دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 10:56 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي من تصح إمامته ومن لا تصح إمامته

ولا تَصِحُّ خَلْفَ فاسقٍ ككافرٍ، ولا خَلْفَ امرأةٍ، ولا خُنْثَى للرجالِ ولا صَبِيٍّ لبالغٍ، ولا أَخْرَسَ ولا عاجزٍ عن ركوعٍ أو سجودٍ أو قُعودٍ أو قِيامٍ، إلا إمامَ الحيِّ المرْجُوَّ زوالُ عِلَّتِه، ويُصَلُّون وَراءَه جُلوسًا نَدْبًا فإن ابْتَدَأ بهم قائمًا ثم اعْتَلَّ فجَلَسَ أَتَمُّوا خلفَه قِيامًا وُجوبًا.
وتَصِحُّ خلفَ مَن به سَلَسُ البَّوْلِ بمِثْلِه، ولا تَصِحُّ خلفَ مُحْدِثٍ ولا مُتَنَجِّسٍ يَعْلَمُ ذلك ، فإن جَهِلَ هو والمأمومُ حتى انْقَضَتْ صَحَّتْ لمأمومٍ وَحْدَه، ولا إمامةُ الأمِّيِّ ـ وهو مَن لا يُحْسِنُ الفاتحةَ، أو يُدْغِمُ فيها ما لا يُدْغَمُ، أو يُبَدِّلُ حَرْفًا أو يَلْحَنُ فيها لَحْنًا يُحيلُ المعنى، إلا بِمِثْلِه، وإن قَدَرَ على إصلاحِه لم تَصِحَّ صلاتُه، وتُكْرَهُ إمامةُ اللَّحَّانِ والفَأْفَاءِ والتَّمْتَامِ ومَنْ لا يُفْصِحُ ببعضِ الحروفِ، وأن يَؤُمَّ أجْنَبِيَّةً فأَكْثَرَ لا رَجُلَ معهنَّ، أو قَوْمًا أكثَرُهم يَكْرَهُه بِحَقٍّ، وتَصِحُّ إمامةُ وَلَدِ الزنا والْجُنْدِيِّ إذا سَلِمَ دِينُهما، ومَن يُؤَدِّي الصلاةَ بِمَنْ يَقْضِيها، وعكسُه لا مُفْتَرِضٌ بِمُتَنَفِّلٍ، ولا مَن يُصَلِّي الظهْرَ بِمَن يُصَلِّي العَصْرَ أو غيرَهما.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 07:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 07:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ولا تَصِحُّ) الصَّلاةُ (خَلْفَ فَاسِقٍ), سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِن جِهَةِ الأَفْعَالِ أو الاعتِقَادِ, إِلاَّ فِي جُمُعَةٍ وعِيدٍ تَعَذَّرَاً خَلْفَ غَيْرِه؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لاَ تَأُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً, وَلا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِراً, ولا فَاجِرٌ مُؤْمِناً, إلاَّ أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٌ يَخَافُ سَوْطَهُ وسَيْفَهُ)). رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ عن جَابِرٍ. (ككَافِرٍ)؛ أي: كما لا تَصِحُّ خَلْفَ كَافِرٍ, سَوَاءٌ عَلِمَ بكُفْرِه في الصَّلاةِ أو بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا، وتَصِحُّ خَلْفَ المُخَالِفِ في الفُرُوعِ.
وإذا ترَكَ الإمامُ ما يَعْتَقِدُه وَاجِباً وَحْدَهُ عَمْداً, بَطَلَتْ صَلاتُهُما, وإنْ كانَ عِنْدَ مَأْمُومٍ وَحْدَهُ لم يُعِدْ, ومَنْ تَرَكَ رُكْناً أو شَرْطاً أو وَاجِباً مُخْتَلَفاً فيه بلا تَأْوِيلٍ ولا تَقْلِيدٍ, أَعَادَ.
(ولا) تَصِحُّ صَلاةُ رَجُلٍ وخُنْثَى (خَلْفَ امْرَأَةٍ)؛ لحديثِ جَابِرٍ السَّابِقِ. (ولا) خَلْفَ (خُنْثَى للرِّجَالِ).والخَنَاثَى؛ لاحتِمَالِ أن يَكُونَ امرَأَةً. (ولا) إمامَةُ (صَبِيٍّ لبَالِغٍ) في فَرْضٍ؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لاَ تُقَدِّمُوا صِبْيَانَكُمْ)). قالَهُ في (المُبْدِعِ).
وتَصِحُّ في نَفْلٍ، وإِمَامَةُ صَبِيٍّ بمِثْلِهِ, (ولا) إِمَامَةُ (أَخْرَسَ) ولو بمِثْلِه؛ لأنَّهُ أَخَلَّ بفَرْضِ الصَّلاةِ لغَيْرِ بَدَلٍ, (ولاَ) إِمَامَةُ (عَاجِزٍ عَن رُكُوعٍ أو سُجُودٍ أو قُعُودٍ) إلا بمِثْلِه (أو قِيَامٍ)؛ أي: لا تَصِحُّ إِمَامَةُ العَاجِزِ عَن القِيَامِ لقَادِرٍ عليه, (إلا إِمَامَ الحَيِّ)؛ أي: الرَّاتِبَ, بمَسْجِدٍ (المَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِه)؛ لئَلاَّ يُفْضِيَ إلى تَرْكِ القِيَامِ على الدَّوَامِ، (ويُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوساً نَدْباً), ولو كَانُوا قَادِرِينَ على القِيَامِ؛ لقَوْلِ عَائِشَةَ: (صَلَّى النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ في بَيْتِه وهو شَاكٌّ, فَصَلَّى جَالِساً وصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاماً, فأَشَارَ إِلَيْهِم أَنِ اجْلِسُوا, فَلَمَّا انْصَرَفَ قالَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)). إلى قَوْلِه: ((وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعِينَ)).
قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ: رُوِيَ هذا مَرْفُوعاً مِن طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ. (فإِن ابتَدَأَ بِهِم) الإمَامُ الصَّلاةَ (قَائِماً ثُمَّ اعتَلَّ)؛ أي: حَصَلَتْ لَهُ عِلَّةٌ عَجَزَ مَعَهَا عَن القِيَامِ, (فجَلَسَ, أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَاماً وُجُوباً)؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ (صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِه قَاعِداً، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ والنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَاماً). مُتَّفَقٌ عليه عَن عَائِشَةَ.
وكانَ أَبُو بَكْرٍ قَد ابتَدَأَ بِهِم قَائِماً, كما أجابَ به الإمَامُ, (وتَصِحُّ خَلْفَ مَن به سَلَسُ بَوْلٍ بمِثْلِه)؛ كالأُمِّيِّ بمِثْلِه. (ولا تَصِحُّ خَلْفَ مُحْدِثٍ) حَدَثاً أَصْغَرَ أو أَكْبَرَ, ولا خَلْفَ (مُتَنَجِّسٍ) نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا إذا كانَ (يَعْلَمُ ذلكَ لأنَّه لا صَلاةَ له في نَفْسِه. (فإِنْ جَهِلَ هو)؛ أي: الإمَامُ, (و) جَهِلَ (المَأْمُومُ حَتَّى انقَضَت, صَحَّتِ) الصَّلاةُ (لمَأْمُومٍ وَحْدَهُ)؛ لقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((إِذَا صَلَّى الجُنُبُ بالقَوْمِ أَعَادَ صَلاتَهُ, وتَمَّتْ لِلقَوْمِ صَلاتُهُم)). رَواهُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الحَرَّانِيُّ, عَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وإن عَلِمَ هو أو المَأْمُومُ فيها استَأْنَفُوا، وإن عَلِمَ معَهُ وَاحِدٌ, أَعَادَ الكُلُّ.
وإِن عَلِمَ أنَّهُ ترَكَ وَاجِباً علَيه فِيهَا سَهْواً, أو شَكَّ في إِخْلالِ إِمَامِه برُكْنٍ أو شَرْطٍ, صَحَّتْ صَلاتُه معَهُ، بخلافِ ما لو تَرَكَ السُّتْرَةَ أو الاستقبالَ؛ لأنَّه لا يَخْفَى غَالباً.
وإن كانَ أَرْبَعُونَ فَقَط في جُمُعَةٍ, ومِنهم وَاحِدٌ مُحْدِثٌ أو نَجَسٌ, أعَادَ الكُلُّ, سَوَاءٌ كَانَ إِمَاماً أو مَأْمُوماً.
(ولا تَصِحُّ إِمَامَةُ الأُمِّيِّ) مَنْسُوبٌ إلى الأُمِّ, كأنَّهُ على الحَالَةِ التي وَلَدَتْهُ عليها. (وهو)- أي: الأُمِّيُّ- (مَن لا يُحْسِنُ)؛ أي: يَحْفَظُ (الفَاتِحَةَ, أن يُدْغِمَ فيها ما لا يُدْغَمُ)؛ بأنْ يُدْغِمَ حَرْفاً فيما لا يُمَاثِلُه أو يُقَارِبُه وهو الأَرَتُّ، (أو يُبْدِلَ حَرْفاً) بغَيْرِه وهو الأَلْثَغُ, كمَن يُبْدِلُ الرَّاءَ غَيْناً إلا ضَادَ المَغْضُوبِ والضَّالِّينَ بظَاءٍ, (أو يَلْحَنَ فيها لَحْناً يُحِيلُ المَعْنَى)؛ ككَسْرِ كَافِ(إِيَّاكَ) وضَمِّ تَاءِ (أَنْعَمْتَ) وفَتْحِ هَمْزَةِ (اهْدِنَا)؛ فإن لم يُحِلِ المَعْنَى؛ كفَتْحِ دَالِ (نَعْبُدُ) ونُونِ(نَسْتَعِينُ) لم يَكُنْ أُمِّيًّا ِلاَّ بمِثْلِه), فتَصِحُّ لمُسَاوَاتِه له، ولا يَصِحُّ اقتِدَاءُ عَاجِزٍ عَن نِصْفِ الفَاتِحَةِ الأَوَّلِ لعَاجِزٍ عَن نِصْفِهَا الأَخِيرِ, ولا عَكْسُه، ولا اقتِدَاءُ قَادِرٍ على الأَقْوَالِ الوَاجِبَةِ بعَاجِزٍ عَنْهَا.
(وإنْ قَدَرَ) الأُمِّيُّ (على إِصْلاحِه, لم تَصِحَّ صَلاتُه) ولا صَلاةُ مَن ائْتَمَّ به؛ لأنَّه تَرَكَ رُكْناً معَ القُدْرَةِ عليه. (وتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ)؛ أي: كَثِيرِ اللَّحْنِ الذي لا يُحِيلُ المَعْنَى، فإِنْ أَحَالَهُ في غَيْرِ الفَاتِحَةِ لم يَمْنَعْ صِحَّةَ إِمَامَتِه إلا أنْ يَتَعَمَّدَهُ. ذَكَرَهُ في (الشَّرْحِ).
وإنْ أحَالَهُ في غَيْرِها سَهْواً أو جَهْلاً أو لآفَةٍ, صَحَّت صَلاتُه. (و) تُكْرَهُ إِمَامَةُ (الفَأْفَاءِ والتَّمْتَامِ) ونَحْوِهِمَا، والفَأْفَاءُ الذي يُكَرِّرُ الفَاءَ، والتَّمْتَامُ مَن يُكَرِّرُ التَّاءَ. (و) تُكْرَهُ إِمَامَةُ (مَن لا يُفْصِحُ ببَعْضِ الحُرُوفِ)؛ كالقَافِ والضَّادِ، وتَصِحُّ إِمَامَتُه أَعْجَمِيًّا كانَأو عَرَبِيًّا، وكذا أَعْمَى أَصَمُّ وأَقْلَفُ وأَقْطَعُ يَدَيْنِ أو رِجْلَيْنِ أو إِحْدَاهُمَا إذا قَدَرَ على القِيَامِ, ومَن يُصْرَعُ فتَصِحُّ إِمَامَتُهُم معَ الكَرَاهَةِ؛ لِمَا فِيهِم مِنَ النَّقْصِ.
(و) يُكْرَهُ (أن يَؤُمَّ) امْرَأَةً (أَجْنَبِيَّةً فأَكْثَرَ, لا رَجُلَ مَعَهُنَّ)؛ لنَهْيِهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ أن يَخْلُوَ الرَّجُلُ بالأَجْنَبِيَّةِ، فإنْ أَمَّ مَحَارِمَهُ أو أَجْنَبِيَّاتٍ مَعَهُنَّ رَجُلٌ, فلا كَرَاهَةَ؛ لأنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَشْهَدْنَ معَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ الصَّلاةَ، (أو) أنْ يَؤُمَّ (قَوْماً أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بحَقٍّ)؛ كخَلَلٍ في دِينِه أو فَضْلِه؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((ثَلاثَةٌ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُم آذَانَهُم: الْعَبْدُ الآبِقُ حتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)). رواهُ التِّرْمِذِيُّ.
وقالَ في (المُبْدِعِ): حَسَنٌ غَرِيبٌ، وفيه لِينٌ.
فإن كانَ ذا دِينٍ وسُنَّةٍ وكَرِهُوه لذلك, فلا كَرَاهَةَ في حَقِّهِ. (وتَصِحُّ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إذا سَلِمَ دِينُهُمَا), وكذا اللَّقِيطُ والأَعْرَابِيُّ حيثُ صَلَحُوا لها؛ لعُمُومِ قَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُم)).
(و) تَصِحُّ إِمَامَةُ (مَن يُؤَدِّي الصَّلاةَ بمَن يَقْضِيهَا, وعَكْسُه) مَن يَقْضِي الصَّلاةَ بمَن يُؤَدِّيها؛ لأنَّ الصَّلاةَ وَاحِدَةٌ، وإنَّمَا اختَلَفَ الوَقْتُ، وكذا لو قَضَى ظُهْرَ يَوْمٍ خَلْفَ ظُهْرِ يَوْمٍ آخَرَ، (لا) ائْتِمَامُ (مُفْتَرِضٍ بمُتَنَفِّلٍ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ ليُؤْتَمَّ بهِ, فلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ)). ويَصِحُّ النَّفْلُ خَلْفَ الفَرْضِ، (ولا) يَصِحُّ ائْتِمَامُ (مَن يُصَلِّي الظُّهْرَ بمَن يُصَلِّي العَصْرَ أو غَيْرَهُمَا)- ولو جُمُعَةً- في غَيْرِ المَسْبُوقِ إذا أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ، قالَ في (المُبْدِعِ): فَإِنْ كَانَت إِحْدَاهُمَا تُخَالِفُ الأُخْرَى؛ كصَلاةِ كُسُوفٍ واسْتِسْقَاءٍ وجِنَازَةٍ وعِيدٍ, مُنِعَ فَرْضاً، وقِيلَ: ونَفْلاً؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى المُخَالَفَةِ فِي الأَفْعَالِ. انتهَى.
فيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ نَفْلٍ خَلْفَ نَفْلٍ آخَرَ لا يُخَالِفُه في أَفْعَالِه؛ كشَفْعٍ ووِتْرٍ خَلْفَ تَرَاوِيحَ حتَّى على القَوْلِ الثَّانِي.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 07:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ولا تصح) الصلاة (خلف فاسق) سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد([1]).إلا في جمعة وعيد تعذرًا خلف غيره([2]) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجر، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه» رواه ابن ماجه عن جابر([3]).(ككافر) أي كما لا تصح خلف كافر([4]).سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ منها([5]) وتصح خلف المخالف في الفروع([6]).وإذا ترك الإمام ما يعتقده واجبا وحده عمدًا بطلت صلاتهما([7]) وإن كان عند مأموم وحده لم يعد([8]) ومن ترك ركنًا أو شرطًا أو واجبًا مختلفًا فيه، بلا تأويل ولا تقليد أعاد([9]).(ولا) تصح صلاة رجل وخنثى خلف (امرأة)([10]) لحديث جابر السابق([11]) (و) لا خلف (خنثى للرجال) والخناثى، لا حتمال أن يكون امرأة([12]).(ولا) إمامة (صبي لبالغ) في فرض([13]) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقدموا صبيانكم» قاله في المبدع([14]) وتصح في نفل([15]).وإمامة صبي بمثله([16]) (و) لا إمامة (أخرس)([17]) ولو بمثله، لأنه أخل بفرض الصلاة لغير بدل([18]) (ولا) إمامة (عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود) إلا بمثله([19])(أو قيام) أي لا تصح إمامة العاجز عن القيام لقادر عليه([20]) (إلا إمام الحي) أي الراتب بمسجد (المرجو زوال علته) ([21]).لئلال يفضي إلى ترك القيام على الدوام([22]) (ويصلون وراءه جلوسًا ندبا)([23]) ولو كانوا قادرين على القيام، لقول عائشة: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» إلى قوله: «وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون» قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعا من طرق متواترة([24]).(فإن ابتدأ بهم) الإمام الصلاة (قائما ثم اعتل) أي حصلت له علة عجز معها عن القيام (فجلس أتموا خلفه قيامًا وجوبًا)([25]) لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا، وصلى أبو بكر والناس خلفه قيامًا، متفق عليه عن عائشة([26]).وكان أبو بكر قد اتبدأ بهم قائما، كما أجاب به الإمام([27])(وتصح خلف من به سلس البول بمثله)([28]) كالأمي بمثله([29])(ولا تصح خلف محدث) حدثا أصغر أو أكبر([30])(ولا) خلف (متنجس) نجاسة غير معفو عنها([31]) إذا كان (يعلم ذلك) لأنه لا صلاة له في نفسه([32])(فإن جهل هو) أي الإمام، (و) جهل المأموم حتى انقضت([33]).(صحت) الصلاة (لمأموم وحده)([34]) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته، وتمت للقوم صلاتهم» رواه محمد بن الحسين الحراني، عن البراء بن عازب([35]).وإن علم هو، أو المأموم فيها استأنفوا([36]) وإن علم معه واحد أعاد الكل([37]) وإن علم أنه ترك واجبًا عليه فيها سهوا([38]) أو شك في إخلال إمامه بركن أو شرط صحت صلاته معه، بخلاف ما لو ترك السترة أو الاستقبال، لأنه لا يخفى غالبا([39]) وإن كان أربعون فقط في جمعة،وفيهم واحد محدث أو نجس، أعاد الكل سواء كان إماما أو مأموما([40])(ولا) تصح (إمامة أمي)([41]) منسوب إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته عليها([42]).(وهو) أي الأمي (من لا يحسن) أي يحفظ (الفاتحة)([43]) أو يدغم فيها ما لا يدغم بأن يدغم حرفا فيما لا يماثله أو يقاربه، وهو الأرت([44]).(أو يبدل حرفا) بغيره، وهو الألثغ([45]) كمن يبدل الراء غينًا([46]) إلا ضاد المغضوب عليهم والضالين بظاء([47])(أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى) ككسر كاف (إياك) وضم تاء (أنعمت) وفتح همزة (أهدنا)([48]).فإن لم يحل المعنى كفتح دال (نعبد) ونون (نستعين) لم يكن أميا([49]) (إلا بمثله) فتصح لمساواته له([50]) ولا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة الأول، بعاجز عن نصفها الأخير، ولا عكسه([51]) ولا اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بعاجز عنها([52]).(وإن قدر) الأمي (على إصلاحه لم تصح صلاته) ولا صلاة من ائتم به، لأنه ترك ركنا مع القدرة عليه([53])(وتكره إمامة اللحان) أي كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى([54]) فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته([55]) إلا أن يتعمده، ذكره في الشرح([56]).وإن أحاله في غيرها سهوا أو جهلا، أو لآفة صحت صلاته([57])(و) تكره إمامة (الفأفاء والتمتام) ونحوهما([58]) والفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء([59]) (و) تكره إمامة (من لا يفصح ببعض الحروف) كالقاف والضاد([60]) وتصح إمامته أعجميا كان أو عربيا([61]).وكذا أعمى وأصم وأقلف([62]) وأقطع يدين أو رجلين، أو إحداهما إذا قدر على القيام([63]) ومن يصرع([64]).فتصح إمامتهم مع الكراهة، لما فيه من النقص([65])(و) يكره (أن يؤم) امرأة (أجنبية فأكثر لا رجل معهن)([66]) لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالأجنبية([67]) فإن أم محارمه([68]) أو أجنبيات معهن رجل، فلا كراهة، لأن النساء كن يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة([69])(أو) أن يؤم (قومًا أكثرهم يكرهه بحق) كخلل في دينه أو فضله([70]).لقوله :صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم([71])العبد الآبق حتى يرجع([72])وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط([73])وإمام قوم وهم له كارهون»([74]) رواه الترمذي وقال في المبدع: حسن غريب وفيه لين([75]).فإن كان ذا دين وسنة، وكرهوه لذلك، فلا كراهة في حقه([76])(وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما)([77]) وكذا اللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها([78]) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم»([79])(و) تصح إمامة (من يؤدي الصلاة بمن يقضيها([80])وعكسه) من يقضي الصلاة بمن يؤديها([81]).لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت([82]) وكذا لو قضى ظهر يوم ، خلف ظهر يوم آخر([83])(لا) ائتمام (مفترض بمتنفل)([84]) لقوله صلى الله عليه وسلم : «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»([85]).ويصح النفل خلف الفرض([86]) (ولا) يصح ائتمام (من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما)([87]) ولو جمعة في غير المسبوق، إذا أدرك دون ركعة([88]) قال في المبدع: فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى كصلاة كسوف واستسقاء، وجنازة وعيد منع فرضًا([89]) وقيل: ونفلاً لأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال انتهى([90]).فيؤخذ منه صحة نفل خلف نفل آخر لا يخالفه في أفعاله، كشفع وتر خلف تراويح([91]) حتى على القول الثاني([92]).



([1]) لأنه لا يقبل خبره، ولا يؤمن على شرائط الصلاة، فلم تصح خلفه، والفاسق من الفسق، وهو الخروج عن حد الاستقامة، كمن يرتكب الكبائر ونحوها.وجهة الأفعال كالزنا والسرقة وشرب المسكر ونحوه، وكالغيبة والنميمة والاعتقاد كالرفض والاعتزال والإرجاء ونحوه، سواء أعلن بفسقه أو لا، وقال الشيخ: لا تصح خلف أهل الأهواء والبدع مع القدرة اهـ وظاهر المذهب أنه إذا كان الفاسق معلنا بفسقه، وفاقًا لمالك، واختاره الموفق والمجد، وقال الحارثي: يجب أن يولى في الوظائف وإمامه المساجد الأحق شرعا، وليس للناس أن يولوا عليهم الفساق، وعن أحمد: تكره وتصح، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي

([2]) أي الفاسق: بأن يعدم أخرى خلف عدل للضرورة، قال الشيخ: عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، ولهذا قالوا في العقائد: تصح الجمعة والعيد خلف كل إمام، برا كان أو فاجرا، وذكر أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتعطيل المفاسد، وأن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادا من الاقتداء فيها بإمام فاجر، ثم قال: ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعة خلف أئمة الجور مطلقا معدودين عند السلف والأئمة من أهل البدع.

([3]) يعني مهاجرًا من البادية إلى الحاضرة، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، لا واحد له من لفظه، ولا جمعا لعرب، وهو من يسكن البادية، عربيا كان أو عجميا، و(فجر) عدل عن الحق و(فسق) خرج عنه، قال شيخ الإسلام عند بعضهم نهي تحريم، وبعضهم نهي تنزيه والصلاة خلفه منهي عنها، بإجماع المسلمين ولا يجوز تقديمه مع القدرة على ذلك، وقال الماوردي، يحرم على الإمام نصب الفاسق إماما للصلوات لأنه مأمور بمراعاة المصالح، وليس منها أن يوقعالناس في صلاة مكروهة، فلو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع، ففي صحة صلاته قولان مشهوران، في مذهب أحمد ومالك، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة، وصلى ابن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد، وكان يشرب الخمر، وصلى مرة الفجر أربعًا، وصلى ابن عمر وغيره خلف المختار، وكان متهما بالإلحاد داعية إلى الضلال، وأجمعوا عليه هم وتابعوهم، لأن أئمة الصلاة في تلك الأعصار في كل بلدة هم الأمراء، وحالهم لا تخفي.قال: والأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته، وصلاة الفاسق صحيحة بلا نزاع، ولا خلاف في كراهتها، وأخرج البخاري في تأريخه عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون خلف أئمة الجور، وفي صحيح مسلم وغيره، من غير وجه: «كيف أنت إذا كان عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتونها عن وقتها؟»،قال: فما تأمرني؟ قال صلى الله عليه وسلم «صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة، لأنهم أخرجوهم عن وقتها وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها، لكان مأمورًا بصلاتها خلفهم فريضة، لما في الصحيح وغيره، قال: «أئمتكم يصلون لكم ولهم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم» وكذا عموم أحاديث الجماعة، من غير فرق، وفي الصحيح وغيره أحاديث كثيرة، تدل على صحة الصلاة خلف الفساق والأئمة الجائرين.قال النووي وغيره: وهو مذهب جمهور العلماء، وإذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد أو لم يمكنه إلا خلف هذا الفاسق، فقال شيخ الإسلام: تصلي خلفه الجماعة فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد والشافعي وغيرهما بل الجماعة واجبة على الأعيان، في ظاهر مذهب أحمد ومن ترك الجمعة أو الجماعة خلف الإمامالفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعديون، وذكر قول عثمان: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا ساءا فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير، والمبتدع صلاته في نفس صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، وإنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر والنهي واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورًا لا يرتب إمامًا للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب.والتحقيق: أن الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها، لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين اهـ وتصح خلف إمام لا يعرفه لأن الأصل في المسلمين السلامة قال شيخ الإسلام: ويجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقده؟ بل يصلي خلف مستور الحال.

([4]) سواء كان أصليًا أو مرتدا، وسواء كان كفره ببدعة أو غيرها، ولو أسره فإنها لا تصح لنفسه، فلا تصح لغيره، قال شيخ الإسلام: وأما الصلاة خلف من يكفر من أهل الأهواء، فمن قال: يكفر، أمر بالإعادة وحقيقة الأمر أن القول قد يكون كفرًا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد، فلا يشهد عليه، لجواز أن لا يلحقه، لفوات شرط، أو ثبوت مانع، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عندهأو لم يتمكن من فهمهما، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان مجتهدا في طلب الحق، وأخطأ إن الله يغفر له خطأه، سواء كان في المسائل النظرية أو العلمية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام، وأما تفريق المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل وفروع لا يكفر بإنكارها فهذا التفريق ليس له أصل، لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ من المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاها من ذكره من الفقهاء، وهو تفريق متناقض.

([5]) أي فلا تصح صلاته، ولو علم منه حال ردة وحال إسلام، ولم يعلم في أي الحالين هو، أعاد لاحتمال أن يكون على الحال التي لا تصح إمامته فيها، وقال بعضهم: لا يعيد وصوبه في تصحيح الفروع، وإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه، وشك في ردته، فلا إعادة لأن الظاهر بقاؤه على ما كان عليه، وكذا حكم مجنون، وسكران والأولى خلف من يعرفه بالإسلام، ليتحقق براءة ذمته، وقال ابن تميم وغيره، ومن صلى بأجرة لم يصل خلفه، وإن أعطي بلا شرط فلا بأس نصا.

([6]) التي يفسق بها كالصلاة خلف من يرى صحة النكاح بغير ولي أو شهادة لفعل الصحابة ومن بعدهم، قال المجد، من قال لا تصح فقد خرق إجماع من تقدم من الصحابة فمن بعدهم، قال في الفروع وغيرها: ما لم يفسق بذلك، كمن شرب من النبيذ ما لا يسكر، مع اعتقاد تحريمه، وأدمن على ذلك، وقال شيخ الإسلام، تجوز صلاة أهل المذاهب بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم فيمن تقيأ أو مس ذكره ونحوه، أو لم يتشهد أو لم يسلم ونحوه والمأموم يعتقدوجوب ذلك، ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.

([7]) كالتشهد الأول، لا سهوا، إذ معه تصح، وهذا تنبيه منه على ما لو ترك الإمام ركنا عنده وحده، كالطمأنينة أو شرط كستر أحد العاتقين، ولو كان المأموم لا يرى ذلك واجبا، ولا ركنا، ولا شرطا، أو عنده وعند المأموم فمن باب أولى.

([8]) أي المأموم قال الشيخ: ولو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه مما يسوغ فيه الاجتهاد صحت صلاته خلفه وهو المشهور عن أحمد وقال: الروايات المنقولة عن أحمد لا توجب اختلافًا وإنما ظواهرها أن كل موضع يقطع فيه بخطأ المخالف تجب الإعادة وهو الذي تدل عليه السنة والآثار، وقياس الأصول اهـ والمراد ما لم يعتقد المأموم الإجماع على المتروك، فيعيد إجماعا، وقال الشيخ: اتفق المسلمون على أن من ترك الأركان المتفق عليها لم يصل خلفه.

([9]) ذكره الآجري وغيره إجماعا كتركه فرضه لأمره عليه الصلاة والسلام تارك الطمأنينة بالإعادة والمراد بقوله: أو واجبا، إذا تركه شاكا في وجوبه، وأما إذا لم يخطر بباله أن عالما قال بوجوبه، فيسقط، وقوله: بلا تأويل، أي اجتهاد، وقال في الإقناع والمنتهى وغيرهما، لا إنكار في مسائل الاجتهاد أي ليس لأحد أن ينكر على مجتهد أو مقلده فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وقال شيخ الإسلام، قولهم، مسائل الاجتهاد لا إنكار فيه، ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإن كان القول يخالف سنةأو إجماعًا قديمًا، وجب إنكاره اتفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، عند من يقول: المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا، أو مقلدا، وقال: أيضا في قولهم: لا إنكار.. إلخ، أي المسائل التي ليس فيها دليل يجب العمل به، وجوبا ظاهرا مثل حديث لا معارض له من جنسه، وذكر حديث حذيفة في الذي لا يتم ركوعه إلخ، قال: وهو عام في الإنكار في مثل هذا.

([10]) إجماعا في الرجل بالمرأة وذكر النووي وغيره أن منع إمامة المرأة للرجال هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، والفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وقال أبو حامد: هو مذهب الفقهاء كافة إلا أبا ثور، وتقدم حديث أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تتخذ في دارها مؤذنا، وأمرها أن تؤم أهل دارها وإن كان فيهم رجل وخالف ذلك جماهير أهل العلم.

([11])«لا تؤمن امرأة رجلا»، ولأن المرأة عورة، فربما تشوش الأمر على الرجل فيكون سببا لفساد صلاته، وصيانتها واجبة.

([12]) وتصح إمامة الخنيثى بنساء ويقفن خلفه، كالرجل وإن صلى رجل خلف خنثى وهو لا يعلم أنه خنثى، فبان بعد الفراغ أنه رجل، فلا إعادة عليه، لصحة صلاته في نفس الأمر، وعدم شكه حال الفعل، بما يفسدها، وتصح إمامة امرأة امرأة وخنثى خنثى قارئين، ورجالا أميين في نقل وتراويح فقط ويقفونخلفهم لحديث أم ورقة قالت: يا رسول الله إني أحفظ القرآن وإن أهل بيتي لا يحفظونه فقال قدمي الرجال أمامك وقومي وصلى من ورائهم رواه الدارقطني وغيره ولما ذكر الشيخ اتباع الإمام أحمد لما دل عليه الكتاب والسنة قال: ولهذا جوز على المشهور عنه أن تؤم المرأة الرجال لحاجة، مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين فتصلي بهم التراويح اهـ ولا نزاع أن للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة، لكن هل يستحب؟ الأشهر أنه يستحب لهذا الخبر وغيره.

([13]) هذا المذهب أن الصبي لا يكون إمامًا للبالغ.

([14]) ولا يصح لمعارضته حديث عمرو وغيره، ولم يعز إلى شيء من كتب الحديث وقال ابن عبد الهادي: لا يصح ولا يعرف له إسناد صحيح، وعنه تصح إذا كان يعقلها وفاقا للشافعي وإحدى الروايتي لأبي حنيفة، وذكره غير واحد قول أكثر العلماء لحديث «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، الحديث ولحديث عمرو بن سلمة عند البخاري وغيره، وهو ابن سبع أو ثمان، والذين قدموه جماعة من الصحابة في عصر النبوة ولا يعدل عنه إلا بدليل، وقال ابن حزم، لا نعلم لهم مخالفا، وتقدم أن ذكوان أم وهو غلام لم يبلغ، رواه الشافعي وعبد الرزاق وغيرهم، وكرهها مالك وأصحاب الرأي في الفرض، وقال في الفروع، وبناؤهم المسألة على أن صلاتهم نافلة، ويقتضي صحة إمامته إن لزمته، قاله صاحب النظم وهو متجه اهـ ومن جازت إمامته في النفل جازت في الفرض، إلا بمخصص يجب المصير وقصة معاذ مشهورة.

([15]) كتراويح ووتر، وصلاة كسوف واستسقاء إجماعا، لأنه متنفل يؤم متنفلا.

([16]) يعني تصح وفاقا، لأنها نفل في حق كل منهما، فاتحدت صلاتهما.

([17]) بناطق فلا تصح قولا، واحدا وفاقا، والأخرس محتبس اللسان عن النطق، خلقه أو إعياء، وتقدم.

([18]) وهو القراءة والتحريمة وغيرهما، فلا يأتي به، ولا بدل لذلك، فلم تصح إمامته.

([19]) أي عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود ونحو ذلك، فتصح إمامته به، وكذا عاجز عن استقبال، أو اجتناب نجاسة، أو عن الأقوال الواجبة، ونحو ذلك من الأركان والشروط، فلم تصح إلا بمثله في العجز عن ذلك الركن أو الشرط أو الواجب، كالقارئ بالأمي إلا بمثله، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في المطر بالإيماء، واختار الشيخ صحة إمامة عاجز عن ركن أو شرط كالقاعد يؤم القائم.

([20]) فلم يصح الاقتداء به، كالعاجز عن القراءة إلا بمثله.

([21]) التي منعته القيام، ومفهومه أن إمام الحي إذا لم يرج زوال علته إن إمامته لا تصح، قال في الإنصاف، وهو الصحيح، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب والحي البطن من القبيلة ومحلة القوم، الجمع أحياء، وسميت القبيلة بالحي لأن بعضهم يحيا ببعض و(إمام) بالجر صفة لعاجز، وكذا المرجو، وزوال نائب فاعل.

([22]) ومخالفة الخبر، ولا حاجة إليه، والأصل فيه فعله صلى الله عليه وسلم وكان يرجى زوال علته.

([23]) أي وراء إمام الحي، إذا مرض ورجي زوال علته.

([24]) من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وحكاه ابن حزم قول جمهور السلف، وادعي إجماع الصحابة فيه، وثبت عن أربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن إمام الحي يحتاج إلى تقديمه، بخلاف غيره، والقيام أخف، بدليل سقوطه في النفل، وسدا لذريعة مشابهة الكفار، حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود، وعنه: تصح قيامًا، لما في الصحيحين وغيرهما، أنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا، والناس خلفه قيام، وذلك يوم السبت أو الأحد وتوفي يوم الاثنين.
قال الخطابي: وقد صلى قاعدا، والناس من خلفه قيام، فدل على أن حديث أنس وجابر منسوخ، وقاله الشافعي، وحكى الخطابي والقاضي والنووي وابن دقيق العيد وغيرهم صحتها خلفه قياما، قول أكثر العلماء، وذكره في الفروع اتفاقا، ولأنه الأصل،ولم يأمر من صلى خلفه قائما بالإعادة، واختاره في النصيحة والتحقيق وعنه: يصح مع غير إمام الحي وإن لم يرج زوالها، حكاه في الفروع وفاقا، لما ثبت عنه وعن الصحابة في حياته وبعد وفاته.وقال الشافعي: يستحب للإمام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلي بالجماعة قائما، كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. ولأن فيه خروجا من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد، ولأن القائم أكمل، وأقرب إلى كمال هيئات الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، وكان الاستخلاف أكثر، فدل على فضيلته وأم قاعدا في بعض الصلوات لبيان الجواز، ولأن الصلاة خلفه قاعدا، أفضل منها خلف غيره قائما، بدرجات، و(أجمعون) قال ابن هشام وغيره: روي بالرفع، تأكيد للضمير، وروي (أجمعين) بالنصب على الحال، وهو ضعيف، لاستلزامه التنكير وهو معرفة بنية الإضافة.

([25]) ولم يصح الجلوس، نص عليه، وقال في الإنصاف: بلا نزع، ولأن القيام هو الأصل، فإذا بدأ به في الصلاة، لزمه في جميعها إذا قدر عليه، كمن أحرم في الحضر ثم سافر.

([26]) ولفظه: جلس إلى جنبه، عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر، ولمسلم: يصلي بالناس، وأبو بكر يسمعهم التكبير، وهو ظاهر الدلالة في اقتداء القائم بالقاعد.

([27]) يعني أحمد رحمه الله، فيتمها كذلك، وقال: ليس في الحديثين الآخرين حجة، وأنكر النسخ، وجمع بينهما.


([28]) لا بغير مثله، لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل، لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث، المنافي للطهارة، أشبه ما لو ائتم بمحدث يعلم حدثه، وإنما صحت صلاته في نفسه للضرورة، وبمثله لتساويهما في خروج الخارج المستمر وكذا من به نجو وريح ورعاف لا يرقأ دمه وقروح سيالة تصح بمثله، لا بغير مثله، ولو عبر كالفروع بـ (من حدثه مستمر) لكان أشمل.

([29]) أي كما تصح صلاة الأمي بمثله إجماعا فتصح، خلف من به سلس البول ونحوه بمثله، إذا اتحد عذرهما، لا إن اختلف.

([30]) يعلم حدثه، لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة، أشبه المتلاعب، ولكنه لا صلاة له في نفسه، فيعيد من خلفه، وقال غير واحد: أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف محدث علم حدثه.

([31]) سواء كانت ببدنه أو ثوبه أو بقعته.

([32]) أشبه التلاعب فيعيد من خلفه.

([33]) أي جهلوا الحدث أو النجس حتى فرغوا منها والنسيان كالجهل.

([34]) وفاقا لمالك والشافعي، وجمهور السلف والخلف، ويعيد الإمام وحده.

([35]) ابن الحارث الأنصاري، صحابي ابن صحابي، استصغر يوم بدر، ونزل الكوفة ومات سنة اثنتين وسبعين رضي الله عنه، ولقوله :صلى الله عليه وسلم «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن اخطأوا فلكم وعليهم» رواه البخاري وغيره، ولحديث أبي بكرة: دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، وقال: «إنما أنا بشر، وإني كنت جنبا» وإسناده صحيح، وصح عن عمر أنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرن، فإهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاما، فأعاد ولم يعد الناس، ونحوه عن عثمان وعلي وابن عمر، وهذا في محل الشهرة، ولم ينكر، فكان إجماعا. وقال الشيخ: وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين، فإنهم صلوا بالناس، ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة، فأعادوا، ولم يأمروا الناس بالإعادة، ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل إلى معرفته، فكان المأموم معذورا، وقال: الناس في انعقاد صلاة المأموم بصلاةالإمام على ثلاثة أقوال، (أحدها) أنه لا ارتباط بينهما (والثاني) أنها منعقدة بها مطلقا، (والثالث) أنها منعقدة بها، لكن إنما يسري النقص، إلى صلاة المأموم، مع عدم العذر منهما، فإما مع العذر فلا يسري النقص، فإذ كان الإمام يعتقد طهارته، فهو معذور في الإمامة، والمؤتم معذور في الإمامة، والمؤتم معذور في الإئتمام، وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما، وعليه يتنزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة، وهو أوسط الأقوال، ويدل على صحته ما في الصحيح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، ولهم، وإن اخطأوا فلكم وعليهم» فهذا نص في أن درك خطئه عليه، لا على المأموم.

([36]) أي وإن علم الإمام الحدث أو النجس وهو في الصلاة استأنفوا أو علم المأموم حدثه أو نجسه في الصلاة استأنفوا لعدم صحتها، قال أحمد: يعجبني أن يبتدئوا الصلاة، وإن كان المأموم واحدا وادعاه، وكان غير مقبول الخبر، لم يرجع القول: واستأنف هو فقط، وعنه: ببني المأموم، وفاقًا لمالك والشافعي، محافظة على فضيلة الجماعة، قال الشافعي: يبنون على صلاتهم، لأن مامضى منها صحيح، وقالت الحنفية: اختلفت الصحابة في ذلك، فيصار للقياس، وهو ظااهر وعنه يستخلف الإمام،والدليل على ثبوت الاستخلاف شرعًا إجماع الصحابة، وقصة عمر مشهورة، وعلى رعف فأخذ بيد رجل فقدمه وانصرف، رواه سعيد.

([37]) أي فتبطل صلاة الكل بعلم واحد من المأمومين الذين معه، واختار القاضي والموفق والشارح وغيرهم، يعيد العالم، ونقل أبو طالب: إن علم اثنان وأنكر هو أعاد الكل، واحتج بخبر ذي اليدين، وقاعدة الشيخ: يعيد من علم فقط، وفهم منه أنه لو علم واحد أو أكثر ممن ليس معه، لم تبطل صلاة المأمومين.

([38]) صحت صلاته معه.

([39]) وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن، فسدت صلاتهم، كما لو ترك تكبيرة الإحرام.

([40]) لأن المحدث أو النجس وجوده كعدمه، فينقص العدد المعتبر للجمعة، وكذا العيد، وهذا على القول بأن الأربعين شرط فيها ويأتي.

([41]) بمن يحسنها، مضت السنة على ذلك، قاله الزهري وغيره، فتبطل صلاة المأموم لاقتدائه بمن لا يجوز الاقتداء به إجماعًا، لأن القراءة شرط، فلم يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز، كالطهارة وهو يتحملها عن المأموم، والعاجز عنها ليس من أهل التحمل، وعند أبي حنيفة ومالك تبطل صلاة الإمام أيضا، لإمكانه الصلاة خلف من يحسنها، والمذهب وفاقًا للشافعي، لا تبطل صلاة الإمام كالأميين، والأمي لغة من لا يكتب، ومن ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم بالأمي، وقال: «أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»

([42]) باقٍ على جبلته، لم يقرأ ولم يكتب، وقال القاضي عياض: منسوب إلى الأم، إن النساء - في الغالب من أحوالهن - لا يكتبن ولا يقرأن مكتوبًا فلما كان الابن بصفتها نسب إليها، كأنه مثلها وقيل لأمة العرب، أمية، لأنها لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب.

([43]) يعني عند الفقهاء اصطلاحا، من لا يحفظ الفاتحة.

([44]) بالمثناة المشددة، ورت رتتا كان في لسانه رتة أي عجمة فهو أرت، وهو من يدغغم حرفا في حرف، في غير موضع الإدغام، وقيل: من يبدل الراء بالياء وقيل: من يلحقه رتج في كلامه، وفي المذهب هو الذي في لسانه عجلة تسقط بعض الحروف، وكذا الألكن لا تتبين قراءته.

([45]) بالمثلثة والمعجمة وهو تحول اللسان من حرف إلى حرف كما صرح به هو وغيره، وحبسة بالكلام، وأبدل الشيء وبدله غيّره اتخذ عوضا عنه.

([46]) لأن الغين لم تكن من أحرف الإبدال، وإنما هما مختلفتان صوتا ومخرجا فلا يحصل بهما مقصود القراءة، وكذا إبدال الراء لامًا أو ياء، أو السين ثاء أو الجيم شينًا أو إبدال حرف بحرف مختلفي المخرج، وحكي فيه الإجماع.
قال الشيخ: فلا يصلي خلف الألثغ يعني إلا من هو مثله اهـ ولا تضر لثغة يسيرة لم تمنع أصل المخرج.

([47]) فلا يصير به أميًا، سواء علم الفرق بينهما لفظا ومعنى أو لا، لأن كلا منهما من طرف اللسان، وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد،وقال الشيخ: الضاد إذا أخرجه من طرف الفم، كما هو عادة كثيرة من الناس، ففيه وجهان، الثاني يصح، لأن الحرفين في السمع شيء واحد، وجنس وأحدهما من جنس الآخر، لتشابه المخرجين والقارئ إنما يقصد الضلال المخالف للهدي، وهو الذي يفهمه المستمع، وقال ابن كثير: والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما.

([48]) إذا غيّره عجزًا عن إصلاحه فهو أمي قال الجوهري اللحن الخطأ في الإعراب، يقال: فلان لحان أي يخطئ، ولحانة أيضا اهـ وإذا فتح همزة (أهدنا) لم تصح إمامته إلا بمثله، لأن معنى (أهدنا) بفتح الهمزة: أهد إلينا، وإذا عجز عن فرض القراءة لم تصح إلا بمثله.

([49]) فتصح إمامته.

([50]) إجماعا وهو استثناء من قوله: ولا تصح. إلخ، قال الشيخ: إن لحن لحنا يحيل المعنى في الفاتحة لم يصل خلفه إلا من يكون لحنه مثل لحنه، إذا كانا عاجزين عن إصلاحه، وذكر أنه مثل أن يقول (أنعمت) وهو يعلم أنه ضمير المتكلم، فلا تصح، وإن لم يعلم أنه يحيل، واعتقد أنه ضمير المخاطب ففيه نزاع اهـ والمساواة المماثلة والمعادلة.

([51]) أي العاجز عن نصفها الأخير، بعاجز عن نصفها الأول، ولا من يبدل حرفا منها، بمن يبدل حرفا غيره، والعلة في لك عدم المساواة، وإن لم يحسنها، لكن أحسن بقدرها من القرآن، لم يجز أن يأتم إلا بمن لا يحسن شيئا منها، ولو اقتدى في سرية بمن لا يعرف حاله، لم يجب البحث عن كونه قارئا، بناء على الغالب.

([52]) لعدم المساواة.

([53]) وذلك بإخراجه عن كونه قرآنا فهو كسائر الكلام، قال في الشرح والمبدع: لأنه ترك ركنا من أركان الصلاة، مع القدرة عليه، أشبه تارك الركوع، قال في الفروع: ويكفر إن اعتقد إباحته، ومتى أصلحه صحت.

([54]) ولا تبطل به، قال الشيخ: فأما اللحن الخفي، واللحن الذي لا يحيل المعنى فلا يبطل الصلاة، وفي الفاتحة قراءات كثيرة، قد قرئ بها فلو قرأ عليهم و(عليهُم) و(عليهٌم) أو قرأ (الصراط) و(السراط) و(الزراط) فهذه قراءات مشهورة ولو قرأ (الحمدُ) و(الحمدَ) أو قرأ (ربَّ العالمين) أو (ربُّ العالمين) أو قرأ بالكسر، ونحو ذلك لكان قد قرأ قراءات قد قرئ بها، وتصح الصلاة خلف من قرأ بها، وإن كان إمام راتب، في البلد أقرأ منه صلى خلفه اهـ ولا تكره إمامة من سبق لسانه باليسير منه، فقل من يخلو منه.

([55]) لأن ما سوى الفاتحة ليس بركن ولا واجب.

([56]) فيصير عمده كالكلام، فإن تعمد غير الأمي إدغام ما لا يدغم، أو اللحن المحيل للمعنى، أو قدر أمي على إصلاحه فتركه، أو زاد من يدغم أو يبدل أو يلحن على فرض القراءة، يعني الفاتحة عمدا، لم تصح صلاته، قال الشيخ: وإن لحن لحنا يحيل المعنى، في غير الفاتحة، وتعمده بطلت صلاته.

([57]) لقوله: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان» وجعلًا له كالمعدوم، وقال الشيخ: إن لحن لحنا لا يحيل المعنى في غير الفاتحة، سهوا أو عجزا صحت الصلاة خلفه والآفة العاهة جمعها آفات.

([58]) كالوأواء، وهو من يكرر الواو، وكذا سائر الحروف، لزيادته، ونفرة الطبع عن سماعه.

([59]) وفأفأ فأفأة أكثر الفاء، وتردد فيها في كلامه، وقيل حبسه في اللسان والتمتمة رده الكلام إلى التاء والميم، أو يخطئ موضع الحرف، فيرجع إلى لفظ كتاء والميم، وإن لم يكن بينا، والقياس التأتاء، وتصح لأنهما يأتيان بالحروف على وجهها، ويزيدان هما مغلوبان عليها، فعفي عنها، وكرهت لهما.

([60]) لعدم فصاحته،وقيل: من قرأ ولا الضالين بالظاء المشالة لم تصح، لأنه يحيل المعنى، يقال ظل يفعل كذا، إذا فعله نهارًا، فهو كالألثغ، وقال الشيخ: يصح في أصح الوجهين، وعلله بأنه إنما يقصد الضلال الذي هو ضد الهدي، ولأن مخرجهما من طرف اللسان وبين الأسنان، فمخرج الصوت واحد وتقدم.

([61]) لإتيانه بفرض القراءة والأعجمي كل من ليس من العرب، سواء كان من الفرس أو الترك أو الإفرنج أو غيرهم، والعرب جيل من الناس خلافهم وهم البينوا العروبة، والذين لهم نسب صحيح في العرب.

([62]) فتكره لأنه إذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا إشارة، وتصح، والصمم انسداد الأذن، وثقل السمع، وفي الكليات، هو أن يكون الصماخ قد خلق باطنه أصم ليس فيه التجويف الباطن، المشتمل على الهواء الراكد، الذي يسمع الصوت بتموجه، وأما الأقلف فللاختلاف في صحة إمامته، وأما صحة إمامتهم فلأن الكل منهم ذكر مسلم عدل، قارئ لا يخل بشيء من أفعال الصلاة ولا بشروطها، فصحت إمامته كالبصير والسميع والمختون، ثم إن كان الأقلف مفتوق القلفة يمكنه غسل ما تحتها، فلا بد من غسل النجاسة التي تحتها، فلو تركها لم تصح صلاته قولا واحدا، لحمله نجاسة لا يعفى عنها، مع القدرة على إزالتها وإلا فهي معفو عنها، لعدم إمكان إزالتها، وكل نجاسة معفو عنها، لا تؤثر في بطلان الصلاة.

([63]) بأن جعل له رجلين من خشب ونحوه، وأما إذا لم يمكنه القيام فلا تصح إمامته إلا بمثله، وأما أقطع اليدين، فإذا أمكنه السجود عليهما فقال شيخ الإسلام: إذا كانت يداه يصلان إلى الأرض في السجود، فإنه تجوز الصلاة خلفه بلا نزاع، وإنما النزاع فيما إذا كان أقطع اليدين والرجلين ونحو ذلك، ولم يمكنه وأما إذا أمكنه السجود على الأعضاء السبعة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم»، الحديث، فإن السجود تام، وصلاة من خلفه تامة.

([64]) بالبناء المجهول، من الصرع، وهو داء يشبه الجنون، وفي الصحاح وغيره: علة معروفة، وعند الأطباء، علة تمنع الأعضاء النفسانية عن أفعالها، منعا غير تام، وسببه سدة تعرض في بعض بطون الدماغ، وفي مجاري الأعصاب المحركة للأعضاء، من خلط غليظ، أو لزج كثير، فتمنع الروح، عن السلوك فيها، فتشنج الأعضاء، وتحدث فيها رعدة، وحركات مختلفة.

([65]) قال في الفروع: أو تضحك رؤيته، ومن اختلف في صحة إمامته، ويؤخذ منه كراهة إمامة الموسوس لئلا يقتدى به.

([66]) أي من محارم إحداهن، فإن كان فيهن رجل لم يكره، وكذا لو كان فيهن محرم له.

([67]) ففي الصحيحين «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم»، وغير ذلك من الأحاديث، فيحرم عليها وعليها، ويكره بأكثر، لما فيه من مخالطة الوسواس، ولا يحرم، لأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب من مفسدة بعضهن في حضرتهن.

([68]) وهن من يحرمن عليه، بنسب أو سبب مباح، أو محارمه ومعهن أجنبيات فلا كراهة.

([69]) وأقرهن على ذلك، وإن خلا رجال بامرأة فالمشهور تحريمه لأنه قد يقع اتفاق رجال على فاحشة امرأة، إلا أن يكونوا ممن يبعد مواطأتهم على الفاحشة، والأمرد الحسن له حكم المرأة، لأن المعنى المخوف في المرأة موجود فيه.

([70]) وكان فيهم من هو أولى منهم، وقال أحمد: إذا كرهه اثنان أو ثلاثة فلا بأس، وحتى يكرهه أكثرهم، وقيل: عني به الظلمة.

([71]) جمع أذن، أي لا ترفع إلى الله، رفع العمل الصالح.

([72]) أي إلى أمر سيده.

([73]) يعني لسوء خلقها ونحوه.

([74]) قيده أهل العلم بالكراهة الدينية، لسبب شرعي، قال الخطابي والبغوي وغيرهما، إذا كرهوا لمعنى مذموم، كوالٍٍٍ ظالم، أو من تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات، أو يمحق هيئات الصلاة، أو يتعاطى معيشة مذمومة، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة، والعتب على من كرهه، وقال الشيخ: إذا كانوا يكرهونه لأمر في دينه مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك، ويحبون آخر أصلح منه في دينه، مثل أن يكون أصدق أو أعلم أو أدين، فإنه يجب أن يولي عليهم هذا الذي يحبونه، وليس لذلك الرجل الذي يكرهونه أن يؤمنهم، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: رجل أم قومًا وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة إلا دبارًا، ورجل اعتبد محررا» وقال أيضا: إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب لم ينبغ أن يؤمهم لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم الائتلاف وقال عليه الصلاة والسلام «لاتختلفوا فتختلف قلوبكم» وقال القاضي: المستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه، وقال المجد: أو لدنياه، وهو ظاهر كلام جماعة، ولا يكره الائتمام به، لأن الكراهة في حقه.

([75]) وحسنه الترمذي والحافظ، ورواه ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عباس وأبو داود وغيره عن عبد الله بن عمرو، ولأبي داود من طريق الإفريقي أنها لا تقبل صلاته، قال الشيخ: أتى بواجب ومحرم فقاوم صلاته، فلم تقبل إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها.

([76]) وإنما العتب على من كرهه كما تقدم.

([77]) قال الحافظ وغيره: وهو مذهب جمهور العلماء، والجندي جمعه أجناد وجنود، أعوان السلطان وأنصاره وعساكره، وتجند صار جنديا.

([78]) وسلم دينهم وقال الحافظ وغيره: هو مذهب جمهور العلماء وكذا منفي لعان، وصلى الناس خلف ابن زياد، وهو ممن في نسبة نظر، وقالت عائشة في ولد الزنا، ليس عليه من وزر أبويه شيء، واللقيط الملقو المولود، الذي ينبذ لا يدري ما أصله فيلقط ويأتي في بابه، إن شاء الله تعالى.

([79]) الحديث وتقدم فهو بعمومه شملهم.

([80]) إذا كان يؤخر صلاة الظهر مع العصر جمعا، فيأتي آخر وقد خرج وقت الظهر ولم يصله، فيصلي الظهر مع ذلك الناوي للجمع، أو لعذر نوم ونحوه، لصحة القضاء بنية الأداء فيما إذا صلى فبان بعد خروج الوقت.

([81]) كظهر أداء، خلف ظهر قضاء، قال الخلال، المذهب عندي في هذا رواية واحدة، وغلط من نقل غيرها.

([82]) فصحت، لأنه في معناه.

([83]) كقضاء ظهر يوم أربعاء، خلف ظهر يوم خميس، ونحوه.

([84]) هذا المذهب ، وعللوا بأن صلاة الأموم لا تؤدى بنية الإمام، لاختلافهما.

([85]) أي فيكون صلاة المأموم غير صلاة الإمام اختلاف عليه؛ لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية صلاة الإمام، إلا إذا صلى بهم في خوف صلاتين، فيصح وعنه: يصح، وفاقًا للشافعي، لصلاة معاذ بقومه العشاء، وكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة ، متفق عليه، وفي بعض ألفاظ حديث جابر: «هي له تطوع»، ولما استدلوا به من صلاته صلى الله عليه وسلم بالطائفة الثانية في صلاة الخوف، وهي له نافلة، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال المعهودة، وتصحان جماعة وفرادى، فصح بناء إحداهما على الأخرى، وقوله: «فلا تختلفوا عليه» يعني في الأفعال، كما هو ظاهر من فعله صلى الله عليه وسلم، وإقراره لمعاذ، ولقوله في آخر الحديث: «وإذا ركع فاركعوا» إلخ، واختاره في النصيحة، والتبصرة، والموفق، والشيخ، وعبد الله بن الشيخ محمد وشيخنا وغيرهم.
قال الشيخ : والذين منعوا ذلك ليس لهم حجة مستقيمة، فإنها احتجوا بلفظ لا يدل على محل النزاع كقوله: «إنما جعل الإمام ليؤتم به»، وبأن الإمام ضامن، وليس في هذين ما يدفع تلك الحجج، والاختلاف المراد به الاختلاف في الأفعال، كما جاء مفسرًا، واختار جواز صلاة من يصلي العشاء الآخرة، خلف من يصلي قيام رمضان، يصلي خلفه ركعتين، ثم يقوم فيصلي، فيتم ركعتين.

([86]) إجماعا لقوله: «ألا رجل يتصدق على هذا؟» وقوله: «فصليا معنا، فإنها لكما نافلة» ولأن في نية الإمام ما في نية المأموم، وهو نية التقرب وزيادة، وهي الوجوب، فلا وجه للمنع.

([87]) لأنه يؤدي إلى الاختلاف كما تقدم، وعنه: يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر وغيرها، واختاره الشيخ وغيره: وهي فرع على ائتمام المفترض بالمنتفل وتقدم، بل هنا أولى، لصحة الظهر خلف من يصلي الجمعة، كما سيأتي.

([88]) أي من الجمعة، وكان نوى الظهر، ودخل وقته، فإنه ينويها ظهرًا، حالة كونه داخلاً مع الإمام، فيجوز أن يقتدي به.

([89]) أي امتنع فعلها خلف فرض، لأنه يؤدي إلى التخالف في الأفعال، لتغايرهما صورة كمن يصلي فجرًا خلف استسقاء أو غيرها، هذا إذا اعتقد أن تلك فرض كفاية، قال شيخنا: وهو في بعض الصور ظاهر في الدليل، وأما صلاة فجر خلف استسقاء وعيد فالاختلاف يسير، ولو ترك لم تبطل به.

([90]) أي وقيل: صلاة نفل خلف نفل تخالفًا، كشفع مثلا خلف كسوف لتغايرهما صورة، ولم يذكر الأصحاب هذه العبارة سوى صاحب المبدع.

([91]) أي: يؤخذ من قول صاحب المبدع: منع فرضًا، لأن النافلة أوسع من الفريضة.

([92]) وهو قوله: وقيلا نفلا، قال في الغاية: شروط الإمامة ثمانية، إسلام وعدالة وعقل ونطق وتمييز، وبلوغ إن أم بالغا في فرض، وذكورية إن أم ذكرا، وقدرة على شرط وركن، وواجب إن أم قادرًا، وتقدمت مفصلة موضحة.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 12:05 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَلاَ تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ كَكَافِرٍ،.............
قوله: «ولا تصحُّ خلف فاسق» .
شرح المؤلف رحمه الله في بيان مَن لا تصحُّ إمامتُهُ إما مطلقاً أو بمَن هو أكملُ منه.
و«الفاسق» في اللغة: الخارج، مأخوذ مِن قولهم: فَسَقَتِ الثَّمرةُ عن قشرِها، أي: خرجت.
واصطلاحاً: مَن خرجَ عن طاعةِ الله بفعلِ كبيرةٍ دون الكفر، أو بالإِصرارِ على صغيرة.
ويُطلق الفاسقُ على الكافرِ كما في قوله تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] ، وكما في قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وكما في قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ} [السجدة: 20] .
وقوله: «خلف فاسق» ظاهر كلامه رحمه الله: أنها لا تصحُّ خلفَ الفاسقِ، سواءٌ كان بمثلِهِ أو بغيرِه، لأنَّه أطلقَ، وعلى هذا؛ فلو اجتمعَ شخصان يغتابان الناسَ وحضرتِ الصَّلاةُ، فإنه لا يُصلِّي أحدُهما بالآخر؛ لأنه إن صَلَّى زيدٌ بعَمرٍو بطلت، وإن صَلَّى عَمرٌو بزيدٍ بطلت، فيصلِّيان فُرادى، ولو اجتمعَ شخصان كلاهما يشربُ الدُّخان لم يُصلِّ أحدُهما بالآخر، لأن كلَّ واحدٍ منهما فاسقٌ، ولو اجتمعَ شخصان قد حَلَقَا لحيتيهما لم يصلِّ أحدُهما بالآخر؛ لأنَّهما فاسقان، ولا يصحُّ أن يكون الفاسقُ إماماً، ولو عُمِل بهذا القولِ لفاتَ كثيرٌ مِن الناسِ أن يُصلّوا جماعة.
القول الثاني: أنَّ الصلاةَ تصحُّ خلفَ الفاسقِ، ولو كان ظاهرُ الفسق، وذلك بدليلين أثريٍ ونظريٍ:
أما الأثري:
1 ـ عمومُ قولِ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ».
2 ـ خصوصُ قولِه صلّى الله عليه وسلّم في أئمةِ الجَورِ الذين يُصلُّون الصَّلاةَ لغيرِ وقتها: «صَلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَها معهم فَصَلِّ، فإنَّها لك نافلةٌ».
3 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يُصلُّونَ لكم، فإنْ أصابُوا فَلَكُم، وإنْ أخطأوا فَلَكُمْ وعليهم».
4 ـ أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم، ومنهم ابنُ عمر كانوا يُصلُّونَ خلفَ الحجَّاجِ. وابنُ عُمرَ رضي الله عنه مِن أشدِّ الناسِ تحرِّياً لاتِّباعِ السُّنَّةِ واحتياطاً لها، والحجَّاجُ معروفٌ.
وأما الدليلُ النَّظريُّ: فنقول: كلُّ مَن صحَّت صلاتُهُ صحَّت إمامتُه، ولا دليلَ على التفريقِ بين صحَّةِ الصَّلاةِ وصحَّةِ الإمامةِ، فما دام هذا يصلِّي صلاةً صحيحةً؛ فكيف لا أُصلِّي وراءَه؛ لأنَّه إذا كان يفعلُ معصيةً فمعصيتُه على نفسِه، لكن لو فَعَلَ معصيةً تتعلَّقُ بالصَّلاةِ بأن كان هذا الإِمامُ إذا دخلَ في الصَّلاةِ أتى بما يبطِلَها، فلا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه؛ لأن صلاتَه لا تصحُّ؛ لفعلِهِ محرَّماً في الصَّلاةِ؛ لأنَّ معصيتَه تتعلَّقُ بالصَّلاةِ، أما إذا كانت معصيتُه خارجةً عنها فهي عليه.
وهذا القولُ لا يَسَعُ الناسَ اليومَ إلا هو؛ لأننا لو طبَّقنا القولَ الأولَ على الناسِ؛ ما وجدنا إماماً يصلحُ للإِمامة إلا نادراً.
واحتجَّ الذين قالوا: لا تصحُّ خلفَ الفاسقِ بما يُروى عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يَؤمَّنَّ فاجرٌ مؤمناً» وهذا الحديثُ ضعيفٌ، وعلى تقدير صِحَّتهِ فإن المرادَ بالفاجرِ الكافرَ؛ لقول الله تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ *إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ *وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ *يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ *وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ *} [الانفطار] والفاجرُ الذي لا يغيبُ عن جهنَّم كافر؛ لأن الفاجرَ الذي فيه إيمانٌ يمكن أنْ يغيبَ عن جهنَّم؛ ولقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *كِتَابٌ مَرْقُومٌ *وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ *الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ *} [المطففين] ، فتبيَّنَ الآن أن الفاجرَ يُطلقُ على الكافر، وحينئذٍ لا يكون في الحديث دليلٌ على عدم صِحَّةِ إمامةِ الفاسق لأنَّه إنْ كان ضعيفاً لم يصحَّ الاستدلالُ به، وإنْ لم يكن ضعيفاً كان محتملاً لوجهين، وإذا دخله احتمالُ الوجهين بطلَ الاستدلالُ به على تعيين أحدهما إلا بدليلٍ.
إذاً؛ القولُ الرَّاجحُ؛ صحَّةُ الصَّلاةُ خلفَ الفاسقِ، فالرَّجلُ إذا صَلَّى خلفَ شخصٍ حالق لحيتَه أو شارب الدُّخان أو آكل الربا أو زانٍ، أو سارق فصلاته صحيحة، لكن يُقدَّمُ أخَفُّ الفاسقين على أشدِّهما، فيُقدَّم مَن يُقصِّرُ من لحيته على حالِقها.
قوله: «ككافر» أي: كما لا تصحُّ خلفَ الكافرِ، وهنا أراد المؤلِّفُ رحمه الله أنْ يقيسَ شيئاً على شيء لا يساويه في العِلَّة، فأرادَ أنْ يقيسَ الفاسقَ على الكافرِ، ومِن شَرْطِ صِحَّةِ القياسِ تساوي الأصلِ والفرعِ في العِلَّة لأجل أنْ يتساويا في الحُكم، فإذا اختلفا في العِلَّة فالقياسُ غيرُ صَحيحٍ، وهنا بينهما فَرْقٌ عظيمٌ، لأنَّ الكافرَ لا تصحُّ صلاتُه، والفاسقُ تصحُّ صلاتُه.
فالرَّجُلُ الذي يأتمُّ بكافرٍ متلاعبٌ؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ هذا الكافرَ صلاتُه باطلةٌ، إذ كيف يأتَمَّ بشخصٍ يعلَمُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ؟!
أما إذا كان فاسقاً؛ فصلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه ائتَمَّ بشخصٍ صلاتُه صحيحةٌ، والأصلُ أنَّ مَن صحَّتْ صلاتُه صحَّتْ إمامتُه، لأنَّ الإِمامةَ فَرْعٌ عن الصَّلاةِ.
ويحتمل أن يريدَ المؤلِّفُ رحمه الله: قياسَ المُختَلَفِ فيه على المُتَّفقِ عليه، لا إثبات الحُكم بذلك، أي: كأنما يقول: لا تصحُّ خلفَ الفاسقِ كما أنها لا تصحُّ خلفَ الكافرِ بالاتِّفاقِ، وهذا أيضاً فيه نَظَرٌ؛ لأنَّه قد يقول الخصمُ: أنا لا أُسلِّمُ بهذا، بل أقول: إنَّ الصَّلاةَ تصحُّ خلفَ الفاسقِ، ولا تصحُّ خلفَ الكافرِ، وأُفَرِّقُ بينهما.
مسألة: الكافرُ لا تصحُّ الصلاةُ خلفَه مطلقاً، سواءٌ كان كفرُه بالاعتقادِ، أو بالقولِ، أو بالفعلِ، أو بالتَّركِ.
فالاعتقادُ، مثل: أن يعتقدَ أنَّ مع الله إلهاً آخر.
والقولُ، مثل: أن يستهزئ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه. فمَن كان يستهزئُ باللهِ أو رسولِه، أو دينِه فهو كافرٌ، ولو كان يصلِّي.
والفِعلُ، مثل: أن يسجدَ لمن سوى الله تعالى.
والتَّركُ، مثل: تَرْكُ الصَّلاةِ. لكن إذا كان كفرُه بتركِ الصَّلاةِ، ثم صلَّى أسْلَمَ. لكنهم قالوا: إنَّه حين تكبيرةِ الإحرامِ كافرٌ، لأنَّه لا يُسْلِمُ إلا إذا صَلَّى، وعلى هذا؛ فلا تصحُّ الصلاةُ خلفَ الكافرِ بتَرْكِ الصَّلاةِ.
ونحن نعلمُ أنَّه لا يمكن أنْ يُصلِّي مسلمٌ خلفَ كافرٍ، لكن لو فُرضَ أنَّ شخصاً صلَّى خلفَ رَجُلٍ، ولم يعلَمْ أنه كافرٌ إلا بعدَ الصَّلاةِ فهل تلزمُه إعادةُ الصَّلاةِ أو لا؟
الجواب: مِن العلماءِ مَن قال: إنه لا يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّه معذورٌ.
ومِنهم مَن قال: بل يعيدُ الصَّلاةَ، لأنَّ مِن شرطِ صحَّةِ الإِمامة أن يكونَ الإِمامُ مسلماً.
ولو قال قائلٌ: هل يمكن أن نُفَصِّلَ ونقول: إن كانت علامةُ الكفرِ عليه ظاهرةٌ لم تصحَّ، ولم يُعذرْ بالجهلِ لوجود القرينةِ، وإلا فلا؟
فالجواب: يمكن ذلك، فالقولُ الراجحُ في هذه المسألة: أنه إن كان جاهلاً فإن صلاتَه صحيحةٌ.
مسألة: إذا كان الفاسقُ إماماً لا تمكن مقاومتُه، كمَن له سُلطان، فهل تصحُّ الصَّلاةَ خلفَه؟
فالجواب: لا تصحُّ على المذهبِ، لكنَّهم يستثنون مِن هذا مسألتين: الجُمعة والعيد، إذا تعذَّرتا خلفَ غيره، كأن يكون هذا البلدُ ليس فيه إلا جامعٌ واحدٌ، وإمامُهُ فاسقٌ فحينئذٍ تصلّي خلفَه.
وكذا العيد إذا لم يكن فيه إلا مصلًّى واحد، وإمامُه فاسقٌ نصلِّي خلفَه؛ لأننا لو تركنا الصَّلاةَ خلفَه فاتتنا الجُمعةُ وفاتنا العيدُ.
وإذا لم يكن في البلدِ إلا هذا المسجدُ، وإمامُه فاسقٌ في غير الجُمعةِ والعيدِ؟
فالجواب: على المذهب يصلِّي منفرداً، ولا يصلِّي خلفَه. ولكن؛ الصحيحُ أنَّ الصلاةَ خلفَه صحيحةٌ كما سبقَ.
مسألة: إذا كان الإمامُ فاسقاً في معتقدِك، غيرُ فاسقٍ في معتقدِه، مثل: أن يرى أن شُربَ الدُّخانِ حلالٌ، وأنت ترى أنَّه حرامٌ، فهل تصلِّي خلفَه؟
الجواب: تصلِّي خلفَه، لأنك لو سألتَ عنه، فقيل لك: هو فاسقٌ بحسب اعتقادِه؟ لقلت: لا؛ لأنه يعتقدُ أنَّ هذا حلال، ولذلك لو أنَّ رَجُلاً لا يرى أن لَحْمَ الإِبل ناقضٌ للوُضُوءِ، وأنت ترى أنه ناقضٌ، فأكلَ مِن لَحمِ الإِبلِ، ثم صلَّى إماماً لك، فصلاتُكَ خلفَه صحيحةٌ مع أنك تعتقدُ أنَّ صلاتَه باطلةٌ، لكن هذا في اعتقادِك فيما لو فعلتَه أنت، لكن فيما لو فعلَه تعتقد أنَّ صلاتَه صحيحةٌ. ولهذا قال العلماءُ رحمهم الله: تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفُروعِ، ولو فَعَلَ ما تعتقدُه حراماً. وهذا مِن نِعمة الله؛ لأننا لو قلنا: إنَّها لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ لَلَحِقَ بذلك حَرَجٌ ومشَقَّةٌ.

وَلاَ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِلرِّجَالِ،........
قوله: «ولا امرأة» ، أي: لا تصحُّ صلاةُ الرَّجُلِ خلفَ امرأةٍ.
والدليلُ: ما رُوي عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «لا تَؤمَّنَّ امرأةٌ رَجُلاً»، وهذا الحديث ضعيفٌ، لكن يؤيده في الحُكم قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أمرَهم امرأةً»، والجماعةُ قد وَلَّوْا أمرَهم الإِمامَ فلا يصحُّ أنْ تكونَ المرأةُ إماماً لهم.
ودليلٌ آخرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «... خيرُ صُفوفِ النساءِ آخِرُها» . وهذا دليلٌ على أنَّه لا موقعَ لَهُنَّ في الأمامِ، والإِمامُ لا يكونُ إلا في الأمامِ، فلو قلنا بصحَّةِ إمامتِهِنَّ بالرِّجالِ لانقلبَ الوضعُ، فصارت هي المتقدِّمة على الرَّجُلِ، وهذا لا تؤيده الشريعةُ.
ولأنه قد تحصُلُ فتنةً تُخِلُّ بصلاةِ الرَّجُلِ إذا كانت إلى جَنْبِهِ أو بين يديه.
قوله: «ولا خنثى للرجال» أي: ولا تصح صلاةُ الرَّجُلِ خلفَ الخُنثى.
والخُنثى هو: الذي لا يُعْلَمُ أَذكرٌ هو أم أنثى؟ فيشمَلُ مَن له ذَكَرٌ وفَرْجٌ يبول منهما جميعاً.
ويشمَلُ مَن ليس له ذَكَرٌ ولا فَرْجٌ، لكن له دُبُرٌ فقط.
والخُنثى سواءٌ كان على هذه الصُّورةِ أو صُورةٍ أخرى لا يَصحُّ أن يكون إماماً للرِّجال، لاحتمالِ أنْ يكون أُنثى، وإذا احتملَ أن يكونَ أُنثى، فإنَّ الصَّلاةَ خلفَه تكون مشكوكاً فيها، فلا تصحُّ.
وذكر الموفَّقُ رحمه الله أنه حُدِّث عن أشخاصٍ ثلاثةٍ:
أحدهم: له مخرجٌ واحدٌ بين القُبُلِ والدُّبُرِ يخرجُ منه البولُ والغائطُ.
الثاني: ليس له فَرْجٌ ولا ذَكَرٌ، وإنَّما له شيءٌ نابئ يخرجُ منه البولُ رشحاً مثل العرقِ، وهذا أيضاً خُنثى.
والثالث: ليس له دُبُرٌ ولا فَرْجٌ ولا ذَكَرٌ، وإنما يتقيأ الطَّعامَ إذا بقي في معدتِه شيئاً مِن الوقت، فإذا امتصت المعدة المنافع التي فيه تقيَّأهُ فيكون خروج هذا الشيء مِن فمِهِ، والله على كلِّ شيء قدير.
أمَّا نحن؛ فقد حدَّثنا بعضُ الأطباءِ هنا في «عُنَيْزَة» أنه وُلِدَ شخصٌ ليس له فَرْجٌ ولا ذَكَرٌ، والله على كلِّ شيءٍ قدير.
وفُهِمَ مِن قولِ المؤلِّفِ: «ولا امرأة وخنثى للرجال» أنه يصحُّ أن تكون المرأةُ إماماً للمرأةِ، والخُنثى يصحُّ أن يكون إماماً للمرأة؛ لأنه إما مثلُها أو أعلى منها.
لكن؛ هل يصحُّ أن تكون المرأةُ إماماً للخُنثى؟
الجواب: لا؛ لاحتمالِ أن يكون ذَكَراً.

وَلاَ صَبِيٍّ لِبَالِغٍ،..........
قوله: «ولا صبي لبالغ» أي: لا تصحُّ إمامةٌ مِن صبيٍّ لبالغٍ. والصَّبيُّ: مَن دونَ البلوغِ، والبالغُ مَن بَلَغَ، ويحصُلُ البلوغُ بواحدٍ مِن أمورٍ ثلاثةٍ بالنسبة للذُّكورِ وهي:
1 ـ تمامُ خمس عشرة سَنَةً.
2 ـ إنباتُ العَانةِ.
3 ـ إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً.
فإذا وُجِدَ واحدٌ مِن هذه الأمورِ الثلاثةِ صارَ الإِنسانُ بالغاً. والمرأةُ تزيدُ على ذلك بأمرٍ رابعٍ وهو الحيضُ، فإذا حاضت ولو لعشرِ سنواتٍ فهي بالغةٌ.
وقوله: «لا صبي لبالغ» أي: أنَّ الصَّبيَّ إذا صارَ إماماً، والبالغُ مأموماً، فصلاةُ البالغِ لا تصحُّ لدليلين؛ أثريٍّ ونظريٍّ.
أما الأثريُّ؛ فهو ما يُذكر عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «لا تُقدِّموا سفهاءَكمْ وصبيانَكمْ في صلاتِكم...».
وأما النظريُّ؛ فهو أنَّ صلاةَ الصَّبيِّ نَفْلٌ، وصلاةُ البالغِ فَرْضٌ. والفرضُ أعلى رُتْبةً مِن النَّفْلِ، فإذا كان أعلى رُتْبَةً فكيف يكون صاحبُه تابعاً مَن هو أدنى منه رُتْبةً؛ لأننا لو صحَّحنا صلاةَ البالغِ خلفَ الصَّبيِّ لجعلنا الأعلى تابعاً لما دونه؛ وهذا خِلافُ القياسِ، والقياسُ أن يكونَ الأعلى متبوعاً لا تابعاً.
وقوله: «لبالغ» يُفهمُ منه أنَّ إمامةَ الصَّبيِّ للصَّبيِّ جائزةٌ، وهو كذلك، وهذا ما ذهبَ إليه المؤلِّفُ رحمه الله.
القول الثاني: أنَّ صلاةَ البالغِ خلفَ الصَّبيِّ صحيحةٌ.
ودليلُ ذلك: ما ثَبَتَ في «صحيح البخاري» أن عَمرَو بنَ سَلَمة الجَرْمي أمَّ قومَه وله ستٌّ أو سبعُ سنين؛ لأنه كان رضي الله عنه يتلقَّفُ الرُّكبان، وهو صبيٌّ ذكيٌّ فيحفظُ منهم القرآنَ، ولما قَدِمَ أبوه مِن عند الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم حدَّثَهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال: «... فإذا حضرتِ الصلاةُ؛ فَلْيُؤَذِّنْ أحدُكُم وَلْيَؤُمَّكُمْ أكثرُكُم قرآناً»، قال: فنظروا، فلم يكنْ أحدٌ أكثرَ قرآناً منِّي؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى مِن الرُّكبانِ، فقدَّمُوني بين أيديهم وأنا ابنُ سِتٍّ أو سبعِ سنينَ، وكانت عليَّ بُرْدَةٌ، وكنتُ إذا سجدتُ تَقَلَّصَتْ عنِّي، فقالت امرأةٌ مِن الحَيِّ: ألا تُغَطُّون عنَّا إسْتَ قارِئِكم؟!. فاشتروا فقطعوا لي قميصاً. فما فرحتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميصِ.
أما حديث: «لا تُقدِّموا صبيانكم في صلاتِكم»، فهو حديثٌ لا أصلَ له إطلاقاً، فلا يصحُّ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
وأما التَّعليلُ: فقد علِمْنَا القاعدةَ وهي: أنه لا قياسَ في مقابلة النَّصِّ؛ لأنَّ القياسَ رأيٌ يُخطئُ ويُصيبُ، ولا يجوز القول في الدين بالرَّأي، فإذا كان لدينا حديثٌ صحيحٌ فإنَّ الرأيَ أمامَه ليس بشيءٍ.
لكن؛ قد يعترضُ مُعترضٌ فيقول: هل عَلِمَ بذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أوَ لم يعلمْ؟
الجواب: إما أنْ نقولَ: إنَّه عَلِمَ. وإما أنْ نقولَ: إنَّه لم يعلمْ. وإما أنْ نقولَ: لا ندري. فإن كان قد عَلِمَ فالاستدلالُ بهذه السُّنَّةِ واضحٌ، وإن عَلِمنا أنَّه لم يعلم فإننا نقول: إنَّ الله قد عَلِمَ، وإقرارُ اللهِ للشيء في زَمَنِ نزولِ الوحي دليلٌ على جَوازِه، وأنه ليس بمنكرٍ؛ لأنه لو كان منكراً لأنكرَه اللهُ، وإن كان الرسولُ لم يعلمْ به، ودليل ذلك:
أولاً: قول الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا *} [النساء] فأنكرَ اللهُ عليهم تبييتَهم للقولِ مع أنَّ الناسَ لا يعلمون به؛ لأنهم إنما بَيَّتوا أمراً منكراً، فدلَّ هذا على أن الأمرَ المنكرَ لا يمكن أن يَدَعَهُ الله، وإنْ كان الناسُ لا يعلمون به.
ثانياً: أن الصحابةَ استدلُّوا على جوازِ العَزْلِ بأنهم كانوا يَعزلون والقرآنُ ينزل. وهذا استدلالٌ منهم بإقرارِ الله تعالى.

َلاَ أَخْرَسَ،...........
قوله: «ولا أخرس» أي: ولا تصحُّ إمامةُ الأخرسِ. وظاهرُ كلامِهِ حتى بمثلِه، والأخرسُ هو الذي لا يستطيعُ النُّطقَ، وهو نوعان:
1 ـ خَرَسٌ لازمٌ.
2 ـ خَرَسٌ عارضٌ.
فاللازم: أن يكون ملازماً للمرءِ مِن صغرِه، والعارضُ هو الذي يحدثُ للمرءِ إما بحادثٍ، أو بمرضٍ، أو بغير ذلك.
وإذا كان لازماً؛ فالغالبُ أنَّه لا يَسمَعُ، وانتفاءُ السَّمْعِ سابقٌ على الخَرَسِ؛ لأنه إذا كان لا يَسمَعُ لا يمكن أن يتكلَّمَ؛ إذ لا يَسمَعُ شيئاً يقلِّدُه حتى يتكلَّم مثلَه، ولهذا إذا وُلِدَ الصَّبيُّ أصمَّ، ولم يفتحِ الله أذنيهِ فإنه يبقى أخرس.
أما الطارئ؛ فقد يكون الأخرسُ سميعاً، لكن طرأ عليه عِلَّةٌ منعته مِن الكلام.
وكلا النوعين لا يصحُّ أن يكون إماماً، لا بمثلِه ولا بغيرِه؛ لأنه لا يستطيع النُّطقَ بالرُّكنِ كقراءة الفاتحةِ، ولا بالواجبات كالتشهد الأول، ولا بما تنعقدُ به الصَّلاةُ، وهو تكبيرةُ الإِحرامِ؛ فيكون عاجزاً عن الأركانِ والواجباتِ، فلا يصحُّ أن يكون إماماً لمن هو قادرٌ على ذلك، وهذا التعليلُ قد يكون متوجِّهاً بالنسبةِ لكونه إماماً لِمَن هو قادرٌ على النُّطقِ، لكن بالنسبة لمَن هو عاجزٌ عن النُّطقِ، فهذا التَّعليلُ يكون عليلاً؛ وذلك لأنَّ العاجزَ عن النُّطقِ لا يفوقُه ولا يفضُله بشيء، فلماذا لا يصحُّ أن يكون إماماً له؟
ولهذا كان القولُ الراجحُ: أنَّ إمامةَ الأخرسِ تصحُّ بمثلِه وبمَن ليس بأخرس؛ لأنَّ القاعدةَ عندنا: أنَّ كلَّ مَن صحَّتْ صلاتُه صحَّتْ إمامتُه. لكن مع ذلك لا ينبغي أن يكون إماماً؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»وهذا لا يقرأ، لكن بالنسبة للصِّحَّةِ فالصحيحُ، أنَّها تصحُّ.

وَلاَ عَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ ...........
قوله: «ولا عاجز عن ركوع أو سجود» أي: ولا تصحُّ إمامةُ عاجزٍ عن ركوعٍ، مثل: أن يكون الشخصُ فيه آلامٌ في ظهرِه لا يستطيعُ أن يركعَ، فإنَّه لا يصحُّ أن يكونَ إماماً للقادرِ على الرُّكوعِ.
وأما العاجزُ عن الرُّكوعِ؛ فإنه يصحُّ أن يكون إماماً له؛ لتساويهما في العِلَّة.
والتعليل: أنَّ القادرَ على الرُّكوعِ أكملُ حالاً مِن العاجزِ عنه، ولا يصحُّ أن يكون العاجزُ إماماً للقادرِ، هذا ما ذهبَ إليه المؤلِّفُ، وهو المذهبُ.
وكذلك العاجزُ عن السُّجودِ، مثل: أن يكون الإِنسانُ قد عَمِلَ عمليةً لعينيه، يستطيع أن يركعَ ويقومَ ويقعدَ، ولكن لا يستطيع السُّجودَ إلا بإيماء، فلا يصحُّ أن يكونَ إماماً للقادر على السُّجودِ، ويصحُّ أن يكون إماماً للعاجز عنه.
والعِلَّةُ فيه؛ كالعِلَّةِ في العاجزِ عن الرُّكوعِ.
قوله: «أو قعود» أي: لا تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن القعودِ إلا بمثلِه.
والعِلَّةُ فيه: ما سَبَقَ في العاجزِ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ.
قوله: «أو قيام» أي: أنَّ العاجزَ عن القيامِ لا يصحُّ أن يكونَ إماماً للقادرِ عليه.
والعِلَّةُ فيه: ما سَبَقَ مِن أنَّه عاجز عن الإِتيان بالرُّكنِ، فحالُه دون القادرِ عليه، مع أنَّ صلاتَه صحيحةٌ، واستثنى المؤلِّفُ فقال:

إِلاَّ إِمَامَ الحَيِّ المَرْجُو زَوَالَ عِلَّتِهِ، وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوساً نَدْباً.
قوله: «إلا إمام الحي» هذا مستثنًى مِن الصُّورةِ الأخيرةِ، وهو قوله: «أو قيام» .
وقوله: «إلا إمام الحي» أي: الإِمامَ الراتبَ في المسجدِ.
والحيُّ: جمعُه أحياء، وهي الدُّور والحارات، فإذا كان لهذا المسجدِ إمامٌ راتبٌ عاجزٌ عن القيامِ فإنَّه يكون إماماً لأهلِ الحيِّ القادرين على القيام؛ لكن بشرطٍ بيَّنه المؤلِّفُ بـ:
قوله: «المرجو زوال علته» أي: بأن يكون عجزُه عن القيامِ طارئاً يُرجى زوالُه، بخلافِ العاجزِ عن القيامِ عجزاً مستمرًّا كالشيخِ الكبير، فإن الصَّلاةَ خلفَه لا تصحُّ.
والحاصلُ: أنَّ المؤلِّفَ رحمه الله أفادنا بهذه العبارات أنَّ مَن عَجِزَ عن رُكنِ القيامِ والقعودِ والركوعِ والسجودِ لا تصحُّ إمامتُه إلا بمثلِه، إلا القيامَ فتصحُّ إمامةُ العاجزِ عن القيامِ بقادرٍ عليه بشرطين:
1 ـ أنْ يكون العاجزُ عن القيام إمامَ الحَيِّ.
2 ـ أنْ تكون عِلَّتُه مرجوةَ الزَّوالِ، مثل: أن يطرأ عليه وَجَعٌ يُرجى زوالُه في ظهرِه أو بركبتِه، فهنا يصحُّ أن يؤمَّ لأهلِ الحَيِّ وإنْ كان عاجزاً عن القيامِ.
قوله: «ويصلون» الضَّميرِ يعودُ على أهلِ الحَيِّ.
قوله: «وراءه» أي: وراءَ إمامِ الحَيِّ الجالسِ.
قوله: «جلوساً» حال مِن فاعل يصلُّون.
قوله: «ندباً» أي: أنَّ هذا الحكمَ نَدْبٌ، وليس بواجبٍ، والنَّدْبُ السُّنَّةُ، أي: فالسُّنَّةُ أن يصلُّوا خلفَه جلوساً.
ودليلُ ذلك: قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به» إلى أن قال: «وإذا صلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صَلَّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون» . وهذا نصٌّ صريحٌ بأنَّ الصَّلاةَ خلفَ العاجزِ عن القيامِ بالقادرِ عليه صحيحةٌ، وأنَّه يصلِّي خلفَ إمامِهِ قاعداً اقتداءً بإمامِهِ.
وقوله: «ويصلون وراءه جلوساً ندباً» أفادنا رحمه الله: أنَّهم لو صَلُّوا وراءَه قياماً فصلاتُهم صحيحةٌ؛ لأنَّ السُّنَّةَ لا تَبطلُ الصَّلاةُ بِتَرْكِها.
وذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أن الصَّلاةَ خلفَه يجبُ أن تكون قعوداً.
واستدلُّوا لذلك بما يلي:
1 ـ قول الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا قعوداً» والأصلُ في الأمرِ الوجوبُ، لا سيَّما وأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم علَّلَ ذلك في أول الحديثِ بقولِهِ: «إنما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به».
2 ـ أنه لما صَلَّى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأصحابِهِ ذاتَ يومٍ، وكان عاجزاً عن القيامِ فقاموا، أشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا. فكونُه يُشيرُ إليهم حتى في أثناء الصَّلاةِ يدلُّ على أنَّ ذلك على سبيلِ الوجوبِ.
ونظيرُ هذا: أنَّه لمَّا قامَ عبدُ الله بنُ عبَّاسٍ يصلِّي معه عن يسارِه أخذَ برأسِهِ مِن ورائِهِ وجعلَه عن يمينِهِ . وقد قالوا: إنَّه لا يجوزُ أنْ يقفَ المأمومُ الواحدُ عن يسارِ الإِمامِ. فنقول: هذا مثلُه، بل هنا قَوْلٌ وهو أبلغُ مِن الفِعلِ وهو قوله: «إذا صلّى قاعداً فصَلُّوا قعوداً أجمعون» .
وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، أنَّ الإِمامَ إذا صلَّى قاعداً وَجَبَ على المأمومين أن يصلُّوا قعوداً، فإن صلُّوا قياماً فصلاتُهم باطلةٌ، ولهذا يُلغزُ بها فيقال: رَجُلٌ صَلَّى الفرضَ قائماً فبطلتْ صلاتُه، فمَنْ هو؟!
والجواب: هو الذي صَلَّى قائماً خلفَ إمامٍ يصلِّي قاعداً.
والمؤلِّفُ رحمه الله جَزَمَ بأن الإِمامَ إذا صَلَّى قاعداً فإنَّ المأمومين يصلُّون قعوداً، إلا أنَّه اشترطَ في ذلك شرطين.
وذهبَ كثيرٌ مِن أهلِ العلمِ إلى أنَّ الإِمامَ إذا صَلَّى قاعداً وَجَبَ على المأمومين القادرين على القيامِ أن يصلُّوا قياماً. فإنْ صلُّوا قعوداً بطلتْ صلاتُهم.
واستدلُّوا لذلك:
1 ـ أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم خَرَجَ في مَرَضِ موتِه والناسُ يصلُّون خلفَ أبي بكرٍ، فتقدَّمَ حتى جَلَسَ عن يسارِ أبي بكرٍ، فجعل يُصلِّي بهم عليه الصَّلاةُ والسَّلام قاعداً وهم قيام، هم يَقتدون بأبي بكرٍ، وأبو بكر يقتدي بصلاةِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنَّ صوتَه صلّى الله عليه وسلّم كان ضعيفاً لا يُسْمِعُ النَّاسَ، فكان أبو بكر يَسمَعُهُ؛ لأنه إلى جَنْبِهِ، فيرفعُ أبو بكرٍ صوتَه فيقتدي النَّاسُ بصلاةِ أبي بكرٍ .
قالوا: وهذا في آخرِ حياتِهِ، فيكون ناسخاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا صَلَّى قاعداً فصلُّوا قعوداً أجمعون». وناسخاً لإِشارته إلى أصحابه: «حين صلّى قاعداً فصلُّوا خلفَه قياماً فأشارَ إليهم أنِ اجلسوا» لأنَّه مِن المعروفِ أن المتأخِّرَ مِن سُنَّةِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم ينسخُ المتقدِّمَ.
2 ـ أنَّ القيامَ رُكنٌ على القادرِ عليه، وهؤلاء قادرون على القيامِ فيكون القيامُ في حقِّهم رُكناً.
ولكننا نقولُ: إنَّ هذا القولَ ضعيفٌ؛ وذلك لأنه لا يجوز الرجوعُ إلى النَّسخِ إلا عند تعذُّرِ الجمعِ، فإنَّ مِن المعلومِ عند أهلِ العِلمِ أنَّه يُشترط للنسخِ شرطان:
الشرط الأول: العلم بتأخُّرِ النَّاسخِ.
الشرط الثاني: أنْ لا يمكن الجمعُ بينَه وبين ما ادُّعِيَ أنه منسوخٌ.
وذلك أنك إذا قلتَ بالنَّسخِ ألغيتَ أحدَ الدَّليلينِ، وأبطلتَ حُكمَه. وإلغاءُ الدَّليلِ ليس بالأمرِ الهيِّنِ حتى نقولَ كلما أعيانا الجمعُ: هذا منسوخٌ. فهذا لا يجوز.
والجمعُ هنا ممكنٌ جداً، أشار إليه الإِمام أحمد رحمه الله فقال: «إنما بقيَ الصَّحابةُ قياماً، لأنَّ أبا بكرٍ ابتدأَ بهم الصَّلاةَ قائماً». وعلى هذا نقول: لو حَدَثَ لإِمام الحَيِّ عِلَّةٌ في أثناء الصَّلاةِ أعجزته عن القيام؛ فأكملَ صلاتَه جالساً، فإنَّ المأمومين يتمُّونَها قياماً. وهذا لا شَكَّ أنه جَمْعٌ حَسَنٌ واضح.
وعلى هذا؛ إذا صلّى الإِمامُ بالمأمومين قاعداً مِن أولِ الصَّلاةِ فليصلُّوا قعوداً، وإن صَلَّى بهم قائماً ثم أصابته عِلَّةٌ فجَلَسَ فإنَّهم يصلُّون قياماً، وبهذا يحصُلُ الجَمْعُ بين الدليلين، والجَمْعُ بين الدَّليلين إعمالٌ لهما جميعاً.
وقلنا: إنَّ المؤلِّفَ اشترط شرطين لصلاةِ المأمومينَ القادرينَ على القيامِ خلفَ الإِمامِ العاجزِ عنه.
الشرط الأول: أن يكون إمامَ الحي.
الشرط الثاني: أن تكون عِلَّتُه مرجوةَ الزوال.
ومِن المعلومِ أن القاعدة الأصولية: أن ما وَرَدَ عن الشارع مطلقاً فإنَّه لا يجوز إدخال أيِّ قيدٍ مِن القيود عليه إلا بدليل؛ لأنه ليس لنا أن نقيِّد ما أطلقه الشرعُ. وهذه القاعدةُ تفيدك كثيراً في مسائلَ؛ منها المسحُ على الخُفَّينِ، فقد أطلقَ الشارعُ المسحَ على الخُفَّينِ، ولم يشترط في الخُفِّ أن يكون مِن نوعٍ معيَّنٍ، ولا أن يكون سليماً مِن عيوبٍ ذكروا أنها مانعة مِن المسحِ كالخرق وما أشبهه، فالواجبُ علينا إطلاقُ ما أطلقَه الشرعُ؛ لأننا لسنا الذين نتحكَّمُ بالشرعِ، ولكن الشرعُ هو الذي يَحكمُ فينا، أمَّا أن نُدخِلَ قيوداً على أمْرٍ أطلقه الشرعُ فهذا لا شَكَّ أنه ليس مِن حَقِّنا، فلننظرْ إلى المسألة هنا، فقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سَجَدَ فاسجدوا، وإذا صَلَّى قائماً فصلّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون» هل هذه الأحكام التي جعلها الشارعُ في مسارٍ واحدٍ تختلفُ بين إمامِ الحيِّ وغيرِه أو لا؟
فهل نقولُ إذا كبّر إمام الحَيِّ فكبِّرْ، وإذا رَكَعَ فاركعْ، وإذا كَبَّرَ غيرُ إمامِ الحَيِّ فأنت بالخيارِ، وإذا رَكَعَ فأنت بالخيارِ؟
الجواب: لا، فالأحكامُ هذه كلُّها عامةٌ لإِمامِ الحَيِّ ولغيرِه، وعلى هذا يتبيَّنُ ضعفُ الشرطِ الأولِ الذي اشترطه المؤلِّفُ، وهو قوله: «إمام الحي» ونقول: إذا صَلَّى الإِمامُ قاعداً فنصلِّي قعوداً، سواء كان إمامَ الحَيِّ أم غيره، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله» فإذا كان هذا الأقرأُ عاجزاً عن القيام، قلنا: أنت إمامُنا فَصَلِّ بنا. وإذا صَلَّى بنا قاعداً فإننا نصلِّي خلفَه قُعوداً بأمرِه صلّى الله عليه وسلّم في كونه إمامَنا، وبأمره في كوننا نصلِّي قعوداً.
والشرط الثاني: المرجو زوال عِلَّتِهِ.
هذا أيضاً قيدٌ في أمرٍ أطلقَه الشارعُ، فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: إذا صَلَّى قاعداً وأنتم ترجون زوالَ عِلَّته فصلُّوا قعوداً، بل قال: «إذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون» وعلى هذا؛ فإننا نصلِّي قعوداً خلفَ الإِمامِ العاجزِ عن القيامِ، سواءٌ كان ممن يُرجى زوالُ عِلَّتِهِ، أو ممن لا يُرجى زوالُ عِلَّتِه.
والدليل: عمومُ النَّصِّ، فالدليلُ عامٌّ مطلقٌ، فإذا كان عاماً مطلقاً فليس لنا أن نخصِّصَهُ ولا أن نقيّدَه؛ لأننا عبيدٌ محكومٌ علينا، ولسنا بحاكمين، وليس هناك دليلٌ يدلُّ على هذا القيد مِن الكتابِ والسُّنَّةِ ولا الإِجماعِ، فإذا انتفى ذلك وَجَبَ أن يبقى النَّصُّ على إطلاقِهِ فلا يُشترطُ أن يكونَ عجزُ الإِمامِ عن القيامِ مرجوَّ الزَّوالِ.
مسألة: إذا قال قائلٌ: إذا كان الإِمامُ شيخاً كبيراً لا يُرجى زوالُ عِلَّتِهِ لزم مِن ذلك أن يبقى الجماعةُ يصلُّون دائماً قعوداً؟
الجواب: أننا نلتزمُ بهذا اللازمِ، ما دام هذا لازمُ قولِ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّ قولَ الرسولِ حَقٌّ، ولازمُ الحَقِّ حَقٌّ، ونحن إذا صلَّينا قعوداً مع قُدرتنا على القيامِ في جميع صلواتنا خلفَ الإِمامِ القاعدِ فقد صلَّينا بأمرِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فليس علينا ضَيرٌ، على أنَّ هذا لا يمكن أن يطَّرِدَ، أي: ليس كلُّ الناسِ يصلّون خلفَ هذا الإِمامِ جميع الصَّلواتِ، فقد تفوتهم الصَّلاةُ، ويصلّون فُرادى، أو مع جماعةٍ أُخرى، وقد يصلُّون في مسجدٍ آخر، وقد يُعذرون عن الحضور للجماعة فيصلُّون في بيوتهم، ولكن الأَولى أن يقوم بالإِمامةِ في هذه الحالِ مَن كان قادراً على القيامِ.
مسألة: العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ؛ هل تصحُّ الصلاةُ خلفَه؟
سبق أنَّ المذهبَ لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَه إلا بمثلِه.
ولكن الصحيحَ: أنَّ الصَّلاةَ خلفَه صحيحةٌ؛ بناءً على القاعدةِ؛ أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّتْ إمامتُه إلا بدليلٍ. لأن هذه القاعدةِ دلَّت عليها النصوصُ العامةُ؛ إلا في مسألة المرأةِ، فإنَّها لا تصحُّ أن تكون إماماً للرَّجُلِ، لأنَّها مِن جنسٍ آخرٍ.
وأيضاً: قياساً على العاجزِ عن القيام، فإنَّ صلاةَ القادرِ على القيامِ خلفَ العاجزِ عنه صحيحةٌ بالنصِّ، فكذلك العاجزُ عن الرُّكوعِ والسُّجودِ.
فإن قال قائل: إنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون»ولم يقلْ: إذا صَلَّى راكعاً فاركعوا، وإذا أومأ فأومِئوا؟
قلنا: إنَّ الحديثَ إنما ذَكَرَ القيامَ؛ لأنه وَرَدَ في حالِ العجزِ عن القيامِ، فالرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم خاطَبهم حين صَلَّى بهم قاعداً، فقاموا، ثمَّ أشارَ إليهم فجلسوا، فلهذا ذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم القيامَ كمثالٍ؛ لأن هذا هو الواقع.
فعليه نقول: إنَّ القولَ الراجحَ: أنَّ الصلاةَ خلفَ العاجزِ عن الركوعِ صحيحةٌ، فلو كان إمامُنا لا يستطيع الرُّكوعَ لأَِلَمٍ في ظهرهِ صلّينا خلفَه.
ولكن؛ هل إذا رَكَعَ بالإِيماءِ نركعُ بالإِيماءِ؟ أو نركعُ ركوعاً تاماً؟
الظاهر: أننا نركعُ ركوعاً تامًّا؛ وذلك لأنَّ إيماءَ العاجزِ عن الرُّكوعِ لا يغيرُ هيئةَ القيامِ إلا بالانحناءِ، بخلافِ القيامِ مع القعودِ.
وأيضاً: القيام مع القعودِ أشارَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى عِلَّتِه بأنَّنا لو قمنا وإمامُنا قاعدٌ كنَّا مشبهين للأعاجمِ الذين يقفون على ملوكهم. ولهذا جاءَ في بعضِ ألفاظِ الحديث: «إنْ كِدْتُم آنفاً لتفعَلُونَ فِعْلَ فارسَ والرُّومِ، يقومونَ على مُلُوكهم وهم قُعودٌ، فلا تفعلُوا، ائْتَموا بأئمتِكُم، إنْ صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً» . فإذا كان إمامُنا قاعداً، ونحن قيامٌ، صِرنا قائمين عليه، أما الرُّكوع، إذا عَجَزَ عنه وأومأ وركعنَا فإننا لا نُشبه العَجَمَ بذلك.
وكذلك في العَجْزِ عن السُّجودِ، الصحيحُ: أنه تصحُّ إمامةُ العاجزِ عن السُّجودِ بالقادرِ عليه، وهل المأمومُ في هذه الحالِ يومئُ بالسُّجودِ؟
الجواب: لا، بل يسجدُ سجوداً تاماً.
وكذا العاجزُ عن القعودِ، نصلِّي خلفَه مع قُدرتِنا على القعودِ، كما لو كان مريضاً لا يستطيع القعودَ ويصلِّي على جنبِه.
ولكن هل نضطجعُ؟
الجواب: لا، لأنَّ الأمرَ بموافقةِ الإِمامِ إنَّما جاءَ في القعودِ والقيامِ، وعلى هذا؛ فنصلِّي جلوساً وهو مضطجعٌ، وكذلك لو عَجَزَ عن القعودِ بين السجدتين مثلاً، أو عن القعودِ في التشهُّدِ فإننا نصلِّي خلفَه.
إذاً؛ فالصحيحُ: أننا نصلِّي خلفَ العاجزِ عن القيامِ والرُّكوعِ والسُّجودِ والقعودِ. وهذا القولُ هو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله. وهو الصحيحُ؛ بناءً على عموماتِ الأدلةِ كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله» وعلى القاعدة التي ذكرناها وهي: أنَّ مَن صحّتْ صلاتُه صحّت إمامتُه.

فَإِنْ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِماً ثُمَّ اعْتَلَّ فَجَلَسَ أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامَاً وُجُوباً ...........
قوله: «فإن ابتدأ» الضمير يعود على الإِمامِ.
قوله: «بهم» الضميرُ يعودُ على الجماعةِ.
قوله: «ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً» أي أصابتْهُ عِلَّةٌ فَجَلَسَ، فإنهم يصلّون خلفَه قياماً وجوباً.
مثال ذلك: إمامٌ يصلّي بالجماعةِ، وفي أثناء القيامِ أصابه وَجَعٌ في ظهرِه، أو في بطنِه فَجَلَسَ، وأتمَّ بهم الصَّلاةَ جالساً، فالجماعةُ يلزمهم أن يُتمّوا الصَّلاةَ قياماً ولا يجوز لهم الجلوسُ.
والدَّليلُ: فِعْلُ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في مرضِ موتِهِ «حين دَخَلَ المسجدَ وأبو بكرٍ يصلِّي بالناسِ، قد ابتدأ بهم الصلاةَ قائماً، فَجَلَسَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى يسارِ أبي بكرٍ، وبقي أبو بكرٍ قائماً. يُصلّي أبو بكرٍ بصلاةِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ويصلّي الناسُ بصلاةِ أبي بكرٍ. ولم يأمرهم النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بالجلوس» .
وهذا الدليلُ هو الذي أجابَ به الإِمامُ أحمدُ جامعاً بينه وبين حديث: «إذا صلّى قاعداً فصلُّوا قعوداً». وعلى هذا؛ فيكون عمومُ قوله: «إذا صلَّى قاعداً فصلُّوا قعوداً» مخصوصاً بهذه الحالِ: إذا ابتدأ بهم قائماً أتمُّوا قياماً.

وَتَصِحُّ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ بِمِثْلِهِ.
وقوله: «وتصح خلف من به سلس البول بمثله» سَلَسُ البولِ، أي: استمرارُه وعدمُ انقطاعِه، ولا يستطيعُ منعَه، وذلك أن الإِنسانَ قد يُبتلى بدوامِ الحَدَثِ مِن بولٍ أو غائطٍ أو ريحٍ، وهذا لا شَكَّ أنه مَرَضٌ؛ لا يَعرفُ قَدْرَ نِعمةِ اللهِ على الإِنسانِ بالسلامةِ منه إلا مَن أُصيبَ به. وكيف يتوضَّأ ويصلّي مَن ابتُليَ بهذا المرضِ؟
الجواب: أنَّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَكُلُّ الدِّينِ ـ ولله الحمد ـ يُسْرٌ، وكيفيَّةُ وُضوءِ وصلاةِ هذا: أن نقول له: إذا دَخَلَ الوقتُ فاغسِلْ فَرْجَكَ، وتحفَّظْ، أي: اجعلْ على فرجِكَ حفَّاظةً تمنع مِن تسرُّبِ البولِ وانتشارِه في جسدِكَ وفي ثيابِك، ثم توضَّأ وُضُوءَكَ للصَّلاةِ، ثم صَلِّ ما شئتَ فروضاً ونوافل وإنْ خرجَ الوقت، لأنَّه ليس هناك دليلٌ على أنَّ خروجَ الوقتِ يُبطِلُ الوضوءَ فيمَن حَدَثُه دائمٌ، لكن إذا دخَلَ وقتُ صلاةٍ مؤقَّتةٍ فإننا نقول: توضَّأ؛ لقولِ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام للمستحاضة: «توضَّئي لكلِّ صلاة» . والأصلُ بقاءُ الطَّهارةِ حتى يقومُ دليلٌ على بُطلانِها .
وصلاتُه مأموماً بإمامٍ سليمٍ مِن هذا المرضِ صحيحةٌ، وصلاتُه إماماً بمصابٍ بهذا المرضِ صحيحةٌ، هاتان صورتان.
الصورةُ الثالثةُ: صلاتُه إماماً بمَن هو سليمٌ مِن هذا المرضِ فمفهومُ كلامِ المؤلِّفِ؛ أنَّها لا تصحُّ، فإذا صَلَّى مَنْ به سلسُ البولِ إماماً بمَن هو سالمٌ مِن هذا المرضِ، فصلاةُ المأمومِ باطلةٌ وصلاةُ هذا أيضاً باطلةٌ؛ لأنَّه نَوى الإِمامةَ بمَن لا يصحُّ ائتمامُه به إلا أنْ يكون جاهلاً بحاله.
والعلَّةُ في عدمِ صحَّةِ إمامتِه: أنَّ حالَ مَن به سَلسُ البولِ دون حالِ مَن سَلِمَ منه، ولا يمكن أن يكون المأمومُ أعلى حالاً مِن الإِمامِ.
والقول الصحيحُ في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ.
ودليلُ ذلك: عمومُ قولِه صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه.
وقولهم: إنَّ المأمومَ لا يكون أعلى حالاً مِن الإِمام مُنتقضٌ بصحَّةِ صلاةِ المتوضئِ خلفَ المُتَيمِّمِ، وهم يقولون بذلك مع أنَّ المتوضئَ أعلى حالاً، لكن قالوا: إنَّ المتيمِّمَ طهارتُه صحيحةٌ. ونقول: ومَن به سَلَسُ البولِ طهارتُه أيضاً صحيحةٌ.

وَلاَ تَصِحُّ خَلْفَ مُحْدِثٍ وَلاَ مُتَنَجِّسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ،...........
قوله: «ولا تصح خلف محدث ولا متنجس يعلم ذلك...» .
هاتان مسألتان:
المسألة الأولى: الصلاةُ خلفَ المُحدثِ فتصحُّ بشرطِ أن يكونَ الإِمامُ والمأمومُ جاهلين بذلك حتى تتمَّ الصلاةُ.
مثال ذلك في الحَدَثِ الأصغرِ:
إمامٌ أَكَلَ لحمَ إبلٍ، ولم يعلمْ أنَّه لَحْمُ إبلٍ فصلَّى بالجماعةِ وهم لا يعلمون أنَّه أَكَل ذلك، فلما انتهتِ الصلاةُ عَلِمَ أنَّ اللَّحمَ الذي أَكَلَه لَحْمُ إبلٍ. فهنا لا يعيدُ المأمومون صلاتَهم، والإِمامُ يعيدُ الصَّلاةَ. أما الإِمامُ فلأنه صَلَّى بغيرِ وضوءٍ، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقبلُ اللهُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأ» .
وأما المأمومُ فعُذْرُه ظاهرٌ؛ لأنَّه لا يعلمُ الغيبَ، ولا يكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وسعَها.
فإن عَلِمَ أنه مُحدثٌ في أثناء الصَّلاةِ فإنَّ صلاتَه تبطلُ، والمرادُ أنه تبيَّن عدمَ انعقادِها، وصلاةُ المأمومين تبطلُ أيضاً.
أما بُطلانُ صلاتِه فظاهرٌ؛ لأنه تبيَّن أنه على غيرِ وُضُوءِ، فتبيَّن أنَّ صلاتَه لم تنعقدْ.
وأما صلاةُ المأمومين؛ فلأنَّه تبيَّن أنَّهم اقتدوا بمَن لا تصحُّ صلاتُه فبطلت صلاتُهم؛ لأنَّ صلاتَهم مبنيَّةٌ على صلاةِ إمامِهم، فإذا بَطلتْ صلاةُ الإِمامِ بَطلتْ صلاةُ المأمومِ.

فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالمَأْمُومُ حَتَّى انْقَضَتْ صَحَّتْ لِمَأْمُوم وَحْدَه.
فإن عَلِمَ واحدٌ مِن المأمومينَ؛ والباقون لم يعلموا؛ لا الإِمام ولا بقية المأمومين بَطلتْ صلاتُهم جميعاً؛ لقول المؤلِّفِ: «فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحّت لمأموم وحده» أي: بحيثُ لا يعلمُ أحدٌ مِن المأمومينَ أنه على غيرِ وُضُوءٍ، فإن عَلِمَ واحدٌ ولو في أثناءِ الصَّلاةِ بطلتْ صَلاةُ الجميعِ، وهذا الحكمُ الثاني ليس له عِلَّةٌ واضحةٌ أنه إذا عَلِمَ واحدٌ مِن المأمومينَ أعادَ الكُلُّ، أما الحكمُ الأولُ فله عِلَّةٌ سبق ذكرُها.
ومثالُ ذلك في الحَدَثِ الأكبر: رَجُلٌ استيقظَ مِن نومِه، فتوضَّأ وذهب يصلِّي إماماً، وبعد انتهائِه مِن الصَّلاةِ رأى عليه أَثَرَ جنابةٍ، ولكن كان جاهلاً بها، فهنا نقول: المأمومون صلاتُهم صحيحةٌ.
أما هو؛ فإنه يعيدُ الصلاةَ، فإنْ عَلِمَ هو أو أحدٌ مِن المأمومينَ في أثناءِ الصَّلاةِ، فالصَّلاةُ باطلةٌ.
والصحيح في هذه المسألة: أنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ بكُلِّ حالٍ، إلا مَن عَلِمَ أنَّ الإِمامَ مُحدِثٌ.
وذلك لأنهم كانوا جاهلين، فهم معذورون بالجهلِ، وليس بوسعِهم ولا بواجبٍ عليهم أن يسألوا إمامَهم: هل أنت على وُضُوءٍ أم لا؟ وهل عليك جنابةٌ أم لا؟ فإذا كان هذا لا يلزمُهم وصَلَّى بهم وهو يعلم أنه مُحدثٌ، فكيف تَبطلُ صلاتُهم؟!!
وههنا قاعدةٌ مهمَّةٌ جداً وهي: «أنَّ مَن فَعَلَ شيئاً على وَجْهٍ صحيحٍ بمقتضى الدَّليلِ الشَّرعي، فإنَّه لا يمكن إبطالُه إلا بدليلٍ شرعيٍّ» ، لأننا لو أبطلنا ما قامَ الدليلُ على صحَّتِهِ لكان في هذا قولٌ بلا عِلْمٍ على الشرعِ، وإعناةٌ للمكلف ومشقَّةٌ عليه، فهم فعلوا ما أُمِرُوا به مِن الاقتداء بهذا الإِمامِ، وما لم يكلَّفوا به فإنَّه لا يلزمهم حُكمه.
وعلى هذا؛ فالصحيحُ أن صلاة المأمومين مع جهلهم بحاله صحيحةٌ بكلِّ حال حتى وإنْ كان الإِمامُ عالماً؛ لأنَّه أحياناً يكون الإِمام محدثاً، لكن لا يذكرُ إلا وهو يصلِّي، ثم يستحي أنْ ينصرفَ، وهذا حرامٌ عليه لا شَكَّ، لكن قد تقعُ مِن بعضِ الجُهالِ، فإذا ذَكَرَ الإِمامُ في أثناءِ الصَّلاةِ أنَّه محدثٌ، أو عَلِمَ أنه مُحدِثٌ وَجَبَ عليه الانصرافُ، ويستخلفُ مَن يُكملُ بهم الصَّلاةَ؛ لأن عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه لمَّا طَعَنَهُ أبو لؤلؤة المجوسيُّ، غلامُ المغيرةِ، بعدَ أنْ شَرَعَ في صلاةِ الصُّبحِ، تناولَ عُمرُ يَدَ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ فقدَّمَهُ، فصلَّى بهم صلاةً خفيفةً وهذا بحَضْرةِ الصَّحابةِ رضي الله عنهم، فإنْ لم يفعلْ وانصرفَ، فللمأمومينَ الخِيارُ بين أن يُقدِّموا واحداً منهم يُكملُ بهم الصَّلاةَ، أو يتمُّوها فُرادى؛ لأنَّ إمامَهم ذَهَبَ ولم يستخلفْ.
المسألة الثانية: الصلاةُ خلفَ المتنجِّس، وقد جَعَلَ المؤلِّفُ رحمه الله حكمها كحكم الصَّلاةِ خلفَ المحدث.
فإذا صَلَّى الإِمامُ بنجاسةٍ يجهلُها هو والمأمومُ، ولم يعلمْ بها حتى انتهتِ الصَّلاةُ، فإنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ؛ لأنَّهم معذورون بالجهلِ، وأما الإِمامُ فلا تصحُّ صلاتُه فيجبُ أن يغسلَ النجاسةَ التي في ثوبِهِ أو على بدنِهِ، ثم يعيدُ الصَّلاةَ؛ لأنَّ مِن شَرْطِ صحَّةِ الصَّلاةِ اجتنابَ النجاسةِ. والقاعدةُ: أنه إذا تخلَّفَ الشرطُ تخلَّفَ المشروطُ.
فإنْ عَلِمَ في أثناءِ الصَّلاةِ وَجَبَ عليه أن يستأنفَ الصَّلاةَ هو والمأمومون بعد إزالةِ النجاسةِ. هذا هو الذي يقتضيه كلام المؤلِّفِ.
والقولُ الصَّحيحُ في هذه المسألةِ: أنه إذا جَهِلَ الإِمامُ النجاسةَ هو والمأمومُ حتى انقضتِ الصَّلاةُ فصلاتُهم جميعاً صحيحةٌ، والعذرُ للجميع الجهلُ، والمصلِّي بالنَّجاسةِ جاهلاً بها على القولِ الرَّاجحِ ليس عليه إعادةٌ، وكذلك لو عَلِمَ بها لكن نسيَ أن يغسِلَها فإن صلاتَه على القول الرَّاجحِ صحيحةٌ .
ومِن هنا يتَّضحُ الفرقُ بين هذه والتي قبلَها على القول الرَّاجحِ: أنه إذا جَهِلَ المصلِّي بالحدثَ أعادَ الصلاةَ، ولا يعيدُ الصَّلاةَ إذا كان جاهلاً بالنجاسةِ. والفَرْقُ بينهما: أنَّ الوُضُوءَ مِن الحَدَثِ مِن بابِ فِعْلِ المأمورِ، واجتنابَ النَّجاسةِ مِن بابِ تَرْكِ المحظورِ، فإذا فَعَلَهُ جاهلاً فلا يلحقُه حكمُه.
ويدلُّ لهذا القولِ الرَّاجِحِ: «أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بأصحابِه ذاتَ يومٍ وعليه نعلاه فَخَلَعَهُما، فَخَلَعَ الصحابةُ نعالَهم، فلمَّا انصرفَ سألهم: لماذا خلعوا نِعالهم؟ قالوا: رأيناكَ خلعتَ نعليكَ فخلعنا نِعالنا، فقال: إنَّ جبريلَ أتاني فأخبرني أنَّ فيهما قَذَراً فَخَلَعتُهما» ، وهذا صريحٌ في أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان قد لَبِسَ نعليه قذرتين، لكنه لم يكن عالماً بذلك، ولو كانتِ الصَّلاةُ تبطلُ مع الجهلِ لاستأنفَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم صلاتَه.
وعلى هذا؛ إنْ عَلِمَ الإِمامُ في أثناءِ الصَّلاةِ بالنجاسةِ، فإنْ كان يمكنه إزالتها أزالها، وإنْ كان لا يمكنه انصرفَ، وأتمَّ المأمومون صلاتَهم.
مثال ذلك: لو كانت النجاسةُ في نعليه، أو كانت في «غُترتِه» أو كانت في قميصِه وعليه سراويل فهذه يمكن إزالتها، فيخلعُ القميصَ ولا يبقى عليه إلا السراويلُ، وسيستغرب المصلُّون، ولكن لا يضرُّ ولا حَرَجَ، والذي ينبغي أنْ يَفعلَ الإنسانُ الشيءَ المشروعَ، والناسُ إذا استنكروه أوَّلَ مرَّةٍ، فلن يستنكروه في المرَّةِ الثانيةِ.
لكن إنْ خشيَ مذمَّةً مِن العامَّةِ فلا حَرَجَ عليه أنْ ينصرفَ مِن صلاتِهِ.

وَلاَ إِمَامَةُ الأُمِّيِّ وَهُوَ: مَنْ لاَ يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ،..........
قوله: «ولا إمامة الأمي وهو: من لا يحسن الفاتحة» ، أي: لا تصحُّ إمامةُ الأُمِّي.
والأُمِّيُّ: نسبةً إلى الأم، والإِنسانُ إذا خَرَجَ مِن أُمِّهِ فهو لا يَعلمُ شيئاً، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] .
والأُمِّيُّ لُغةً: مَنْ لا يقرأ ولا يكتبُ ؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2] ، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} فيقرؤون {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} فيكتبون.
وقال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ} [الأعراف: 158] ، وقال في تفسير ذلك: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] .
والأُمِّيُّ في الاصطلاح هنا: مَن لا يُحسنُ الفاتحةَ، يعني: لا يُحسنُ قراءتَها لا حِفظاً ولا في المصحفِ، ولو كان يقرأ كُلَّ القرآنِ ولا يُحسنُ الفاتحةَ فهو أُمّيّ.
والفاتحةُ: سورةُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} [الفاتحة] وسُمِّيت فاتحةٌ؛ لأنه افْتُتِحَ بها القرآنُ الكريمُ، ولها أسماءٌ متعدِّدةٌ.

أَوْ يُدْغِمُ فِيْهَا مَا لاَ يُدْغَمُ، أَوْ يُبدلُ حَرْفاً، ...........
قوله: «أو يدغم فيها ما لا يدغم» أي: يُدغِمُ في الفاتحةِ ما لا يُدْغَمُ.
والإِدغامُ عند العلماءِ: كبير، وصغير. فإذا أدغمتَ حرفاً بمثلِهِ فهذا إدغامٌ صغيرٌ.
وإذا أدغمتَ حَرْفاً بما يقاربه، فهو إدغامٌ كبيرٌ.
وإذا أدغمتَ حَرْفاً بما لا يقارِبُه ولا يماثِلُه، فهو غَلَطٌ.
مثال ذلك: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} فَيُدغمُ الهاءَ بالرَّاءِ. فهذا إدغامٌ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الهاءَ بعيدةٌ مِن الرَّاءِ، فهذا أُمِّيٌّ حتى ولو كان لا يستطيع إلا هذا.
وجه ذلك: أنَّه إذا أدْغَمَ فيها ما لا يُدْغَمُ فقد أسقطَ ذلك الحرفِ المُدْغَمِ.
أما إدغامُ المتقاربينِ فمثل: إدغامُ الدَّال بالجيم «قد جّاءكم» وهذه فيها قِراءة، والقِراءةُ المشهورةُ هي التحقيقُ «قد جَاءكم»، لكن لو كان يقولُ «قد جّاءكم» بإدغامِ الدَّالِ في الجيمِ، فإنه لا يُعَدُّ أُمِّيًّا، لكن ليس في الفاتحةِ مثل «قد جاءكم».
قوله: «أو يبدل حرفاً» أي: يُبدل حرفاً بحرفٍ، وهو الألتغُ، مثل: أنْ يُبدِلَ الرَّاءَ باللام، أي: يجعلَ الرَّاءَ لاماً فيقول: «الحمدُ لله لَبِّ العالمين» فهذا أُمِّيٌّ؛ لأنه أبدلَ حرفاً مِن الفاتحة بغيرِه.
ويُستثنى مِن هذه المسألةِ: إبدالُ الضَّادِ ظاءً فإنَّه معفوٌّ عنه على القولِ الرَّاجحِ وهو المذهبُ، وذلك لخَفَاءِ الفَرْقِ بينهما، ولا سيَّما إذا كان عاميَّاً، فإنَّ العاميَّ لا يكادُ يُفرِّقُ بين الضَّادِ والظَّاءِ، فإذا قال: «غير المغظوب عليهم ولا الظالين» فقد أبدلَ الضَّادَ وجعلها ظاءً، فهذا يُعفى عنه لمشقَّةِ التَّحرُّز منه وعُسْرِ الفَرْقِ بينهما لا سيَّما مِن العوامِ.
فالإِبدال كما يلي:
1 ـ إبدالُ حَرْفٍ بحَرْفٍ لا يماثلُه. فهذا أُمِّيٌّ.
2 ـ إبدالُ حَرْفٍ بما يقارِبُه، مثل: الضَّاد بالظَّاءِ. فهذا معفوٌّ عنه.
3 ـ إبدالُ الصَّادِ سيناً، مثل: السراط والصراط، فهذا جائزٌ بل ينبغي أنْ يقرأَ بها أحياناً، لأنها قِراءةٌ سبعيَّةٌ، والقِراءة السبعيَّةُ ينبغي للإِنسانِ أنْ يقرأَ بها أحياناً، لكن بشرط أن لا يكون أمامَ العامَّةِ، لأنك لو قرأتَ أمامَ العامَّةِ بما لا يعرفون لأنكروا ذلك، وَشَوَّشْتَ عليهم.

أَوْ يَلْحَنُ فِيْهَا لَحْناً يُحِيلُ المَعْنَى ..........
قوله: «أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى» أي: يَلْحَنَ في الفاتحةِ لحناً يُحيلُ المعنى.
واللَّحنُ: تغييرُ الحركات، سواءٌ كان تغييراً صرفياً أو نحوياً، فإن كان يغيِّرُ المعنى، فإن المُغيِّرَ أُمِّيٌّ، وإنْ كان لا يغيِّرُه فليس بأُمِّيٍّ، فإذ قال: (الحمد لله ربَ العالمين) بفتح الباء، فاللَّحنُ هذا لا يُحيلُ المعنى، وعلى هذا؛ فليس بأُمِّيٍّ فيجوز أن يكون إماماً بمَن هو قارئٌ، وإذا قال: (أَهدنا الصراط المستقيم) بفتح الهمزة فهذا يُحيل المعنى؛ لأن «أهدنا» مِن الإِهداء، أي: إعطاء الهديَّة: {اهْدِنَا} [الفاتحة] بهمزة الوصل مِن الهدايةِ، وهي الدّلالة والتوفيق، ولو قال: «إياكِ نعبد» بكسر الكاف فهذه إحالةٌ شديدةٌ فهو أُمِّيٌّ، ولو قال: «صراط الذين أنعمتُ عليهم» بضم التاء فهذا يُحيلُ المعنى أيضاً.
ولو قال: «إياكَ نعبَد» بفتح الباء فهذا لا يُحيلُ المعنى. وكذا: «إياك نستعينَ» بفتح النون الثانية فهذا لا يُحيلُ المعنى، وليس معنى ذلك جوازُ قِراءةِ الفاتحةِ ملحونةً؛ فإنَّه لا يجوز أنْ يَلْحَنَ ولو كان لا يُحيلُ المعنى، لكن المرادُ صِحَّةُ الإِمامةِ.

إِلاَّ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلاَحِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ.
قوله: «إلا بمثله» أي: إذا صَلَّى أُمِّيٌّ لا يَعرفُ الفاتحةَ بأُمِّيٍّ مثله فصلاتُه صحيحةٌ لمساواتِه له في النَّقْصِ، ولو صَلَّى أُمِّيٌّ بقارئ فإنَّه لا يَصحُّ، وهذا هو المذهبُ.
وتعليل ذلك: أنَّ المأمومَ أعلى حالاً مِن الإِمامِ، فكيف يأتمُّ الأعلى بالأدنى.
والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد: أنه يَصحُّ أن يكون الأُمِّيُّ إماماً للقارئ، لكن ينبغي أنْ نتجنَّبَها؛ لأنَّ فيها شيئاً مِن المخالفةِ لقول الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»ومراعاةً للخِلافِ.
قوله: «وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته» أي: إنْ قَدِرَ الأُمِّيُّ على إصلاح اللَّحنِ الذي يُحيلُ المعنى ولم يُصلِحْهُ فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ، وإن لم يَقْدِرْ فصلاتُه صحيحةٌ دون إمامتِه إلا بمثلِه.
ولكن الصحيحُ: أنَّها تصحُّ إمامتُه في هذه الحالِ؛ لأنَّه معذورٌ لعجزِه عن إقامةِ الفاتحةِ وقد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} ويوجد في بعضِ الباديةِ مَن لا يستطيعُ أنْ ينطِقَ بالفاتحة على وَجْهٍ صحيحٍ، فرُبَّما تسمعُه يقرأ «أَهدنا» ولا يمكن أنْ يقرأَ إلا ما كان قد اعتادَه، والعاجزُ عن إصلاح اللَّحنِ صلاتُه صحيحةٌ، وأما مَن كان قادراً فصلاتُه غيرُ صحيحةٍ، كما قال المؤلِّف، إذا كان يُحيلُ المعنى.

وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ ............
قوله: «وتكره إمامةُ اللَّحَّان» واللَّحَّانُ: كثيرُ اللَّحْنِ، والمرادُ في غيرِ الفاتحةِ، فإنْ كان في الفاتحةِ وأحَالَ المعنى صارَ أُمِّيًّا لا تَصِحُّ إمامتُه على المذهبِ، لكن إذا كان كثيرَ اللَّحْنِ في غيرِ الفاتحةِ فإمامتُه صحيحةٌ، إلا أنَّها تُكره.
والدليلُ: قولُ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»، وهذا خَبَرٌ بمعنى الأمرِ، فإذا كان خبراً بمعنى الأمر فإنَّه إذا أمَّهم مَن ليس أقرأهم فقد خالفوا أَمْرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد ذَكَرَ الإِمامُ أحمدُ رحمه الله حديثاً لكنه لم يذكرْ سَنَدَه وهو: «إذا أَمَّ الرَّجُلُ القومَ وفيهم مَن هو خيرٌ مِنه لم يزالوا في سَفَالٍ» لأنهم انحطُّوا فَحَطَّ الله قَدْرَهم.

والفَأْفَاءِ وَالتَّمْتَامِ، وَمَنْ لاَ يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ، .............
قوله: «والفأفاء» يعني تُكره إمامةُ الفَأْفَاء: وهو الذي يُكرِّرُ الفاءَ، أي: إذا نَطَقَ بالفاءِ كرَّرها.
قوله: «والتمتام» وهو مَن يُكرِّرُ التاءَ، ومِن النَّاسِ مَن يُكرِّرُ الواو أو غيرها.
وعلى كُلٍّ؛ فالذي يُكرِّرُ الحروفَ تُكرَه إمامتُه مِن أجلِ زيادةِ الحَرْفِ، ولكن لو أمَّ النَّاسَ فإمامتُه صحيحةٌ.
قوله: «ومن لا يفصح ببعض الحروف» أي: يخفيها بعضَ الشيءِ، وليس المرادُ أنَّه يُسقِطُها؛ لأنه إذا أسقطَها فإنَّ صلاتَه لا تَصِحُّ إذا كان في الفاتحة لنُقصانِها، أما إذا كان يَذكرُها، ولكن بدون إفصاحٍ؛ فإنَّ إمامتَه مكروهةٌ.
ولم يذكرِ المؤلِّفُ كراهةَ إمامةِ مَن لا يقرأُ بالتَّجويدِ؛ لأنَّه لا تُكره القِراءةُ بغيرِ التَّجويدِ.
والتَّجويدُ مِن بابِ تحسين الصَّوتِ بالقرآنِ، وليس بواجبٍ، إنْ قرأَ به الإِنسانُ لتحسينِ صوتِه فهذا حَسَنٌ، وإنْ لم يقرأْ به فلا حَرَجَ عليه ولم يفته شيءٌ يأثم بتركِهِ، بل إنَّ شيخَ الإِسلامِ رحمه الله ذمَّ أولئك القومَ الذين يعتنون باللَّفظِ، ورُبَّما يكرِّرونَ الكلمةَ مرَّتين أو ثلاثاً مِن أجل أن ينطِقُوا بها على قواعد التَّجويدِ، ويَغْفُلُونَ عن المعنى وتدبُّرِ القرآنِ.

وَأَنْ يَؤُمَّ أَجْنَبِيَّةً فَأَكْثَرَ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ،...........
قوله: «وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن» أي: يُكرَه أنْ يؤمَّ أجنبيةً فأكثر. والأجنبيةُ مَن ليست مِن مَحارِمِهِ.
وكلامُ المؤلِّف يحتاجُ إلى تفصيل:
فإذا كانت أجنبيةٌ وحدَها، فإن الاقتصار على الكراهة فيه نَظَرٌ ظاهرٌ إذا استلزم الخَلوةَ، ولهذا استدلَّ في «الرَّوض» بأن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهى أنْ يخلوَ الرَّجُلُ بالأجنبيةِ ولكننا نقول: إذا خَلا بها فإنَّه يحرُمُ عليه أن يَؤمَّها، لأنَّ ما أفضى إلى المُحَرَّمِ فهو محرَّمٌ.
أما قوله: «فأكثر» أي: أن يَؤمَّ امرأتين، فهذا أيضاً فيه نَظَرٌ مِن جهة الكراهة. وذلك لأنَّه إذا كان مع المرأة مثلُها انتفت الخَلوة، فإذا كان الإِنسانُ أميناً فلا حَرَجَ أن يؤمَّهُمَا، وهذا يقع أحياناً في بعضِ المساجدِ التي تكون فيها الجماعةُ قليلةٌ، ولا سيَّما في قيامِ الليلِ في رمضان، فيأتي الإِنسانُ إلى المسجدِ ولا يجدُ فيه رِجالاً؛ لكن يجدُ فيه امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً في خَلْفِ المسجدِ، فعلى كلام المؤلِّفِ يُكره أنْ يبتدئَ الصَّلاةَ بهاتين المرأتين أو الثلاث أو الأربع.
والصحيح: أن ذلك لا يُكره، وأنَّه إذا أمَّ امرأتين فأكثر، فالخَلوةُ قد زالت ولا يُكره ذلك، إلا إذا خَافَ الفِتنةَ، فإنْ خَافَ الفِتنةَ فإنَّه حرامٌ؛ لأنَّ ما كان ذريعةً للحرامِ فهو حرامٌ.
وعُلِمَ مِن قوله: «لا رجل معهنَّ» أنَّه لو كان معهنَّ رَجُلٌ فلا كراهةَ وهو ظاهرٌ.

أَوْ قَوْماً أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ..............
قوله: «أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق» أي: يُكره أنْ يَؤمَّ قوماً أكثرهم يكرهه بحَقٍّ.
ودليلُ ذلك: حديثُ «ثلاثةٌ لا تُجَاوِزُ صلاتُهم آذانَهم: العبدُ الآبقُ حتى يرجعَ، وامرأةٌ بَاتَتْ وزوجُها عليها سَاخِطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون»، فقوله: «لا تُجاوِزُ صلاتُه آذانَهم: أي: لا تُرفعُ ولا تُقبلُ، وهذا الحديثُ ضعيفٌ، ولو صَحَّ لكان فيه دليلٌ على بُطلان الصَّلاةِ، ومِن ثَمَّ قال الفقهاءُ بالكراهةِ. وقد ذَكَرَ ابنُ مفلح رحمه الله في« النكت على المحرر» أنَّ الحديثَ إذا كان ضعيفاً؛ وكان نهياً فإنَّه يُحملُ على الكراهةِ، لكن بشرط أنْ لا يكون الضَّعفُ شديداً، وإذا كان أمراً فإنَّه يُحملُ على الاستحبابِ.
فالحديثُ لضعفِهِ لم يكن موجباً للحُكم الذي يقتضيه لفظه، لو ردَّوه كان مثيراً للشك، فكان الاحتياطُ أنْ نجعلَ حكمَه بين بين.
وقوله: «أكثرهم يكرهه بحق» .
أفادنا المؤلِّفُ: أنَّه لو كان الأقلُّ يكرهه، فلا عبرةَ به.
وأفادنا قوله: «بِحَقٍّ» أنَّهم لو كرهوه بغير حَقٍّ، مثل: لو كرهوه لأنَّه يَحْرِصُ على اتِّباعِ السُّنَّةِ في الصَّلاةِ فيقرأ بهم السُّورَ المسنونةَ، ويُصلِّي بهم صلاةً متأنيةً، فإن إمامتَه فيهم لا تُكره؛ لأنَّهم كرهوه بغيرِ حَقٍّ فلا عِبرةَ بكراهتهم. لكن؛ ظاهرُ الحديثِ الكراهةُ مطلقاً، وهذا أصحُّ؛ لأنَّ الغَرَضَ مِن صلاةِ الجماعةِ هو الائتلافُ والاجتماعُ وإذا كان هذا هو الغَرضُ؛ فمِنَ المعلومِ أنَّه لا ائتلافَ ولا اجتماعَ إلى شخصٍ مكروهٍ عندَهم، وينبغي له إذا كانوا يكرهونَه بغير حَقٍّ أنْ يَعِظَهُم ويُذكِّرَهم ويتألَّفَهم؛ ويُصلِّيَ بهم حسب ما جاءَ في السُّنَّةِ، وإذا عَلِمَ اللهُ مِن نِيَّتِهِ صِدْقَ نِيَّةِ التأليفِ بينهم يَسَّرَ اللهُ له ذلك.

وَتَصِحُّ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دِينُهُمَا،............
قوله: «وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما» ولد الزِّنا خُلِقَ مِن ماءٍ سِفاحٍ لا نِكاحٍ، فلا يُنسبُ لأحدٍ، لا للزَّاني ولا لزوجِ المرأةِ إنْ كانت ذاتَ زوجٍ؛ لأنه ليس له أَبٌ شرعيٌّ. ولكن؛ هل له أبٌ قَدَريٌّ؟
الجواب: نعم، له أَبٌ قَدَريٌّ لا شَكَّ؛ لأنه خُلِقَ مِن ماءِ الرَّجُلِ الزَّاني.
فَوَلَدُ الزِّنا قد يكون سليمَ العقيدةِ مستقيمَ الدِّينِ. فيكون كغيره يَثبتُ له ما يثبتُ لِغيرِه، ولهذا قال المؤلِّفُ: «تصحُّ إمامتُه» ولا تُكره لعمومِ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ».
والجُنديُّ أيضاً تَصِحُّ إمامتُه ولا تُكره، وهو الشرطيُّ، حتى ولو كان في لِبَاسِهِ العسكريِّ؛ لأنه رَجُلٌ مِن المسلمين، بل قد نقول: إنَّه قامَ بعملِ مصلحةٍ عامةٍ، فيكون مِن هذا الوجه أحسنَ عملاً مِن الذي يَعملُ عملاً لمصلحةٍ خاصَّةٍ لعمومِ الحديثِ: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ».
وإنَّما نَصَّ المؤلِّفُ على وَلَدِ الزِّنا والجُنديِّ؛ لأنَّ بعضَ العلماءِ كَرِهَ إمامَتهما. ولكن؛ لا وَجْهَ للكراهةِ، والجُنديُّ؛ إذا كان قد يحصُلُ منه عَنَتٌ على الناسِ وغَشْمٌ وظُلْمٌ فإنَّ هذا يحصُلُ لكُلِّ ذي سُلطان، حتى المُدرِّسَ في فَصْلِهِ، ربما يَتَسلَّطُ على بعضِ الطلبةِ ويظلِمُهم، ويَرِقُّ لبعضِ الطَّلبةِ ويحابيهم، فكلُّ ذي وِلايةٍ فإنَّه عُرضةٌ لأن يقومَ بالعدلِ، أو بالجَورِ.

وَمَنْ يُؤَدِّي الصَّلاَةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا، وَعَكْسُهُ،.............
قوله: «ومن يؤدي الصلاة بمن يقضيها وعكسه» ههنا ثلاثةُ أمورٍ تُوصف بها الصَّلاةُ:
أداء: ما فُعِلَ في وَقتِهِ أولاً.
إعادة: ما فُعِلَ في وَقتِهِ ثانياً.
قَضَاء: ما فُعِلَ بعد وَقتِهِ.
فقول المؤلف: تَصحُّ إمامةُ مَن يؤدِّي الصَّلاةَ بمَن يقضيها، أي: أنَّ المؤدِّي هو الإِمامُ، والمأمومُ هو الذي يقضي فتصِحُّ.
مثال ذلك: دَخَلَ رَجُلٌ والنَّاسُ يصلّون صلاةَ الظُّهرَ، وذَكَرَ أنَّ عليه صلاةَ الظُّهرِ بالأمسِ؟
فيبدأُ بالصَّلاةِ الفائتةِ، فيدخُلُ معهم وهو ينوي ظُهرَ أمسِ، وهم يصلُّون ظُهرَ اليومِ، فهذا صحيحٌ؛ لأنه قاضٍ صَلَّى خلفَ مُؤدٍّ، فالصلاةُ واحدةٌ، لكن اختلفَ الوقت.
وعكسُ ذلك؛ أنْ يؤمَّ مَن يقضي الصَّلاةَ بمَن يؤدِّيها فيكون الإِمامُ هو الذي يقضي، والمأمومُ هو الذي يؤدِّي.
مثاله: رَجُلٌ ذَكَرَ أنَّ عليه فائتةً ظُهرَ أمسِ، فقال لآخر: سأُصَلِّي ظُهرَ أمسِ وَصَلِّ معي ظهرك اليومَ، فالإمامُ يصلِّي ظُهرَ أمسِ والمأمومُ ظُهرَ اليومِ. إذاً؛ فالإِمامُ يقضي والمأمومُ يؤدِّي، فصحَّت المؤدَّاةُ خلفَ المقضيَّةِ وبالعكسِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ واحدةٌ، وإنَّما اختلفَ الزَّمنُ.

لاَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ، .........
قوله: «لا مفترض بمتنفل» أي: لا يصحُّ ائتمامُ مفترضٍ بمُتنفِّلِ، فلا يجوزُ أنْ يكون الإِمامُ متنفِّلا والمأمومُ مفترضاً.
ودليلُ ذلك:
1 ـ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه» وهذا اختلافٌ عليه؛ لأنَّ المأمومَ مفترضٌ والإِمامُ مُتنفِّلٌ.
مثال ذلك: رَجُلٌ يريدُ أن يصلِّيَ السُّنَّةَ ركعتين، فجاء آخرُ وقال: أُصَلِّي معك الفجرَ فصلَّى الإِمامُ السُّنَّةَ، وصَلَّى المأمومُ الفجرَ، نقول: صلاةُ المأمومِ غيرُ صحيحة.
2 ـ أَنَّ صلاةَ المأمومِ أعلى مِن صلاةِ الإِمامِ في هذه الصُّورةِ، ولا ينبغي أن يُصلِّي الأعلى خلفَ الأدنى، هذا دليلُ ما قاله المؤلِّفُ رحمه الله وهو أحدُ القولين.
القول الثاني في المسألة: أن صلاةَ المفترضِ خلفَ المتنفِّلِ صحيحةٌ.
ودليل ذلك ما يلي:
أولاً: عمومُ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ» ولم يشترطِ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سوى ذلك، فالعمومُ يقتضي أنَّه لو كان الإِمامُ متنفِّلاً والمأمومُ مفترضاً فالصَّلاةُ صحيحةٌ.
ثانياً: أنَّ معاذَ بنَ جَبَلَ كان يُصلِّي مع النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم صلاةَ العشاءِ، ثم يرجعُ إلى قومِهِ فيصلِّي بهم الصلاة نفسها. ومعلومٌ أنَّ الصلاةَ الأُولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، ولم يُنْكَرْ عليه.
فإن قال قائلٌ: لعلَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يعلمْ بذلك؟
فالجواب من وجهين:
الأول: إنْ كان قد عَلِمَ فهذا هو المطلوبُ، والظَّاهرُ أنه عَلِمَ؛ لأنَّ معاذَ بنَ جَبَلَ شُكِيَ إلى الرَّسولِ عليه الصلاة والسلام في أنه يُطيلُ، ولا يبعدُ أنْ يُقالَ للرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم: إنَّ هذا الرَّجُل يأتي متأخِّراً يصلِّي عندك ثم يأتينا ويطيلُ بنا. بل قد جاء ذلك مصرَّحاً به في «صحيح مسلم». (إن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة...).
الثاني: إذا فَرَضْنا أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يعلمْ، فإنَّ الله تعالى قد عَلِمَ فأقرَّه، ولو كان هذا أمراً لا يرضاه الله لم يُقره على فِعْلِهِ، كما قال تعالى منكراً على من يستخفون بالمعصية: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108] .
ولهذا استدلَّ الصحابةُ على جوازِ العَزْلِ بأنَّهم كانوا يفعلونَه في عَهْدِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، لأنَّهم كانوا يفعلون ذلك في زَمَنِ نزولِ القرآنِ، ولو كان لاَ يَحِلُّ لنهاهم الله عنه.
ثالثاً: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في بعضِ أنواعِ صلاةِ الخوفِ يُصلِّي بالطَّائفة الأُولى صلاةً تامَّةً ويسلِّمُ بها، ثم تأتي الطائفةُ الثانيةُ فيصلِّي بها النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم. وهنا تكون الصَّلاةُ الأُولى للرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم فرضاً والثانيةُ نَفْلاً.
فإنْ قال قائل: هذه صلاةُ خَوفٍ فجاز للضَّرورةِ.
فالجواب: أنَّ هناك أنواعاً أخرى يحصُلُ بها المقصودُ فلا ضرورة لهذا النوع.
رابعاً: أنَّ عَمرَو بنَ سَلَمةً الجرمي كان يصلِّي بقومِهِ وله سِتٌّ أو سبعُ سنين، استناداً إلى عمومِ قولِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم: «وليؤمَّكم أكثرُكم قرآناً» حيث نظروا في القومِ فلم يكن أحدٌ أقرأ منه فقدَّموه. ومِن المعلومِ أنَّ الصَّبيَّ لا فَرْضَ عليه، فالصَّلاةُ في حَقِّهِ نافلةٌ، ومع هذا أُقِرَّ والقرآنُ ينزِلُ.
وأما الجواب عما استدلَّ به أهلُ القولِ الأولِ مِن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليُؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه» أنَّهم هم أولُ مَن ينقضُ الاستدلالَ بهذا الحديثِ؛ لأنهم يُجوِّزون أن يصلِّيَ الإِنسانُ المؤادَّةَ خلفَ المقضيَّةِ، وهذا اختلافٌ. ويُجوِّزون أنْ يصلِّيَ المُتنفِّلُ خلفَ المفترض، وهذا أيضاً اختلافٌ، فتبيّن بهذا أنَّ الحديثَ لا يُراد به اختلافُ النِّيةِ، ولهذا جاء التَّعبيرُ النَّبويُّ بقوله: «لا تختلفوا عليه» ولم يقل: لا تختلفوا عنه فتنووا غير ما نَوى. وبين العبارتين فَرْقٌ، فإذا قيل: لا تختلفْ على فلان. صار المرادُ بالاختلافِ المخالفة، كما يُقال: لا تختلفوا على السُّلطان. أي: لا تنابذوه وتخالفوه فيما يأمرُكم به مِن المعروفِ، وقد فَسَّرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عَدَمَ المخالفةِ بقوله: «فإذا كَبَّرَ فكبِّروا، وإذا رَكَعَ فاركعوا...» إلخ الحديث.
فصار المرادُ بقوله: «لا تختلفوا عليه» أي: في الأفعالِ.
وأما قولهم: إن صلاةَ المأمومِ إذا كان يصلِّي فريضةً، والإِمامُ متنفِّلاً أعلى مِن صلاةِ الإِمامِ فلا تَصحُّ.
فالجواب: أن نقول: مَن الذي أصَّلَ هذه القاعدةَ؟!
وقد دَلَّ حديثُ عَمرو بن سَلَمة الجرمي على أنه يصح أن يأتم الأعلى بالأدنى، فإن قومَهُ يصلُّون الصَّلاةَ فريضةً وهو يصلِّيها نَفْلاً. فهذه القاعدةُ غيرُ مسلَّمة، ولهذا صحَّحنا فيما سبق أنْ يصلِّيَ القادرُ على الأركان بالعاجزِ عنها؛ كما جاءتْ به السُّنَّةُ في مسألةِ القيامِ أنَّه يَصِحُّ أن يصلِّيَ المأمومُ القادرُ على القيامِ خلفَ الإِمامِ العاجزِ عن القيامِ.
وقد نَصَّ على ذلك الإِمامُ أحمدُ رحمه الله نفسُه فقال: إذا دَخَلَ والإِمامُ في صلاةِ التَّراويحِ وصَلَّى معه العشاءَ فلا بأس بذلك. فالذي يصلِّي التَّراويحَ متنفِّلٌ والذي يصلِّي العشاءَ مفتَرِضٌ، وهذا نَصُّ الإِمامِ، فالقولُ الرَّاجحُ بلا شَكٍّ هو هذا، وهو اختيارُ شيخِ الإِسلامِ ابنِ تيمية، وهو الذي تؤيّده الأدلَّة.

وَلاَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العَصْرَ أَوْ غَيْرَهَا.
قوله: «ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرها» أي: ولا يصحُّ ائتمامُ مَن يصلّي الظُّهرَ بمَن يصلِّي العصرَ، أو غيرها. يعني: مِن الصلوات الرباعية وذلك لاخْتلافِ نِيَّةِ الصَّلاتين وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:«إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه».
مثال ذلك: رَجُلٌ انتبه مِن النَّومِ، فجاءَ إلى المسجدِ فوجَدَ الإِمامَ يصلِّي العصرَ، وهو لم يصلِّ الظُّهرَ، فأَرادَ أن يصلِّيَ الظُّهرَ خلفَ هذا الإِمامِ الذي يصلِّي العصرَ، يقول المؤلِّفُ: إنَّ هذا لا يَصِحُّ، لاختلاف نِيَّةِ الصَّلاتين؛ لأن هذه ظُهرٌ وهذه عَصرٌ، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه».
وكذلك العكسُ، فلا يصحُّ ائتمام مَن يصلِّي العصرَ بمَن يصلِّي الظُّهرَ.
مثاله: رَجُلٌ دَخَلَ المسجدَ، وفيه قومٌ قد جمعوا جَمْعَ تأخيرٍ، فوجدهم يصلُّون الظُّهرَ، وهو قد صلَّى الظُّهرَ، فدخلَ معهم بنيَّةِ العصرِ، فلا تَصِحُّ أيضاً؛ وذلك لاخْتلافِ نِيَّةِ الصلاتين. هذا هو المذهب. ولا يُستثنى مِن ذلك إلا المسبوقُ في صلاةِ الجمعةِ إذا أدركَ أقلَّ مِن رَكعة؛ فإنَّه في هذه الحالِ يدخلُ مع الإِمامِ بنيَّةِ الظُّهرِ، والإِمامُ يصلِّي الجُمعةَ، فاختلفتِ النِّيةُ هنا، فالإِمامُ يصلِّي صلاةَ الجُمعةَ، وهذا المسبوقُ يصلِّيها صلاةَ الظُّهرِ. قالوا: هذا لا بأس به؛ لأن الظُّهرَ بَدَلٌ عن الجُمعة؛ إذا فاتت فبينهما اتِّصال.
القول الثاني: أنَّه يَصِحُّ أن يأتمَّ مَن يصلِّي الظُّهرَ بمَن يصلِّي العَصرَ، ومَن يصلِّي العَصرَ بمَن يصلِّي الظُّهرَ، ولا بأسَ بهذا.
وذلك لعمومِ ما سبق مِن الأدلَّةِ.
وأما استدلالُهم بقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه»، فقد بَيَّنا أنَّ المرادَ: بالاختلافِ عليه مخالفتُه في الأفعالِ لقولِهِ: «فإذا كَبَّرَ فكبِّروا».
وعلى هذا القول؛ إذا صَلَّى صلاةً أكثر مِن صلاةِ الإِمام فلا إشكال في المسألةِ.
مثاله: لو صَلَّى العشاءَ خلفَ مَن يصلِّي المغربَ، فهنا نقول: صَلِّ مع الإِمام، وإذا سَلَّمَ الإِمامُ فَقُمْ وائتِ بركعةٍ.
وإذا صلَّى وراءَ إمامٍ وصلاتُهُ أقلُّ مِن صلاةِ الإِمامِ، فهنا قد يحدثُ فيه إشـكـالٌ؛ لأنَّ المأمومَ هنا إن تابع الإِمامَ زاد في صلاتِهِ؛ وإنْ جَلَسَ خالفَ إمامَه.
مثاله: صَلَّى المغربَ خلف مَن يصلِّي العشاءَ، فهنا إذا قامَ الإِمامُ إلى رابعةِ العشاءِ فالمأمومُ بين أمرين:
إما أن ينفردَ عن الإِمامِ، وهذه مفسدةٌ.
وإما أن يتابعَ الإِمامَ وهذه أيضاً مفسدةٌ، لأنَّه إنْ تابعَ الإِمامَ زَادَ ركعةً، وإنْ تخلَّفَ خالفَ الإِمامَ، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليُؤتمَّ به» فهل هذه الصُّورةُ تدخلُ في القولِ الصَّحيحِ الرَّاجحِ أنَّ اختلافَ النِّيةِ بين الصَّلاتين لا يَضرُّ؟
الجواب: نعم، تدخلُ في القولِ الرَّاجحِ، وأنه يجوزُ أن يصلِّيَ المغربَ خلفَ مَن يصلِّي العشاءَ، وهذه تقعُ كثيراً، فإنْ أدركَ الإِمامَ في الثانية فما بعدَها فلا إشكال، لأنه يتابعُ إمامَه ويُسلِّمُ معه، وإنْ دَخَلَ في الثالثةِ أتى بعدَه بركعةٍ، وإن دَخَلَ في الرابعةِ أتى بركعتين، لكن إنْ دَخَلَ في الأولى فإنَّه يَلزمُه إذا قامَ الإِمامُ إلى الرابعةِ أنْ يجلسَ ولا يقوم.
ولكن إذا جَلَسَ هل ينوي الانفرادَ ويُسلِّمُ، أو ينتظرُ الإِمامَ؟
الجواب: هو مخيّرٌ، لكننا نستحبُّ له أن ينويَ الانفرادَ ويسلِّمُ، إذا كان يمكنه أن يدركَ ما بقيَ مِن صلاةِ العشاءِ مع الإِمامِ؛ مِن أجلِ أنْ يُدركَ صلاةَ الجماعةِ في العشاءِ.
فإن قال قائلٌ: لماذا تُجيزونَ له الانفرادَ، والإِمامُ يجبُ أن يُؤتَمَّ به؟.
فالجواب: لأجلِ العُذرِ الشَّرعيِّ، والانفرادُ للعُذرِ الشَّرعي أو الحِسِّيِّ جائزٌ.
ودليل الانفراد للعُذرِ الشَّرعيِّ: صلاةُ الخوفِ، فالطَّائفةُ الأُولى تصلِّي مع الإِمامِ ركعةً، فإذا قامَ إلى الثانيةِ نوتِ الانفرادَ، وأتمَّت الركعةَ الثانيةَ، وسلَّمت وانصرفت.
ودليلُ الانفرادِ للعُذرِ الحِسِّيِّ انفرادُ الصَّحَابِي عن معاذ بن جَبَل لتطويله.
ومثاله: أن يصيبَ الإِنسانُ في صلاتِه ما يبيحُ له قطعَها أو تخفيفَها بأن يُصابَ وهو يصلِّي مع الإِمامِ بعُذرٍ يَشقُّ عليه أن يستمرَّ معه مع الإِمامِ، فنقول له: لك أن تنفردَ وتخفِّفَ الصَّلاةَ وتنصرفَ، إلا إذا كنت لا تستفيدُ بانفرادِك شيئاً، مثل: أن يكون الإِمامُ يخفِّفُ الصَّلاةَ تخفيفاً بقَدْرِ الواجب، فحينئذٍ لا يستفيدُ مِن الانفرادِ، فلا يتفرَّدُ، لكن لو أنَّ الإِمامَ يطبِّقُ السُّنَّةَ بالتأنِّي ويتعبُ المأمومُ لو بقيَ مع الإِمامِ لمدافعته الأخبثين، فنقول له: أنْ ينفردَ ويخفِّفَ الصَّلاةَ ويُسلِّمَ وينصرفَ.
فإن قال قائلٌ: ما تقولون في رَجُلٍ مسافرٍ صَلَّى خلفَ إمامٍ يصلِّي أربعاً، هل تُبيحونَ له إذا صَلَّى الركعتين أن ينفردَ ويُسلِّمَ؛ لأنَّ المسافرَ يقصر الصَّلاةَ؟
فنقول: لا نُبيحُ لك ذلك.
إذاً؛ ما الفَرْقُ بين هذه المسألةِ، ومسألة مَن يصلِّي المغربَ خلفَ مَن يصلِّي العشاءَ؟
الجواب: الفَرْقُ بينهما ظاهرٌ، لأن إتمامَ الرُّباعيةِ إتمامَ صِفةٍ مشروعةٍ في الحضر، أما إتمام المغربِ أربعاً فليست صفةً مشروعةً إطلاقاً.
وعلى هذا فنقول: القصرُ في مسألةِ المسافرِ عُورِضَ بوجوبِ المتابعةِ، وإتمام الصَّلاةِ للمسافرِ ليس بحرامٍ، أي: مَن أتمَّ الصَّلاةَ في السَّفَرِ فليس كمَن صَلَّى المغربَ أربعاً، أو صَلَّى الفجرَ أربعاً، فَظَهَرَ الفَرْقُ بينهما، فمَن صَلَّى مع الإِمامِ المقيمِ وهو مسافرٌ فعليه أنْ يُتِمَّ سواءٌ أدركَ الصَّلاةَ مِن أولـها أم في أثنائِها لعموم قولهِ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا».
بقي مسألةٌ ذَكَرها شيخُ الإِسلامِ وفي النَّفْسِ منها شيء، وهي: لو صَلَّى خلفَ مَن يصلِّي على جنازة، فشيخُ الإِسلامِ يجيزُ أنْ يدخلَ معه، وينوي الائتمامَ به، ويتابعَ الإِمامَ بالتكبيرِ. ولكن لا ركوعَ ولا سجودَ في صلاةِ الجنازة، فإذا سَلَّمَ الإِمامُ مِن صلاةِ الجَنازةِ فإنَّه يُتِمُّ صلاتَه، وذلك لأنَّ المصلِّي على الجنازة يصلِّي صلاةً تخالفُ صلاةَ المأمومِ في الأفعالِ والصِّفَةِ، ولذلك كان القلبُ فيه شيءٌ مِن هذا القولِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, تصح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:33 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir