دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو الحجة 1429هـ/30-11-2008م, 09:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي طائفة من أهل الكلام والمعتزلة ومن اتبعهم يثبتون الأسماء دون ما تضمنته من الصفات

وَقَارَبَهُمْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلاَمِ مِنَ المُعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ، فَأَثْبَتُوا لَهُ الْأَسْمَاءَ دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الصِّفَاتِ، فَمِنْهُمْ: مَنْ جَعَلَ الْعَلِيمَ، وَالْقَدِيرَ، وَالسَّمِيعَ، وَالْبَصِيرَ كَالْأَعْلاَمِ الْمَحْضَةِ الْمُتَرَادِفَاتِ، وَمِنْهُمْ: مَنْ قَالَ: عَلِيمٌ بِلاَ عِلْمٍ، قَدِيرٌ بِلاَ قُدْرَةٍ، سَمِيعٌ بَصِيرٌ بِلاَ سَمْعٍ وَلاَ بَصَرٍ، فَأَثْبَتُوا الِاسْمَ دُونَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الصِّفَاتِ.
وَالْكَلاَمُ عَلَى فَسَادِ مَقَالَةِ هَؤُلاَءِ وَبَيَانِ تَنَاقُضِهَا بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ الْمُطَابِقِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 09:27 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تقريب التدمرية للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

فَصْلٌ

الطائفةُ الثانيةُ: المعتزِلةُ ومنْ تَبِعَهُمْ منْ أهلِ الكلامِ وغيرِهمْ.
وطريقتُهُمْ أنَّهمْ يُثبِتونَ للهِ تعالى الأسماءَ دونَ الصِّفاتِ، ويَجعلونَ الأسماءَ أعلاماً محْضَةً، ثمَّ منهُمْ منْ يقولُ إنَّها مترادِفةٌ فالعليمُ، والقديرُ، السَّميعُ، والبصيرُ شيءٌ واحدٌ، ومنهمْ منْ يقولُ إنَّا متبايِنةٌ ولكنَّهُ عليمٌ بلاَ علْمٍ. قديرٌ بلاَ قدرةٍ، سميعٌ بِلاَ سمْعٍ، بصيرٌ بلاَ بصَرٍ ونحوُ ذلكَ.
وشُبْهَتُهُمْ أنَّهُمُ اعْتَقدُوا أَنَّ إِثباتَ الصِّفاتِ يَسْتلزِمُ التَّشبيهَ لأنَّهُ لا يُوجدُ شيءٌ متَّصِفٌ بالصِّفاتِ إلا جسْمٌ، والأجسامُ متماثِلةٌ، فإثباتُ الصِّفاتِ يَسْتلزِمُ التَّشْبيهَ.
والرَّدُّ عليهمْ منْ وجوهٍ:
الأوَّلُ: انَّ اللهَ تعالى سَمَّى نفسَهُ بأسماءٍ، ووَصَفَ نفسَهُ بصفاتٍ فإنْ كانَ إثباتُ الصِّفاتِ يَسْتلزِمُ التَّشبيهَ فإثباتُ الأسماءِ كذلكَ، وإنْ كانَ إثباتُ الأسماءِ لاَ يَسْتلزِمُ التَّشبيهَ فإثباتُ الصِّفاتِ كذلكَ، والتَّفريقُ بينَ هذَا وهذَا تَناقُضٌ، فإمَّا أنْ يُثبِتُوا الجميعَ فيُوافِقُوا السَّلَفَ، وإما أنْ يَنْفُوا الجميعَ فيُوافِقُوا غُلاةَ الجَهْمِيَّةِ والباطنيَّةِ، وإما أنْ يُفَرِّقُوا فيَقَعُوا في التَّناقضِ.
الثَّاني: أنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ أسماءَهُ بأنَّها حُسْنى، وأَمَرَنَا بدُعائِهِ بِهَا فقالَ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)([1]). وهذَا يَقتضي أنْ تكونَ دالَّةً على معانِي عظيمةٍ تكونُ وسيلةً لنَا في دعائِنا ولاَ يَصِحُّ خُلُوُّها عنْهَا.
ولَوْ كانتْ أعلاماً محضَةً لكانتْ غيرَ دالَّةٍ على معنىً سوى تعيينِ المُسَمَّى، فضْلاً عنْ أنْ تكونَ حُسْنى ووسيلةً في الدِّعاءِ.
الثالثُ: أنَّ اللهَ تعالى أَثبَتَ لنفسِهِ الصِّفاتِ إِجمالاً وتفْصيلاً معَ نفيِ المماثَلةِ فقالَ تعالى: (ولله المثلُ الأعلى)([2]). وقالَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)([3]). وهذَا يدلُّ على أنَّ إثباتَ الصِّفاتِ لا يَسْتلزِمُ التَّمثيلَ ولوْ كانَ يَستلزِمُ التَّمثيلَ لكانَ كلامُ اللهِ متناقِضاً.
الرَّابعُ: إنَّ منْ لاَ يَتَّصِفُ بصفاتِ الكمالِ لاَ يَصْلُحُ أنْ يكونَ ربًّا ولا إلهاً، ولهذَا عابَ إبراهيمُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أباهُ باتِّخاذِهِ مَا لاَ يَسْمعُ ولاَ يُبصِرُ إلهاً فقالَ: (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً)([4]).
الخَامسُ: أنَّ كلَّ موجودٍ لاَ بُدَّ لَهُ منْ صفةٍ، ولاَ يُمكِنُ وجودُ ذاتٍ مجرَّدةٍ عنِ الصِّفاتِ، وحينئذٍ لاَ بُدَّ أنْ يكونَ الخالِقُ الواجبُ الوجودِ متَّصِفاً بالصِّفاتِ اللاَّئقةِ بهِ.
السَّادسُ: أنَّ القولَ "بأنَّ أسماءَ اللهِ أعلامٌ محْضَةٌ مترادِفةٌ لا تَدلُّ إلا على ذاتِ اللهِ فقط" قولٌ باطلٌ لأنَّ دلالاتِ الكتابِ والسُّنَّةِ مُتظافِرةٌ على أنَّ كلَّ اسمٍ منْها دالٌّ على معناهُ المُخْتَصِّ بهِ معَ اتِّفاقِهَا على مُسمًّى واحدٍ وموصوفٍ واحدٍ فاللهُ تعالى هوَ الحيُّ القيُّومُ، السَّميعُ، البصيرُ، العليمُ، القديرُ، فالمُسَمَّى والموصوفُ واحدٌ، والأسماءُ والصِّفاتُ متعدِّدةٌ. أَلاَ ترى أنَّ اللهَ تعالى يُسَمِّي نَفْسَهُ باسْمَيْنِ أوْ أكثرَ في موضعٍ واحدٍ كقولِه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)([5]). فَلَوْ كانتِ الأسْماءُ مترادفَةً ترادُفاً مَحْضاً لكانَ ذِكرُهَا مجتَمِعةً لغْواً منْ القولِ لعدمِ الفائدةِ.
السَّابعُ: أنَّ القولَ "بأنَّ اللهَ تعالى عليمٌ بلا علْمٍ، وقديرٌ بلا قدْرةٍ وسميعٌ بلا سَمْعٍ ونحوُ ذلكَ" قولٌ باطلٌ مخالِفٌ لِمُقتَضى اللِّسانِ العربيِّ وغيرِ العربيِّ فإنَّ منَ المعلومِ في لغاتِ جميعِ العالمِ أنَّ المُشتقَّ دالٌّ على المعنى المشتقِّ منْهُ، وأنَّهُ لاَ يُمكِنُ أن يُقالَ عليمٌ لمنْ لا علْمَ لهُ، ولا قديرٌ لمنْ لاَ قدرةَ لهُ، ولا سميعٌ لمنْ لا سمْعَ لهُ ونحوِ ذلكَ.
وإذَا كانَ كذلكَ تَعيَّنَ أنْ تكونَ أسماءُ اللهِ تعالى دالَّةً على ما تَقتضيهِ منَ الصِّفاتِ اللائقةِ بهِ فيَتعيَّنُ إثباتُ الأسماءِ والصِّفاتِ لخالقِ الأرضِ والسمواتِ.
الثَّامنُ: أنَّ قولَهُمْ: "لاَ يوجدُ شيءٌ متِّصفٌ بالصِّفاتِ إلا جسمٌ" ممنوعٌ فإنَّا نَجِدُ مِنَ الأَشْياءِ ما يَصِحُّ أنْ يُوصَفَ وليْسَ بجسمْ، فإنَّهُ يُقَالُ: ليلٌ طويلٌ، ونهارٌ قصيرٌ، وبَرْدٌ شديدٌ، وحرٌّ خَفِيفٌ ونحوُ ذلكَ، وليستْ هذه أجساماً. على أنَّ إضافةَ لفظِ الجسمِ إلى اللهِ تعالى إثباتاً أو نَفْياً من الطرُقِ البِدْعيَّةِ التي يَتوصَّلُ بها أهلُ التعطيلِ إلى نفيِ الصِّفاتِ التي أَثبَتَها اللهُ لنفسِهِ.
التَّاسعُ: أنَّ قولَهُمْ: (الأجسامُ متماثِلةٌ) باطلٌ ظاهِرُ البُطْلانِ فإنَّ تفاوُتَ الأجسامِ ظاهرٌ لاَ يُمكِنُ إنكارُهُ. قالَ الشَّيْخُ (المؤلِّفُ): ولاَ ريْبَ أنَّ قولَهُمْ بتماثُلِ الأجسامِ قولٌ باطلٌ.


([1]) سورة الأعراف، الآية: 180.

([2]) سورة النحل، الآية: 6.

([3]) سورة الشورى، الآية: 11.

([4]) سورة مريم، الآية: 42.

([5]) سورة الحشر، الآية: 23.


  #3  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح مقاصد المصطلحات العلمية للشيخ: محمد بن عبد الرحمن الخميس


(9) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ العليمَ والقديرَ والسميعَ والبصيرَ كالأعلامِ المَحْضَةِ المُتَرَادِفَاتِ)

الشرحُ:
أَقُولُ: هذا نوعٌ ثالثٌ من المُعَطِّلَةِ، وهم كثيرٌ من المُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ أَثْبَتُوا للهِ تَعَالَى الأسماءَ، ولكنْ بدونِ ما تَدُلُّ عليهِ من المعاني التي هي صفاتٌ كَمَالِيَّةٌ.

فَجَعَلُوا أسماءَ اللَّهِ تَعَالَى كأسماءِ الأعلامِ المُجَرَّدَةِ عن المعاني، نحوَ: زَيْدٍ وَعُمَرَ وَبَكْرٍ بِدُونِ ملاحظةِ أيِّ صِفَةٍ، وأيِّ مَعْنًى، هذا هوَ مَعْنَى (الأعلامِ المَحْضَةِ)، فالعلمُ المحضُ لا مَعْنَى لَهُ غَيْرُ المُسَمَّى نحوَ: زيدٍ، فَمَعْنَى زيدٍ هوَ المُسَمَّى بزيدٍ لا غَيْرُ، وهكذا جَعَلُوا أسماءَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْلاَمًا مَحْضَةً بدونِ معنًى، مع أنَّ أسماءَ اللَّهِ تَعَالَى نحوَ السميعِ والبصيرِ والعليمِ - مع دَلاَلَتِهَا على اللَّهِ تَعَالَى - تَدُلُّ على معانٍ هي صفاتٌ كماليَّةٌ، وهي السمعُ والبصرُ والعلمُ.
فليستْ أسماءُ اللَّهِ تَعَالَى كالأعلامِ المَحْضَةِ، بلْ هيَ أسماءٌ مع دلالَتِهَا على الصفاتِ الكماليَّةِ.

(10) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
"... المُتَرَادِفَاتِ":

الشرحُ:
كَوْنُ الأسماءِ المتعددةِ دالَّةً على مُسَمًّى واحدٍ بدونِ تَعَدُّدِ المعانِي كأنْ يَكُونَ لشيءٍ واحدٍ أسماءٌ عديدةٌ بدونِ ملاحظةِ معانِيهَا فهؤلاءِ الجَهْمِيَّةُ جَعَلُوا أسماءَ اللَّهِ تَعَالَى: من السميعِ والبصيرِ والقديرِ والعليمِ أسماءً لِمُسَمًّى واحدٍ بدونِ ملاحظةِ معانِيهَا، وهذا تَعْطِيلٌ سَافِرٌ.

(11) (قَالَ) شَيْخُ الْإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(وَمِنْهُمْ مَن قَالَ: عَلِيمٌ بِلاَ عِلْمٍ وَقَدِيرٌ بِلاَ قُدْرَةٍ سَمِيعٌ بَصِيرٌ بَلا سَمْعٍ وَلاَ بَصَرٍ.. )

الشرحُ:
أَقُولُ: هذا صنْفٌ آخَرُ من المُعْتَزِلَةِ الجَهْمِيَّةِ.
وقولُهُم هذا لا يَخْتَلِفُ عن قولِ الصنفِ الأَوَّلِ إِلاَّ في التعبيرِ، وإِلاَّ فَكُلُّهُم يُثْبِتُونَ الأسماءَ دونَ ما تَدُلُّ عليهِ من الصفاتِ الكماليَّةِ.
غَيْرَ أنَّ الأَوَّلِينَ لا يُصَرِّحُونَ بأنَّ اللَّهَ عليمٌ بلا عِلْمٍ، بلْ يَقُولُونَ: عليمٌ وسميعٌ, ولا صِفَةَ لَهُ، وَلَكِنْ هؤلاءِ يُفَسِّرُونَ قولَهُم فيَقُولُونَ:
إِنَّهُ عليمٌ بلا عِلْمٍ، سميعٌ بلا سَمْعٍ.


  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 10:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التحفة المهدية للشيخ: فالح بن مهدي الدوسري


قولُهُ:
وَقَارَبَهُمْ طائفةٌ ثالثةٌ مِن أهلِ الكلامِ، مِن المعتزلةِ ومَن اتَّبَعَهُمْ, فَأَثْبَتُوا للهِ الأسماءَ دونَ ما تَتَضَّمَنُهُ مِن الصفاتِ:
فمنهم مَن جَعَلَ العليمَ، والقديرَ، والسميعَ، والبصيرَ، كالأعلامِ المَحْضَةِ المُتَرَادِفَاتِ.
ومنهم مَن قالَ: عليمٌ بِلاَ عِلْمٍ، قديرٌ بلا قُدْرَةٍ، سميعٌ بصيرٌ بلا سَمْعٍ ولا بَصَرٍ، فَأَثْبَتُوا الاسمَ دونَ ما تَضَمَّنَهُ مِن الصفاتِ.
والكلامُ على فسادِ مَقَالَةِ هؤلاءِ وبيانِ تَنَاقُضِهَا بصريحِ المعقولِ المطابقِ لصحيحِ المنقولِ مذكورٌ في غيرِ هؤلاءِ الكلماتِ.

الشرحُ:
(الطائِفَةُ): الجماعةُ، و (أهلُ الكلامِ): أصحابُهُ، وَسُمُّوا بذلكَ؛ لأنَّهُم كانوا يَسْلُكُونَ الطُرُقَ الصعبةَ الطويلةَ، والعباراتِ المُتَكَلِّفَةَ الهائِلَةَ، وليسَ لذلكَ فائدةٌ إلا تَضْيِيعُ الزمانِ وإتعابُ الأذهانِ، وكثرةُ الهَذَيَانِ، ودَعَوَى التحقيقِ بالكَذِبِ والبُهْتَانِ؛ وَلِكَوْنِ هذه الطرقِ التي سَلَكُوهَا، والحدودِ التي ذَكَرُوهَا لا تُفِيدُ الإنسانَ عِلْماً لم يَكُنْ عِنْدَهُ، وإنَّمَا تُفِيدُهُ كثرةَ كلامٍ فقطْ سُمُّوا أَهْلَ الْكَلاَمِ.

(والمُعْتَزِلَةُ): سببُ تَسْمِيَتِهِمْ بالمعتزلةِ أنَّهُ دَخَلَ رجلٌ على الحسنِ البصريِّ فقالَ: (يا إمامَ الدينِ! لقد ظَهَرَتْ في زمانِنَا جماعةٌ يُكَفِّرُونَ أصحابَ الكبائرِ، والكبيرةُ عندَهُم يُخْرَجُ بِهَا عن المِلَّةِ، وهم وَعِيدِيَّةُ الخوارجِ، وجماعةٌ يُرْجِئُونَ أصحابَ الكبائرِ، والكبيرةُ عندَهم لا تَضُرُّ مع الإيمانِ، بل العَمَلُ على مَذْهَبِهِمْ ليسَ رُكْنًا من الإيمانِ، ولا يَضُرُّ مع الإيمانِ معصيةٌ، كما لا يَنْفَعُ مع الكُفْرِ طاعةٌ، وهم مُرْجِئَةُ الْأُمَّةِ، فكيفَ تَحْكُمُ لَنَا في ذلكَ اعْتِقَاداً؟ ) فَتَفَكَّرَ الحسنُ في ذلكَ, وقبلَ أنْ يُجِيبَ قالَ وَاصِلُ بنُ عَطَاءٍ الغَزَّالُ: أَنَا لا أقولُ: إِنَّ صاحبَ الكبيرةِ مُؤْمِنٌ مُطْلَقاً ولا كَافِرٌ، ثم قامَ واعْتَزَلَ إلى أُسْطُوانةٍ من أُسْطُواناتِ المسجدِ يُقَرِّرُ ما أَجَابَ بهِ على جماعةٍ من أصحابِ الحسنِ، فقالَ الحسنُ: (اعْتَزَلَ عَنَّا وَاصِلُ بنُ عطاءٍ) فَسُمِّيَ هو وأصحابُهُ (مُعْتَزِلَةً) وقيلَ: هُم سَمَّوا أَنْفُسَهُمْ (مُعْتَزِلَةً) وذلكَ عندما بايعَ الحسنُ بنُ عليٍّ معاويةَ, وَسَلَّمَ إليهِ الأمْرَ, واعْتَزَلُوا الحسنَ ومعاويةَ.

وقولُهُ: (ومَن اتَّبَعَهُمْ) يعني:كالخوارجِ وكثيرٍ من المُرْجِئَةِ، وبعضِ الزَّيْدِيَّةِ.
وقولُهُ: َمِنْهُمْ مَن جَعَلَ العليمَ) إلخ يعني:أنَّ بعضَ المعتزلةِ قالوا: العليمُ والقديرُ ونحوَ ذلكَ أعلامٌ للهِ، وليستْ دَالَّةً على أوصافٍ، وهي بالنسبةِ إلى دَلاَلَتِهَا على ذاتٍ واحدةٍ، هي مُتَرَادِفَةٌ، وذلكَ مثلَ تَسْمِيَتِكَ ذاتًا واحدةً بزيدٍ، وعمرٍو، ومحمدٍ، وعليٍّ، فهذهِ الأسماءُ مترادفةٌ، وهي أَعْلاَمٌ خالِصَةٌ، لا تَدُلُّ على صفةٍ لهذهِ الذاتِ المُسَمَّاةِ بها، وبعضُهُم قالَ: كلُّ عِلْمٍ منها مُسْتَقِلٌّ؛ فاللهُ يُسَمَّى عليماً، وقديراً، وليستْ هذه الأسماءُ مُتَرَادِفَةً، ولكنْ ليسَ معنى ذلكَ أنَّ هناك حياةً أو قُدْرَةً، وهذا معنى قولِ المُؤَلِّفِ: (وَقَارَبَهُم طائفةٌ ثالثةٌ مِن أهلِ الكلامِ مِن المُعْتَزِلَةِ ومَن تَبِعَهُم).

فالمعتزلةُ مُجْمِعُونَ على تسميةِ اللهِ بالاسمِ، ونَفْيِ الصفةِ عنهُ، وكذلكَ مَن تَبِعَهُم مِن الطوائفِ المُشَارِ إليها.
والترادُفُ سيأتي لهُ ذِكْرٌ في غيرِ هذا الموضوعِ.
(والعِلَمُ) اسمٌ يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ مُطْلَقاً (والمَحْضَةُ) الخالِصَةُ الخاليَةُ مِن الدلالةِ على شَيْءٍ آخَرَ.

وقولُهُ: (والكلامُ على فسادِ مقالةِ هؤلاءِ وبيانِ تَنَاقُضِهَا) إلخ... معناهُ أنَّ بَسْطَ الكلامِ في إيضاحِ بُطْلاَنِ أقوالِ المعتزلةِ ومَن على شَاكِلَتِهِمْ, بَسْطَ القولِ في ذلكَ مذكورٌ في غيرِ هذهِ الرسالةِ، وقد بَسَطَهُ – رَحِمَهُ اللهُ – في كتابَيْهِ (موافقةِ صريحِ المعقولِ لصحيحِ المنقولِ,ومِنْهاجِ السُّنَّةِ) وغيرِهِما مِن مؤلفاتِهِ، وبَيَّنَ فيها وَجْهَ التناقضِ والفسادِ؛ مُوَضِّحاً بُطْلاَنَ ذلكَ بالحُجَجِ العقليَّةِ والنَّقْلِيَّةِ. وقولُهُ: (بصريحِ المعقولِ) يعني (بالمعقولِ) الصريحِ، وكذلكَ قولُهُ: (وصحيحِ المنقولِ) يعني (بالمنقولِ) الصحيحِ، فهو من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ، (والصريحُ) هو السليمُ الخالي مِن المُعَارَضَةِ،(والصحيحُ) السليمُ مِن الأمراضِ، وهي عِلَلُ التَّجْرِيحِ. وَوَجْهُ تناقُضِ مقالَتِهِم أنَّهُمْ يقولونَ القَوْلَيْنِ المُتَضَادَّيْنِ في المسألةِ الواحدةِ، فَيُفَرِّقُونَ بينَ المُتَمَاثِلَيْنِ، وَيُسَوُّونَ بينَ المُخْتَلِفَيْنِ.

وقولُهُ: (المطابقِ) يُشِيرُ إلى أنَّهُ لا اختلافَ بينَ العقلِ الصريحِ والنقلِ الصحيحِ، بلْ هُمَا مُتَّفِقَانِ تمامَ الاتفاقِ.


  #5  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 10:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


ثالثًا: مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وأتباعِهم من المتكلِّمينَ

قولُه: ( وقَارَبَهُمْ طائفةٌ ثالثةٌ منْ أَهْلِ الكلامِ من الْمُعْتَزِلَةِ ومَن اتَّبَعَهُمْ، فأَثْبَتُوا لهُ الأسماءَ دونَ ما تَضَمَّنَتْهُ من الصفاتِ، فمنهمْ مَنْ جَعَلَ العليمَ والقديرَ والسميعَ والبصيرَ كالأعلامِ الْمَحْضَةِ الْمُتَرادفاتِ، ومنهمْ مَنْ قالَ: عليمٌ بلا عِلْمٍ، قديرٌ بلا قُدْرَةٍ، سميعٌ بصيرٌ بلا سَمْعٍ ولا بَصَرٍ، فأَثْبَتُوا الاسمَ دونَ ما تَضَمَّنَتْهُ من الصفاتِ، والكلامُ على فَسادِ مَقالةِ هؤلاءِ وبيانِ تَنَاقُضِها بصريحِ المعقولِ المطابِقِ لصحيحِ المنقولِ مذكورٌ في غيرِ هذهِ الكلماتِ ) .

التوضيحُ

- قارَبَ أولئكَ الفلاسفةَ هؤلاءِ المعتزِلَةُ وأتباعُهم، وَسُمُّوا بأهْلِ الكلامِ؛ لأنَّهُم أَتَوْا بزيادةِ كلامٍ لا يُفِيدُ، كما قالَ ابنُ أبي العِزِّ: "إنَّما سُمِّيَ هؤلاءِ أهْلَ الكلامِ؛ لأنَّهُم لم يُفِيدُوا عِلْمًا لم يكُنْ مَعروفًا، وإنَّما أَتَوْا بزيادةِ كلامٍ قدْ لا يُفيدُ".
وذَكَرَ الإمامُ الشَّهْرُسَاتِيُّ أسبابًا أُخْرَى، فقالَ: " إِمَّا لأنَّ أظْهَرَ مسألةٍ تَكَلَّمُوا فيها وتَقَاتَلُوا عليها هيَ مسألةُ الكلامِ... وإِمَّا لِمُقَابَلَتِهِم الفلاسفةَ في تَسْمِيَتِهِم فَنًّا منْ فنونِ عِلْمِهم بالْمَنْطِقِ، والمنطِقُ والكلامُ مُتَرَادفانِ". ولكنْ رَدَّ شيخُ الإسلامِ السببَ الأوَّلَ الذي ذَكَرَهُ الشَّهْرُسَاتِيُّ، وقالَ بأنَّ السلَفَ سَمَّوْهُمْ بالْمُتَكَلِّمِينَ قَبْلَ ظهورِ مسألةِ الكلامِ واللَّهُ أعْلَمُ .

والكلامُ عنهمْ فيما يَلِي:

أوَّلاً: التعريفُ بالمعتزِلَةِ: هم أَتباعُ واصلِ بنِ عَطَاءٍ الغَزَّالِ، ( ت 131 هـ )، اعْتَزَلَ مجلِسَ الحسَنِ البَصْرِيِّ في مسألةِ صاحبِ الكبيرةِ فقَطْ، فنُسِبَتْ إليه الفِرْقَةُ، وهذا أَشْهَرُ ما قيلَ في ذلكَ. ثمَّ تَطَوَّرَ مَذْهَبُهم وافْتَرَقُوا فِرَقًا كثيرةً، منهم مُعْتَزِلَةُ البَصرةِ، كالجاحِظِ وواصِلٍ نفسِه والنَّظَّامِ والْجُبَائِيِّينَ، ومنهم معتزِلَةُ بَغدادَ، كأحمدَ بنِ أبي داؤُدَ والْكَعْبِيِّ وعبدِ الجبَّارِ. وتَجْتَمِعُ أصولُهم في خمسةٍ كما يَلِي:

1- التوحيدُ: ويُدْخِلُونَ فيهِ نَفْيَ الصفاتِ، ويُثْبِتُونَ الأسماءَ فقطْ .
2- العَدْلُ: ويُدْخِلُونَ فيهِ نَفْيَ القَدَرِ وخَلْقَ العَبْدِ لفِعْلِه .
3- الوَعْدُ والوعيدُ: ويُريدُونَ بهِ تخليدَ مُرْتَكِبِ الكبيرةِ في النارِ .
4- الْمَنْزِلَةُ بينَ الْمَنْزِلَتَيْنِ: أيْ صاحبُ الكبيرةِ بينَ الإيمانِ والكفْرِ في الدُّنيا، وهيَ سببُ اعتزالِ وَاصِلٍ .
5- الأمْرُ بالمعروفِ والنهيُ عن الْمُنْكَرِ: ويُدْخِلُونَ فيهِ الخروجَ على وُلاةِ الأمورِ .
- وقدْ نَظَمْتُ هذهِ الأصولَ الخمسةَ بقولي:



أصولُهم في العَدْلِ والتوحيدِ = والأمرِ بالمعروفِ والوَعِيدِ
ومَنْزِلٌ لصاحِبِ الكبيرةْ = مُعَلَّقٌ والْخُلْدُ في الأخيرةْ

ثانيًا: مَذْهَبُهُمْ في الأسماءِ والصِّفاتِ: إثباتُ الأسماءِ دونَ ما تَتَضَمَّنُهُ من الصفاتِ .
ولهمْ طريقتانِ في النفيِ:

الأُولَى: مَنْ يَجْعَلُ العليمَ والقديرَ وغيرَها كالأعلامِ الْمُتَرَادِفَةِ الْمَحْضَةِ. والْمَحْضَةُ: أي التي لا تَدُلُّ إلَّا على مُجَرَّدِ الاسمِ كالأعلامِ عندَنا، والْمُتَرَادِفَةُ: أي الْمُخْتَلِفَةُ لَفْظًا والْمُتَّفِقَةُ معنًى، فمُؤَدَّاهَا إثباتُ الاسمِ فقطْ، كما تقولُ: الليثُ والأسَدُ والْغَضَنْفَرُ .

الطريقةُ الثانيةُ: مَنْ يقولُ: عليمٌ بلا عِلْمٍ، قديرٌ بلا قُدْرَةٍ، سميعٌ بلا سَمْعٍ، بصيرٌ بلا بَصَرٍ .. وهكذا .
- والفَرْقُ بينَ الطريقتينِ، أنَّ الْأُولَى نَفَت الصفاتِ ضِمْنًا، والثانيةَ نَفَتْها تصريحًا، والجميعَ مُتَّفِقُونَ على النَّفْيِ .

ثالثًا: شُبْهَتُهُمْ: أنَّ إثباتَ الصفاتِ يَسْتَلْزِمُ التجسيمَ .

رابعًا: الردُّ عليهم: لا فَرْقَ بينَ إثباتِ الأسماءِ وإثباتِ الصِّفاتِ، فمَنْ زَعَمَ أنَّهُ لا يُوصَفُ بالحياةِ والعِلْمِ والقُدْرَةِ إلَّا ما هوَ جِسْمٌ، قيلَ لهُ: ولا يُسَمَّى في الشاهِدِ حَيًّا عَلِيمًا قَديرًا إلَّا ما هوَ جِسْمٌ . فإمَّا أنْ يَنْفِيَ الجميعَ، أوْ أنْ يُثْبِتَ الجميعَ، وسيأتي مُفَصَّلاً، والغَرَضُ السيْرُ على ترتيبِ الرسالةِ .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, طائفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir