799- وعن أبى هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ قالَ: بَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ عُمَرَ على الصَّدَقَةِ.. الحديثَ. وفيه: فَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
_____________________________________________________________
مُفْرداتُ الحَديثِ:
- احْتَبَسَ: التَّحْبِيسُ ابتغاءُ وَجْهِ اللَّهِ تعالى بوَقْفِ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بها، ويَبْقَى أَصْلُها.
- أَدْرَاعَهُ: مُفْرَدُه دِرْعٌ، والدِّرْعُ قَمِيصٌ مِن حَلَقاتٍ مِن الحديدِ مُتَشَابِكَةٍ، يُلْبَسُ وِقايَةً مِن السلاحِ، يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ.
- أَعْتَادَهُ: مُفْرَدُه عَتادٌ، بفَتْحِ العَيْنِ، والعَتادُ آلاتُ الحَرْبِ مِن سِلاحٍ وغَيْرِه.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- بَعَثَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ لجِبايَةِ الزَّكَاةِ، فجَاءَ إلى خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ، وإِلَى ابنِ جميلٍ، فمَنَعَا أَدَاءَها، فشَكَاهُما عُمَرُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ, فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ: ((أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ, وأَمَّا ابنُ جميلٍ فَلَيْسَ لَهُ مِن العُذْرِ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأَغْنَاهُ اللَّهُ)).
2- ففِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ بَعْثِ الإِمامِ السُّعَاةَ لجِبايَةِ الزَّكَاةِ مِن أَهْلِها.
3- جَوازُ شَكْوَى مَن امْتَنَعَ مِن أَدَاءِ الواجباتِ إلى مَن يَقْدِرُ على إِجْبَارِه على أَدَائِها، وأنَّ هذا لا يُعَدُّ مِن الغِيبَةِ المُحَرَّمَةِ.
4- قَبِيحٌ فِعْلُ مَن جَحَدَ نِعْمَةَ اللَّهِ عليهِ شَرْعاً وعَقْلاً؛ لأنه جَعَلَ كُفْرَ النِّعْمَةِ مَكانَ شُكْرِها.
5- أنَّ الأشياءَ المَوْقُوفَةَ على جِهَةِ بِرٍّ؛ كالمَسَاجِدِ والربطِ والمَدَارِسِ والفُقراءِ، لَيْسَ فيها زَكَاةٌ؛ لأنه ليسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ.
6- أمَّا المَوْقُوفَةُ على مُعَيَّنٍ ففيها الزكاةُ إذا بَلَغَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهم نِصاباً.
7- جَوازُ جَعْلِ الأعيانِ المَنْقُولَةِ وَقْفاً للهِ تعالى، فلا يَخْتَصُّ الوَقْفُ بالعَقارِ، وجَوازُ وَقْفِ الحيوانِ، فقدْ فُسِّرَتِ الأَعْتَادُ بالخيلِ.
8- أنَّ الوَقْفَ جِهَةُ بِرٍّ، ثَوابُهُ كَبِيرٌ، وأَجْرُه عَظِيمٌ.
9- أنَّ الحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ ((فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) هي الغَزْوُ وقِتَالُ الكُفَّارِ، لا جَمِيعُ المَرَافِقِ التي تَنْفَعُ المُسلِمِينَ، كما أَدْخَلَهَا بَعْضُهم.
10- وفيهِ فَضِيلَةُ الوَقْفِ والتَّحْبِيسِ على الجِهادِ في سَبيلِه، وأنَّ هذا مِن جِهاتِ البِرِّ النَّافِعَةِ.
11- الجِهادُ الغَرَضُ منه نَشْرُ الدَّعْوَةِ وإعلاءُ كلمةِ اللَّهِ تعالى، وهذا كما يَكونُ بالقتالِ يَكونُ أيضاً بالدعوةِ إلى اللَّهِ تعالى، وما يُعِينُ عليها.
12- قولُه: ((فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) دَليلٌ على أنَّ الوَقْفَ لا يُشْرَعُ، ولا يَصِحُّ، إلاَّ إذا كانَ عَلَى قُرْبَةٍ، وبِرٍّ، يَرْجُو الوَاقِفُ ثَوابَهُ عندَ اللَّهِ تعالى؛ لأنه صَدَقَةٌ، والصَّدَقَةُ يُقْصَدُ بِهَا الثَّوابُ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: الوَقْفُ علَى المَشاهِدِ بَاطِلٌ، وهو مَالٌ ضَائِعٌ فيُصْرَفُ في مَصالِحِ المُسلمِينَ، فإنَّ الوَقْفَ لا يَصِحُّ إلاَّ في قُرْبَةٍ وطَاعَةِ اللَّهِ ورسولِه، فلا يَصِحُّ على قُبورٍ تُسْرَجُ وتُعَظَّمُ، وتُتَّخَذُ مِن دُونِ اللَّهِ، وهذا مِمَّا لا يُخالِفُ فيه أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ المُسلمِينَ، ومَن اتَّبَعَ سبيلَهم.