دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصيام

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 03:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي كتاب الصيام (3/19) [الحكم بالصوم والفطر معلق برؤية الهلال]


وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما [قالَ]: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ولمسلِمٍ: ((فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا [لَهُ] ثَلَاثِينَ)). وللبخاريِّ: ((فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ)).
وله في حديثِ أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ((فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)).

  #2  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 05:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


3/612 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: ((فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاثِينَ)). وللبُخَارِيِّ: ((فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثِينَ)).
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا رَأَيْتُمُوهُ) أَي: الهِلالَ (فَصُومُوا, وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ) بِضَمِّ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ المِيمِ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ (عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ هِلالِهِ, وَإِفْطَارِ أَوَّلِيَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ لِرُؤْيَةِ هِلالِهِ,وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ رُؤْيَةِ الجَمِيعِ لَهُ مِن المُخَاطَبِينَ, لَكِنْ قَامَ الإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ, بَلِ المُرَادُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ إخْبَارِ الوَاحِدِ العَدْلِ أَو الِاثْنَيْنِ, عَلَى خِلافٍ فِي ذَلِكَ, فَمَعْنَى:"إذَا رَأَيْتُمُوهُ". أَيْ: إذَا وُجِدَتْ فِيمَا بَيْنَكُم الرُّؤْيَةُ.
فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ بَلَدٍ رُؤْيَةٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ البِلادِ فَيَلْزَمُ الحُكْمُ. وَقِيلَ: لا يُعْتَبَرُ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ: " إذَا رَأَيْتُمُوهُ " خِطَابٌ لِأُنَاسٍ مَخْصُوصِينَ بِهِ. وَفِي المَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ لَيْسَ عَلَى أَحَدِهَا دَلِيلٌ نَاهِضٌ, وَالأَقْرَبُ لُزُومُ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ الرُّؤْيَةَوَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِن الجِهَاتِ الَّتِي عَلَى سَمْتِهَا.
وَفِي قَوْلِهِ: ((لِرُؤْيَتِهِ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الوَاحِدَ إذَا انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَالإِفْطَارُ, وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ الآلِ وَأَئِمَّةِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ فِي الصَّوْمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الإِفْطَارِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُفْطِرُ وَيُخْفِيه، وَقَالَ الأَكْثَرُ: يَسْتَمِرُّ صَائِماً احْتِيَاطاً, كَذَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ, وَلَكِنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلاةِ العِيدَيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ يَقِينَ نَفْسِهِ وَيُتَابِعُ حُكْمَ النَّاسِ إلاَّ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّوَأَنَّ الجُمْهُورَ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حُكْمُ نَفْسِهِ فِيمَا يَتَيَقَّنُهُ. فَنَاقَضَ هُنَا مَا سَلَفَ.
وَسَبَبُ الخِلافِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِكُرَيْبٍ أنَّهُ لا يَعْتَدُّ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ وَهُوَ بِالشَّامِ,بَلْ يُوَافِقُ أَهْلَ المَدِينَةِ فَيَصُومُ الحَادِيَ وَالثَّلاثِينَ بِاعْتِبَارِ رُؤْيَةِ الشَّامِ؛ لأَنَّهُ يَوْمُ الثَّلاثِينَ عِنْدَ أَهْلِ المَدِينَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ ذَلِكَ مِن السُّنَّةِ. وَتَقَدَّمَ الحَدِيثُ وَلَيْسَ بِنَصٍّ فِيمَا احْتَجُّوا بِهِ؛لِاحْتِمَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ, فَالحَقُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِيَقِينِ نَفْسِهِ صَوْماً وَإِفْطَاراً وَيَحْسُنُ التَّكَتُّمُ بِهَا صَوْناً لِلْعِبَادِ عَنْ إثْمِهِمْ بِإِسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِ.
(وَلِمُسْلِمٍ) أَيْ: عَن ابْنِ عُمَرَ: (فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاثِينَ).
(وَلِلْبُخَارِيِّ) أَيْ: عَن ابْنِ عُمَرَ: (فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثِينَ).
قَوْلُهُ: ((فَاقْدِرُوا لَهُ)). هُوَ أَمْرٌ هَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَتُكْسَرُ الدَّالُ وَتُضَمُّ، وَقِيلَ: الضَّمُّ خَطَأٌ، وَفَسَّرَ المُرَادَ بِهِ بقَوْلِهِ: ((فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلاثِينَ)). قولُه: ((فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثِينَ)). وَالمَعْنَى: أَفْطِرُوا يَوْمَ الثَّلاثِينَ وَاحْسُبُوا تَمَامَ الشَّهْرِ. وَهَذَا أَحْسَنُ تَفَاسِيرِهِ.
وَفِيهِ تَفَاسِيرُ أُخَرُ, نَقَلَهَا الشَّارِحُ, خَارِجَةٌ عَنْ ظَاهِرِ المُرَادِ مِن الحَدِيثِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي الحَدِيثِ دَفْعٌ لِمُرَاعَاةِ المُنَجِّمِينَ، وَإِنَّمَا المُعَوَّلُ عَلَيْهِ رُؤْيَةُ الأَهِلَّةِ وَقَدْ نُهِينَا عَن التَّكَلُّفِ. وَقَدْ قَالَ البَاجِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: يَجُوزُ لِلْحَاسِبِ وَالمُنَجِّمِ وَغَيْرِهِمَا الصَّوْمُ وَالإِفْطَارُ اعْتِمَاداً عَلَى النُّجُومِ: إنَّ إجْمَاعَ السَّلَفِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ بُرَيرَةَ: هُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ قَدْ نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَن الخَوْضِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ؛ لأَنَّهَا حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ لَيْسَ فِيهَا قَطْعٌ.
قَالَ الشَّارِحُ: قُلْتُ: وَالجَوَابُ الوَاضِحُ عَلَيْهِمْ مَا أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَن ابْنِ عُمَرَ,أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ, الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا)). يَعْنِي تِسْعاً وَعِشْرِينَ مَرَّةً, وَثَلاثِينَ مَرَّةً.
4/613 - وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ)).
(وَلَهُ) أَي البُخَارِيِّ (فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ)، هُوَ تَصْرِيحٌ بِمُفَادِ الأَمْرِ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِ (فَإِنْ غُمَّ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ) أَيْ: عِدَّةَ شَعْبَانَ,وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ نُصُوصٌ فِي أَنَّهُ لا صَوْمَ وَلا إفْطَارَ إلاَّ بِالرُّؤْيَةِ لِلْهِلالِ أَوْ إكْمَالِ العِدَّةِ.

  #3  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 05:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


541- وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ولمسلِمٍ: ((فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ)). وللبخاريِّ: ((فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ)).
وله في حديثِ أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)).

*مُفرداتُ الحديثِ:
-إذا رَأَيْتُمُوهُ فصُومُوا: أي: الهلالَ، والمرادُ: إذا رَآهُ منكم مَن يَثْبُتُ برؤيتِه وُجوبُ الصوْمِ.
-أُغْمِيَ عليكمْ: - بسُكونِ الغَيْنِ المعْجَمَةِ وكسْرِ الميمِ، بالبناءِ للمجهولِ- أيْ: غُطِّيَ الْهِلالُ وسُتِرَ عنكم، مِن: الإغماءِ يُقالُ: أُغْمِيَ عليه الخبَرُ إذا اسْتَعْجَمَ؛ وذلك باستتارِ مَغِيبِ الهلالِ بغَيْمٍ، أو قَتَرٍ فأَكْمِلُوا العِدَّةَ.
وبعضُ الرواياتِ: ((فَإِنْ غُمَّ)) بضَمِّ الغَيْنِ وتشديدِ الميمِ، بالبناءِ للمجهولِ؛ أيْ: أُخْفِيَ، وصارَ مَستوراً بغَيْمٍ ونحوِه.
-فاقْدُرُوا له:- بضَمِّ الدالِ وكَسْرِها: قالَ في (الْمِصْبَاحِ): أيْ: قَدِّرُوا عددَ الشهْرِ، وأَكْمِلُوا شَعبانَ ثلاثينَ يَوْماً.
- فاقْدُروا له، وأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثلاثينَ: قالَ شَريحٌ: الأوَّلُ خِطابٌ لِمَن خَصَّهُ اللهُ بهذا العِلْمِ، والثاني خِطابٌ للعامَّةِ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- وُجوبُ صِيامِ شَهْرِ رمضانَ إذا ثَبَتَ رُؤيةُ هِلالِه، ووجوبُ الفِطْرِ إذا ثَبَتَ رؤيةُ هِلالِ شَوَّالٍ.
2- استحبابُ إشاعةِ خَبَرِ دُخولِ شَهْرِ رمضانَ، وخُروجِه بأَوْسَعِ وَسيلةٍ، وأسرَعِها.
3- أنَّ الحكْمَ بالصوْمِ والفِطْرِ معَلَّقٌ برؤيةِ الهلالِ، فلا يُصامُ إلاَّ بالرؤيةِ، ولا يُفْطَرُ إلاَّ بالرؤيةِ الْمُجَرَّدَةِ، ولو بواسِطَةِ الْمَرَاصِدِ والآلاتِ التي تُكَبِّرُ الْمَرئِيَّاتِ؛ فإنه يُعْتَبَرُ ذلك رؤيةً بالعَيْنِ المشاهِدَةِ.
4- إذا حالَ دُونَ مَغيبِ الهلالِ ما يَمنعُ الرؤيةَ مِن سَحابٍ، أو غُبارٍ، أو نحوَهما ليلةَ الثلاثينَ مِن شعبانَ فتُكْمَلُ عِدَّةُ شَعبانَ، ثلاثينَ يَوْمًا، ولا يُصامُ يومُ تلك الليلةِ، بل يُصْبِحُ الناسُ مُفْطِرِينَ على القَوْلِ الراجِحِ.
ذلك أنَّ الأَصْلَ واليقينَ هو بقاءُ شعبانَ، وخروجُه شَكٌّ، ولا يُصَارُ مِن اليقينِ إلاَّ إلى مِثْلِه، أمَّا الشكوكُ والاحتمالاتُ فلا تُقَدَّمُ على اليَقينِ.
5- الرؤيةُ هي المستَنَدُ الشَّرْعِيُّ في أحكامِ الصيامِ والإفطارِ، وأنه لا عِبْرَةَ بالحسابِ، ولا يَصِحُّ الاعتمادُ عليه بحالٍ مِن الأحوالِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: ولا رَيْبَ أنه ثَبَتَ بالسُّنَّةِ الصحيحةِ وآثارِ الصحابةِ، أنه لا يَجوزُ الاعتمادُ على حِسابِ النجومِ، والمعتَمِدُ عليه كما أنه ضالٌّ في الشريعةِ مُبْتَدِعٌ في الدِّينِ، فهو مُخطئٌ في الْعَقْلِ، وعِلْمِ الحسابِ، فإنَّ عُلماءَ الهيئةِ يَعرفونَ أنَّ الرؤيةَ لا تَنْضَبِطُ بأمْرٍ حِسابِيٍّ، فإنها تَختلِفُ باختلافِ ارتفاعِ المكانِ، وانخفاضِه، وغيرِ ذلك.
* خِلاَفُ العُلماءِ:
اختَلَفَ العُلماءُ في حُكْمِ الصيامِ ليلةَ الثلاثينَ مِن شَعبانَ: إذا حالَ دُونَ مَنْظَرِ الْهِلالِ غَيْمٌ، أو قَتَرٌ، ونحوَ ذلك:
فذَهَبَ الإمامُ أحمدُ في الْمَشهورِ عنه إلى: وُجوبِ الصيامِ.
قالَ في (الإنصافِ): وهو الْمَذْهَبُ عندَ الأصحابِ، ونَصَرُوه، وصَنَّفُوا فيه التصانيفَ، ورَدُّوا حُجَجَ المخالِفِ ونصوصُ أحمدَ تَدُلُّ عليه، وهو مِن الْمُفْرَدَاتِ.
واسْتَدَلُّوا: بما في البُخاريِّ (1900)، ومسلمٍ (1080) مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ))، وفَسَّرُوا ((اقْدُرُوا لَهُ))؛ أيْ: ضَيِّقُوا على شَعبانَ، فاجْعَلُوه تِسعةً وعشرينَ يَوْمًا.
وذَهَبَ الأَئِمَّةُ الثلاثةُ إلى: عدَمِ مَشروعيَّةِ صيامِ ذلك اليومِ، واعتبارِه هو يومُ الشكِّ المنهِيُّ عنه؛ بما رواه أبو داودَ (2334) والتِّرمذيُّ (686) مِن حديثِ عَمَّارٍ قالَ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أبا القاسمِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-".
وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، قالَ في (الْمُغنِي): وعن أحمدَ: لا يَجِبُ صِيامُه، ولا يُجْزِئُه عن رمضانَ إنْ صامَه، وهو قولُ أكثَرِ أهْلِ العِلْمِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: عدَمُ صِيامِه هو مَذهَبُ أحمدَ المنصوصُ عليه، والأصْلُ عدَمُ الوُجوبِ في كلامِ الإمامِ أحمدَ.
وقالَ الشيخُ أيضًا: صوْمُ يومِ الشكِّ تَقَدُّمٌ لرمضانَ بيومٍ، وقد نَهَى النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عنه، وأصولُ الشريعةِ أدَلُّ على هذا القولِ منها على غيرِه، فإنَّ المشكوكَ في وُجوبِه لا يَجِبُ فِعْلُه، بل الْمُسْتَحَبُّ تَرْكُه.
وقالَ الشيخُ: لو قيلَ بجوازِ الأمرينِ واستحبابِ الفِطْرِ، لكانَ أَوْلَى.
قالَ في (الفُروعِ): لم أَجِدْ عن أحمدَ أنه صَرَّحَ بالوجوبِ، ولا أمَرَ به، فلا تتَوَجَّهُ إضافتُه إليه، واحتَجَّ الأصحابُ بحديثِ ابنِ عمرَ وفِعْلِه، وليس بظاهِرِ الوجوبِ، وإنما هو احتياطٌ عُورِضَ بِنَهْيٍ.
واختارَ الشيخُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ وأَتباعُه النهْيَ عن صِيامِه.
قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ حَسَنٍ: لا شَكَّ أنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِن العُلماءِ في مَذهبِ أحمدَ مِن الحنابِلَةِ وغيرِهم ذَهَبُوا إلى أنه لا يَجِبُ الصوْمُ بل يُكْرَهُ، أو يَحْرُمُ.
وقالَ الشيخُ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ الرحمنِ: ومع مَن مَنَعَ صَوْمَه مِن الأحاديثِ الصحيحةِ النبويَّةِ التي تَعَدَّدَتْ طُرُقُها ما لا يَدفَعُه دافِعٌ، ولا يُعارِضُه مُعارِضٌ، وتَقَدَّمَ هذا كلُّه قريبًا.
وقالَ الشيخُ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ: لا يَجوزُ صَوْمُ يومِ الشكِّ؛ لحديثِ عَمَّارٍ.
وقالَ التِّرْمِذِيُّ: العمَلُ على هذا عندَ أهْلِ العلْمِ مِن الصحابةِ والتابعينَ.
وأصحابُنا في وُجوبِ الصيامِ ليلةَ الثلاثينَ مِن شَعبانَ إنْ حالَ دونَ مَغيبِ الهلالِ غَيْمٌ، أو قَتَرٌ، أو جِبالٌ، ونحوَ ذلك، صامُوهُ بحُكْمٍ ظَنٍّيٍّ احتياطيٍّ، والاحتياطُ ليس بالفعْلِ فقط، وإنما يكونُ بالترْكِ أيْضًا، فالمسْلِمُ يَحتاطُ لنَفْسِه بالاتِّباعِ، فِعْلاً أو تَرْكًا لأنَّ الاحتياطَ الحقيقيَّ هو اتِّبَاعُ ما كان أقرَبَ إلى الشرْعِ، وقد تَكَرَّرَ ذِكْرُ هذا الْخِلافِ مع ما قَبْلَه، ولكنه لا يَخْلُو مِن زيادةِ فائدةٍ.
واختَلَفَ العُلماءُ فيما: إذا رُؤِيَ الْهِلالُ ببَلَدٍ مِن البُلدانِ، فهَلْ يَجِبُ الصِّيامُ، أو الإفطارُ على عمومِ المسلمينَ؟ أو أنَّ كلَّ قُطْرٍ له حُكْمُه في الصيامِ والإفطارِ، حسْبَ مَطْلِعِ قُطْرِه الذي هو فيه؟
هذا مَوْضِعُ خِلافٍ بينَ العُلماءِ:
ذَهَبَ جُمهورُ العُلماءِ- ومنهم الإمامانِ أبو حَنيفةَ وأحمدُ- إلى: أنه إذا رُؤِيَ في بلَدٍ، لزِمَ حُكْمُه جَميعَ الناسِ؛ عَمَلاً بقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا))، والْخِطابُ للمسلمينَ عامَّةً.
ولا عِبْرَةَ باتِّفاقِ الْمَطالِعِ واختلافِها.
وذَهَبَ الإمامُ الشافعيُّ، وجماعةٌ مِن السلَفِ إلى القولِ بالحُكْمِ باختلافِ الْمَطالِعِ، وقالوا: إنَّ الْخِطابَ في الحديثِ نِسْبِيٌّ؛ فإنَّ الأَمْرَ بالصوْمِ والفِطْرِ مُوَجَّهٌ إلى مَن وُجِدَ عندَهم الْهِلالُ، أمَّا مَن لم يُوجَدْ عِنْدَهم هِلالٌ، فإنَّ الْخِطابَ لا يَتناوَلُهم إلاَّ حينَ يُوجَدُ عِنْدَهم، وهذا قولٌ له اعتبارٌ مِن حيثُ الدليلِ النَّقْلِيِّ، والنظَرِ الفَلَكِيِّ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: تَختلِفُ الْمَطالِعُ باتِّفاقِ أهْلِ الْمَعرفةِ، فإنِ اتَّفَقَتْ لَزِمَ الصوْمُ، وإلاَّ فلا، وهو القولُ الأَصَحُّ للشافعيَّةِ، وقولٌ في مَذْهَبِ أَحمدَ.
وقالَ الشيخُ نجيبٌ الْمُطِيعِيُّ: القولُ بعدَمِ اعتبارِ اختلافِ الْمَطالِعِ يُخالِفُ المعقولَ والمنقولَ، أمَّا مخالَفَتُه للمعقولِ فلِمَا عُلِمَ مِن مُخالَفَتِه لِمَا هو ثابتٌ بالضرورةِ مِن اختلافِ الأوقاتِ، وأمَّا مخالَفَتُه للمنقولِ فلأنه مُخَالِفٌ لحديثِ كُريبٍ في (صحيحِ مسلِمٍ).
قالَ كُريبٌ: قَدِمْتُ الشامَ، فرأيتُ الْهِلالَ ليلةَ الْجُمُعَةِ ثم عُدْتُ إلى المدينةِ في آخِرِ الشهْرِ، فسألَنِي ابنُ عَبَّاسٍ متى رأيتُم الهلالَ، فقُلْتُ: ليلةَ الْجُمُعَةِ وصَامُوا، فقالَ: لكِنَّا رأيناهُ ليلةَ السبْتِ، فلا نَزالُ نَصومُ حتى نُكْمِلَ ثلاثينَ أو نَراهُ، هكذا أمَرَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رواه مسلِمٌ (1087) والتِّرمذيُّ (693) وقالَ: العمَلُ على هذا الحديثِ عندَ أهْلِ العلْمِ.
قالَ مُؤَلِّفُ كتابِ (الزُّلالِ): اعلَمْ يَقِينًا أنَّ القوْلَ الصحيحَ الذي انْفَصَلَ عليه الْمُحَقِّقُونَ مِن عُلماءِ الأَثَرِ، وأَهْلِ النَّظَرِ، وعلماءِ الْهَيْئَةِ، هو أنْ يُنْظَرَ بَيْنَ الرؤيةِ وغيرِها، فإنْ كانَ بَيْنَهما: ألْفانِ ومائتانِ وسِتَّةٌ وعِشرونَ (2226) كيلا فأَقَلُّ، صارَ الْحُكْمُ واحدًا في الصومِ والفِطْرِ لاتِّحادِ الْمَطَالِعِ.
وإنْ كان أكثَرَ مِن ذلك فلا يَصِحُّ، وصارَ لِكُلِّ بلَدٍ حُكْمُه لاختلافِ مَطَالِعِها؛ سواءٌ كانَ البُعْدُ شَرْقًا، أو غَرْباً، أو شَمَالاً، أو جَنوبًا، تحتَ وِلايةٍ واحدةٍ أمْ لا، في إقليمٍ واحدٍ أمْ لا.
وهذا هو الْمُطابِقُ للنصوصِ الشرعيَّةِ والفَلَكِيَّةِ، وبهذا القوْلِ تَنتفِي جَميعُ الإِشْكَالاَتِ، واللهُ أعلَمُ.
*قرارُ هيئةِ كِبارِ العُلماءِ بشَأْنِ اختلافِ الْمَطَالِعِ:
أمَّا مَجْلِسُ هَيْئَةِ كِبارِ العُلماءِ في الْمَملكةِ العربيَّةِ السُّعوديَّةِ، فقَرَّرُوا بقرارِهم رقمَ (2) في تاريخِ 13/8/1392هـ بالإجماعِ ما خُلاصتُه:
بعدَ دِراسةِ المجلِسِ للموضوعِ، وتَدَاوُلِ الرأيِ فيه، تَقَرَّرَ ما يلي:
أوَّلاً: اختلافُ مَطالِعِ الأَهِلَّةِ مِن الأمورِ التي عُلِمَتْ بالضرورةِ حِسًّا وَعَقْلاً، ولم يَخْتَلِفْ فيه أحَدٌ وإنما وَقَعَ الاختلافُ بينَ العُلماءِ في اعتبارِ الْمَطالِعِ مِن عَدَمِه.
ثانيًا: مسألةُ اعتبارِ اختلافِ الْمَطَالِعِ مِن عَدَمِه مِن المسائلِ النَّظريَّةِ التي للاجتهادِ فيها مَجالٌ، والاختلافُ فيها واقعٌ مِمَّنْ لهم الشأنُ في العِلْمِ والدِّينِ، وهو مِن الاختلافِ السائغِ، وقد اختلَفَ أهْلُ العلْمِ في هذه المسألةِ على قَولينِ:
فمِنهم مَن رَأَى اعتبارَ اختلافِ الْمَطَالِعِ.
ومِنهم مَن لم يَرَ اعتبارَه، واسْتَدَلَّ كلُّ فَريقٍ بأَدِلَّتِه.
وعندَ بحْثِ هذه المسألةِ في مَجْلِسِ الهيئةِ، ونَظَرًا لاعتباراتٍ قَدَّرَتْهَا الهيئةُ، وقد مَضَى على ظُهورِ هذا الدِّينِ مُدَّةُ أربعةَ عَشَرَ قَرْنًا، ولا نَعْلَمُ فيها فَترةً جَرَى فيها توحيدُ أعيادٍ إسلاميَّةٍ على رؤيةٍ واحدةٍ، فإنَّ أعضاءَ الهيئةِ يُقَرِّرُونَ بقاءَ الأَمْرِ على ما كانَ عليه، وأنْ يكونَ لكُلِّ بلَدٍ إسلاميٍّ حَقُّ اختيارِ ما تَراهُ بوَاسِطَةِ عُلمائِها مِن الرأْيَيْنِ الْمُشارِ إليهما.
أمَّا ما يَتَعَلَّقُ بإثباتِ الأَهِلَّةِ بالحسابِ: فقدْ أَجْمَعَ أعضاءُ الهيئةِ على عَدَمِ اعتبارِه، وباللهِ التوفيقُ. اهـ القرارُ.
*قرارُ الْمَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ بشأْنِ توحيدِ الأَهِلَّةِ:
الحمْدُ للهِ وَحْدَه والصلاةُ والسلامُ على مَن لاَ نَبِيَّ بَعْدَه، أمَّا بَعْدُ:
لقدْ دَرَسَ الْمَجْمَعُ الفِقهيُّ الإسلاميُّ مسألةَ اختلافِ الْمَطالِعِ في بناءِ الرؤيةِ عليها، فرَأَى أنَّ الإسلامَ بُنِيَ على أنه دِينُ يُسْرٍ وسَمَاحَةٍ، تَقْبَلُهُ الفِطرةُ السليمةُ، والعقولُ المستقيمةُ؛ لِمُوَافَقَتِه للمَصَالِحِ، ففي مَسألةِ الأَهِلَّةِ ذُهِبَ إلى إثباتِها بالرؤيةِ البَصَرِيَّةِ، لا على اعتمادِها على الْحِسابِ، كما تَشْهَدُ به الأَدِلَّةُ الشرعيَّةُ القاطعةُ، كما ذَهَبَ إلى اعتبارِ اختلافِ الْمَطَالِعِ؛ لِمَا في ذلك مِن التخفيفِ على الْمُكَلَّفِينَ، مع كونِه هو الذي يَقتَضِيهِ النظَرُ الصحيحُ، فما يَدَّعِيهِ القائلونَ مِن وُجوبَ الاتِّحادِ في يَوْمَيِ الصوْمِ والإفطارِ مخالِفٌ لِمَا جاءَ شَرْعاً، وعَقْلاً: أمَّا شَرْعاً: فقد أوْرَدَ أئمَّةُ الحديثِ حَديثَ كُريبٍ، وهو أنَّ أمَّ الفضْلِ بنتَ الحارِثِ بَعَثَتْهُ إلى معاويةَ بالشامِ، قالَ: فقَدِمْتُ الشامَ, فقَضَيْتُ حاجَتَها, فاسْتَهَلَّ
عَلَيَّ شَهْرُ رمضانَ وأنا بالشامِ فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الْجُمُعَةِ، ثم قَدِمْتُ المدينةَ في آخِرِ الشهْرِ، فسأَلَنِي عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهما- ثم ذَكَرَ الهلالَ: فقالَ: متى رأيتُم الهلالَ؟ فقُلْتُ: رأيناهُ ليلةَ الْجُمُعَةِ، فقالَ: أنتَ رأيتُه؟ فقُلتُ: نعم، ورآهُ الناسُ، وصامُوا، وصامَ مُعاويةُ، فقالَ: لكنَّا رأيناهُ ليلةَ السبْتِ، فلا نَزالُ نَصومُ حتى نُكمِلَ ثلاثينَ، أو نَراهُ، فقلتُ: أَوَلاَ نَكتفِي برؤيةِ معاويةَ وصيامِه، فقالَ: لا، هكذا أمَرَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رواه مسلِمٌ في صحيحِه.
وقد تَرْجَمَ الإمامُ النوويُّ على هذا الحديثِ في شَرْحِه على مسلِمٍ بقولِه: باب بيانُ أنَّ لكلِّ بَلَدٍ رؤيتَهم، وأنهم إذا رَأَوُا الهلالَ ببَلَدٍ، لا يَثْبُتُ حُكْمُه لَمَّا بَعُدَ عنهم، ولم يَخْرُجْ عن هذا الْمَنْهَجِ مَن أَخْرَجَ هذا الحديثَ مِن أصحابِ الكُتُبِ الستَّةِ أبي داودَ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ في تراجِمِهم له.
وناطَ الإسلامُ الصوْمَ والإفطارَ بالرؤيةِ البَصريَّةِ دونَ غَيْرِها؛ لِمَا جاءَ في حديثِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)) رواه البخاريُّ ومُسلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا، فهذا الحديثُ عَلَّقَ الْحُكْمَ بالسبَبِ، الذي هو الرؤيةُ، وقد تُوجَدُ في بَلَدٍ كمَكَّةَ والمدينةِ، ولا تُوجَدُ في بَلَدٍ آخَرَ، فقد يكونُ زمانُها نهاراً عندَ آخَرِينَ، فكيف يُؤْمَرُونَ بالصيامِ أو الإفطارِ، أفادَه في بيانِ الأَدِلَّةِ في إثباتِ الأَهِلَّةِ، وقد قَرَّرَ العُلماءُ مِن كلِّ الْمَذاهِبِ أنَّ اختلافَ الْمَطالِعِ هو الْمُعْتَبَرُ عندَ كثيرٍ؛ فقد رَوَى ابنُ عبدِ الْبَرِّ الإجماعَ على ألاَّ تُراعَى الرؤيةُ فيما تَبَاعَدَ مِن البُلدانِ كخُراسانَ مِن الأندَلُسِ، أو لكلِّ بلَدٍ حكُمْ يَخُصُّه، وكثيرٌ مِن كُتُبِ أهْلِ الْمَذاهِبِ الأربعةِ طافحةٌ بذِكْرِ اعتبارِ اختلافِ الْمَطالِعِ؛ للأَدِلَّةِ القائمةِ مِن الشريعةِ بذلك، وتُطَالِعُكَ الكُتُبُ الفِقهيَّةُ بما يَشْفِي الغَليلَ.
وأَمَّا عَقْلاً: فاختلافُ الْمَطالِعِ لا اختلافَ لأحَدٍ مِن العلماءِ فيه؛ لأنه مِن الأمورِ المشاهَدَةِ التي يَحْكُمُ بها العقْلُ، فقد تَوَافَقَ الشرْعُ والعقْلُ على ذلك، فهما مُتَّفِقَانِ على بناءِ كثيرٍ مِن الأحكامِ على ذلك، التي منها أوقاتُ الصلاةِ، ومُراجَعَةُ الواقِعِ تُطالِعُنا بأنَّ اختلافَ الْمَطالِعِ مِن الأمورِ الواقعيَّةِ، وعلى ضَوْءِ ذلك، قَرَّرَ مَجْلِسُ الْمَجمعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ أنه لا حاجةَ إلى الدعوةِ إلى توحيدِ الأَهِلَّةِ، والأعيادِ في العالَمِ الإسلاميِّ؛ لأنَّ توحيدَها لا يَكْفُلُ وَحدتَهم، كما يَتَوَهَّمُه كثيرٌ مِن الْمُقْتَرِحِينَ لتوحيدِ الأَهِلَّةِ والأعيادِ، وأنْ تُتْرَكَ قضيَّةُ إثباتِ
الهلالِ إلى دُورِ الإفتاءِ والقضاءِ في الدولِ الإسلاميَّةِ؛ لأنَّ ذلك أَوْلَى وأَجْدَرُ بالْمَصلَحَةِ الإسلاميَّةِ العامَّةِ، وأنَّ الذي يَكْفُلُ توحيدَ الأُمَّةِ وجَمْعَ كَلِمَتَها هو اتِّفاقُهم على العمَلِ بكتابِ اللهِ، وسُنَّةِ رسولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-, في جميعِ شُؤونِهم، واللهُ وَلِيُّ التوفيقِ.
وصَلَّى اللهُ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وآلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ.
واخْتَلَفَ العُلماءُ في نِصابِ البَيِّنَةِ بدُخولِ شَهْرِ رمضانَ على ثلاثةِ أقوالٍ:
أحَدُهما: أنه كبَقِيَّةِ الشُّهورِ، لا بُدَّ فيه مِن شاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ.
الثاني: أنه لا يُقْبَلُ إلاَّ بشَاهِدَيْنِ إلاَّ في حالةِ الغَيْمِ، وما يَحْجُبُ الرؤيةَ، فحينئذٍ يُقْبَلُ شَاهِدٌ واحدٌ.
الثالثُ: أنه يُقْبَلُ شاهِدٌ واحدٌ مطْلَقاً، وهذا هو القوْلُ الراجِحُ الذي يَدُلُّ عليه حديثُ البابِ وغيرُه.
*فوائدُ:
*الفائدةُ الأُولَى:
يَجِبُ صَوْمُ رمضانَ بوَاحِدٍ مِن ثلاثةِ أُمورٍ:
1- رؤيةِ الهلالِ.
2- الشَّهادةِ على الرؤيةِ والإخبارِ بها.
3- إكمالِ عِدَّةِ شَعبانَ ثلاثينَ يَوْماً.
*قرارُ الْمَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ بشَأنِ العَمَلِ بالرؤيةِ في إثباتِ الأَهِلَّةِ:
الحمْدُ للهِ وحْدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نَبِيَّ بَعْدَه، أمَّا بعْدُ:
إنَّ مَجْلِسَ الْمَجْمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ قد اطَّلَعَ في دَورتِه الرابعةِ الْمُنْعَقِدَةِ بِمَقَرِّ الأمانةِ العامَّةِ لرابِطَةِ العالَمِ الإسلاميِّ بِمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، في الفترةِ ما بينَ السابِعِ، والسابعَ عشرَ مِن شهْرِ ربيعٍ الآخِرِ سنةَ 1401هـ على صُورةِ خِطابِ الدعوةِ الإسلاميَّةِ في سَنغافورةَ، المؤرَّخِ في 16 شَوَّالٍ 1399هـ الموافِقِ 8 أغسطس 1979م، الموجَّهِ لسَعادةِ القائمِ بأعمالِ سِفارةِ المملكةِ العربيَّةِ السعوديةِ هناك، والذي يَتضمَّنُ أنه حَصَلَ خِلافٌ بينَ هذه الْجَمعيَّةِ، وبينَ الْمَجْلِسِ الإسلاميِّ في سَنغافورةَ، في بدايةِ شهْرِ رمضانَ ونِهايتِه، سنةَ 1399هـ، الموافِقِ 1979م؛ حيثُ رَأَتِ الْجَمعيَّةُ ابتداءَ شهْرِ رمضانَ وانتهاءَه على أساسِ الرؤيةِ الشرعيَّةِ؛ وَفْقاً لعُمومِ الأدِلَّةِ الشرعيَّةِ، بينَما رأى المجلِسُ الإسلاميُّ في سَنغافورةَ ابتداءَ ونهايةَ رمضانَ المذكورَ بالحسابِ الفَلَكِيِّ؛ مُعَلِّلاً ذلك بقولِه: بالنسبةِ لدولِ مِنْطَقَةِ آسيا؛ حيث كانت سَمَاؤُها مُحْجَبَةً بالغَمامِ -وعلى وجهِ الْخُصوصِ سنغافورةُ- فالأماكِنُ لرؤيةِ الهلالِ أكثرُها مَحجوبةٌ عن الرؤيةِ، وهذا يُعْتَبَرُ مِن الْمَعذوراتِ التي لا بُدَّ منها، لذا يَجِبُ التقديرُ عن طريقِ الْحِسابِ.
وبعدَ أنْ قامَ أعضاءُ مَجْلِسِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بدِراسةٍ وافيةٍ لهذا الْمَوضوعِ، على ضَوْءِ النصوصِ الشرعيَّةِ -قَرَّرَ مَجْلِسُ الْمَجْمَعِ الفِقهيِّ الإسلاميِّ تأييدَه لِجَمعيَّةِ الدعوةِ الإسلاميَّةِ فيما ذَهَبَتْ إليه؛ لوُضوحِ الأَدِلَّةِ الشرعيَّةِ في ذلك.
كما يُقَرِّرُ أنه بالنِّسبةِ لهذا الوَضْعِ الذي يُوجَدُ في أماكنَ مِثلِ سَنغافورةَ وبعضِ مَناطِقِ آسَيَا وغيرِها؛ حيث تكونُ سَمَاؤُها مَحجوبةً بما يَمْنَعُ الرؤيةَ، فإنَّ للمسلمينَ في تلك الْمَناطِقِ وما شابَهَها أنْ يَأْخُذُوا بِمَن يَثِقُونَ به مِن البلادِ الإسلاميَّةِ، التي تَعتَمِدُ على الرؤيةِ البَصريَّةِ للهلالِ، دونَ الْحِسابِ، بأيِّ شَكْلٍ مِن الأشكالِ؛ عَمَلاً بقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ))، وقولِه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ((لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ))، وما جاءَ في معناهما مِن الأحاديثِ.
الفائدةُ الثانيةُ:
جاءَ في (جامِعِ التِّرمذيِّ) (633) مِن حديثِ أبي هُريرةَ؛ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ((صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ)).
قالَ الشيخُ: مَن رَأَى وَحْدَهُ هِلالَ رَمضانَ، فلا يَلْزَمُه الصوْمُ، ولا جميعُ أحكامِ الشهْرِ، وإنما يَصومُ مع الناسِ، ويُفْطِرُ مع الناسِ، وهذا أَظْهَرُ الأقوالِ.
وأَصْلُ المسألةِ: أنَّ اللهَ عَلَّقَ أحكاماً شَرعيَّةً بِمُسَمَّى الْهِلالِ والشهْرِ، كالصومِ والفِطْرِ والنحْرِ، فشَرْطُ كونِه هِلالاًَ وشَهْراً، فلو طَلَعَ في السماءِ، ولم يَعْرِفْهُ الناسُ لم يكنْ هلالاًَ، فلا يُسَمَّى هلالاًَ إلاَّ بالظُّهورِ والاشتهارِ، كما دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ.
أمَّا المشهورُ مِن مَذْهَبِ الإمامِ أحمدَ والأئمَّةِ الثلاثةِ-: فإنَّ مَن رأى الْهِلالَ وَحْدَه، فإنه يَلْزَمُه الصومُ، وجميعُ أحكامِ الشهْرِ الْمُتَعَلِّقَةِ به؛ لعِلْمِه أنَّ هذا اليومَ مِن رَمضانَ.

*الفائدةُ الثالثةُ:
خُلاصةُ الأقوالِ في الصوْمِ والفِطْرِ ثلاثةٌ:
الأوَّلُ: أنه إذا رُؤِيَ في بَلَدٍ، لَزِمَ الناسَ كلَّهُم الصوْمُ؛ نَظَراً إلى أنَّ الْخِطابَ لكلِّ المسلمينَ، بقولِه: ((إِذَا رَأَيْتُمُوهُ)).
الثاني: اعتبارُ اخْتِلافِ الْمَطَالِعِ، وتَقَدَّمَ تَحديدُه بالكيلومتراتِ، وهذا مُلاَحَظٌ فيه أنَّ الْخِطَابَ خاصٌّ لِمَن يُمْكِنْ رُؤيتُه في قُطْرِهم.
الثالثُ: لُزومُ الصوْمِ والفِطْرِ إذا كانوا تحتَ وِلايةٍ واحدةٍ، فالصحيحُ مِن حيثُ الدليلِ هو الثاني، والعمَلُ الآنَ على الثالثِ.
*الفائدةُ الرابعةُ:
بِناءً على ما جاءَ في (سُنَنِ التِّرمذيِّ) مِن حديثِ أبي هُريرةَ؛ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: ((صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ)) فإنَّ مَن أَدْرَكَهُ الصوْمُ، أو الفِطْرُ في بَلَدٍ، لَزِمَه أنْ يَصومَ، أو يُفْطِرَ ذلك اليومَ, ولو لم يَكُنْ مِن أهْلِ تلكَ البِلادِ؛ لأنَّ حُكْمَهم لَزِمَه فإذا عادَ إلى بَلَدِه وقد صامَ أَقَلَّ مِن تِسعةٍ وعِشرينَ يَوْماً، أَكْمَلَه بَعدَ عِيدِ بلادِه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الصيام, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir