دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 01:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الوقف (2/3) [من صور الوقف]


وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: أصابَ عُمَرُ أرضًا بِخَيْبَرَ، فأتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَستأمِرُهُ فيها، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ أرضًا بخيبرَ لمْ أُصِبْ مالًا قطُّ هوَ أَنْفَسُ عندِي منهُ، قالَ: ((إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)). قالَ: فتَصَدَّقَ بها عُمَرُ، غَيْرَ أنَّهُ لا يُباعُ أَصْلُها ولا يُورَثُ ولا يُوهَبُ، فتَصَدَّقَ بها في الفُقراءِ وفي القُرْبَى وفي الرِّقابِ وفي سَبيلِ اللَّهِ وابنِ السبيلِ والضَّيْفِ، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ منها بالمعروفِ، ويُطْعِمَ صَديقًا غيرَ مُتَمَوِّلٍ مالًا. مُتَّفَقٌ عليهِ، واللفظُ لمُسْلِمٍ. وفي روايَةٍ للبخاريِّ: ((تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ)).


  #2  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 07:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


2/874 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، قَالَ: ((إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)). قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُورَثُ، وَلا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالاً.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ: تَصَدَّقَ بِأَصْلِهَا؛ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ)، فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لِعُمَرَ مِائَةُ رَأْسٍ، فَاشْتَرَى بِهَا مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ.
(فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، وَأَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُورَثُ، وَلا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى)؛ أيْ: ذَوِي قُرْبَى عُمَرَ، (وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالاً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: تَصَدَّقَ بِأَصْلِهِ؛ لا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ).
أَفَادَتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ كَوْنَهُ لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ مِنْ كَلامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَقْفِ، وَهُوَ يَدْفَعُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْوَقْفِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقَالَ بِهِ وَرَجَعَ عَنْ بَيْعِ الْوَقْفِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رَدُّ الْوَقْفِ مُخَالِفٌ لِلإِجْمَاعِ، فَلا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ يَأْكُلُ مِنهُ مَنْ وَلِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جَرَت الْعَادَةُ أَنَّ الْعَامِلَ يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرَةِ الْوَقْفِ، حَتَّى لَو اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لا يَأْكُلَ مِنْهُ لاسْتُقْبِحَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ: الْقَدْرُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ الَّذِي يَدْفَعُ الشَّهْوَةَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْرِ عَمَلِهِ، قِيلَ: وَالأَوَّلُ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ)؛ أيْ: غَيْرَ مُتَّخِذٍ مِنْهَا مَالاً؛ أيْ: مِلْكاً، وَالْمُرَادُ: لا يَتَمَلَّكُ مِنْ رِقَابِهَا شَيْئاً، وَلا يَأْخُذُ مِنْ غَلَّتِهَا مَا يَشْتَرِي بَدَلَهُ مِلْكاً، بَلْ لَيْسَ لَهُ إلاَّ مَا يُنْفِقُهُ. وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى بِهَا إلَى حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ إلَى الأَكَابِرِ مِنْ آلِ عُمَرَ. وَنَحْوُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ.

  #3  
قديم 18 محرم 1430هـ/14-01-2009م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


798- وعَنِ ابنِِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما ـ قالَ: أَصَابَ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ أَرْضاً بخَيْبَرَ فأَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إني أَصَبْتُ أَرْضاً بخَيْبَرَ، لمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي منه. فقالَ: ((إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)).
قالَ: فتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ أنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُورَثُ، ولاَ يُوهَبُ، فتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَفِي القُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وابنِ السَّبِيلِ والضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَن وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بالمَعْرُوفِ ويُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مالاً. مُتَّفَقٌ عليهِ، واللَّفْظُ لمُسْلِمٍ.
وفي رِوايةٍ للبخاريِّ: ((تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا، لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ)).


مُفْرداتُ الحَديثِ:
أَرْضاً بِخَيْبَرَ: اسْمُ تِلْكَ الأرضِ ثَمْغٌ بفَتْحِ الثاءِ المُثلَّثَةِ، وسكونِ الميمِ، وآخِرُه غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ.
يَسْتَأْمِرُهُ: أي: يَسْتَشِيرُه فيها.
أَنْفَسُ عِنْدِي: يُقالُ: نَفُسَ بضَمِّ الفاءِ نَفَاسَةً، والمرادُ: أَجْوَدُ وأَعْجَبُ مَالٍ عِنْدِي.
القُرْبَى: قَرَابَةُ الإنسانِ الشامِلَةُ لجِهَةِ الأبِ، وجِهَةِ الأُمِّ، والمُرَادُ قُرْبَى الوَاقِفِ.
الرِّقَابِ: وهم الأَرِقَّاءُ، الذينَ كَاتَبَهم أَسْيَادُهم، ولا يَجِدُونَ وَفَاءَ كِتَابَتِهم ودَيْنِهم.
في سبيلِ اللَّهِ: هم الغُزاةُ وجَمِيعُ ما أعانَ على إعلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، ونشرِ دِينِه.
ابنِ السَّبِيلِ: هو المُسافِرُ الذي انْقَطَعَتْ بِهِ النَّفَقَةُ في غَيْرِ بلَدِه، فالسبيلُ هو الطريقُ، سُمِّيَ ابنَ السَّبِيلِ لمُلازَمَتِه لَهُ.
الضَّيْفُ: النَّزِيلُ يَنْزِلُ على غيرِه دُعِيَ أَوْ لَمْ يُدْعَ، يَكونُ للواحِدِ والجَمْعِ؛ لأنَّه في الأَصْلِ مَصْدَرٌ، وقدْ يُجْمَعُ على أَضْيافٍ وضُيوفٍ.
لا جُناحَ: بضَمِّ الجيمِ، وهو الإثْمُ, على مَن وَلِيَها أنْ يَأْكُلَ مِن رِيعِها بالمَعروفِ.
غيرَ مُتَمَوِّلٍ: حالٌ مِن قولِه: مَن وَلِيَها. أي: أَكْلُه وإِطْعَامُه غَيْرَ مُتَّخِذٍ مِن الوَقْفِ مِلْكاً له، فليسَ له سِوَى ما يُنْفِقُه، بلا مُجاوَزَةٍ للمُعتادِ.
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- أصَابَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ ـ أَرْضاً بخَيْبَرَ هي أَغْلَى مالٍ عِنْدَه، فجاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ يَسْتَشِيرُه في صِفَةِ الصَّدَقَةِ بها، فأشارَ عليهِ بتَحْبِيسِ أصلِها عن التَّصَرُّفاتِ، والصَّدَقَةِ بغَلَّتِها؛ ففَعَلَ، فكانَ أولَ مَن وَقَفَ في الإسلامِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ.
2- ففي الحديثِ بيانُ مَعْنَى الوَقْفِ، من أنَّه تَحْبِيسُ الأصْلِ عن التَّصَرُّفِ بالرِّقْبَةِ بما يَنْقُلُ مِلْكَها، أو يكونُ سَبَباً لذلك، وتَسْبِيلُ المَنْفَعَةِ.
3- قولُه: غَيْرَ أَنَّه لا يُباعُ أَصْلُها. فيهِ بيانُ حُكْمِ التصَرُّفِ في الوَقْفِ، فإنَّه لا يَجوزُ بِمَا يَنْقُلُ المِلْكَ، كالبيعِ والهِبَةِ، وإنما يَجِبُ بَقاءُ الرِّقْبَةِ يُعْمَلُ فيهِ حَسَبَ الشرطِ الشَّرْعِيِّ مِن الوَاقِفِ.
4- أنَّ الوَقْفَ لا يَكُونَ إِلاَّ فِي الأشياءِ التي يُنْتَفَعُ بها، وتَبْقَى أعيانُها، فأما الذي يُذْهَبُ بالانتفاعِ به فهو صَدَقَةٌ, وليسَ وَقْفاً.
5- قولُه: فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ. فيهِ بَيانُ مَصْرِفِ الوَقْفِ، ذلك بأنْ يَكونَ في وُجوهِ البِرِّ العامِّ أو الخاصِّ؛ كالقَرَابةِ، والفُقراءِ، وطُلاَّبِ العِلْمِ، والمُجاهِدِينَ، ونحوِ ذلك.
6- قولُه: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا. فيهِ مَشْرُوعِيَّةُ وُجودِ نَاظِرٍ للوَقْفِ، يُنَفِّذُ شَرْطَ الواقِفِ، ويُصْلِحُ الوَقْفَ، ويُصَرِّفُهُ مَصارِفَه.
7- قولُه: أَنْ يَأْكُلَ مِنْها بالمَعْروفِ. فيهِ بَيانُ أَنَّ النَّاظِرَ له قَدْرُ نَفَقَتِه مِن الوَقْفِ بالمعروفِ، وذلك مُقابِلَ عَمَلِه، ومُقابِلَ حَبْسِه نَفْسَه على إِصْلاحِه وأعمالِه.
8- وفيهِ أَنَّ للواقِفِ أنْ يَشْتَرِطَ شُروطاً عَادِلَةً جائِزَةً شَرْعاً وأنَّه يَجِبُ إِنْفاذُها، والعَمَلُ بها، ولولا ذلك ما كانَ لاشْتِراطِها فَائِدَةٌ.
9- فيهِ فَضِيلَةُ الوَقْفِ، وأنَّه مِن الصَّدَقاتِ الجَارِيَةِ، والإحسانِ المُسْتَمِرِّ.
10- وفيهِ أَنَّه يَنْبَغِي أنْ يَكونَ الوَقْفُ مِن أَطْيَبِ المالِ وأَحْسَنِه؛ طَمَعاً في ثَوابِ اللَّهِ تعالى، حَيْثُ قالَ تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]. وقولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بَآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}. [البقرة:267].
11- وفيهِ وُجوبُ النُّصْحِ لمَن استشارَ وأنْ يَدُلَّه على أَفْضَلِ الطُّرُقِ، وأَحْسَنِ الوُجوهِ.
12- وفيهِ فَضِيلَةُ استشارَةِ العُلماءِ، وأهلِ الرَّأْيِ والنُّصْحِ، وأنَّ الإنسانَ لا يَسْتَبِدُّ بأُمورِه الهَامَّةِ، فقدْ قَالَ تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]. وقالَ تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] ففي هذا السَّدَادُ، والرَّشادُ، والنَّجَاحُ في الأُمورِ غالباً.
13- فيهِ ما يَدُلُّ على أنَّه يَجِبُ أنْ تَكونَ شُروطُ الواقفِ مِن الشروطِ العادِلَةِ الصحيحةِ الشرعِيَّةِ؛ لأنه جاءَ في الحديثِ الذي في الصحيحيْنِ أنه صَلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: ((مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْكَانَ مِائَةَ شَرْطٍ)).
أما الشُّروطُ الجَائِرَةُ الظالِمَةُ، مثلُ الشُّرُوطِ التي يُقْصَدُ بها حِرمانُ بَعْضِ الوَرَثَةِ، ومُحاباةُ بَعْضِهم بلا مُسَوِّغٍ؛ فهذهِ شُروطٌ بَاطِلَةٌ مُحَرَّمَةٌ، لا تَصِحُّ.
14- فيهِ أنه يَجِبُ علَى العُلماءِ، والقُضاةِ، وكُتَّابِ العَدْلِ، ونحوِ ذلك مِمَّن يَتَوَلَّوْنَ كِتَابَةَ وَثَائِقِ الناسِ في أوقافِهم، ووصاياهم، أنْ يَدُلُّوهم على ما يُوافِقُ كِتَابَ اللَّهِ وسُنَّةَ رسولِه، وأنْ يُجَنِّبُوا الواقفِينَ والمُوصِينَ الظُّلْمَ والحَيْفَ، قالَ تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:182].
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: مَنِ اشْتَرَطَ في الوَقْفِ أو الهِبَةِ أو البَيْعِ أو النِّكاحِ أو الإِجَارَةِ أو النَّذْرِ أو غيرِ ذلك، شُرُوطاً تُخالِفُ ما كَتَبَهُ اللَّهُ على عِبَادِه، بحيثُ تَتَضَمَّنُ الشُّرُوطُ الأَمْرَ بمَا نَهَى اللَّهُ عنه، أو النَّهْيَ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ به، أو تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ، أو تَحْرِيمَ مَا حَلَّلَه، فهذه الشروطُ بَاطِلَةٌ باتِّفاقِ المُسلمِينَ فِي جَميعِ العُقودِ؛ الوَقْفِ وغيرِه.
15- فيهِ بيانُ بَعْضِ جِهاتِ البِرِّ التي يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَصْرِفُ الوَقْفِ فِيها وهي:
- الفُقَراءُ: ويَدْخُلُ مَعَهم المَساكِينُ، وهم مَن لا يَجِدُونَ كِفَايَةَ عَامِهِم مِن النَّفَقاتِ.
قالَ الشَّيْخُ: إذا وَقَفَ على الفُقَراءِ فأَقَارِبُ الوَاقِفِ الفُقَراءُ أَحَقُّ مِن الفُقَرَاءِ الأجَانِبِ، معَ التساوي في الحَاجَةِ.
- القُرْبَى: وهم قَرابَةُ الإنسانِ مِن النَّسَبِ أو المُصاهَرَةِ، والأَفْضَلُ أنْ تَكُونَ بالأَقْرَبِ فالأَقْرَبِ، معَ الاستواءِ في الحاجةِ، وإلاَّ فتُقَدَّمُ الحَاجَةُ.
- الرِّقَابُ: مِن عِتْقِ الأَرِقَّاءِ، وفِكَاكِ الأَسْرَى.
- وفي سبيلِ اللَّهِ: مِن المَرَافِقِ العَامَّةِ النافعةِ للمسلمينَ، من الدعوةِ إلى اللَّهِ تعالى، والجهادِ في سبيلِه، والمَلاجِئِ والمساجدِ وغيرِ ذلك.
- ابنُ السَّبِيلِ: المُسافِرونَ المُنْقَطِعونَ عن بُلْدَانِهم وأموالِهم وعن بعضِهم، فيُعْطَوْنَ مَا يُبَلِّغُهم إلى أوطانِهم.
- والضَّيْفُ: بِرُّه والإحسانُ إليهِ، والوَاجِبُ يومٌ ولَيْلَةٌ، والمُسْتَحَبُّ أَدْناهُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ.
16- قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السِّعْدِيُّ: اشْتراطُ البِرِّ والقُرْبَةِ في الوَقْفِ يَدُلُّ على أنَّ الوَقْفَ على بَعْضِ الوَرَثَةِ دونَ البعضِ الآخَرِ يَحْرُمُ، ولا يَصِحُّ.
17- وقالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقَ العلماءُ على أنه لا يَجوزُ بَذْلُ المالِ إلا لمَنْفَعَةٍ تَعودُ على الدِّينِ أو الدنيا, والوَقْفُ لا يَعودُ على الدنيا لصَاحِبِه، وحِينَئذٍ فلا يَنْتَفِعُ بهِ الدِّينُ إِلاَّ لِمَا يَقِفُه في سَبيلِ طاعةِ اللَّهِ تعالى.
18- وقالَ الشيخُ: اتَّفَقَ العلماءُ على أنَّ شُروطَ الوَقْفِ تَنْقَسِمُ إلى صحيحٍ وفاسِدٍ، كما في سائرِ العُقودِ، ومَن قالَ مِن الفُقهاءِ: إنَّ شُروطَ الوَاقِفِ كنُصوصِ الشَّارِعِ. فمُرادُه في الدَّلالَةِ علَى المُرادِ، لا في وُجوبِ العَمَلِ بها، معَ أنَّ التحقيقَ في هذا أنَّ لَفْظَ الحالِفِ، والمُوصِي، وكلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ قولُه علَى عَادَتِه في خِطابِه ولُغَتِه التي يَتَكَلَّمُ بها، سَواءٌ وَافَقَتِ العَربِيَّةَ الفُصْحَى, أو العَرَبِيَّةَ المُوَلَّدَةَ، أو العَرَبِيَّةَ المَلْحُونَةَ، أو كانَتْ غيرَ عَرَبِيَّةٍ، وسواءٌ وَافَقَتْ لُغَةَ الشَّارِعِ أو لمْ تُوافِقْهُ، فإنَّ المَقْصُودَ من الألفاظِ دَلالَتُها على مُرادِ الناطِقِينَ بها، فنحنُ نَرْجِعُ في مَعرفةِ كلامِ الواقِفِ إلى مَعْرِفَةِ لُغَتِه وعُرْفِه وعَادَتِه.
وقالَ ابنُ القَيِّمِ: إنَّ أَحْسَنَ حَمْلٍ لقَوْلِ: نَصُّ الوَاقِفِ كنَصِّ الشَّارِعِ. بمَعْنَى تَخْصيصِ عَامِّها بخاصِّها، وحَمْلِ مُطْلَقِها على مُقَيَّدِها، واعتبارِ مَفْهومِها كاعتبارِ مَنْطُوقِها.
وأما وُجوبُ الاتِّباعِ فلا يَظُنُّ ذلك إلاَّ مَن له نِسْبَةٌ إلى العِلْمِ، وإذا كانَ حُكْمُ الحَاكِمِ يُرَدُّ منه ما خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ ورَسُولِه، فنَصُّ الوَاقِفِ أَوْلَى.
خِلافُ العُلماءِ:
يَرَى الإمامُ أبو حَنِيفَةَ جَوازَ بَيْعِ الوَقْفِ والرُّجُوعِ فيه, إلاَّ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الحَاكِمُ، أو يُعَلِّقَه بموتِه، فيقولَ: إِذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي على كذا. فيَلْزَمُ حينَئذٍ, وخَالَفَه أصحابُه في ذلك.
قالَ أبو يُوسُفَ: لو بَلَغَ أبا حَنِيفَةَ حديثُ عُمَرَ؛ لقالَ بِهِ، ورَجَعَ عن بيعِ الوَقْفِ، والمُفْتَى بهِ في المَذْهَبِ الحَنَفِيِّ هو قَوْلُ أبي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
قالَ القُرْطُبِيُّ: الرُّجوعُ في الوَقْفِ مُخالِفٌ للإجماعِ، فلا يُلْتَفَتُ إليه.
وذهَبَ مالِكٌ والشافِعِيُّ إلى لُزومِ الوَقْفِ، وعَدَمِ جَوازِ بَيْعِه بحالٍ، أخْذاً بعُمومِ الحديثِ: ((غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا)).
وذَهَبَ أحمدُ إلى قولٍ وَسَطٍ، وهو أنَّه لا يَجوزُ بَيْعُه ولا الاستبدالُ به، إلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنافِعُه، فيَجُوزُ بَيْعُه، واستبدالُه بغيرِه.
اسْتَدَلَّ على ذلك بفِعْلِ عُمَرَ حِينَما بَلَغَه أنَّ بَيْتَ المالِ الذي بالكُوفةِ نُقِّبَ، فكَتَبَ إلى سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ أميرِ الكُوفَةِ: "أنِ انْقُلِ المَسْجِدَ الَّذِي بالتَّمَّارِينَ، وَاجْعَلْ بَيْتَ المَالِ فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ؛ فإِنَّه لَنْ يَزَالَ فِي المَسْجِدِ مُصَلًّى".
وكانَ هذا بمَحْضَرٍ من الصحابةِ فلم يُنْكَرْ، فهو كالإجماعِ.
وشَبَّهَهُ الإمامُ أحمدُ بالهَدْيِ الذي يَعْطَبُ قَبْلَ بُلُوغِ مَحَلِّه، فإنَّه يُذْبَحُ بالحالِ، وتُتْرَكُ مُراعاةُ المَحَلِّ لإفضائِها إلى فواتِ الانتفاعِ بالكُلِّيَّةِ.
قالَ ابنُ عَقِيلٍ: الوَقْفُ مُؤَبَّدٌ، ولَمَّا لم يُمْكِنْ تَأْبِيدُه على وَجْهِ تَخْصيصِه اسْتَبْقَيْنَا الغَرَضَ, وهو الانتفاعُ على الدوامِ في عَيْنٍ أُخْرَى، وإيصالُ الأبدالِ جَرَى مَجْرَى الأعيانِ، وجُمودُنا على العَيْنِ معَ تَعَطُّلِها تَضْيِيعٌ للغَرَضِ. اهـ.
وقالَ شَيْخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: ومعَ الحَاجَةِ يَجِبُ إِبْدَالُ الوَقْفِ بمِثْلِه, وبلا حاجةٍ يجوزُ بخَيْرٍ منه؛ لظُهورِ المَصْلَحَةِ.
وقالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السِّعدِيُّ: إذا نَقَصَ المَوْقُوفُ، أو قَلَّتْ مَنَافِعُه، وكانَ غيرُه أَصْلَحَ منه، وأنفعَ للموقوفِ عليهم، ففيهِ عن أحمدَ رِوايتانِ: المَذْهَبُ: المَنْعُ، والأُخْرَى: الجَوازُ، وهو اخْتيارُ شَيْخِ الإسلامِ.
قُلْتُ: وعليها العَمَلُ في الديارِ السُّعودِيَّةِ، ولكنْ بعدَ نَظَرِ الحَاكِمِ الشرعيِّ وحُكْمِه، ثمَّ تَمْيِيزِ الحُكْمِ مِن مَحْكَمَةِ التَّمْيِيزِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوقف, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir