دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الأول 1430هـ/8-03-2009م, 10:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الوكالة

بابُ الْوَكالةِ
تَصِحُّ بكلِّ قولٍ يَدُلُّ على الإِذْنِ، ويَصِحُّ القَبولُ على الفَوْرِ والتراخِي بكلِّ قولٍ أو فِعْلٍ دَلَّ عليه،
ومَن له التَّصَرُّفُ في شيءٍ فله التَّوكيلُ والتوكُّلُ فيه.


  #2  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:53 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ الوَكَالَةِ.

بفَتْحِ الواوِ وكَسْرِها- التفويضُ، تقُولُ: وَكَّلْتُ أَمْرِي إلى اللَّهِ؛ أي: فَوَّضْتُه إليه. واصطلاحاً: استِنَابَةُ جائزِ التصرُّفِ مِثْلَه فيما تَدْخُلُه النِّيَابَةُ. (تَصِحُّ) الوَكَالَةُ (بكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ على الإذنِ) كافْعَلْ كذا، أو أَذِنْتُ لك في فِعْلِه، ونَحْوِه. وتَصِحُّ مُؤَقَّتَةً ومُعَلَّقَةً بشَرْطٍ، كوَصِيَّةٍ وإباحةِ أَكْلٍ ووِلايَةِ قَضاءٍ وإمارةٍ. (ويَصِحُّ القَبُولُ على الفَوْرِ والتراخِي) بأن يُوَكِّلَهُ في بيعِ شَيءٍ فيَبِيعُه بعدَ سنةٍ، أو يُبَلِّغَه أنَّه وَكَّلَه بعدَ شَهرٍ فيَقُولُ: قَبِلْتُ. (بكُلِّ قولٍ أو فِعْلٍ دَالٍّ عليه)؛ أي: على القَبُولِ؛ لأنَّ قَبُولَ وُكَلائِه عليه السَّلامُ كَانَ بفِعْلِهم، وكانَ مُتراخِياً عَن تَوكيلِه إيَّاهم. قالَه في (المُبْدِعِ).
ويُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الوَكِيلِ (ومَن له التصَرُّفُ في شَيْءٍ) لنَفْسِه، (فله التوكيلُ) فيه (والتوَكُّلُ فيه)؛ أي: جَازَ أن يَسْتَنِيبَ غيرَه، وأن يَنُوبَ عن غيرِه؛ لانتِفَاءِ المَفْسَدَةِ. والمُرَادُ فيما تَدْخُلُه النِّيَابَةُ، ويَأْتِي. ومَن لا يَصِحُّ تصرُّفُه بنفسِه فنائِبُه أَوْلَى، فلو وَكَّلَه في بيعِ ما سيَمْلِكُه أو طلاقِ مَن يَتَزَوَّجُها لم يَصِحَّ. ويَصِحُّ توكيلُ امرأةٍ في طلاقِ نفسِها وغيرِها، وأن يَتَوَكَّلَ وَاجِدُ الطَّوْلِ في قَبُولِ نِكاحِ أَمَةٍ لمَن تُباحُ له. وغَنِيٌّ لفقيرٍ في قَبُولِ زَكاةٍ وفي قَبُولِ نِكاحِ أُخْتِه ونحوِها لأجنبِيٍّ.


  #4  
قديم 13 ربيع الأول 1430هـ/9-03-2009م, 10:54 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

باب الوكالة ([1])

بفتح الواو وكسرها: التفويض([2]) تقول: وكلت أمري إلى الله. أي فوضته إليه([3]) واصطلاحًا: استنابة جائز التصرف مثله، فيما تدخله النيابة ([4]).
(تصح) الوكالة (بكل قول يدل على الإذن) ([5]) كـ "افعل كذا" أو أذنت لك في فعله، ونحوه ([6]) وتصح مؤقتة، ومعلقة بشرط ([7]) كوصية وإباحة أكل، وولاية قضاء، وإمارة ([8]).
(ويصح القبول على الفور والتراخي) ([9]) بأن يوكله في بيع شيء، فيبيعه بعد سنة ([10]) أو يبلغه أنه وكله بعد شهر، فيقول: قبلت([11]) (بكل قول أو فعل دال عليه) أي على القبول ([12]) لأن قبول وكلائه عليه السلام كان بفعلهم ([13]) وكان متراخيًا عن توكيله إياهم، قاله في المبدع([14]).
ويعتبر تعيين الوكيل ([15]) (ومن له التصرف في شيء) لنفسه (فله التوكيل) فيه (والتوكل فيه) ([16]). أي جاز أن يستنيب غيره ([17]) وأن ينوب عن غيره، لانتفاء المفسدة ([18])والمراد فيما تدخله النيابة ويأتي([19]) ومن لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى([20]) فلو وكله في بيع ما سيملكه ([21]).
أو طلاق من يتزوجها لم يصح([22]) ويصح توكيل امرأة في طلاق نفسها وغيرها ([23]) وأن يتوكل واجد الطول، في قبول نكاح أمة لمن تباح له ([24]) وغني لفقير في قبول زكاة ([25]) وفي قبول نكاح أخته ونحوها لأجنبي ([26])


([1]) الوكالة جائزة بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}وقال{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ}وقال{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}ووكل صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة، وأبا رافع في تزويج ميمونة، وعمرو بن أمية في تزوج أم حبيبة، وكان يبعث عماله في قبض الزكاة ويأمر بإقامة الحدود، وغير ذلك، وحكى الموفق وغيره إجماع الأمة على جوازها في الجملة، ولدعاء الحاجة إليها، إذ لا يمكن كل أحد فعل ما يحتاج إليه بنفسه.
([2])والفتح أشهر، اسم مصدر بمعنى التوكيل، وهي لغة: التفويض والحفظ.
([3])أي تقول: وكلت أمري، ووكلت الأمر إليه. اكتفيت به، وتطلق ويراد بها الحفظ، ومنه{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}أي حفيظ.
([4])أي والوكالة اصطلاحًا وشرعا: استنابة جائز التصرف، فيما وكل فيه "مثله" أي جائز التصرف وهو الحر، المكلف، الرشيد، سواء كان الموكل والوكيل ذكرين، أو أنثيين، أو مختلفين «فيما تدخله النيابة» من حقوق الله تعالى، وحقوق الآدميين، على ما يأتي تفصيله، ويستثنى من ذلك من يتصرف بالإذن، كالعبد، والوكيل، والمضارب، والمحجور عليه لسفه، إلا لما لهم فعله، ويمكن أن يكون المراد هنا بجائز التصرف من يصح منه فعل ما وكل فيه، وأركانها: الموكل، والوكيل، والموكل فيه.
([5])أي إيجاب الوكالة بكل قول يدل على الإذن في التصرف بلا خلاف.
([6])أي تصح بنحو، بع عبدي، أو أعتقه، أو أذنت لك في كذا ونحو ذلك، كأقمتك مقامي، أو فوضت إليك في كذا، أو جعلتك نائبًا عني، لأنه لفظ دال على الأذن فصح، كلفظها الصريح، وفي الفروع: دل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ فيمن دفع ثوبه إلى قصار، أو خياط، وهو أظهر، كالقبول وتنعقد بالخط، والكتابة الدالة على الوكالة، إذ هي فعل دال على المعنى.
([7])أي وتصح الوكالة مؤقتة، كأنت وكيلي شهرا؛ ونحوه، قال في الإنصاف بلا نزاع. وتصح معلقة بشرط، كإذا تمت مدة الإجارة في داري فبعها، ونحوه، على الصحيح، وهو مذهب أبي حنيفة.
([8])أي يصح تعليق الوكالة، وتوقيتها، كما يصح تعليق هذه المذكورات وتوقيتها بشرط، كقوله: إذا قدم الحاج فبع هذا. أو: إذا دخل رمضان فافعل كذا. أو إذا طلب أهلي منك شيئًا فادفعه لهم. ونحوه مما يصح معلقا، ومؤقتا بشرط، وعند الشافعي إن تصرف صح لوجود الإذن، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ((أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فابن رواحة)) ولأنه لو قال: وكلتك في شراء كذا، في وقت كذا. صح بلا خلاف، وقال ابن القيم رحمه الله: يصح تعليق الوكالة بالشرط، كما يصح تعليق الولاية بالشرط، كما صحت به السنة، بل تعليق الوكالة أولى بالجواز، فإن الولي وكيل وكالة عامة، فإنه إنما يتصرف نيابة عن المولي له فوكالته أعم من وكالة الوكيل في الشيء المعين، فإذا صح تعليقها، فتعليق الوكالة الخاصة أولى بالصحة. قال: وقد شرع الله لعباده التعليق بالشروط، في كل موضع يحتاج إليه العبد، حتى بينه وبين ربه، وتعليق العقود، والفسوخ، والتبرعات والالتزامات، وغيرها، بالشروط، أمر قد تدعو إليه الضرورة، أو الحاجة أو المصلحة فلا يستغني عنه المكلف، وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الإمارة بالشروط، وهذا تنبيه على تعليق الحكم في كل ولاية، وعلى تعليق الوكالة الخاصة والعامة.
([9])أي ويصح قبول الوكالة على الفور من غير تراخ، ويصح على التراخي، وهذا مذهب الشافعي وغيره.
([10])أو يأمره بفعل شيء فيفعله بعد مدة طويلة، أو بلغه أن زيدا وكله في بيع شيء، فباعه من غير قبول صح.
([11])أي فيصح القبول.
([12])يعني من الوكيل، قال في الإنصاف: بلا نزاع. ويتخرج انعقادها بالخط، والكتابة الدالة على ذلك، قال ابن نصر الله: ولم يتعرض له الأصحاب، ولعله داخل في قوله: أو فعل. لأن الكتابة فعل دال على المعنى.
([13])كما هو مستفيض من غير وجه، كقبض الزكاة، وإقامة الحدود، وغير ذلك.
([14])وقاله الموفق وغيره، ولأنه إذن في التصرف، والإذن قائم، ما لم يرجع
عنه، أشبه الإباحة، وكذا سائر العقود الجائزة، كالشركة، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، يصح القبول فيها بالفعل فورا، ومتراخيا.
([15])كأن يقول: وكلت فلانا في كذا. فلا يصح: وكلت أحد هذين. وكذا من لا يعرفه، أو لم يعرف موكله، للجهالة، لا علمه بالوكالة.
([16])لأن النائب فرع عن المستنيب.
([17])أي من له التصرف في شيء لنفسه، جاز أن يستنيب غيره في ذلك الشيء، وإلا فلا، سوى توكيل أعمى ونحوه في عقد ما يحتاج إلى رؤية، لأن منعه لعجزه عن العلم بالمبيع، لا لمعنى فيه.
([18])أي وجاز لمن له التوكل في شيء أن ينوب عن غيره في ذلك الشيء، لانتفاء المفسدة في تلك النيابة.
([19])أي قريبًا موضحًا، مستثنى منه ما لا تدخله النيابة.
([20])أي من لا يصح تصرفه، فحيث انتفى الأصل انتفى الفرع.
([21])لم يصح التوكيل، لأن الموكل لا يملكه حين التوكيل، وهذا تفريع على قوله: ومن لا يصح تصرفه لنفسه فنائبه أولى، ونقل الصحة فيما سيملكه تبعا لمملوك، كبع هذا وما يحدث منه.
([22])أي التوكيل، وكذا إن قال: إن تزوجت فلانة، فقد وكلتك في طلاقها. بخلاف: إن اشتريت فلانًا فقد وكلتك في عتقه، لصحة تعليق العتق على الملك.
([23])هذا استثناء مما تقدم، فيصح توكيل امرأة في طلاق نفسها، قولا واحدا كما يأتي، ويصح في طلاق غيرها، من ضرة أو غيرها، لأنها لما ملكت طلاق نفسها بجعله إليها، ملكت طلاق غيرها.
([24])أي ويصح أن يتوكل واجد الطول، أو غير خائف العنت، في قبول نكاح أمة لمن تباح له الأمة، من عبد، أو حر عادم الطول، خائف العنت.
([25])أي ويصح أن يتوكل غني لفقير في قبول زكاة، أو كفارة، أو نذر، لأن المنع في هذه لنفسه للتنزيه، لا لمعنى فيه يقتضي منع التوكيل.
([26])أي ويصح التوكيل في قبول نكاح أخته ونحوها – كعمته، وخالته، وحماته – لأجنبي لا تحل له، لكن يشترط لعقد النكاح تسمية الموكل، ولو نوى أنه قبله لموكله، ولم يذكره لم يصح، ولا يصح توكيل العبد، والسفيه في غير مالهما فعله، وتصح وكالة المميز بإذن وليه فيما لا يعتبر له البلوغ.


  #5  
قديم 3 جمادى الآخرة 1431هـ/16-05-2010م, 02:49 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

بابُ الْوَكالةِ (1)
تَصِحُّ بكلِّ قولٍ يَدُلُّ على الإِذْنِ(2)، ويَصِحُّ القَبولُ على الفَوْرِ والتراخِي(3) بكلِّ قولٍ أو فِعْلٍ دَلَّ عليه(4)، ومَن له التَّصَرُّفُ في شيءٍ فله التَّوكيلُ والتوكُّلُ فيه(5).


(1) الوكالة بفتح الواو وكسرها لغة : التفويض ، تقول : وكلت أمري إلى الله ، أي : فوضته إليه , واصطلاحاً : استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة .
(2) الوكالة تنعقد بالإيجاب والقبول ، فالإيجاب يصح بكل قول يدل على الإذن ك افعل كذا أو أذنت لك في فعله .
(3) أي : في الحال أو متأخرا ، والقبول من الوكيل ، والإيجاب من الموكل .
(4) أي : دال على القبول ؛ لأن قبول وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم كان بفعلهم وكان متأخراً عن توكيله إياهم .
(5) هذا بيان لمن يصح منه التوكيل ومن يصح منه قبول الوكالة أي : من لهالتصرف في شيء لنفسه جاز له أن يستنيب غيره فيه وأن ينوب فيه عن غيره .


  #6  
قديم 16 ربيع الثاني 1432هـ/21-03-2011م, 02:35 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

باب الوكالة

قوله: «باب الوكالة» يقال: وَكالة ووِكالة، كوَلاية، ووِلاية، وهي في اللغة التفويض، ومنه قوله ـ تعالى ـ: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء: 132] ، أي كفى به مُفَوضاً إليه الأمور، يقال: وكلت الأمر إليه، أي: فوضته إليه.
وهي في الاصطلاح: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
جائز التصرف هو الحر البالغ العاقل الرشيد، من جمع أربعة أوصاف، يستنيب ـ أي: جائز التصرف ـ مثله فيما تدخله النيابة.
وقولنا: «فيما تدخله النيابة» احترازاً مما لا تدخله النيابة، فلو وكل إنساناً أن يتوضأ عنه، فقال: وكلتك أن تتوضأ عني، وأنا أصلي فهذا لا يجوز؛ لأنه لا تدخله النيابة، ولو وكله أن يصوم عنه كأن يكون عليه قضاء من رمضان، فقال: وكلتك أن تقضي عني؛ فهذا لا يصح فلا بد أن تدخله النيابة.
وحكمها التكليفي أنها جائزة بالنسبة للموكل، سنة بالنسبة للوكيل؛ لما فيها من الإحسان إلى أخيه وقضاء حاجته، أما بالنسبة للموكل فهي جائزة؛ لأنها من التصرف الذي أباحه الله، ويدل على جوازها كتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم.
أما كتاب الله فقد قال الله ـ تعالى ـ عن أصحاب الكهف لما استيقظوا من نومهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف: 19] ، فهذا توكيل، وكَّلوا واحداً منهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي بطعام، ويكون في ذهابه متلطفاً يعني مستتراً ما أمكنه، ولا يخبر عنهم؛ لأنهم قالوا: {لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}، وكانوا قد أووا إلى الغار خوفاً من ظلم رجل مشرك هربوا منه، لكن تغيرت الأحوال؛ لأنهم بقوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وهم أوصوه بهذه الوصايا بناء على بقاء الملك الأول.
وقال الله ـ تعالى ـ عن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] ، وهذه وكالة، ووكل سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ الهدهد فقال: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 28] .
أما من السنة: فقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه وكل في العبادات، ووكل في المعاملات، فوكل علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: «أن ينحر ما تبقى من هديه وأن يقسم لحومها وجلودها» [(1)]، ووكل رجلاً في أن يشتري له أضحية بدينار فاشترى الرجل اثنتين بدينار، وباع واحدة بدينار، ثم رجع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بشاة ودينار، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((بارك الله لك في بيعك)) ، فكان لا يبيع شيئاً أو يشتريه إلا ربح فيه، حتى ولو كان تراباً[(2)]؛ ببركة دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وكذلك ـ أيضاً ـ النظر يدل على جواز الوكالة؛ لأنها من مصلحة العباد فكم من إنسان لا يستطيع أن يعمل أعماله بنفسه، فمن رحمة الله ـ عزّ وجل ـ وحكمته أن أباح لهم الوكالة، فإذا كان ـ مثلاً ـ مشتغلاً بطلب العلم أو بغير ذلك من الأعمال، وهو يريد أن يشتري لأهله خبزاً ولا يستطيع أن يترك عمله ليشتري الخبز فإنه يوكل، إذاً المصلحة تقتضي أن تكون الوكالة جائزة، هذا من حيث الشرع، إذاً دل عليها الكتاب والسنة والنظر الصحيح.
أما حكمها الوضعي فيقول ـ رحمه الله ـ:

تَصِحُّ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلى الإِذْنِ وَيَصِحُّ القَبُولُ عَلَى الفَوْرِ والتَّراخِي بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ ومَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شيءٍ فَلَهُ التَّوْكِيلُ والتوكُّلُ فِيهِ ........
«تصح بكل قول يدل على الإذن» الصحة والفساد والبطلان والسبب والشرط والمانع، كل هذه أحكام وضعية، فتصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن، فلو قال رجل: يا فلان خذ هذه السيارة بعها ـ مثلاً ـ فإن الوكالة تصح، وإن لم يقل وكلتك في بيعها؛ لأن قوله: «خذها بعها» يدل على هذا، وإن لم يكن فيه لفظ الوكالة.
فالإيجاب وهو اللفظ الصادر من الموكل وهو التوكيل، لا بد فيه من قول وليس له صيغة معينة شرعاً، وفي هذا الباب نص الفقهاء على أن العقود تنعقد بما دل عليها، وهذا هو القول الراجح المتعين.
أما القبول فهو أوسع، فيصح بكل قول أو فعل يدل عليه.
وهل يصح التوكيل بالفعل؟ وهل يصح بالكتابة؟
الجواب: ظاهر كلام المؤلف لا، والصحيح أنه يصح التوكيل بالفعل، ويصح التوكيل بالكتابة، فلو كتب إلى آخر وقال: وكلتك في بيع بيتي، وهو في بلد آخر صح ولا مانع، ولو كان إنسان معروف بأنه يبيع الأطعمة، فجاء إنسان بكيس من الطعام من مزرعته، ووضعه في دكان هذا الذي يبيع، فإن هذا يكون توكيلاً لكن بالفعل، ما دام أنه قد عرف أن هذا الرجل قد أعد نفسه للبيع، وأتى إليه بشيء ووضعه في مكان المبيعات، فهذا يعني أنه وكله في بيعه، وهذه وكالة بالفعل، فلا يقول قائل: ربما وضع الكيس على أنه وديعة، أو على أنه هدية، أو ما أشبه ذلك، فهذا فيه احتمال، لكن ظاهر الحال أنه وضعه للبيع.
إذاً القول الراجح أن الوكالة تصح بالقول والكتابة والفعل، وتصح مطلقة ومقيدة، ومؤقتة ومؤبدة، فالمهم أن الوكالة من أوسع الأبواب.
قوله: «ويصح القبول على الفور والتراخي» يعني قبول الوكالة على الفور والتراخي، القبول هو اللفظ الصادر من الوكيل.
فيصح أن يقبل الوكالة على الفور، بمعنى أنه من حين أن يقول له الموكل: وكلتك في بيع بيتي، قال: أعطني المفتاح لأبيع.
وعلى التراخي بأن يقول: وكلتك، ثم يسكت وبعد ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين يقول: قبلت، أو يبيع البيت ـ مثلاً ـ فهذا يصح، لكن لو وكله وقال: لا أستطيع أنا مشغول، ثم ذهب الموكل، وبعد ذلك ندم الوكيل وقال: كيف أرده؟! ثم قَبِل وتصرف، فلا يصح؛ لأنه ردها، وإذا ردها معناه بطل الإيجاب الأول الصادر من الموكل، فلا بد من توكيل آخر.
قوله: «بكل قول أو فعل دال عليه» كأن يقول: قبلت وأبشر، ولو أخذ السلعة من الذي قال له: وكلتك في بيع هذه، ولم ينطق بكلمة ثم باعها فيصح، وهذا قبول بالفعل.
هذه القاعدة في العقود ليست مطردة عند الفقهاء ـ رحمهم الله ـ فإن بعض العقود يشددون فيها، ولكن الصحيح أن العقود كلها بابها واحد، وأن كل عقد يصح بكل قول أو فعل يدل عليه، وأما ما شدد فيه بعض الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في بعض العقود فلا دليل عليه، فالأصل أن هذا يرجع إلى العرف، فما عرفه الناس عقداً فهو عقد، ولو كان بقول أو فعل.
إلا أنه يستثنى من هذا ما لا بد من الإشهاد عليه، فهذا لا بد أن يكون بقول واضح مثل النكاح، فلو أن رجلاً قال لشخص: زوجتك بنتي هذه، فأخذ البنت ومشى، فإن النكاح لا ينعقد؛ لأن هذا يحتاج إلى إشهاد، ومجرد الفعل لا يدل على القبول.
ولو قال: وهبتك هذه الساعة، فأخذها وسكت، فهذا قبول.
إذاً الوكالة ليس لها صيغة معينة، بل تنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها، وقلنا: إن هذا ينبغي أن يكون عامّاً لجميع العقود.
قوله: «ومن له التصرف في شيء فله التوكيل، والتوكل فيه» «من» موصولة وليست شرطية؛ لأنها لا تدخل إلا على الفعل، فإذا قلنا: إنها شرطية، نحتاج إلى تقدير فعل الشرط، وإذا قلنا: موصولة، لا نحتاج إلى تقدير، وإذا دار الأمر بين التقدير وعدمه، فالأصل عدمه، وأما الفاء في قوله: «فله» فقد سبق مراراً أن الاسم الموصول يجوز أن يقترن خبره بالفاء؛ لأنه يشبه الشرط في العموم.
هذه قاعدة: فكل من له التصرف في شيء فله أن يوكل وله أن يتوكل، ومن ليس له التصرف فيه فليس له أن يوكل، وليس له أن يتوكل.
مثال ذلك: رجل بالغ عاقل حر رشيد، وكّل مثله في شراء سيارة ـ مثلاً ـ فهذا جائز؛ لأن من له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكل فيه.
ومفهومه أن من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يوكل فيه، فلو أن صبيّاً لم يبلغ قال لشخص: وكلتك في بيع بيتي فلا يصح؛ لأنه هو نفسه لا يصح له التصرف فيه فلا يصح أن يوكل.
ولو كان الأمر بالعكس، رجل بالغ عاقل حر رشيد وكل صبياً في بيع بيته فلا يصح أيضاً؛ لأن الوكيل لا يتصرف في مثل هذا التصرف، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .
يستثنى من ذلك توكيل الأعمى بصيراً فيما يشترط لصحة بيعه الرؤية، فالأعمى إذا اشترى شيئاً لا يصح شراؤه إلا برؤية لا يصح منه؛ لأنه مجهول له، وكذلك رجل لا يشم يريد أن يشتري طيباً فيجوز أن يوكل شخصاً يشم، فهذا مستثنى من قوله: «ومن له التصرف في شيء فله التوكيل» فيستثنى من ذلك ما يشترط لعلمه الرؤية، فإن الأعمى يجوز أن يوكل فيه بصيراً ليشتري له، وما يشترط لصحة بيعه الشم فإن للذي لا يشم أن يوكل فيه، وما يشترط لصحة بيعه العلم به وهو لا يعلم بهذه الأشياء، لكن وكل شخصاً في ذلك فإنه جائز.
وإذا وكل شخص شخصاً أن يعقد له النكاح، قال: وكلتك أن تقبل النكاح لي من فلان، وهذا الوكيل بالغ عاقل حر رشيد فيصح؛ لأن الوكالة في عقد النكاح جائزة.
وقوله: «والتوكل فيه» أي: من له التصرف في شيء فله التوكل فيه، فمن ليس له أن يتصرف في شيء فليس له أن يتوكل فيه، ولكن يستثنى من هذا أشياء، فمثلاً: فقير وكَّل غنياً في قبض الزكاة له فإنه يجوز، فجاز أن يتصرف لغيره بالوكالة، ولا يجوز أن يتصرف لنفسه.
مثال آخر: امرأة لا يجوز أن تطلِّق نفسها، فوكلها زوجها في طلاق نفسها يجوز؛ لأن هذا لمعنى يتعلق بالزوج، والزوج قد أذن فيه.
فحقوق الآدميين تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يصح التوكيل فيه مطلقاً، وقسم لا يصح مطلقاً، وقسم يصح عند العذر.


[1] أخرجه مسلم في الحج/ باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم (1218) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
[2] أخرجه البخاري في المناقب/ باب (3642) عن عروة بن الجعد ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوكالة, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir