمَهُ اللهُ على ما ذُكِرَ في البيتِ؛ لأنَّ الشاعرَ لم يَصِف الناقةَ بأحدِ النَّسَبَيْنِ، بل بهما معًا.
وقولُه: " مِن مُهَجَّنَةٍ " الْمُهَجَّنَةُ: الكريمةُ، أي: مِن ناقةٍ مُهَجَّنَةٍ، أو مِن نِياقٍ مُهَجَّنَةٍ، والْهَجائنُ: كِرامُ الإِبِلِ، وأَصْلُ الْمُهَجَّنَةِ غِلَظُ الْخَلْقِ، كغِلَظِ الْبَرَاذِينِ.
وهنا تَنبيهٌ على أَمرينِ:
أحدُهما: أنَّ التهجينَ مَدْحٌ في الإِبِلِ، وذَمٌّ في الآدَمِيِّينَ؛ لأنَّ معناه في الإبِلِ: كِرامُ الأبوينِ، وفي الآدَمِيِّينَ: أن يكونَ الأبُ عَرَبِيًّا والأمُّ أَمَةً. يُقالُ منه: رَجلٌ هَجينٌ , وإن كان الأمْرُ بالعَكْسِ، قيلَ: رَجلٌ مُقْرِفٌ، وفَلَنْقَسٌ بوزْنِ سَفَرْجَلٍ، أوَّلُه فاءٌ ورابعُه قافٌ، قالَ: ( بحر الرجَز ).

العبدُ والْهَجينُ والفَلَنْقَسُ = ثلاثةٌ فأيَّهُمُ تَلَمَّسُ
وقالَ: ( البحر الرَّمَل )
كَمْ بِجُودٍ مُقْرِفٍ نالَ العُلَى = وكريمٍ بُخْلُه قد وَضَعَهُ
يَجوزُ في " مُقْرِفٍ " الْجَرُّ بإضافةِ كَمْ، والنصْبُ على التمييزِ حَمْلًا للخَبَرِيَّةِ على الاستفهاميَّةِ ؛ كَراهيةً للفَصْلِ بينَ الْمُتَضَايِفَيْنِ.
ومِن الْمُلَحِ: أنَّ أعرابيًّا جاءَ إلى ابنِ شُبْرُمَةَ القاضي، فقالَ: مسألةٌ. فقالَ: هاتِ. فقالَ: أبي ماتَ، وخَلَّفَنِي وشَقيقًا لي. وخَطَّ بأُصْبُعِهِ في الأرضِ خَطَّيْنِ مُتجاورَيْنِ، ثم قالَ: وخَلَّفَ هَجِينًا. وخطَّ خَطًّا آخَرَ بعيدًا، ثم قالَ: ولم يُخَلِّفْ غَيْرَنا. فاقْسِم المالَ بينَنا. قالَ: هو بينَكم أَثلاثًا. فقالَ: سُبحانَ اللهِ، كأنك لم تَفهَم المسألةَ. فقالَ: أَعِدْهَا. فأَجابَه كالأَوَّلِ. فقالَ: أَيَرِثُ الهجينُ كما أَرِثُ؟ قالَ: نعمْ. فقالَ: لقد عَلِمْتُ واللهِ أنَّ خالاتِك بالدَّهناءِ قَليلةٌ. فقالَ: لا يَضُرُّنِي ذلك عندَ اللهِ شيئًا.
الثاني: أنَّ تَقَارُبَ مَدْحٌ في الإِبِلِ؛ لأنَّه إنما يكونُ في الكَرائِمِ يُحْمَلُ بعضُها على بعضٍ؛ حِفْظًا لنوعِها، كما قَدَّمْنا، وهو ذَمٌّ في الناسِ.
لأنه فيهم سَببٌ للضَّعْفِ، وفي الحديثِ: ((اغْتَرِبُوا لَا تَضْوُوا)) أي: أنَّ تَزَوُّجَ القرائبِ يُوقِعُ الضَّوَى في الوَلَدِ، والضَّوَى بالضادِ الْمُعْجَمَةِ بوَزْنِ الْهَوَى: مَصدرُ ضَوِيَ بالكسْرِ يَضْوَى بالفتْحِ، بمعنى الضَّعْفِ والْهُزالِ، ولذلك يَمدحونَ بضِدِّ ذلك كقولِ راجِزٍ:

إنَّ بِلالًا لم تَشِنْهُ أُمُّهُ = لم يَتَنَاسَبْ خَالُه وعَمُّهُ
وقولِ الشاعرِ: ( البحر الطويل )
فَتًى لم تَلِدْهُ بنتُ عمٍّ قريبةٌ = فيَضْوَى وقد يَضْوَى رَديدُ الأقارِبِ
والجارُّ والمجرورُ خَبَرٌ عن الناقةِ عن " أخوها " ؛ لأنَّ الكلامَ ليس مَسوقًا له.
قولُه: " قَوداءُ ": هي الطويلةُ الظهْرِ أو الْعُنُقِ، والذكَرُ أَقْوَدُ، وجَمْعُهُما قِوَدٌ.
قولُه: " شِمليلُ " الشِّمليلُ، والشِّملالُ بكَسْرِ أوَّلِهما وسكونِ ثانيهما، والشِّمِلَّةُ بكَسْرِهما وتشديدِ الثالثِ: الخفيفةُ السريعةُ. يُقالُ: شَملَلَ: أي: أَسْرَعَ، واللامُ زائدةٌ للإلحاقِ بدَحْرَجَ، ولهذا لم يُدْغَمْ؛ لئَلَّا يَفوتَ مُوازنَتُه للمُلْحَقِ به

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البردة3 or 7, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir