دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الحج

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 12:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب وجوه الإحرام وصفته


بابُ وُجوهِ الإحرامِ وصِفَتِه
عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: خَرَجَنا مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عامَ حَجَّةِ الوَداعِ، فمِنَّا مَن أَهَلَّ بعُمرةٍ، ومِنَّا مَن أَهَلَّ بِحَجٍّ وعُمرةٍ، ومِنَّا مَن أَهَلَّ بِحَجٍّ، وأَهَلَّ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بالْحَجِّ، فَأَمَّا مَن أَهَلَّ بعُمْرَةٍ فَحَلَّ، وأَمَّا مَن أَهَلَّ بِحَجٍّ أو جَمَعَ الْحَجَّ والعُمرةَ فلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يومُ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

  #2  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ وُجُوهِ الإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ
الوُجُوهُ: جَمْعُ وَجْهٍ، وَالمُرَادُ بِهَا: الأَنْوَاعُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الإِحْرَامُ، وَهُوَ الحَجُّ، أَو العُمْرَةُ، أَوْ مَجْمُوعُهُمَا، (وَصِفَتُهُ): كَيْفِيَّتُهُ الَّتِي يَكُونُ بِها فَاعِلُهَا مُحْرِماً.
1/680 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ عِنْدَ قُدُومِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا)؛ أَيْ: مِن المَدِينَةِ، وَكَانَ خُرُوجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ السَّبْتِ لسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي القَعْدَةِ بَعْدَ صَلاتِهِ الظُّهْرَ بِالمَدِينَةِ أَرْبَعاً، وَبَعْدَ أَنْ خَطَبَهُمْ خُطْبَةً عَلَّمَهُمْ فِيهَا الإِحْرَامَ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنَهُ.
(مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ)، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ عَشْرةٍ مِن الهِجْرَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ هِجْرَتِهِ غَيْرَهَا.
(فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ)، فَكَانَ قَارِناً، (وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ)، فَكَانَ مُفْرِداً، (وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ عِنْدَ قُدُومِهِ) مَكَّةَ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِ العُمْرَةِ.
(وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). الإِهْلالُ: رَفْعُ الصَّوْتِ.
قَالَ العُلَمَاءُ: هُوَ هُنَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الإِحْرَامِ، وَدَلَّ حَدِيثُهَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ مَجْمُوعِ الرَّكْبِ الَّذِينَ صَحِبُوهُ فِي حَجَّةِ هَذِهِ الأَنْوَاعِ، وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهَا رِوَايَاتٌ تُخَالِفُ هَذَا، وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَد اخْتَلَفَت الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِ عَائِشَةَ بِمَاذَا كَانَ؛ لاخْتِلافِ الرِّوَايَاتِ أَيْضاً، وَدَلَّ حَدِيثُهَا عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ الإِحْرَامُ بِأَنْوَاعِ الحَجِّ الثَّلاثَةِ، فَالمُحْرِمُ بِالحَجِّ هُوَ مِنْ حَجِّ الإِفْرَادِ، وَالمُحْرِمُ بِالعُمْرَةِ هُوَ مِنْ حَجِّ التَّمَتُّعِ، وَالمُحْرِمُ بِهِمَا هُوَ القَارِنُ، وَدَلَّ حَدِيثُهَا عَلَى أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِالحَجِّ مُفْرِداً لَهُ عَن العُمْرَةِ لَمْ يَحِلَّ إلاَّ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ثَبَتَ مِن الأَحَادِيثِ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ إلَى العُمْرَةِ، قِيلَ: فَيُتَأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَأَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرَداً؛ فَإِنَّهُ كَمَنْ سَاقَ الهَدْيَ، وَأَحْرَمَ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ مَعاً.
وَقَد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ قَدِيماً وَحَدِيثاً فِي الفَسْخِ لِلْحَجِّ إلَى العُمْرَةِ: هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لا؟
وَقَدْ بَسَطَ ذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ فِي (زَادِ المَعَادِ)، وَأَفْرَدْنَاهُ بِرِسَالَةٍ، وَلا يُحْتَمَلُ هُنَا نَقْلُ الخِلافِ وَالإِطَالَةُ.
وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ أَيْضاً فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالأَكْثَرُ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَكَانَ قَارِناً.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا دَلَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالحَجِّ مُفْرَداً، لَكِنَّ الأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ حَجَّ قَارِناً وَاسِعَةٌ جِدًّا. وَاخْتَلَفُوا أَيْضاً فِي الأَفْضَلِ مِنْ أَنْوَاعِ الحَجِّ، وَالأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا الْقِرَانُ، وَقَد اسْتَوْفَى أَدِلَّةَ ذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ.

  #3  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 06:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ وُجُوهِ الإِحْرامِ وَصِفَتِهِ
605- وعَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْها - قَالَتْ: خَرَجْنَا معَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحَجِّ، فأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بعُمْرَةٍ فحَلَّ عندَ قُدُومِهِ، وأَمَّا مَنْ أَهَلَّّ بحَجٍّ، أو جَمَعَ بينَ الحَجِّ والعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كانَ يَوْمُ النَّحْرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
َرَجْنَا: مِن المَدِينةِ، وكانَ خُرُوجُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ السَّبْتِ، لخَمْسٍ بَقِينَ مِن ذِي القَعْدَةِ، بعدَ صَلاةِ الظُّهْرِ بالمَدِينَةِ.
َجَّةِ الوَدَاعِ: سَنَةَ عَشْرٍ مِن الهِجْرةِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ الناسَ فيها، وقالَ: ((لَعَلِّي لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا)).
َن أهْلَّ بعُمْرَةٍ: بتشديدِ اللامِ، فصارَ مُتمَتِّعاً بالعُمْرةِ إلى الحَجِّ.
َن أهَلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ: فصَارَ قَارِناً بينَ الحَجِّ والعُمْرَةِ.
َنْ أَهَلَّ بحَجٍّ: فصَارَ مُفْرِداً بالحَجِّ وحْدَه.
-أهَلَّ: مِن الإهلالِ، والإهلالُ بالحَجِّ هو رَفْعُ الصَّوْتِ بالتَّلْبِيَةِ.
َوْمُ النَّحْرِ: هو يَوْمُ العَاشِرِ من ذِي الحِجَّةِ، سُمِّي بذلك؛ لنَحْرِ البُدْنِ فيهِ، هدايا وأضَاحِيَّ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-مَشْرُوعِيَّةُ الأَنْساكِ الثلاثةِ، وهي التَّمَتُّعُ، والقِرَانُ، والإِفْرَادُ.
فقَدْ أَشَارَ الحَدِيثُ إِلَى التَّمَتُّعِ بقولِه: أهَلَّ بعُمْرَةٍ.
وإلى القِرَانِ بقولِه: أهَلَّ بحَجٍّ وعُمْرَةٍ، وإلى الإفرادِ بقولِه: أهَلَّ بحَجٍّ، فالأَنْساكُ الثلاثةُ جَائِزَةٌ كلُّها، فعَلَهَا الصحابةُ بصُحبةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجَّتِه.
2-مَشْرُوعِيَّةُ التلبيةِ عندَ الإحرامِ، فهو المُرادُ بالإهلالِ.
3-أنَّ المُحْرِمَ بالعُمرةِ يَفْرُغُ منها ويَحِلُّ، ثمَّ يُحْرِمُ بالحجِّ في عامِه.
4-أنَّ المُحْرِمَ القَارِنَ: هو مَن نَوَى الحَجَّ والعُمْرَةَ جَمِيعاً، أو نَوَى العُمْرَةَ ثُمَّ أدْخَلَ عليها الحَجَّ.
5-أنَّ المُحْرِمَ المُفْرِدَ: هو مَن أَحْرَمَ بالحَجِّ فقطْ.
6-ظَاهِرُ الحديثِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحْرَمَ مُفْرِداً، وسيأتي تَحقيقُ ذلك إنْ شَاءَ اللهُ.
7-أمَّا الصحابةُ فَقَدْ فَعَلَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهم نُسُكاً مِن الأنساكِ الثلاثةِ، كما هو نَصُّ الحديثِ، وسيأتي أيُّ الأنْسَاكِ الثلاثةِ أفْضَلُ، إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
8-ظَاهِرُ الحديثِ أنَّ المُفْردِينَ والقارِنِينَ بَقُوا على إحْرَامِهم حتى يَوْمَ النَّحْرِ، ولكنَّ هذا مُقَيَّدٌ بالنصوصِ الأُخَرِ التي ألْزَمَتْ مَن لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ مِنهم بفَسْخِ حَجِّه إلى عُمْرَةٍ؛ ليَفْرُغَ منها، فيَكُونَ مُتَمَتِّعاً، وأَنَّ هذا الحديثَ خَاصٌّ بمَن سَاقَ الهَدْيَ، وسيأتي تَحْقِيقُ ذلكَ إنْ شَاءَ اللهُ.
9-إلهامُ الصحابةِ الذينَ حَجُّوا معَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأنْ يُنَوِّعوا نُسُكَهم إلى ثلاثةِ أنواعٍ، ثمَّ يُقِرُّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكْمَةً عَظِيمةً؛ لتَكُونَ تَشْرِيعاً عَامًّا في أُمَّتِه، فإنَّ مِن سُنَنِه إِقْرَارَهُ على الشيءِ.

خِلافُ العُلماءِ:
اخْتَلَفَ العُلماءُ في حَجَّةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل هو قَارِنٌ، أو مُتَمَتِّعٌ، أو مُفْرِدٌ؟ فكلُّ طَائِفَةٍ مِن العُلَمَاءِ ذَهَبَتْ إِلَى نَوْعٍ.
فالذينَ يَرَوْنَ أنَّه حَجَّ مُتَمَتِّعاً، دَلِيلُهم ما جاءَ في صحيحِمُسْلِمٍ (1227): عَنِ ابنِ عُمَرَ قالَ: "تَمَتَّعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الودَاعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ".
وأمَّا مَن يَرَوْنَ أنَّه حَجَّ مُفْرِداً، فدَلِيلُهم حديثُ البابِ، وما رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1211): عَن عَائِشَةَ:"أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفْرَدَ بالحَجِّ".
وأمَّا مَن يَرَوْنَ أنَّه حَجَّ قَارِناً، فاسْتَدَلُّوا بما رَجَّحَه المُحَقِّقونَ مِن العُلماءِ، ومنهم ابنُ القَيِّمِ، الذي سَاقَ ما يَزِيدُ على عِشْرِينَ حَدِيثاً صحيحاً في ذلك، وقالَ الإمامُ أحْمَدُ: "لا شَكَّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ قَارِناً".
وشَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ من الذينَ يَجْزِمُونَ بأنَّه حَجَّ قَارِناً، ويُوفِّقُ بينَ رِواياتِ الأحاديثِ التي ظَاهِرُها التعارُضُ، فيَقُولُ: الصوابُ أَنَّ الأحَادِيثَ في هذا البابِ مُتَّفِقَةٌ، إلاَّ اختلافٌ يَسِيرٌ يَقَعُ مِثْلُه في غَيْرِ ذلكَ.
فإنَّ الصحابةَ ثَبَتَ عنهم "أنَّه مُتَمَتِّعٌ" والتَّمَتُّعُ عندَهم يَتَناوَلُ القِرَانَ، والذينَ يَرَوْنَ أنَّه أَفْرَدَ رُوِيَ عنهم التَّمَتُّعُ، فيُرِيدُونَ بالإفرادِ إِفْرَادَ أعمالِ الحَجِّ، بحيثُ لَمْ يُسافِرْ للنُّسُكَيْنِ سَفْرَتَيْنِ، ولَمْ يَطُفْ لهما طوافَيْنِ، ولَمْ يَسْعَ لهما سَعْيَيْنِ، فيقالُ: تَمَتُّعُ قِرَانٍ، وإفرادُ أَعْمَالِ الحَجِّ، وقَرْنُ النُّسُكَيْنِ.

واخْتَلَفُوا أيُّ الأنْسَاكِ الثَّلاثَةِ أفْضَلُ:
كانَ الإمامُ أَحْمَدُ يَرَى أنَّ التَّمَتُّعَ أفْضَلُ، ويَقولُ: لا شَكَّ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ قَارِناً، والمُتْعَةُ أحَبُّ إلَيَّ؛ لأنَّها آخِرُ الأمْرَيْنِ من رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَدْ قالَ: ((لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَأَحْلَلْتُ مَعَكُمْ))، فهو تَأَسَّفَ علَى فَوَاتِهِ، وأمَرَ أصحابَهَ أَنْ يَفْعَلُوهُ.
ومِمَّنِ اخْتَارَهُ ابنُ عُمَرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ الزُّبَيْرِ، وعَائِشَةُ، والحَسَنُ، وعَطَاءٌ، وطَاوُسٌ ومُجَاهِد، وهو أحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وذهَبَ الثَّوْرِيُّ، وأصحابُ الرأْيِ إلى اختيارِ القِرانِ؛ لِمَا في الصحيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، "سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهَلَّ بهما جَمِيعاً"، وما كانَ اللهُ لِيَخْتَارَ لنبيِّهِ إلاَّ أفضلَ النُّسُكِ.
وذهَبَ مالكٌ والشافعِيُّ في المشهورِ عنه إلى أنَّ الإِفْرَادَ أفْضَلُ.
ودليلُهم ما جاءَ في الْبُخَارِيِّ (1562) ومُسْلِمٍ(1211): أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفْرَدَ الحَجَّ، وحَدِيثُ البابِ.
وتَقَدَّمَ أنَّ مَعْنَى الإفرادِ هو القِرانُ، لدُخولِ أفعالِ العُمْرَةِ في أفعالِ الحَجِّ، وأنَّ صُورَتَهُ هي صُورَةُ الإفْرَادِ.
أمَّا شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ وتلميذُه ابنُ القَيِّمِ فقالاَ: إِنَّ التَّمَتُّعَ أفْضَلُ في حقِّ من لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ، والقِرانَ أَفْضَلُ في حقِّ مَن سَاقَهُ، جَمْعاً بينَ الأدِلَّةِ، وهو رِوَايَةٌ عن الإمامِ أَحْمَدَ.
قالَ ابْنُ القَيِّمِ: وهذهِ هي الطريقةُ التي تَلِيقُ بأصولِ أحْمَدَ.
وقالَ الشيخُ في مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّحْقِيقُ أنَّه يَتَنَوَّعُ باختلافِ حَالِ الحَاجِّ، فإنْ كانَ يُسافِرُ سَفْرَةً للعُمْرَةِ، وللحَجِّ سَفْرَةً أُخْرَى، أو يُسَافِرُ إلى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الحَجِّ ويَعْتَمِرُ، ويُقِيمُ بها، فهذا الإفرادُ له أفْضَلُ باتِّفاقِ الأَئِمَّةِ، وأمَّا إذا كانَ يَجْمَعُ بينَ العُمْرَةِ والحجِّ في سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، ويَقْدَمُ مَكَّةَ في أَشْهُرِ الحجِّ، فهذا إنْ سَاقَ الهَدْيَ فالقِرانُ أَفْضَلُ له، وإنْ لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ فالتَّحَلُّلُ مِن إحرامِهِ بعُمْرَةٍ أَفْضَلُ.
أجْمَعَ العلماءُ على أنَّ الصحابَةَ الذينَ معَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجَّةِ الوداعِ قَدْ فَسَخُوا حَجَّهم إلى عُمْرَةٍ بأمْرِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم اخْتَلَفُوا في مشروعيةِ فَسْخِ الحجِّ إلى عُمرةٍ، في حقِّ مَن لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ، مِن مُفْرِدٍ وقَارِنٍ.
فذهَبَ الأَئِمَّةُ الثلاثةُ: أبو حَنِيفَةَ ومالكٌ والشافعِيُّ، وجمهورُ العلماءِ إلى أنَّه لا يُشْرَعُ.
وذهَبَ الإمامُ أحْمَدُ، وأصحابُه، وأهلُ الحَديثِ، والظاهِرِيَّةُ إلى مَشْرُوعِيَّةِ الفَسْخِ.
اسْتَدَلَّ الجُمهورُبِمَا رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (1542) عن أبِي ذَرٍّ قالَ: "لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلاَّ للرَّكْبِ الذينَ كَانُوا معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وبما رَوَاهُ أحمدُ (15292) عن بلالِ بنِ الحارثِ قالَ: قُلْتُ: يَا رَسولَ اللهِ, فَسْخُ الحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ للنَّاسِ عَامَّةً؟ فقالَ: ((بَلْ لَنَا خَاصَّةً)).
فهذا الحديثُ نَاسِخٌ لأحاديثِ الفسخِ التي أمَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الصحابَةَ أَنْ يُخالِفُوا عادَةَ الجَاهِلِيَّةِ من تَحْريمِ العُمْرةِ في أشْهُرِ الحَجِّ، هذا دَلِيلُ الجُمهورِ.
أمَّا الذينَ يَرَوْنَ الفَسْخَ فعندَهم فيه ثمانيةَ عَشَرَ حديثاً صِحاحاً جِياداً عن بِضْعَ عَشْرَةَ مِن عُلماءِ الصحابَةِ، كُلُّها صَرِيحَةٌ في فَسْخِ الحجِّ إلى عُمْرَةٍ لمَن لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ؛ ولذا لَمَّا قالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيبٍ للإمامِ أحمدَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ, كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ، إلاَّ أنَّكَ تَقُولُ بفَسْخِ الحَجِّ، فقالَ أحمدُ: كُنْتُ أَرَى لَكَ عَقْلاً، عندِي ثمانيةَ عَشَرَ حديثاً صِحاحاً جِياداً، كُلُّها في فَسْخِ الحَجِّ، أتْرُكُها لقَوْلِكَ؟!
ومِن تلكَ الأحَادِيثِ: ما رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1247) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: "خَرَجْنَا معَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَحْنُ نَصْرُخُ بالحَجِّ، فلَمَّا قَدِمْنَا, أُمِرْنَا أَنْ نَجْعَلَها عُمْرَةً إِلاَّ مَن سَاقَ الهَدْيَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ ورُحْنَا إِلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بالحَجِّ".
ومنها ما رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1236) أيضاًًً عن أسماءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قالَتْ: "خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ)). فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فحَلَلْتُ، وَكَانَ معَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحِلَّ.
وهذانِ الحَدِيثانِ وأَمْثَالُهما مِمَّا جَاءَ في هذا البابِ أحكامٌ عَامَّةٌ لجَميعِ الأُمَّةِ، ومَن خَصَّها بطائِفَةٍ دُونَ أُخْرَى فعليهِ الدليلُ.
وأمَّا أثَرُ أبِي ذَرٍّ فرَأْيٌ له، خَالَفَه فيه غَيْرُه مِن الصَّحابةِ، وأمَّا دَعْوَى الجُمهورِ النَّسْخَ بحديثِ بِلالٍ، فقالَ أحمدُ: لَمْ يَثْبُتْ عندِي، ولا أَقُولُ بهِ، وأَحَدُ رُواةِ سَنَدِه الحارِثُ بنُ بِلالٍ، لا يُعْرَفُ.
وقالَ أيضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الحارِثُ بنُ بِلالٍ فأَيْنَ يَقَعُ من أحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرَوْنَ ما يَرَوْهُ من الفَسْخِ.
كما اسْتَدَلَّ الإمامُ أحمدُ ورِجَالُ الحديثِ بِمَا رُوِيَ عن سُراقَةَ بنِ مَالِكٍ أنَّه قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ هِيَ لَنَا خَاصَّةً؟ فقالَ: ((بَلْ للأُمَّةِ عَامَّةً)). رواهُ أحمدُ (15292).
ومِمَّن اخْتارَ الفَسْخَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ وابنُ القَيِّمِ، وقدْ أَطَالَ البَحْثَ في مَوْضوعِه في كِتابِه "زَادِ المَعَادِ", ونَصَرَ مَشْروعيَّةَ الفَسْخِ ورَدَّ غَيْرَه، وقالَ: نَحْنُ نُشْهِدُ اللهَ تعالى عَلينا أنَّا لو أحْرَمْنَا بحَجٍّ، لرَأَيْنَا فَرْضاً عَلَيْنَا فَسْخُه إلى عُمْرَةٍ، فواللهِ ما نُسِخَ هذا في حَياتِه ولا بعدَه، ولا صَحَّ حَرْفٌ واحِدٌ يُعارِضُه، ولا خُصَّ به أصحابُه دونَ مَن بعدَهم، بلْ أَجْرَى اللهُ سُبْحَانَهُ على لِسانِ سُراقَةَ بنِ مالكٍ أنْ يَسْأَلَهُ: هل هذا مُخْتَصٌّ بهم، فأجابَ: إِنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لأبَدِ الأبَدِ، فما نَدْرِي ما يُقَدَّمُ على هذه الأحاديثِ والأَمْرِ المُؤَكِّدِ.
قالَ في "عُيونِ المَسائِلِ": لو قِيلَ بوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدْ. واختارَ الوُجُوبَ ابنُ حَزْمٍ، وقالَ هو قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ، وعطاءٍ، ومُجَاهِد، وإسحاقَ.
وقالَ شَيْخُ الإسلامِ: وقَدْ تَواتَرَتِ الأحاديثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه أمَرَ به أصحابَه في حَجَّةِ الودَاعِ، لَمَّا طَافُوا بالبيتِ وَسَعَوْا بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ.
وقالَ الشيخُ الألبانِيُّ: مَن تَتَبَّعَ الأحاديثَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ المذكورَ إِنَّما كانَ في مَبْدأِ حَجَّتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ لَمْ يَسْتَقِرَّ الأمرُ على ذلك، بل نَهَى كلَّ مَن لَمْ يَسُقِ الهَدْيَ مِن المُفْردِينَ والقارِنِينَ أنْ يَجْعَلَ حَجَّهُ عُمْرَةً، ثمَّ جَعَلَ ذَلك شريعةً مُسْتَمِرَّةً إلى يومِ القيامةِ.
أمَّا الإمامُ أحمدُ وأهْلُ الحديثِ، فلا يَرَوْنَ وُجوبَ الفَسْخِ، وإِنَّما يَرَوْنَ اسْتِحْبَابَهُ، ويَرَوْنَ أنَّ تَغْلِيظَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفَسْخِ وغَضَبَهُ، هو لعَدَمِ المُبادَرَةِ في امتثالِ أَمْرِه؛ ليُزِيلَ العَادَةَ الجَاهِلِيَّةَ في عَدَمِ الاعتمارِ في أشْهُرِ الحجِّ، ومَسْلَكُ الإمامِ أحمدَ وأَتْبَاعِه مَسْلَكٌ حَسَنٌ، وَسَطٌ في الأقوالِ، واللهُ أعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, وجوه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir